issue16827

الثقافة CULTURE 18 Issue 16827 - العدد Monday - 2024/12/23 الاثنين هشام أصلان في «ثلاثة طوابق للمدينة» القاهرة وأزمنتها الغابرة فيسردية مفعمة بالشجن يـــــتـــــخـــــذ الــــــكــــــاتــــــب والـــــــقـــــــاص المــصــري هـشـام أصـــان مــن عـنـوان مــجــمــوعــتــه الــقــصــصــيــة الـــجـــديـــدة «ثلثة طوابق للمدينة»، الصادرة عـــــن «دار الـــــــشـــــــروق» فـــــي مـــصـــر، مــــدخــــاً لاســـتـــكـــشـــاف مُـــســـتـــويـــات الـــحـــيـــاة، وأحــــامــــهــــا، فــــي مِــعــمــار ســــردي مُــكــثّــف يــتــكــوّن مـــن خمس عشرة قصة قصيرة، ينطلق فيها الــكــاتــب مــن وجــهــة مــركــزيــة -وهــي «القاهرة، وأرواح العابرين»- التي يُهدي إليها مجموعته. تكشف كل قصة في المجموعة الــقــصــصــيــة شـــيـــئـــا مــــن تــعــقــيــدات المــديــنــة، وصــورتــهــا الــهــاربــة التي يبحث عنها السارِد بينضواحيها وأزقـــتـــهـــا الـــتـــي تـحـتـفـظ بـوجـهـهـا الـقـديـم المـفـعـم بـالـشـجـن والـحـنـ . وبرغم تنوّع الحكايات، فإن الرّواة تجمعهم آصـــرة خـاصـة مـع المشي الـــذي يـتـرك بصمته الحركية على إيــــقــــاع الـــقَـــص، وتـجـعـلـنـا أمــام ســـــرد مُـــتـــرجـــل، يــــــــــــعــــــــــــتــــــــــــنــــــــــــي بترسيم المكان واتــــــجــــــاهــــــاتــــــه ومُـــــفـــــتـــــرقـــــاتـــــه، لـــيـــبـــدو الــــــــرّوَاة وكأنهم يتلقون العالم عبر وقع خطواتهم على الأرض، بينما يـــصـــبـــح المــشــي بــــطــــاً يــتــشــكّــل تـــــــــدريـــــــــجـــــــــيـــــــــا ويــــــــــــــتــــــــــــــنــــــــــــــوع بــــــــــــخــــــــــــطــــــــــــوات الـــــرّوَاة؛ مشكلً جسراً لتعرف بعضهم على بعض، وهـــــم يـــتـــشـــاركـــون دروب المــديــنــة، الوديعة منها والموحِشة. أصحاب المساء تلتقط القصص تفاصيل تُبرز الـيـومـي والـبـسـيـط كـحـالـة مـركـزيـة في المجموعة، كما تشحذ حالة من الجمالية الـخـاصـة بــ تناقضات المــديــنــة؛ حـيـث يُــعــمّــق هـــذا التنافر الـــظـــاهـــري شـــاعِـــريـــة تــجــد ذروتـــهـــا خـال ساعات الليل التي يلوذ بها الأبــــطــــال مـــن مُـــاحـــقـــة الـــقُـــبـــح لـهـم، فـــــالـــــراوي فــــي قـــصـــة «مـــديـــنـــة وراء الليل» يقول: «الليل يعرف أن المدينة تُحبه أكـثـر. يعرف أنها ليست من مدن النهار؛ حيث تتحوّل إلى دُمية عــمــاقــة تـــأكـــل ســكــانــهــا مـبـتـسـمـة. مــتــجــاوزة دورهــــا كـمـديـنـة، تزحف فوق أرواح هؤلاء السّكان، متنازلة عـــن أي مــعــنــى لــلــجــمــال والـــحـــيـــاة، بحركة حياتية مضمونة الشقاء، بــيــنــمــا يــســتــطــيــع قــلــبــهــا لــــيــــاً أن يستقل، ويتجلى كقطعة منفصلة عن تلك الضواحي الممتدة، ويوفّر شيئا من الحياة لأصحاب المساء»، ويبدو في تلك القصة تورّط المدينة، وظـــهـــورهـــا؛ لــيــس كــفــضــاء مـكـانـي مُــــــجــــــرّد؛ بـــــل وكــــأنــــهــــا فـــــي مـــوضـــع مساءلة ومُحاكمة. لا يسعى الكاتب إلى منح عالم أبطاله ملمح سوريالية تُغيّر من طــابــع واقــعــهــم؛ بـــل يُـفـجـر مـــن ذلـك الواقع الصِرف سِحره الخاص الذي يمنح لأبطاله حضوراً أسطوريا في بعض الأحيان، مستفيداً من ثقافة «الأولـــيـــاء» الشعبية، و«الـحـكـايـات المـتـوارثـة»، كما فـي قصة «صاحب كـــرامـــة الـــشـــتـــاء» الـــــذي يــنــســج أهــل القرية حوله أسطورة يتوارثونها، فـــتـــخـــلـــد حــــكــــايــــتــــه بـــيـــنـــهـــم لمـــئـــات السنوات، وتلقي ظللها عليهم كما سعف النخيل والطائرات الورقية. ليلة الأمنيات يُنوّع الكاتب هشام أصلن من تقنيات ظهور أبطاله وأصواتهم، لــــتــــتــــراوح كــــــــــادرات الـــقـــصـــص بـ الـنـظـرة الــبــانــورامــيــة، والـبـورتـريـه الشخصي، كما فـي قصة «مـراحـل زيـــنـــب» الــتــي تــضــيء عــلــى شـجـون مـــــن شــــاركــــونــــا الـــــطُـــــرقـــــات نـفـسـهـا ثـــــم رحــــــلــــــوا، فـــــي ســـــرديـــــة شـــجـــيّـــة عــــن تــــبــــدلات الــــزمــــن، وتــــبــــدو قـصـة «الــــغــــريــــب المـــبـــتـــســـم» الــــتــــي كُــتــبــت بلسان طفل، أقرب لسرد سينمائي يـتـنـقـل بـعـدسـتـه بـــ رُعــــب المـديـنـة الفاضح وصُدفها بالغة الدهشة. وفـــــــــي قـــــصـــــة «ابـــــتـــــســـــامـــــة مـــن المـــــاضـــــي»، يُـــكـــثّـــف الـــكـــاتـــب الـــزمـــن ويُـحـاصـر بطله، فـي سـيـاق مُشبَع بــالــنــوســتــالــجــيــا داخـــــل اســتــوديــو تصوير فوتوغرافي؛ حيث يتساءل الـــبـــطـــل: «فــــي أي زمــــن أعـــيـــش هــذه الــلــحــظــة؟» بـيـنـمـا تـخـتـلـط الــصــور الــفــوتــوغــرافــيــة، فـــي الـلـحـظـة الـتـي تُــــــحــــــدّق إلــــيــــه فـــيـــهـــا مـــــن فـــاتـــريـــنـــة المُـــــــــــــــــــصـــــــــــــــــــوّر، مــــــــع الـــــشـــــريـــــط الــــــــــــصــــــــــــوتــــــــــــي لــــــــــــــلــــــــــــــشــــــــــــــارع الــــــــــشــــــــــعــــــــــبــــــــــي الـــــــــــذي يـــغـــمـــره بــــــــالمــــــــشــــــــاعــــــــر، فـــبـــدَت اللحظة أقــــــرب لـومـضـة مـــــــــتـــــــــوهـــــــــجـــــــــة بـــــــــالـــــــــخـــــــــيـــــــــال: «انـــــــــــســـــــــــحـــــــــــب الـــــــضـــــــوء المـــــــار عــبــر الــفــراغــات بــــــــــ الـــــــصـــــــور المُعلقة، ورأيـت هــــــــــالاً نـــحـــيـــاً باقيا من قرص الـشـمـس المـــتـــواري خـلـف الـبـنـايـات. وســمــعــت صــــوت خــبــطــات معدنية مميزة لمفتاح إنجليزي يُـقـرَع على أنــــبــــوبــــة بـــــوتـــــاجـــــاز. كـــنـــت أحــــــاول اســتــيــضــاح مــكــان بــائــع الأنــابــيــب، فوجئت بابنة المُـصـوّر القديم تُطل مبتسمة مـن إحــدى الـصـور المُعلقة عــلــى الــفــاتــريــنــة، وأخـــذتـــنـــي خضة مخلوطة بالسعادة». تطرح المجموعة نبرة ساخرة مـــن المــعــجــم الــحــديــث لأهــــل المـديـنـة الـذي يعكس تغيّراتها الاجتماعية وانـــحـــيـــازهـــا لـلـتـصـنـيـفـات المُـعـلـبـة مثل: «الإعلمي الشهير»، و«مطربة المثقفين» في وقت تبدو فيه المقابر بـأحـراشـهـا أكــثــر تــحــرراً ومنافسة للحياة خارج أسوارها. فبطل قصة «مــــهــــرجــــان لــيــلــي صـــغـــيـــر» تـــقـــوده مُــفــارقــة تـضـطـره لـلـعـبـور بمنطقة مــقــابــر، فـيـجـد نـفـسـه فـــي قــلــب هــذا المـــشـــهـــد الــــصــــاخــــب: «هــــنــــاك مـحـل بـــقـــالـــة، ورش تــصــلــيــح ســــيــــارات، بـاعـة ألــبــان، فـتـاريـن صغيرة تبيع الــــحــــلــــوى. رغــــــم هــــــــذا، لـــــم أســتــطــع اســتــيــعــاب مــشــهــد هـــــؤلاء الــعــمــال، وهــم يُفككون أفــرع لمبات الكهرباء الملونة، وبقايا صوان كان منصوبا لفرح شعبي في قلب المقابر». أمـــا فــي قـصـة «خـطـة اسـتـدعـاء الــوحــدة» فقد ضيّق الكاتب حـدود المـــــكـــــان، لـــيُـــحـــاصِـــر مـــشـــاعـــر بـطـلـه الـــوحـــيـــد فـــي لــيــلــة «رأس الــســنــة»، باعتبارها ليلة الأمنيات الصاخبة، وهـــــو يُــــعــــدّ نــفــســه لــخــطــة احــتــفــال فــــرديــــة، يـــضـــع فــيــهــا مـــســـافـــة بـيـنـه وبــــ الــعــالــم الـــــذي يُـــطـــل عـلـيـه من نـافـذة بيته: «الآن، كـل شـيء جاهز تماما، أنا رجل وحيد يستطيع أن يسخر من العالم وقسوته بارتياح، وفــــي الــغــد أعِـــدكـــم وأعِـــــد نـفـسـي أن أعــاود الابتسام المُتعشّم في لطافة الحياة، مثلما يفعل الرجل الوحيد الوسيم في الأفلم الأجنبية». القاهرة: منى أبو النصر الكاتب اللبناني حصدَتْ روايته اثنتين من أهم الجوائز العربية خلال هذا العام محمد طرزي: استلهمت واقع المهمشين من مقولة لنجيب محفوظ لـــفـــت الـــكـــاتـــب الــلــبــنــانــي مــحــمــد طــــرزي الأنظار إليه بقوة مؤخراً؛ حيث فازت روايته «ميكروفون كاتم صـوت» بجائزتي «كتارا» القطرية و«نجيب محفوظ للرواية العربية» التي تمنحها الجامعة الأميركية بالقاهرة، أشهر قبل 3 وذلك في مدة وجيزة لا تتجاوز نـهـايـة الـــعـــام الــحــالــي. مـــا يـضـفـي عـلـى هـذه الـروايـة دلالـة خاصة في مسيرته، وطموحه لـكـتـابـة نـــص لـــه طـــابـــع اجــتــمــاعــي يـنـهـل من الـــــواقـــــع الاجــــتــــمــــاعــــي فـــــي لــــبــــنــــان، ويـــرصـــد المتغيرات المجتمعية من منظور إنساني. أقام طرزي بعدد من دول شرق أفريقيا، وأعـــاد اكتشافها روائــيــا، مستلهما التاريخ العربي في تلك الأمـاكـن، في ثلثية بعنوان «الـحـلـم الأفـــريـــقـــي»، ومـنـهـا «عــــروس الـقـمـر» و«جزر القرنفل» التي تتناول تاريخ زنجبار خلل فترة حكم السلطان العماني سعيد بن سلطان. هـنـا... حـــوار معه حــول روايـتـه الفائزة وهموم الكتابة. تــبــدو المــتــنــاقــضــات كــمــا لـــو كــانــت تشكل > جوهر روايـتـك الأخـيـرة «ميكروفون كاتم صـوت»، بداية من العنوان حتى النهاية. إلى أي حد تتفق مع هذا الرأي؟ - هي رواية المتناقضات بالفعل. العنوان نفسه يجسد التضاد والمفارقات التي لا تلبث أن تظهر مع الصفحات الأولى للكتاب؛ حيث يـبـرز شـــاب اسـمـه «ســلــطــان»، يقيم فــي بيت مــتــواضــع مُـــطـــل عــلــى المـــقـــبـــرة، يــســتــرزق من زوار القبور، ويطمح أن يصير أديبا. صديقه «حسن» ليس بعيداً عن تلك المفارقات، فهو يهرّب المسروقات، يتورّط في قضايا أخلقية مـلـتـبـسـة، وفـــي لـحـظـات أخــــرى نــجــده نبيلً عـبـثـيّـا. أمـــا «عـــفـــاف»، فتمتلك مـلـهـى ليليّا، تستقبل فيه بائعات الهوى، هي أيضا فنانة تشكيلية، حتى وإن بدت لوحاتها تافهة. اســتــلــهــمــت الــــــروايــــــة مــــن مـــقـــولـــة لـنـجـيـب > محفوظ، كيف ذلك؟ - قــــــــرأتُ مـــقـــالـــة فــــي إحــــــدى الــصــحــف، يتحدّث فيها الكاتب عن الوطن، واستوقفني اقتباس لنجيب محفوظ: «وطـن المـرء ليس مكان ولادتـــه؛ لكنه المـكـان الــذي تنتهي فيه كـل محاولاته لـلـهـروب». ظـل هـذا الاقتباس يـاحـقـنـي حــتــى ســمــعــتُ –مـــصـــادفـــة- شــابّــا عــشــريــنــيّــا، يـــــــردِد، فـــي أحــــد المـــقـــاهـــي، عبر هاتفه، أنّ كلّ محاولاته للهروب من المقبرة باءت بالفشل. في اليوم التالي أنهى الشابّ حــيــاتــه لأســـبـــاب لـــم يـتـبـيّـنـهـا أحـــــد. ربــطــتُ الاقــــتــــبــــاس بـــالـــعـــبـــارة الـــتـــي قـــالـــهـــا الـــشـــابّ بصوت متهدّج، فـإذ بفكرة الـروايـة تتشكّل في مخيلتي. ما علاقتك بأدب نجيب محفوظ عموماً؟ > - قرأتُ محفوظ في عمر مبكر. اهتممتُ بـعـدهـا بــالــروايــة الـتـاريـخـيـة، فـاطـلـعـتُ على أبرز ما كُتب وتُرجم في التخييل التاريخي، حــتــى وجـــدتـــنـــي أتــبــنــى ذلــــك الــنــمــط الأدبــــي كاتبا. بعد الانهيار الشامل الذي ألمّ بلبنان، قـــررتُ كتابة روايـــة اجتماعية تتلمّس حياة اللبنانيين وتقارب بصورة وجدانية ما آلت إلـيـه أمــورهــم. تـوجّـسـتُ مـن الـخـطـوة؛ لأنني كنت أهــم بـدخـول نمط أدبـــيّ لـم أخـتـبـره من قــبــل؛ لكنني مــا إن شــرعــتُ بـالـكـتـابـة، حتى وجـدتـنـي أكـتـب بـأريـحـيـة، بتأثير ربـمـا بما قرأته من روايات اجتماعية عظيمة لمحفوظ. فكّرتُ وقتها أن تلك هي قوة الأدب، تنمو في داخل المرء دون أن يشعر بذلك. إلى أي حد يحق للأجيال الجديدة أن تتمرد > على محفوظ وتسعى لتجاوزه؟ - لـــكـــل جـــيـــل اهـــتـــمـــامـــاتـــه وتـــطـــلـــعـــاتـــه، والأجــــــــيــــــــال الـــــجـــــديـــــدة لــــــن تــــصــــغــــي لأحــــــد، وسـتـقـرر بنفسها مــن أي مـعـ تـنـهـل، ومـن أي نهر تروي عطشها الأدبي والإنساني. أنا شخصيّا من جيل أولئك الذين تظل مدرسة محفوظ حاضرة في أعمالهم، لما تمثله من نـــمـــوذج فــنــي فـــــذّ، يـــوغـــل عـمـيـقـا فـــي الـنـفـس البشرية برغم الإطار المحلي لرواياته. تـشـكـل المـقـابـر -كـفـضـاء درامـــــي- مقبض > فـكـرة أسـاسـيـة فـي «مـيـكـروفـون كـاتـم صـــوت»، ألم تخش هذه الأجواء التي قد ينفر منها بعض القراء؟ - لــم أفــكــر فــي هــواجــس الـــقـــراء مــن هـذه الـنـاحـيـة، فــالــظــروف المـحـيـطـة بــالــروايــة هي الـتـي اخـــتـــارت المـقـبـرة فـضـاء درامـــيّـــا. وحـ قـصـدتُ أهــلَ الـشـابّ الــذي أنهى حياته، بعد تـرديـده في المقهى، عبارة أنّ «كــلّ محاولاته للهروب مـن المقبرة بـــاءت بالفشل»، وجــدتُ منزله مطلًّ على المقبرة، في زمن يعيش فيه شعبي على حافة الموت، فلم أجد حيّزاً مكانيّا أفضل، أعبّر من خلله عمّا حل بأولئك الذين لا ينشدون سوى الهروب من وطن غدا أشبه بالمقبرة. يرى البعض أن الرواية تقدم وجهاً صادماً > غير متوقع للبنان... هل تعمدت ذلك؟ - هي رواية عن المهمّشين الذين يعانون مــــن الـــنـــظـــام الـــلـــبـــنـــانـــي الـــقـــائـــم عـــلـــى تـــبـــادل الـــخـــدمـــات، بـــ الـــزعـــيـــم الــطــائــفــي والــنــخــب الاقــتـــصـــاديــة الـــتــي تـــــدور فـــي فــلــكــه. نسجت تـــلـــك الـــنـــخـــب عــــاقــــات مـــالـــيـــة مـــشـــبـــوهـــة مـع زعـمـاء الـطـوائـف، مـا فتئت تتسبب فـي هدر المــال الـعـام، وإعـاقـة تشريع قـوانـ عصرية. بالرغم من كل ما يحصل، وجه لبنان المشرق مــوجــود؛ لـكـن تـجـاهـل إرادة الـشـعـب فــي ظل الزبائنية الحزبية والـطـائـفـيـة، يـشـوّه وجه وطني المشرق ويهدّده بالتلشي. فــازت الـروايـة بجائزة «كـتـارا» قبل فوزها > بـجـائـزة «نجيب مـحـفـوظ» بفترة متقاربة للغاية؛ كـيـف اسـتـقـبـلـت الـــجـــدل والانـــتـــقـــادات الــتــي أثــارهــا البعض حول تلك الجزئية؟ - شـرّفـتـنـي «كـــتـــارا» بـضـمّـي إلـــى لائحة الفائزين بـهـا، وكـذلـك فعلت جـائـزة «نجيب مـــحـــفـــوظ» لــــــأدب. لـــعـــلّ ذلــــك يـحـصـل لـلـمـرة الأولــــى، مــا لـفـت الانـتـبـاه وأثــــار الـتـسـاؤلات، ولـكـنْ حقيقة أن ذلــك يمثّل سابقة، لا يعني أن لا حـــــقّ لـــلـــروايـــة فــــي نـــيـــل جـــائـــزتـــ ، مـا دامــــت تـلـك إرادة أعـــضـــاء لـجـنـتـي التحكيم، وفـــي ســيــاق عـــدم مـخـالـفـة شــــروط الــتــرشّــح؛ لأن روايــــــة نـجـيـب مــحــفــوظ لا تــشــتــرط عــدم فوز العمل المقدم إليها بجائزة أخـرى. الأهمّ بالنسبة إليّ، وسط هذا الجدل، أن الجائزتين العريقتين ساهمتا فـي منح الــروايــة صوتا قويّا، يتردّد صداه حاليا لدى كثير من القرّاء. كيف ترى جدل الجوائز الأدبية في الثقافة > العربية عموماً؟ - أُدرجـــــتْ أعـمـالـي عـلـى قــوائــم الـجـوائـز المــخــتــلــفــة، وفــــــازت بــــأربــــعٍ مــنــهــا، مـــا سـاهـم في إيصالها إلـى نقّاد وقـــرّاء جــدد، بعضهم أصـــبـــحـــوا أصـــــدقـــــاء. بـــهـــذا المـــعـــنـــى، خــدمــت الـجـوائـزُ مـشـروعـي، وأرى أنها تخدم غيري مــــن الــــكُــــتّــــاب، وتـــســـاهـــم فــــي تـــعـــزيـــز المـشـهـد الثقافي العربي. الـجـدل وسـط الـكُـتّـاب حول الـجـوائـز مــــردّه اعـتـقـاد طبيعي لـــدى الكاتب أن كتابه جدير بالفوز. أتفهّم هـذا الشعور، فالكتابة عمل معقّد، تستنزف طاقة الكاتب، مــــا يـــشـــعـــره أو يـــوهـــمـــه بــــأنــــه بــــصــــدد نـــصّ اســتــثــنــائــي، لــيــجــيء تـقـيـيـم الــلــجــان مـغـايـراً لـرغـبـتـه. فــي نـهـايـة المـــطـــاف، تقييم الأعــمــال الأدبية يعتمد على ذائقة لجان التحكيم، ما يعقّد النقاش حـول أحقية فـوز هـذه الـروايـة أو تلك. هــل اسـتـطـاع الأدب اللبناني التعبير عما > تــعــيــشــه الــــبــــ د مــــن تــــحــــولات عــنــيــفــة اقـــتـــصـــاديـــ واجـــتـــمـــاعـــيـــ ؛ فـــضـــً عــــن اشـــتـــعـــال المـــواجـــهـــة مـع إسرائيل؟ - لـــم يــعــبّــر الأدب الـلـبـنـانـي بــمــا يكفي عـمـا تـعـيـشـه الـــبـــاد مـــن تـــحـــوّلات، ربــمــا لأن الحدث لا يزال قائما. ما يحملني على الظنّ بــأن ثمة أعــمــالاً فـي طــور الكتابة أو النشر. لاحــظــتُ أن الأدب الـلـبـنـانـي يـــدور الــيــوم في فلك «الديستوبيا»، أو يتمحور حـول القيم العالمية المتمثلة بالنسوية. بعض الأعـمـال أغسطس (آب) 4 أشارت إلى انفجار المرفأ في . بالنسبة إلــى المـواجـهـة مـع إسـرائـيـل، 2020 فإن الأعمال الأدبية التي تناولت هذا الصراع عاما، قليلة جدّاً، إذا ما 75 القائم منذ أكثر من 15 قورنت بروايات الحرب الأهلية التي دامت عاما، وهو أمر مستغرب. هل يمكن أن تشهد الثقافة اللبنانية ازدهاراً > لما يسمى «أدب الحرب»؟ - ازدهـــر أدب الـحـرب الأهـلـيـة اللبنانية وســط الأدبــــاء، كما لـم يـزدهـر أي نمط أدبـي آخر. استوقفني إصرارهم على التركيز على تلك المرحلة من تاريخنا، برغم كل الحروب والأزمـــــــــات الـــتـــي مــــررنــــا بـــهـــا. حـــــرب يـولـيـو -عــلــى سـبـيـل المـــثـــال- لــم تترك 2006 ) (تـــمـــوز بصمة قـويـة فــي الأدب الـلـبـنـانـي. لــذلــك، من الصعوبة التكهّن حـول دور الحرب الأخيرة في المشهد الأدبي. مــا الـسـر وراء أعـمـالـك المـتـوالـيـة عــن شـرق > أفــريــقــيــا؟ وهـــل اسـتـطـعـت اقــتــنــاص جــوهــر الــقــارة السمراء من الداخل؟ - لــم أعـــرف شيئا عــن تــاريــخ الــعــرب في شــــرق أفــريــقــيــا، قــبــل ســـفـــري إلــيــهــا مــنــذ أقــل مـــن عــقــديــن. شــكّــل اكــتــشــافــي الإرث الـعـربـي هــنــاك صــدمــة ثــقــافــيــة. فــعــمــدتُ إلــــى الـتـنـقّـل بـ دول المنطقة الـتـي مثّلت إمــــارات عربية لقرون من الزمن. ثم مع انكبابي على قراءة الـكـتـب والــــدراســــات الـتـاريـخـيـة ذات الـصـلـة، لاحظتُ أن لا وجود لروايات عربية حول تلك الحقبة، بخلف الاهتمام الـذي أولاه الأدبـاء العرب للندلس. عددتُ شرق أفريقيا أندلسا ، حـــ شــرعــتُ 2012 مــنــســيّــا. كــــان ذلــــك عــــام بــكــتــابــة «جــــــزر الـــقـــرنـــفـــل»، وهـــــي روايـــــــة عـن زنجبار، خـال فترة حكم السلطان العماني سعيد بـن سـلـطـان، أعقبتُها بـثـاث روايـــات عن أماكن أفريقية أخـرى، نالت نصيبها من الحضور العربي. بهذا المعنى، ليست الغاية من الكتابة عن أفريقيا اقتناصجوهر القارة السمراء، بقدر ما هي مسح الغبار عن الزمن العربي المنسي هناك. ألم تخشَ عند كتابتك عن أفريقيا أنك لست > مواطناً أفريقياً لا تعرف المجتمعات المحلية جيداً، وبالتالي يمكن أن يفتقد النص العمق المطلوب؟ - بـــعـــد عـــشـــريـــن عـــامـــا مــــن الإقـــــامـــــة فـي أفــريــقــيــا، أشـــعـــر أنـــنـــي أفــريــقــي بـــقـــدر مـــا أنــا لبناني عـربـي، ومـع ذلـك فإنني لـم أكتب عن المــجــتــمــعــات المــحــلــيــة؛ بـــل كــتــبــتُ عـــن تــاريــخ العرب في تلك المنطقة. بمعنى آخر: لم أبتعد كثيراً عن المجتمعات العربية، وإن كان الإطار المكاني للروايات أفريقيا السمراء. هل لديك فلسفة معينة في اختيار عناوين > رواياتك؟ - بديهيا يجب أن يعبّر العنوان عن كُنه الرواية، ولا ألجأ لعنوان لافت لجذب اهتمام الـــقـــارئ، إلا إذا وجــدتــه يـعـبّـر أكـثـر عــن روح النصّ وجوهره. مع الشروع بكتابة أي رواية أضـع عنوانا مؤقتا، على الأقــل لحفظ الملف فـي الكومبيوتر، ولـكـنْ مـع مواصلة الـسـرد، تختار الــروايــة عنوانها بنفسها، وتفرضه عــلــيّ. فــي روايــــة «مـيـكـروفـون كـاتـم صـــوت»، لـم أخـتـر الـعـنـوان حتى الصفحات الأخـيـرة، حـــــ وجـــــــــدتْ «عـــــفـــــاف» نـــفـــســـهـــا مـــحـــاصـــرة بــالــظــام، تخنقها روائــــح الــنــفــايــات، بينما المكبرات تزعق بقوة حولها، مانعة إياها من التفكير أو الصراخ. في تلك اللحظة الدرامية، اكـتـشـفـنـا ســــرّ المــيــكــروفــونــات مــعــا، وانـفـعـل كلنا لاكتشافنا المتأخر. كيف ترى الانتقادات التي يوجهها البعض > إلـــى الـــروايـــة الـتـاريـخـيـة، مــن أنـهـا تعكس نـوعـ من الاستسهال لــدى المـؤلـف؛ حيث إن معظم عناصر العمل متوفرة، وبالتالي تعد «خياراً آمناً»؟ - لـــــعـــــلّ الــــعــــكــــس هـــــو الأصــــــــــــحّ. كـــتـــابـــة الـروايـة التاريخية أصعب من كتابة الرواية الاجـتـمـاعـيـة المـسـتـقـاة مــن أحــــداث مـعـاصـرة، بــــحــــيــــث تــــــكــــــون شــــخــــصــــيــــاتــــهــــا تـــجـــســـيـــداً لشخصيات حقيقية ومرئية. كما أن الرواية التاريخية تعود إلى حقبة زمنية أخـرى، ما يحتّم على الكاتب البحث عنها والتمحيص فيها، فضلً عن تكبيله بحقائق تاريخية لا يمكن التملّص منها. وقد تغدو المهمة أكثر تعقيداً في الـروايـة التي تتناول شخصيات تاريخية؛ لأن حرية الكاتب تصبح محدودة للغاية فـي رسـم تلك الشخصيات، وتحديد مساراتها. كيف تــرى علاقتك بـالأجـيـال السابقة في > الأدب الـلـبـنـانـي؟ وهـــل تــرفــع شـــعـــار: أنـــا أديــــب بلا أساتذة؟ - قدّم لبنان أديبات وأدباء كباراً، عرفتُ بعضهم شـخـصـيّـا، ورحــــل بعضهم قـبـل أن أحــظــى بــهــذه الــفــرصــة. مـــن الأعـــمـــال الأدبــيــة الـــــبـــــارزة الـــتـــي تـــــأثـــــرتُ بـــهـــا روايـــــــــات جــبــور الـدويـهـي، وأمـــ معلوف، وحـنـان الشيخ... للحق، إن كـان لا بـدّ من شعار أرفعه، فإنني أرفع شعاراً معاكسا لما ذكرتِه في سؤالك. القاهرة:رشا أحمد الكاتب محمد طرزي قرأتُ محفوظ في عمر مبكر واهتممتُ بعدها بالرواية ًالتاريخية حتى وجدتني أتبنى ذلك النمط الأدبي كاتبا

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky