issue16807
سوريا رقم صحيح في معادلة استقرار الشرق الأوسط، بـوابـة الـحـرب والـسـ م، حـاضـرة دائـمـا فـي سجلات التاريخ، تصدعت جدرانها في مراحل معينة، وكثيراً ما كانت تصمد في مواجهة العواصف وتعبر بسلام. وبعيداً عن التاريخ الغني والممتد للأمة السورية، فإن ســوريــا المــعــاصــرة خـاضـت أكـثـر مــن حـــرب فــي الــوقــت نفسه، حرب استقلال، وحرب بناء الدولة الحديثة، وما تخللتها من صراعات وانقلابات، صعوداً وهبوطا. حــــاضــــرة دائــــمــــا حـــــول المــــائــــدة الـــعـــربـــيـــة، فـــهـــي الـعـضـو المؤسس لجامعة الـدول العربية، والعضو الفاعل في منظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى وجودها المؤثر على المسرح الدولي، خصوصا أن وجود إسرائيل، الحاضنة الغربية في فلسطين، أعـطـى الـجـغـرافـيـا الــســوريــة حــضــوراً فــي الـسـيـاسـة الـعـالمـيـة، وجــعــل مـنـهـا بـــوابـــة لـلـعـواصـف والأعـــاصـــيـــر، والاشــتــبــاكــات الدولية، وكما هو معروف تشكل خط الدفاع الأول عن الإقليم العربي، ولــذا فـإن أي إصابة في الجسد الـسـوري، سيتداعى لــه سـائـر أعــضــاء الـجـسـد الـعـربـي. اللحظة فـاصـلـة وكـاشـفـة، ورسائلها غامضة، في توقيت واضــح، فما تشهده الساحة الـسـوريـة الآن، مـن عـــودة التنظيمات والـجـمـاعـات الإرهـابـيـة المــدعــومــة مــن قـــوى إقليمية ودولـــيـــة، أمـــر يـحـتـاج إلـــى قـــراءة متأنية، فمن الـواضـح أن هناك رهانا على أن سوريا لا تزال هشة وقابلة لاستعادة مفهوم ما يسمى «الربيع»، في طبعته الـثـانـيـة، ومـــن ثــم قــد تتسع هـــذه الـطـبـعـة لتمتد إلـــى خـرائـط عربية أخرى، ربما هكذا قد يفكر الجالسون في المختبرات. ثمة إشـــارة أخـــرى قـد تـكـون أكـثـر دلالـــة، وهــي أن انــدلاع المعارك في شمال سوريا ضد الدولة السورية، جاء عقب إعلان قــرار وقـف إطــ ق الـنـار فـي لبنان، وهنا تتحدث الجغرافيا، في عقول المخططين، فقد كان لافتا أن يجتمع رئيس الـوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومجلس الـحـرب المصغر في إسـرائـيـل، لـدراسـة مـا يـجـري فـي سـوريـا، ومعرفة مــدى الأثـر عــلــى إســـرائـــيـــل، وكـــــان نـتـنـيـاهـو قـــد هــــدد الــرئــيــس الـــســـوري بالفوضى في سوريا، وذلك عقب إعلان وقف إطلاق النار، ولم تمر ساعات إلا وقد وقعت المعارك في الشمال السوري، سواء في إدلب، أو حلب، أو حمص. الـتـوقـيـت يـــــزداد وضـــوحـــا، خـصـوصـا أن بـعـض الـقـوى الإقليمية الموقعة على «اتـفـاق أستانة» العاصمة الكازاخية ، لخفض التصعيد، سارع إلى إلقاء اللوم على العاصمة 2018 دمشق، بأنها كسرت بنود هذا الاتفاق، عندما أرادت أن تمد نفوذها السياسي إلى كامل الأراضي السورية. ثمة رسـالـة أخـــرى فـي أن إيـــران تسحب خيوطها ببطء من الساحة السورية، فحاولت الجماعات الإرهابية ملء هذا الـــفـــراغ لـصـالـح قـــوى أخــــرى، وهــنــاك روســيــا الـــدولـــة الـداعـمـة لـسـوريـا عـسـكـريـا، وأمــنــيــا، وسـيـاسـيـا، تنشغل فــي الـسـاحـة الأوكـرانـيـة، وهــذا ما دفـع القابعين خلف الأبـــواب المغلقة إلى استغلال الفرصة في تكسير الدولة الوطنية السورية، فضلاً عـــن انـــســـحـــاب عــنــاصــر «حـــــزب الـــلـــه» الـــذيـــن كـــانـــوا يـقـاتـلـون بجوار الدولة السورية، وعودتهم إلى لبنان لخوض الحرب الأخيرة ضد إسرائيل، وهؤلاء أيضا تركوا فراغا جديداً ملأته الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، العابرة الحدود. ما إن أتيحت الفرصة، رأينا مشهداً جديداً بمواصفات ، الـغـمـوض يكتنف الـخـرائـط الــســوريــة، بل 2011 مشهد عـــام نـــراه يتربص بـأطـراف خـرائـط أخـــرى مــجــاورة، لاعـبـون جدد يقفون على خط التماس في انتظار إعــادة صافرة الفوضى من جديد، هذه المرة مغايرة تماما، سوريا، لم تتردد في الرد، أكــدت قوتها وإرادتـهـا وصمودها في مواجهة كل محاولات التهديد، أشقاؤها الـعـرب سـارعـوا بالاتصال وتأكيد الدعم والمؤازرة والحفاظ على سوريا، الدولة الوطنية، التي تبسط سيادتها على كامل أراضيها. الجميع تعلم الــدرس، مناهج «الربيع» لم تعد صالحة «لـخـريـف الـفـوضـى»، الـعـواصـم العربية لا تـــزال تقترض من بنوك الوطنية لتسديد أثمان الفوضى التي ضربت المنطقة، بفعل فاعل معلوم له روابط، وامتدادات طرفية خارج المنطقة. لا يمكنك أن تنزل النهر مرتين، وسوريا لا تزال في النهر، وإصــرارهــا بـ حـــدود مـن أجــل الــخــروج إلــى الـشـاطـئ، عـادت إلى عضويتها الكاملة في جامعة الـدول العربية، وكذلك في معظم المنظمات الإقليمية والدولية، واستعادة دبلوماسيتها المقطوعة مـع معظم دول الـعـالـم، خصوصا العربية، وباتت حاضرة في القمم العربية والدولية. إن ما تتعرض له سوريا الآن، يمثل خطراً كبيراً، ويحمل رسـائـل واضـحـة لكل الــعــرب، وإلـــى كـل جــوارهــم، إمــا سلاما، واســتــقــراراً، وعــــودة لـلـدولـة الـوطـنـيـة، وإمـــا حــروبــا وفـوضـى تـجـتـاح مــســرح الإقــلــيــم الــعــربــي بــالــكــامــل، فــخــرائــط المنطقة تخضع الآن لاختبار قاسٍ من دعاة الإرهـاب والفوضى. على حكماء هـذه الخرائط، أن يـقـرأوا الرسالة المقبلة من سوريا، في التوقيت المناسب، وأن يكون قرار الدعم للدولة السورية، غير قابل للقسمة على وجهات النظر، فـالـدواء قد يفلح الآن فـي إنـقـاذ ســوريــا، وربـمـا لـو تـأخـر الــــدواء، فـإنـه لـن يفلح في إنقاذ سائر المنطقة. إذن، سوريا، وما تواجهه من معركة مع الإرهاب، رسالة لا بد أن تقرأ بمعرفة العرب بدقة وعناية. موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من التطورات الأخــيــرة فـي ســوريــا، وسـيـطـرة الميليشيات المتطرفة بقيادة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) على حلب، يبدو أكثر من مجرد لا مبالاة تجاه الفوضى الحاصلة. صحيح أن المستفيد الأول مـن الـتـطـورات حتى الآن هو تـركـيـا الــتــي يــســود اعــتــقــاد أقــــرب إلـــى الـــواقـــع، أنــهــا سمحت ضمنا بهجوم الجماعات المسلحة على حلب. بيد أن واشنطن تــبــدو مـنـخـرطـة هــي الأخــــرى فــي واحــــدة مــن أدهــــى مــنــاورات الجغرافيا السياسية وأخطر لحظاتها. كأن الاكتفاء بدعوة «جميع الأطــراف» إلى خفض التصعيد، يعكس استراتيجية محسوبة، أو رهانا واعيا على الأحداث بهدف نصب الفخاخ لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وإثقال كاهل الكرملين المنهك نتيجة حرب أوكرانيا. فبالنسبة لترمب الــذي وعــد بإنهاء «الــحــروب الأبـديـة» الأمـيـركـيـة، تشكل سـوريـا حقل ألـغـام يـهـدد مصداقيته أمـام قاعدته. وعبر اللامبالاة الأميركية بإزاء تأجيج عدم الاستقرار في سوريا، يُشتمّ أن إدارة بايدن ترغب في عرقلة استراتيجية ترمب للخروج مـن الـشـرق الأوســـط، وإظـهـار مزاعمه بقدرته على إنهاء الحروب بأنها ادعاءات فارغة وكلام سياسي غير منصف لطالما هاجم به ترمب، بايدن والديمقراطيين. الواقع أن التدهور الخطير في الوضع السوري قد يجبر ترمب على الاختيار بين خيارين سياسيين مكلفين: إما إعادة الانـخـراط فـي المنطقة التي تعهد بمغادرتها، أو تـرك الأمـور تنحدر إلــى الـفـوضـى، وهــو مـا سيُفسره منتقدوه كـنـوع من التخلي، والاستهتار بـالأمـن العالمي الــذي لطالما ادعــى بأنه سيكون أفضل بمجرد وجوده هو في البيت الأبيض. ولئن كانت كل السياسات هي سياسات محلية كما تقول واحـدة من أهم قواعد العمل السياسي في واشنطن؛ يتضح أننا، على الأرجـــح، أمــام لعبة خطرة يلعبها الديمقراطيون. فــهــم يـــدركـــون أن وعــــد تـــرمـــب بــإنــهــاء الـــحـــروب يـلـقـى صــدى لــــدى نــاخــبــ أمــيــركــيــ أنـهـكـتـهـم الـــنـــزاعـــات المــســتــمــرة في الـشـرق الأوســـط. وإذا تمكن ترمب مـن التعامل مـع تعقيدات المنطقة ونجح في تجنب الانخراط العسكري، فسيحوّل ذلك لصالحه، مؤكداً أنه حقق ما فشل أسلافه - بمن في ذلك بايدن - فـي تحقيقه. إن مثل هــذا السيناريو ليس أقــل مـن كابوس للديمقراطيين الذين يواجهون عودة قوية لترمب، مهيأة لأن تبعدهم عن الحكم لسنوات طويلة. أما تعثر ترمب في فخ حلب، وتقويض وعود سياسته الخارجية، بما ينطوي عليه ذلك من نتائج اقتصادية سلبية على الأميركيين، فسيصوره الديمقراطيون كدليل على عدم كفاءته الرئاسية، وسبب لتحشيد الـرأي العام خلف سردية تضعف الجمهوريين فـي الانـتـخـابـات النصفية المقبلة بعد سنتين، والرئاسية بعد أربـع سنوات، وتقصير مـدة بقائهم خارج البيت الأبيض. يصيب رهــان إدارة بـايـدن عصفوراً ثانيا، هـو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الـذي لا تقل مخاطر تطورات حلب أهمية بالنسبة إليه. فآخر ما يرجوه بوتين، بسبب انخراطه العميق فــي حـــرب أوكــرانــيــا، هــو الـتـعـامـل مــع تصعيد كبير إضـافـي فـي ســوريــا، والاضـــطـــرار لتحويل مـــوارد رئيسة من أوكرانيا إلـى سوريا لحماية النظام فيها؛ مما يفتح المجال أمـــام كييف ويـعـمّـق الــشــروخ فــي آلـــة بـوتـ الـحـربـيـة المثقلة بالأعباء. والحال، لا شيء أفضل لإدارة بايدن، من تطور شرق أوســطــي يكشف حـــدود الــقــوة الــروســيــة، ويـقـلـص مصداقية مــــنــــاورات بــوتــ الـجـيـوسـيـاسـيـة، ولــــو عـلـى حــســاب تمكين متطرفين إسلاميين سبق للحزب الديمقراطي أن راهن عليهم. تدرك إدارة بايدن أن روسيا تتقدم على جبهات رئيسة في شرق أوكرانيا وجنوبها، وأن وضع الأخيرة يزداد صعوبة مع زيادة حدة الضربات الجوية على المدن، والتعثر الذي قد يصيب الدعم الغربي لحكومة كييف نتيجة وصول ترمب إلى الرئاسة الأميركية. وعليه، تأمل إدارة بايدن أن ترهق تطورات حلب كاهل روسيا، وأن تذكّر بوتين بأن نفوذه ليس مضمونا إذا ما اضطر لمواجهة أزمات مزدوجة. قد ينم الموقف الأميركي الغامضفي سوريا عن شيء من البراعة الاستراتيجية، لكنها سياسة قصيرة النظر وبالغة الـخـطـورة، لا تـهـدد بتقويض أوســـع المصالح الاستراتيجية لـــلـــولايـــات المــتــحــدة فـــي المــنــطــقــة، بـــل تــهــدد اســـتـــقـــرار المنطقة بـرمـتـهـا. مـــن هـنـا يُـفـهـم الاســتــنــفــار الــعــربــي لمــحــاولــة تهدئة الوضع في سوريا واستثماره لدفع كل الأطراف إلى ترتيبات ثابتة وطويلة الأمد، تسمح باستعادة استقرار مختلف عما ساد في السنوات الماضية، وتفتح الباب أمام إعادة السلطات، كما خريطة النفوذ الإقليمي للأطراف المعنية. أمــــا الــســمــاح لـــوكـــ ء المـــشـــروع الإســـ مـــي المــتــجــدد مثل «هيئة تحرير الــشــام» بكسب المـزيـد مـن الـنـفـوذ فـي سـوريـا، فيشكل ببساطة تهديداً وجوديا لاستقرار الدولة الوطنية في الشرق الأوسط، من خلال تقويض السلطة المركزية وإضعاف المـؤسـسـات الوطنية لصالح كـيـانـات آيـديـولـوجـيـة متطرفة، تحترف الصراعات الطائفية، وزعزعة التوازنات الإقليمية، وتعميق الانقسامات الاجتماعية. تتطلب مواجهة هذا التحدي، ما يتجاوز استراتيجيات تعزيز قوة الدولة الوطنية من خلال حماية بقايا المؤسسات، إلى ما هو أهم، وهو تحقيق المصالحة المجتمعية في سوريا، وإعادة تكوين الدستور والدولة والسلطة. تحدث الشيخ نعيم قـاسـم، أمــ عام «حزب الله»، عن انتصار الحزب في معركته ضد إسرائيل، وتمسك بعدم «فصل لبنان عن فلسطين»، وقال: «دعمنا للفلسطينيين هــــو دعـــــم لــلــحــق لأنـــهـــم أصــــحــــاب الـــحـــق»، ونــفــى أن تــكــون المـنـطـقـة تـــواجـــه مـشـروعـا إيـــرانـــيـــا بـــل مـــشـــروع «فـلـسـطـيـنـي تـدعـمـه إيران و(حزب الله) واليمن والعراق وأحرار المـنـطـقـة». فهل يمكن أن يـكـون الـعـالـم كله يدعم إسرائيل في عدوانها، ولا يسمح لنا بدعم الأمــة المحاصرة؟ وأشــاد بالخميني وخامنئي ورموز الثورة الإيرانية. يــقــابــل خـــطـــاب الــنــصــر هـــنـــاك خـطـاب الهزيمة الذي يرى أن ما فعله «حزب الله» نتيجته استباحة لبنان وقتل ما يقرب من آلاف شــخــص، كـثـيـر مـنـهـم مــن المـدنـيـ 5 والنساء والأطـفـال، وأن حتى «حـزب الله» فــقــد جــانــبــا كــبــيــراً مـــن قـــوتـــه الــعــســكــريــة، وتهدمت أجزاء كبيرة من قرى ومدن لبنان بــجــانــب الــخــســائــر الاقـــتـــصـــاديـــة الــفــادحــة التي مُني بها الاقـتـصـاد اللبناني المنهك أصلاً. وإذا كان «حزب الله» لم ينتصر في معركته الأخــيــرة مـع إسـرائـيـل فـإنـه أيضا صمد فـي وجهها وقـــدم تضحيات، وهـذا التعبير ربما يخرجنا من «سجال» ثنائية النصر والهزيمة الذي يكرس أزمات الواقع الحالي ولا يسعى لبناء المستقبل. فالترويج لنصرٍ لـم يحدث ومناكفته بهزيمة غير راجحة تلغي مواجهة الأسباب التي أدت إلى الدخول في حرب مع إسرائيل فــي ظــل رفـــض غـالـبـيـة المــكــونــات اللبنانية لها، وضرورة العمل على عدم تكرارها. والـــحـــقـــيـــقـــة أن دعـــــــم أي فـــصـــيـــل أو تنظيم، ســـواء كـــان «حـــزب الــلــه» أو غـيـره، «لـلـحـق الـفـلـسـطـيـنـي» أمـــر نـبـيـل ومـثـمـن، لـــكـــن الــــســــؤال مــــا هــــي طــبــيــعــة هـــــذا الـــدعـــم وصورته، ومن قال إن اللبنانيين أو غيرهم من الشعوب العربية والتيارات السياسية الداعمة للحق الفلسطيني ترى أن دعمها يعني المواجهة العسكرية، التي لم توافق عليها الدولة ولا باقي المكونات اللبنانية، ولـــو تـــرك تقييم دخـــول الــحــرب بشكل حر لـحـاضـنـة «حـــزب الــلــه» لـوجـدنـا أن جانبا كبيراً منهم يرفضونها. درس الـــــحـــــرب الـــلـــبـــنـــانـــيـــة الــــتــــي لــم يربحها «حـزب الله» يقول إنـه لا يمكن أن تحمّل تبعات خيارك السياسي، مهما كان نبله، لشركائك في الوطن الذين لم يتبنوا فكرك ولا توجهاتك وتحالفاتك الإقليمية، لأن الــحــروب ليست نــزهــةً ولـيـسـت خـيـاراً فرديا لتنظيم إنما هي خيار أمة بأكملها، ومشكلة مشروع «حـزب الله» أنـه مشروع عــقــائــدي عــابــر لـــلـــحـــدود، ويــرتــبــط بــدولــة إقليمية كبرى لها مصالح جعلته يتجاوز مفاهيم السيادة الوطنية ومصالح دولته وشعبه. الــواقــع العملي دفــع «حـــزب الـلـه» إلى الانتقال من مفهوم وحـدة الساحات الذي اعــتــبــر أن الـــقـــوى والــتــنــظــيــمــات المـسـلـحـة المــــــوجــــــودة فــــي لـــبـــنـــان والــــــعــــــراق والـــيـــمـــن نـــتـــيـــجـــة الــــرابــــطــــة الآيــــديــــولــــوجــــيــــة الـــتـــي تجمعها سـتـقـاوم مـع «حــمـاس» الاحـتـ ل الإســرائــيــلــي، مــن دون الأخـــذ فــي الاعـتـبـار الـواقـع السياسي والمجتمعي لكل ساحة، وثبت مع الوقت أن الفروق الجيوسياسية والمــجــتــمــعــيــة بـــ هــــذه الـــســـاحـــات تجعل هــنــاك اســتــحــالــة فـــي «تـــوحـــيـــدهـــا»، وحــ انتقل الـحـزب مـن خطاب وحــدة الساحات إلــى «جبهة الإســنــاد» لـم تـر نتيجة بنيته العقائدية وتحالفاته الإقليمية إلا جبهة «الإســنــاد المـسـلـح»، وهــو خـيـار حــان وقت مـراجـعـتـه، لأن صـــور الإســنــاد لا يمكن أن تقتصر فقط على الجانب المسلح. الحقيقة أن خيار «الإسـنـاد السلمي» للشعب الفلسطيني الـذي قـام به بلدٌ مثل جنوب أفريقيا يمكن وصفه بالتاريخي، لأنــهــا نـجـحـت فــي إدانــــة إســرائــيــل مـرتـ : الأولى عبر مطالبة محكمة العدل الدولية، إســــرائــــيــــل، بــــالالــــتــــزام بــحــمــايــة المـــدنـــيـــ ، وهـــو مــا لــم تفعله بـالـتـأكـيـد، والــثــانــي أن تحركاتها ساهمت فيصدور قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس الــوزراء الإســـرائـــيـــلـــي بــنــيــامــ نــتــنــيــاهــو ووزيـــــر دفــــاعــــه الـــســـابـــق يــــــوآف غـــالـــنـــت. فـضـحـت التحركات السلمية جرائم إسرائيل لكنها بالقطع لــم تـردعـهـا، ومـثّـلـت بــدايــة طريق طـويـل وشـــاق يـحـتـاج جـهـود الـجـمـيـع من أجـل الـوصـول إلـى منظومة دولية جديدة سيكون معيار عدالتها وفاعليتها هو ردع إسرائيل وفـرض قــرارات الشرعية الدولية عـلـيـهـا، وأن مــا جـــرى فــي لـبـنـان يــقــول إن درس المستقبل يجب أن يكون البحث عن صــيــغ جـــديـــدة «لـــإســـنـــاد» تــتــركــز أســاســا حـــول الــجــوانــب المــدنــيــة والـقـانـونـيـة الـتـي لــم يــحــاول كـثـيـرون فــي الـعـالـم الـعـربـي أن يـــجـــربـــوهـــا ويـــدفـــعـــوا اســتــحــقــاقــاتــهــا فـي بناء نـمـاذج مدنية فاعلة ومـؤثـرة عالميا. الـحـقـيـقـة أن مـعـظـم دول الـــعـــالـــم، ومـعـهـا مختلف الأحـــــزاب والـــتـــيـــارات الـسـيـاسـيـة، راجـــعـــت وصـحـحـت الـكـثـيـر مـــن مـواقـفـهـا، وبـــقـــي «حــــــزب الــــلــــه» مـتـمـسـكـا بــالمــقــاومــة المسلحة وشــعــاره الـقـديـم «شـعـب وجيش ومــقــاومــة»، الـــذي كـــان لــه أســـاس مـنـذ ربـع قـرن حين احتلت إسرائيل الجنوب، ولكن بعد تـحـريـره لـم يعد هــذا الـشـعـار مقبولاً مـــن الــطــرفــ الآخـــريـــن. لـقـد بـــات المجتمع اللبناني والقضية الفلسطينية في حاجة إلــــى تــيــار مــدنــي يــخــرج مـــن داخــــل البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» وليس بالضرورة من بنيته التنظيمية يراهن على خيارات مـــدنـــيـــة وســـلـــمـــيـــة فــــي الـــــداخـــــل والــــخــــارج تـــتـــواكـــب مـــع الـــتـــحـــولات الـــتـــي حـــدثـــت في لبنان والمنطقة. OPINION الرأي 12 Issue 16807 - العدد Tuesday - 2024/12/3 الثلاثاء ماذا وراء موقفواشنطن فيحلب؟ سوريا... رسالة غامضة في توقيت واضح ليسنصراً ولا هزيمة إنما دروسللمستقبل وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com
[email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email:
[email protected] srmg.com نديم قطيش جمال الكشكي عمرو الشوبكي
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky