issue16829
،1928 مـنـذ تـأسـيـس جـمـاعـة «الإخــــــوان المـسـلـمـن» عـــام تـمـاشـت الـجـمـاعـة مــع نـظـام الملكية الـدسـتـوريـة الـــذي يضمن التعددية السياسية تحت مظلة الملك، وأنشأت مقرات لها في دول أخـــرى يديرها أبـنـاء تلك الـــدول. ورغـــم كـثـرة التجاذبات الـسـيـاسـيـة، فـــإن الـجـمـاعـة ظـلـت بعافيتها حـتـى بـعـد اغتيال وانتخاب حسن الهضيبي خلفاً له. وحتى 1949 مؤسسها عام ، تم استثناء جماعة «الإخوان» 1952 ) بعد ثورة يوليو (تموز من قـرار حل الأحــزاب السياسية؛ إذ كان بي الضباط الأحـرار من خلفية إخوانية مثل حسي الشافعي. ولكن لاحقاً تطورت العلاقة بي نظام الرئيس عبد الناصر وبي جماعة «الإخوان» لتصبح صراعاً على السلطة، رأت فيه جماعة «الإخـوان» أنها الشريكة الأقوى، والأحسن تنظيماً، والأرسخ جذوراً في البيئة المصرية، وفي هذا ما يؤهلهم للعمل على الصعود لأعلى هرم السلطة، أي تبديل نظام الحكم. وقـد امتدت هـذه الثقافة لبقية فــروع التنظيم في الـدول العربية؛ حيث شكّلت مسألة إقامة الدولة الإسلامية على نظام الخلافة الأولويةَ في الفكر الحركي. بررت هذه الأولوية مسألة الـسـعـي إلـــى إســقــاط الأنـظـمـة الـسـيـاسـيـة فــي الــــدول الوطنية بهدف إقامة الدولة الإسلامية الجامعة التي يحكمها الخليفة أو من يقوم بمقامه. وقد أدى ذلك لصدامات كبيرة مع الأنظمة السياسية في المنطقة وعلى رأسها مصر وسوريا. نتذكر في هذا الصدد شعار «الإخوان» في مصر «على الــقــدس رايــحــن، شــهــداء بــالمــ يــن»، ولـكـن عـنـدمـا وصـلـوا ، لـم يـتـخـذوا موقفاً حـازمـ من 2012 للحكم فـي مصر عــام الدولة الإسرائيلية، ليس فقط على مستوى إبقاء العلاقات، ولــكــن حـتـى فــي وديــــة الــرســائــل الـبـروتـوكـولـيـة عـلـى غــرار رسالة محمد مرسي لشمعون بيريز التي بدأت بـ«صديقي بيريز». فشل «الإخوان» في مصر، ثم في تونس، وقد تورّطوا في نزاعات مسلحة في سوريا، ليس مع النظام المخلوع فحسب، بل حتى مع الفصائل الأخـرى. كان القاسم المشترك على طول تاريخهم السياسي أنهم جماعة معارضة للسلطة لا تحسن توليها إن سنحت لها الفرصة. فنموذج الاصطدام في مصر، والــتــدرج فـي تـونـس لـم يجعلهم قــادريــن على تمثيل الـشـارع الوطني نظراً لكونهم لم يخرجوا من فكرة الجماعة إلى فكرة المـواطـنـة، فالوطن مـحـدود جغرافياً وليس ممتداً ليكون دار إسلام مقابل دار الكفر. على مدى تاريخهم اتخذوا سياسة التكتيك والانتهازية، فهم ينظرون للنزاعات ويتقربون لـأقـوى وإن اختلفوا معه بهدف الاسـتـفـادة مـن انـتـصـاره على عـدوهـم الأكـبـر. ولنا في موقفهم مـن الـسـعـوديـة ودول الخليج خــ ل فـتـرة الستينات والـسـبـعـيـنـات خـيـر مــثــال، فـقـد وقــفــوا مــع الــــدول المـلـكـيـة ضد حـكـومـات الـجـمـهـوريـة ذات الـتـوجـه الـــثـــوري. وعـنـدمـا انتهت تلك الصراعات كانوا دائماً في دور المـزايـد على علماء الدين السلفيي فــي مـسـألـة الـتـعـاطـي مــع الـــدولـــة؛ وخـيـر مـثـال على ذلـك موقفهم في أزمــة احتلال الكويت وتأليبهم الـشـارع على حكوماتهم بحجة اسـتـدعـاء الـقـوات غير الإسـ مـيـة لمواجهة جيوشصدام حسي. خلاصة القول، إن تكتيك «الإخوان» أقرب لسلوك الضِباع التي تقتات على الجيف التي يصطادها الأســـود. فالضبع - بالرغم من قـوة فكه - لا يهاجم إلا الحيوانات الضعيفة التي يلتهمها من دون رحمة، ومـن دون أن ينتظر الإجـهـاز عليها قبل قتلها. والـيـوم نجد أصواتهم فـي الفضاء الإعـ مـي بعد سقوط حكم البعث في سوريا؛ حيث تتعالى نداءات الانتصار وصيحات الأحلام بأن يمتدوا للدول الأخرى ليقيموا دولتهم المزعومة. فهم يمجّدون الدولة التي سقطت فيها آخر خلافة عابرة للحدود، بالرغم من علاقتها الوثيقة مع إسرائيل، بل لا يكترثون لكل ما تفعله إسرائيل في الأراضي السورية. وعندما يـــزايـــدون عـلـى الــــدول المـعـتـدلـة، فـإنـهـم يـتـغـافـلـون عــن حقيقة أن دولــــة مـثـل المـمـلـكـة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة أدانــــت الاعـــتـــداءات الإسرائيلية على سوريا في ظل صمت إخــوان سوريا الذين دخلوا دمشق دخول الفاتحي. خـــتـــامـــ ، إخــــــوان ســـوريـــا مـثـلـهـم مــثــل بـقـيـة الـتـنـظـيـمـات المتبنّية للفكر الإخــوانــي، يُتقنون دور المـعـارض المـزايـد على الآخــــريــــن، وبــمــجــرد وصــولــهــم لـلـحـكـم، فــإنــهــم يـــركـــزون على الاستئثار بالسلطة على حساب المكاسب الوطنية، بل وحتى المــبــادئ الـتـي يـــزايـــدون بـشـعـاراتـهـا. فهدفهم دائــمــ الـوصـول للسلطة في دول العالم الإسـ مـي، ولا تشكل قضية فلسطي أولوية في أجندتهم. بـالأمـس كانت تـغـريـدات رمــوز «الـجـهـاديـن» المؤثرين ومـنـهـم تصريحات «أبـــو محمد الـجـولانـي» أحـمـد الـشـرع، تؤكد أن أكبر التحديات التي ستواجه «هيئة تحرير الشام» والــفــصــائــل الــتــابــعــة لــهــا، هـــو «فـــلـــول» الـكـتـلـة الـصـلـبـة من المقاتلي الأجانب والسوريي ممن لم يستوعبوا ما حدث، وهذا متفهم جداً لأنه من الصعب في الثقافة «الجهادوية» الانتقال مـن مربع العقيدة إلـى الغنيمة بهذه المـرونـة التي كـشـفـت عـــن بــراغــمــاتــيــة عــالــيــة لـيـسـت ولـــيـــدة الـــيـــوم وإنــمــا لازمـت «هيئة تحرير الشام» منذ قطيعتها المتكررة مع كل الفصائل، محلية أو عابرة للحدود، متوحشة كـ«داعش»، أو متجذرة ذات إرث كـ«القاعدة»، وصولاً لمن يطلق عليهم لقب «الأنصار» بالخارج الذين يتحينون لحظة التمكي للهجرة والانـتـقـال؛ ذلـك أن التحول الــذي فرضته الأحـــداث السريعة لسقوط نظام الأســد بهذه الطريقة غير المتوقعة للجميع، حتى التنظيمات، طرح أسئلة ضخمة ومشروعة، وللسف مغيبة في ظل هـذا التحشيد والمقارنات بي الأســوأ والأقـل سوءاً. الـــخـــبـــراء فـــي مــلــف الــتــنــظــيــمــات المــســلــحــة، خـصـوصـ «السلفية الجهادية»، يـدركـون أن الحالة السورية مختلفة عن كل التجارب «الجهادية» التي سبقتها من حيث البنية التحتية للتنظيمات والكتلة الصلبة والأفكار المؤسسة التي احتاجت إلــى وقــت كبير لكي تـأخـذ مـسـارات مختلفة على وقع الانتصارات السريعة التي حققتها الفصائل السورية المعارِضة، وتصدّر «هيئة تحرير الشام»، وقائدها أبو محمد الجولاني، المشهد. كثر التساؤل، ربما في خارج البلاد أكثر من داخلها، عن مدى جدية تخلي هذا التنظيم عن «السلفية الجهادية» التي اعتنقها منذ نشأته باسم «جبهة النصرة». يعرف كثير من المتخصصي أن تحولات «هيئة تحرير الـشـام»، بمن في ذلـك رجلها الأول، قديمة وتراكمية وربما متناقضة في خطها الزمني نحو الاعتدال أو التطرف، وذلك منذ تدشي ما سمي إدارة الشؤون السياسية، التي استعان فيها الـجـولانـي بـزيـد الـعـطـار، أحــد أهــم الشخصيات التي يعتمد عليها، والتي كانت تعتمد على إرســال التطمينات منذ سنوات، خصوصاً في تأسيس العلاقة مع تركيا حول مسألة الموقف من التنظيمات الأخرى، لكنها تطمينات كانت تـخـص الـفـاعـلـن فــي صـنـع الــقــرار ولـيـس «الـكـتـلـة الصلبة» وجموع المقاتلي. التأصيل لـ«متن التطمينات» جزء من بناء نظري كبير تـطـور فيه الخطاب «الـجـهـادي» خصوصاً فـي التنظيمات المـحـلـيـة الــتــي ارتـــــأت ضـــــرورة عـــدم تـبـنـي أي نــشــاط خـــارج الحدود بعد الضربات الموجعة لتنظيم «داعش» في مناطق الـصـراع وتفضيل «الـقـاعـدة» العمل فـي مناطق بعيدة عن التركيز والاستهداف، مثل غرب أفريقيا وغيرها من الملاذات الآمــنــة، وكـــان المحفز لـهـذا الـتـحـول هـو توحيد العمل على إسقاط نظام الأسد بوصفه أولوية، وهناك مدونةضخمة من التبريرات تدخل ضمن ما يطلق عليه «السياسة الشرعية» داخل هذه التنظيمات ومنظريها الكبار لـ«الجهاد» المعولم. دأبت «هيئة تحرير الشام» حتى حي كانت تحت اسم «جـبـهـة الـنـصـرة» عـلـى ضـبـط مقاتليها فــي شـمـال سـوريـا وتــحــريــك الـــقـــوات وفـــق إيـــقـــاع مــحــدد يـنـسـجـم مـــع الــظــروف التي تضمن بقاءهم، وكـان أهـم ما مكنهم من ذلـك تراتبية تنظيمية شـــديـــدة الـتـعـقـيـد والانـــضـــبـــاط يــرفــدهــا عـــدد من القيادات الشرعية والعسكرية واستقطاب شخصيات مدنية فــي مجلس شـــورى التنظيم تــم تجنيدها بـنـاء عـلـى هـدف مـحـدد، مـفـاده أن مرحلة التمكي مؤجلة إلـى الـوصـول إلى السلطة، وهو ما يمكن وصفه بـ«الجهادية السلطوية»، ومن ثمّ كل الرافضي لهذه التحولات منذ سنوات تم إقصاؤهم مـــن المــشــهــد الــعــســكــري أو اعـتـقـالـهـم داخــــل ســجــون «هـيـئـة تحرير الــشــام»، وبـعـض هــذه الـتـيـارات وإن كـانـت متطرفة لكنها لم تحمل السلاح كحزب التحرير أكبر أعداء «الهيئة» مـن الــزاويــة النظرية لا العملياتية، إضـافـة إلــى المنافسي المسلحي مثل حـــراس الـديـن النسخة الـسـوريـة مـن تنظيم «الـــقـــاعـــدة»، وكــــان جــــزءاً مـــن صــعــود واســتــقــطــاب المـقـاتـلـن الأجـانـب الذين لـوح الجولاني في أحـد أخطائه القليلة في المـــ الـبـراغـمـاتـي بتجنسيهم، الــوعــدُ بالتمكي والسلطة وعــــدم الاســتــعــجــال، ومـنـهـم كـثـيـر مــن الــعــرب والـتـركـسـتـان والأوزبـــــــك وبــعــضشـخـصـيـاتـهـم مـــا زالــــت تـظـهـر وتــحــاول الـــتـــأصـــيـــل لمــــوضــــوع «الـــســـيـــاســـة الـــشـــرعـــيـــة» عـــلـــى شـبـكـات الـتـواصـل الاجـتـمـاعـي، بـل وتتحدث عـن مـــآلات «الأنــصــار»، وهم المقاتلون غير السوريي بكثير من الطموح في الاندماج والـــذوبـــان داخـــل ســوريــا، وكـــان جـــزءاً مــن قبولهم تـحـولات «جـبـهـة الــنــصــرة»، خـــوف الانـتـقـال إلـــى ســاحــات «جـهـاديـة» جديدة أو الملاحقات الدولية. المحرك الأول للتحولات وبشكل متكرر حتى قبول وجود أي أمـل بعد سقوط نظام الأسـد هو إرســال رسالة واضحة لتركيا بشكل أسـاسـي وللغرب بـأن «الهيئة» لـن تشكل أي خطر على الدول خارج سوريا، كما أن لدى الجماعة قناعات تمكنها من إدارة ملف الأقليات، وساعد في تقبل ذلك الحالة المتردية والوحشية لنظام الأسـد والخطوط العريضة على مستوى الحياة المعيشية داخـل إدلـب التي جربت الجماعة فيها الإدارة المحلية بشكل موازٍ لكن بدعم تركي مباشر في ملف تأسيس شركات خاصة وشبكة اتصالات، وصولاً إلى التحول إلى الليرة التركية، لكن التنظيم كان يواجه عقبات كبيرة على مستوى المعارضة لجمهور المقاتلي والمجتمع، وكان الحل المباشر إنشاء جهاز أمني شديد القسوة والرقابة لكن من دون وحشية نظام الأسد مع فتح الباب لاستقبال كل الذين سئموا من الأوضــاع في المناطق المهمشة أو طمحوا في العيش في إدلب فراراً من الضربات ضد تنظيم «داعش» أو جحيم حالة اللادولة أو نظام الأسد الوحشي. هذه التجربة الجديدة على ما ألفه الناس وارتسخ في أذهـانـهـم مــن صـــورة الـحـركـات «الـجـهـاديـة» أو التنظيمات الإرهــابــيــة قــد تـكـون مشجعاً عـلـى مــشــروع إعــــادة التأهيل ومنحهم الوقت لتحويل الأقوال إلى الأفعال أو دفعهم لمزيد من التطور، لكنها حتماً لا يمكن أن تكون حلاً لسوريا الأكثر تعقيداً وحاجة لبناء دولــة، أو للسوريي الذين لن يقبلوا على المـــدى الـطـويـل إعـــادة تـدويـر الأزمــــات وفــقــدان السيادة وحالة اللادولة مجدداً. بـــغـــضّ الـــنـــظـــر عــــن المــــوقــــف مــــن أحــمــد الشرع، قائد هيئة «تحرير الشام»، يصعب عدم التوقّف عند ما قاله عن الحرب والسلام. فهو أعلن بصراحة أنّه لا يريد لسوريّا قتال إسـرائـيـل، والـــتـــورّط فـي نــزاعــات، لأنّ مهمّة بنائها، هـي المــدمّــرة والمـسـتـنـزَفـة والمفلسة، تــعــلــو كـــــلّ مـــهـــمّـــة. وهـــــو أرفــــــق هـــــذا المـــوقـــف بآخر مفاده أنّ التجنيد الإلزاميّ في سوريّا الجديدة لن يكون بعد اليوم إلزاميّاً. وضدّاً عـــلـــى تــــرّهــــات أشـــاعـــتـــهـــا حــــركــــات «الـــتـــحـــرّر الوطنيّ» عن «الـثـورة» و»المقاومة» كطريقة حياة ومادّة تقديس، رأيناه يعلن أنّ الثورة انـتـهـت بـمـجـرّد إســقــاط الـطـاغـيـة، وأنّــهــا لن تـكـون مـرجـعـ يُحتكم إلـيـه فــي إدارة البلد. فالثورة مجرّد حدث تُضطرّ إليه المجتمعات اضـــطـــراراً لـتـصـويـب واقــــع جـــائـــر، ثـــمّ تـعـود الحياة بعد ذاك إلى مجاريها. وكـــ م كـهـذا كــان ليكون عــاديّــ لـو قيل عـن بلد آخـــر. أمّـــا فـي ســوريّــا، ذات المجتمع المُـعـسـكَـر حـتّـى الأســنــان، فيُحتمل أن يكون الكلام إيذاناً بتحوّل ضخم. فحكّام سوريّا، ، عسكريّون، وباستثناء سنوات 1949 منذ قليلة كــان الحكم فيها لسياسيّي كشكري الـقـوتـلـي ونــاظــم الـقـدسـي، ظـــلّ العسكريّون لهم بالمرصاد، يبقى الجيش صانع سوريّا الحديثة، ومُدمّرها أيضاً. وقـد اقتصر آباء الــبــلــد المـــؤسّـــســـون، وفــــق الــــروايــــة الـرسـمـيّـة الـــتـــي صـــــارت شــعــبــيّــة، عــلــى قـــــادة مـقـاتـلـن كيوسف العظمة وابراهيم هنانو وسلطان الأطرش وصالح العلي ممّن قاوموا الانتداب الفرنسيّ. لكنّ المجتمع السوريّ لا يُختصر بهم، كما أنّ تاريخه لا يُختصر بالمقاومة. وهذا فضلاً عن أنّ تنوّعهم الطائفيّ والإثنيّ بــــــات يُـــســـتـــخـــدم شـــــهـــــادة لـــصـــالـــح المـــعـــركـــة «الـــقـــومـــيّـــة» الـــجـــامـــعـــة الـــتـــي يُــــقــــاس عـلـيـهـا التعدّد بدل أن تُقاس هي عليه. وإنّما بسبب تشبّع بالعسكر والنزعة العسكريّة كهذا، لُفّ «الــدكــتــور» بـشّـار الأســـد، حـن قُـــرّر توريثه، ببزّة عسكريّة لا يجوز لحاكم سـوريّـا أن لا يلبسها. وبالطبع كـانـت فلسطي أكـبـر الـذرائـع المــســتــخــدمــة فـــي تـفـسـيـر هــــذه الـــحـــاجـــة إلــى حـاكـم عـسـكـريّ يـتـربّـع فـــوق مجتمع ودولـــة عسكريّي. ونعلم أنّ الانقلاب الأوّل في تاريخ سوريّا الحديثة، أي انقلاب حسني الزعيم، تــأخّــر عــامــ واحـــــداً فـقـط عــن نـكـبـة فلسطي . ومـــــذّاك، وخـصـوصـ مـنـذ انـقـ ب 1948 فــي ، صار البلد وظيفة قتاليّة، 1963 البعث في إذ «يصمد» و»يتصدّى» و»يُحبط مؤامرات» و»تـتـكـسّـر عـلـى صـخـرتـه الــخــيــانــات»، أكثر كثيراً منه مسرحاً لسعي البشر وإنتاجهم وتــبــادلــهــم وتـعـلـيـمـهـم وصـــحّـــتـــهـــم... هـكـذا جاز القول إنّ تاريخ سوريّا العسكريّ ابتلع تاريخها المــدنــيّ ابـتـ ع وظيفتها الحربيّة باقي معانيها وأبعادها. إلاّ أنّ مـا كــان أشـــدّ إدهــاشــ مـمّـا أعلنه الــــشــــرع انـــــعـــــدام الاعـــــتـــــراض عـــلـــيـــه. ذاك أنّ الـسـوريّـن لـم يعد يُغريهم أن يكونوا «قلب الــــعــــروبــــة الــــنــــابــــض» الــــــذي يــــهــــدّد بـتـحـريـر فلسطي وتوحيد العرب. وأشدّ من ذلك إثارة للدهشة أنّ تلك الأقـوال قيلت فيما إسرائيل تواصل احتلال أراضسوريّة وارتكاب أعمال عدوانيّة، فكأنّما الشرع يُحيل إلى السياسة والـعـ قـات الديبلوماسيّة حـلّ مشكلة ثبت للمرّة المليون أنّها لا تُحلّ بالقوّة. ولـــــربّـــــمـــــا جـــــــاز الــــتــــكــــهّــــن، كـــــواحـــــد مــن الاحتمالات، بنهاية تلك السوريّا العسكريّة الــــتــــي، بــــاســــم فــلــســطــن والـــــعـــــروبـــــة، قـتـلـت فلسطينيّي ولبنانيّي وأردنيّي وعراقيّي، فــــضــــً عـــــن الــــــســــــوريّــــــن، ومــــــــأت المــنــطــقــة سـ حـ ومـيـلـيـشـيـات، كـمـا اغـتـالـت وهـــدّدت بالاغتيال وبالسيّارات المفخّخة في شوارع مــدن عـــدّة. ولـربّـمـا بِتنا، وأيـضـ كـواحـد من الاحــتــمــالات، عـشـيّـة ولادة ســـوريّـــا جــديــدة، مسالمة ومُنكبّة على بـنـاء داخلها الوطنيّ وتـرمـيـم الـتـصـدّعـات العميقة الـتـي أحدثها العهد الآفل. فــــإذا صـــحّ هـــذا الافـــتـــراض، وهـــي «إذا» كـــــبـــــرى، كــــنّــــا أمــــــــام تــــــنّ ســـــــــوريّ لــلــطــريــقــة اللبنانيّة التقليديّة، حيث السلطة العسكريّة تخضع للسلطة المدنيّة، والجيش مؤسّسةٌ يغلب الرمزيّ فيها على الفعليّ، فيما القوّة تُجتَنَب ولا تُعبَد، أمّــا الـنـزاعـات الخارجيّة فتُحَلّ بالسياسة والديبلوماسيّة. وهو نهج تـولّـى النظام الــســوريّ البائد والميليشيات المـــســـلّـــحـــة، مــــــرّةً بــعــد مــــــرّة، مــنــع لــبــنــان من اتّباعه. والمُـــــفـــــارق الــــيــــوم، ومــــع إصــــــرار تـمـسّـك البعض بعدم نـزع سـ ح «حــزب الـلـه»، أنّنا نـسـتـورد الـنـظـريّـة الــســوريّــة فيما تستورد سوريّا النظريّة اللبنانيّة. وكـان الاستيراد الأوّل قد نما بمحاذاة نشأة الحزب المذكور وتـــعـــاظـــم قــــوّتــــه عـــلـــى حـــســـاب قــــــوّة الـــدولـــة والمجتمع اللبنانيّي. وفــي المـسـار الكارثيّ منعطفاً بالغ الأهميّة، 2013 هـذا كـان العام إذ عـامـذاك بــدأ تـدخّـل الـحـزب العسكريّ في سوريّا والذي ما لبث أن صار فعلاً احتلاليّاً وإحلاليّاً. ومع التدخّل طرأ تبادل في الأدوار فـانـتـقـلـت إلـــى لـبـنـانـيّـي «حــــزب الـــلـــه» مهمّة الــتــعــذيــب الـــعـــســـكـــريّ لـلـمـجـتـمـع الــــســــوريّ، بــعــدمــا كـــانـــت الـــدولـــة الــعــســكــريّــة الــســوريّــة تتولّى مهمّة تعذيب المجتمع اللبنانيّ. لــــكــــنْ يُــــــرجّــــــح، إذا نـــجـــحـــت الـــتـــجـــربـــة السوريّة الجديدة، أن يتوقّف هذا الاستيراد لأنّ مصدر التصدير الأصـلـيّ يكون قـد كفّ عن الاشتغال. فكيف وأنّ المنطقة كلّها أبدت وتــبــدي عــزوفــ عــن حـــرب لــم يـعـد المقتنعون بـــهـــا كـــثـــيـــريـــن، وإلاّ لـــكـــان فــــي وســـــع حـــدث كـ»طوفان الأقصى» أن يمهّد لطوفانات عنف في العالم العربيّ يعجز أيّ نظام «عميل» عن التصدّي لها. إنّ مــا يـــراد للبنان الــيــوم هــو أن يبقى «غـــابـــة بـــنـــادق» فـيـمـا تـعـلـن ســـوريّـــا إتـــ ف غــابــات بـنـادقـهـا المــؤسّــســة، وهــــذا فــي أغلب الظنّ صعب إن لم يكن مستحيلاً. OPINION الرأي 12 Issue 16829 - العدد Wednesday - 2024/12/25 الأربعاء القطيعة مع التطرفوتحديات دولنة سوريا «الإخوان» والانتهازية سوريّا المسالمة ولبنان المحارب! وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com
[email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email:
[email protected] srmg.com حازم صاغيّة يوسف الديني عبداللهفيصل آلربح
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky