issue16826

كان من املفترض دائمًا أن تكون األونروا، وهي وكالة األمم املتحدة املكلفة حماية ورفاه الجئي فلسطني ملدة ثالثة أرباع قرن، مؤقتة. وكان من املتوقع اختتام واليتها كما ورد في قرار إنشائها. واالخـتـيـار الـيـوم هـو مـا إذا كــان علينا التخلي عن استثمار دام عقودًا في التنمية البشرية وحقوق اإلنسان من خالل تفكيك الوكالة بشكل عشوائي بني عشية وضحاها، أو متابعة عملية سياسية منظمة تستمر فيها األونـروا بتوفير التعليم والرعاية الصحية للماليني من الجئي فلسطني إلى أن تتولى املؤسسات الفلسطينية املخولة هذه الخدمات. فـــقـــد تـــضـــطـــر الــــوكــــالــــة إلــــــى وقــــــف عـــمـــلـــهـــا فـــــي األرض الفلسطينية املـحـتـلـة الـشـهـر املــقــبــل، إذا تــم تـنـفـيـذ الـتـشـريـع الــذي أقــره الكنيست اإلسرائيلي. ومـن شـأن هـذه القوانني أن تشل االستجابة اإلنسانية في غزة وتحرم املاليني من الجئي فلسطني من الخدمات األساسية في الضفة الغربية، بما في ذلــك الـقـدس الـشـرقـيـة. كما أنـهـا ستتخلص مـن شـاهـد لطاملا تـحـدث عـن الفظائع واملـظـالـم الـتـي ال حصر لها والـتـي عانى منها الفلسطينيون لعقود. لـقـد قـوبـلـت جــهــود حـكـومـة إســرائــيــل الــســافــرة إلحـبـاط إرادة املجتمع الدولي، التي تم التعبير عنها من خالل قرارات متعددة لألمم املتحدة، وللقيام بمفردها بتفكيك وكالة تابعة لـ مـم املـتـحـدة، بــإدانــة علنية، وغـضـب تـ شـى إلــى حـد كبير في الجمود السياسي. وإن االفتقار إلى الشجاعة السياسية والــقــيــادة املـبـدئـيـة، وخــاصــة عـنـد الــشــدائــد، ال يبشر بالخير لنظامنا املتعدد األطراف. فما الذي على املحك؟ بالنسبة لالجئي فلسطني، حياتهم ومستقبلهم. سـيـكـون األثـــر الـنـاجـم عــن مـنـع حصولهم على التعليم والــرعــايــة الصحية والــخــدمــات االجـتـمـاعـيـة األخـــرى مدمرًا وممتدًا إلى أجيال عديدة. إن التواطؤ في هذا املسعى ال يقوض إنسانيتنا فحسب، بل يقوض أيضًا شرعية نظامنا املتعدد األطـراف. وإن الغياب شبه التام للعقوبات السياسية أو االقـــتـــصـــاديـــة أو الــقــانــونــيــة عــلــى االنـــتـــهـــاكـــات الــصــارخــة التــفــاقــيــات جـنـيـف، والــتــجــاهــل الـــتـــام لـــقـــرارات مـجـلـس األمـــن والجمعية العامة، وكذلك التحدي الصريح والعلني ألحكام محكمة العدل الدولية، تسخر من النظام الدولي القائم على القواعد وتجعله مهزلة. تــقــتــرن الـــحـــرب عــلــى غــــزة وعــلــى الـفـلـسـطـيـنـيـ بـهـجـوم غير عـــادي على أولـئـك الـذيـن يتحدثون أو يتصرفون دفاعًا عـن حـقـوق اإلنــســان، والـقـانـون الــدولــي، وعــن ضحايا الحرب الهمجية. وفجأة يوصف العاملون في املجال اإلنساني، الذين خدموا السكان املتضررين من الحرب لعقود من الزمن، بأنهم إرهــابــيــون أو مـتـعـاطـفـون مــع اإلرهـــابـــيـــ . يـتـعـرض منتقدو سياسات الحكومة اإلسرائيلية وأفعالها للترهيب واملضايقة. وتنتشر اآلن الدعاية التحريضية التي ترعاها وزارة الخارجية اإلسرائيلية على الـلـوحـات اإلعـ نـيـة فـي مـواقـع رئيسية في الـــواليـــات املـتـحـدة وأوروبــــــا، تكملها إعـــ نـــات «غـــوغـــل» التي تروج ملواقع إلكترونية مليئة باملعلومات املضللة. هذه جهود ممولة تمويال جيدًا لصرف االنتباه عن وحشية االحتالل غير املـشـروع والـجـرائـم الدولية التي ترتكب مـع اإلفـــ ت الـتـام من العقاب تحت أنظارنا. وتبرر حكومة إسرائيل والجهات التابعة لها اإلجراءات املتخذة ضد األونــروا بادعائها أن الوكالة مخترقة من حركة «حماس»، على الرغم من أن جميع االدعاءات التي لم يتم تقديم أي دليل عليها قد تم التحقيق فيها باستفاضة. وفي الوقت ذاتـــه، تتهم «حـمـاس» قـيـادة األونــــروا بالتواطؤ مـع االحـتـ ل اإلسرائيلي وتـعـارض جهود الوكالة لتعزيز حقوق اإلنسان واملـسـاواة بني الجنسني. وبعيدًا عن كونها طرفًا في النزاع، فإن األونروا هي ضحية هذه الحرب. وبـبـسـاطـة، فـــإن الــهــدف مــن الـجـهـود الـرامـيـة إلـــى إلـحـاق الـضـرر بـــاألونـــروا وتفكيكها فـي نهاية املـطـاف واضـــح؛ وهو الـــقـــضـــاء عـــلـــى وضـــــع الجـــئـــي فــلــســطــ والـــتـــغـــيـــيـــر األحــــــادي الجانب للمعايير الراسخة لحل سياسي للنزاع الفلسطيني اإلسرائيلي. وإن السعي األعمى لتحقيق هذا الهدف قد أغفل حقيقة أن وضع الجئي فلسطني غير مرتبط بـاألونـروا، وهو مكرس في قرار الجمعية العامة الذي يسبق إنشاء الوكالة. والـــيـــوم، يـقـف املـجـتـمـع الـــدولـــي عـلـى مـفـتـرق طــــرق. ففي مـسـار واحــــد، يكمن عـالـم تـراجـعـنـا فـيـه عــن الـتـزامـنـا بتقديم إجـــابـــة ســيــاســيــة لـقـضـيـة فــلــســطــ . إنــــه عـــالـــم بـــائـــس، حيث إسـرائـيـل، بوصفها السلطة القائمة بـاالحـتـ ل، هـي وحدها املسؤولة عن السكان في األرض الفلسطينية املحتلة، وربما تعاقدت من الباطن مع جهات فاعلة خاصة أقل مساءلة أمام املجتمع الدولي. وفي املسار اآلخر، يكمن عالم تتماسك فيه حواجز النظام القائم على القواعد ويتم حل القضية الفلسطينية بالوسائل الـسـيـاسـيـة. وهــــذا هــو املــســار الــــذي يسلكه حـالـيـ «الـتـحـالـف الــــدولــــي لــتــنــفــيــذ حــــل الــــدولــــتــــ »، بـــقـــيـــادة املــمــلــكــة الــعــربــيــة الــســعــوديــة، واالتــــحــــاد األوروبـــــــي، وجــامــعــة الـــــدول الـعـربـيـة. ويهدف هذا الجهد، الـذي يحيي مبادرة السالم العربية، إلى وضع مسار ال رجعة فيه نحو حل الدولتني، وبناء قدرة اإلدارة الفلسطينية التي ستحكم دولة فلسطني في املستقبل، بما في ذلك غزة. وهـــذا هـو املـسـار الـــذي أنشئت األونــــروا لـدعـمـه. وريثما يتم إنشاء دولة فلسطينية، فستكون الوكالة حاسمة لضمان أال يحكم على األطفال في غـزة بالعيش تحت األنـقـاض، دون تـعـلـيـم ودون أمــــل. ال يـمـكـن ألي كــيــان آخــــر، بـاسـتـثـنـاء دولـة متمكنة، توفير التعليم ملـئـات اآلالف مـن الفتيات والفتيان، والـرعـايـة الصحية األولــيــة ملـ يـ الفلسطينيني. وفــي إطـار الحل السياسي، يمكن لـ ونـروا أن تنهي واليتها تدريجيًا، حيث يصبح معلموها وأطباؤها وممرضوها قوة عاملة في املؤسسات الفلسطينية املتمكنة. وال تزال لدينا فرصة لتجنب مستقبل كارثي حيث تقوم الــقــوة الـنـاريـة والــدعــايــة بـبـنـاء الـنـظـام الـعـاملـي، وتـحـديـد أيـن ومتى تنطبق حقوق اإلنسان وسيادة القانون، إن وجدت. إن األدوات واملؤسسات الالزمة للدفاع عن نظامنا املتعدد األطراف والنظام القائم على القواعد وتعزيزهما موجودة وكافية، وال نحتاج إال إلى إيجاد الشجاعة السياسية الستخدامها. *املفوض العام لـ«األونروا» ديسمبر (كانون األول)، 8 منذ فرار بشار األسد، في إلــى روسـيـا، وهـنـاك سيل مـن النقد واملـطـالـبـات للحكام الـجـدد، وتحديدًا أحمد الـشـرع. والقصة ليست بجدوى ذلــك مـن عـدمـه، بـل إن جـل تلك االنـتـقـادات ال تستند إلى حـقـائـق. وسـأنـاقـش بعضًا منها هـنـا، وهــي «غـيـض من فيض». مـثـ ً، كــان يـقـال إن ال حـل عسكريًا بـسـوريـا، بينما يومًا بعمل عسكري، ورغــم الوجود 12 سقط األســد فـي الـــروســـي واإليـــــرانـــــي، والـــرئـــيـــس بـــوتـــ يـــقـــول إن بـــ ده ساعدت في إجالء أربعة آالف مقاتل إيراني. ويـقـال اآلن إنـه ال بـد مـن طمأنة املكونات السورية، وتحديدًا األقليات، بينما نظاما األب واالبن أجرما بحق األكـثـريـة طـــوال خمسة عـقـود. وتـطـالـب اإلدارة الجديدة بااللتزام بشروط عدّة، منها ما صدر ببيان العقبة. عـامـ ، وكـان 24 بينما لـم يلتزم األســد بشيء طــوال بــعــض الـــعـــرب يـــحـــاولـــون إقــنــاعــه بــاالبــتــعــاد عـــن إيــــران، واستخدم األسـد هـذا امللف أسـوأ استخدام، وكـان يكذب معتبرًا الكذب جزءًا من السياسة، ومنح كل الوقت، وإلى لحظة هروبه، لروسيا. ويـقـال إن على سـوريـا الـجـديـدة طمأنة لبنان اآلن، علمًا بأن األسد األب حكم لبنان، ونكل به، واألسـد االبن عبث في لبنان باغتياالت وقمع، وعطل كل مؤسساته، وجل مَن يطالبون بالتطمني بلبنان اآلن كانوا يحجون إلى دمشق األسد! ويــقــال إن عـلـى اإلدارة الــجــديــدة ضــمــان حــدودهــا، خصوصًا مع العراق، والعالم يعرف أنه منذ سقوط صدام حسني وسوريا هي منفذ السالح وامليليشيات عبر معبر البوكمال العراقي. ويقال إن هناك خشية من امليليشيات بسوريا، بينما امليليشيات موجودة بالعراق، وتحديدًا الحشد الشعبي. ويتحدث البعض عن ضـرورة الحفاظ على الجيش الـــســـوري، و«يــوتــيــوب» يـثـبـت، وعـبـر فـيـديـوهـات قديمة لــجــمــال عــبــد الــنــاصــر وأنـــــور الــــســــادات، أنــــه كــــان جيشًا لم يعد هناك جيش بسبب 2011 طائفيًا. ومنذ الثورة عام االنشقاقات. وحلت امليليشيات من أفغان وباكستانيني وعراقيني و«حـــزب الـلـه» بـديـ للجيش. وفـــوق هــذا وذاك، يخشى الـبـعـض اآلن تقسيم ســـوريـــا، بينما هــي كــانــت مقسمة بــ األمـيـركـيـ والـــــروس واإليــرانــيــ 2011 أصــــ مـنـذ واألتراك واألكراد، وقبلهم اإلسرائيليون. وبــالــنــســبــة لــبــعــض الــــســــوريــــ ، يـــقـــال إن مــحــاولــة إعـادة األسد للحضن العربي تسببت بتقسيم املعارضة السورية قبل سقوط األسد. وهذا غير صحيح. فما قسم املــعــارضــة هــو اتــفــاق آسـتـانـة وبــرعــايــة روســيــة إيـرانـيـة تركية، ولم تكن للعرب عالقة بذلك. وأيـــضـــ يـــقـــال: ملـــــاذا ال تــــرد ســـوريـــا الـــجـــديـــدة على االعــــتــــداءات اإلســرائــيــلــيــة، بينما لــم يـطـلـق نــظــام األســد رصـاصـة على اإلسرائيليني، بـل إن األســد هـو مَــن رسّــخ عبارة «الرد بالوقت املناسب» ولم يأت ذاك الوقت إطالقًا. كـــمـــا قـــبـــل «حــــــزب الــــلــــه» بـــاتـــفـــاق وقـــــف إطــــــ ق نـــار يــــخــــول إســــرائــــيــــل حـــــق اســــتــــهــــداف الـــــحـــــزب بــــالــــخــــارج، والداخل اللبناني. ولم تطلق امليليشيات رصاصة على اإلسرائيليني من األراضـي السورية، رغم كل االستهداف اإلسرائيلي لها بسوريا. ويـــقـــال إن الـــشـــرع مــصــنّــف «إرهـــابـــيـــ » مـــن أمــيــركــا، وكذلك األسد تحت قانون قيصر. ويقال إن تركيا تسيطر على سـوريـا، ومـن أبجديات السياسة أن كل فـراغ يُمأل، فالسياسة «تكره الفراغ». والتقصير هو ممن ينكفئ اآلن عن مساعدة دمشق. وعليه، هذه ملحة من الحقائق، والقائمة تطول. قد يكون سابقًا ألوانـه الجزم بالوجهة الــــتــــي ســتــســلــكــهــا بــــلــــدان املـــــشـــــرق: ســــوريّــــا خصوصًا، ولكن أيضًا لبنان والعراق. فهذه البلدان جمع بينها االنهيار املديد الذي، وإن تفاوتت علنيّته، ضربها كلّها، ومعها أطاح مـنـظـومـة األفـــكـــار والـــتـــصـــوّرات الـــتـــي قـامـت عليها. وإذا صح أن األوطان تحتاج «أساطير مــــؤسِّــــســــة»، تــســتــنــهــض مـــخـــيّـــلـــة الــجــمــاعــة وتـــخـــاطـــب تـــجـــاربـــهـــا، مـــســـتـــنـــدة إلـــــى قـــــراءة للتاريخ تقتطف بعض عناصرها وتغلّبها عـــلـــى ســـــواهـــــا مـــــن الــــعــــنــــاصــــر، فــــاملــــؤكّــــد أن األساطير املؤسِّسة القديمة تترك املشرقيّني، فــي تـهـاويـهـا، أمـــام حـاجـة إلـــى بــدائــل أوســع إقناعًا وتمثيالً، وأشد قابليّة للديمومة. ففي ســوريّــا، وحـتّــى قبل سـقـوط نظام بــشّــار بـسـنـوات، كـانـت قــد انــهــارت أسـطـورة أبــــيــــه الـــبـــعـــثـــيّـــة، والــــــدائــــــرة حــــــول «الــــوحــــدة والحرّيّة واالشتراكيّة» و»تحرير فلسطني» و»مـحـاربـة الرجعيّة واإلمـبـريـالـيّــة»... هكذا كانت سنوات حكم النجل عديمة األساطير، فـقـيـرة املـعـنـى، تـغـطّــي بـالـتـفـاهـة والـجـريـمـة فقرها في هذا الجانب كما في كل جانب آخر. واألســــطــــورة الـبـعـثـيّــة إيّـــاهـــا كـــانـــت قد ،2003 قُبرت في العراق مع سقوط صدّام عام لــيُــســتــعــاض عـنـهـا بـــنُـــتَـــف مــتــضــاربــة وغـيـر واضــحــة املــعــالــم لــم يـظـهـر أي طــمــوح جـــدّي لبلورة أي منها. أمّا في لبنان، فأصابت «حرب السنتني» بـــالـــرثـــاثـــة األســــاطــــيــــر املــــؤسِّــــســــة، بـقـديـمـهـا شـبـه األركــيــولــوجــي (املــاضــي الـفـيـنـيـقـيّ...)، وجــــديــــدهــــا الــــتــــجــــاري واملــــــالــــــي (ســـويـــســـرا الـــــشـــــرق...). فــحــ انــتــهــت الـــحـــرب، صـعـدت أســـطـــورة «املـــقـــاومـــة» الــتــي تــفــوق سابقتها رثـاثـة وانقساميّةً، لكنّها تفوقها خصوصًا فــــي اخـــتـــزانـــهـــا نـــزعـــتـــي الـــتـــدمـــيـــر والــتــدمــيــر الذاتيّ. وفـــي هـــذه الـغـضـون، وعـلـى نـحـو دائـــم، تــخــلّــلــت مـــعـــظـــم تـــلـــك األســــاطــــيــــر تــــصــــوّرات مستقاة مـن اإلســـ م السياسي أقـامـت فيها كـــلِّـــهـــا، وفــــي ســـائـــر بـــلـــدان املــــشــــرق، عـنـاصـر التسلّط ومـعـه االحــتــراب املـذهـبـي والـديـنـيّ. وعلى نطاق أضيق كثيرًا، تراءى ملجموعات وطـنـيّــة فــي تـلـك الــبــلــدان أن تــطــرح شــعــارات حسنة النوايا، إنّما كسولة، تفيد أن بلدها «أوّالً» (لبنان أوّالً، سـوريّــا أوّالً...). بيد أن تلك الـشـعـارات تبقى شـعـارات، بمعنى أنّها ال تــــؤسّــــس أســـاطـــيـــر وتـــــصـــــوّرات عــريــضــة، فـــيـــمـــا يــــتــــهــــدّدهــــا الــــســــقــــوط فـــــي احـــتـــمـــاالت قـومـيّــة وشوفينيّة متعالية ال سند لها في واقـــع الـبـلـدان الضعيفة. يـضـاف إلــى هــذا أن تـأويـلـهـا، وبحكم الـتـجـربـة، غالبًا مـا يلبس لبوس جماعة أهليّة بعينها في كل واحد من البلدان. والواقع أن ما يشترك فيه سكّان املشرق هــو، قبل كــل شــيء آخـــر، تعرّضهم لعنف لم يـنـقـطـع مــنــذ قـــيـــام دولـــهـــم الــحــديــثــة. وبــهــذا املعنى، ربّما جـاز الرهان على رفـض العنف بــوصــفــه الــحــاضــنــة الــعــريــضــة الـــتـــي تحيط بعمليّة إنتاجهم أساطيرَهم املؤسِّسة. فلئن كان االنقالب العسكري ونظامه هما مصدر الــعــنــف فـــي ســــوريّــــا والـــــعـــــراق، فـــــإن الــحــرب األهليّة ومتفرّعاتها هي مصدره في لبنان. لكن في الحالتني، يقودنا العنف إلى نتائج عشناها جميعًا فـي املـشـرق يمكن إيجازها بالسمات الخمس التالية: - عذابات السكّان موتًا وقمعًا وتهجيرًا وفقرًا. - تـفـشّــي حـــاالت ميليشيويّة مـبـاشـرة، كـمـا فــي لـبـنـان، أو مـــــداورة، كـمـا فــي سـوريّــا والــــعــــراق، وانــتــعــاشــهــا عــلــى حـــســـاب الــــدول والقوانني واملؤسّسات. - ارتــــهــــان الــســيــاســة املــحــلّــيّــة لـبـلـد من البلدان بمحور إقليمي ما وبصراعاته. - التعيّش، ولــو صـراخـ، على عــدد من أفكار القوّة والغلبة، ال سيّما منها «ديانة» مقاومة إسرائيل. - بـــــنـــــاء الـــــبـــــلـــــدان املـــــــذكـــــــورة عـــــ قـــــات سـيّــئـة بــجــوارهــا وعــاملــهــا املـحـيـط بـالـعـربـي مـنـه والـــغـــربـــيّ، وبــعــ قــات تـبـعـيّــة مــع إيـــران ، مع سوريّا). 2005 (وبالنسبة للبنان حتّى لــقــد تـسـبّــبـت تــلــك الــتــجــربــة (انــقــ بــات ميليشيات...) + مـقـاومـة + حـــروب أهـلـيّــة + بـــإفـــســـاد أفــــكــــار كـــاالســـتـــقـــ ل أو الــــوحــــدات الـــوطـــنـــيّـــة. وهـــــي، فـــي آخــــر املــــطــــاف، تـجـربـة يتساوى الجميع، ولو بتفاوت، أمام نتائجها الكارثيّة، واالكتواء بنارها، فال فضل حيالها لطائفة أو جماعة على أخرى. وهـــذا الــرفــض العميق للعنف، انقالبًا عــســكــريّــ وحـــربـــ أهـــلـــيّـــة، إنّـــمـــا يـــحـــض على اعـــتـــمـــاد أنــظــمــة تـــربـــويّـــة تــتــلــقّــاهــا األجـــيـــال جـــيـــ بــعــد جـــيـــل. وهــــو مـــا حـــــاول صـيـاغـتـه الـــزمـــيـــل بــــشّــــار حــــيــــدر فــــي صــحــيــفــة «نــــــداء الــوطــن» اللبنانيّة، مطالبًا ســوريّــي مـا بعد األســــــد بـــإنـــشـــاء «مـــتـــاحـــف تــــــروي قـــصّـــة كـــل فـرد وعائلة وقرية وبلدة ومدينة عانت من نظام األسـديـن، وأن يقيموا معارض تحكي قصص االعتقال والتعذيب والقتل والتدمير واألســلــحــة الـكـيـمـاويّــة وبــرامــيــل املــــوت، وأن يــنــشــئــوا مـــراكـــز أبـــحـــاث وأقـــســـامـــ جـامـعـيّــة تُعنى بالقهر الــســوريّ، تــدرس وتعمل على جــمــع كــــل مـــا يـــمـــت لـــهـــذا الــقــهــر بــصــلــة، وأن يــعــلّــمــوا أوالدهـــــــم فـــي املـــــــدارس حــكــايــة ذلــك القهر وانتصارهم عليه، ويجعلوا من زيارة سجون صيدنايا وتدمر وغيرها من األماكن الــتــي تـشـهـد عـلـى الـــعـــذاب الـــســـوري طقوسًا تشكّل وعيهم الوطني واإلنسانيّ». فــالــخــطــط الـــدفـــاعـــيّـــة املـــطـــلـــوبـــة لـيـسـت جـــيـــوشـــ قــــويّــــة وشـــعـــوبـــ مــــقــــاوِمــــة وبـــاقـــي الترّهات املجرّبة واملفلسة، بل توطيد فكرة الـــخـــروج مــن الـعـنـف وإعـــــادة تـأسـيـس الـــذات على نزوع سلمي عميق يصبو إلى مستقبل يتّعظ باملاضي. وقـــــد ال تـــكـــون هـــــذه األســـــطـــــورة كـافـيـة بذاتها لبلورة مـعـان أدق للوطنيّة، خـاصّــة بــكــل واحـــــدة مـــن وطــنــيّــات املـــشـــرق، لــكــن من دونها لن تتبلور معان وال وطنيّات. أمّــــــــــا مــــــن شــــــــاء املــــــضــــــي فــــــي الـــــطـــــواف حـــول «مــلــيــون شـهـيـد» فـــي الـــجـــزائـــر، أو في االســتــشــهــاد لـــ رتـــقـــاء عــلــى طـــريـــق الـــقـــدس، فبورك له. OPINION الرأي 12 Issue 16826 - العدد Sunday - 2024/12/22 األحد سوريا... هذه الحقائق «األونروا»... المخاطر عالية في غزة والعالم يتفرج في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة طارق الحميد فيليب *الزاريني

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==