issue16837

يناير (كانون الثاني) 9 قبل أسبوع من موعد المـــحـــدّد لانــتــخــاب رئــيــس لـلـجـمـهـوريـة الـلـبـنـانـيـة، شهراً، فإن الزمن لا يقبل 26 وإنهاء شغور مرّ عليه اختيارات رمادية لرئاسة الجمهورية. أكثر من أي وقـــت سـابـق مـطـلـوب لـلـرئـاسـة شـخـص «لا يخجل حـــاضـــره ولا مـسـتـقـبـلـه مـــن مـــاضـــيـــه»، مـــن خـــارج منظومة الـفـسـاد، مـتـحـرّر مـن الالـتـزامـات المسبقة، صـــاحـــب مـــوقـــف، مـــؤمـــن بـــالـــدســـتـــور، وقــــــادر على الـجـمـع تـحـت سـقـفـه. إذّاك يمكن لـلـعـام الـجـديـد أن يحمل وعوداً للبنانيين تطوي أزماناً اكتوى الناس إبانها بتسلط «منظومة النيترات» على حياتهم ومصيرهم، توّجها «حزب الله» بزج لبنان في حرب مدمرة، أنزلت بـ«الحزب» أقسى الخسائر البشرية، قيادة ونخباً وهيكلية، وأنهت قـدراتـه العسكرية، ودفع وسيدفع كل البلد ثمنها المخيف. يــومــ عــلــى بــــدء «مــرحــلــة وقــــف الــنــار 36 بــعــد الـتـجـريـبـي»، رغـــم مــا يـرافـقـهـا مــن مـخـاطـر نتيجة الــتــعــديــات الإســرائــيــلــيــة ومــــحــــاولات «حـــــزب الــلــه» الالتفاف على اتفاقٍ فرضه ميزان القوى العسكري، كـان هو جهة التفاوض الفعلي عليه، وبـات ملزماً للبنان، بعدما أقرته الحكومة التي يهيمن عليها. سنة على 54 وبعد سقوط نظام الأســد الــذي جثم صــــــدور الــــســــوريــــ ... هـــنـــاك فـــرصـــة لــلــبــنــان لــبــدء مسيرة مغايرة، شرطها تقديم الاستجابة للقضايا الوطنية الملحّة لبدء مرحلة انتقالية، منطلقها في لحظة حرجة إنهاء زمن الرئاسات الصورية، ليفتح الباب لبناء الدولة المرجع التي تحتضن الجميع، بديلاً عن رئاسات ضربت الأسس الحقيقية للنظام الديمقراطي. كــــل حـــديـــث فــــي هـــــذا الـــتـــوقـــيـــت عــــن شـخـصـيـة «تــــوافــــقــــيــــة»، يــــوجــــه رســــالــــة ســلــبــيــة لــلــمــواطــنــ وللخارج، مفادها بأن القوى الطائفية رافضة رؤية حـجـم كــارثــة الـــداخـــل ومـسـتـلـزمـات الـــخـــروج منها، مصرّة على حجب الحقيقة ومنع المحاسبة عن قوى نظام الرشوة، غير عابئة بالتحولات العاصفة، مع ســقــوط نــظــام الـبـغـي فـــي دمـــشـــق، وتـــصـــدّع الـهـ ل الــفــارســي، والــســقــوط المـــــدوّي لـلـمـشـروع الإيـــرانـــي. فتناور وتضع البلد على الحافة الأخـطـر لتغطية الإصــرار على تكريس نزعة التحاصص الغنائمي لــلــبــلــد، والــــذهــــاب إلــــى إعــــــادة تــكــويــن الــســلــطــة من متسلطين عـلـى الــطــوائــف، فيستمر الــوضــع قـابـً لـــتـــبـــادل «الــــفــــيــــتــــوات» الــــتــــي تـــعـــمّـــق الانـــقـــســـامـــات الطائفية، ليبقى في مكان ما رئيس ظـلٍ، واحـد أو أكثر، ويقبع لبنان في المستنقع. هناك الـيـوم هزيمة للبلد، واتـفـاق فيه الكثير مـن الإذعــــان. تسبب بـذلـك «حـــزب الـلـه» عندما قـدّم مصالح النظام الإيــرانــي، وغـامـر بأمن اللبنانيين ولـبـنـان، لـه شـركـاء بنسب متفاوتة هـم كـل أطــراف المنظومة السياسية التي تعامت عـن جريمة قـرار الحرب والتداعيات الحتمية له. والأمر الخطير الآن يتمثل في أداء «حـزب الله» وإصــرار بقايا السلطة على تغطية ذلـــك. فتتتالى تصريحات تشير إلى نـزعـة إنــكــار وغــربــة عــن الـــواقـــع. يــهــددون بـالـعـودة إلــى «المــقــاومــة»، وكـأنـه لـم يتغير أي شـــيء. يتهكم النائب حسن فضل الله على الــدعــوات بترك الأمـر للدولة والقوى الشرعية والقرارات الدولية، ويهدد: يـومـ ... نحن نعرف هـذا العدو 60 «أمامكم فترة الـــ ونعرف أنه ليس هناك ما يحمينا في مواجهته إّ التصدي له، وإّ سلاح المقاومة، والمعادلة الثلاثية»! يــضــرب «حــــزب الـــلـــه» عـــرض الــحــائــط بحاجة لبنان إلى الاستقرار ولأمن مستدام، يجعل الحرب الأخـــيـــرة المـــدمـــرة آخـــر الـــحـــروب. يتشبث بالحفاظ على دوره الـــذي كـــان، كممسك بـالـقـرار الـــذي عجّل وقــــوع الـــكـــارثـــة. لا يــســلّــم بــانــتــهــاء زمــــن «المــقــاومــة الإســــ مــــيــــة»، وزمــــــن «وحـــــــدة الــــســــاحــــات»، وعــجــز السلاح خارج الشرعية عن تأمين الحماية فتسبب بدمار العمران، وأعاد خطر تجدد الاحتلال بفرض حـزام أمني جديد يمنع عـودة عشرات ألـوف الأسر المهجرة. وتشي الممارسات بتجاهل واقع أن مصير لبنان مرتبط بالامتحان العملي في تنفيذ موجبات «وقــــف الأعـــمـــال الــعــدائــيــة»، حـيـث تـكـمـن المصلحة الوطنية للولوج إلى مرحلة استعادة سلام لبنان. توازياً، تتواصل المواقف الحكومية المريبة. تتم مطالبة الشرعية الدولية بالحماية وردع إسرائيل ودعوتها إلى الانسحاب من مناطق تحتلها، وفي الـوقـت عينه تمتنع السلطة عـن تطبيق الـتـزامـات مــحــورهــا لـبـنـان مـــن دون ســـ ح لاشـــرعـــي تطبيقاً ». وكذلك البنود المعلنة لآلية 1701« للقرار الدولي تنفيذ الاتفاق التي وُضعت بعهدة دولية برئاسة أميركية. والأمر المقلق جداً أن الحكومة التي بصمت بـالإجـمـاع على اتـفـاق «حــزب الـلـه» وإسـرائـيـل، هي لتاريخه ممتنعة عن اتخاذ قرار في مجلس الوزراء بتكليف الجيش تنفيذ الاتفاق بتسلم الأمن وجمع السلاح اللاشرعي بدءاً من الجنوب وإلى كل لبنان. لقد أكّـــدت سـنـوات الشغور المـديـد أن الرئاسة مـــحـــوريـــة لــنــهــوض الــبــلــد واســـتـــعـــادة المــؤســســات لــــدورهــــا. والــــيــــوم، أكــثــر مـــن أي وقــــت، فــــإن رئــاســة مــتــحــررة مـــع شــخــص لـــه صــدقــيــة لـــم تـتـلـطـخ يـــداه بالفساد، وتاريخه ناصع واضـح، يمكن لها آنذاك حـمـايـة قــيــام حـكـومـة كـــفـــاءات مــن خــــارج منظومة الـــفـــســـاد، قـــــــادرة عـــلـــى خـــــوض مـــواجـــهـــة سـيـاسـيـة ودبلوماسية لحماية البلد وتحريره، متسلحة بثقة الـداخـل واحـتـرام الـخـارج، وقـــادرة على وضـع البلد على سكة التعافي من خلال إطلاق عجلة الإصلاح السياسي والاقتصادي لبناء الدولة المرتجاة. بعد كارثة انهيار مبرمج، وإفقار عـامّ، ونكبة حــــرب كــــان يــمــكــن تــجــنــبــهــا، ســيــكــون الـلـبـنـانـيـون بـالمـرصـاد لمحاسبة نوابهم المـدعـويـن للإجابة عن سؤال محوري: إلى أين سيأخذ البلد مَن انتخبتم للرئاسة؟ Issue 16837 - العدد Thursday - 2025/1/2 الخميس مــــع حـــومـــة المـــشـــاهـــد الــعــنــيــفــة فــــي الإقـــلـــيـــم وســــوء الـتـقـديـرات حــول الإرهـــاب الـعـارم ننسى أن ثمة مناطق أخرى ينخر فيها هذا الداء من دون درسٍ أو تحليل؛ في اليمن هناك فـرص للضرب مـن قِبل إسرائيل للحوثي، وفــــي أفــغــانــســتــان تـتـصـاعـد مـــوجـــات الــعــنــف الـرهـيـبـة، ومثل ذلك في «داعش خراسان»، ولولا اليقظة الروسية الـعـالـيـة لـكـانـت لــــ«داعـــش» صــــولاتٌ وجـــــولات، ولـضـرب هــنــاك ضـــربـــاتٍ قـاضـيـة مـثـل الــتــي فعلها مــن قــبــل. الآن ترتفع مـؤشـرات ازديـــاد المــدد الإرهـابـي على مستويين؛ الأول: تـصـاعـد الـعـاطـفـة الـجـيّـاشـة لـلـمـوضـوع العنيف ومــــحــــاولــــة الـــبـــعـــض تــفــكــيــك تـــحـــالـــف جـــبـــهـــة مــكــافــحــة الإرهـــاب عبر الصيغ البراغماتية التي لـن تُـؤتـي أُكلها عـلـى المـــدى الـبـعـيـد. والآخــــر: الـنـفَـس الـسـيـاسـي الـثـوري الـذي يتحدّى المؤسسات ويـحـاول تتفيه مفهوم الدولة بمعنييها الــســيــاســي والــفــلــســفــي. ومــــا مـــن حـــل راســـخ إزاء ذلـك إلا الأجـوبـة العالية لمعنى المـوضـوع الإرهـابـي وحيله وبأساليبه المتطوّرة، واستعمالاته للمصطلحات المواربة. العنف ليس مقتصراً على منطقتنا فحسب، ثمة إرهـــــابٌ مـنـسـيّ ومـهـمـل فــي أفـريـقـيـا، ومـــا كـــان الإرهــــاب فـي أفريقيا مـنـزوعـ مـن العنصر القبلي وإنـمـا مندغم به، وهذا الإرهـاب المركّب له عناصر مؤسسة، سواء في تغطية الدول، أو القبيلة، أو الحميّة، أو حكايا الأعراق، ومــــن هــــذا المـنـطـلـق الــــضــــروري أصـــــدر مـــركـــز «المــســبــار» للدراسات والبحوث كتاباً بعنوان: «الإرهاب في أفريقيا: العِرق والدّين والسّياسة»، هذا الكتاب يفكّك اللغز القائم حول العلاقات المتشابكة بين الإرهاب والسوسيولوجيا والعرقية الكامنة والراسخة، وفيه توصيف لما سميته من قبل «الإرهاب المؤسس» المنبني على بِنى اقتصادية وقـبـائـلـيـة وسـيـاسـيـة بـــل يــتــداخــل الإرهـــــاب فـــي مـعـارك الذهب والألماس التي قارب فوضاها المخرج إدوارد زويك Blood« : بعنوان 2007 » بفيلم مهم ترشح لــ«الأوسـكـار » ومن بطولة ليوناردو دي كابريو، وجينيفر Diamond كـونـيـلـي، ودغـيـمـون هـونـسـو، وهـــو بليغ فــي توصيفه لـلـصـراع، وكــم كــان عـــادل إمـــام رحيماً فـي قــرن الإرهـــاب بالكباب كما في فيلمه الشهير، لكن الإرهاب اليوم متجه إلى الألماس. فــي كــتــاب «المــســبــار» آنـــف الــذكــر تــطــرّق الـبـاحـثـون إلــى تـأثـر القبيلة فـي سـنـوات تفكك الــدولــة الصومالية وصـعـود الـحـركـات الإرهـابـيـة، وفرضية 1991 منذ عــام ارتباطها بعوامل الفقر والـظـروف الاقتصادية السيئة وتـــوظـــيـــف الـــعـــنـــف، مــحــلــلــ نــــمــــاذج تــــداخــــل الــقــبــائــل والعشائر مع تنظيم «القاعدة» و«جيش الرب» المتمرد، واستغلالهما المظالم العرقية. كما درس ظاهرة توظيف القبيلة لإشعال الانتفاضات الداخلية ضد التنظيمات الإرهابية. ناقش أيضاً تطورات الإرهاب في تنزانيا وزنجبار، وكـيـف انتقل الـخـطـاب إلــى تلك المـنـاطـق، وتــوطّــن فيها باستغلال العناصر المحلية. وفي إطار مناقشة الأدوات التي يستخدمها المتطرّفون، يعقد الباحث محمد عدي مقارنةً -في دراسته: «العوامل العامة المسببة للتطرّف والإرهــاب في شرق أفريقيا»- بين المنصات الإلكترونية ووســــائــــط الـــتـــواصـــل الاجـــتـــمـــاعـــي، مــشــيــراً إلــــى أهـمـيـة توظيفها من قِبل تنظيمي «داعـش» و«حركة الشباب». ومـــع ذلــــك، يـشـيـر فـــي مــفــارقــاتــه إلـــى أن جــمــاعــات، مثل «بوكو حرام»، تعتمد على وسائط شخصية وميدانية، مثل الـقـيـادات الدينية والشبكات العائلية، مما يجعل مـواجـهـة الــتــطــرّف تـحـتـاج إلـــى نـهـج مـتـعـدد الأوجـــــه، لا يمكن الاعتماد فيه فقط على تعزيز الذكاء الاصطناعي لتفكيك الخطاب المتطرف؛ إذ يشكّل الذكاء الاصطناعي في أيـدي الإرهابيين تهديداً يفوق الأسلحة التقليدية، وهذا تحليل عميق ودقيق. الخلاصة؛ إن الإرهـــاب مـوضـوع تـداعـيـات، يتغذّى وينشط ويـأخـذ أفــكــاره مـن إشــــارات الأحــــداث الصاعدة وعـلـيـهـا يـبـنـي انــبــعــاثــاتــه، وآيـــــة ذلــــك أن تـنـظـيـمـ مثل «داعـش» الآن هو في مرحلة الكمون، ولكن ثمة مراصد تؤشر إلى أن دوراً له سيحدث في الإقليم. إن كل حادثٍ مفاجئ يعني إيجاد مساحةٍ معيّنة يتطلّبها التنظيم مـــن أجــــل الـــتـــمـــدد، وإن كـــل طـــاقـــةٍ شـعـبـيّـة هــائــلــة تــمــدّه بالخروج من الكمون، وعلينا الانتباه والحذر من هذه المرحلة الصعبة الشديدة التصاعد. نحن الآن وحسب الدراسات المقروءة أمام أنماط من الإرهاب غير تقليدية، وإنما ذات بُعد أكثر تخفيّاً من المعتاد، بعض الإرهابيين يستعملون حـالـيـ مفاهيم فلسفية لأغــــراض التجنيد والامتطاء والتدريب، والفهم السديد للمقاصد يكشف الكثير من المكنون، خصوصاً في مراحل الكمون. في الذكرى التاسعة والستين لاستقلاله، لا يحتاج واقــع الـحـال فـي الــســودان إلــى كثير مــن الـتـوصـيـف فــي ظــل المـعـانـاة الـهـائـلـة التي سببتها الحرب، والانقسام الحاد بين النخب السياسية، ولغة الإقـصـاء التي تعمق الأزمـة وتعقد الحلول، لنبقى نـدور في حلقة مفرغة بحثاً عن استقرار مفقود، ونهضة معطلة في بلد الفرص الضائعة بسبب صراعات النخب التي تأبى أن تنتهي. مـــنـــذ فـــجـــر الاســـتـــقـــ ل فــــي مــطــلــع يـنـايـر ، شكلت النخب 1956 (كانون الثاني) من عـام السياسية والعسكرية والمدنية والاقتصادية، حـــجـــر الـــــزاويـــــة فــــي تــشــكــيــل مــــســــاره، وكـــانـــت خـ فـاتـهـا وصـراعـاتـهـا وإخـفـاقـاتـهـا، العقبة الكؤود أمام استقراره وتقدمه، وسبباً رئيسياً في استمرار أزماته ومعاناته، وتبديد ثرواته وإضـاعـة فـرص تحقيق تنمية مستدامة رغم كل الإمكانات والموارد الهائلة المتوفرة للبلد. قد يبحث الناس عن أعذار وأسباب أخرى مثل هشاشة الــدولــة، والانـقـسـامـات المـوروثـة مـــنـــذ الاســــتــــقــــ ل فــــي بـــلـــد مـــتـــعـــدد الـــهـــويـــات والثقافات، إضافة إلـى التدخلات الخارجية، والـنـزاعـات المسلحة، والـفـقـر، وضـعـف البنية الـــتـــحـــتـــيـــة، وضــــعــــف الاســـــتـــــثـــــمـــــارات، وعـــــدم الاستقرار في ظل متلازمة التناوب بين دورات حــكــم عــســكــري طـــويـــلـــة، وفــــتــــرات حــكــم مـدنـي ديمقراطي قصيرة. كل هذه عوامل لعبت دوراً بلا شك، لكن فشل النخب يبقى عاملاً أساسياً في تعثر السودان. وأي محاولة أمنية لتحليل هذا الفشل وأسبابه، ستجد نمطاً متكرراً من الــخــ فــات والـــصـــراعـــات المــزمــنــة عـلـى حـسـاب بـــنـــاء الــــدولــــة، وعـــلـــى حـــســـاب تـغـلـيـب الـــرؤيـــة الــوطــنــيــة المــشــتــركــة لــبــنــاء مـــؤســـســـات قــويــة، ولإدارة التنوع بما يجعله عامل قوة لا سبباً من أسباب الضعف والحروب المزمنة. وســــط كـــل ذلــــك يـــبـــرز الإقــــصــــاء بـوصـفـه من أبرز السمات والأمــراض التي طبعت أداء الــنــخــب الـــســـودانـــيـــة مــنــذ الاســـتـــقـــ ل وحـتـى اليوم، ولعبت دوراً رئيسياً في تعميق أزماته ومشاكله. لم يقتصر الإقصاء على محاولات إبـــعـــاد الـــخـــصـــوم عـــن المـــشـــاركـــة الـسـيـاسـيـة، بــل امــتــد إلـــى نــــواحٍ أخــــرى. اجـتـمـاعـيـ ؛ ظهر الإقصاء في التمييز على أسس قبلية وعرقية وجهوية وديـنـيـة، وفــي سياسات التهميش لــــــأطــــــراف الــــتــــي خـــلـــقـــت فــــجــــوة بـــــ المـــركـــز والمناطق الأخرى ما أسهم في تأجيج الغضب المــكــبــوت، واسـتـغـلـتـه بـعـض الأطـــــراف كـورقـة ســيــاســيــة أو لإشــــعــــال الـــــحـــــروب، والمــطــالــبــة بـالانـفـصـال مثلما حــدث فـي حـالـة الجنوب. اقــتــصــاديــ ؛ عــانــى الــبــلــد مـــن غــيــاب التنمية المـــتـــوازنـــة، مــا أدى إلـــى تـركـيـز الاسـتـثـمـارات والخدمات في دائرةضيقة محورها العاصمة والمناطق القريبة منها، بينما أُهملت التنمية في الأقاليم، وبقيت المجتمعات الريفية تشكو مــن الـتـهـمـيـش وتـشـعـر بـأنـهـا لــم تستفد من عـائـدات المـــوارد الطبيعية والـــثـــروات، وكثير منها متركز في مناطقها. مـــع غــيــاب رؤيــــة وطــنــيــة جــامــعــة، وفـشـل النخب في التوافق على مشروع جامع يعكس تنوع البلد، ويقود إلـى تطوير رؤيـة توافقية حـول كيفية الحكم وآلياته، بقيت الصراعات هــــي الـــســـمـــة الــــســــائــــدة، واســــتــــخــــدم الإقـــصـــاء أداة إمــــا لــلــوصـــول إلــــى الــســلــطــة، أو لإحــكــام الــقــبــضــة عــلــيــهــا، بـــعـــزل وإضــــعــــاف المــكــونــات الأخــــرى. وظـهـر التأثير السلبي لـذلـك عندما أدت الصراعات السياسية إلـى تسليم الحكم إلى العسكر بقيادة الفريق إبراهيم عبود في أول انقلاب يشهده البلد بعد عامين فقط من استقلاله لم يعرف خلالهما طعم الـهـدوء من المشاحنات السياسية. اسـتـمـرت هـــذه الـــدوامـــة ولـــم تــفــرز فـتـرات حـــكـــم مــــدنــــي قـــصـــيـــرة تــعــقــبــهــا فــــتــــرات حـكـم عــســكـــري طــويــلـــة فــحـــســـب، بــــل إنـــهـــا أحـبـطـت حـتـى الــفــتــرات الانـتـقـالـيـة الــتــي أعـقـبـت ثـ ث ثورات شعبية حملت آمالاً عريضة أجهضتها صراعات النخب، ومـنـاورات الإقصاء. وحتى لا نـغـوص عميقاً فــي الـتـاريـخ يمكننا النظر إلـى مــآلات الأمـــور منذ ثــورة ديسمبر (كانون ، وكيف أجهضت صراعات النخب 2018 ) الأول وخطاب الإقصاء آمال الثورة وقوضت الفترة الانـــتـــقـــالـــيــة، واشـــتـــركـــت فـــي تــأجــيــج الأجـــــواء بالشكل الذي أدى إلى الحرب، ويسهم الآن في تأجيجها. وبينما يدفع المـواطـن المغلوب على أمره أبـــهـــظ الأثــــمــــان، تـسـتـمـر الـــخـــ فـــات وتــعــانــي الساحة السودانية مـن استقطاب حــاد، ومن خـــطـــاب إقـــصـــائـــي يـــنـــذر بـــاســـتـــمـــرار الأزمــــــات حتى عندما تنتهي الحرب. فالحديث المتكرر الذي نسمعه عن حوار وطني شامل للخروج بالسودان من أزمته الراهنة، ومشاكله المعقدة، يـبـقـى فــي الـــواقـــع أســيــر الــخــطــاب الإقــصــائــي. فليس خافياً على أحد أنه في لب هذا الصراع هناك من يرى أنه لا بد من إقصاء الإسلاميين (أو الـــكـــيـــزان) وتـحـجـيـم الــجــيــش، بـيـنـمـا يـرد الإســ مــيــون بــرؤيــة تـــرى فــي الــحــرب الفرصة لــــلــــعــــودة إلــــــى المـــشـــهـــد والــــتــــصــــدي لمـــحـــاولـــة إقصائهم عنه. مـا يحتاجه الـسـودانـيـون الـذيـن يتوقون لانتهاء الـحـرب وعـــودة الأمــن والاسـتـقـرار هو وفاق شامل وحوار لا يستثني أحداً، بدلاً من المعادلات الإقصائية الصفرية التي قادت إلى مهلكة الحرب وتسهم في إطالة أمدها. من دون هــذا الـتـوافـق لـن يتحقق لـلـسـودان الاسـتـقـرار المــطــلــوب حـتـى لــو تـوقـفـت الـــحـــرب؛ لأن جبلاً مـن التحديات سينتظره لإعـــادة الإعـمـار بعد الـدمـار الهائل الــذي حــدث. المصلحة الوطنية فــي هـــذا المـفـتـرق الــحــرج تقتضي تغليب لغة الـــوفـــاق، أمـــا الإقـــصـــاء الـسـيـاسـي فينبغي أن يكون أمــره للشعب عبر صناديق الانتخاب، إذا عرفنا كيف نصل إليها. ما يحتاجه السودانيون لانتهاء الحرب وعودة ًالأمن هو وفاقشامل وحوار لا يستثني أحدا نحن الآن وحسب الدراسات المقروءة أمام أنماط من الإرهابغير تقليدية... وإنما ذات بُعد أكثر تخفيّاً من المعتاد فهد سليمان الشقيران عثمان ميرغني حنا صالح OPINION الرأي 14 أزمة السودان وخطاب الإقصاء طرق معبّدة نحو ألماسالدم للمرة الأولى بعد «الطائف» هناكفرصة لبناء الدولة! أكدتسنوات الشغور المديد أن الرئاسة محورية لنهوضالبلد واستعادة المؤسسات لدورها

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky