issue16828
فــي المنعطفات المـصـيـريـة الـكـبـرى، ولـلـمـرّة الـرابـعـة خـال في 2024 قـرنـن مـن الــزمــن، يـذهـب مـجـرى الـتـاريـخ أواخــــر عــام اتـجـاه المـشـروع اللبناني، فـي وقـت كـان فيه الـوضـع، هـذه المـرّة أيـضـا، شبه يـائـس، يكاد يستحيل الـخـروج منه. كـان المشروع اللبناني مـتـرنّـحـا بــن الانـهـيـار الاقــتــصــادي والمـعـيـشـي الـتـام، وازدواجية الدولة الضعيفة والتنظيم العسكري المذهبي البالغ الـتـسـلـح، الـــخـــارج عـنـهـا والمـهـيـمـن عـلـيـهـا مـنـذ ربـــع قـــرن بـقـوة «المـحـور». كـان يمكن للمرء أن يشاهد على الشاشات مثل هذا الـحـوار السوريالي: يقول أحـد المحاورين إنـه «لا يمكن للبنان الـنـهـوض مــن دون قـيـام دولـــة واحــــدة فـيـه وجـيـش واحــــد، على غرار جميع دول العالم»، فيجيبه المحاور الآخر وابتسامة الثقة والرضا على وجهه: «معك حق. الدولة اللبنانية انتهت منذ عام . وعليها تسليم بقاياها للدولة الحقيقية التي هي الحزب، 1975 الــذي اكتملت مشروعيته بخروجه مـن مذهبيته وتحالفه مع فئات من سائر الطوائف والمذاهب». مـثـل هـــذا الـــحـــوار الــــذي لا يــعــود لأكــثــر مـــن شــهــريــن، بـات يــبــدو مـــن زمــــن غـــابـــر. فــهــذه هـــي أقـــــدار الـــتـــاريـــخ. وقــــد الـتـأمـت فجأةً معطيات التحوّل، بي الـواقـع الــذي يبدو دومــا أكثر قوة مما هـو عليه بكثير، والتقاء الشعلة اللبنانية المحاصرة في الداخل، بعوامل دولية وإقليمية لا يد لها فيها، انقلب الوضع لصالح المشروع اللبناني والدولة اللبنانية. أتى اتفاق «هدنة الستي يوما» لينهي في الواقع ظاهرة الحزب كتنظيم مسلّح، بموافقته ورضـاه. ثم سقط نظام الأسد سقوطا مدويا، ليقطع طريق الإمداد، وليخلخل «المحور» برمته. ضمن هذه الدينامية التاريخية الـجـديـدة تـأتـي انـتـخـابـات الـرئـاسـة اللبنانية التي طـــال تأجيلها ومـنـعـهـا. وهـــي تــرتــدي فــي زمـــن الـتـحـوّل أهمية ومعنى عميقي، عــزّ نظيرهما فـي تـاريـخ «لـبـنـان الـكـبـيـر». إذ يؤمل منها أن تكون نقطة الانطلق نحو تشكيل سلطة إنقاذية فاعلة وإعـــادة بناء المؤسسات اللبنانية على أسـس إصلحية وتحديثية، لا مفرّ منها لإخراج «بلد الأرز» من الحضيض الذي أدركته بي دول العالم، ومن الجحيم الذي وصلت إليه. هذا المسار «العجائبي» الذي أحيا آمال اللبنانيي، حيث لم يعد من أمــل، لا تــزال تعترضه عقبات عـديـدة. وإذا كـان هذا المسار أيقظ الفرح والرجاء في مجمل النفوس، فهو يثير أشد القلق والمخاوف لدى الذين نهبوا لبنان منذ ثلث قرن، والذين سيطروا بقوة السلح على مؤسساته منذ ربـع قــرن. وهــؤلاء، على اخـتـاف انتماءاتهم ومشاربهم، لهم الـيـوم اليد الطولى فـــي الـسـلـطـتـن الـتـنـفـيـذيـة والـتـشـريـعـيـة. ومـــع أن لـبـنـان شهد منذ خمس سـنـوات أحـد أكبر الانـهـيـارات الاقتصادية والمالية والحياتية فـي تـاريـخ الـشـعـوب، ثـم أحــد أكـبـر الانـفـجـارات غير النووية في جميع الأزمنة، فلم يتخذ مسؤولو السلطة اللبنانية والمهيمنون عليها مذ ذاك أبسط إجــراء إصـاحـي، إضافة إلى منعهم العدالة وضربها في السر والعلن أمام العالم. أن يــذهــب مــجــرى الــتــاريــخ فـــي اتـــجـــاه المـــشـــروع اللبناني ودولـتـه، وأن يضحى ذلـك مطلبا غربيا وأمميا، فتلك مفاجأة كبرى لم يكن يتوقعها كل هـؤلاء، وكارثة مفجعة تحلّ عليهم. كـم كـانـوا يفضلون أن ينسى الـتـاريـخ «بـــاد الأرز» وينساهم. كـــانـــوا يــحــتــارون ويــــــدورون حـــول الانــتــخــابــات الــرئــاســيــة منذ عامي ونيّف. أما الآن فباتت هذه الانتخابات تقضّ مضاجعهم. إذ يـدركـون تمام الإدراك أنها ستكون نقطة الانـطـاق لتكوين السلطة مــن جــديــد. وبـمـا أن الــبــاد وصـلـت إلـــى قـعـر الـهـاويـة، فلتحقيق النهوض بات محتما اللجوء إلى إجراءات إصلحية فعالة في جميع المؤسسات والمـجـالات، يخشى أن تُفتح معها المـــلـــفـــات، وتُـــكـــشَـــف شـيـئـا فـشـيـئـا الارتــــكــــابــــات، وتـــكـــرّ الـسـبـحـة الطويلة جداً. مـــا الــعــمــل؟ مـنـتـهـى الأمــــل فـــي دنــيــاهــم أن يـــأتـــوا بـرئـيـس مشارك بصورة ما في الخراب، فيسعى جهده في حماية نفسه وحمايتهم. ولهم بــاع طويل وكـفـاءة عالية فـي هــذه الصنعة، مشهود لهم فيها. لا فرق في أن يكون سياديا أو غير سيادي، فلم يعد ذلـك مهما. المهم أن يكون «مـشـاركـا». وإذا تـعـذّر ذلـك، فــا بــد مــن الانــتـقــال إلـــى «الـخـطـة بــــاء»، والـعـمـل بـكـل الـوسـائـل لإيصال «رئيس توافقي» يتقن فن التأجيل والتمييع ولا يجسر على التقرير، فيطول الـوقـت وتكثر الاحـتـمـالات، على أمـل «أن يموت جحا، أو الملك، أو الحمار»، كما في تلك الحكاية الجميلة، وينتهي الأمر. وإذا كانت موجة إحياء الدولة اللبنانية شديدة عاتية، بحيث تأتي برئيس قوي، غير مرتكب، غير محبٍ المال، وإصلحي حقا، فتلك حقا «الطامة العظمى». تمثل رحلة التحول مـن أبـو محمد الجولاني إلـى أحمد الـــشـــرع والــتــمــوضــع الــجــديــد لــ«هـيـئـة تـحـريـر الـــشـــام» (جبهة النصرة سابقا) في المشهد السوري، ظاهرة معقدة تحمل في طياتها إشكاليات سياسية وفكرية غير مسبوقة. فالجولاني الذي كان رمزاً للتطرف العابر للحدود، يتحدث اليوم بلسان أحمد الشرع وبلغة تتبنى مفردات الوطنية السورية الجامعة والاستقرار الإقليمي والتنمية الشاملة، وصولاً إلى إطراء أكثر الـــرؤى التنموية والاقـتـصـاديـة نموذجيةً كـــ«رؤيــة السعودية .»2030 بإزاء تحول بهذا الحجم، يثار سؤال جوهري بشأن ما إذا كنا أمام تغيير حقيقي يُعيد صياغة دور «هيئة تحرير الشام» فاعلً سياسيا محليا وإقليميا، أم أن الجاري أمام أعيننا هو مجرد مناورة متقنة تهدف إلى كسب الشرعية والوقت؟ أيــــــا تـــكـــن الإجــــــابــــــة، فـــالأكـــيـــد أن الـــســـيـــاســـتَـــن الــعــربــيــة والإسـامـيـة بعد سقوط نظام الأســـد، باتت فـي خضم صـراع غير مسبوق بـن براغماتيتي مختلفي فـي الـرؤيـة والـهـدف: الــبــراغــمــاتــيــة الــتــقــدمــيــة الـــتـــي تـسـعـى إلــــى بـــنـــاء دول وطـنـيـة مـدنـيـة مـــن خـــال الـتـركـيـز عـلـى الإصـــــاح الــداخــلــي والتنمية المــســتــدامــة، وســيــاســات الـــســـام والــتــكــامــل، ومـــن جـهـة أخـــرى «براغماتية إسلموية جهادية» تحاول التكيف مع الواقعَي المـحـلـي والـــدولـــي مـــن دون الـتـخـلـي بـــالـــضـــرورة عـــن جــذورهــا الآيديولوجية، بما في ذلـك الجذور المتطرفة. وليس من باب المبالغة القول إن نتيجة هذا الصراع بي تيارين يمتلكان رؤى متعارضة لمستقبل العالمَي العربي والإسلمي ستكون حاسمة في تشكيل ملمح المنطقة لعقود قادمة. حـافـظـت الـبـراغـمـاتـيـة التقدمية عـلـى وجــودهــا فــي وجـه صعود الآيديولوجيات العقائدية الثورية القومية والبعثية والــصــراعــات الـعـابـرة لـلـحـدود الـتـي استنزفت مــقــدرات الــدول الـعـربـيـة وأضــعــفــت كـيـانـاتـهـا الـسـيـاسـيـة والاجــتــمــاعــيــة. هـذا التيار، الـذي تجسد في تجارب تونس مع الحبيب بورقيبة، والإمارات مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسعودية مع الملك فيصل، وكانت له بــذور في تجربة جنينية مع الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب في السودان، انحاز بشكل واعٍ إلى مفهوم الـدولـة الوطنية الناهضة على بناء مؤسسات قوية، وتـحـقـيـق الـتـنـمـيـة الــبــشــريــة، والـــخـــطـــاب الــســيــاســي الــواقــعــي التصالحي مع المجتمع المحلي ومع المحيط. ولئن تفاوتت مـسـارات هـذا التيار السياسي العربي نجد مثلً أن بورقيبة، قـدم نموذجا لدولة وطنية حديثة من خلل إصلحات اجتماعية شجاعة، مثل تعزيز حقوق المـــــرأة، وإرســـــاء نــظــام تعليمي قــــوي، وتـحـقـيـق الاسـتـقـرار السياسي بعيداً عـن الآيـديـولـوجـيـات العاطفية كالقومية العربية، فـي حـن أن الإمــــارات، ركــزت مـع الشيخ زايــد على الـبـراغـمـاتـيـة الاقــتــصــاديــة والـتـنـمـويـة، الــــذي حــــوّل الـبـاد نـمـوذجـا لـاسـتـقـرار والازدهـــــار فــي منطقة مـضـطـربـة. أمـا في الـسـودان، فقد اختار عبد الرحمن سـوار الذهب تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، في خطوة حملت رهانات غير مسبوقة على تأصيل قيم التداول السلمي للسلطة، ولم يُكتب لها النجاح. على النقيض، برزت «البراغماتية الإسلموية الجهادية» تـطـوراً نوعيا فـي الفكر السلفي «الـجـهـادي» التقليدي، الـذي كــــان يــركــز تــاريــخــيــا إمــــا عــلــى إشـــعـــال الـــحـــرب بـــن فسطاطي «دار الإسـام ودار الحرب» وإما على إقامة «الخلفة» العابرة للحدود بشكل فوري كما فعل «داعش». جسدت «طالبان» في أفغانستان و«هيئة تحرير الشام» في سوريا هذا التحول الذي تمثل في إسقاط التبني الحرفي للعمل «الـجـهـادي» العالمي والـرهـان على صياغة «حاكميات محلية» تتسم بالبراغماتية، وتضع فـي الحسبان المعوقات الــواقــعــيــة لمــشــروعــهــا مـــن دون أن تـنـفـصـل كـلـيـا عـــن أصـولـهـا الفكرية. حتى الآن، لا نملك مثلً، تصوراً دقيقا لمعنى فك الارتباط بـــن «هــيــئــة تــحــريــر الـــشـــام» وتـنـظـيـم «الــــقــــاعــــدة»، أو المـرتـكـز الحقيقي للطلق بـن الـجـولانـي وأبـــو بكر الــبــغــدادي. وليس بــوســعــنــا الــــوصــــول إلــــى اســتــنــتــاجــات حــاســمــة بـــشـــأن تقييم تجربة «الهيئة» والمؤسسات التي أنشأتها لإدارة المناطق التي سيطرت عليها في إدلب. أمـــا «طــالــبــان» الــتــي أبــــدت مــرونــة سـيـاسـيـة مـذهـلـة عبر مع الولايات المتحدة، رغم عدائها 2020 توقيع اتفاق الدوحة الــعــقــائــدي الـــصـــارخ لــلــغــرب، فــقــد اسـتـغـلـت الاتـــفـــاق كمرحلة تكتيكية لتحقيق انسحاب الـقـوات الأجنبية من أفغانستان، وقفزت فوراً نحو تعزيز مشروعها الأساسي بإقامة نظام حكم إسـامـي متشدد وفــق رؤيـتـهـا الـخـاصـة للشريعة الإسـامـيـة، ومن دون أي اكتراث بتعهداتها السابقة. وهـــنـــا تــتــجــلــى تـــحـــديـــات قـــــوى الـــبـــراغـــمـــاتـــيـــة الـتـقـدمـيـة فـي مـواجـهـة هــذا الـنـوع مـن الــقــدرة على المــوازنــة بـن التشدد العقائدي، الـذي يتجاوز الجولاني شخصا، والمـرونـة اللفتة للتكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والجيوسياسية مــــا يـجـعـلـهـا عــصــيــة عـــلـــى الاحـــــتـــــواء. لا تــقــتــصــر الــتــحــديــات عـلـى الـجـاذبـيـة الــصــاعــدة لـفـكـر الإســــام الـسـيـاسـي بـصـورتـه الـجـديـدة الآتـيـة مـن دمـشـق، بـل تـطـول ضـــرورة إعـــادة التفكير في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية للتعامل مع جماعات أصـبـحـت أكــثــر بـراغـمـاتـيـة وأقــــل انــغــاقــا؛ مـمـا يمنحها قــدرة متجددة على البقاء وحصد النفوذ وتهديد البنى السياسية القائمة. الــصــراع الـــذي تجلى فــي الـسـابـق بــن الــــدول الوطنية الــتــقــدمــيــة وبــــن الــــــدول الــعــقــائــديــة الـــتـــي تــوســلــت الـــصـــراع الـفـلـسـطـيـنـي - الإســرائــيــلــي بــوصــفــه عــمــلــةَ تـــــداول فـــي هــذا الــصــراع، انتقل الآن ليصير صـراعـا على مـصـادر الشرعية الـسـيـاسـيـة بـــن الــبــراغــمــاتــيــتــن، الـتـقـدمـيـة والإســـامـــويـــة، والــلــتــن تـعـكـسـان رؤيـــتـــن مـخـتـلـفـتـن لــلــدولــة والمـجـتـمـع. تعتمد البراغماتية التقدمية في نهاية المطاف على ترسيخ قيم المواطنة أساسا لعقد اجتماعي مدني، في المقابل، ترتكز البراغماتية الإسلموية «الجهادية»، حتى إشعار آخر، على شرعية دينية - آيديولوجية تُـقـدم نفسها بصفتها ممثلً «لـلـشـريـعـة الإلــهــيــة» مــع مــا يـنـطـوي عليه ذلـــك مــن احتمال إقصاء الهويات الأخرى. هنا يكمن التحدي الأكبر: هل ستنتصر شرعية الإنجاز والإصــــــاح عــلــى شــرعــيــة الــعــقــيــدة؟ الإجـــابـــة عـــن هــــذا الــســؤال سـتـحـدد مــامــح المـسـتـقـبـل الـسـيـاسـي والاجــتــمــاعــي لـلـعـالمَـن العربي والإسلمي. جــــــــــــــــــرى فــــــــــــــي رحـــــــــــــــــــــــاب الـــــــجـــــــامـــــــعـــــــة الأورومــتــوســطــيــة فـــي فــــاس، الــتــي أنـشـأتـهـا دول الاتحاد من أجل المتوسط البالغ عددها دولـــة، الافتتاح الرسمي لكرسي تحالف 43 الحضارات الذي لنا شرف ترؤسه، وهو أول كرسي في العالم يُنشئه تحالف الحضارات التابع للأمم المـتـحـدة. وقــد تـم هــذا الافتتاح شـخـص. وتــنــاول الكلمة في 1800 بحضور هـذا الافتتاح كثير من الشخصيات العالمية بمن فيهم السيد أنخيل ميغيل موراتينوس، الممثل الـسـامـي لتحالف الـحـضـارات التابع لـــ مـــم المــــتــــحــــدة، والـــســـيـــد جــــوزيــــف بـــوريـــل الممثل الـسـامـي لـاتـحـاد الأوروبــــي للشؤون الــخــارجــيــة والــســيــاســة الأمـــنـــيـــة، وكــثــيــر من مـــمـــثـــلـــي المـــنـــظـــمـــات والمـــــؤســـــســـــات الـــدولـــيـــة بـــمـــا فــــي ذلـــــك «الـــيـــونـــســـكـــو» و«الـــفـــاتـــيـــكـــان» و«الإيسسكو» و«الأمـــم المتحدة»، وكثير من رجالات الدين والخبراء الدوليي. وإنشاء هذا الكرسي العالمي في مدينة فاس وفي الجامعة الأورومتوسطية، ينطلق من القناعة بالدور التاريخي الذي اضطلعت بــه مـديـنـة فـــاس بـوصـفـهـا عـاصـمـة لتحالف الـــــحـــــضـــــارات والــــتــــنــــوع الــــثــــقــــافــــي، والــــــــدور التاريخي الذي اضطلعت به أقدم جامعة في العالم، وهـي جامعة القرويي، التي أسّست للقيم الإنسانية والحضارية عبر القرون. الــعــالــم لـيـس بـخـيـر. فـهـو غـيـر مستقر وفيه مناطق تُنذر بويلت متتالية في الشرق الأوســـط وفـي أوروبـــا وأفريقيا؛ وازداد عدد الفاعلي في البيئة الدولية المعقدة، وأضحت قـواعـد الأنـانـيـة والــغــدر والمـجـهـول، وقـوانـن الــــقــــوة، وازدواجـــــيـــــة المــعــايــيــر، وتـــآكـــل قيمة المنظمات الـدولـيـة التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، والـتـوجـس... سمات تطبع الــنــظــام الــعــالمــي. وأصــبــح الـفـاعـلـون -حسب تـعـبـيـر الـسـيـد جـــوزيـــف بـــوريـــل- فـــي افـتـتـاح كــــرســــيّ تـــحـــالـــف الــــحــــضــــارات، يـسـتـعـمـلـون التجارة والاستثمار والمصالح الاستراتيجية ،weaponize الداخلية والتنقل والخدمات مثل أي أسـلـحـةً فــي الـعـاقـات الـدولـيـة الـجـديـدة. كـمـا أن الـديـمـقـراطـيـة الـغـربـيـة الــتــي تباهى بـهـا الـغـربـيـون لـعـقـود ونــظّــر لـهـا الفلسفة ورجالات السياسية والكتاب، بدأت تنكمش لـصـالـح قــواعــد سلطوية وبـطـركـيـة جـديـدة، كما هو الحال في كثير من دول أوروبا. وضعت أزمتا أوكرانيا والشرق الأوسط النظامَ العالميّ كما سطره ميثاق الأمم المتحدة مـــبـــاشـــرةً بــعــد الـــحـــرب الــعــالمــيــة الــثــانــيــة في غيابات الجب؛ ورجعت مبادئ «الانعزالية» فــــي الـــســـيـــاســـة الـــخـــارجـــيـــة الأمـــيـــركـــيـــة الــتــي تـتـجـاوز قــواعــد «عملية الـحـكـم» التقليدي، وستتبنى لـسـنـوات مصلحة «الـــدولـــة أولاً» بوصفها قاعدة أسمى في الداخل والخارج، مما يجعل الحلفاء الاستراتيجيي لأميركا فــي أوروبـــــا والـفـاعـلـن فــي حـلـف الـنـاتـو في وضعية صعبة. كل هـذا أفقد مسألة الثقة بي الفاعلي الدوليي وداخــل النظام العالمي وفـي قواعد التجارة العالمية والاقتصاد العالمي وداخـل المـــجـــتـــمـــعـــات... ومــــن هــنــا مـــوضـــوع المـؤتـمـر الـــدولـــي الــــذي عــقــدنــاه عــلــى هــامــش افـتـتـاح كــرســي تـحـالـف الــحــضــارات مــن طـــرف الأمــم المتحدة، وأعطينا له عنوان «إعادة بناء الثقة من أجل عالم واحد ومتنوع» وذلك من خلل الإيمان بقدرة الفعل الجماعي على استعادة الــثــقــة فـــي المـسـتـقـبـل، وتــوطــيــد الــثــقــة داخـــل المـجـتـمـعـات وإحـــيـــاء الـثـقـة أســـاســـا لا يُعلى عليه في مجال التعاون بي الأمم. لا يمكن تشخيص النظام العالمي بهذه السوداوية وعدم القيام بأي شيء. لا بد من الــنــظــر إلــــى مـسـتـقـبـل الأجـــيـــال وإعــــــادة بـنـاء الثقة والسير بها على أنها محدّد في البيئة الـــدولـــيـــة وداخـــــــل المــجــتــمــعــات ومــنــظــومــات التربية والتكوين. لا بد من إصلح العوائق الــتــي تـجـعـل مـــن مـــبـــادئ الـتـعـايـش السلمي مسألة صعبة. لا بد من وضع حلول للقضاء عــلــى الــــفــــوارق الاجــتــمــاعــيــة والأزمـــــــات الـتـي تـجـعـل الـعـيـش الآمــــن لمــايــن الـبـشـر مسألة صــعــبــة. لا بـــد مـــن الــتــأثــيــر فـــي الــســيــاســات التي هي كلها من صنع البشر والتي تجعل صـنـاعـة الــحــاضــر والمـسـتـقـبـل كـلـهـا مخاطر ومخاوف. لا بد من إصلح السوابق المعرفية الـــتـــي تــــؤطّــــر وتـــســـيّـــر الأذهــــــــان وســلــوكــيــات الإنسان. لا بد من تكوين جيل يؤمن بقواعد سموّ القانون الدولي المتوازن ذي المصداقية والـــواقـــعـــيـــة ويــطــبــقــه فـــي الــــواقــــع. لا بـــد من شراكات متكافئة ومن علقات متوازنة ومن النّدّيّة. ولهذه الأسباب، جعلنا كرسي تحالف الـحـضـارات يـقـوم بمجموعة مـن التكوينات الـــجـــامـــعـــيـــة المـــخـــتـــصـــة فـــــي مــــجــــال تــحــالــف الحضارات. وهو ما أنشأ مسالك للماجستير متخصصة في مجال حل النزاعات الدولية يــدرس فيها طلبة مـن كثير مـن دول العالم، ويــــــــــدرس فــــيــــه قــــضــــاة دولــــــيــــــون ومـــمـــثـــلـــون ساميون لبعض الهيئات الدولية وجامعيون وخــــــبــــــراء ومـــخـــتـــصـــون عــــالمــــيــــون يـــؤمـــنـــون بـقـواعـد العيش المـشـتـرك. كما أن لـه مدرسة لـــلـــدكـــتـــوراه يــتــابــع فـيـهـا طـلـبـة مـــن مختلف الـجـنـسـيـات يُــــعِــــدّون الأطــــروحــــات فــي مـجـال تحالف الحضارات والحل السلمي للنزاعات. كــذلــك يــقــوم بـعـمـلـيـة الـتـكـويـن والاســتــشــارة وتنظيم دورات تكوينية ومـنـتـديـات دولية والدفع بشباب العالم إلى التنظير الإيجابي والتأثير في مستقبل العالم. هــــــــذا الـــــكـــــرســـــي يـــــؤمـــــن بــــــــأن تـــحـــالـــف الـــحـــضـــارات وحــــل الـــنـــزاعـــات بـطـريـقـة ذكـيـة وواقــعــيــة ضـــــرورة حـتـمـيـة وواجـــــب أخـاقـي وإنــســانــي، وهـــو تعبير أصـيـل عــن أبـــرز قيم الــــحــــضــــارة الـــعـــالمـــيـــة وســـــمـــــات الــشــخــصــيــة الإنسانية المتوازنة؛ ويفتح ذلك المجالَ واسعا أمام تفاهم الشعوب والجماعات، ويؤدي إلى تقارب الحضارات وتلقحها... وهو اختيار العقلء، وسبيل يسلكه الحكماء، ومسؤولية إنسانية مشتركة يتحملها جيلنا والأجيال المقبلة لبناء بيت مجتمعي واحد ومتنوع. OPINION الرأي 12 Issue 16828 - العدد Tuesday - 2024/12/24 الثلاثاء البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟ زمن الخوفمن الرئاسة اللبنانية عن كرسي تحالف الحضارات وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com
[email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email:
[email protected] srmg.com عبد الحق عزوزي حل النزاعات بطريقة ذكية وواقعية ضرورة حتمية وواجب أخلاقي نديم قطيش أنطوان الدويهي
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky