، ووقائع 2024 جرت أحداث جسام في السنة الراحلة كبيرة لم يكن ليتكهن بها كبار املنظرين االستراتيجيني وال أصـحـاب الفراسة الجيوسياسية فـي النظام العاملي، وكانت ذروة هاته األحداث ما قامت به إسرائيل من تدمير لـغـزة، ومـن تقزيم أجنحة «حــزب الـلـه» اللبناني واغتيال قـــادتـــه؛ وعـــلـــى رأســـهـــم حــســن نــصــر الـــلـــه، وتـصـفـيـة قـــادة «حـمـاس» الـكـبـار، البعض منهم اغتيل فـي أراض لـم يكن ليتصور أن تنالها أعني املخابرات اإلسرائيلية وأسلحتها، كما وقــع إلسماعيل هنية فـي إيـــران؛ وامتحنت إسرائيل وأمـيـركـا قـــوة الـــرد اإليـــرانـــي الـــذي أنـبـأ بـمـحـدوديـة الـــردع االسـتـراتـيـجـي لـــدى إيـــــران؛ واقــتــربــت الــحــرب بــ روسـيـا وأوكرانيا من دخول عامها الرابع، وكانت األشهر املاضية لــصــالــح مــوســكــو بــامــتــيــاز عــلــى األرض؛ ســيــطــرت فيها آالف كلم مربع، ال سيما في مقاطعة 3 على ما يقرب من دونـيـتـسـك جـنـوب شـرقـي أوكــرانــيــا، رغـــم أن كييف كثفت استخدام املسيّرات الهجومية، وحصلت على طائرات «إف »، وعلى موافقة الرئيس بايدن لضرب العمق الروسي 16 بـصـواريـخ غربية بعيدة املـــدى؛ ويصيب الـخـوف والـذعـر الدفينان األوروبيني من وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت األبيض، حيث إن قواعد الدعم والتدخل األميركية فــــي أوكــــرانــــيــــا ســتــتــغــيــر بـــالـــكـــامـــل، وســـتـــكـــون مـجـتـمـعـة لصالح الرئيس بوتني الذي يلتقي في خبرته املخابراتية واالستراتيجية مع النظرة االستراتيجية للرئيس ترمب؛ كما أن حلف «الناتو» سيبدأ في الدخول في سبات جزئي، ألن العقيدة االستراتيجية الترمبية تـقـوم على مصالح أمـــيـــركـــا، وأنــــه لـــم يــصــوت عـلـيـه لـحـمـايـة األوروبــــيــــ وال الحلفاء، وإنـمـا لتحقيق الـرخـاء للشعب األمـيـركـي ومـلء جيوب املواطنني... كما أن الدولتني املحوريتني في أوروبا؛ فرنسا وأملانيا، تعيشان على وقع مشاكل سياسية داخلية صعبة، مما يجعل الجسم األوروبــــي خاليًا مـن محركيه التقليديني، ومـا لذلك من تأثير على املصالح األوروبـيـة؛ كما أن أفريقيا بـدأت تغير من قواعد التحالف التقليدية من قبيل جلب روسيا والصني بوصفهما حليفني موثوقًا بهما، واستبعاد الحلفاء التقليديني... غير أن السنة لم تودعنا حتى كانت الواقعة غير املنتظرة، وهـي القضاء على حكم بـشـار األســـد وهــروبــه إلــى روسـيـا لـلـدخـول في تقاعد مر، بعد أن مرت البالد بسنوات من الجحيم والحرب سـنـة، وقـضـت على 13 األهـلـيـة الـتـي دامـــت مــا يـزيـد عـلـى األخـضـر والـيـابـس، مخلفة أكـثـر مـن نصف مليون قتيل، ومنشئة ملناطق نفوذ تسيطر عليها أطراف متحاربة ذات والءات وتوجهات ومصالح مختلفة. كل هذا ألن التقلب، والتوجس، والتعقيد، والغموض هي سمات تطبع الساحة الدولية الحالية... فكل منطقة من العالم تؤوي مصائب عظمى؛ منها التي اشتعلت، ومنها التي خبت مؤقتًا، ومنها التي تنتظر دورهـا؛ وتغيب في كثير من األحيان الحكمة االستراتيجية عن بعض الفاعلني املحليني في حل املشاكل الداخلية وفـي استباق األزمــات، بمعنى غياب النظرة املوضوعية للبيئة الحالية، والتقويم املسبق لنتائج االستمرارية والتغيير داخــل هـذه البيئة، بصورة تضمن ازدهار البالد في املستقبل... إن غرض الحكمة االستراتيجية هو ترجمة الغرض السياسي إلـى تأثيرات تشكل البيئة االستراتيجية على النحو املفضل. وهي شاملة في نطاق رؤيتها ومحدَّدة في حقل تنفيذها. فاالستراتيجية تُعنى باملستقبل، وتحليل املشكالت وتجنبها، وتُـــؤدى هـذه املهمة مـن خـ ل تقويم دقيق للبيئة الداخلية والخارجية لتحديد وانتقاء العوامل االسـتـراتـيـجـيـة األســاســيــة الــتــي يـجـب أن تــعــالَــج لخدمة مصالح الـدولـة بنجاح. وهـاتـه مسألة فـي غاية األهمية، ألن الفاعل السياسي إذا فقه أبجدياتها نجا ونـجـح في سياساته وأقـــام جسرًا يمر عليه هـو وقـومـه بـسـ م؛ وإال كانت الكارثة. فماذا لو امتلكت الحكمة بشار األسد الذي أمسك منذ أربعة وعشرين سنة مصير البالد والعباد؟ ماذا لو أدخل كل الفاعلني املجال السياسي العام ومنحهم فرصة تسيير الــشــأن الــعــام؟ مـــاذا لــو اسـتـقـوى بـالــداخــل بـــدل استقوائه بــالــخــارج؟ مـــاذا لــو قـــرر األوكـــرانـــيـــون جـعـل بـلـدتـهـم دولــة محايدة، ال يقتربون من الحلف األطلسي وال من الخطوط الحمراء التي جعلت بلدتهم تعيش تحت رحمة القنابل والصواريخ؟ ماذا لو حضرت الحكمة االستراتيجية عند محركي «طوفان األقصى» الذين ظنوا أن مخرجات األمور ستسفر عن تدخالت عسكرية إسرائيلية مـحـدودة تليها اتـفـاقـيـات لـصـالـح «حـــمـــاس»؟ أو أن شــــرارة الــحــرب التي أطلقت ستتبعها حـــروب إقليمية موسعة تتسابق فيها القوى الدولية إلطفائها؟ إن الفترة الحالية تحتاج إلـى نـظـارات استراتيجية ال تقبل الـخـطـأ، وتـحـتـاج إلـــى حكمة كـبـيـرة مــن الفاعلني لتجنب املشكالت املستقبلية املمكنة أو حلها قبل فـوات األوان؛ اللحظة االستراتيجية ثمنها بـاهـظ؛ ومــا يجري حاليًا في النظام العاملي أقعد كثيرًا من املناطق على جرف هــار قـد تـهـوي بها فـي كـل حــ ؛ والحكيم مـن عــرف كيف يغادر تلك الهاوية ويستقوي بالداخل ويجلب التحالفات املتوازنة بدل االرتماء في أحضان املجهول. يـــنـــظـــر الــــنــــاس فــــي الــــبــــ د الــــتــــي تـــمـــزقـــهـــا الــــحــــروب والنزاعات للعام الجديد بأمل وترقب أن يحمل لهم أخبارًا ســعــيــدة، تـبـشـر بــقــرب الـفـرج وانــتــهــاء املــشــكــ ت وحـلـول السالم. ال تنطلق اآلمال، بالضرورة، من الواقع، وال تستند إلى مؤشرات، وليس من واجب املاليني من الناس املتعبني واملشردين أن يربطوا آمالهم وأحالمهم بأي مؤشرات أو تـوقـعـات، لهم أن يحلموا ويـأمـلـوا ويلقوا حمولهم على الله، ومن واجب مَن حملوا املسؤوليات في تلك البالد أن ينظروا كيف يمكن تحقيق تلكم اآلمال والتطلعات. وربما ينظر الناس بعني األمـل ملا حدث في سوريا، ويـــرون كيف عانى الـسـوريـون لعقود طويلة تحت وطـأة نظام قمعي ودموي، ثم كيف جرت األمور بسالسة وانهار الـنـظـام فـي أيـــام قـ ئـل. والحقيقة أن مـن يفعل ذلــك ليس مخطئًا، فـمـا حـــدث ويــحــدث فــي ســوريــا يحمل مـؤشـرات تغيير في أوضــاع اإلقليم والعالم، وطريقة تعاملهم مع األحداث والوقائع. فقد تضافرت عوامل داخلية وخارجية لتكتب نهاية نظام األسـد في سوريا، فقد تآكل النظام من الداخل بعد أن تحول من نظام حزب واحـد لنظام تملكه عائلة وشلة واحدة، واستنفد أسباب بقائه كلها، ولم تعد هناك قوة أو مؤسسة في الدولة قادرة أو راغبة في الدفاع عنه. وتَوافَق ذلك مع مخطط دولي وإقليمي إلضعاف نفوذ امليليشيات في املنطقة. مــن املــؤكــد أن هـنـاك خـطـة إلعــــادة هـنـدسـة األوضـــاع فــي املنطقة بــصــورة جــديــدة، قــد تختلف تـصـوراتـهـا من دولــة ألخـــرى، لكنها ترتكز على إيـجـاد حلول للنزاعات، ومــعــالــجــة الـــتـــوتـــرات واالنـــقـــســـامـــات الـــتـــي تـــزعـــج الــــدول الكبرى، لتتفرغ بعدها هـذه القوى الكبرى لرسم صورة املـرحـلـة الــجــديــدة. لـكـن ال يعني هـــذا أن األمــــور ستجري وفـــق مـا تــهــوى وتـرغـب الـــــدول الــكــبــرى بـغـض الـنـظـر عن رغبة شعوب الدول التي تعيش حالة الحروب والنزاعات، واستعداد قواها وفصائلها املتنازعة. تجربة الـــدول الـكـبـرى، بما فيها الــواليــات املتحدة، خصوصًا بعد تجربتَي الـصـومـال وأفغانستان، أنـهـا ال تلقي بثقلها وراء مجهودات وقـف الحرب والـنـزاع إال إذا أحـسـت بـاسـتـنـفـاد الــقــوى املـتـصـارعـة لـكـل قـوتـهـا، وأنـهـا صــارت فـي مرحلة قبول الحلول املقترحة، فــإن لـم يتوفر االســتــعــداد املـحـلـي وتـنـضـج الـــظـــروف، فستتركها مثلما تركت الصومال لسنوات طويلة، ومثلما تركت أفغانستان قبل سنوات قليلة. لذلك من املتوقع أن تتجه األنظار اآلن، ومع تولي تــرمــب لــســدة الـــرئـــاســـة، إلــــى لـيـبـيـا والـــيـــمـــن، وقــــد تـبـدأ العملية بجس النبض أوال ملعرفة مدى استعداد األطراف املــحــلــيــة واإلقــلــيــمــيــة لـــ نـــخـــراط فـــي عـمـلـيـة مـصـالـحـة شاملة. ليبيا يكثر فيها الحديث عن البدء باالنتخابات العامة كمدخل ملسألة تنازع االختصاصات والسلطات بني بنغازي وطرابلس. وما يشجع على البداية بليبيا أن حالة العنف قد تـوارت، كما أن الصراعات املناطقية والـــجـــهـــويـــة قـــد تــنــاقــصــت، وصـــــار الـــطـــابـــع الـسـيـاسـي للصراع هو الغالب، وبالتالي فإن األجواء مناسبة للحل السياسي. بالنسبة لليمن تنتظر القوى الدولية ظهور نتائج عملية إضـعـاف الحوثيني عبر الـضـربـات املتتالية، على أمـل أن يصل الحوثيون ملرحلة يتأكدون فيها أن مسألة انفرادهم بالحكم ليست فقط غير مقبولة محليًا وإقليميًا ودولـيـ، لكنها أيضًا غير عملية وغير قابلة لالستمرار. دون الوصول لهذه النقطة سيبدو الحل السياسي بعيدًا، فـــــاألطـــــراف األخـــــــرى تـــوصـــلـــت لــقــنــاعــة بــاســتــحــالــة الــحــل الــعــســكــري، وبــقــيــت قــنــاعــة الــحــوثــيــ هـــي الــتــي ستفتح األبواب للحل السياسي. في حالة السودان تبدو األمور أكثر تعقيدًا وصعوبة، فالحرب ما زالت تدور في جبهات وواليات متعددة. ورغم مرور عشرين شهرًا على الحرب دون أن يتمكن أي طرف من حسمها، فإن قناعة طرفَي الحرب لم تتغير بعد، وما زالت أوهــام النصر الشامل تــراود الطرفني. وقـد يسمع الناس حديثًا مختلفًا قليال من قائد «الدعم السريع»، الذي يبدي رغـبـتـه فــي الــســ م ووقـــف الـــحـــرب، لـكـن مــمــارســات قـواتـه على األرض تُناقض ذلك، وتدفع الطرف اآلخر للرغبة في االنتقام باالستمرار في الحرب. تـجـربـة املــبــعــوث األمــيــركــي لــلــســودان تـــوم بيريللو لــم تـكـن مـوفـقـة، لــذلــك مــن املـتـوقـع أن يــكــون هــنــاك مدخل أميركي مختلف، يبدأ بتجفيف مصادر التسليح واإلمداد، وتحييد بعض القوى اإلقليمية، مع ازدياد ضغوط فرض العقوبات، على أمل أن يؤدي ذلك الستنفاد قوة الطرفني ودفعهما للبحث عن حل سلمي عبر التفاوض. هكذا يبدو طريق السودان طويال ومعقدًا، لكن ال يفقد السودانيون األمـل، ففي تاريخهم دروس وعبر كثيرة يستمدون منها هذا األمل. غـــالـــبـــ مــــا اســـتُـــخـــدمـــت، فــــي تـــنـــاول الوضع السوريّ، نظريّة مؤدّاها أن الثورة الحقيقيّة هي التي تغيّر مجتمعًا، ال التي تغيّر نظامًا. والنظريّة هـذه تبقى أقـرب إلــى شـعـار، بمعنى أن الـشـعـار يـقـول كل شـــيء وال يـقـول شـيـئـ . فـمـن الـبـديـهـي أن تقاس الثورات بمدى تغييرها العالقات االجتماعيّة واألفـكـار والثقافة والتعليم ومـــســـائـــل الـــجـــنـــس والــــجــــنــــدر، ومـــــن ثـــم الـنـظـرة إلــى الـــذات وإلـــى الـعـالـم. لـكـن هل يـــكـــون هـــــذا مــمــكــنــ دون تــغــيــيــر الــنــظــام الــسـيــاســي كـــشـــرط ضـــــــروري غــيــر كــــافٍ، خصوصًا أنّنا ال نتحدّث عن دول تحترم اسـتـقـ ل املجتمع املــدنــي وخصوصيّته وتمتنع عن التدخّل في عديد العمليّات االجتماعيّة والثقافيّة. وما دام الكالم عن سـوريّــا تحديدًا فـإن ذاك الجهاز األســدي املـسـمّــى دولـــة كــان دومـــ مـشـهـورًا، وأكثر مـــن أي شـــيء آخــــر، بــاثــنــ : بـتـدخّــلـه في الــــشــــاردة والــــــــواردة مـــن حـــيـــاة مـواطـنـيـه اجـتـمـاعـ وتـعـلـيـمـ ، بــل تــواصــ بأبسط مــعــانــي كــلــمــة الـــتـــواصـــل، كــمــا بـالـعـقـاب الـوحـشـي الـــذي يُنزله بـاملـواطـنـ الذين ال يمتثلون ملعاييره املفروضة. ولوحات املوت التي رأيناها في صيدنايا وسواها باتت أبلغ من كل كالم. لهذا كان من املشروع تمامًا أن تُقرأ نظريّة «تغيير املجتمع ال تغيير النظام» بوصفها محاولة للتهرّب من اإلسهام في تغيير النظام، وبالتالي عالمة على عدم اكتراث فعلي بتغيير املجتمع. فــــي املــــقــــابــــل، فـــــــإن ســـــوريّـــــا مــــا بـعـد إطاحة بشّار باتت تطرح على السوريّني وعـلـى املعنيّني بشأنها مشكلة مـن نوع آخــــر: مــــاذا حـــ يــطــاح الــنــظــام وال يـبـدأ تغيير املجتمع، أو يجد املجتمع نفسه، وفـــق مــا يـــرى ســـوريّـــون كــثــيــرون، مـهـدّدًا باحتمال التغيّر إلى األسوأ؟ هـــنـــا قــــد تـــواجـــهـــنـــا نـــظـــريّـــة نـقـيـض للنظريّة األولى، مفادها اعتبار أن تغيير النظام كاف بذاته، وأنّه يغني عن تغيير املجتمع، أو بلغة أدقّ، عن إتاحة الحرّيّة للسكّان كي يغيّروه بأنفسهم وعلى هدي تجربتهم وطموحاتهم. والحال أن النظريّتني يجمع بينهما اتّـــفـــاقـــهـــمـــا، ولــــو مـــن مـــوقـــع الــــضــــدّ، على تجزئة معنى الثورة، ومن ثم االستعاضة عــــن الــــكــــل بــــالــــجــــزء. لــكــنّــهــمــا تــشــتــركــان أيـــضـــ فـــي أن كـــــ مـنـهـمـا تـــخـــدم وضـعـ سلطويًّا قائمًا، ضدًّا على رغبة الراغبني فـــي إزالـــتـــه. وهــــذا فــضــ عـــن صـدورهـمـا عــن مـقـدّمـات أهـلـيّــة نـزاعـيّــة لـيـس صعبًا تقصّي أسبابها. فالنظريّة األولـى كانت تــقــلــيــديّــ تــــرى فـــي الــعــلــمــانــيّــة مـــا يـغـيّــر املجتمع، فتحمّست لها والفتراض أنّها، من خالل تحييدها الدين، تمحو الفارق بني أكثريّة وأقلّيّات. وبدورها فالنظريّة الثانية ذهبت تقليديًّا، وتـذهـب، إلــى أن الخالص تضمنه صيغة حكم شعبويّة، شــبــه ديـــمـــقـــراطـــيّـــة أو غــيــر ديــمــقــراطــيّــة، إال أن الــــعــــدد األكـــــثـــــري هــــو مــــا يـتـحـكّــم بـمـسـارهـا، مــحــدّدًا طبيعة «الـضـمـانـات» و»التطمينات» التي تُقدّم لألقلّيّات. ومــــا يــمــكــن قـــولـــه الـــيـــوم إن إســقــاط النظام بـات يفتح الباب للمهمّة املديدة، الــصــعــبــة واملــــعــــقّــــدة، الـــتـــي هــــي «تـغـيـيـر املجتمع». وهنا يحتل الـصـراع الثقافي مــــوقــــعــــ مـــــتـــــصـــــدّرًا بـــحـــيـــث تُـــســـتـــعـــرض وتشتبك اآلراء املتباينة حـــول الـسـوريّــا الـتـي يـريـدهـا الــســوريّــون. فما كــان يبدو ســابــقــ «ثـــقـــافـــويّـــة» تــضــع الــثــقــافــة حيث ينبغي أن تـكـون الـسـيـاسـة، وتــدعــو إلـى تغيير املجتمع تهرّبًا من تغيير النظام، لـــم يــعــد كـــذلـــك. وأغـــلـــب الـــظـــن أن مـسـائـل كـالـحـرّيّــات الشخصيّة والـعـامّــة، وعالقة الدين بالسياسة، وأوضاع املرأة، وكتابة التاريخ ومناهج التعليم، ستطرح نفسها بــحــدّة، ومـعـهـا خـصـوصـيّــات الجماعات السوريّة طوائف ومناطق وإثنيّات. يعزّز هذا امليل أن قوى «القوميّة» و»املقاومة» على أنواعها تعرّضت، في سوريّا كما في عموم املشرق، لضربات مميتة، ما يزيح «قضايا املصير» التي ال تُحل عن كاهل املسائل املجتمعيّة والثقافيّة التي تُحلّ. وبالطبع فأولئك الذين سيخوضون هـــذه املـعـركـة الــيــوم ال يـمـتّــون بصلة إلـى أصــــــوات مـــن دعـــــوا بـــاألمـــس إلــــى تغيير املجتمع دون تغيير النظام. فهؤالء أبناء وبناتها ممّن دفعوا غاليًا ثمن 2011 ثورة محاولتهم تغيير النظام ليجدوا أنفسهم اآلن مواجَهني بمهمّة تغيير املجتمع. وقـبـل أن يـكـون مـــدار املـسـألـة امللحّة راهنًا مدّة الثالث سنوات واألربع سنوات إلعداد الدستور وإجراء االنتخابات، فإن مــــدارهــــا هـــو املـــنـــاخ الـــــذي ســيــســود هــذه الـسـنـوات الـثـ ث أو األربـــع. فهل سيُتاح املـــجـــال لــجــو حـــر وســلــمــي لــ نــطــ ق في مسيرة هـذا التغيير، أي للتنظيم وبناء الــــروابــــط واألحـــــــزاب وعــــرض األفــــكــــار، أم أن الـــقـــمـــع هــــو مــــا ســـيـــواجـــه الـــســـوريّـــ الـــطـــامـــحـــ إلـــــى تــغــيــيــر يـــتـــعـــدّى تـغـيـيـر النظام؟ واقـــــع الـــحـــال أن املـــعـــركـــة الـــجـــديـــدة، فـي ظــل أزمـــة اقـتـصـاديّــة طاحنة وبعثرة سكّانيّة وتفاوت بني األوضاع السياسيّة لـلـمـنـاطـق، فــضــ عــن الـبـنـاء عـلـى الـعـدم السياسي الذي خلّفه النظام الساقط، لن تـكـون بـاألمـر السهل. فــوق هـــذا، لـم تترك حــــدّة الـقـمـع عـلـى مـــدى عــقــود للنضاالت املجتمعيّة والـثـقـافـيّــة مــا كـــان يمكنه أن يكون تأسيسًا صلبًا أو تراكمًا أوّليًّا يُعتد به. مع هذا فإن أي منع أو إعاقة يفرضهما النظام الجديد سيكونان تمهيدًا لتنازع يُـــرجـــى لـــســـوريّـــا الـــجـــديـــدة أن تـنـجـح في اجتنابه. فإمّا أن يتيح الوضع الناشىء خوض صراع حول املجتمعي والثقافيّ، يحل العمل السلمي فيه محل العسكريّ، أو أن يغدو الخراب أفقًا شديد االحتمال. OPINION الرأي 12 Issue 16840 - العدد Sunday - 2025/1/5 األحد هل ثمة أمل يلوح في العام الجديد؟ أخطار الساحة الدولية وضرورة الحكمة االستراتيجية على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة فيصل محمد صالح عبد الحق عزوزي
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==