issue16816

المـــشـــهـــد أمـــامـــنـــا حـــافـــل بــالــتــفــاصــيــل فــــي المـلـعـب الــســوري، ومــا يتجلى فيه أمـــام الـعـيـون ليس هـو كل المشهد، ففي الخلفية امتدادات لا بد أن نستحضرها ونحن نحاول أن نفهم. مـــن بـــن هــــذه الامـــــتـــــدادات خـــطـــاب كــــان بـنـيـامـن نـتـنـيـاهـو، رئــيــس حـكـومـة الـتـطـرف فــي تــل أبــيــب، قد ألــقــاه أمـــام الجمعية الـعـامـة لـأمـم المـتـحـدة فــي أثـنـاء اجتماعاتها السنوية هـذه السنة. كـان الخطاب يوم سبتمبر (أيــلــول) المـاضـي، وفـيـه كــان نتنياهو قد 27 أمسك بخريطة في يـده، ثم راح يمرر أصابعه فوقها وهو يشير للحاضرين إلى مواقع يخوض بلده معارك فيها. كـانـت حـــرب الإبــــادة الـتـي تـقـودهـا حكومته على الفلسطينيي في قطاع غزة في ذروتها، وكان هو قد وقــف يـقـول إن الـحـرب ليست فـي الـقـطـاع وحـــده، كما قد يبدو الأمــر للوهلة الأولـــى، وإنما هي على خمس جـبـهـات أخــــرى بــخــاف جـبـهـة غــــزة. كــانــت الـجـبـهـات الخمس كالتالي كما ذكرها: جبهة أولى مع الحوثيي في اليمن، وجبهة ثانية مع الفلسطينيي في الضفة الــغــربــيــة، وجـبـهـة ثـالـثـة مـــع «حــــزب الـــلـــه» فـــي جـنـوب لبنان، وجبهة رابـعـة مـع جماعات موالية لإيـــران في سوريا، ثم جبهة خامسة وأخيرة في بلد الرافدين مع جماعات موالية لإيران أيضاً. ومــــن الـــواضـــح أنــــه خــــاض مـــن بــعــدهــا ويــخــوض حـربـ مـبـاشـرة عـلـى جـبـهـات غـــزة، والـضـفـة، وجـنـوب لــبــنــان. أمـــا عـلـى جبهتي ســوريــا والـــعـــراق، فـالـحـرب عليهما حــرب غير مباشرة أو شبه مـبـاشـرة. هــذا ما نـجـده إذا استرجعنا تصريحاً لـه قـبـل سـقـوط نظام حكم بـشـار الأســـد بــأيــام، أو تابعنا زيــارتــه مـع وزيـر دفاعه يسرائيل كاتس، إلى هضبة الجولان المحتلة في اليوم نفسه الذي سقط فيه الأسد. أما لماذا هي حرب مباشرة أو شبه مباشرة؟ فلن حــربــه عـلـى هـــذه الـجـبـهـة لـيـسـت مــع ســوريــا نفسها، ولكنها مع الوجود الإيراني فيها أو هكذا تظهر. ولا ينفصل عن هذا المعنى ما كان هو قد قاله في تصريحه قبل سقوط الأسد عندما حذر الحكومة في دمشق من الـلـعـب بـالـنـار، وعـنـدمـا قـــال صــراحــةً إن بـشـار سـوف يدفع ثمن هذا اللعب بالنار. ولم يكن المتابعون في حاجة إلى بذل جهد كبير ليتبينوا ما يقصده، وقد كان القصد أن سوريا يجب ألا تكون أرضاً لخطوط إمداد إيرانية إلى «حزب الله» في الجنوب اللبناني. كــانــت الـــدولـــة الـعـبـريـة تـعـمـل عـلـى أســــاس إبـعـاد الـنـفـوذ الإيـــرانـــي فــي المـنـطـقـة عــن حـــدودهـــا الشمالية مع الدولة السورية، وكـان من الواضح أن هذا لن يتم فــي وجـــود حـكـومـة الأســـد فــي دمــشــق، لأن ارتـبـاطـاتـه بــالــحــكــومــة الإيـــرانـــيـــة قــديــمــة ومــتــأصــلــة، حــتــى ولــو كــان قـد بــدا مـؤخـراً أنــه يـحـاول التخلص مـن السطوة الإيرانية عليه أو التخفف منها على الأقل. فالارتباطات متأصلة وممتدة من أيام الأسد الأب، وليس من السهل قطع الطريق عليها في يـوم وليلة، ولا بـد أن إسـقـاط حكومة الأســـد الابـــن بـهـذه الطريقة التي لم تستغرق أي وقت، كان وراءه عمل كبير جرى خلف الأستار والأبواب. فليس من الطبيعي أن يتوالى سقوط المُـدن السورية في أيـدي «هيئة تحرير الشام» بــهــذه الـــســـرعـــة، ولا مـــن الـطـبـيـعـي أن يـــبـــادر الـجـيـش السوري إلى تسليم كل مدينة تدخلها قوات الهيئة. وعندما ذهب أبو محمد الجولاني، رئيس «هيئة تحرير الشام»، إلى الجامع الأموي يوم سقوط حكومة الأســد، فإنه قـال كلماً كثيراً، ولكنّ جملةً واحــدة فيه كانت هي التي تخص تل أبيب. أما الجملة فهي أن من بي خطايا حكم الأسد أنه ترك سوريا نهباً للطماع الإيرانية. هذا معناه أنه لن يكرر هذا الأمر، ومعناه أن الزمن الــــذي كــانــت فـيـه الأراضـــــي الــســوريــة مــزرعــة لـأطـمـاع الإيرانية -على حد تعبيره- قد ولّى، وأن سوريا اليوم ليست سـوريـا التي تسمح بـوجـود إيـرانـي زائــد على أرضها. وهذا بالطبع مما يريح حكومة نتنياهو جداً، وهذا كذلك ما يقول لنا إن الحرب التي قصدها رئيس الحكومة الإسرائيلية وهو يتحدث عنها على الجبهة السورية، ليست من الضروري أن تكون حرباً بالمعنى التقليدي للحرب. يكفي أن تكون حرب إجـاء للوجود الإيراني في سوريا، ويكفي أن تكون الحكومة الجديدة في دمشق ذات توجه مختلف في هذا الموضوع. الـــحـــروب الــســت الــتــي تـكـلـم عـنـهـا أمــــام الجمعية العامة حروب جبهات متفرقة ومتنوعة، وإذا كان هذا التغير الــدرامــي على الجبهة الـسـوريـة واحـــداً منها، فالمعنى أنها حــروب ممتدة عبر الـزمـان والمـكـان معاً، وإذا كــان التغير الـــذي طــرأ على الجبهة الـسـوريـة قد لاحـــت بــــوادره بـعـد الـهـدنـة فــي جـنـوب لـبـنـان بيومي اثـــنـــن، فـلـيـس مـــن الـــواضـــح أي جـبـهـة ســــوف تنفتح عليها الحرب بعد الجبهة السورية، ولكن الأوضح أن نتنياهو يتحرك على الجبهات الست بنشوة عجيبة تُنسيه أن للشعوب فـي المنطقة رأيــ آخــر، وهــو ليس بــالــضــرورة رأي الـحـكـومـات الـتـي تقيم عــاقــات معه، وربــمــا تـكـون هـــذه هــي الجبهة الـسـابـعـة الأهــــم، التي يغفل عنها رئيسحكومة التطرف وهو يُعدّد جبهاته. وفقاً لشروحات أندريه لالاند، التي تطرقنا لبعضها في الأسبوع الماضي، فإن «العقل المُنشأ» بضم الميم، هو خلصة الحكمة والتجربة الاجتماعية، وهذا ما يسميه الناس عقلً. لفهم الفكرة، تأمل في مغزى إشارات الناس حي يقولون: «فلن عاقل»، أو يتحدثون عن «كلم عاقل»، أو «تصرف عقلني» وأمثال ذلك. مغزى هذا الكلم أن الناس يشيرون إلى رضاهم عن الشخص أو فعله أو قـولـه. لكن متى يرضى الـنـاس عن شخص... أليس حي يفعل شيئاً يُجاري فعلهم أو يقول مثل كلمهم، فـي محتواه أو شكله، أو حـن يلبس مثل لبسهم، أو يأكل مثل أكلهم... إلخ. لـتـعـرف الـــفـــرق... افــتــرض أن شخصاً لـبـس بنطالاً ممزقاً، مثل الذي يشيع لبسه بي الشباب اليوم، وذهب لمقابلة وزيـــر أو مـديـر كبير، فهل تتخيل أن الأشـخـاص المــســؤولــن عــن إدخـــالـــه وتــرتــيــب مـقـابـلـتـه، سيسمحون لــه بــالــدخــول؟ لمــــاذا لا يــعــدون الأمــــر طـبـيـعـيـ ، ويـقـولـون إن اللباس لا يـدل على صاحبه؟ الـجـواب ببساطة أنهم سـيـعـدونـه غـيـر عـقـانـي، لأنـــه لا يـلـتـزم بـأعـرافـهـم، أي لا يشبههم. بل يبدو شاذاً وغريباً. وربما يقولون إنه «غير لائق». لماذا يا ترى عدوه غير لائق بما يلبسه أو بهم، أو بالثقافة التي ينتمون إليها؟ - حسناً... ماذا عنك؟ لـــو كــنــت مـــدعـــواً لــلــقــاء شـخـصـيـة رفــيــعــة، بـــل حتى لمقابلة وظيفية، هل ستلبس الجينز الممزق أم ستختار الـــلـــبـــاس المـــتـــعـــارف فـــي الـــبـــلـــد... مـــا الـــــذي يـــدعـــوك لـهـذا الاختيار وليس ذاك؟ مسايرة الجماعة هي أبرز وظائف «العقل العملي». والـعـقـل الـعـمـلـي أبـــرز تـجـسـيـدات «الـعـقـل المُــنــشــأ». وفقاً لرؤية أندريه لالانـد، فإن الجانب الأعظم من عمل العقل مكرّس لترسيخ علقة الفرد بالمحيط الاجتماعي، وذلك باستلهام الثقافة والتجربة الاجتماعية، وتحويلها إلى قـواعـد سلوكية يتبعها الـفـرد بشكل عـفـوي. وعـلـى هذا الأســــاس يـتـحـول الــفــرد إلـــى «عــضــو» مـنـدمـج فــي البيئة الاجـتـمـاعـيـة. ومـــن الأمــثــلــة عـلـى هـــذا الأشـــخـــاص الـذيـن يـهـاجـرون إلــى بلد أجـنـبـي، فيجتهدون فـي تعلم لغته، وتقليد لهجة سكانه، حتى يصبحوا مثلهم تماماً، لأن الإنسان - بطبعه - لا يحب أن يفرز عن الجماعة، أو يعامل بوصفه شخصاً مختلفاً أو غريباً. لعلّ الشرح السابق يجيب أيضاً عن السؤال المتداول: لمــــــاذا يــلـــتـــزم قـــومـــنـــا بـــالـــطـــابـــور ونــــظــــام المـــــــرور ونــظــافــة الـــحـــدائـــق، حـــن يـــســـافـــرون إلــــى الـــبـــلـــدان الأجــنــبــيــة، ولا يفعلون مثل ذلك حي يكونون في بلدهم؟ تتعلق المسألة بفهم توقعات الآخرين، وتقديم الإنسان نفسه لهم على نحو يتماشى مع تلك التوقعات. لـــعـــلـــنـــا نــــاحــــظ هـــــــذا المـــــســـــار بـــــوضـــــوح فـــــي حـــالـــة المـهـاجـريـن إلــى مجتمعات أجنبية. لكنه يحصل - وإنْ لم تلحظه - في مجتمعك الخاص أيضاً. أنا وأنت نعمل من دون كلل لإقناع المجتمع المحيط بنا، بأننا مؤهلون لعضويته، كما نتجنب كل فعل يؤدي إلى انفصالنا عنه أو استبعادنا منه. كـــــــرّس أنـــــدريـــــه لالانـــــــد مـــعـــظـــم نـــقـــاشـــه عــــن «الـــعـــقـــل المُـــنـــشـــأ»، لـتـأكـيـد أن وظـيـفـتـه المــحــوريــة لـيـسـت صناعة الأفكار الجديدة، بل التواصل مع المحيط الاجتماعي بما فيه من بشر وأفـكـار وتوقعات. ينجز العقل هـذه المهمة باستلهام الثقافة السائدة، ثم إعادة إنتاجها على نحو يتقبله المحيط كـأن ذلـك دليل على كفاءة صاحبه. تبدأ هذه الممارسة في وقت مبكر نسبياً، لكنها تتصاعد عند نهايات مرحلة المراهقة وبـدايـة الـرجـولـة، ولا سيما في سن العمل. تفاعلت العقل في هـذه المرحلة، تسهم في إنشاء مـا نسميه «الـعـرف الـعـام» أو «عـــرف الـعـقـاء». ويشير مفهوم «العرف» إلى المتوسط العام لمواقف الجمهور، تــجــاه كــل قـضـيـة مــن الـقـضـايـا الــتــي تــبــرز عـلـى مسرح الــحــيــاة الــيــومــيــة. ولمــــن لا يــعــرف أهــمــيــة الـــعـــرف، فهو الـوسـيـلـة الـتـي تفسر وفـقـهـا تطبيقات الــقــانــون الـعـام وأحكام الشريعة. ولتفسيراته - في غالب الأحيان - قوة القانون. وقد اتخذ في الثقافة الغربية أساساً لتحديد ما يعد حقاً أو باطلً. هــذا ببساطة هـو «الـعـقـل المُـنـشـأ» بضم المـيـم، وهو يطابق - في رأيي - «العقل العملي» وفق التسمية القديمة. بـــعـــد أيـــــــام قــلــيــلــة يــنــتــهــي عــــــام لــيــبــدأ عــام جـديـد يـسـوده القلق لمعظم الـعـرب بما ينتظرهم مــن أحــــداث مـقـبـلـة. قـبـل عـــام كـان مــســتــحــيــاً تـــصـــور إمـــكـــانـــيـــة الـــقـــضـــاء عـلـى قـدرات «حـزب الله» وقياداته، واغتيال قادة «حـــــمـــــاس»؛ مــــن إســـمـــاعـــيـــل هــنــيــة ويــحــيــى الــســنــوار وغــيــرهــمــا، وتــحــويــل غـــزة إلـــى ما يشبه موقف سـيـارات، وكــان انهيار النظام فـــي ســــوريــــا، وفــــــرار الـــرئـــيـــس بـــشـــار الأســــد، ضرباً من الخيال. إلا أن هذا حصل وبسرعة فاقت تصور المـراقـبـن، وأصـبـح هناك واقـع جـــديـــد فـــي دول المــنــطــقــة، وإن كــــان مـمـلـوءاً بالفراغ والقلق لما سيحدث. مـا يمكن الـجـزم بـه هـو انتهاء مشروع المـمـانـعـة الــــذي دعـمـتـه إيـــــران مــــالاً وسـاحـ وتدريباً. وقد تلقّى محور المقاومة ضربات قاضية في لبنان وسوريا وفلسطي واليمن، وأصيب الناشطون والمناصرون الممانعون بصدمة كـبـيـرة؛ مـن هــول الانـهـيـار، والأكـثـر لـــعـــدم الــــقــــدرة عــلــى الــــــرد، كــمــا كــــان يَــعِــدهــم بــــه قــــادتــــهــــم. ولـــقـــد بــــــدأت عــمــلــيــة مــراجــعــة ونــــقــــد ذاتــــــــي ضـــمـــن الـــبـــيـــئـــات الـــحـــاضـــنـــة، ولـــو بـالـهـمـس، وكـثـر الـحـديـث عــن التسليم لسلطة الـدولـة الحاضنة العادلة والابتعاد عـن المـحـاور الإقليمية التي لا يهمّها سوى مصالحها، ولعلّ في هذا أمراً إيجابياً على الرغم من الدمار والقتل. ولكي لا يغرق الإنـسـان بالتفاؤل، فإن هناك مخاضاً عسيراً وطويلً قبل أن تستتبّ الأوضاع. فـ«حزب الله»، المنسحب إلى شمال نـهـر الـلـيـطـانـي، ســيــحــاول أن يـهـيـمـن بـقـوة سلحه على باقي الأراضي اللبنانية، ولكنه سيفشل، وإن بعد عــام مـن الــزمــن، لأسباب عدة؛ أولها أن اتفاق وقف إطلق النار يدعو إلـى تسليم سـاحـه؛ ليس فـي جنوب لبنان فحسب، بل في كامل الأراضي اللبنانية، وإلا فـــإن إسـرائـيـل سـتـكـون بـحِـل مــن شــن غـــارات جـــديـــدة تـصـيـب المـــــدن والمـــنـــاطـــق الـسـكـنـيـة. كـمـا أن إقــفــال الـــحـــدود مــع ســوريــا سيُوقف عمليات نقل السلح والدعم والتهريب الذي ساهم بتمويل الحزب بشكل كبير. وسيلعب الجيش اللبناني دوراً مهماً في فرضسلطة الدولة، بدلاً من الميليشيات. الوضع فيسوريا أكثر تعقيداً، فانتهاء حكم آل الأسد، الذي استمر لما يفوق خمسة عــقــود ونــصــف الــعــقــد، سـتـسـعـى فــلــولــه من العلويي بشتى الطرق لحماية امتيازاتهم، وقـــد يـقـومـون بـأعـمـال تخريبية وبـــث الفتن بــــن الـــفـــصـــائـــل الــــتــــي اســــتــــولــــت عـــلـــى حـكـم الـبـلـد، وخــاصــة أن هـنـاك الكثير مـمـا يفرق بـيـنـهـا. ويـعـتـقـد الـبـعـض أن هــنــاك اتـجـاهـ لدى البعض بالتحصن في الساحل وجبال الـــعـــلـــويـــن، وإقــــامــــة دولــــــة مــســتــقــلــة هـــنـــاك. وبــالــطــبــع هـــنـــاك تـــوجـــه مـــن الأكـــــــراد لإقــامــة دولتهم، والـــدروز كذلك. إلا أن قيام دويـات طـائـفـيـة كـــهـــذه مـسـتـبـعَـد، فـــدولـــة الـعـلـويـن ســـتـــكـــون مـــعـــزولـــة ولا تــمــلــك مــــن المـــقـــومـــات الاقتصادية مـا يمكّنها مـن الاسـتـمـرار، عدا عن الـشـروخ التاريخية ضمن الطائفة التي طغى عليها حافظ الأســـد، ولكنها مـا زالـت مـوجـودة كالجمر تحت الــرمــاد. أمــا الأكـــراد فـــعـــلـــى الــــرغــــم مــــن دعـــــم الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة وإسرائيل قيام دولتهم، فـإن هناك الحاجز الـتـركـي الـــذي لــن يقبل بــوجــود هـــذه الـدولـة وسيمنعها بكل ما أوتي من قوة. أما الدولة الـــدرزيـــة فـــإن الـــدعـــوة لـقـيـامـهـا تـشـمـل عـــدداً قــلــيــاً مـــن الــطــائــفــة. ويــبــقــى أن جـمـيـع هــذه التوجهات في سوريا ستؤدي إلى صراعات قد تستمر طويلً قبل أن تستقر. وتــــبــــقــــى الـــقـــضـــيـــة المــــــركــــــزيــــــة؛ قــضــيــة فلسطي، الأهـم لاستقرار المنطقة، فبوجود إسرائيل، بقيادة بنيامي نتنياهو وزمرته، لن تقوم دولة حقيقية للفلسطينيي ويتفاقم الـــاســـتـــقـــرار، ولـــكـــن نـتـنـيـاهـو لــيــس خــالــداً وســيــذهــب، عــاجــاً آم آجــــاً، وهــنــاك تعويل عــلــى دور إدارة الــرئــيــس المـنـتـخـب دونـــالــد ترمب بقيام الدولتي والتوصل إلى الاتفاق الإبراهيمي. ولــــكــــن تـــبـــقـــى أحـــــــــداث ســـــوريـــــا ســـيـــدة الأحداث، ولا بد من إلقاء نظرة على سلسلة المفاجآت التي أذهلت كل الأجهزة الأمنية في العالم. يمثل انهيار نظام بشار الأسد لحظة فــاصــلــة فـــي ســيــاســة الـــشـــرق الأوســـــــط. كــان التفكك السريع لحكومة الأسد؛ وهي اللعب الأسـاسـي فـي الـشـؤون السورية والإقليمية عاماً، لا يمكن تصوره بالنسبة 50 لأكثر من إلى الكثيرين، ومع ذلك فقد تحقق في أقل من أسبوعي، عندما اجتاحت قـوات المتمردين عليه الــبــاد. لا يعيد هـــذا الــحــدث الـزلـزالـي تــشــكــيــل الـــديـــنـــامـــيـــات الـــداخـــلـــيـــة لـــســـوريـــا فـــحـــســـب، بــــل يــمــهــد الـــطـــريـــق أيـــضـــ لمـرحـلـة جديدة من الجغرافيا السياسية الإقليمية. إن الــفــروق الـدقـيـقـة فــي سـقـوط الأســـد، وصـعـود تحالفات الــثــوار، والتفاعل المعقد بــــن الـــجـــهـــات الـــفـــاعـــلـــة المــحــلــيــة والـــعـــالمـــيـــة، تــســتــحــق فـــحـــصـــ أوثـــــــق لـــفـــهـــم الـــتـــحـــديـــات والإمــــكــــانــــات فـــي حــقــبــة مـــا بــعــد الأســـــد في سوريا. برزت «هيئة تحرير الشام» بصفتها قــوة محورية وراء الحملة التي أنهت حكم الأســــــد. انـتـقـلـت مـــن الـــجـــذور المــتــطــرفــة إلــى الـبـراغـمـاتـيـة الـسـيـاسـيـة. وُلــــدت الـهـيـئـة من فــــرع «تــنــظــيــم الـــقـــاعـــدة» الــــســــوري؛ «جـبـهـة النصرة». بمرور الوقت، نأى أحمد الشرع، المعروف بـ(أبو محمد الجولاني)، بالجماعة عن أصولها المتشددة، مؤكداً أجندة قومية وسعى إلى تصويرها بديلً موثوقاً لنظام الأســـــد. مــنــذ انــتــصــارهــا، أعــطــت المـجـمـوعـة صـــورة للبراغماتية والاعـــتـــدال، على الأقــل، مــــقــــارنــــة بـــالـــفـــصـــائـــل الإســــامــــيــــة الأخـــــــرى، خصوصاً فيما يتعلق بالتدابير التي تهدف إلـــــى حـــمـــايـــة حـــقـــوق الأقــــلــــيــــات، والــــحــــد مـن العنف الـعـشـوائـي، وإنــشــاء هياكل حوكمة فـــي المـــنـــاطـــق الــخــاضــعــة لــســيــطــرة الـهـيـئـة. على الرغم من هذه الوقائع، لا تزال الشكوك حول النيات الحقيقية للمجموعة منتشرة. وتبقى الأيام كفيلة بتبديد هذه الغيوم. OPINION الرأي 12 Issue 16816 - العدد Thursday - 2024/12/12 الخميس العقل العملي الجبهة السابعة أهم صراعات متنقلة تهدد المنطقة قبل استقرارها! وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com هدى الحسيني توفيق السيف سليمان جودة

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky