issue16805

انــــخــــفــــاض شـــعـــبـــيـــة الــــحــــكــــومــــات نـتـيـجـة متاعب اقتصادية أو مالية تـواجـه مواطنيها ظاهرة مألوفة، سواء في األنظمة الديمقراطية البرملانية أو فـي األنظمة األخـــرى، لكن تدهور شعبية حكومة بعد أسـابـيـع قليلة مـن فوزها بـأغـلـبـيـة سـاحـقـة فـــي االنــتــخــابــات، واســتــمــرار الـــتـــدهـــور لـــقـــرابـــة خــمــســة أشـــهـــر مـــنـــذ تـقـلـدهـا الـسـلـطـة، أمـــر نـــادر الـــحـــدوث. هـــذا مــا حـــدث مع حكومة «العمال» البريطانية بزعامة السير كير ستارمر التي تواجه معارضة شعبية وتطورات غير مألوفة وغير مسبوقة، مثل توقيع ما يزيد عــلــى مـلـيـونـن ونــصــف مــلــيــون، عــلــى عـريـضـة مقدمة إلــى الـبـرملـان تطالب بــإجــراء انتخابات فـــوريـــة. الــســيــاســات االقــتــصــاديــة فـــي مـيـزانـيـة الـــحـــكـــومـــة هــــي الـــســـبـــب الـــرئـــيـــســـي فــــي تـــدهـــور شــعــبــيــة حـــكـــومـــة ســـتـــارمـــر، لــــدرجــــة أن إحــــدى كــبــريــات الـنـقـابـات الـعـمـالـيـة الــتــي تــدعــم حـزب «العمال»، بدأت إجراءات قضائية ضد الحكومة إليقافها دعم الوقود الشتوي للمتقاعدين. مــن الـنـاحـيـة الــدســتــوريــة، ال يـمـكـن إجـــراء االنـتـخـابـات بـسـبـب عـريـضـة مـقـدمـة لـلـبـرملـان، حتى ولو بلغ عدد املوقعي عليها أكثر من الذين 9( منحوا أصواتهم لـ«العمال» في االنتخابات ماليي ونصف مـلـيـون)؛ فاالنتخابات العامة تتم فقط في حالة تقديم رئيس الوزراء استقالة الـــحـــكـــومـــة لـــلـــمـــلـــك، أو عـــنـــد ســـحـــب الـــثـــقـــة مـن الحكومة، وهـو ما لن يحدث بسبب أغلبيتها الـبـرملـانـيـة. لـكـن تـقـديـم عـريـضـة كــهــذه قـبـل أن تكمل الحكومة خمسة أشهر، يعد أمرًا محرجًا لستارمر و«العمال»؛ ألن عريضة مشابهة كانت ،)2023( قُدمت للبرملان في نهاية العام املاضي ألـــــف تـــوقـــيـــع، ونـــاقـــشـــهـــا الـــنـــواب 288 حــمــلــت يناير (كانون 29 حسب السوابق البرملانية في الثاني) من هذا العام. وتتم مناقشة العرائض والتصويت عليها خارج جدول أعمال البرملان، في قاعة وستمنستر، وال تتخذ قـرارات تطرح على الـبـرملـان، وإنـمـا يكون التأثير على الــرأي العام فقط، ويكون سيكولوجيًا للحكومة. لكن ال يوجد في اللوائح البرملانية ما يُلزم النواب بمناقشة العريضة في جلسة مفتوحة. توقيع عشرة آالف أو أكثر على عريضة يستلزم اســتــجــابــة مـــن الـــحـــكـــومـــة، ســـــواء فـــي شــكــل رد رسمي، أو مراسالت، أو إجراءات أخرى، حسب نوعية املطلب، أما إذا وصل العدد إلى مائة ألف تـوقـيـع فـتـدرسـهـا لجنة الــعــرائــض الـبـرملـانـيـة؛ التــــخــــاذ قــــــرار بـــشـــأن جــلــســة مـــنـــاقـــشـــة. لـجـنـة نـائـبـ مـــن الـحـكـومـة 11 الــعــرائــض مـكـونـة مـــن 2 مـحـافـظـن، و 2 مــن الـعـمـال، و 7( واملــعــارضــة ديمقراطيي أحـرار، بمن فيهم رئيس اللجنة)، وال يشترط أن توافق على جلسة مناقشة. مـطـلـب الـعـريـضـة لـــن يـتـحـقـق بـسـبـب عـدم دســتــوريــتــه، لـكـن األمــــر سـيـكـون أكــثــر إحــراجــ للحكومة فـي حــال مناقشة نـــواب مـن البرملان مــــوضــــوع الـعــريــضـة، إذًا ســيــكــون مـــــادة ثـريـة للصحافة ومنصات التعبير ملهاجمة الحكومة؛ ألن أغلبية وسـائـل اإلعـــ م تلعب دور السلطة الـرابـعـة بـاقـتـدار؛ لضعف املـعـارضـة البرملانية (باستثناء صحافة اليسار، وقراؤها أقلية). الـعـريـضـة وضــعــت حـكـومـة «الـــعـــمـــال» في مـــــأزق أمـــــام الـــــرأي الـــعـــام، ســـــواء وافـــقـــت لجنة العرائض على طرحها للمناقشة أو رفضتها («الــعــمــال» أغلبية فـيـهـا)، ففي كلتا الحالتي ســتــســتــخــدم الـــصـــحـــافـــة، واملـــعـــارضـــة بــزعــامــة كيمي بيدينوك، قـرار الرفض، أو ما يطرح في جلسة املناقشة؛ كسياط تلهب به ظهر ستارمر وحكومته، مثلما فعلت يوم األربعاء في جلسة املساءلة األسبوعية لرئيس الوزراء. وظــفــت بـيـديـنـوك ارتـــفـــاع أعـــــداد املـوقـعـن على الـعـريـضـة، وردود فعل خـبـراء االقتصاد واملــســتــثــمــريــن لــلــمــيــزانــيــة؛ لــتــوجــيــه ضــربــات بالغية موجعة لستارمر، ثـم حشره فـي مـأزق مطالبتها تأكيده لتصريح وزيرة املالية بعدم زيادة جديدة في الضرائب، فتهرّب من اإلجابة. لكن اللسعات املوجعة لرئيس الحكومة جاءت من املعارضة، ومن مفاجأة غير متوقعة وغير مسبوقة. ستيفي فلي، زعيم مجموعة «الحزب القومي» األسكوتلندي ذكّر ستارمر بأنهم في أسبوع التوعية بالحذر من السرقة واالحتيال بـالـتـبـلـيـغ عـــن أي مـــحـــاولـــة فــــــورًا، «فـــهـــل يعلم رئــيــس الــــــوزراء بـــأي مـحـتـال وعـــد املـتـقـاعـديـن بحمايتهم، لكنه نشل جـيـوبـهـم؟»؛ فـي إشــارة واضحة ساخرة إلى إلغاء منحة تدفئة الشتاء للمتقاعدين. وقـبـل أن يجيب سـتـارمـر ارتـفـع الــتــصــفــيــق وصـــيـــحـــات االســـتـــحـــســـان لــلــســؤال مــن منصة ضـيـوف الــنــواب فـــوق مـقـاعـد نــواب الـــحـــكـــومـــة. والــتــصــفــيــق غــيــر مــســمــوح بـــه في البرملان؛ فصاح رئيس املجلس السير ليندزاي هـــويـــل يــنــهــر الــــضــــيــــوف، مــــحــــذرًا مــــن عـــواقـــب مـقـاطـعـة الــجــلــســة. الـــحـــدث الـــنـــادر كــــان هـديـة للصحافيي البرملانيي وكـتـاب االسكتشات، فالضيف الذي قاد جوقة التصفيق كان روجر دالـــتـــري، نـجـم فــرقــة مـوسـيـقـى الــــروك آنـــد رول «ذا هـــــوو»، ولــــه شــهــرة واســـعـــة. كــمــا يــعــد من أكثر املوسيقيي شعبية في بريطانيا والعالم األنــغــلــوســكــســونــي، بــعــد بــلــوغــه الــثــمــانــن من الــعــمــر، وســـبّـــب تـصـفـيـق دالـــتـــري اسـتـحـسـانـ لضبط زعيم الـنـواب األسكوتلنديي ستارمر وحــكــومــتــه مــتــلــبّــســن بــنــشــل جـــيـــوب املـسـنـن مثله في أسبوع التحذير من حـاالت االحتيال والسرقة. Issue 16805 - العدد Sunday - 2024/12/1 األحد الحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، كما صاغها املفكر األملاني - الروسي، كارل فون كلوزفيتر، والسالح قد يغير السياسة، ومن ثم تتغير مصاير الحروب؛ فدائمًا من يملك السالح الجديد تكون له اليد العليا في كتابة املشهد الختامي. فــعــلــتــهــا روســــيــــا األيـــــــام املــــاضــــيــــة، عـــنـــدمـــا اخــتــبــرت صــــاروخــــ جــــديــــدًا فــــي مــــســــارح الــعــمــلــيــات مـــبـــاشـــرة، قـبـل أن تـخـتـبـره وفــقــ لـلـقـواعـد املــتــعــارف عليها فــي اسـتـخـدام األسلحة الجديدة. هـــذا الـــصـــاروخ شــكَّــل حـــدًا فـــاصـــ بـــن مـرحـلـتـن في الـــعـــالـــم، أطــلــقــت عـلـيـه روســـيـــا «أوريـــشـــنـــيـــك»؛ أي شُــجـيـرة «البندق» باللغة الروسية، وهــذا الـصـاروخ يحلق بسرعة مــــاخ؛ أي عــشــرة أمـــثـــال ســرعــة الـــصـــوت، وال تستطيع 10 أنظمة الدفاعات الجوية الصاروخية، مهما كانت سرعتها ودقتها، أن تلحق به أو تتصدى له. كـان الفتًا أن يعلن الرئيس الـروسـي فالديمير بوتي بنفسه عن إطالق هذا الصاروخ غير املوجود في أي ترسانة ســـ ح عــاملــيــة، وكـــانـــت مــفــارقــة أيــضــ أن يـطـلـق الـــصـــاروخ مـــبـــاشـــرة إلــــى املــجــمــع الــصــنــاعــي الـــصـــاروخـــي األوكــــرانــــي بـمـديـنـة دنــيــبــرو، مـــع إعــــ ن روســـيـــا الـقـصـف قـبـل ثـ ثـن دقيقة لكل املنافسي الغربيي، خصوصًا الواليات املتحدة، وهـي رسـالـة شـديـدة الـداللـة واملـكـر بـأن روسـيـا قـــادرة على إلحاق األذى بكل أوروبا من دون أن تحرك ساكنًا لصد هذا الــصــاروخ؛ نظرًا لسرعته الفائقة، وتأكيد على أن روسيا لـديـهـا قــــدرة مـؤجـلـة تستطيع بـهـا أن تـصـل لـكـل عـواصـم دقيقة، في الوقت الذي تراه مناسبًا. 20 أوروبا خالل 5500 مـن املــعــروف أن مــدى هــذا الــصــاروخ يصل إلــى كيلومتر؛ أي يطول كامل أوروبـــا، وينتمي إلـى مـا يسمى «صـواريـخ قصيرة املــدى». وفـي هـذا السياق ألقت موسكو باللوم على واشنطن؛ ألنها خرجت من اتفاقية الصواريخ ، مــن دون مـبـرر واضــــح. موسكو 2019 قـصـيـرة املـــدى عـــام أقـدمـت على إطـــ ق هــذا الــصــاروخ املـرعـب والخطير الـذي يمكن أن يحمل رؤوســ نووية، ويضرب أهدافًا عديدة في نفس الوقت، بعد أن سمحت واشنطن ولندن لكييف بضرب العمق الروسي بصواريخ أميركية وأوروبية. رجـــل الــــ«كـــي جــي بـــي» فـهـم الــرســالــة، فـلـم يـتـأخـر في صــيــاغــة رســـالـــة هـــي األخـــطـــر مــنــذ نــهــايــة الـــحـــرب الـعـاملـيـة الـثـانـيـة، بــل تـفـوق خـطـورتـهـا رســائــل الــصــواريــخ الـنـوويـة السوفياتية في الجزيرة الكوبية في مطلع ستينات القرن املـاضـي، فتلك الـصـواريـخ لـم تستخدم فـي الـواقـع بعد حل املشكلة آنــــذاك، لكن «أوريـشـنـيـك» ظهر فـي مـيـاديـن القتال بالفعل بما يملكه من رعب وخطر. أميركا فهمت الرسالة املفاجئة، ارتبكت الحسابات وأضـــــــاءت الــلــمــبــات الـــحـــمـــراء لــلــخــطــوط الــســاخــنــة بي واشـــنـــطـــن ومـــوســـكـــو، تـــحـــدث الـــطـــرفـــان بـلـغـة الـتـحـذيـر مـن وقــوع حـرب نـوويـة عرَضية. واشنطن أدركـــت خطر وأخـــطـــار «أوريـــشـــنـــيـــك»، وتــفــكــر فـــي صــنــاعــة صـــواريـــخ قصيرة املدى على وجه السرعة، حسبما قال العسكريون األميركيون فـي «البنتاغون»، وبـــدأت تعيد حساباتها فـي اسـتـعـادة هــذا الـنـوع مـن الـصـواريـخ الـــذي كـانـت قد فككته نتيجة لالتفاق مع االتحاد السوفياتي السابق، ثم روسيا االتحادية فيما بعد. واشنطن غير قلقة؛ نظرًا إلمكاناتها العسكرية، القلق بـات يضرب أوروبـــا؛ فهي في مرمى النيران املباشرة، وبعد «أوريشنيك» أدركـت أنها مكشوفة ومعرضة لالنهيار العسكري، وفق توقيت املفاجآت. ســــارع بـعـض الـسـيـاسـيـن األوروبــــيــــن الـحـكـمـاء إلـى ضــرورة إيجاد مسار سـ م مع روسـيـا، بعد أن كانوا قبل ذلـــك يــصــرِّحــون عـلـنـ بـــضـــرورة إمـــــداد أوكـــرانـــيـــا بأسلحة استراتيجية تـطـول العمق الــروســي، ويـدعـون إلــى هزيمة بوتي، وضرورة انتصار أوكرانيا، وانضمامها إلى االتحاد األوروبي، وإلى حلف «الناتو». رســـالـــة «أوريـــشـــنـــيـــك» أيــقــظــت أوروبــــــا مـــن أحــ مــهــا، وعاجلتها بضربة ال تقل تأثيرًا عن ضربة وصول دونالد ترمب إلى البيت األبيض، وهو الذي يفكر في إنهاء الحرب الــروســيــة - األوكـــرانـــيـــة، كـمـا يـفـكـر فـــي تـصـفـيـة «الــنــاتــو»، والــتــخــلــي عـــن الــحــلــفــاء الــتــاريــخــيــن فـــي أوروبــــــا مـــن أجــل مصالح أميركا التي يراها في شعار: «أميركا أوالً». إن رسالة «أوريشنيك» تحمل شفرات روسية حمراء تحتاج إلــى مـن يفك رمــوزهــا، فـــأول الــرمــوز يتعلق بقدرة الكرملي على إيالم أوروبــا، برغم العقوبات غير املسبوقة على روسـيـا الـقـوة الـنـوويـة؛ فقد فـرضـت أوروبــــا وأميركا على روسيا حصارًا شامال سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ودبـلـومـاسـيـ وإعـــ مـــيـــ ، ومـــع ذلـــك اسـتـطـاعـت روســـيـــا أن تتعايش مع مصادرة األموال الخارجية، ومنعها من النظام الــدولــي املــالــي، وتــواصــل املـفـاجـآت فـي مـسـارح العمليات، وبالتالي ستفكر أوروبــا وأميركا في اليوم التالي إلطالق الصاروخ «أوريشنيك». أمــا الـرمـز الـثـانـي فـي هــذه الـرسـالـة فيتعلق بأميركا نفسها التي سارعت بكسر قواعد القانون الدولي، والسماح ألوكــرانــيــا بـــزرع ألــغــام األفــــراد املـجـرمـة قـانـونـ ، والــــذي من شأنه أن يؤثر على مستقبل الـسـ م إذا حــدث بـن روسيا وأوكــرانــيــا، وقـــد عـبـرت املـنـظـمـات الـدولـيـة واألمــــم املتحدة عـن رفضها الستعادة هـذا الـنـوع مـن األلـغـام الــذي جرمته القواني الدولية، ونعتقد أن واشنطن بهذا التفكير تريد عــرقــلــة أي اتـــفـــاق ســــ م بـــن روســـيـــا وأوكـــرانـــيـــا، أو تضع الـــحـــواجـــز أمــــام تــرمــب إذا نــفــذ تـصـريـحـاتـه بــشــأن إيــقــاف الحرب. أخـــيـــرًا، أعـتـقـد أن أهـــم وأخــطــر رمـــز فــي رســالــة بوتي املـشـفـرة، يكمن فــي أن صــــاروخ «أوريــشــنــيــك» بمثابة عي حمراء للخصوم واملنافسي، وأيضًا يمثل السطر األول في كتاب النظام العاملي الجديد؛ فالرسالة تقول إما أن نعيش معًا، وإما أن نحترق معًا. حـــن تــكــون لــيــبــيّــ ، أيــنــمــا كُـــنـــت وحيثما حَــلــلــتَ، ال بُـــد أن تـشـعـر بـغُــصّــة فــي قـلـبـك، من املـــآل الـــذي آلــت إلـيـه األوضــــاع، فـي تلك البقعة الـجـغـرافـيـة مــن الــعــالــم. صـبـرنـا نـفـد. ثـرواتـنـا نُــهــبــتْ. حُـــدودنـــا انـتـهـكـتْ. وســـيـــادة أراضـيـنـا تـتـ شـى، ووحــــدة بــ دنــا تـتـفـكَّــك. ورغـــم ذلــك، مـا زلـنـا فـي أعـمـاق قلوبنا لـم نقطع ارتباطَنا بــــاألمــــل، ومـــــا زلـــنـــا نَــــعــــض عــلــيــه بـــالـــنـــواجـــذ، إليماننا وقناعتنا بأن دوام الحال من املُحالِ. إال أن الحقائق على األرض، ومـا نرصده يحدث من حـوادث وأزمـات متتابعة، تصدمنا وتـسـبـب فــي ارتـبـاكـنـا، وتــــؤدي إلـــى انخفاض سقف توقعاتنا، وتـزيـد فـي حيرتنا، وتفاقم مـن مـخـاوفـنـا، يـومـ إثــر آخـــر، مما يجعل ذلك الـخـيـط املتبقي مــن ضـــوء فتيل األمـــل داخلنا يصير شحيحًا حتى إنه ال يكاد يبي، ونحس بالخوف يزحف في صدورنا مقتحمًا ما تبقى مـن طمأنينة نفوسنا، لعلمنا بـأن زيـت فتيل األمــل على وشــك النفاد، واقـتـراب حلول ظالم دامس. قد يـرى البعض أن هـذه قــراءة متشائمة، وال تـتـسـق مـــع شــــدّة اإليـــمـــان بـــضـــرورة تـغـيّــر األحـــــــــوال، وأن املـــســـألـــة تـــتـــوقـــف عـــلـــى الـــزمـــن، والصبر على املكروه، وعدم االستسالم لليأس والركون إليه. لست شخصًا متشائمًا. لكنّي أرى بعيني الـتـشـاؤم يتقدم حثيثًا على حـسـاب الـتـفـاؤل، ويعزز مواقعه بسرعة في القلوب والعقول. ومن املمكن رصد ذلك فيما ينشر من آراء وتحليالت سياسية بأقالم ليبية عن األزمــة، في مختلف وسائل اإلعالم. كما يمكن مالحظته في سلوك وتــصــرفــات الـلـيـبـيـن عـمـومـ ، وفـيـمـا يستجد فـــي قـامـوسـهـم الــلــغــوي مـــن مـــفـــردات لـيـس من الصعب استجالء معانيها ودالالتـهـا، وكذلك تزايد مساحات الحيرة التي تسكن في نظرات عيونهم، واألسئلة التي تتفاقم في أذهانهم، يومًا بعد آخــر، وال تجد إجـابـات. املفارقة، أن األمور على السطح تبدو هنية مرضية. الــــــســــــؤال األكــــثــــر حـــــضـــــورًا، هــــــذه األيـــــــام، يتمحور حـــول وحـــدة األراضــــي الليبية. ومـن األخـــيـــر، هــنــاك خــــوف يـتـصـاعـد مـــن أن تـــؤدي الـوضـعـيـة الـحـالـيـة مــن الـخـ فـات إلـــى تقسيم ليبيا إلى دولتي، وربما إلى ثالث. هناك كثير مـن املــؤشــرات املـعـززة لـهـذا الـــرأي وألصحابه. لـعـل آخــرهــا فــي نـظـري وأكـثـرهـا وضــوحــ ، ما تـــبـــدّى عــقــب انـــتـــهـــاء مـــعـــرض الــنــيــابــة الـعـامـة لـلـكـتـاب بــطــرابــلــس، فـــي أواخـــــر شــهــر أكـتـوبـر (تشرين األول). التسريبات التي وصلت إلـي مثيرة جدًا للقلق. فقد هاتفني أحد الناشرين الليبيي ذات مـسـاء، وأعلمني بــأن الناشرين الــعــرب الــذيــن حــضــروا وشـــاركـــوا فــي املـعـرض املـــذكـــور، أرادوا املــشــاركــة فـــي مــعــرض للكتب يـقـام فـي مدينة بـنـغـازي. إال أنـهـم أُبـلـغـوا بأن تأشيرات دخولهم إلى ليبيا املمنوحة لهم من قبل حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس غير معترف بها، وعليهم تقديم طلبات تأشيرات جديدة إلى حكومة بنغازي إن أرادوا املشاركة!! ولوال ثقتي بصديقي الناشر الذي هاتفني ملا صَدّقت الخبرَ. والخبرُ، في الوقت ذاتــه، ال يترك فسحة للتخمي أو فرصة لحسن الظنّ، ويــؤكــد أن سـيـنـاريـو التقسيم يــــزداد رسـوخـ وتوطدًا على أرض الواقع. وإذا رأى البعض في ذلك مبالغة في التفسير تقتات على التشاؤم، فـنـحـن عـلـى أتـــم االســـتـــعـــداد لـــقـــراءة أو سـمـاع تفسيراتهم إن وجـدت، لعلها تفيد في إضاءة ما خفي من تفاصيل لم تبد لنا واضحة، وهم على درايـة بها. وما لم يقوموا بذلك، فسيظل الـتـفـسـيـر املـــذكـــور أعـــــ ه، لــذلــك الــتــصــرف غير املـــتـــوقـــع، والـــغـــريـــب واملــســتــهــجــن، هـــو املـمـكـن واألقــرب للحقيقة. وهـذا املثال ليس إال واحـدًا مـــن عــــدة أمــثــلــة، وال يـتـمـيّــز عــنــهــا، إال بـكـونـه األكثر وضوحًا، عما يضمر من نيات، وما يتم التخطيط لـه وراء أبـــواب مغلقة، وبالتنسيق مع دول أخرى، بما يتسق وأطماعها في ليبيا وحماية وتطوير ما حققته من مصالح خالل األعوام املاضية. الــلــيــبــيــون عــلــى الــجُــمــلــة لـــن يـربـحـوا من تــقــســيــم بــــ دهــــم إلـــــى دولــــتــــن أو ثـــــــ ث، ألن تفتيتها يقود إلــى كـــوارث قـد ال تبدو للعيان واضـحــة حـالـيـ عـلـى حقيقتها. وهـــم يعرفون ذلك، ويدركون حقيقة ما يحاق بهم وببالدهم مــن أطــمــاع وشــــرور تـتـربـص مــن جــهــات عــدة، تتحي الفرصة لالنقضاض. وفي الوقت ذاته، يـعـلـمـون بـــأن مـــن فـــرضـــوا الـوضـعـيـة الـحـالـيـة ويــــحــــرصــــون عـــلـــى اســــتــــمــــرارهــــا، ســـعـــيـــ إلـــى التقسيم، لديهم حـسـابـات ومـنـافـع شخصية تـتـعـارض مــع حـسـابـات الليبيي ومنافعهم. وامتالكهم للسالح يمنحهم الفرصة، ويرجح كفّتهم. وندعو الله القدير أن يحبط تدبيرهم، ويجعل كيدهم في نحرهم. السؤال األكثر حضورا هذه األيام يتمحور حول وحدة األراضي الليبية سارع بعض السياسيين األوروبيين الحكماء إلى ضرورة إيجاد مسار سالم مع روسيا جمال الكشكي جمعة بوكليب عادل درويش OPINION الرأي 14 ليبيا وسيناريو التقسيم «أوريشنيك»... شفرة حمراء االحتيال و«الروك آند رول» في وستمنستر من الناحية الدستورية ال يمكن إجراء االنتخابات بسبب عريضة مقدمة للبرلمان

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==