issue16821

8 تحقيق FEATURS Issue 16821 - العدد Tuesday - 2024/12/17 الثلاثاء الأديب إميل حبيبي طلب في وصيته أن يُنقشعلى شاهد ضريحه: «باقٍ فيحيفا» ASHARQ AL-AWSAT العرب في إسرائيل... ازدهار بين نكبتين الاحتلال الإسرائيلي للمدينة ترافق مع عملية ترحيل شنيعة تشبه عمليات الـتـرحـيـل الـتـي نشهدها هـــذه الأيــــام في غـــــزة ولـــبـــنـــان. وقـــــد أســــفــــرت عــــن هــجــرة فـــي المـــائـــة مـــن الــعــرب، 96 مـــا يــزيــد عـلـى ألفاً غالبيتهم 97 ليصبع عـدد سكانها من اليهود. 2500 وإميل حبيبي كان واحـداً من عــــربــــي بــــقــــوا فـــيـــهـــا بــــــإصــــــرار. بـعـضـهـم ألقوا بأجسادهم أمـام عربات الترحيل، وصـــــــمـــــــدوا. كـــــــان شـــــابـــــ فــــــي الـــســـابـــعـــة والعشرين من العمر. بحسب قرار تقسيم فلسطين، ضُمت حيفا للدولة اليهودية. وكان يُفترض أن تبقى مدينة مختلطة، يــعــيــش فــيــهــا الـــيـــهـــود والــــعــــرب بــســ م. ومـع أنـه كـان مـن تلك الأقلية السياسية التي وافـقـت على قــرار التقسيم، عصبة الــتــحــرر الـــوطـــنـــي، فــقــد ذاق عــلــى جـلـده الـــنـــكـــبـــة الــــتــــي حـــلـــت بــالــفــلــســطــيــنــيــ . فتمزقت عائلته أيـــدي سـبـأ، مـا بـ رام الله وبـيـروت والــولايــات المـتـحـدة. ورغـم كل شــيء، خلص إلـى أنـه اختار الطريق الـسـلـيـم: «بــــاقٍ فــي حـيـفـا». ولـــم يغمض عيناً عـن رؤيــة خطر المخططات الرامية إلـــى إفــــراغ حيفا وأخــواتــهــا مــن الـبـلـدات العربية مـن أهلها الـعـرب الـذيـن صــاروا يُعْرفون بالمواطنين العرب في إسرائيل .48 أو فلسطينيي قلنا إنــه كــان يـقـرأ المستقبل؟ أجـل. عـــامـــ مـــن عـــمـــره، عــاش 48 فــعــلــى مـــــدار الـــســـيـــاســـة الإســـرائـــيـــلـــيـــة بـــدمـــه ولـحـمـه وذكــــائــــه الـــــوقـــــاد. اخــــتــــار الانـــــخـــــراط فـي حزب يهودي عربي مشترك، يضم أناساً يؤمنون بالحياة المشتركة، ويعارضون المخططات الصهيونية، حــزب «مـاكـي» الذي انقسم ليصبح «ركـح» ثم «الجبهة الديمقراطية للسلام والمـسـاواة» ثم ترك التنظيمات الـحـزبـيـة وقــيــودهــا، وأعـلـن أنــه أصـبـح حـــراً. حسب خـصـومـه، تغير إمـيـل حبيبي، وحـــاد عـن الـطـريـق، لكنه فـــي الـحـقـيـقـة كــــان يــقــرأ الـــواقـــع بعقلية جدلية لامعة، ويطور مفاهيمه وأدوات نـــضـــالـــه، وظـــــل أمـــيـــنـــ مــخــلــصــ لمــبــادئــه الوطنية. ومن خلال العين الثاقبة التي تميّز بها، ظل قلقاً من أن يفقد حيفا. لقد حرص على تعلم اللغة العبرية، ودرس وتـــعـــمـــق فــــي قــــــــراءة الــســيــاســة الإسرائيلية العميقة. احتك بالسياسة والــســيــاســيــ الإســـرائـــيـــلـــيـــ ، وخـــاض معارك طاحنة معهم، واحتك بالسياسة والــســيــاســيــ الـفـلـسـطـيـنـيـ ، وخـــاض مــــعــــارك طـــاحـــنـــة مـــعـــهـــم. كـــــان يــــــدرك أن غالبية الـقـادة الإسرائيليين لـم يتخلوا عـــن فــكــرة الـتـخـلـص مـــن الـــعـــرب الـبـاقـ 19 فــي إســرائــيــل، والــذيــن قــاربــوا نسبة في المائة من السكان، فيحاربهم. وكان يـــحـــارب الـفـلـسـطـيـنـيـ والــــعــــرب الــذيــن يقودون سياسات تساعد الإسرائيليين عـــلـــى تـــبـــريـــر ســـيـــاســـتـــهـــم. وفـــــي الـــوقـــت نـفـسـه، أبـقـى الأمـــل حـيـ ، بـــأن يـأتـي يـوم يــكــتــفــي فــيــه الــبــشــر بـــأنـــهـــار الــــــدم الــتــي ســـالـــت ويـــفـــتـــحـــون صــفــحــة جــــديــــدة فـي العلاقات، بشرط أن يبقى هو في حيفا في حياته وفي مماته، فالبقاء في حيفا هو الهم وهو القلق وهو العنوان. ومـــن يحسن قــــراءة الـــواقـــع، الـيـوم، يـــقـــلـــق عـــلـــى حـــيـــفـــا وأخـــــواتـــــهـــــا أيـــضـــ ، الناصرة ويافا واللد والرملة وأم الفحم والـطـيـبـة ورهــــط. ومـــن يـتـابـع تعليمات الناطق باللغة العربية بلسان الجيش الإسرائيلي، لسكان قطاع غـزة وجنوب لـبـنـان والـضـاحـيـة والـبـقـاع وبـعـلـبـك، لا يستطيع أن يبقى مـتـفـرجـ ، بـل ينتابه القلق على بيته وبلدته من تلك القيادة المنفلتة، التي لا تلجم مجانينها. حيفا تهتز مــــؤخــــراً اهــــتــــزت حــيــفــا كــمـــا لــــو أنــهــا تـــتـــعـــرض لـــــزلـــــزال. الــــصــــواريــــخ الإيـــرانـــيـــة قـــصـــفـــتـــهـــا مـــــن طـــــهـــــران ومـــــــن غـــــــزة ومــــن لـبـنـان، والــصــواريــخ الإسـرائـيـلـيـة تصدت لــــهــــا. بــعــضــهــا أصـــــــاب وبـــعـــضـــهـــا خــــاب، لـكـن الـصـائـب والـخـائـب منها هــز الأرض والـسـمـاء؛ فـالـصـاروخ الـواحـد الــذي يدمّر أو يـــدمّـــر، يـنـشـر مــئــات الـشـظـايـا الـفـتـاكـة القاتلة، ويُحدث دمــاراً، ويــزرع الرعب في نفوس الكبار قبل الصغار، ويهز ضريح إمـــيـــل حـبـيـبـي فـــي «مـــقـــبـــرة كــفــر أســمــيــر» جنوب المدينة. من ذلك البحر، الذي يشهد غــــروب الـشـمـس الــســاحــر، تـنـهـال الـنـيـران الحارقة. الشاعر توفيق زياد، رفيق درب إميل حـبــيـبــي كــتـــب فــــي قــصــيــدتــه «أنــــاديــــكــــم»، يـــقـــول: «ومـــأســـاتـــي الـــتـــي أحـــيـــا نصيبي من مآسيكم». وهـو نصيب صغير إذا ما قـــورن بنصيب غـــزة وبـــيـــروت، لكنه كبير إذا قيس بما حصل في النكبة الأولى قبل سنة وبالنكبة الثانية المصنوعة طيلة 76 السنة الأخيرة وما تخبئه للسنين الآتية. والعرب في إسرائيل يعيشون الآن ما بين النكبتين. وما أشبه اليوم بالأمس. فهناك شعور يتنامى بأن الحكومة الإسرائيلية تعد للعرب في إسرائيل نكبة أخرى، بعد الانـتـهـاء مــن هــذه الــحــرب. وهــنــاك أســاس لهذه المخاوف، ليس من التاريخ فحسب، بل من الحاضر أيضاً. خــــــــ ل ثـــــ ثـــــة أربــــــــــــاع الـــــــقـــــــرن، كــبــر ، وتــكــاثــروا، مــن مجموعة 48 فلسطينيو ألفاً 154 شتات تعيش بغياب قيادة تضم ، إلى مجتمع متكامل مليء 1949 في سنة مليون 1.9 بــالــقــدرات والإنـــجـــازات قــوامــه في المائة 19 نسمة اليوم، ويشكلون نسبة مـــن ســكــان إســـرائـــيـــل. فـــي الـــبـــدايـــة، كـانـت الـــحـــكـــومـــات الإســـرائـــيـــلـــيـــة مـــحـــتـــارة فيما سـتـفـعـلـه مــعــهــم. هـــل تـبـقـيـهـم مــواطــنــ ؟ هـل تمنحهم الجنسية أم تبقيهم رعـايـا، مــــع حــــق إقــــامــــة أو حــــقــــوق مــــواطــــنــــة؟ أم تـتـخـلـص مـنـهـم فـــي أول مـنـاسـبـة أو أول حـــرب مـقـبـلـة؟ وبـسـبـب هـــذه المـعـضـلـة، لم يــســنــوا قـــانـــون المـــواطـــنـــة إلا بــعــد سنتين مــن قـيـام الـــدولـــة. وفـــي الــبــدايــة، لــم يشمل الـقـانـون جميع الـسـكـان الــعــرب، وتجاهل عــرب النقب والمـواطـنـ الـذيـن رحـلـوا في ثـم عـــادوا إلــى الـوطـن بمختلف 1948 عــام الـطـرق. وانطلقت مظاهرات فـي الناصرة وحيفا وعكا والطيبة تطالب بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، لأنهم أدركـوا أن هـــذه الجنسية هــي عــربــون الـبـقـاء في حـصـل 1952 الــــــوطــــــن. وفــــقــــط فـــــي ســـنـــة جميع المواطنين العرب عليها، وتم عدّهم مواطنين فعلاً. لكن السلطات الإسرائيلية ظلت تنظر إليهم كأنهم مـشـبـوهـون، وكـانـت تخشى مـن مشاركتهم فـي الـحـروب العربية ضد إسرائيل. وفي فترة العدوان الثلاثي على ، نــفــذت قــــوات عسكرية 1956 مـصـر سـنـة 49 مــذبــحــة كــفــر قـــاســـم، الـــتـــي قُـــتـــل فــيــهــا شخصاً، بينهم نساء وشيوخ، كمحاولة لـــدب الــفــزع فـيـهـم حـتـى يــرحــلــوا. وفشلت المـــحـــاولـــة، لأن الـــنـــاس تـمـسـكـوا ببيوتهم وأراضيهم. عـــامـــ فــــي ظــــل حـكـم 18 عــــاشــــوا أول عــســكــري بـغـيـض تَـــحَـــكّـــمَ فـــي كـــل جــوانــب حياتهم. لم يكن بمقدور أي منهم أن يسافر من بلدة إلـى أخــرى، للعمل أو التعليم أو الـــعـــ ج الــطــبــي، إلا بـتـصـريـح خــــاص من الحاكم العسكري اليهودي المـعـّ فـي كل منطقة، والحصول على تصريح يتم عبر مـسـار إذلال وضــغــوط سياسية وابــتــزاز. وحتى عندما أُلْــغِــيَ الحكم العسكري في ، استبدلته المخابرات. وعشية 1966 سنة ، أقــدمــت هـــذه المــخــابــرات على 1967 حـــرب شـخـص مــن الــقــادة 500 اعـتـقـال أكــثــر مــن السياسيين الوطنيين، اعتقالاً احترازياً، خوفاً من أن يفتحوا جبهة ضد إسرائيل، وهي تحارب شعبهم الفلسطيني وأمتهم العربية. وفقط عندما احتلت إسرائيل سيناء المـــصـــريـــة والـــــجـــــولان الـــــســـــوري والـــضـــفـــة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، في أيـــام خـــ ل تـلـك الــحــرب، خففت 6 غـضـون السلطات الإسرائيلية القمع والاضطهاد ضـــــد المــــواطــــنــــ الــــــعــــــرب، فـــقـــد انــشــغــلــت فـــــي تـــثـــبـــيـــت الاحـــــتـــــ ل لـــبـــقـــيـــة الأراضــــــــي وسـكـانـهـا. وخـــ ل سـنـوات طويلة منعت الـقـوى الوطنية العربية فـي إسـرائـيـل من دخـــول المـنـاطـق المحتلة حـديـثـ ، بـأمـر من الـحـاكـم الـعـسـكـري، حـتـى لا يـــؤثـــروا على سكانها، ويهبوا ضد الاحـتـ ل، لكن هذا الفصل فـشـل. وفــي نهاية المـطـاف انخرط الفلسطينيون على طرفي الحدود، ومعهم الــســوريــون الــذيــن بـقـوا فــي أراضــيــهــم في الـجـولان، وتــزاوجــوا وتلاحموا بوصفهم أبــنــاء شـعـب واحــــد، رغـــم اخــتــ ف ظــروف كل منهم. مسيرة الازدهار لـقـد مــارســت الـسـلـطـات الإسـرائـيـلـيـة سياسة تمييز عنصري تـجـاه المواطنين سنة وحتى اليوم، ولم 76 العرب على مدار تفِ بتعهداتها في «وثيقة الاستقلال» التي نصت على المساواة للجميع. وحرصت في قرية عن 400 البداية على تدمير أكثر من بكرة أبيها، تماماً كما تفعل اليوم في غزة وجنوب لبنان والضاحية، ومنعت عودة 300 السكان إليها. واليوم يوجد أكثر من ألـــف عــربــي لاجـــئ فــي الــوطــن لا يستطيع الــسـكـنــى فـــي بــلــدتــه. وصـــــــادرت أكـــثـــر من في المائة من أراضيهم، واستخدمتها 80 فــي الــبــدايــة أغـــراضـــ عـسـكـريـة، ثــم أقـامـت بـــلـــدات يــهــوديــة تـحـيـط بــقــراهــم ومـدنـهـم مــــن كــــل جــــانــــب. وتــدخــلــت فــــــي أمــــــاكــــــن عـــمـــلـــهـــم وفــــي اخـــــــتـــــــيـــــــار المـــــعـــــلـــــمـــــ فـــي مــدارســهــم، وفــرضــت نظام أميال إلىطولكرم بعد أن وفّرت «منظمة الصليب الأحمر» الدولية ممراً آمناً لهم (غيتي) 3 ً فلسطينيون تم نقلهم من قريتهم إلى نقطة قريبة من حيفا يقطعونسيرا عندما سجل الأديـــب إمـيـل حبيبي وصيته فـي مدينة الناصرة التي أحبها، وأمضى فيها جُل حياته، طلب أن يُدفن في حيفا، وأن يُنقش على شاهد الضريح «باقٍ في حيفا». بهذه الوصية، كان كعادته يقرأ المستقبل، ويعلن بصوته الجهوري المجلجل: «حتى في مماتي لن أبـرح حيفا». ولم تأتِ الصرخة من فـراغ، بل يعبّر فيها عن قلق دفين عاش ، ولم يبرحه 1948 معه منذ النكبة الفلسطينية الأولـى عام ، فهو ابن تلك النكبة. 1996 يوماً حتى لحظة وفاته في وحـيـفـا، الـتـي احتلت فـي السنة الأخــيــرة الـعـنـاويـن، لما تساقط عليها من صواريخ أُطلقت من لبنان، كانت يومها أيضاً ثالث أكبر مدن فلسطين التاريخية بعدد السكان. في 10447 أيام الانتداب البريطاني، نما عدد سكان المدينة من ألف نسمة لحظة سقوطها بأيدي 150 إلى 1916 نسمة عام ألفاً من 70 ، يـتـوزعـون بـ 1948 المنظمات اليهودية عــام ألفاً من اليهود. وتعود زيادة نسبة اليهود 80 العرب ونحو إلــى الـعـرب فـي تلك الفترة لقيام الـوكـالـة اليهودية بتركيز عقود 3 هجرة يهود العالم إلـى فلسطين فـي حيفا، طيلة سبقت تاريخ النكبة لأهميتها الاستراتيجية وموقعها. سنة 76 مارست السلطات الإسرائيلية سياسة تمييز عنصري تجاههم على مدار تل أبيب: نظير مجلي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky