issue16829

11 عاماً منالتحولات 25 YEARS OF CHANGE Issue 16829 - العدد Wednesday - 2024/12/25 الأربعاء نحن في عصر الانقلاب الثالث. انقلاب قاد إسرائيل إلىحروب جنونية، وذهب بالفلسطينيين إلى نكبة ثانية ASHARQ AL-AWSAT 25 نتنياهو «أسير الكرسي» يقود حرباً جنونية ودولة منبوذة انقلابات ونكبة فيربع قرن 3 ... فلسطين وإسرائيل إذا كــان هـنـاك حــدث فـــارق فـي التاريخ الإســـــرائـــــيـــــلـــــي، فـــــإنـــــه يـــكـــمـــن فـــــي واقـــعـــتـــن مـفـجـعـتـن فـــي قـــاعـــة المــحــكــمــة المـــركـــزيـــة في القدس، خلال الربع الأول من الألفية الثالثة؛ .2024 والأخــــــرى فـــي 2009 الأولـــــى فـــي عــــام «الـــبـــطـــل» فــيــهــمــا اثــــنــــان: الـــرئـــيـــس الأســـبـــق إيـهـود أولمـــرت، والآخـــر هـو الرئيس الحالي للحكومة بنيامي نتنياهو. الرجلان يمثلان الجيل الثالث الصاعد مـن قــادة «الحركة الصهيونية»، ويعكسان ما جرى لإسرائيل منذ أن انطلق كل منهما فـــي ســـنـــوات الـتـسـعـيـنـات شــابــن «مـتـألـقـن وموهوبي». كلاهما من «الليكود» اليميني، الـــذي هــزم حــزب الآبـــاء والأجــــداد المؤسسي ، ومــنــذ ذلـــك الـوقـت 1977 «الــعــمــل» فـــي عـــام يتوالى على الحكم. بـــرز أولمــــرت قــائــداً مـتـمـرداً، بـنـى مجده على محاربة الفساد. انتُخب للكنيست ثم لرئاسة بلدية القدس، ونفذ عشرات المشاريع لــتــهــويــدهــا وتـــعـــزيـــز الاســتــيــطــان فــيــهــا. ثم قـــاد فــي ظــل أرئــيــل شــــارون الــدولــة العبرية، ، إلـــى عـصـر جــديــد، لتتحول 2001 مـنـذ عـــام إســرائــيــل «امــبــراطــوريــة» فــي التكنولوجيا والعلوم والذكاء الاصطناعي. فلسطين بين أولمرت ونتنياهو عـلـى الـسـاحـة الـسـيـاسـيـة، حـصـل تطور بالغ لدى أولمرت نحو الدبلوماسية الواقعية؛ إذ اعـــتـــرف بــأخــطــاء الاحـــتـــ ل وانــســحــب مع شارون من الليكود وقاد مشروع الانفصال عن قطاع غزة، وعندما مرض شارون وحل محله ، أحدث انعطافاً 2005 في رئاسة الحكومة عام حاداً في الموقف من الصراع مع الفلسطينيي. وتعامل باحترام كبير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واستقبله في مقرّه في القدس الغربية رافعاً علم فلسطي إلـى جانب العلم الإسرائيلي. وعرضعليه مشروع حل حقيقياً للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على أساس حل الدولتي. أمـــا نـتـنـيـاهـو، فـقـد نـشـأ قــائــداً سياسياً يــــتــــفــــوق فـــــي الــــعــــمــــل الــــدبــــلــــومــــاســــي ويـــتـــقـــن الــخــطــابــة بــالــلــغــة الإنــجــلــيــزيــة، لـكـنـه اعـتـمـد أساليب الخداع والاحتيال، فلم يلتقِ رئيساً أو ملكاً إلا وخـــرج بانطباع عنه أنــه شخص غير صادق. ، وعـنـدمـا كـــان حــل الـدولـتـن 2009 عـــام مطلباً عـالمـيـ ، ألـقـى نتنياهو خطاباً وُصـف يـومـهـا بــ«الـتـاريـخـي» أعـلـن فـيـه تـأيـيـده هـذا الحل. وكان أبلغ رد عليه، ما قاله عنه والده، المــؤرخ بنتسيون نتنياهو: «إنـه ليس أهبل. هو لا يوافق على حل الدولتي». بالفعل، عمل كل ما في وسعه ولا يــزال ليمنع ذلــك. وعلى الـــطـــريـــق، تــمــكــن مـــن الــــدخــــول فـــي صـــدامـــات واحتكاكات مـع معظم قــادة الـعـالـم، بمن في ذلـك رؤســـاء الـولايـات المتحدة الثلاثة، بـاراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن. ومــــــا بـــــن أولمـــــــــرت ونـــتـــنـــيـــاهـــو إدانـــــــات ومحاكم. الأول، أدين في قاعة المحكمة المركزية فــــي الــــقــــدس بــتــهــمــة تــلــقــي الــــرشــــى وخــيــانــة شهراً. وحال 16 الأمانة، وأمضى في السجن تقديم لائحة اتهام ضده استقال من منصبه، ليتعاون مع جهاز القضاء فانتهت محاكمته بعد سنة فقط. أما الآخر، فقد بدأت محاكمته قبل أربع سنوات ولا يبدو أنها ستنتهي قبل أربع سنوات أخرى وأكثر. وبسببها، يخوض حرباً ضد أجهزة القضاء. كلاهما يتهم الجهاز القضائي بتدبير مـــــؤامـــــرة لــــإطــــاحــــة بــــــه؛ أولمـــــــــرت يـــعـــتـــقـــد أن الـتـهـم ضـــده نُـسـجـت لأنـــه كـــان قــد انـطـلـق في مـسـار سـيـاسـي يفضي إلـــى تـسـويـة الـصـراع الإسـرائـيـلـي - الفلسطيني، على أســـاس حل الدولتي. وأصدر كتاباً يشرح فيه بالتفصيل كيف عملت ماكينة التحريض عليه. وما زال حـتـى الــيــوم متمسكاً بطريقه ويــؤكــد أن من يــريــد الـخـيـر لـأجـيـال الــقــادمــة فــي إسـرائـيـل يـسـعـى لـتـسـويـة لــلــصــراع مـــع الفلسطينيي مـبـنـيـة عــلــى الاحــــتــــرام المـــتـــبـــادل والـــتـــعـــاون. ويـتـهـم نتنياهو الـجـهـاز الـقـضـائـي بالتآمر عـلـيـه مــن الـــدولـــة العميقة الـيـسـاريـة لغرض إسقاط حكم اليمي؛ لأنه يعمل بشكل حثيث ومثابر على منع إقامة دولة فلسطينية. أولمـــــــــرت مــــتــــواضــــع ونـــتـــنـــيـــاهـــو مــتــكــبــر. غالبية الـذيـن عملوا مـع أولمـــرت يعتقدون أنه كان من أفضل رؤسـاء الحكومات عبر التاريخ الإســرائــيــلــي ويـمـتـدحـون سـمـاتـه. ويـعـتـبـرون فــســاده خــطــأً إنـسـانـيـ نــــادراً لــم يـكـن يستحق محاكمته وسجنه. بينما يقول غالبية الذين عـــمـــلـــوا مــــع نـــتـــنـــيـــاهـــو إنــــــه «لا صــــاحــــب لــــه»، وينتقدون تصرفاته الفظة ويــؤكــدون أنــه بلا مـشـاعـر. زوجـــة الأول بقيت فـي الـظـل. وزوجــة الآخر توصف بأنها «شريرة وتدير حروباً ضد كل الخصوم بطريقة تذكّر بأساليب المافيا». قصة محكمة بـــالـــعـــودة إلــــى أروقـــــة المــحــكــمــة، حــرص الـكـثـيـر مـــن الـــــــوزراء والــــنــــواب عــلــى حـضـور جلساتها الـتـي تنظر فـي قضية نتنياهو، للتضامن «الـتـظـاهـري» معه. وزيــر التربية والتعليم في حكومة إسرائيل، يوآف كيش، الرجل المكلف تربية الأجيال الطالعة، حضر مـــتـــأخـــراً. فـــــراح يــشــق طــريــقــه بـمـرفـقـيـه إلــى قاعة المحكمة المزدحمة ويلوح بيده مرّة، ثم مرّة ثانية وثالثة في محاولة يائسة لجذب انتباه نتنياهو المتهم، ولو بطرف عينه. ظل يــلــوّح حـتـى لاحـــظ نـتـنـيـاهـو ذلــــك. وعـنـدهـا فقط بدا عليه الارتياح. هــــذه الــــصــــورة يـنـقـلـهـا الــصــحــافــي بن كسبيت، ويــقــول: «لـــم أكـــن لأتــطــرق إلـــى هـذا النفاق لولا أنه اتضح لنا، قبل يومي، وضع الـتـعـلـيـم فـــي إســـرائـــيـــل تــحــت قـــيـــادة كـيـش. (مسابقة للعلوم TIMMS نتائج اختبارات (تـهـدف PISA والـــريـــاضـــيـــات)، واخـــتـــبـــارات إلى معرفة مدى تمكن الطلاب والطالبات من المهارات والمعارف الأساسية) وضعت أمامنا صــــورة مــرعــبــة. لــيــس أقــــل مـــن ذلــــك. نـوعـيـة الطلاب الإسرائيليي آخــذة في الانخفاض. طـبـقـة المــتــمــيــزيــن، الـــتـــي كـــانـــت دائـــمـــ غنية وسميكة، أصبحت تتقلص». «لا يوجد نصر كامل ولا نصراً جزئياً... كـــل مـــا هــنــالــك مـــجـــرد اســتــيــعــاب الـضـحـالـة والـتـطـرف والـجـهـل والسطحية. إذا استمر هـــــذا، وهــــو مـسـتـمـر ويــتــكــثــف فـــي ظـــل هــذه الحكومة، فلن نتمتع في الحرب المقبلة بكل المزايا التي تمتعنا بها في الحرب الحالية»، يقول بن كسبيت. أسير الكرسي هـذا بيت القصيد. فإسرائيل فـي عهد نـــتـــنـــيـــاهـــو الــــطــــويــــل، الـــــــذي أصــــبــــح رئــيــس حكومة لمــدة أطـــول مـن أي رئـيـس سبقه، لم تــعــد إســـرائـــيـــل نــاجــحــة وهــــي تـــواجـــه خطر الانـــــزلاق إلـــى الــهــاويــة. لـيـس لأنـــه لا يعرف كــيــف يـــديـــر دولــــــة، فــفــي بـــدايـــة عـــهـــده حقق إنـــــجـــــازات كـــبـــيـــرة فــــي الاقـــتـــصـــاد والـــعـــلـــوم والـــتـــكـــنـــولـــوجـــيـــا، بـــــل لأنــــــه أصــــبــــح أســـيـــراً لكرسيه. وليس فقط لأنه يحب هذا الكرسي ويـعـتـقـد بـــأن الــلــه حـبـا شـعـب إســرائــيــل بـه، بـل لأنــه يـــدرك أيـضـ أن نـزولـه عـن الكرسي، سيقوده إلى السجن. ولأن السبيل الوحيد لــلــنــجــاة هــــو فــــي الـــبـــقـــاء رئـــيـــســـ لـلـحـكـومـة بفضل قــوى اليمي المتطرف يقود سياسة تخدم أجندة سياسية للصهيونية الدينية الاستيطانية التي تحارب ضد أي إمكانية للسلام مع الفلسطينيي. هكذا، فإن الدولة الحديثة، التي كانت في مسيرة صعود، تغدو في 2000 في عام مسيرة هبوط. ليست «بيت عنكبوت»، لكن مكامن قوتها تضعف. الدولة التي حظيت بـعـرض عـربـي بـالـغ السخاء، 2002 فـي عــام بـــمـــبـــادرة ســــ م مـــع جـمـيـع الــــــدول الـعـربـيـة وغــالــبــيــة الـــــدول الإســـ مـــيـــة مــقــابــل تـسـويـة الـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة وفــــق حـــل الــدولــتــن، تـخـوض حـروبـ جنونية تجعلها مكروهة ومــــنــــبــــوذة بـــــ أفــــــق ســــيــــاســــي. وقـــيـــادتـــهـــا تبشرها بالعيش على الحراب عقوداً طويلة، تـورِث الأجيال القادمة مزيداً من الصراعات والأحقاد. نكبة بعد نكبات فـــي مـقـابـل ذلــــك، هــنــاك الـفـلـسـطـيـنـيـون؛ شــعــب ذو طـــمـــوحـــات عــالــيــة وجـــهـــود كـبـيـرة لــــلــــتــــقــــدم والـــــــتـــــــطـــــــور، هـــــــو أيــــــضــــــ مـــنـــكـــوب بـالـصـراعـات والأزمــــات ويعيش نكبة ثانية، ليس فقط بسبب الاحــتــ ل، بـل أيـضـ بسبب تصرفات غير مسؤولة وغير محسوبة بشكل مهني سليم من بعض قادته. مــطــلــع الــتــســعــيــنــات، كــــان حــلــم الــتــحــرر مـن الاحــتــ ل قـد اقـتـرب كـثـيـراً، عندما وقّعت منظمة الـتـحـريـر الفلسطينية بـقـيـادة ياسر ، مع 1993 عـرفـات، اتفاقيات أوسـلـو، فـي عـام الـقـائـد الإسـرائـيـلـي الـجـاد إسـحـق رابـــن. لقد أحدث عرفات ورابي انقلاباً في العلاقات بي الشعبي، لكن اليمي الإسرائيلي المتطرف قتل رابي وأحدث بذلك انقلاباً ثانياً. ونفذ مذبحة الخليل، التي فتحت الباب أمام يمي متطرف فلسطيني نفذ عمليات مسلحة خطيرة ضد المدنيي في إسرائيل. كانت كل عملية كهذه تحقق للمتطرفي الإســرائــيــلــيــن مـكـاسـب جـمـاهـيـريـة ضخمة، فالمتطرفون يغذون بعضهم بعضاً ويؤججون العداء والكراهية ويعتاشون منها. نـــحـــن الــــيــــوم فــــي عـــصـــر غــــــزة. الانـــقـــ ب الثالث، خـ ل ربـع قــرن. انـقـ ب قـاد إسرائيل إلـــى حـــروب جـنـونـيـة، وذهـــب بالفلسطينيي إلـــــى نــكــبــة ثـــانـــيـــة، دفـــــع ثــمــنــهــا مــعــهــم أيــضــ لبنانيون وسـوريـون ويمنيون. نكبة، تحمل فـــــي طـــيـــاتـــهـــا كـــــل أســـــبـــــاب الـــــبـــــؤس والــــيــــأس والإحـــبـــاط. الـشـعـبـان يـحـتـاجـان إلـــى قـيـادات تعرف كيف تبني الأمل ولا تخضع للمأساة، وكـــيـــف تــعــثــر عــلــى طــــاقــــات الــــنــــور فــــي حـلـكـة الــظــ م. ومـــســـارات الـتـاريـخ حبلى بالنماذج التي يولد فيها قــادة يعرفون كيف يحدثون الانــعــطــاف فــي حـيـاة شـعـوبـهـم، لعلها تكون بشرى الربع المقبل من الألفية الثالثة. (غيتي) 2009 رئيسالوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت (يمين) معرئيسالوزراء الحالي بنيامين في الكنيست تل أبيب: نظير مجلي سبتمبر إلى الانهيارات الكبرى 11 من أحداث الخليج... حدائق وسطحرائق من المـقـولات المقتبسة التي أفضّلها في تشخيص الــــواقــــع الــــــذي عـــاشـــتـــه المــنــطــقــة خـــــ ل الـــعـــقـــود الــثــ ثــة الماضية وتعيشه اليوم، ملاحظة هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمـيـركـي الأسـبـق ومستشار الأمــن القومي، في كتابه المعنون «النظام العالمي: تأملات في شخصية الأمم ومسار التاريخ». فــي هـــذا الــكــتــاب، يـنـاقـش كيسنجر مـعـركـة البقاء بــن الأمــــم؛ حـيـث يــقــول: «الــشــرق الأوســــط يعيش نـزاعـ يشبه النزاعات التي واجهتها أوروبـا في القرن التاسع عشر من حــروب دينية، نتيجة انهيار الـدولـة وتحويل أراضيها إلى قاعدة للرهاب وتهريب السلاح، مما يؤدي إلـــى تـفـكـك الـــدولـــة وبـالـتـالـي تـفـكـك الـنـظـامـن الإقليمي والدولي». على مــدار العقود الماضية شهدت المنطقة أحداثاً غير مسبوقة غيّرت ملامحها وأثـرت على بنية نظامها الإقــلــيــمــي، كــانــت دول الـخـلـيـج فـــي قـلـب هـــذه الأحـــــداث، ورغــم التحديات والـتـهـديـدات الإقليمية والـدولـيـة التي واجهتها، استطاعت الحفاظ على استقرارها الداخلي وترسيخ دورها المحوري في تحقيق التوازن الإقليمي، مـــمـــا عــــــزّز مــكــانــتــهــا بــوصــفــهــا ركــــيــــزة أســـاســـيـــة لــأمــن والاستقرار في المنطقة. أولى حروب 2001 ) سبتمبر (أيلول 11 كانت أحداث الـقـرن الـتـي غـيّـرت المــعــادلات الأمـنـيـة العالمية، وفرضت ضغوطات كبيرة على المنطقة من قبل تنظيم «القاعدة» الإرهابي. شكلت هذه الأحـداث نقطة تحول حقيقية في جهود الـدول في مكافحة الإرهـاب والتطرف، ليس فقط على مستوى دول الخليج، بل على المستوى العالمي. وقد تعرضت السعودية ودول الخليج لسلسلة من الهجمات الإرهـابـيـة خـ ل العقود الماضية التي استهدفت أمنها واستقرارها. كان أشدها هجومي استهدف الأول مدينة ينبع الصناعية ومقر إحدى الشركات السويسرية، نفذه مصطفى الأنـــصـــاري أحـــد المـنـتـمـن لتنظيم «الــقــاعــدة» ممن شاركوا في صراعات بأفغانستان والصومال. أمّا الـهـجـوم الآخــــر، فـكـان فــي الـخُـبـر؛ حـيـث اسـتـهـدف مقار شركة هلبيرتون الأميركية النفطية ومجمعات سكنية، ما تسبب في اضطراب بأسعار النفط وتوتر الأوضـاع الإقليمية. استجابت دول الخليج لهذه التحديات عبر اتخاذ إجراءات صارمة في مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر ، أقــــرت دول مـجـلـس الـتـعـاون 2002 تـمـويـلـه. فـفـي عـــام استراتيجية أمنية مشتركة لمكافحة الإرهــاب، تضمنت عناصر رئيسية تحت عنوان «الاستراتيجية الأمنية 6 ،2004 لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب». وفي عام تـم توقيع الاتـفـاقـيـة الخليجية لمكافحة الإرهــــاب خلال اجتماع وزراء الداخلية في الكويت، لتكون إطاراً قانونياً يـــدعـــم جـــهـــود دول المــجــلــس ويــــعــــزّز الــتــنــســيــق بـيـنـهـا. ، تـم إنـشـاء لجنة أمنية دائـمـة مختصة 2006 وفــي عــام بمكافحة الإرهاب، تُعقد اجتماعاتها بشكل دوري للنظر في القضايا المتعلقة بالإرهاب وتعزيز التعاون الأمني المشترك. استطاعت دول الخليج بذلك أن تبني منظومة متماسكة تركز على التصدي للرهاب وتمويله بآليات واضحة وتنسيق فعّال بي دوله. أحد أهم إرهاصات 2003 مثّل غزو العراق في عام الحرب على الإرهاب؛ حيث كان زلزالاً هزّ منطقة الخليج وفـتـح فـصـً جـديـداً مـن الاضــطــرابــات. فقد أدى سقوط نظام صدام حسي إلى فراغ أمني سمح بتصاعد القوى الطائفية وزيـــادة النفوذ الإيـرانـي مما زعــزع الاستقرار الإقــلــيــمــي. ورغــــم رفـــض دول الـخـلـيـج الـــغـــزو الأمـيـركـي للعراق وتأكيدها على ضرورة احترام الشرعية الدولية، فـإنـهـا وجــــدت نفسها مـضـطـرة لـلـتـعـامـل مــع تـداعـيـاتـه للحفاظ على استقرار المنطقة. فعلى الصعيد السياسي عــبّــرت عــن قلقها مــن تـصـاعـد الـنـفـوذ الإيـــرانـــي وسعت لدعم وحدة العراق واستقراره، مؤكدة التزامها بسيادته واستقلاله ووحـدة أراضيه، ودعمت العملية السياسية الــتــي قــادتــهــا الأمــــم المــتــحــدة، بـمـا فـــي ذلـــك الانـتـخـابـات الـتـشـريـعـيـة وإقــــــرار الــدســتــور مـــع الـــدعـــوة إلـــى تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع أطياف الشعب العراقي. أمّـــا عـلـى الصعيد الأمــنــي فـقـد عملت عـلـى تعزيز قـــدراتـــهـــا الــدفــاعــيــة وتـكـثـيـف الـــتـــعـــاون الاســتــخــبــاراتــي وتعزيز الشراكة الأمنية مـع الـولايـات المتحدة لتحييد النفوذ الإيراني. كما عزّزت إجراءاتها لحماية حدودها واستقرارها الداخلي، والحدّ من تداعيات الفوضى على الأمن الإقليمي. عندما اجتاحت المنطقة موجة ما يسمى «الربيع ، كـانـت دول الخليج على موعد 2011 الـعـربـي» فـي عــام آخر يختبر قدرتها على الحفاظ على أمنها واستقرارها الداخلي، وسـط انهيارات كبرى في الأنظمة السياسية المـجـاورة بـدءاً من تونس مــروراً بمصر وليبيا وسوريا وانتهاءً باليمن. أدت هـذه الأحـــداث إلـى إسقاط الأنظمة السياسية وتفكيك بنيتها السياسية والاجتماعية، ما خلّف فراغاً سـيـاسـيـ كـبـيـراً، وفـــي ظــل غــيــاب بــدائــل جــاهــزة لـقـيـادة المجتمع، سادت حالة من الفوضى، مما أدى إلى تصاعد الاضــطــرابــات والمــظــاهــرات ونـتـج عــن ذلـــك بيئة مواتية لــظــهــور جــمــاعــات إرهـــابـــيـــة وتـــدخـــ ت أجـنـبـيـة تسعى لتحقيق مصالحها على حساب استقرار المنطقة. كانت أهم مخاوف دول الخليج من هذه التغييرات تـتـمـثـل فـــي انـــتـــشـــار مـــا تـسـمـيـه آيـــديـــولـــوجـــيـــة الإســــ م السياسي في المنطقة العربية، ومـا قد يترتب عليه من تداعيات إقليمية. كان القلق الرئيسي يدور حول صعود جـمـاعـات الإســـ م السياسي إلــى الحكم فـي هــذه الــدول وإمكانية تصدير تأثيرها إلـى دول الخليج مما يهدد استقرارها الداخلي. تعاملت دول الخليج مع أحداث ما يسمى «الربيع العربي» برؤية استراتيجية عميقة وإدراك واعٍ لتحديات المرحلة، مما مكّنها من اتخاذ خطوات مدروسة حافظت على استقرارها الداخلي ودورها الإقليمي. فركّزت على تعزيز تماسكها الداخلي والتفاعل بحكمة مع المطالب الــشــعــبــيــة لــضــمــان اســـتـــقـــرارهـــا والـــحـــفـــاظ عــلــى وحـــدة نسيجها الاجتماعي. أمّـــا إقليمياً، فقد لعبت دوراً مـحـوريـ فـي احـتـواء تداعيات الأزمات، عبر دعم الأنظمة الحليفة التي تأثرت بـالاضـطـرابـات، والتدخل المباشر فـي بعض الـــدول مثل اليمن والبحرين للحفاظ على استقرارها ومنع انتشار الفوضى. وبعد مـرور أكثر من عقد على هـذه الأحــداث، التي لا تـزال تداعياتها مستمرة حتى الآن في كثير من دول المـنـطـقـة، اسـتـطـاعـت دول الخليج أن تـحـافـظ على استقرارها وتبرز بوصفها قوة إقليمية تسهم في دعم واستقرار المنطقة ومواجهة حالة الفوضى التي نتجت عن هذه الاضطرابات. ما إن بدأت المنطقة تلتقط أنفاسها حتى اجتاحت ، حيث واجه العالم 2020 جائحة «كورونا» العالم في عام تحدياً غير مسبوق أعـــاد صياغة الأولـــويـــات الصحية والاقتصادية وتـرك تأثيرات طويلة الأمـد على مختلف المستويات. تميّزت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بتعاملها الاستثنائي مع هـذه الأزمــة. فمنذ الــلــحــظــة الأولــــــى لــظــهــور الـــفـــيـــروس اتــســمــت اسـتـجـابـة المملكة بالإنسانية والحزم، حيث قدمت الرعاية للجميع دون تفرقة مع توفير العلاج المجاني وتوسيع القطاع الـصـحـي وإطـــــ ق حــمــ ت تـطـعـيـم سـريـعـة أشـــــادت بها المــنــظــمــات الـــدولـــيـــة. كــمــا أثــبــتــت دول الـخـلـيـج الأخــــرى كفاءة عالية عبر خطط شاملة لتعزيز بنيتها الصحية والــتــكــيّــف مـــع الأزمـــــة، مـقـدمـة نــمــوذجــ فـــعـــالاً فـــي إدارة الأزمـــات. اقتصادياً، تعاملت دول الخليج مع تداعيات «كـورونـا» بحزم اقتصادية، حيث أثبتت مرونتها عبر دعم القطاعات المتضررة وتنويع مصادر دخلها. على الرغم من تأثير الجائحة على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط، أظهرت دول الخليج استعداداً استباقياً من خـ ل استراتيجيات طويلة الأمـد تهدف إلـى تقليل » ومشاريع 2030 الاعتماد على النفط، مثل «رؤية المملكة التنويع الاقتصادي في باقي دول الخليج. بذلك، أظهرت دول الخليج خلال مرحلة جائحة «كورونا» قيادة واعية وقدرة فائقة على التكيف، ما أسهم في حماية شعوبها وضــمــان اسـتـقـرارهـا الاقــتــصــادي والاجـتـمـاعـي فــي ظل التحديات غير المسبوقة التي فرضتها الأزمة. تواجه المنطقة حالياً موجة جديدة من التصعيد؛ خـــصـــوصـــ فــــي ظــــل الــــحــــرب فــــي غـــــزة ومـــخـــاطـــر تــوســع المواجهات وامتداد رقعة الصراع إلى مناطق أخـرى في الشرق الأوسط، إضافة إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ما فتح الباب أمام تحديات وتهديدات جديدة. ودول الـخـلـيـج وســــط هــــذه الـــتـــوتـــرات المـتـصـاعـدة ماضية فـي تأكيد قدرتها على التكيّف مـن خــ ل طرح مــبــادرات دبلوماسية فعالة وتعزيز التنسيق الـدولـي، ساعية إلى ترسيخ الاستقرار في منطقة تواجه العديد من التحديات. وفـي إطــار هـذه الجهود، تحتل القضية الفلسطينية والــحــرب عـلـى غـــزة أولــويــة قــصــوى؛ حيث تؤكد دول الخليج على ضـــرورة وقـف الـحـرب و«جـرائـم الـقـتـل وتـهـجـيـر الــســكــان»، مــع تـوفـيـر الـحـمـايـة الـدولـيـة لـلـمـدنـيـن الـفـلـسـطـيـنـيـن. كـمـا تــدعــم الــجــهــود الـدولـيـة والإقــلــيــمــيــة لإيـــجـــاد حـــل ســلــمــي وفــــق مــــبــــادرة الــســ م الــعــربــيــة، وتـحـقـيـق حـــل الـــدولـــتـــن. أمّــــا فـــي لـبـنـان ومـع تصاعد الـتـوتـرات العسكرية مـع «حـــزب الــلــه»، تواصل دول الخليج الـعـمـل ضـمـن خـطـة أشـمـل لتعزيز سـيـادة لبنان واستقراره، مستندة إلى التنسيق الدولي لضمان ، بما يسهم في دعم الأمن 1701 تنفيذ قرار مجلس الأمن والاستقرار ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع. كما تستعد دول الخليج للتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد في سوريا، مستهدفة إعادة بناء سوريا بوصفها دولة مـسـتـقـرة وبــعــيــدة عــن الــتــدخــ ت الإيـــرانـــيـــة، بـمـا يخدم مصالحها الاستراتيجية. ويتطلب هذا الهدف تنسيقاً دقيقاً مع الشركاء الإقليميي والدوليي لضمان استقرار سوريا والمنطقة بشكل عام. يمكن القول إنـه بعد مـرور ربـع قـرن من التحولات الــجــذريــة والــتــحــديــات المـتـعـاقـبـة، أثـبـتـت دول الخليج قدرتها على التحول إلى ركيزة أساسية للاستقرار في منطقة تعجّ بـالاضـطـرابـات فأصبحت بمثابة «حدائق وسط حرائق». نجحت دول الخليج في تحقيق الأمـن والاستقرار داخـــــل حــــدودهــــا، وامــــتــــدّ تــأثــيــرهــا لـيـشـمـل محيطيها الإقليمي والعالمي، مما جعلها نموذجاً يحتذى به في السعي نحو مستقبل أكثر استقراراً للجميع. * باحث في العلاقات الدولية * د. إبراهيم العثيمين

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky