issue16837

6 حوار INTERVIEW Issue 16837 - العدد Thursday - 2025/1/2 الخميس ASHARQ AL-AWSAT في الحلقة الأخيرة من مقابلته الموسّعة مع «الشرق الأوســــــــط»، يـــــروي أســـامـــة عـــثـــمـــان، «مــــهــــرّب» مـلـفـات الـتـعـذيـب الـسـوريـة المـعـروفـة بـاسـم «مـلـفـات قيصر»، كيف عــاش لـسـنـوات مـع صــور الضحايا حتى باتوا «كأنهم أصدقائي». ويحكي كيف كان يبكي في البداية أمــام الـصـور «ثــم تبلدت مـشـاعـري». ويـقـول: «عندما كنت أبكي كنت متأكداً أنني لا أزال إنساناً، لكن عندما أصبحت أنظر إلـى هـذه الصور بنوع من البرود فقط لأبحث عن صورة أحسست أنني غريب عن نفسي... بشار الأسـد شـوّه الضحايا من الخارج وشوّهنا من عاماً 11 الـداخـل». وقـال عثمان الـذي عُـرف على مدى باسمه الكودي «سامي» قبل أن يكشف عن هويته عبر «الشرق الأوسـط»، إن «أكثر ما يؤلمك أن تسمع أقارب ضحية يتعرفون عليه من الصور ويقولون: الحمد لله أنـه مـات وأنهم خرجوا من آلام الانـتـظـار... تقولها أم أو زوجة بحرقة تكاد تفطر الفؤاد». وشارك «سامي» 27 أبرز ما استوقفه في الصور التي بلغ عددها نحو ألفاً، مثل «وجود أكثر من صورة يحمل فيها الضحية وشماً كبيراً لبشار الأسد على صدره»، أو ابتسامات عـنـاصـر الأمـــن أمـــام الـجـثـث المـشـوهـة بــآثــار التعذيب «وكأنهم في منطقة سياحية». وفيما يلي نص الحلقة: إنه عاش مع الضحايا كأنهم أصدقاؤه (الحلقة الثالثة الأخيرة) «مهرّب» ملفات التعذيب السورية قال لـ «سامي»: في البداية كنت أبكي أمام الصور ثم تبلّدت مشاعري كيف استطعت احتمال رؤيـة هـذا الكم > الهائل من صور التعذيب؟ - أول صـــور وصـلـتـنـي مــن «قـيـصـر» كانت مؤلمة جـداً. أنـت لا تتصور. يمكنك أن تـرى رجــاً أطلق عليه الـنـار وقُـتـل في مواجهة عسكرية أو فـي جريمة جنائية عادية وتستطيع أن تتفهم الـذي حصل. لكن أن تصل إلـى يديك صـور تظهر على صدور الضحايا آثار الحرق في مواضع متعددة! عـــنـــدمـــا أرى هـــــذه الــــصــــور أتــعــايــش معها. أحـس أن هـذا الرجل هو أخـي، هو أبـــــي. ربـــمـــا يــتــضــاعــف الألـــــم هـــنـــا. أشـعـر بآثار الحرق على هذه الجثة وكأنه على صدري. ما الذي دفع المجرم إلى التنكيل بهذه الضحية بهذا الشكل؟ أقتله! أحكم عليه بالقتل! إذا كان دخل إلى السجن لكي يموت فيه، فاقتله. لمـاذا تقوم بالتعذيب بهذه الطريقة الهمجية؟ نحن لم نر عبر الــتــاريــخ نـظـامـا يــصــرف هـــذه الإمــكــانــات لــكــي يـــقـــوم بــاحــتــجــاز أعـــــداد هــائــلــة جــداً مـــن المـــواطـــنـــن، ويـــقـــوم بـتـعـذيـبـهـم بـهـذه الطريقة التي لا تستطيع العقول البشرية السوية أن تتخيلها. هـل كنت تعاني مـن الأرق وقـلـة الـنـوم. > هل كنت تبكي مثلاً؟ - فــــي المـــــراحـــــل الأولــــــــى لا تـسـتـطـيـع أن تــمــنــع نــفــســك مــــن الـــبـــكـــاء، لأن هــــؤلاء الأشـــخـــاص لــيــســوا مـــجـــرد أرقــــــام. هـــؤلاء الأشخاص لديهم أمهات تنتظرهم. لديهم أبـــنــاء. لـديـهـم إخــــوة. لـديـهـم قـصـة حـيـاة. بشار الأسد حوّل هؤلاء إلى صورة ورقم، سنوات من خروجنا 10 وحتى الآن بعد لـسـوريـا لـديـنـا آلاف الــصــور الـتـي تحمل أرقـــامـــا مـــن دون أســـمـــاء. لا نـسـتـطـيـع أن نــعــرف صــاحــب هــــذه الـــصـــورة مـــا اســمــه، وكـان لدينا أمل أنه عندما يسقط النظام نستطيع أن نحصل على السجلت التي تربط أسماء هؤلاء بأرقامهم، ونحن حتى هذه اللحظة لم نحصل عليها. لـذلـك نعمل الآن فـي منظمة «ملفات قـيـصـر لــلــعــدالــة» مـــع بـعـض الــجــهــات كي يكون لدينا تطبيق يمكنه مقارنة صور المــفــقــوديــن الــتــي قـــد يـقـدمـهـا الأهـــالـــي مع الصور التي لدينا بالطريقة التي تتبعها عــادة أجـهـزة البحث الجنائي فـي الــدول، وتـعـتـمـد ربــمــا عــلــى قــيــاســات الجمجمة وعـلـى بـعـض الـتـفـاصـيـل الأخــــرى الـتـي لا يمكن للعي المجردة أن تقوم بملحظتها. قلت إنك كنت تبكي في البداية وتتأثر > كثيراً بالصور. مــاذا حـدث لاحقاً بعد سنوات من العيش مع صور الضحايا والتعذيب؟ - بشكل طبيعي عندما يتكرر تصفح هــذه الـصـور عـشـرات المـــرات - وهـــذه آلاف الصور - فأنت تمر أمامك الصورة. عندما سألتني عن موضوع الجثث والضحايا، بعدّه 227 فأنا فـي ذهني مباشرة الـفـرع الـــــفـــــرع الـــــــذي تـــكـــثـــر فـــيـــه حـــــــالات اقـــتـــاع العيون. هـذا لأنني شـاهـدت هـذه الصور هو الفرع الذي قام 215 مئات المرات. الفرع بأكبر عدد ممكن من الانتهاكات تجاوزت نــصــف إجـــمـــالـــي هـــــؤلاء الـــضـــحـــايـــا. هــذه الأرقام حُفِرت بذاكرتي، كما حُفِرت صور الضحايا في السنوات الأولى. وصلت إلى مرحلة ربما إذا رأيت صورة أقول لك هذه من الفرع الفلني. أصــــبــــح هــــــــؤلاء كـــأنـــهـــم أصــــدقــــائــــي. بــــعــــض الـــــصـــــور كـــــــان يــــبــــدو فـــيـــهـــا عــلــى الــضــحــيــة أنــــه فـــي الــلــحــظــة الأخــــيــــرة كــان يصرخ. مات وفمه مفتوح. هذه الصرخة التي لم يسمعها سوى الله وصلت إلينا عبر الصورة. أحسست أنني كنت أعيش مـعـه، أحسست أنــه يطلب شيئا ويكلفنا ويحملنا أمانة. في السنوات التالية، وكأن مشاعرنا قد تبلدت. وهـذا كـان أمـراً محزنا. يعني، عندما كنت أبكي كنت متأكداً أنني لا أزال إنــســانــا. لـكـن عـنـدمـا أصـبـحـت أنــظــر إلـى هـــذه الــصــور بــنــوع مــن الـــبـــرود فـقـط لكي أبـحـث عـن صـــورة، أحسست أنـنـي غريب عــن نـفـسـي. بـشـار الأســـد جعلنا نتشوه، لـيـس مــن الـــخـــارج فـقـط كـمـا فـعـل بـهـؤلاء الضحايا، ولكن من الداخل أيضا. جرت عمليات قتل في المستشفيات كما > سمعنا... هل ضلع أطباء في عمليات التعذيب؟ - مـــن خــــال المـــلـــف الـــــذي خــرجــنــا به من سوريا، كانت لدينا صـور كما ذكرت قـــبـــل قــلــيــل لأشــــخــــاص لا تــــــزال الأنـــابـــيـــب فـــــي أذرعـــــهـــــم والــــلــــصــــقــــات الـــطـــبـــيـــة عـلـى أجــســادهــم. الـكـثـيـرون مـمـن يـتـضـح أنهم كـــانـــوا فـــي المـسـتـشـفـيـات وانـــتُـــزعـــوا منها وكـانـوا يتعالجون بطريقة أو بـأخـرى لا أعـرف ما الـذي حصل لهم بالتحديد. هل هـــم اعـتـقـلـوا وأخــــــذوا إلـــى المـشـفـى أو هم مــرضــى ودخـــلـــوا المـشـفـى ثــم اعـتـقـلـوا من هناك؟ لا أسـتـطـيـع أن أجـــزم بـهـذا الأمـــر ولا أبت في هذه التفصيلة لأنها تحتاج إلى أدلــــة أخــــرى لا أمـلـكـهـا بـالـتـأكـيـد. شهدنا بعض المحاكمات في ألمانيا لأطباء اتهموا بارتكاب انتهاكات ضـد المعتقلي، وهـذا الأمر - إذا خرجنا من إطار البحث الحقوقي الصارم والــذي لا يأخذ إلا بالأدلة - نجد كثيرين مـن الناحية الشعبية يتداولون هذه القصص حوله. ولكن كما ذكرت قبل قليل أي تداول إعلمي أو شعبي لعمليات القتل والتعذيب لا يكون له سند قانوني حقيقي لا يصمد لـأسـف أمـــام أي قـاضٍ في أي محكمة في العالم. التعرفعلى الضحايا وآلام الانتظار كــشــفــت الــــصــــور عــــن مــصــيــر حــــالات > مـــفـــقـــوديـــن. هــــل اتـــصـــل بــــك أقـــــــارب لأصـــحـــاب الصور، وماذا كان شعورك تجاه هؤلاء؟ - عـلـى فــتــرات مـتـقـاربـة أو مـتـبـاعـدة كـــانـــت تــأتــيــنــي صــــور بــعــض الأشـــخـــاص يــشــتــبــه ذووهــــــم بــأنــهــم قـــد يـــكـــونـــون مـن الـضـحـايـا الـذيـن وردوا فـي مـلـف قيصر، وأحاول بالوسائل الطبيعية مساعدتهم. أقـــــوم بــتــصــفــح آلاف الــــصــــور والمـــقـــارنـــة. أتنقل بعيني بـن الـصـورة الـتـي أرسلها الإخــوة وصــور «قيصر» وأحـــاول أن أجد مــامــح الــشــبــه. هـــذا الأمــــر كـــان يـسـتـغـرق مني وقـتـا طـويـاً جــداً حتى أستطيع أن أجد صورة فعلً مشابهة لتلك الملمح في غالب الأحيان. فــــي غــــالــــب الأحـــــيـــــان عـــنـــدمـــا نــرســل صـــــــورة الـــجـــســـد الــــكــــامــــل لــلــضــحــيــة إلـــى الأهـــــل، لا يــكــون هـــو. وفـــي حــــالات قليلة يكون هو، وأكثر ما يؤلمك أن تسمع كلمة «الحمد لله. الحمد لله». لماذا؟ لأنه مات. الــحــمــد لــلــه تـقـولـهـا أم أو زوجــــة بـحـرقـة تكاد تفطر الفؤاد. أهل الضحية يقولون لــــك: الــحــمــد لــلــه أنــــه مــــات وأنـــهـــم خــرجــوا مـــن حــالــة الانــتــظــار وآلام الانـــتـــظـــار. هـذا ينقلك إلى التفكير بمن أوصلهم إلى هذه الحالة، أن تصل الأم أن ترى ابنها معذبا بهذا الشكل وميتا وتقول الحمد لله. لدينا صور لبعض الأشخاص الذين فقدوا عيونهم. هناك صورة لضحية في فرع المخابرات الجوية، وهناك وشم على أسـفـل الــصــدر إلـــى مــا فـــوق الــســرة بقليل لـــبـــشـــار الأســــــد وتـــحـــتـــه مـــكـــتـــوب ســـوريـــا الأسد. هذا الرجل تم قتله تحت التعذيب في فرع المخابرات الجوية في دمشق. فـــــي صــــــــورة أخــــــــرى عــــــدد كـــبـــيـــر مــن الـضـحـايـا مــن الـجـثـث المــلــقــاة فــي الـعـربـة وتــنــتــمــي إلــــى عــــدد مـــن الــــفــــروع ولـيـسـت مــــن فـــــرع واحــــــــد. وفـــــي خــلــفــيــة الــــصــــورة هـــنـــاك جــثــث تـــم صـفـهـا بــجــانــب بعضها وجــثــث ألــقــيــت فـــي الـــعـــراء خــــارج المــــرأب، وهناك بعض الأعضاء المتعفنة. ما يثير الحسرة في هذه الصورة هو جندي تابع لــلــنــظــام يـبـتـسـم ابــتــســامــة تـجـعـلـك تشك فـي مـشـاعـرك تـجـاه هــذا المـنـظـر بالكامل. هـل هــذا الـشـخـص يبتسم سـعـادة أو هو يـبـتـسـم نـتـيـجـة أنــــه فــقــد الإحـــســـاس بما يجب أن يفعله حيال منظر بهذه القسوة؟ لــــديــــنــــا صــــــــورة لـــعـــنـــاصـــر فـــــي أحــــد المــشــافــي يـبـتـسـمـون فــي صــــورة تـذكـاريـة كــــمــــا لــــــو أنـــــهـــــم فــــــي مـــنـــطـــقـــة ســـيـــاحـــيـــة. وفــــي الـخـلـفـيـة نــــرى جـثـثـا يــتــم تغليفها بـــالـــنـــايـــلـــون، وهــــنــــاك جـــثـــث أيــــضــــا عـلـى الطاولات، وهذه جثث في الأرض، ويبدو مـن الـطـرف الآخـــر بعض الأطــــراف. ففعلً كـــان مـــمـــرات المــشــافــي تـسـتـخـدم لتغليف الجثث. لدينا صـور ذات دقـة عالية للعيون المـــــفـــــقـــــودة بــــحــــيــــث يـــســـتـــطـــيـــع الـــطـــبـــيـــب الـجـنـائـي أو الـطـبـيـب الــشــرعــي أن يـحـدد مــدى الإصــابــة ومــا التلف الـــذي قـامـت به الحشرات على الجثة التي بي يدينا. لا أريــــد أن أســتــعــرض الـكـثـيـر، ولا أريــــد أن أزيـــد عـلـى هــذه الــصــور أكـثـر مــن ذلـــك لأن الأمـر مؤلم لمن يشاهدونه ومؤلم لأقارب هــــؤلاء الــضــحــايــا. وصــلــت رســالــتـنــا إلــى الـعـالـم وفــهــم الـعـالـم مــؤخــراً مـــدى إجـــرام هــــــذا الــــنــــظــــام الــــــــذي كـــشـــفـــت عــــنــــه صــــور سنوات. واليوم، كشفت 10 «قيصر» قبل عـنـه المـؤسـسـات الأمـنـيـة والـسـجـون ومـن كانوا فيها، قبل أن يصبحوا في مرحلة هذه الصور. محاكمة بشار الأسد حـــــن ســـمـــعـــت أن الــــرئــــيــــس الــــروســــي > فـــ ديـــمـــيـــر بـــوتـــن مـــنـــح بـــشـــار الأســــــد الــلــجــوء الإنساني، بماذا شعرت؟ - من بداية التدخل الروسي فيسوريا ، كان النظام الروسي شريكا في 2015 في جــرائــم الـنـظـام الـــســـوري. وكــانــت نظرتنا إلــى المـسـؤولـن الـــروس على أنـهـم شركاء حقيقيون للنظام وربما تقع على عاتقهم مسؤولية أكبر من مسؤولية النظام نفسه، لذلك لم نستغرب أن يلجأ بشار الأسد إلى روسيا ولا أعتقد أن هذا اللجوء سيستمر طـــــويـــــاً، لأنــــنــــا ســنــســعـــى بـــكـــل قــــــوة إلـــى اسـتـعـادة بشار الأســد واسـتـعـادة الأمــوال المنهوبة ومحاكمته في دمشق. هل تتوقع أن تأتي ساعة تقف فيها في > المحكمة ويكون بشار الأسد في القفص؟ - أرجـــــــو أن أعــــيــــش حـــتـــى أرى هـــذه اللحظة كما أمد الله بعمري حتى سمعت خبر سقوط بشار الأسد وتحرر دمشق. هل تعتقد أن بشار الأسد كان يعرف ما > يجري في السجون السورية؟ - إذا كـــــنـــــت تـــــســـــألـــــنـــــي عــــــــن رأيــــــــي الـشـخـصـي، فنحن فــي ســوريــا لا يحصل شيء لا يعلم به الرئيس. هذا نظام قمعي أمـــنـــي يــجــلــس عــلــى رأس الــــهــــرم شـخـص اسمه بشار الأسد أو حافظ الأسد سابقا، ولا يـمـكـن أن يـــقـــوم مـــوظـــف فـــي الأجـــهـــزة الأمـنـيـة الـتـابـعـة لـهـذا الـنـظـام بـتـصـرف لا يرضى عنه رئيس هذا النظام. ليس لدينا في ملفنا أي وثـــيـــقـــة تــحــمــل تـــوقـــيـــع بــشــار الأســــــــــد، لــــذلــــك مـــــن الـــنـــاحـــيـــة القانونية تقع المسؤولية على من معرضسويسري لصور الضحايا في «ملفات قيصر» (أ.ف.ب) باريس: غسانشربل أسامة عثمان خلال المقابلة معرئيستحرير «الشرق الأوسط» غسانشربل عندما أصبحت أنظر إلى هذه الصور بنوع من البرود فقطلأبحث عنصورة أحسست أنني غريبعن نفسي... بشار الأسد شوّه الضحايا من الخارج وشوّهنا من الداخل

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky