issue16821

هــــذا الـــقـــول المــــأثــــور فـــي الـــعـــنـــوان يـــذكـــرنـــا بــــأن الــقــوة الحقيقية والتغيير ينبعان مـن الأمـــور الصغيرة التي قد يتم تجاهلها أحياناً. في سوريا، شعب تعرض للقمع من قبل ديكتاتورية وحشية لعقود أثبت أن كرامته لم تنكسر، من خلال الإطاحة بـديـكـتـاتـوره والمـطـالـبـة بـنـظـام جـديـد قـائـم عـلـى الاحــتــرام والــشــمــول. وصـــف مــارتــن لـوثـر كينغ هـــذه العملية بشكل مثالي عندما قـال إن «قــوس الـكـون الأخـ قـي طـويـل، لكنه ينحني نحو العدالة». القوة الحقيقية على هذا الكوكب لا تكمن في السيطرة أو الأسلحة أو استنزاف موارد كوكبنا. الـقـوة الحقيقية تكمن فـي كـرامـة الـنـاس العاديين وفـي كل الأمور الصغيرة التي تدعم الحياة نفسها. هـنـاك شـعـور بالتغيير الــهــادئ والـــواثـــق يـسـري عبر عـامـ من 50 الـعـالـم الـعـربـي فــي هـــذه الأيــــام. بـعـد أكـثـر مــن المعاناة تحت حكم عائلة الأسـد، استعاد السوريون أخيراً زمام مستقبلهم بأيديهم. فـي دول عربية أخـــرى، اخـتـار الـقـادة الثقة بشعوبهم وتزويدهم بالأدوات والفرص لبناء مستقبل مشرق ومملوء بـالـوعـود لأنفسهم ولـبـلـدانـهـم. على سبيل المــثــال، سلكت الـسـعـوديـة مـسـاراً ملهماً خــ ل الـسـنـوات السبع الماضية، ففتحت مجتمعها، وحدثت نظام التعليم، وقدمت لشعبها فــرصــ جـــديـــدة هـائـلـة وأثــــــارت حـمـاسـتـهـم لـلـمـضـي قـدمـ . والــيــوم، تحمل الـسـعـوديـة شعلة الأمـــل، وتُـظـهـر للمنطقة كيف يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقاً معاً. العديد من الدول العربية الأخرى تستثمر بهدوء في مجالات التنمية الحضرية المستدامة، والطاقة المتجددة، وتقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي. ببساطة، يضع قادتها ثقتهم في المستقبل وفي شعوبهم. لقد تحمل العالم العربي فترات طويلة من الاضطراب والمعاناة، وارتكب بعض قادته نصيبهم من الأخطاء. لكن اليوم، هناك ثقة وحماسة تدفعان العالم العربي وشعوبه إلى الأمـام. في سوريا، هناك تطهير كبير للجرح المفتوح، وفي فلسطين ما زال قرن تقريباً من الألـم والمعاناة ينتظر الـحـل. ولا شـك أن الشعب الفلسطيني الـــذي عـانـى طويلاً سيتغلب على القبضة الحديدية للاحتلال الإسرائيلي. إسرائيل تسير في طريق محفوف بالمخاطر. تعتمد فـقـط عـلـى جيشها وأسـلـحـتـهـا والـــخـــوف لـقـمـع لـيـس فقط الـفـلـسـطـيـنـيـ ، بـــل أيــضــ جـيـرانـهـا مـثـل لـبـنـان وســـوريـــا. لـكـن لا يـمـكـن لأي جـبـل مـــن الــقــســوة والـــيـــأس أن يـقـف في طريق التغيير التاريخي العميق الـذي يوجه قوس الكون الأخلاقي نحو العدالة. وأولــئــك الـذيـن يعتقدون أن لديهم الـقـوة ويـحـاولـون فرضها عبر الـخـوف، سيكتشفون قريباً أنـهـا لا يمكن أن تدوم. مستقبلهم يكمن في مد اليد للسلام وبناء الاحترام والــثــقــة مـــع الآخـــريـــن. مـــن يـعـتـقـدون أن الـجـمـيـع أعـــداؤهـــم سيجدون أن أكبر عدو لهم هو أنفسهم. فــي الـــغـــرب، خـصـوصـ فــي الـــولايـــات المــتــحــدة، تحول الرأي العام بعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي العنيف وحروبه الـــتـــي لا تــنــتــهــي. ومــــع تـــحـــولات الـــعـــالـــم الـــعـــربـــي والـــشـــرق الأوسط، لا يمكن لإسرائيل أن تفوت هذه الفرصة لتحقيق السلام مع جيرانها واحتضان الديناميكية الإيجابية التي تحرك منطقتنا وشعوبها اليوم. ليست بالقوة العمياء تُبنى الأمــم القوية، بل بالثقة والاحــــتــــرام. لـقـد سـعـى الــعــالــم الــعــربــي إلـــى مـــد يـــد الـسـ م لإسـرائـيـل، مـن مــبــادرة الـسـ م العربية بـقـيـادة السعودية إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية أخيراً مع أربع 2002 عام دول عربية إضافية. وحان الوقت لرعاية شعوبنا جميعاً والعيش معاً بسلام. هناك العديد من المجالات الأخرى التي يمكننا أن نتعلم منها دروساً في التواضع والكرامة، وعلى رأسها البيئة. الطبيعة تُظهر لنا أمثلة واضحة على كيف أن الأمور الصغيرة هي الأكثر أهمية. العوالق النباتية في المحيطات لا تـدعـم فقط الـحـيـاة البحرية بأكملها، لكنها فـي المـائـة مـن الأكسجين الــذي نتنفسه. 50 أيضاً توفر لنا ومـن دون العوالق النباتية في محيطات عفية، لا يمكننا الـبـقـاء. ومــن دون النحل الـــذي يُلقح الــزهــور والمحاصيل، نصبح بــ شـــيء. ومـــن دون البكتيريا الـتـي تنظم جهاز المناعة لدينا، لا يمكننا العيش. ومع ذلـك، نعتقد أننا سـادة الحياة على الأرض، مما يؤدي إلى انقراض الأنواع بمعدل غير مسبوق، واستنزاف موارد كوكبنا، ومواصلة السير في طريق يؤدي إلى كوارث طبيعية متزايدة. لنتعلم هـذا الــدرس البسيط ولكن العميق عن القوة، والــتــواضــع، والــكــرامــة. هـنـاك تـيـار واثـــق ومـتـفـائـل يجتاح العالم العربي اليوم، يفتح باب الأمل والفرصلمستقبل أكثر إشراقاً. حان الوقت لكي تعترف إسرائيل بهذه الديناميكية وتصبح شريكاً في السلام والازدهـــار والاستقرار من أجل مستقبل منطقتنا المشتركة، وإدراك أن القوي الذي يعتمد على العنف والسيطرة، ينتهي به الأمر معزولاً عن الواقع وعرضة للاضطرابات. دعونا نتحرك مع المحيط ونتجاوز جبل اليأس. «الـــشـــام غـــ ّبـــة» يــقــول الـــســـوريـــون. والـــشـــام هـــي أولاً وأخــيــراً دمـشـق، بطبقاتها الـحـضـاريـة المـتـراكـمـة، الآرامـيـة والإغريقية والرومانية والبيزنطية والأمـويـة والعثمانية والفرنسية ومـا بعد. هي الحاضرة الفريدة بقدرتها على التكيف والتطور عبر آلاف السنين، ونقطة التقاء الحضارات والثقافات والأديان، وخطوط التجارة بين القارات. صنعت من مرونتها الثقافية إرثاً مدينياً فريداً ومستداماً، يختصر مكانتها المحورية، سواء كمركز للمسيحية المبكرة أو لاحقاً كـمـديـنـة رئـيـسـيـة فـــي الـــتـــاريـــخ الإســــ مــــي. حـــ اخــتــارهــا الأمــــويــــون عــاصــمــة لإمــبــراطــوريــتــهــم المــتــرامــيــة الأطــــــراف، وجـــدوا فيها مختبراً لا يتكرر للبراغماتية الأمــويــة التي أسـسـهـا مــعــاويــة بـــن أبـــي سـفـيـان عـبـر إدارة الـــتـــوازن بين الهيمنة السياسية واحترام التعددية الثقافية والدينية. هي، بهذا المعنى، مدينة غيرت ناسها والوافدين إليها أكثر مما غيروها، بروحها العميقة القادرة على احتضان الـتـنـوع واستيعاب التناقضات. يصلها الــوافــد وسـرعـان مــا «يـتـدمـشـق»، مكتسباً صـفـات المـدنـيـة نفسها وناسها وأســـواقـــهـــا وبــيــوتــهــا، الــتــي تـمـيـزهـا المـــرونـــة الاجـتـمـاعـيـة وسيادة منطق الربح المشترك البعيد عن أي تعصب ديني أو عـــرقـــي. يــعــرف ذلــــك، مــن تـسـنـى لــه الاسـتـمـتـاع بــــالأذان الدمشقي، بلحن مقامَي البيّاتي والسيكا، اللَذين ينضحان بساطةً وحنواً وتطريباً يرطب الروح. تعكس مآذن دمشق، العلاقة المتناغمة بين الدين والمدنية في تاريخ المدينة، حيث يحضر الدين كجزءٍ طبيعيٍ من النسيج الحضري من دون أي تطاول عليه. ببساطته وسرعته النسبية، يبرز الأذان وعياً مدنياً يحترم وقت الناس وحركتهم اليومية، ليكون نـداءً روحانياً ينسجم مع الإيقاع العام لدمشق الحاضنة للتنوع الاجتماعي والثقافي العريق. وأكـــــاد أجــــزم أن فــائــض الـعـنـف الــــذي مـــارســـه الـنـظـام الأســــدي عـلـى ســوريــا يـعـكـس، بـشـكـل مــبــاشــر، استعصاء المـــدنـــيـــة نـفـسـهـا وصـــعـــوبـــة إخــضــاعــهــا بــمــا يــتــنــاقــض مع طبيعتها، إلا عبر مستويات خرافية من القمع والتوحش. إلـــى هـــذه المــديــنــة الــتــي لـفـظـت الإرث الأســـــدي وطـــوت صفحته كـأنـه لــم يـكـن، يـدخـل أحـمـد الــشــرع، المـكـنـى بأبي محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام». يدرك الرجل، على ما يبدو، أن إرثه كقائد لجماعة متشددة يجعله غريباً عن روح دمشق. صحيح أن المدينة، طوال عصرها الحديث، حُكمت من غير أبنائها، باستثناء تجربة الدمشقي شكري الـقـوتـلـي، إلا أنــهــا، بـاعـتـبـارهـا أمـيـنـة لإرثــهــا الـطـويـل من التسامح والتعددية، لـن تقبل خطاباً يقوم على الإقصاء بعد إسقاط الأســد، أو خطاباً مراوغاً ينتحل البراغماتية والمدنية. يعول البعض على أنــه، منذ بـدايـاتـه، بــرز الجولاني لاعباً بارعاً في التكيف مع التغيرات السياسية والعسكرية، انطلاقاً من التحاقه بالتنظيمات المتشددة في العراق ضمن صفوف تنظيم «القاعدة» وبتشجيع من نظام الأسد نفسه، مـــروراً بـــ«داعــش» وتأسيس «جبهة الـنـصـرة» فـي سـوريـا، وصــــولاً إلـــى تحولها إلـــى «هـيـئـة تـحـريـر الـــشـــام». بـيـد أنـه لا دلـيـل على مـا إن كــان هــذا الـتـاريـخ مـن الـنـقـ ت، يعكس تغييرات تكتيكية أم تحولات آيديولوجية راسخة. ثم إن الجولاني ليس مجرد شخصية تسعى لإعـادة تـــقـــديـــم نــفــســهــا بــــصــــورة جــــديــــدة، بــــل يــمــثــل تــــيــــاراً تـمـتـد جــذوره في الفكر السلفي، وينظر إلـى الدين كإطار شامل للحكم والـسـيـاسـة. فــي هـــذا الــســيــاق، فـــإن الـخـشـيـة قائمة من أن تكون دعـواتـه الراهنة مجرد مـنـاورة سياسية أكثر منها قناعة حقيقية، يؤمل لها أن تفضي إلــى «تدمشق» حـقـيـقـي، بـمـعـنـى، الانـــتـــســـاب إلــــى نـسـيـج دمــشــق الـثـقـافـي سنة من التغول 54 والاجتماعي والسياسي، الـذي فشلت البعثي في تمزيقه. لا شك في أن إرث البراغماتية الأموية والتسامح الشامي يمثلان عاملين قويين في تشكيل هوية دمشق وإدارة شؤونها عبر التاريخ، لكن الاعتماد عليهما وحدهما في «ترويض» شخصية مثل أبو محمد الجولاني قد لا يكون كافياً. فـالـتـحـولات المـنـتـظـرة مــن الـجـولانـي تــواجــه تحديات مـعـقـدة تــهــدد اســتــقــرار المــديــنــة نـفـسـهـا. ولــئــن كـــان تخلي الجولاني عن الإرث الإسـ مـوي المتشدد يتطلب تغييرات جـوهـريـة فــي عقيدته وخـطـابـه، فـــإن فــي ذلـــك مــا قــد يــؤدي إلى انشقاقات داخل تنظيمه وفقدان القاعدة الشعبية التي تعتمد عـلـى مـشـروعـه الآيـديـولـوجـي المـتـشـدد، إلـــى جانب احتمال ظهور فصائل أكثر تطرفاً تنافسه وتزايد عليه. فـــي الـــوقـــت ذاتـــــه، ســيــواجــه الـــجـــولانـــي، مـــا لـــم يتغير بصدق، صعوبة في كسب ثقة مكونات المجتمع السوري، خــصــوصــ الأقـــلـــيـــات والـــنـــخـــب الــدمــشــقــيــة، الـــتـــي تــــرى في إرثـه المتشدد تهديداً لهوية المدينة القائمة على التسامح والتعددية. يبرز، في ضوء هذا السياق، البيان الختامي لاجتماع لـجـنـة الاتـــصـــال الــــوزاريــــة الـعـربـيـة بــشــأن ســـوريـــا بوصفه خــريــطــة طــريــق مــحــوريــة لــبــنــاء مـسـتـقـبـل ســـوريـــا مـــا بعد ســـقـــوط الأســـــد، مـــن خــــ ل عـمـلـيـة انــتــقــال ســيــاســي شـامـل . يُبرز 2254 ومستدام تحت إشراف الأمم المتحدة وفق القرار هـذا الموقف العربي بشكل رئيسي الأهمية الاستراتيجية لشمولية العملية بمشاركة كـل مكونات الشعب السوري مـنـعـ لـ سـتـئـثـار أو وصـــايـــة مــكــون عـلـى بـقـيـة المــكــونــات. وإذ يُـــعـــزز الــبــيــان الأســـــس الـــدولـــيـــة لــ نــتــقــال الـسـيـاسـي، مــن خـــ ل تشكيل هيئة حـكـم انـتـقـالـيـة، وصـيـاغـة دسـتـور جـديـد، وإجـــراء انتخابات حــرة ونـزيـهـة، الأمـــر الـــذي يفتح باباً سياسياً ودولياً «للتدمشق» السياسي، أي الخضوع للشرط التعددي وإرث التسامح لأقــدم مدينة مأهولة في التاريخ. دائماً تحتل الآيديولوجيا في الأنظمة الشمولية مكاناً مـمـيـزاً، وبعضها يقدمها عـلـى ضــــرورات الأمـــن الـقـومـي، وقـــد تضطر عـــنـــد الـــــضـــــرورة الـــقـــصـــوى لــتــغــلــيــب الأمــــن القومي على الآيديولوجيا؛ لذلك شاهدنا الــخــمــيــنــي الـــــراحـــــل يـــقـــول -بــــألــــم بــــالــــغ- إن قـــبـــولـــه وقـــــف الــــحــــرب مــــع الـــــعـــــراق بــمــثــابــة تــجــرعــه لـــكـــأس الـــســـم. لــكــن إيــــــران فـــي عهد خـامـنـئـي عـــــادت لـلـتـمـسـك بـالآيـديـولـوجـيـا رغـــم تـعـرضـهـا لـهـزائـم واضـــحـــة؛ فــأكــدت أن ما حـدث في لبنان صمود يرقى للانتصار على إسرائيل، وما حدث في سوريا تراجع تكتيكي وليس هزيمة. هــــذا الإصــــــرار عــلــى عـــبـــارة «الــصــمــود- الانــتــصــار»، والـتـمـسـك بمفهوم «الـتـراجـع» برهان جلي على أن الآيديولوجيا ما زالت مترسخة في التفكير الاستراتيجي لإيران، وأن كــل مــا حـصـل مـجـرد نكسة ســرعــان ما تزول؛ فالآيديولوجيا هي بمثابة ضمادات تحجب النظر الكاشف، فلا ترى القيادة إلا ما ترغب في رؤيته، لقناعتها الآيديولوجية بحتمية الانتصار. وبهذا تصبح خطواتها -الـواحـدة تلو الأخــرى- خبط عشواء، لتنال في النهاية: الهزيمة المدوية. ولــــنــــفــــتــــرض -جــــــــــــدلاً- أن الـــــحـــــرب مــع إســـرائـــيـــل صـــمـــود فـــي ثــــوب انـــتـــصـــار؛ لكن تكراره سيوصلنا إلى ما قاله الملك اليوناني قبل 279 بـعـد انــتــصــاره عـلـى الـــرومـــان عـــام المـسـيـح: «مـــع تــكــرار انـتـصـار كـهـذا ستكون نهايتنا»؛ لا غرابة إذن أن يؤديصمود كهذا لاحتلال الجنوب اللبناني، وربما أبعد. كذلك يؤكد سقوط نظام الأسد، وتبرير إيران لذلك بأنه مؤامرة إسرائيلية- أميركية، وخـــيـــانـــة دولـــــة مــــجــــاورة، وتـــجـــاهـــل الأســـد للنصيحة، أنها لـم تتعلم مـن درس لبنان؛ بل بقيت الآيديولوجيا تلون الواقع وترسم المستقبل الــوردي. هذا التبرير يتعامى عن أن سبب وجـود إيــران في سوريا بالأساس هــو مـواجـهـة إسـرائـيـل وأمــيــركــا، وبالتالي كيف تتعرض لمؤامرة وهي هناك لمحاربتها وهزيمتها؟! إنه نكران الواقع بامتياز، وإنه لحظة انكشاف أن الإمبراطور عريان. هـــذا بــالــذات يستدعي تــســاؤلات حـول التفاضل بين الآيديولوجيا والأمن القومي؛ فــــالأوطــــان تــبــقــى، بـيـنـمـا الآيــديــولــوجــيــات تتعدل، أو تختفي ولا تظهر إلا بعد أجيال. ولـــحـــمـــايـــة الــــوطــــن الإيـــــرانـــــي تـــجـــد الـــقـــيـــادة نفسها أمام تحديات عدّة، لعل أهمها اثنان: الـــســـ ح الــــنــــووي الإيـــــرانـــــي، والــــعــــودة إلــى الحدود الطبيعية. لم يعد السلاح النووي بمأمن بعد زوال أذرع إيــران من المنطقة، ومـع عـودة الرئيس الأمـيـركـي المنتخب دونـالـد تـرمـب للسلطة، وبعد تدمير إسرائيل لدفاعات إيران الجوية، ومـصـانـع إنـتـاج الــصــواريــخ، واحـتـمـال حل الأزمـــة الأوكــرانــيــة. فالرئيس تـرمـب العائد للسلطة معه ماركو روبيو وزيراً للخارجية، ومــــايــــك والــــتــــز مـــســـتـــشـــاراً لـــأمـــن الـــقـــومـــي، وكلاهما مـن الـصـقـور، وموقفهما العدائي مـن إيـــران جـلـي؛ ومـعـه كـذلـك قـيـادة يمينية (متشددة) في تأييدها لإسرائيل، مما يعني أن إيــران لديها احتمالان: مواجهة أميركا، وهــي معركة خـاسـرة عسكرياً واقتصادياً، بـــعـــد تـــهـــديـــم مـــحـــور المـــمـــانـــعـــة، أو الــقــبــول بـــالـــتـــفـــاوض ووضــــــع مـــراقـــبـــة دولــــيــــة عـلـى بـرنـامـجـهـا الـــنـــووي. هــــذان الاحــتــمــالان في غـايـة الصعوبة؛ لأن الآيـديـولـوجـيـا لا تـزال المُـسـيّـرة للتفكير الإيـــرانـــي، وإذا لـم يتغلب الأمـــن الـقـومـي بــواقــع الـــضـــرورة، فـــإن إيـــران ذاهـبـة لمواجهة مـع أميركا ستنتهي بدمار برنامجها النووي، أو على الأقل العيش في ضنك اقتصادي شديد، قد يؤدي إلى تفجير ثورات من الداخل. وإذا ما تغلبت فكرة الأمن الــقــومــي -وهــــو المـــرجـــح- فـــإن إيـــــران ستقبل تجرع كأس السم، كما تجرعه الخميني في حربه مع العراق، وتضع برنامجها النووي تــحــت المـــراقـــبـــة. وفــــي حــــال قــبــلــت بـالـخـيـار الأخـيـر فــإن إيـــران تـكـون قـد خـسـرت هدفها الأكبر، وهو حيازة السلاح النووي الهادف لردع أعداء الثورة. أمـــا خـيـار الــعــودة لـلـحـدود الطبيعية، فليس فـي حقيقته خـيـاراً إيـرانـيـ ، إنما هو تـــكـــريـــس لمـــــوت الآيـــديـــولـــوجـــيـــا، وانـــتـــصـــار لـفـكـرة الــوطــن وحـــــدوده؛ فــإيــران بانكفائها لـــــحـــــدودهـــــا، وبــــعــــيــــداً عـــــن فــــكــــرة الـــتـــوســـع الآيـديـولـوجـي الـديـنـي، ونـشـر فـكـر الــثــورة، ســـتـــجـــد نــفــســهــا أمـــــــام مــــراجــــعــــة حــقــيــقــيــة، وحـــصـــاد مُـــــر. لــقــد ضــيــع الإيــــرانــــيــــون على فــرصــة بــنــاء دولـــة 1979 أنـفـسـهـم مـنـذ عـــام طبيعية، ومضوا في فكرة الدولة الثورية، وسـيـكـتـشـفـون أن الـــدولـــة الـــثـــوريـــة لـــم تـعُـد عليهم بالنفع، ولـم تجلب سـوى الـعـداوات، ونـبـش الأحـقـاد التاريخية، وبـنـاء الـسـدود بين الجيران، وتحمل شظف العيش. الـــــثـــــابـــــت فــــــي رحـــــلـــــة الآيــــديــــولــــوجــــيــــا الإيــــرانــــيــــة، وقــبــلــهــا الاتــــحــــاد الــســوفــيــاتــي، أن فــــــرض قــــنــــاعــــات بــــالــــقــــوة عـــلـــى شـــعـــوب لـتـوسـيـع نــفــوذ الـــدولـــة الـــثـــوريـــة، وتـكـريـس الـــهـــيــمـــنـــة الاقــــتــــصــــاديــــة والـــعـــســـكـــريـــة، هـو الـــفـــشـــل الــــــصــــــارخ؛ فـــالـــشـــعـــوب وإن قـبـلـت تـحـت وطـــأة الــقــوة، أو بــراعــة الـتـزيـيـف، فلا بــد مــن أن تـصـحـو، وتـنـتـفـض كـمـا انتفض السوريون ضد بشار الأسد المؤدلج بعثياً، وضــد إيـــران المـؤدلـجـة ثـوريـ . فبشار الأسـد لـــم يــكــن يــتــصــور، بــعــد قـمـعـه ثــــورة شـعـبـه، وبعد نشر إيــران وروسـيـا قواتهما، ورفعه شــعــار الآيــديــولــوجــيــا كــغــطــاء، لـــم يـتـصـور -وكـذلـك إيـــران- أنهما سيخسران كل شيء؛ وهذا طبيعي لأن الآيديولوجي لاعب مقامر يـعـتـقـد دائـــمـــ أنــــه كـــاســـب، وإن خــســر فـإنـه يضاعف رهـانـه وتتعاظم خـسـارتـه، بينما الاستراتيجي تكون أولويته الأمن القومي، ولا يتردد أبداً في طرح الآيديولوجيا جانباً لحماية أمنه القومي. الـــســـؤال: مــــاذا سـتـفـعـل إيــــــران؟ لا أحـد يعرف إلا المرشد خامنئي. OPINION الرأي 12 Issue 16821 - العدد Tuesday - 2024/12/17 الثلاثاء هل «يتدمشق» الجولاني؟ كل منا بمفرده قطرة... ومعاً نحن محيط إيران بين الآيديولوجيا والبحثعن الأمن القومي وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com أحمد محمود عجاج نديم قطيش حسان ياسين

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky