يـــخـــشـــى الــــســــوريــــون مــــن أن تـــضـــيِّـــع الـــســـجـــاالت عامًا 54 السياسية إنجاز إسقاط نظام األسدين، بعد من الحكم. يهرب معظمهم من االستحقاقات السياسية الصعبة نحو التركيز على أولوية إعمار البالد املهدمة عامًا من حرب النظام املتواصلة على الشعب. 14 نتيجة وتبدو األولوية بالنسبة للكثيرين واضحة: إعادة بناء البنية التحتية، وتوفير الخدمات األساسية، وضمان ســبــل الــعــيــش لــلــمــ يــن، والـــســـمـــاح ملـــ يـــن الــنــازحــن بالعودة. بيد أن االنكباب على إعــادة اإلعـمـار املــادي وحده لــن يـبـنـي دولــــة مـسـتـقـرة، مــن دون االنـــخـــراط الــصــادق والـعـمـيـق فــي ورشـــة اإلصــــ ح الـسـيـاسـي الـتـي تضمن إعـــادة تكوين شاملة لهياكل السلطة، وتثبيت قواعد متينة للحكم تعكس التنوع املجتمعي السوري. فآخر مـــا يـحـتـاجـه الـــســـوريـــون الـــيـــوم هـــو الـتـأسـيـس لـعـودة الصراع األهلي، أو إبقاء عدم االستقرار شبحًا حاضرًا، وإن مخفيًا خلف ورش تشييد املباني أو تعبيد الطرق. تحضر فــي هـــذا الـسـيـاق دروس أملـانـيـا والـيـابـان بعد الحرب العاملية الثانية؛ حيث أُسِّــس ألنظمة حكم معتدلة وحديثة، عبر املـزج بي إعــادة اإلعمار وقيادة الـتـحـول الـسـيـاسـي الــشــامــل، والــتــي أفــضــت إلـــى سـ م دائـم وازدهــار مستمر. ولعل األمثلة املعاصرة واألكثر مالءمة لجوانب محددة من األزمة السورية، هي رواندا وجـــنـــوب أفــريــقــيــا وكـــوريـــا الــجــنــوبــيــة؛ حــيــث أضـيـفـت أولــويــة املصالحة إلــى اإلصــ حــات السياسية، وبناء املؤسسات، وجهود التعافي االقتصادي. خـــروج ســوريــا مــن جحيم اإلبــــادة األســديــة يشبه ،1994 مسار رواندا التي حطمتها اإلبادة الجماعية عام والتي ما قامت لها قائمة إال ألنها أعطت األولوية لبناء تقنيات وآليات فعالة تتيح مصالحة مجتمعية حقيقية وعميقة ومستدامة، مثل محاكم «الغاكاكا» التي أعادت بـنـاء النسيج االجتماعي الـــروانـــدي، وخـدمـت تحقيق العدالة االنتقالية في الوقت نفسه. فعبر االعتراف بالجرائم واملصارحة بي الضحايا والــجــنــاة، سـاهـمـت مـحـاكـم «الــغــاكــاكــا» التقليدية في روانــــدا فــي إعــــادة بـنـاء الـثـقـة والـنـسـيـج املجتمعي في الــــبــــ د، عــبــر الــعــفــو املــــشــــروط، وإعـــــــادة دمــــج الــجــنــاة الصغار، وتعزيز الحوار املجتمعي املفتوح. أما الشق الـــثـــانـــي الـــــذي بـــــدأه الـــســـوريـــون بــالــفــعــل نـتـيـجـة وفـــرة تطبيقات التواصل االجتماعي، وكفاءة السوريي في استخدامها، فهو التركيز على توثيق جـرائـم النظام السابق، وبناء ذاكرة جماعية ملعاناة سورية مشتركة، ستشكل -كما في «الوصفة الـروانـديـة»- أساسًا متينًا لعدالة ذكية تعالج جذور الصراع وتمنع تكراره. تــــواجــــه ســــوريــــا -بــتــنــوعــهــا الـــطـــائـــفـــي والـــعـــرقـــي- تـحـديـات مـشـابـهـة، ال يمكن لـهـا إال أن تــــزداد حـــدة في ظل حكومة عقائدية إسالمية. صحيح أن خطاب أحمد الشرع شكَّل مفاجأة سياسية كبيرة، بالنظر إلى تاريخ «جـبـهـة الــنــصــرة» الـتـي قــادهــا بصفته الـسـابـقـة: «أبــو محمد الـجـوالنـي»، إال أنــه كلما عجَّل فـي التخفف من نموذج حكم يقوم على هوية آيديولوجية واحدة، بدد االنقسامات التي مزقت البالد، وضمن توسعة التمثيل الــســيــاســي املـــانـــع لـــإقـــصـــاء واإلحـــــبـــــاط. إن مــثــل هــذه الهواجس والتوترات الكامنة ليس بوسع جهود إعادة اإلعمار وحدها تجاوزها. الجانب اآلخر املفاجئ، هو إدراك اإلدارة السورية الـجـديـدة لحاجتها إلــى دور املجتمع الــدولــي، القريب والــبــعــيــد، كــشــريــك فـــي املــرحــلــة االنــتــقــالــيــة؛ لــكــن هــذه الـشـراكـة ال يمكن لها أن تقتصر على عـ قـة عنوانها الـــدعـــم االقـــتـــصـــادي، أو الـــدعـــم الــســيــاســي، لـــقـــرار رفــع الــعــقــوبــات، مـــن دون ضــمــان بــنــاء قـــــدرات حـكـم محلي تــحــول دون تــجــدد أســـبـــاب االقـــتـــتـــال األهـــلـــي وانــهــيــار االستقرار. فــاالنــتــقــاالت الـسـريـعـة فـــي الـــعـــراق وأفـغـانـسـتـان، واسـتـعـجـال اسـتـثـمـار الـشـرعـيـات الــثــوريــة، وتهميش اإلصالحات السياسية واملؤسسية، والبناء فقط على تـحـقـيـق األهــــــداف الـعـسـكـريـة وإنـــجـــاز إســـقـــاط الـنـظـام القائم، تقدم دروسًا قاسية حول ما ال يجب فعله. فتفكيك مؤسسات النظام من دون بدائل واضحة ومناسبة -كما حدث في العراق- أو االعتماد املفرط على املساعدات الخارجية من دون تعزيز الشرعية والكفاءة املحلية -كما في أفغانستان- أدى إلى زعزعة االستقرار بشكل أكبر في البلدين، وتعطيل نهوضهما إلى اآلن. سـوريـا ال يمكنها تحمل تـكـرار هــذه األخــطــاء. ما يـعـوز ســوريــا اآلن هــو وضـــع معايير واضــحــة إلعـــادة تـكـويـن الـسـلـطـة، إلنــتــاج مـؤسـسـات يـقـودهـا سـوريـون يتمتعون بأوسع صفة تمثيلية ممكنة، وفي فترة أقل بكثير مما تقترحه اإلدارة الـجـديـدة لكتابة الدستور وإجراء االنتخابات. مـــن حـــق الـــســـوريـــن الـــذيـــن قـــدمـــوا فـــي مجتمعات الـــنـــزوح تــجــارب نــجــاح اقــتــصــادي بـــاهـــرة، أن ينعموا باالنتعاش االقـتـصـادي فـي بلدهم، بعد الـخـ ص من نــظــام األســـديـــن. لـكـن بـــاب االســتــدامــة فــي هـــذا املــجــال، والـذي يعد جـزءًا حاسمًا من معادلة استعادة سوريا، يظل مرتبطًا بطبيعته باالستقرار السياسي، والقدرة على جذب املستثمرين والداعمي السوريي واألجانب. صحيح أن اإلصــــ ح الـسـيـاسـي مــشــروع طـويـل األمـــد، وأن األولـــويـــات الــفــوريــة تتمحور حـــول تـوفـيـر الـغـذاء واملـأوى والرعاية الصحية، بيد أن اإلصالح السياسي وإعادة اإلعمار املادي ليسا متناقضي، إال ملن يريد أن يجعل من تناقضهما الوهمي بابًا لتعطيل اإلصالحات السياسية وتأجيل االنتخابات إلى لحظة أكثر مالءمة، أو بــنــاء حـكـومـة احـتـكـاريـة حـزبـيـة وفـــق قــاعــدة غالب ومغلوب. هروب بشار األسد ودخـول الشرع دمشق ال يعني فقط سقوط نظام األسد، ولكن أيضًا موت اآليديولوجية البعثية التي سقطت قبل ذلك في العراق. من الصحيح أنها كانت مجرد شعارات ميتة سريريًا، إال أنها دُفنت اآلن بشكل نهائي ومن الصعب أن تعود إلى الحياة من جديد. خالل عقود مرَّت في سوريا هناك صراعات كثيرة بي القوميي والقُطريي والناصريي وأطياف سياسية أخرى تتصارع على السلطة، وبعضها مخلصة ووطنية في أهدافها، ولكنها كلها انتهت بعد وصــول الرئيس حافظ األسد إلى الحكم. وبعد هذه املدة الطويلة وحتى سقوط النظام، تغيَّر العالم وتبي أنها لم تعد تصلح لهذا العصر. الــشــيء نـفـسـه حـــدث مــع مـصـر فــقــط، فـقـد ازدهــــرت الـنـاصـريـة بخطابها املـلـتـهـب الــــذي يــدعــو إلـــى الــثــورة وإســــقــــاط الـــحـــكـــومـــات «الـــرجـــعـــيـــة» ولــكــنــهــا تـعـرضـت ، ومــــن حـيـنـهـا فـــقـــدت جـاذبـيـتـهـا 1967 لــــ«نـــكـــســـة» فـــي وبهتت حتى ماتت. الناصريون يتحدثون اليوم كأنهم خارجون للتو من متحف املاضي. شيء شبيه بهذا حدث مؤخرًا مع صعود اإلسالم السياسي السني والشيعي. هزيمة «حزب الله» في لبنان وخـروج إيـران من سوريا هي بداية النهاية لهذا املـد، وقبل ذلـك أثبتت جماعات اإلسالم السياسي فشلها في الحكم في مصر والسودان وتـــونـــس وغـــــزة وغــيــرهــا مـــن الـــبـــلـــدان. لــقــد فـقـدت هــذه اآليديولوجيات الوهج ألنها فقدت االتصال مع الواقع والتغيرات التي حدثت فيه. عامليًا، سادت آيديولوجيات مثل النازية والفاشية والشيوعية ولكنها انهارت كلها. فـي بكي يضعون صــور مــاو فـي الـسـاحـات وينحتون مقوالته على قمم الجبال، ولكنهم يفعلون عكسها. رأى الــشــرع مـــوت هـــذه اآليــديــولــوجــيــات العاملية واإلقليمية وأنواع الحكم تسقط أمام عينيه بالتوالي، وعلى الرغم من أنه يأتي من خلفية إسالمية معروفة فـــقـــام بـتـعـديـلـهـا وتـــطـــويـــرهـــا مـــع الــــوقــــت، فــــإن كـــل ما يقوله ويفكر فيه يدل على عقلية واقعية تكنوقراطية أكـثـر مــن أي شـــيء آخـــر. يـبـدو أن الــشــرع فـهـم أن هـذه اآليديولوجيات امليتة فقدت قيمتها ألسباب واضحة. لـقـد وضــعــت الـسـيـاسـة والــثــقــافــة قـبـل االقــتــصــاد ولـم تـفـهـم طبيعة الــعـالـم املـنـفـتـح املـتـصـل بـعـضـه ببعض الــــذي نـعـيـش فـيـه فـتـعـرضـت لـلـنـبـذ، وحـــاولـــت بـالـقـوة أن تـفـرض طريقة تفكير وعـيـش واحـــدة على مجتمع مـــتـــعـــدد ومـــتـــنـــوع ديـــنـــيـــ وثـــقـــافـــيـــ فـــخـــســـرت الـــنـــاس ودخلت في صراعات وحروب وصدَّرت آيديولوجيتها خارجيًا، فخسرت السلطة وأُطـيـح بها. وهــذا ما نراه فـــي مـنـطـقـتـنـا؛ صـــــدَّام خـسـر كـرسـيـه بـعـد حــــروب كـان باإلمكان تجنبها، واإليـرانـيـون خـسـروا نفوذهم بعد تصدير آيديولوجيتهم لعقود، واإلخوان في السودان ومصر خسروا شعوبهم بعد أن فرضوا عليهم بالقوة عقيدتهم، واألسـد فر وتـرك خلفه بلده ممزقًا وأكوامًا من أقراص الكبتاغون. لـهـذا يفكر الـشـرع بطريقة واقـعـيـة، وحديثه يركز أوال على االقتصاد والتنمية وبناء البلد املـدمَّــر وعدم تصدير اآليديولوجيات إلـى الـخـارج ويُحسن عالقاته مـــع الـجـمـيـع، وهــــذا هـــو الــتــصــور الـصـحـيـح. ويـتـحـدث أيــضــ عــن الـعـمـلـيـة الـسـيـاسـيـة الــتــي تـحـتـاج إلـــى وقـت طويل حتى تنضج وتنجح، ولـهـذا القفز على املراحل ســيُــفــضــي إلــــى تــعــثــرهــا وتــفــكــكــهــا. ال يـمـكـن أن تُــبـنـى ديمقراطية متعافية على األنقاض. الجائعون يبحثون عن الرغيف ال عن صندوق االنتخاب. ويرى الشرع في املقابل نماذج آسيوية (سنغافورة، وماليزيا، وكوريا الجنوبية) وعربية ناجحة فـي الـــدول الخليجية التي استطاعت أن تزدهر بعد أن طبَّقت الدرس األهم: طردت اآليديولوجيات القومية والدينية املتطرفة من النافذة، وأدخلت التنمية من الباب. كــــــل الــــــثــــــورات تـــخـــلـــق واقـــــعـــــ صــعــبــ ، بعضها قد يغيّر العالم، كالثورة الفرنسية، والـبـلـشـفـيـة، ثـــم اإليـــرانـــيـــة، وبـعـضـهـا، مثل الـــثـــورة الـــســـوريـــة، قـــد يـعـيـد الـــتـــوازن لـواقـع مـــخـــتـــل؛ وكــــكــــل الــــــثــــــورات فـــيـــهـــا خــــاســــرون ورابـــــحـــــون، والــــخــــاســــرون فـــي ســـوريـــا هما إيـــــران وروســـيـــا، والـــرابـــحـــون هـــم الــراغــبــون في االسـتـقـرار، وأولـهـم الشعب الـسـوري، ثم املحيطان، العربي والـدولـي. لكن الـرابـح قد يـصـبـح خـــاســـرًا، والــخــاســر يـتـحـول رابــحــ ، وهذا درس التاريخ؛ فإيران ترى أن الفوضى ستعم البالد، وروسيا تعمل على استمرار وجــــودهــــا الـــعـــســـكـــري، وأمـــيـــركـــا تـــــدرس كل الخيارات، واألوروبيون، كعادتهم يلبسون، كما قــال روســـو، أقنعة عـــدة، إلخـفـاء الوجه الحقيقي؛ أما العرب فبعضهم حسم خياره، والـــبـــعـــض اآلخــــــر يــــتــــردد، بــيــنــمــا إســـرائـــيـــل وتركيا تتأرجحان بي التعاون واملواجهة. ثـــمـــة قـــنـــاعـــة مـــشـــتـــركـــة عـــنـــد الـــرابـــحـــن أن االســــتــــقــــرار يـــخـــدم الـــجـــمـــيـــع، وأن بــنــاء مــؤســســات الـــدولـــة الــســوريــة ركـيـزة للسالم واألمــــن؛ هــذه القناعة ليست وجـدانـيـة إنما براغماتية، ألن موقع سوريا الجيوسياسي، فـي حــال انـزالقـهـا للعنف، سيجعلها بـؤرة تـــهـــديـــد كـــبـــيـــرة، بــــالــــذات لـــأمـــن األوروبــــــــي، وسيحرف أنظار أميركا عن اهتمامات أكبر فــي شـــرق آسـيـا للحد مــن الـنـفـوذ الصيني، ويـعـوق تسوية امللف األوكــرانــي - الـروسـي، وسيدفع إسرائيل وتركيا للمواجهة ألنهما ســـيـــدعـــمـــان أطـــــرافـــــ مــــتــــضــــادة؛ أمـــــا الـــعـــرب فــســيــتــهــدد أمــنــهــم أكـــثـــر، وســـتـــعـــود إيـــــران. العرب، كما يبدو، حسموا موقفهم، وإن كان بعضهم مـــتـــرددًا، بـدعـم الـحـكـومـة الـسـوريـة الـــجـــديـــدة لــســبــبــن: حــمــايــة األمـــــن الــقــومــي العربي، وألنهم تعلموا، من تجربة العراق، أن عدم االنخراط يجعلهم العبي هامشيي، أو خــارج اللعبة تمامًا؛ لذلك رأينا اندفاعة عربية واضحة، ولقاءات مصارحة بي قادة سـوريـا ودول عربية الستكشاف تـصـورات الـــقـــادمـــن ملـسـتـقـبـل ســـوريـــا، ومــوقــفــهــم من األمـــن الـعـربـي، ومفهومهم لـلـثـورة؛ وطمأن قـــادة سـوريـا الـعـرب، بالتحديد السعودية، كأكبر دولة عربية فاعلة، أن ثورتهم انتهت بــوصــولــهــم لـلـسـلـطـة، وهـــدفـــهـــم قـــيـــام دولـــة سورية وطنية، تعيش بسالم مع جوارها، وتـــنـــشـــغـــل بــهــمــومــهــا الـــكـــثـــيـــرة. ويــــبــــدو أن تــحــركــات الــعــرب تـسـتـوعـب مـقـولـة الـرئـيـس األمـيـركـي جــون كيندي أن «الـذيـن يجعلون الـــــثـــــورة الـــســـلـــمـــيـــة مــســتــحــيــلــة يـــســـاهـــمـــون بتحولها للعنف»؛ لهذا أمسك العرب للمرة األولــــــــى بـــطـــرف الـــخـــيـــط، ويــــجــــهــــدون لـنـقـل سوريا من منطق الـثـورة إلـى منطق الدولة الجامعة. أمـــا األوروبـــيـــون فــيــريــدون االســتــقــرار، إنما، إذا تيسر، بشروط تجعله هشًا؛ لذلك يــــصــــرون عـــلـــى حـــمـــايـــة األقــــلــــيــــات، واملـــــــرأة، واملــجــتــمــع املــــدنــــي، وهـــــذا يـــذكـــرنـــا بـجـوهـر االنتداب (االستعماري) بأن شعوب املنطقة لــم تـبـلـغ درجــــة الــتــطــور، وتــحــتــاج لـوصـايـة دول حــــضــــاريــــة قـــبـــل انـــضـــمـــامـــهـــا لـــأســـرة الدولية. هذا االنتداب الحضاري كان أول من بشر به زعيم عصر األنـــوار فولتير بوصف إمبراطورة روسيا كاترين الثانية بـ«حاملة مـشـعـل الــتــنــويــر» لـحـمـايـتـهـا األقــلــيــات رغـم مـــعـــرفـــتـــه أنــــهــــا تـــريـــدهـــم حــــصــــان طــــــــروادة. ويــحــاول األوروبـــيـــون الـيـوم أن يـرفـعـوا هذا الــشــعــار مـــجـــددًا، لـكـنـهـم يـــدركـــون تـعـقـيـدات الــــواقــــع، وأولـــويـــتَـــي االســـتـــقـــرار فـــي ســوريــا وإخــــــراج الـــــروس مـنـهـا. هـــاتـــان األولــويــتــان تتقدمان على كـل شـيء ألن غيابهما يـؤدي لـتـفـتـت الـــدولـــة الـــســـوريـــة، ووصــــــول قــــوارب الجئي إلى شواطئهم، واإلرهاب في مدنهم، ووصــــول الـيـمـن املــتــطــرف إلـــى الـسـلـطـة في بــــ دهــــم، وبـــقـــاء روســـيـــا مــقــابــل شـواطـئـهـم فــي جـنـوب املـتـوسـط؛ هـــذا سيدفعهم قسرًا ملــســاعــدة ســـوريـــا، وإن تـجـاهـلـت الـحـكـومـة السورية مطالبهم التنويرية الفولتيرية. كـــذلـــك يـــولـــي األمـــيـــركـــيـــون االســـتـــقـــرار أولــويــة كــبــرى، بــالــذات مــع وصـــول الرئيس األمـيـركـي املنتخب دونــالــد تـرمـب للسلطة، والدليل قوله: «ليست ألميركا مصلحة في سوريا وما يجري فيها ليس معركتنا»؛ وهو محق تمامًا ألن الشروط األميركية في سوريا تحققت كلها: خرجت إيران، وخسرت روسيا موقعها، وتخلت «هيئة تحرير الـشـام» عن الـــطـــمـــوحـــات «الـــجـــهـــاديـــة»، وتــبــنــت الـــدولـــة الوطنية، ولم تعاد إسرائيل، وتتحالف مع تركيا العضو فـي «الــنــاتــو»، وتتصالح مع الـــجـــوار الــعــربــي. لــم يــبــق بالنسبة ألمـيـركـا إال مــســألــتــا األكـــــــراد و«داعـــــــــش»، وحـلـهـمـا، كـــمـــا تـــفـــكـــر إدارتــــــهــــــا، يـــتـــطـــابـــق مــــع الــــواقــــع واملصلحة األمـيـركـيـة: انـضـمـام األكــــراد إلى الحكومة املـركـزيـة مـع بعض الـحـوافـز التي يمكن مناقشتها، وإحالة ملف «داعش» إلى السلطة السورية التي أثبتت خالل وجودها في إدلب أنها األقدر على هذه املواجهة. بهذا تكون أميركا قد ضمنت االستقرار، وأرضت حــلــيــفــهــا الــــتــــركــــي ومـــنـــعـــت الــــتــــصــــادم بـن إسرائيل وتركيا، وأعادت نفوذها بقوة إلى منطقة حيوية واستراتيجية، ومكّنت الدولة الـسـوريـة مــن الــوقــوف عـلـى قدميها بـإعـادة املـنـاطـق الغنية زراعــيــ ونفطيًا مــن األكـــراد إلى سلطتها؛ هذا كله يعطي املصداقية لقول ترمب إن «حل مشكلة الشرق األوسـط أهون من حل النزاع الروسي - األوكراني». إن انــتــصــار الـــثـــورة الــســوريــة املـفـاجـئ يــحــمــل فــــي طـــيـــاتـــه، كـــــأي انــــتــــصــــار، فــرصــ ومـخـاطـر؛ الـفـرص بــأن تعمل األطــــراف على دعـــم الـحـكـومـة الــجــديــدة لينعم الــســوريــون بـــاألمـــن، والـــحـــريـــة، والـتـنـمـيـة االقــتــصــاديــة، والـــــعـــــودة الـــــوازنـــــة واإليـــجـــابـــيـــة لـلـمـجـتـمـع الدولي العربي؛ واملخاطر أن تجنح األطراف إلـــى الــتــنــافــس، واالعـــتـــقـــاد أنــهــا قـــــادرة على تحقيق كــل مـطـالـبـهـا، ودونـــمـــا أي حسبان ملصالح اآلخرين، ومصالح الشعب السوري، وبـــذلـــك يــعــود الـتـنـافـس والـــخـــ ف ومعهما ســــــوريــــــا لــــلــــعــــنــــف، واإلرهـــــــــــــــــاب، ويــــتــــحــــول الرابحون إلى خاسرين. OPINION الرأي 12 Issue 16842 - العدد Tuesday - 2025/1/7 الثالثاء التكنوقراطي أحمد الشرع جدل األولويات السورية ودروس االنتقال السياسي سوريا الجديدة... الفرص والمخاطر وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com أحمد محمود عجاج ممدوح المهيني نديم قطيش
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==