issue16808
الثقافة CULTURE 18 Issue 16808 - العدد Wednesday - 2024/12/4 الأربعاء ماريو فارغاسيوسا علىالمحك أمثولات من تولستوي قرأت «الحرب والسلم» للمرة الأولى منذ ما ينوف على خمسين عاماً، في مجلد واحد صادر عن دار «بلياد»، خلال أول عطلة تمتعت بها عندما كنت أعمل فـي وكـالـة الصحافة الفرنسية. يومها كنت منكبّاً على كتابة روايتي الأولى، ومسكوناً بفكرة مفادها أن الكمية فــي الـــروايـــة، بــخــ ف غـيـرهـا مــن ضــــروب الأدب، هــي مــن العناصر الأساسية للنوعية، وأن الــروايــات الكبرى هـي طويلة لأنها تتسع لعدد كبير من المشاهد التي تعطي الانطباع بأنها ترسم لوحة كاملة لحياة البشر وما تزخر به من وقائع وتجارب. وقد بدت لي رواية تولستوي تأكيداً راسخاً لتلك النظرية. من بداياتها الخفيفة بين النبلاء الذين يتحدثون بالفرنسية أكثر من الروسية في صالونات موسكو وسانت بطرسبرغ المخملية، تتدرج الوقائع وتنداح الأحداث في طول المجتمع الروسي المعقد وعرضه، بطبقاته وفئاته الـتـي لا حصر لـهـا، مـن أمـــراء وكـبـار الضباط إلى الخدم والفلاحين، مروراً بالتجار والعازبات اللاهثات وراء الزواج، ورجال الدين والمحتالين الظرفاء، والجنود والفنانين والوصوليين والمتصوفين، حتى يشعر القارئ بـالـدوار أمـام هـذه اللوحة الأدبية التي تضمّ كل أنواع الجنس البشري الممكنة. مـــا بــقــي مــحــفــوراً فـــي ذاكـــرتـــي مـــن تــلــك الــــروايــــة الـضـخـمـة هي المعارك، ومآثر الجنرال كوتوزوف الذي كان يوقع الهزائم المتتالية بـــقـــوات نــابـلــيــون الـــغـــازيـــة، إلــــى أن تــمــكــن، بـفـضـل الــشــتــاء الـقـاسـي والـجـوع والـثـلـوج، مـن القضاء عليها. وكنت مخطئاً فـي اعتقادي أنـــه يـمـكـن تـلـخـيـص «الـــحـــرب والــســلــم» فــي جـمـلـة واحـــــدة هــي أنـهـا جدارية ملحمية ضخمة ترسم لنا كيف تمكّن الشعب الروسي من وأد المطامع الإمبريالية لنابليون بونابرت «عدو البشرية»، والدفاع عن سيادته، أي إنها رواية قومية وعسكرية تمجّد الحرب وتقاليد الروس وبطولاتهم. لكنني أتـبـّ الــيــوم، بعد قــراءتــي الثانية لـهـذه الــروايــة، أنني كنت على خطأ، وأنها لا تستهدف تصوير الحرب بوصفها تجربة تصهر إرادة الشعوب وشخصيتها وعظمة الـــدول، بل تعرض لنا فظائع الـحـروب، وتـبـّ فـي كـل معركة، خصوصاً فـي ذلـك الوصف المذهل لانتصار نابليون في أوسترليتز، ما تخلّفه من مجازر رهيبة ومظالم وعــذابــات فـي حـق الـنـاس الـعـاديـ الـذيـن يشكلون غالبية ضـحـايـاهـا، وتسلط الـضـوء على حماقة وإجــــرام الـذيـن يتسببون فيها تحت شعارات الكرامة والشرف والوطنية والقيم الحضارية التي تفقد كل معانيها تحت دويّ المدافع وقرقعة السلاح. إنها رواية سلم أكثر منها روايـة حرب وشغف بتاريخ روسيا وثقافتها التي لا تمجّد الحرب والغضب بقدر ما تدعو إلى التأمل والشك والسعي وراء الحقيقة وفعل الخير كما يتجسّد في شخصية بطل الرواية «بيار بيزوغوف». ورغــم بعض الشوائب فـي الترجمة الإسبانية التي بـ يـديّ، لـيـس هــنــاك مـــا يـحـجـب مـــن عـبـقـريـة تـولـسـتـوي فـيـمـا يـــســـرده على صفحاته، وأكثر فيما يضمره ويلمّح إليه. في صمته دائماً بلاغة وفصاحة، وتحفيز لفضول القارئ الذي يتعلّق بحبال النصمتلهفاً ليعرف ما إذا كان «الأمير أندريه» سيبوح بحبه لـ«نتاشا»، أو إذا كـــان الـــزفـــاف المـــوعـــود سـيـحـصـل، أو هــل سيفلح «الأمـــيـــر نـيـكـولاي أندريفيتش» فـي إفشاله؟ كـل فصول الـروايـة تنتهي تـاركـةً القارئ على ظمأ معرفة خواتيمها، أو يتعمّد الكاتب فيها حجب معلومات حاسمة بهدف المحافظة على شد الانتباه واليقظة. ومن المدهش أن روايــة بهذه الضخامة والتنوع والـعـدد الكبير من الشخصيات، لا تخرج أبــداً عن سيطرة صانعها الــذي يــدوزن بحكمة فائقة الوقت الـــذي يخصصه لـكـل مـنـهـا، مــن غـيـر أن يهمل أحــــداً، وتــبــدو كأنها الحياة في سكونها طوراً، وآخر في صخبها، وفي الحالتين جرعات يومية من الفرح والعذاب والحب والأحلام والخيال. فــي هـــذه الـــقـــراءة الـثـانـيـة تـنـبّـهـت لأمـــر غـــاب عـنـي فــي الــقــراءة الأولى، وهو أن البعد الروحاني في الرواية أهمّ بكثير مما يحصل فـي الصالونات أو سـاحـات القتال. الفلسفة، والـديـن، والبحث عن الـحـقـيـقـة الــتــي تـسـمـح بـالـتـمـيـيـز الـــواضـــح بـــ الـخـيـر والـــشـــر، هي شواغل أساسية عند الشخصيات الرئيسية، بمن فيهم كبار القادة العسكريين مثل «الجنرال كوتزوف» الذي أمضى حياته في المعارك التي يحمل آثار الجراح التي أصابته خلالها، كذلك الذي تركته على وجهه رصاصة تركية، لكنه حريص على الأخلاق، لا يحمل حقداً أو ضغينة، كأنما التحق بالجيش لأنه لم يكن أمامه خيار آخـر، وأنه يميل إلى تمضية وقته بالشؤون الفكرية والروحانية. ورغـــم فظاعة الأحـــداث الـتـي تحصل فـي هــذا الــروايــة وهولها، أشك في أن القارئ يخرج حزيناً أو متشائماً في نهايتها، لا بل إنها تترك لدينا الإحساس بأن الحياة، رغم مصائبها ومشقاتها، فيها أخيار أكثر من الأشــرار، وبهجة وسعادة أكثر من المـرارة والمعاناة، وأن البشرية تنزع عنها، مع مرور الوقت وغالباً بطريقة غير مرئية، أدرانها القبيحة والسيئة. أعتقد أن «الحرب والسلم» هي مأثرة تولستوي الكبرى، كما كان «الكيخوتي» لسرفانتيس، و«الكوميديا البشرية» لبالزاك، و«أوليفر تويست» لديكنز، و«البؤساء» لفكتور هوغو، و«السيرة الجنوبية» لفوكنير؛ رغم أنهم يغوصون بنا عبر رواياتهم في كهوف الإنسان المظلمة وأبشع نزواته، يفلحون في إقناعنا بأن الحياة أجمل بكثير وأغنى من صغائرها والبؤس الذي يعترضها من حين لآخر، وأنها في جملة القول وهـدوء التأمل، تستحق أن نعيشها، ليس فقط في الواقع، بل أيضاً في الخيال بواسطة الروايات الكبرى. يبقى عندي فـي نهاية هـذا المـقـال ســؤال لا أكــفّ عـن مطارحته نفسي منذ اليوم الذي علمت به: كيف أن جائزة نوبل الأولى للآداب أُعطيت لسولي برودهوم وليس لمنافسه تولستوي؟ ألم يكن واضحاً يــومــذاك، كما هـو جـلـيّ الـيـوم، أن «الـحـرب والـسـلـم» هـي واحـــدة من المعجزات النادرة في عالم الأدب التي لا يجود التاريخ بمثلها سوى من قرن لآخر؟ تشهد لتعدّدية ثقافية تعكس وجهها الدولي برزت في أعمال فنانين عرب وأجانب لُقى «سمهرم» في محافظة ظُفار الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ تحوي سلطنة عمان سلسلة من المواقع الأثـــــريـــــة تــــتــــوزع عـــلـــى قـــطـــاعـــات مـــتـــفـــرقـــة مـن أراضيها الواسعة. بدأ استكشاف هذه المواقع بشكل علمي في مطلع الخمسينات من القرن المـاضـي، إذ أنجزت بعثة أميركية أول حفرية فـــي خــــور مـــن أخـــــوار ســـاحـــل مـحـافـظـة ظــفــار، يُعرف محلياً باسم «خور روري». كشفت هذه الحفرية عـن قلعة مستطيلة مدعّمة بـأبـراج، شُـــيّـــدت بـالـحـجـارة عـلـى جـبـل منخفض يطل على هذا الخور، وحملت اسم «سمهرم» باللغة الـعـربـيـة الـجـنـوبـيـة الــقــديــمــة، وتـــبـــّ أن هـذه القلعة كانت من أهم المواني في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية التي لعبت دوراً كبيراً فـــي تـــجـــارة الــلــبــان الـــدولـــيـــة. اســتــمــرّت أعـمـال التنقيب في هـذا الموقع خـ ل العقود التالية، وكشفت عن مجموعة من اللقى تشهد لتعدّدية ثقافية تعكس الـوجـه الــدولــي الـــذي عُـرقـت به سمهرم في الماضي. تـقـع سـلـطـنـة عُـــمـــان فـــي الـــربـــع الـجـنـوبـي الـشـرقـي مــن شـبـه الــجــزيــرة الـعـربـيـة، يـحـدّهـا خليج عُـمـان مـن الـشـمـال والــشــرق، وتطوّقها الـكـثـبـان الـرمـلـيـة مــن الــجــنــوب، مــمّــا يجعلها أشــبــه بـجـزيـرة بــ الــصــحــراء والــبــحــر. تضمّ هذه الجزيرة الشاسعة إحدى عشرة محافظة، مــنــهــا مــحــافــظــة ظـــفـــار الـــتـــي تـــقـــع فــــي أقــصــى الجنوب، وعاصمتها مدينة صلالة التي تبعد كيلومتر. تبدو ظفار 1000 عن مسقط بنحو فــي الـظـاهـر مـعـزولـة عــن شـمـال عُــمــان بــأرض قاحلة، غير أنها تشاركه في الكثير من أوجه الشبه، كما يشهد تاريخها الموغل في القدم، حيث عُرفت بأرض اللبان، واشتهرت بتصدير هذا المورد النباتي في العالم القديم، وشكّلت بـوابـة عُـمـان الضخمة المفتوحة على المحيط الهندي حلقة الوصل بينها وبين ساحل شرق أفريقيا. برزت تجارة اللبان بشكل خاص منذ منتصف الألـــف الأول قبل المـيـ د، كما تشهد مؤلفات كبار الجغرافيين اليونانيين، وتؤكد هـذه المؤلفات أن اللبان كـان يُنتج داخــل هذه البلاد، ويُجمع في ميناءين يقعان على ساحل يُعرف باسم «موشكا ليمن»، ومـن هناك كان يُــشــحــن بـالـسـفـن شـــرقـــ إلــــى الــهــنــد والـخـلـيـج الــعــربــي، وغــربــ نـحـو مـيـنـاء قـنـا عـلـى ساحل بحر العرب. زار الـرحـالـة البريطاني جيمس ثيودور بنيت سـاحـل ظـفـار فــي نـهـايـة الــقــرن التاسع ، وبعد 1897 عــشــر، وقــضــى بــــداء المـــ ريـــا فــي رحـيـلـه، نـشـرت زوجـتـه ومـرافـقـتـه فـي رحلاته ،1900 كــتــاب «جــنــوب الــجــزيــرة الـعـربـيـة» فــي الـــــذي حــــوى وصـــفـــ لمـــوقـــع «خـــــور روري» في سـاحـل ظــفــار، ويُــعــد هـــذا الــوصــف أول تقرير مـيـدانـي خـــاص بـهـذا المـــوقـــع. اسـتـنـد الـرحـالـة البريطاني في بحثه الميداني إلى دليل ملاحة يعود على الأرجــح إلـى منتصف القرن الأول، يُعرف باسم «الطواف حول البحر الإريتري». و«الـبـحـر الإريــتــري» هـي التسمية الـتـي عُـرف بها خليج عدن، وشملت البحر الأحمر الحالي والخليجين العربي والهندي. ذكر صاحب هذا الدليل ميناء «موشكا ليمن»، ونسبه إلى ملك من جنوب الجزيرة العربية يُدعى إليازوس، ورأى جيمس ثيودور بنيت أن هذا الميناء يقع في «خور روري»، وأثارت هذه القراءة الميدانية البحّاثة العاملين في هذا الحقل. تـولّـت بعثة أميركية مهمة التنقيب في ،1950 هــذا المـوقـع بشكل مـتـواصـل خــ ل عــام وعـــــــــاودت الـــعـــمـــل لـــفـــتـــرة قـــصـــيـــرة خـــــ ل عـــام ، وتبّ أن الموقع يضمّ قلعة حملت اسم 1962 ســمــهــرم، شــيّــدهــا مـلـك مـــن مــلــوك حـضـرمـوت في تاريخ غير محدد، كما يؤكّد نقش كتابي كُـــشـــف عـــنـــه فــــي هـــــذا المـــــوقـــــع. تـــبـــنّـــت الـبـعـثـة الأميركية قـراءة جيمس ثيودور بنيت، ورأت أن سمهرم هي «موشكا ليمن»، وحُددت هوية المـــلـــك «إلـــــيـــــازوس» عــلــى ضــــوء هــــذه الــــقــــراءة، وهــو ملك يَـــرِد ذكــره بشكل مشابه فـي نقوش تعود إلــى أكـسـوم فـي الحبشة. قيل إن ميناء ســمــهــرم واصــــل نــشــاطــه مـــن الـــقـــرن الأول إلــى الــقــرن الـثـالـث لـلـمـيـ د، كـمـا تـوحـي الكتابات المنقوشة واللّقى التي عُثر عليها في الموقع، غير أن الأبحاث اللاحقة أثبتت أن هذه القراءة تـــحـــتـــاج إلـــــى المــــراجــــعــــة. تــــولّــــت بــعــثــة تــابــعــة لجامعة بـيـزا مهمة مـواصـلـة البحث فـي هذا ، ونـشـرت تباعاً تقارير 1997 المـوقـع منذ عــام رصدت اكتشافاتها، وأظهرت الدراسات التي رافقت هذه التقارير أن ميناء سمهرم شُيّد في نهاية القرن الثالث قبل المـيـ د، بالتزامن مع نشوء التجارة البحرية وتطوّرها في المحيط الهندي، وقبل وصول الرومان إلى مصر بزمن طويل، ولم يُهجر قبل القرن الخامس للميلاد، حين تراجع نشاطه تدريجياً مع اندحار مملكة حـــضـــرمـــوت، وخـــضـــوعـــهـــا لمـــلـــوك حــمــيــر بـعـد سلسلة من الحروب في القرن الرابع للميلاد. منذ نشوئه، تميّز ميناء سمهرم بطابع «كوسموبوليتي»، كما تشهد القطع الفخارية المتعدّدة المصادر التي عُثر عليها بين أطلاله. خـ ل تاريخه الــذي دام عـدة قـــرون، نسج هذا المـــيـــنـــاء كــمــا يـــبـــدو عـــ قـــات مـتـيـنـة مـــع سـائـر أنــــحــــاء الـــعـــالـــم الـــقـــديـــم، مــــن حـــضـــرمـــوت إلـــى قتبان فـي جـنـوب جـزيـرة الــعــرب، إلــى أكسوم فـي الحبشة، ومــن الخليج الـعـربـي إلــى آسيا ومــصــر وســـواحـــل الـبـحـر الأبـــيـــض المـتـوسـط. فـي هــذا المـوقـع، عـثـرت البعثة الأميركية على تمثال هندي صغير من البرونز، يبلغ طوله سـنـتـيـمـتـرات، وهـــو مــن مـحـفـوظـات متحف 8 فنون آسيا التابع لمؤسسة «سميثسونيان» فـــي واشــنــطــن. يُـمـثـل هـــذا الـتـمـثـال الــــذي فقد رأســـه وذراعــــه الـيـسـرى امـــرأة تـلـوي خصرها، وتثني ساقها اليسرى خلف ساقها اليمنى. تُميل هــذه الـراقـصـة وركـيـهـا وتحني كتفيها إلـــى الـجـهـة الـيـمـنـى، ويـتـمـيّـز لباسها المحلّي بحلله المـتـعـددة، ومنها حــزام عريض يحوي أربعة صفوف من الدرر، وقطعة قماش تنسدل من طرف هذا الحزام على الفخذ الأيمن، وثلاث قلائد من الــدرر تلتف حـول الرقبة. صيغ هذا الــتــمــثــال وفـــقـــ لـــنـــامـــوس الــجــمــالــيــة الـهـنـديـة ويُــجــسّــد كـمـا يـبـدو سـيـدة الـشـجـر فــي العالم الــهــنــدي. كـذلـك عـثـرت البعثة الإيـطـالـيـة على قطعة مما تُعرف بـ«عملة كوشان» تحمل اسم كانيشكا، ملك كـابـل وكشمير وشـمـال غربي الهند. ونقع على مجموعة من الكسور واللّقى الصغرى تعكس هــذا الأثـــر الهندي الـــذي برز بشكل خاص في سمهرم. فــــي المـــقـــابـــل، يــظــهــر أثـــــر حـــضـــرمـــوت فـي مجموعات أخرى من اللّقى، منها المسكوكات، والأواني المتعددة، والأنصاب الحجرية المزينة بالنقوش الـحـجـريـة. مـن هــذه الأنــصــاب يبرز حجر مستطيل يحمل نقشاً يـصـوّر ثـــوراً في وضعية جانبية، مع كتابة تسمّيه، بقي جزء منها فحسب. تُماثل هذه القطعة في تأليفها الكثير من القطع التي خرجت من نواحٍ متعددة من جنوب الجزيرة العربية، وهي على الأغلب من القطع التي تحمل في العادة طابعاً دينياً. في هـذا المـيـدان، تحضر مجموعة من المجامر الحجرية تتميز بنقوشها التزيينية الجميلة. تحمل هذا المجموعة طابعاً جامعاً، كما أنها تحمل في بعض الأحيان طابعاً محلياً خاصاً، وتحتاج إلى دراسة مستقلّة خاصة بها. يعد التغير المناخي من المواضيع المُقلقة والمــهــمــة عــالمــيــ ، وهــــو مـــن المــلــفــات الـرئـيـسـيـة التي توليها الـدول أهمية كبرى، حيث تظهر حـاجـة عالمية وشـامـلـة واتــفــاق شبه كُـلّـي من دول العالم على أهمية الالتزام بقضايا التغير المناخي والاستدامة لحماية كوكبنا للأجيال القادمة. هــــذه الــقــضــيــة المــهــمــة عـــبّـــر عـنـهـا بعض الفنانين الـذيـن استخدموا الفن لرفع الوعي بــالــقــضــايــا الــبــيــئــيــة. حــيــث كــــان الـــفـــن إحـــدى وســـائـــل نــشــطــاء الـبـيـئـة لـلـتـعـريـف والـتـأثـيـر فــــي قـــضـــايـــا المــــنــــاخ والاحــــتــــبــــاس الـــــحـــــراري، لاعـــتـــقـــادهـــم أن الـــحـــقـــائـــق الــعــلــمــيــة وحـــدهـــا قـــد تــكــون غــيــر كــافــيــة، ولأهــمــيــة الــتــأثــيــر في العاطفة، وهو ما يمكن للفن عمله. ومـــــن فـــنـــانـــي الـــبـــيـــئـــة الـــعـــالمـــيـــ الــفــنــان الــدنــمــاركــي أولافـــــور إيــلــيــاســون، الــــذي عيّنه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سفيراً للنوايا الـحـسـنـة لـلـطـاقـة المــتــجــددة والــعــمــل المـنـاخـي م، حــيــث تـــركـــز أعـــمـــالـــه المــعــاصــرة 2019 عــــام والتفاعلية على التعبير عن ظواهر الاحتباس الـــحـــراري، وكـــان أحــد أشـهـر أعـمـالـه «مـشـروع الطقس» الذي عُرض في متحف «تيت مودرن» في لندن، وجذب أعـداداً هائلة من الجماهير، إذ هــــدف هــــذا الــعــمــل الـتـفـاعـلـي إلــــى الإيــحــاء للمشاهدين باقترابهم من الشمس، ولتعزيز الــرســالــة البيئية لـهـذا الـعـمـل ضـمّـن كتالوج المـعـرض مـقـالات وتـقـاريـر عـن أحـــداث الطقس المتغيرة. المناخ والبيئة إن التعبير عن قضايا المناخ والبيئة نجده كذلك في الفن التشكيلي السعودي، وهـــــو لـــيـــس بـــمـــســـتـــغـــرب، حـــيـــث يـــعـــد هـــذا الاهتمام البيئي انعكاساً لحرص واهتمام حكومة المملكة بـهـذه القضية، والتزامها الراسخ في مواجهة مشكلة التغير المناخي، حيث صادقت المملكة على اتفاقية باريس ، وهو أول اتفاق 2016 لتغير المناخ في عام عـــالمـــي بـــشـــأن المـــنـــاخ. كــمــا أطــلــقــت المـمـلـكـة مبادرتَي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، لتسريع العمل المناخي وحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وهـــو مــا يجعل الـفـرصـة مـواتـيـة للفنانين الـــســـعـــوديـــ لــلــمــشــاركــة بــشــكــل أكـــبـــر فـي التعبير عـن القضايا البيئية، مما يسهم في عكسجهود المملكة تجاه هذه القضايا ومشاركة الجمهور في الحوار حولها. فــعــلــى ســبــيــل المــــثــــال، عـــبّـــرت الـفـنـانـة التشكيلية مـنـال الـضـويـان عـن البيئة في م، في معرض 2020 عمل شهير أنتجته عام في مدينة العلا، بعنوان «يا DESERT-X تُـرى هل تـرانـي؟»، حيث كـان العمل عبارة عـــن مــنــصــات تـفـاعـلـيـة لـلـقـفـز فـــي صــحــراء الـــعـــ ، فـــي إيـــحـــاء غـيـر مـبـاشـر بــالــواحــات الــصــحــراويــة والـــبِـــرَك المـائـيـة الــتــي تتكون فـي الـصـحـراء بعد مـوسـم الأمــطــار، لكنها اختفت نتيجة للتغير المناخي والـري غير المــــســــؤول، وتـــأثـــيـــره الـبـيـئـي فـــي الطبيعة من خـ ل شح المياه واختفاء الـواحـات في المملكة. الفن البيئي كما نجد الفن البيئي بشكل واضــح في أعمال الفنانة التشكيلية زهرة الغامدي التي ركـــــزت فـــي تـعـبـيـرهـا الــفــنــي عــلــى المــواضــيــع البيئية مــن خـــ ل خــامــات الأرض المستمدة مـــن الـبـيـئـة المـحـلـيـة؛ مـثـل الـــرمـــال والأحـــجـــار والـــجـــلـــود والـــنـــبـــاتـــات المــــأخــــوذة مـــن الـبـيـئـة الــــصــــحــــراويــــة كــــالــــشــــوك والــــطــــلــــح، وكــيــفــيــة تـــحـــولـــهـــا نـــتـــيـــجـــة الــــعــــوامــــل المــــــؤثــــــرة فـيـهـا كـالـجـفـاف والـتـصـحـر والـتـلـوث الـبـيـئـي، كما في عملها «كوكب يختنق؟» الذي استخدمت فيه أغصان الأشجار المتيبسة وبقايا خامات بلاستيكية، لمـواجـهـة المتلقي والمـشـاهـد بما يمكن أن تُحدثه ممارسات الإنسان من تأثير بيئي سلبي، وللتذكير بالمسؤولية المشتركة لحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة. إن الفن البيئي لدى زهرة الغامدي يتمثل فـي نقل المكونات الطبيعية لــ رض والبيئة المـحـلـيـة وإعـــــادة تشكيلها فــي قـاعـة الـعـرض بأسلوب شاعري يستدعي المتلقي للانغماس فـــي الــعــمــل الــفــنــي والـطـبـيـعـة والـــشـــعـــور بها والـتـفـاعـل معها لـتـعـزيـز الارتـــبـــاط بـــالأرض، فمن خلال إعادة تشكيل هذه الخامات البيئية يتأكد التجذر بالأرض والوطن والارتباط به. وقد نجد التعبير عن المواضيع البيئية أكــــثــــر لــــــدى الــتــشــكــيــلــيــات الــــســــعــــوديــــات مـن زملائهن من الرجال، وقد يكون ذلك طبيعياً نتيجة حساسية المرأة واهتمامها بمثل هذه الــقــضــايــا. وهـــو مـــا يـثـبـتـه بـعـض الـــدراســـات العلمية؛ إذ حسب دراســة من برنامج «ييل» لــلــتــواصــل بـــشـــأن الـتـغـيـر المـــنـــاخـــي، بـعـنـوان «اختلافات الجنسين في فهم التغير المناخي» تظهر المـرأة أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالبيئة، كما أن للنساء آراء ومعتقدات أقــوى مؤيدة للمناخ وتــصــورات أعـلـى للمخاطر الناتجة عـن التغيرات المناخية، وقــد فسر الباحثون هــــذه الاخـــتـــ فـــات بــأنــهــا نـتـيـجـة اخــتــ فــات التنشئة الاجتماعية بـ الجنسين، والقيم الـنـاتـجـة عــن ذلـــك كـالإيـثـار والـرحـمـة وإدراك المخاطر. ومـــع أن الــفــن اســتُــخــدم كـثـيـراً للتوعية بالقضايا البيئية، إلا أن بعض نشطاء البيئة حــــول الــعــالــم اســتــخــدمــوه بـطـريـقـة مختلفة لــلــفــت الـــنـــظـــر حـــــول مـــطـــالـــبـــهـــم، مـــثـــل أعـــمـــال الـشـغـب والـتـخـريـب لأهـــم الأعــمــال الفنية في المتاحف العالمية، وقد استهدف بعض هؤلاء الـنـاشـطـ أشــهــر الأعـــمـــال الـفـنـيـة الــتــي تعد أيقونات عالمية كلوحة «دوار الشمس» لفان غوخ، ولوحتي «الموناليزا» و«العشاء الأخير» لـدافـنـشـي. تـخـريـب هـــذه الأعــمــال لـيـس لأنها مناهضة للبيئة بـقـدر مــا هــي مـحـاولـة لفت النظر نحو قضاياهم، لكن لتحقيق التغيير المطلوب، أيهما أجدى، التعبير الإيجابي من خلال الفن، أم السلبي من خلال تخريبه؟ إن الـفـن التشكيلي لـيـس مـجـرد وسيلة للتعبير، بل له دور حاسم ومؤثر في تشكيل الوعي بالقضايا البيئية، فهو يدعو لإعـادة التفكير في علاقتنا بها، والعمل معاً لمستقبل أكـــثـــر اســـتـــدامـــة. إضــــافــــةً إلــــى دوره بصفته مـــوروثـــ ثـقـافـيـ لــ جــيــال المـقـبـلـة، إذ يسجل تجربتنا في مواجهة هذا التحدي العالمي. * كاتبة وناقدة سعودية محمود الزيباوي د. جواهر بن الأمير كشف أثري عن مدينة «سمهرم» بعمان يبيّن أنها كانت من أهم الموانئ بجنوب شرقيشبه الجزيرة العربية التي لعبت دوراً كبيراً في تجارة اللبان الدولية
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky