issue16819

يوميات الشرق «السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمر للنساء من أجل الحرّية والمساواة ASHARQ DAILY 22 Issue 16819 - العدد Sunday - 2024/12/15 األحد «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً»... شهادتان سينمائيتان عن الحرّية والكرامة صالح المر يُعبّر من خالل لوحاته عن امتنانه لمصر من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدَّيْن الظلم في «البحر األحمر» مخزون الصور العائلية يُلهم فنانا سودانيا في معرضه القاهري الجديد فـــي الــــــدورة الــرابــعــة مـــن مـهـرجـان «الـبـحـر األحـمـر السينمائي الــدولــي»، تـــنـــافـــســـت أعــــمــــال اســـتـــثـــنـــائـــيـــة نـقـلـت قصصًا إنسانية مؤثّرة عن واقع املرأة فــي إيــــران وأفـغـانـسـتـان. وســـط أجـــواء االحــتــفــاء بــالــفــن الـسـيـنـمـائـي بوصفه وسيلة للتعبير والتغيير، قــدَّم فيلما «الــســادســة صـبـاحـ » لـإيـرانـي مـهـران مـــديـــري، و«أغـــنـــيـــة ســيــمــا» لـأفـغـانـيـة رؤيــــــــا ســــــــــــادات، شــــهــــادتــــن بــــارزتــــن عــلــى تـــحـــدّيـــات الـــنـــســـاء فـــي بـيـئـاتـهـن االجتماعية والسياسية. السادسة صباحاً... دراما الصراع مع السلطة يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة اإليرانية التي تتأهّب ملغادرة طهران إلكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهة مفاجئة مع «شرطة األخــــــاق»؛ إذ يـقـتـحـم أفـــرادهـــا حـفـا صغيرًا فـي مـنـزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تـعـيـشـه الـــنـــســـاء اإليـــرانـــيـــات فـــي ظــل نـظـام تحكمه الـرقـابـة الـصـارمـة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يـــطـــاردهـــن حــتــى فـــي أكـــثـــر الـلـحـظـات بساطة. الفيلم، الــذي أخـرجـه مـهـران مديري، املـــعـــروف بـسـخـريـتـه الـــاذعـــة، يـجـمـع بي التوتّر النفسي واإلسقاطات االجتماعية. وتُــــشــــارك فـــي بـطـولـتـه ســمــيــرة حـسـنـبـور ومــهــران مــديــري نفسه الـــذي يظهر بــدور مــــفــــاوض شـــرطـــة يــضــيــف أبــــعــــادًا مـرعـبـة ومـــــعـــــقَّـــــدة إلـــــــى املــــشــــهــــد، فــــيــــقــــدّم درامـــــــا تشويقية. أغنية سيما... شهادة على شجاعة األفغانيات أمـــا فـيـلـم «أغــنــيــة ســيــمــا»، فـهـو رحـلـة مــلــحــمــيــة فــــي زمــــــن مـــضـــطـــرب مــــن تـــاريـــخ أفـغـانـسـتـان. تـــدور األحــــداث فـي سبعينات القرن املاضي، حي واجهت البلد صراعات سـيـاسـيـة وآيــديــولــوجــيــة بـــن الـشـيـوعـيـن واإلســـامـــيـــن. يـتـبـع الـعـمـل حــيــاة «ثــريــا»، الـــــشـــــابـــــة الــــشــــيــــوعــــيــــة الـــــتـــــي تــــنــــاضــــل مــن أجــــل حــقــوق املــــــرأة، وصـديـقـتـهـا «ســيــمــا»، املوسيقية الحاملة التي تبتعد عن السياسة. الفيلم، الـــذي أخـرجـتـه رؤيـــا ســـادات، يستعرض العلقة املعقَّدة بي الصديقتي في ظل انقسام آيديولوجي حـاد، ويُظهر كيف حـاولـت النساء األفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكـرامـتـهـن وســط دوامــة الحرب واالضطهاد. بأداء باهر من موزداح جــمــال زاده ونـيـلـوفـر كــوخــانــي، تــتــراءى تــعــقــيــدات الــهــويــة األنـــثـــويـــة فـــي مـواجـهـة املتغيّرات االجتماعية والسياسية. مـــــن خــــــال هــــذيــــن الـــفـــيـــلـــمـــن، يـــقـــدّم مــهــرجــان «الــبــحــر األحـــمـــر» فــرصــة فـريـدة لفهم قضايا املرأة في املجتمعات املحافظة واملــــضــــطــــربــــة ســــيــــاســــيــــ . فـــــ«الــــســــادســــة صباحًا» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمي تنافسيَّيْ؛ هما دعـوة إلـى التأمُّل في الكفاح املستمر للنساء من أجل الحرّية واملـــــســـــاواة، مـــع اإلضــــــاءة عــلــى دور الــفــن الحاسم في رفع الصوت ضد الظلم. فـــــــي هـــــــــذا الــــــســــــيــــــاق، يــــــقــــــول الــــنــــاقــــد الـــســـيـــنـــمـــائـــي الـــــدكـــــتـــــور مـــحـــمـــد الـــبـــشـــيـــر لــــ«الـــشـــرق األوســـــــط»، إن فـيـلـم «الــســادســة صـــبـــاحـــ » يـــنـــســـاب ضـــمـــن وحــــــدة زمــانــيــة ومكانية لنقد التسلُّط الـديـنـي ال السلطة الــــديــــنــــيــــة، واقـــــتـــــحـــــام الــــنــــيــــات واملــــــنــــــازل، ومــمــارســة الـنـفـوذ بـمـحـاكـمـة الـــنـــاس، ومـا تُسبّبه تلك املمارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «ســـارة»، أو تعريض أخيها لـانـتـحـار. فــهــذه املــــآالت الـقـاسـيـة، مــرَّرهــا املـــخـــرج بــــذكــــاء، وبـــــــأداء رائـــــع مـــن الـبـطـلـة سميرة حسنبور، علمًا بأن معظم األحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر املُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الــكــون، واسـتـنـسـاخ املــكــان وإسـقـاطـه على آخـر يمكن أن يعاني أبـنـاؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها. على الصعيد الـفـنّــي، يـقـول البشير: «أجـــــاد املـــخـــرج بـتـأثـيـث املـــكـــان، واخـتـيـار لــوحــات لـهـا رمـزيـتـهـا، مـثـل لــوحــة الـفـتـاة ذات الـقـرط الـلـؤلـؤي للهولندي يوهانس فـيـرمـيـر، ورســـومـــات مـايـكـل أنـجـلـو على سـقـف كـنـيـسـة سيستينا فـــي الـفـاتـيـكـان، وغـــــيـــــرهـــــا مـــــــن الــــــــرمــــــــوز واالخـــــــتـــــــيـــــــارات املونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة». يـــــأتـــــي ذلــــــــك تـــــأكـــــيـــــدًا عــــلــــى انــــفــــتــــاح مــهــرجــان «الــبــحــر األحـــمـــر الـسـيـنـمـائـي»، ومراهنته على مكانته املرتقبة في قائمة املهرجانات العاملية، وترحيبه دائمًا بكل القضايا املـشـروعـة. ونَــيـل «أغنية سيما» و«الـسـادسـة صباحًا» وغيرهما من أفلم هــذه الــــدورة، الـتـقـديـر، وتـتـويـج «الــــذراري الحمر» للتونسي لطفي عـاشـور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خليا إرهابية شخصًا بريئًا... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصــبــحــت أهــــم وســيــلــة عــصــريــة ملـنـاصـرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون. وأظـــهـــر املــهــرجــان الــــذي حـمـل شـعـار «لــلــســيــنــمــا بـــيـــت جــــديــــد» الــــتــــزامــــه بــدعــم األفلم التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصة حيوية لــأصــوات املـبـدعـة واملـهـمَّــشـة مـن مختلف أنحاء العالم. «زهــــوري اليانعة فـي داخـــل خميلة»... كـلـمـات لــلــشــاعــر الـــجـــاغـــريـــو، وهـــــي نـفـسـهـا الــكــلــمــات الــتــي اخـــتـــارهـــا الــفــنــان التشكيلي السوداني صلح املر، لوصف السنوات التي قضاها فـي مصر، واألعــمــال اإلبـداعـيـة التي قدّمها خللها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار». عـــامـــ قــضــاهــا في 15 تــنــقــل املــــر خــــال مصر ما بي حواري الحسي، ومقاهي وسط الــبــلــد، وحــــــارات الـسـبـتـيـة، ودروب األحــيــاء العتيقة، متأثرًا بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي املولوية، وبائعي الـتـحـف، ونــجــوم السينما واملـــســـرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها املعرض سردًا بصريًا يـعـبّــر عــن ولـعـه بـالـبـلـد الــــذي احـتـضـنـه منذ توجهه إليه. يـقـول املـــر لـــ«الــشــرق األوســـــط»: «أعـمـال هـذا املعرض هي تعبير صـادق عن امتناني وشــكــري الـبـالـغـن ملـصـر، ويــوضــح: «جـــاءت فكرة املـعـرض عندما وقعت عقد تـعـاون مع إحـــدى الـغـالـيـريـهـات املــعــروفــة فــي الــواليــات املتحدة، وبموجب هـذا العقد لـن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخـرى، ومنها مـــصـــر الـــتـــي عـــشـــت فــيــهــا أجـــمـــل الـــســـنـــوات، أردت قبل بــدء املـوعـد الـرسـمـي لتفعيل هذا االتفاق أن أقول لها شكرًا وأعبّر عن تقديري ألصــــحــــاب صـــــــاالت الــــعــــرض الــــذيــــن فــتــحــوا أبوابهم ألعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، واملبدعي الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى لـــأشـــخـــاص الـــعـــاديـــن الــــذيــــن الــتــقــيــت بـهـم مصادفة». لـوحـة بخامة ألــوان 25 استلهم الفنان األكـــريـــلـــك واألعــــمــــال الـــورقـــيـــة مـــن مـجـمـوعـة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كــــــــــارد» املــــصــــريــــة الــــقــــديــــمــــة، الــــتــــي تــعــكــس بــــدورهــــا روعـــــة الـــحـــيـــاة املـــصـــريـــة الــيــومــيــة، ودفء املــشــاعــر والـــتـــرابـــط املـجـتـمـعـي فيها آالف صـورة مصرية، 5 وفق املـر: «لـدي نحو جــمــعــتــهــا مـــــن (االســـــتـــــوديـــــوهـــــات) وتـــجـــار الــــروبــــابــــكــــيــــا، ومـــتـــاجـــر األنــــتــــيــــكــــات، ومــنــا استلهمت لوحاتي». ويضيف: «مصر غنية جــدًا باستوديوهات التصوير منذ عشرات الـــســـنـــن، ولـــديـــهـــا قـــــدرًا ضــخــمــ مـــن الــصــور الــــنــــادرة املُـــلـــهـــمـــة، الـــتـــي تــحــكــي الــكــثــيــر عن تاريخها االجتماعي». يستطيع زائـر املعرض أن يتعرف على الــــصــــور األصـــلـــيـــة الـــتـــي ألـــهـــمـــت الـــفـــنـــان فـي أعماله؛ حيث حرص املر على أن يضع بجوار اللوحات داخـل القاعة الصور املرتبطة بها، ولكن لن يعثر املتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «ال أقدم نسخة منها وال أحاكيها، إنما أرســـم الـحـالـة الـتـي تضعني فيها الــصــورة، مــجــســدًا انــفــعــالــي بـــهـــا، وتــــأثــــري بـــهـــا، عبر أسلوبي الخاص». تــأتــي هـــذه األعـــمـــال كــجــزء مــن مـشـروع فني كبير بـــدأه الفنان منذ سـنـوات طويلة، وهـــــو املـــــــزج مــــا بــــن الـــتـــجـــريـــد الـــتـــصـــويـــري واملــــوضــــوعــــات ذات الـــطـــابـــع الـــعـــائـــلـــي، مـع االحـتـفـاء بالجماليات الهندسية، والـرمـوز الـتـراثـيـة، واالسـتـلـهـام مـن الــصــور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثرًا بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه. يقول: «بـدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حي عـــثـــرت ذات يـــــوم عـــلـــى كـــنـــز مــــن الــــصــــور فـي مجموعة صناديق كانت تحتفظ به األسـرة في مخزن داخل املنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها». هــذا «الـكـنـز» الـــذي عـثـر عليه املـر شكّل جـــــزءًا مــهــمــ مـــن ذاكــــرتــــه الــبــصــريــة ومـــؤثـــرًا وملهمًا حقيقيًا في أعماله، واملدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي ألول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بـالـسـودان، وأن يبرز دور والـده فـي مــشــواره الفني عبر هــذا املــعــرض؛ حيث يحتضن جــــدران الـغـالـيـري مجسمًا ضخمًا لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الــذي افتتحه والــده في الستينات من القرن املاضي. يــــقــــول: «أقــــنــــع والــــــــدي جــــــدي، بــإنــشــاء استوديو تصوير بمحل الحلقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز االســـتـــوديـــو مـــع غـــرفـــة مـظـلـمـة مـــن الـخـشـب لـلـتـحـمـيـض، وذلـــــك فـــي الـــجـــزء الــخــلــفــي من الدكان». وداخل املجسم تدفع املقتنيات الخاصة املـتـلـقـي لـلـتـفـاعـل مـــع ذكـــريـــات املــــر، واملــؤثــر الـفـنـي الــــذي شـكـل أعــمــالــه؛ مـــا يـجـعـلـه أكـثـر تـواصـاً، وتأثرًا بلوحات املعرض؛ فاملتلقي هـنـا يستكشف تـفـاصـيـل تـجـربـة الـــوالـــد في الــتــصــويــر، بـــل يـمـكـنـه الــتــقــاط صـــور لنفسه داخل محله القديم! وأثـــنـــاء ذلـــك أيـضـ يـتـعـرف عـلـى جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث املعدات، وهي التي تستخدم YASHIKA عبارة عن الكاميرا والـسـتـارة التي Enlarger و 621 أفــام مقاس تـعـمـل كـخـلـفـيـة وأدوات أخـــــرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «اســـتـــمـــر الــعــمــل ملــــدة ســنــة تــقــريــبــ ، وأغــلــق االستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة». «احــتــفــالــيــة الـــقـــرد والـــحـــمـــار» هـــو اســم «بوستال كـارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبـــابـــكـــيـــا، ويــجــســد مــشــهــدًا كــــان مـــوجـــودًا فـي الـشـارع املـصـري قديمًا؛ حيث يقدم أحد الفناني البسطاء عرضًا احتفاليًا بطله هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا املــلــصــق؛ وجــعــلــت اســـمـــه عــنــوانــ ملـعـرضـي؛ ألنه يجمع ما بي ملمح الجمال الخفي في مصر ما بي الفن الفطري، والسعادة ألكثر األسباب بساطة، وصخب املدن التي ال تنام». جدة: أسماء الغابري القاهرة: نادية عبد الحليم لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي) وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي) الفنان صالح المر (الشرق األوسط) صور تعكس الترابط األسري (الشرق األوسط) لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق األوسط) لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق األوسط) اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق األوسط)

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==