issue16821
كل ما يصل إلينا من سوريا مطمئن؛ الحكومة المؤقتة استقرت. عمدة العاصمة بدأ عمله. عاد معظم الــنــاس لأعـمـالـهـم، والـطـلـبـة لمـقـاعـدهـم الــدراســيــة في المدارس والجامعات. حركة البيع والشراء لا بأس بها رغم الحاجة لسد الاحتياج في سلع مهمة مثل الدقيق والـحـلـيـب. سـيـاسـيـا، أحــمــد الـــشـــرع، قــائــد العمليات العسكرية وصاحب القرار، سجّل مع قناة «العربية» تصريحات تشبه الأحـــام، لا تعلم هـل تصدقها، أو تسمعها وتستمتع بها؛ فهو يدعو الأكـراد للندماج فـــي الــــدولــــة، واســتــبــعــد بــعــيــداً جــــداً أي احـــتـــكـــاك مع إسرائيل رغم استفزازات الأخيرة في الجولان، ووعد فــي المــائــة والنظر 400 بمضاعفة مـرتـبـات المـوظـفـن فـي إجـبـاريـة التجنيد، ودعـــا لـوحـدة سـوريـا لجميع الطوائف والأعــراق، ولديه ملف لخطط تنموية تغير واقع البلد المنكوب منذ عقود. هـــذه الـثـقـة الـتـي تـحـدث بـهـا الــشــرع جـــاءت بعد اجتماع مهم في العقبة الأردنية، جمع الدول العربية الــفــاعــلــة مـــع الــــولايــــات المـــتـــحـــدة وتـــركـــيـــا. الاجــتــمــاع سيذكره الـسـوريـون على أنــه صمام الأمـــان الــذي من خــالــه سـيـتـم تـشـذيـب أي نــيــات خــارجــة عــن خريطة الـطـريـق الـتـي اتـفـق عليها المـجـتـمـعـون. كــل مـخـاوف السوريي، وكذلك مخاوف الــدول المـجـاورة لسوريا، أخذها الاجتماع باهتمام عالٍ، بخاصة مع التنسيق السعودي - التركي - الأميركي. اســتــقــرار الـــكـــرد فـــي الــشــمــال والــشــمــال الـشـرقـي مهم لهم ولتركيا التي قالتها صراحة إنها ليس لها أطـمـاع فـي سـوريـا. وهــذا تصريح مهم مُـلـزم للجارة الـتـي لا تـــزال تـــرى فــي «قــــوات ســوريــا الـديـمـقـراطـيـة» خـطـراً قـائـمـا. الأكــــراد أنفسهم لا يــريــدون الــنــزاع ولا الاشتباك، ولا أن تكون منطقتهم مهددة، مثلهم مثل بقية السوريي ينشدون الحياة الهادئة؛ فقد أنهكتهم النزاعات والحروب وأصوات النيران والمدافع. الرابط الوحيد بينهم وبــن تركيا، والـــذي يستطيع ضمان اســـتـــقـــرار هــــذه الــجــغــرافــيــا لــلــطــرفــن، هـــو الـــولايـــات المتحدة الأميركية. واشنطن تملك أن تطمئن الأكـراد والأتــــراك بنيات بعضهم الحسنة تـجـاه بـعـض، وأن تـحـافـظ عـلـى الـــحـــزام المـــحـــاذي مـــنـــزوع الـــســـاح، وإلا فستبقى هذه المنطقة رخوة وقابلة للشتعال في أي وقت. أما مستقبل الأكراد في أرضهم فهو قرار سوري صرف، سواء اتفقوا مع حكومة دمشق على حكم ذاتي أو انخراط مع بقية الأطياف. من جهة أخـرى، المتخوفون من سوريا يحكمها أحـمـد الـشـرع ورفــاقــه، بالنظر إلــى تاريخهم المسلح وآيـديـولـوجـيـتـهـم المــتــطــرفــة، عـلـيـهـم أن يــتــذكــروا أن الواقع فاجأ الجميع، والقبول به أسهل من مقاومته، ما دامت كل مبادرات الرجل إيجابية وحديثة توافق ما يتمناه السوريون، فهو يتحدث بلسان أحلمهم وأمانيهم، ومن الأفضل أن يتركوه يعمل، ولينظروا لهذه المرحلة مثلما حصل سابقا مع تجربة جماعة الإخـــــــــوان المـــســـلـــمـــن فــــي مـــصـــر وتـــــونـــــس، فـــالـــفـــرص غالبا تأتي مـرة واحـــدة. أيضا الحقيقة أن العمليات العسكرية التي بدأها الشرع قبل أسبوعي وانتهت سريعا بسقوط الأسد وهروبه، ما كان لها أن تنجح لــــولا الـــضـــوء الأخـــضـــر الأمـــيـــركـــي، والــــدعــــم الــتــركــي، والمـــوقـــف الــعــربــي الــــذي رأى فـيـه فــرصــة لـاسـتـقـرار، فأحجم عن الحكم عليه من خلل ماضيه. الكل اليوم داعم للشرع من أجل سوريا لا من أجله. لكن التخوف أمر مشروع، فالكثير من السوريي يتساءلون اليوم: مـن سيحكم ويتحكم بالقواني المجتمعية؟ هـل هو أبـو محمد الجولاني أو أحمد الـشـرع؟ حقوق المــرأة، والأنـــشـــطـــة الـفـنـيـة والـــريـــاضـــيـــة، وحـــقـــوق الأقــلــيــات، والحريات الدينية. للأسف، لا أحد يملك جوابا أكيداً ســـوى مــا نسمعه مــن الــشــرع نـفـسـه، وهـــو فــي بـدايـة مرحلة جديدة، والبدايات دائما جميلة، لكن العبرة بـالـخـواتـيـم. إذا قلنا إن ســوء الـظـن مـن الفطنة، فإن الشرع ما دام بحاجة للدعم الداخلي والدعم الإقليمي فلن يحيد عن وعوده. وإن كان بعض الظن إثما، فإن الــشــرع يملك الـيـد العليا الـتـي تحمل التغيير الــذي يـطـمـح إلــيــه الـــســـوريـــون، ومــــن مـصـلـحـتـهـم أن يكمل عملية التحرير والتغيير التي بدأها. وأيضا ليكون له موقع في المستقبل السوري، عليه أن يترك السلح لــلــجــيــش، ويــتــخــذ مــقــعــده فـــي الـــصـــالـــون الـسـيـاسـي بـالـحـكـمـة نـفـسـهـا الــتــي يــتــحــدث بــهــا ويــخــاطــب بها العالم. ما زالت سوريا تحتاج أن تكسب ثقة المجتمع الدولي، وبالتحديد ثقة الولايات المتحدة والأوروبيي الذين يمسكون عصا العقوبات الاقتصادية. في حال سارت الأمور بالسلسة التي نراها اليوم، فلن تتردد هــذه الـــدول فـي رفــع العقوبات أو تعليقها، وستقدم الدول العربية، بخاصة الخليجية، الدعم الذي تقدمه دائـــمـــا فـــي وقــفــاتــهــا الــتــاريــخــيــة مـــع الـــعـــرب. كـــل هــذا الرجاء سيتحدد مصيره خلل الأشهر القليلة المقبلة. الشرع والعقبة فـي الصفحات الافتتاحية مـن كـتـاب «الهند الجديدة»، يتذكر راهــول بهاتيا كيف تحول أحد أقـــاربـــه مـــن شــخــص ودود وعَــــــذْب المـــعـــاشـــرة إلــى شخص غاضب يهزأ بالمسلمي باعتبارهم «أقـل مـــن الـــبـــشـــر». وتـــحـــول قـــريـــبٌ آخــــر مـــن مــنــاصــر لا سياسي للنزعة البشرية إلـى شخص يصرّ على أن الهند في حاجة إلـى «ديكتاتور حميد». بدأت عمّته تصف المسلمي بـ«المتوحشي». وقد فوجئ بهاتيا بمثل هذه الكراهية. فقد تعلم أن العلمانية والمـــــســـــاواة تــشــكــان حــجــر الأســــــاس فـــي الـثـقـافـة السياسية الـسـائـدة فـي الهند. «لقد ربـانـا آباؤنا على قيم هجروها بأنفسهم». شـــــــرع بــــهــــاتــــيــــا، وهـــــــو صــــحــــافــــي مـــقـــيـــم فــي مـــومـــبـــاي، فـــي تـعـلـم المـــزيـــد عـــن الــســالــة الـقـومـيـة الــهــنــدوســيــة الـــتـــي اجـــتـــاحـــت الــهــنــد خــــال الـعـقـد المــاضــي. والنتيجة هـي هــذا الـسـرد المجسم الـذي يُظهر مدى «تفكك أكبر ديمقراطية في العالم» منذ .2014 انتخاب ناريندرا مودي رئيسا للوزراء عام كان مودي رئيسا لوزراء ولاية غوجارات عام ، عـنـدمـا انـتـقـم الــهــنــدوس مــن المـسـلـمـن إثـر 2002 حـريـق قـطـار أسـفـر عـن مقتل الـحـجـاج الـهـنـدوس. وعـلـى مـــدى مــا يـقـرب مــن ثـاثـة أشــهــر، قُـتـل أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمي. ووجهت الاتــهــامــات ضــد مــــودي وحــزبــه بـهـاراتـيـا جـانـاتـا بالإهمال، بل والتواطؤ. ولقد أطلق أحد المسؤولي الـفـيـدرالـيـن المــروعــن على الـواقـعـة اســم «مذبحة تـرعـاهـا الـــدولـــة». ومـنـذ ذلـــك الــحــن، أدى صعود مودي إلى أعلى منصب في البلد إلى منح رخصة وطنية للعنف الطائفي. بـالـنـظـر إلـــى أهـمـيـة المـــوضـــوع الـــذي يتناوله بهاتيا في كتابه، من المناسب أن يستعي بالعديد من الأساليب في «الهند الجديدة». يعرض الكاتب مــهــاراتــه بصفته صـحـافـيـا اسـتـقـصـائـيـا، وكـاتـب مذكرات، ومثقفا، وقاصا. لقد أصيب بالذهول حي بدأ الناس الذين يعرفهم في إحياء النزاعات التي دامـت قرونا من الزمان وإثــارة الإهانات الساخرة بشأن المسلمي. ويقول: «إن هذا البلد غير المألوف بـــدأ يـبـرر حـتـى الـقـتـل إذا كـانـت المـنـاسـبـة تتطلب ذلك». فكان يلزم أن يجد «من أين يأتي السم». وتـــحـــقـــيـــقـــا لـــــهـــــذه الـــــغـــــايـــــة؛ أجـــــــــرى بـــهـــاتـــيـــا مــقــابــات مـــع ضــحــايــا الــعــنــف ومــرتــكــبــيــه، فـضـاً عــــن الـــصـــحـــافـــيـــن وضــــبــــاط الــــشــــرطــــة. ويــتــحــدث بالتفصيل عـن النمو المـذهـل لمجموعة «راشتريا سوايامسيفاك سانغ»، أو «آر إس إس»، الجماعة القومية الهندوسية المتشددة التي تأسست عام ؛ وحزب «بهاراتيا جاناتا» الذراع السياسية 1925 ، كتب زعـيـم منظمة 1939 لـهـذه المنظمة. فـي عــام «آر إس إس» بالموافقة على معاملة هتلر لليهود: «لقد أظهرت ألمانيا أيضا مدى استحالة استيعاب الأعــــــراق والـــثـــقـــافـــات، الــتــي تــرجــع خــافــاتــهــا إلــى الجذور، في كيان واحد موحد، وهو درسجيد لنا في الهندوستان للتعلم والاستفادة منه». يـــؤرخ كـتـاب «الـهـنـد الــجــديــدة» كـيـف أن هـذه الـحـركـة الــراديــكــالــيــة المـتـعـصـبـة - الــتــي تـتـعـارض بــشــكــل كــبــيــر مــــع الــــتــــزام الـــهـــنـــد بـــعـــد الاســـتـــقـــال بالتعددية الدينية - كانت ناجحة للغاية. وبعد فترة وجيزة من الاستقلل، حذّر جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للبلد، أحد أصدقائه من الخطر الذي يشكله «الهندوس الرجعيون والمتعصبون»: «إذا كــان هـــؤلاء الـنـاس مـاضـن فـي طريقهم، فلن يـكـون لكم ولا لـي وجـــود يمكن تقبله». وعـلـى مر العقود، اكتسبت منظمة «آر إس إس» السلطة من خـال مزيج قـوي من الترويج للمظالم والتنظيم الــــحــــازم. وقـــــال مـــــؤرخ لمـنـظـمـة «آر إس إس» إلــى بـهـاتـيـا: «مـــا زلـــت لا أعــــرف كـيـف سـيـطـرت علينا آيديولوجيا بمثل هـذا الغباء إلـى هـذا الـحـد. إنه أمر مدهش». ويزعم بهاتيا أن التكنولوجيا تقدم الآن آليات جديدة للهيمنة. وفي جزء موسع من كتابه حول سعي الحكومة إلى وضع برنامج وطني لتحديد الـهـويـة الـرقـمـيـة، يــحــذّر مــن أن الــغــرض الـظـاهـري لهذا البرنامج - كبح الفساد وتحسي تقديم فوائد الرعاية الاجتماعية - يمكن أن يستخدم «لفرض القمع بصورة أكثر كفاءة». حجج بهاتيا هنا مثيرة للهتمام، وإن كانت افتراضية. لكنها ترتبط بأحد المواضيع الرئيسة للكتاب: كيف شكلت التجارب اليومية السياسة الهندية؟ يقترح أن التفاؤل التكنولوجي يتغذى على الإحباط السياسي؛ حيث يضع الناس آمالهم فـي أدوات سلسة وسـريـعـة بـــدلاً مـن عـالـم العدالة والحقوق الممتلئ بالاحتكاكات. وقد يُقال شيء مماثل عن جاذبية الاستبداد. يكتب بهاتيا: «إن الدولة الصعبة تجعل من المغري أن تحلم بمسارات أسهل، وبالعدالة الفورية، وما قد يفعله المواطنون إذا كانوا رؤســاء وزراء ليوم واحــد، ومـن الفساد الــذي قد تحله التكنولوجيا، وكل التغييرات التي قد يجلبها قائد قوي». يرتبط مشروع تحديد الهوية الوطنية أيضا بـــالـــتـــوتـــرات حـــــول مـــســـائـــل المــــواطــــنــــة، وحــــــول مـن ، أعلنت 2019 تعترف به الدولة وتحميه. في عـام حـكـومـة مـــودي قـانـونـا يمنح الجنسية للأقليات المـــضـــطـــهـــدة مــــن الـــبـــلـــدان المـــــجـــــاورة - بــاســتــثــنــاء المسلمي. ومن بي أحداث كتاب «الهند الجديدة» هناك قصة نزار، الرجل المسلم من دلهي الذي كاد أن يُـقـتـل فـــي أعـــمـــال الـشـغـب الــتــي تـلـت ذلــــك. وقـد أنقذه تدخل جاره الهندوسي المفاجئ: «لم يستطع أن يشرح لماذا اختار الرجل الذي يعرفه إنقاذه. لم يكن الأمر له معنى بالنسبة إليه. لم يكن أي شيء في ذلك اليوم منطقيا بالنسبة له». ولمـــدة سـنـتـن، انـتـظـر نـــزار لــــإدلاء بشهادته في المحكمة بشأن ما شاهده. كان بهاتيا يتحدث مـــعـــه بـــانـــتـــظـــام، ومـــــع مــــــرور الأشــــهــــر، قــــــاوم نــــزار الــــيــــأس، حــتــى عــنــدمــا حـــــاول الـــنـــاس تـــهـــديـــده أو رشوته لإسكاته. وقد تأثر عمله في الملبس أثناء زيارته للمحكمة في كل مرة يتم استدعاؤه فيها. وبالنسبة لبهاتيا، برز مثل هذا التفاني المضني: «لقد أصبحت أرى نزار شخصا مميزاً لأنه كان لا يذعن للراحة والبراغماتية». ينتهي كتاب بهاتيا قبل الانتخابات الوطنية هــذا الــعــام، عندما حقق مـــودي وحـــزب «بهاراتيا جاناتا» فوزاً ضيقا مع دعم متناقص. لكن الدمار ســريــع، فــي حــن أن إعــــادة الـبـنـاء تستغرق وقـتـا. جـهـود نـــزار - البطيئة والـصـعـبـة والمــرهــقــة - هي عكس الجهود الفعالة. وقال لبهاتيا: «الأمر يشبه بـــقـــدوم شـــيء مـــا واقـــتـــاع شـــجـــرة. يـسـتـغـرق نمو الشجرة من جديد سنوات». * خدمة «نيويورك تايمز» كيفتنزلق أكبر ديمقراطية في العالم نحو الاستبداد؟ OPINION الرأي 13 Issue 16821 - العدد Tuesday - 2024/12/17 الثلاثاء أمل عبد العزيز الهزاني * جينيفر زالاي ا ن أ ا م و Ghassan Charbel ا ر ن و ر ا ا روس ز د ا Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Zaid Bin Kami Saud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ أ ١٩78 ª« ¬ أ الرئيس التنفيذي جماناراشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائبا رئيس التحرير زيد بن كمي Assistant Editor-in-Chief Deputy Editor-in-Chief Zaid Bin Kami مساعدا رئيس التحرير محمد هاني Mohamed Hani
[email protected]
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky