issue16802

Issue 16802 - العدد Thursday - 2024/11/28 الخميس كتب BOOKS 17 لعالم الأنثروبولوجيا الهندي 2024 جائزة إيراسموس لعام أميتافغوشو«خيال ما لا يمكن تصوره» حصل الكاتب الهندي أميتاف غوش، نــوفــمــبــر (تـــشـــريـــن الـــثـــانـــي)، على 26 يــــوم ومبلغ نقدي 2024 جائزة إيراسموس لعام ألــــف يـــــورو، لمـسـاهـمـتـه الملهمة 150 قــــدره فـي مـوضـوع هـذا الـعـام «خـيـال مـا لا يمكن تصوره». وذلك من خلال أعماله التي تهتم بــمــواضــيــع الـــســـاعـــة؛ مـــن بـيـنـهـا الأســـبـــاب الرئيسية لتغير المناخ. )، فــي كلكتا، 1956 وغـــوش (ولـــد عـــام عالم أنثروبولوجيا اجتماعية من جامعة أكــســفــورد، ويـعـيـش بــن الـهـنـد والـــولايـــات المتحدة. تتضمن أعماله روايــات تاريخية ومقالات صحافية. وتعتمد كل أعماله على بحث أرشيفي شامل، وهي تتجاوز الزمن والـــــحـــــدود المـــكـــانـــيـــة. ومـــــن بــــن المـــواضـــيـــع الــرئــيــســيــة، الـــتـــي يــتــطــرق إلـــيـــهـــا، الـهـجـرة والـشـتـات والـهـويـة الـثـقـافـيـة، دون إغـفـال، طبعاً، البعد الإنساني. فـــي كــتــابــيــه الأخـــيـــريـــن «لــعــنــة جـــوزة الطيب» و«الدخان والرماد: التاريخ الخفي لـــأفـــيـــون»، يـــربـــط غــــوش بـــن الاســتــعــمــار وأزمـــــة المـــنـــاخ الــحــالــيــة، مـــع إيــــ ء اهـتـمـام خاص لشركة الهند - الشرقية الهولندية. وكـان الاستعمار والإبـــادة الجماعية، وفقاً لغوش، من الأسس التي بنيت عليها الـحـداثـة الصناعية. عـــ وة على ذلـــك، فإن الــنــظــرة الــعــالمــيــة، الــتــي تـنـظـر إلـــى الأرض كمورد، تذهب إلى ما هو أبعد من الإبـادة الجماعية والإبادة البيئية. التي تستهدف كــل شـــيء - الــنــاس والــحــيــوانــات والـكـوكـب نـفـسـه، والـسـعـي وراء الــربــح، قــد استنزف الأرض وحــــــــــوّل الــــكــــوكــــب إلـــــــى مــــوضــــوع للاستهلاك. المخدرات أداة استعمارية ويـــــــــــدور مــــــوضــــــوع كـــــتـــــاب «الــــــدخــــــان والــــرمــــاد» حــــول الــرأســمــالــيــة الـــتـــي تفتقد أي وازع أخــــ قــــي. وبــــدايــــة، يـفـنـد المــؤلــف الـــكـــتـــابـــات الــــتــــي تــــدعــــي أن الأفـــــيـــــون كـــان يستخدم في الصي بشكل واسـع، ويعتبر ذلك من الكليشيهات التي لا أساس لها من الـصـحـة، إذ لـم يكن إنـتـاج الأفــيــون نتيجة لـلـتـقـالـيـد الـصـيـنـيـة، بـــل «كـــانـــت المـــخـــدرات أداة فــــي بـــنـــاء قـــــوة اســـتـــعـــمـــاريـــة». وكــــان النبات يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد في مستعمرة الهند البريطانية. وفــي كتابه «لـــعـــنـــة جــــــوزة الـــطـــيـــب»، يــســتــدعــي غـــوش المذبحة التي اقترفها جان بيترزون كوين )، فـــي جــــزر بـــانـــدا فـــي عــام 1629 - 1587( للسيطرة على احتكار جوزة الطيب. 1621 يطبق قـوش الآن هـذه الطريقة أيضاً على الأفــــيــــون. وكـــــان قـــد ســبــق لـــه أن كــتــب عن تاريخ الأفيون «ثلاثية إيبيس»؛ وتتضمن )، و«نهر الدخان» 2008( » «بحر الخشخاش ). وروى 2015( » )، و«طـــوفـــان الــنــار 2011( فيها قـصـة سفينة الـعـبـيـد، إيـبـيـس، التي كانت تتاجر بالأفيون بـن الهند والصي .)1842 - 1839( خلال حرب الأفيون الأولى ) عـــالـــم 1936( يــــقــــول جــــــان بــــريــــمــــان اجتماع الهولندي والخبير فـي مواضيع الاســــــتــــــعــــــمــــــار والـــــعـــــنـــــصـــــريـــــة ومــــــــــا بـــعـــد الـكـولـونـيـالـيـة، عــن «لـعـنـة جـــوزة الـطـيـب»: )VOC( «ما الذي ألهم هؤلاء الهولنديي من شـــركـــة الـــهـــنـــد - الـــشـــرقـــيـــة، بـــقـــيـــادة كــويــن لذبح جميع سكان جزر - باندا قبل أربعة قـرون؟». هذا السؤال يطرحه أيضاً الكاتب الـــهـــنـــدي غـــــوش فــــي كـــتـــابـــه «لـــعـــنـــة جــــوزة الطيب». علماً بأن جوزة الطيب لا تنمو إلا في هذه الجزر. ويضيف بريمان: «ليس من باب الاهتمام بما نعتبره نحن في هولندا النقطة السيئة في تاريخنا الاستعماري، ولـكـن لأن، عقلية شـركـة الـهـنـد - الشرقية عـام تحركنا، 400 الهولندية مـا تــزال منذ بــل إنـهـا تغرقنا مـبـاشـرة فــي أزمـــة المـنـاخ. وباختصار، تعتبر قصة الإبادة الجماعية في جزر - باندا بمثابة مَثَل لعصرنا، وهي قصة يمكن تعلم الكثير». دولة المخدرات لشركة الهند - الشرقية كانت هولندا أول من اعترف بالقيمة الــتــجــاريــة لــأفــيــون، وهـــو المـنـتـج الــــذي لم يسبق له مثيل من قبل. ولضمان توفر ما يكفي مــن الأفــيــون لـلـتـجـارة، تــم اسـتـخـدام المــــزيــــد مــــن المـــنـــاطـــق فــــي جـــزيـــرتـــي جــــاوة ولــومــبــوك لـــزراعـــة الــخــشــخــاش. وتــبــن أن احــتــكــار شــركــة الـهـنـد - الـشـرقـيـة لـأفـيـون كـان بمثابة إوزة تضع بيضاً ذهبياً، فقد 1709 عاد الحاكم العام إلى هولندا في عام ومعه ما يعادل الآن «ثروة بيل غيتس» وقد يعود جزء من ثروة العائلة الملكية الحالية لــــهــــذه الــــتــــجــــارة، بـــحـــســـب غـــــــوش، نـتـيـجـة اسـتـثـمـارهـا الأمــــوال فــي شــركــات الأفــيــون. وهــكــذا أصـبـحـت هـولـنـدا «دولــــة المــخــدرات الأولـــــى». ولـكـن تـبـن أن ذلـــك كـــان لا شــيء، مقارنة بما فعله البريطانيون فـي الهند؛ وفقاً لغوش، فقد أتقنوا إدارة أول «كارتل عالمي للمخدرات». فــــفــــي الــــهــــنــــد، أجــــبــــر الـــبـــريـــطـــانـــيـــون المزارعي على تحويل أراضيهم إلى حقول خشخاش والتخلي عن المحصول بأسعار منخفضة. ثـم قـامـوا ببناء المصانع حيث كـان على (العبيد) معالجة الأفـيـون وسط الأبـــخـــرة. ولـــم تـكـن الــســوق الـهـنـديـة كبيرة بما يكفي، لذلك كان على الصينيي أيضاً أن يتكيفوا. ومـع ذلـك، يبدو أن الصينيي لم يكونوا مهتمي على الإطـ ق بالتجارة مع البريطانيي. ويقتبس غوش رسالة من تشيان لونغ، إمبراطور الصي آنذاك، الذي كتب في رسالة إلى الملك البريطاني جورج : «لم نعلق أبداً أي قيمة 1793 الثالث في عام على الأشياء البارعة، ولم تكن لدينا أدنى حاجة لمنتجات من بلدك». لعب الأفيون دوراً مركزياً في الاقتصاد فصاعداً. وتم 1830 الاستعماري منذ عـام إنشاء المزيد والمزيد من المصانع في الهند لتلبية احـتـيـاجـات «المستهلك الصيني»، Rudyard كـــمـــا كـــتـــب الـــكـــاتـــب الـــبـــريـــطـــانـــي في 1899 روديــــــــارد كـبـلـنـغ عــــام Kipling تقريره «في مصنع للفيون»؛ فرغم الرائحة الخانقة للفيون، كان «الدخل الكبير» الذي حققه للإمبراطورية البريطانية أهم. تضاعفت مساحة حقول الخشخاش فــــي الـــهـــنـــد إلـــــى ســـتـــة أضــــعــــاف. ويـــوضـــح غـــوش بـالـتـفـصـيـل مـــا يـعـنـيـه هـــذا لـكـل من المجتمع الهندي والطبيعة في القرون التي تــلــت ذلـــــك. فـــ يــحــتــاج نـــبـــات الـخـشـخـاش إلى الكثير من الرعاية فحسب، بل يحتاج أيضاً إلــى الكثير مـن المـــاء، مما يــؤدي إلى الــجــفــاف واســـتـــنـــزاف الـــتـــربـــة. كــمــا شكلت تـجـارة الأفــيــون جغرافية الهند المعاصرة بــطــرق أخــــرى. وأصـبـحـت مـومـبـاي مدينة مــهــمــة كـــمـــيـــنـــاء عـــبـــور لـــأفـــيـــون فــــي عـهـد الــبــريــطــانــيــن. ولا تــــزال المــنــاطــق الــتــي تم إنـشـاء معظم حقول الأفـيـون فيها فـي ذلك الوقت من بي أفقر المناطق في الهند. يـــوضـــح قــــوش كــيــف يـعـمـل الـــتـــاريـــخ، وبــالــتــالــي يـمـيـز نـفـسـه عـــن مـعـظـم الـكـتـاب الذين تناولوا الموضوع ذاته. كــــمــــا أنـــــــه يـــــرســـــم أوجـــــــــه تــــشــــابــــه مــع الـــــحـــــاضـــــر، الـــــتـــــي لا يـــــجـــــرؤ الــــكــــثــــيــــر مــن المؤلفي على تناولها. ووفقاً لـه، لا توجد مـبـالـغـة فـــي تـقـديـر تـأثـيـر تـــجـــارة الأفــيــون الاسـتـعـمـاريـة عـلـى الأجـــيـــال الــ حــقــة. فما أنشأه البريطانيون في المناطق الآسيوية لا يختلف عن عمل منظمة إجرامية - حتى بـمـعـايـيـر ذلــــك الـــوقـــت، كــمــا يـكـتـب غـــوش، وهذا ما زال قائماً. إن رؤيـــة ذلــك والاعـــتـــراف بـه أمــر بالغ الأهـمـيـة لأولـئـك الـذيـن يـرغـبـون فـي العمل من أجل مستقبل أفضل. يـــوم أمـــس مـنـح مـلـك هــولــنــدا ويـلـيـام ألـــكـــســـنـــدر جــــائــــزة إيــــراســــمــــوس لأمــيــتــاف غــــوش فـــي الــقــصــر المــلــكــي فـــي أمـــســـتـــردام، تــقــديــراً لـعـمـل غــــوش، الــــذي يــقــدم، بحسب لجنة الـتـحـكـيـم، «عــ جــ يجعل المستقبل غـــيـــر المــــؤكــــد مـــلـــمـــوســـ مــــن خـــــ ل قـصـص مقنعة عن الماضي، وهو يرى أن أزمة المناخ هـــي أزمــــة ثـقـافـيـة تـنـشـأ قـبـل كـــل شـــيء من الافتقار إلى الخيال». نجاة تميم أميتافغوش الباحثة الأميركية إليز غراهام تطيح النموذج التقليدي لشخصياتهم «كتاب وخنجر»: أكاديميون فيسلك الجاسوسية يـطـيـح «كـــتـــاب وخــنــجــر: هــكــذا أصـبـح الأكـاديـمـيـون وأمـنـاء المكتبات الجواسيس غـــــيـــــر المـــــتـــــوقـــــعـــــن فـــــــي الـــــــحـــــــرب الــــعــــالمــــيــــة الـثـانـيـة» لـلـبـاحـثـة الأمـيـركـيـة إلــيــز غــراهــام بالنموذج التقليدي الـذي غلب على أذهـان الجمهور حول شخصيّة الجاسوس عميل الاســتــخــبــارات، والــتــي تــكــرّســت عـبـر مئات الروايات والأفـ م السينمائيّة والمسلسلات الـتـلـفـزيـونـيّـة عـلـى مــثــال «جـيـمـس بــونــد» - بطل روايـات الكاتب البريطاني إيان فلمنغ - فـــيـــقـــدّم مـــن خــــ ل ســـيـــرة أربـــــع مـــن عـمـ ء - )OSS( مـكـتـب الـــخـــدمـــات الاســتــراتــيــجــيــة كـــــان نــــــواة تـــأســـيـــس وكــــالــــة الاســـتـــخـــبـــارات الأمــــيــــركــــيّــــة لاحــــقــــ - الــــذيــــن لــــم يــــأتــــوا مـن خـلـفـيـات أمـنـيـة أو عـسـكـريّـة، ولا حـتـى من أقسام الفيزياء والتكنولوجيا بالجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة - كما كان الحال في مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية، بل من أقسام الأكاديمية النظريّة فـــي الأنــثــروبــولــوجــيــا والـــتـــاريـــخ والــلــغــات، فكأنما تضع «أقـل الناس لمعاناً في العالم، في المهنة الأكثر بريقاً في العالم»، على حد تعبير المؤلفة. تعود بدايات هذه العلاقة غير المتوقعة بي العلوم النظريّة ووكـــالات الجاسوسية إلــــى أيّــــــام الـــحـــرب الـــعـــالمـــيّـــة الـــثـــانـــيـــة، الـتـي دخـــلـــتـــهـــا الــــــولايــــــات المــــتــــحــــدة دون جـــهـــاز استخبارات مدني كما كان الحال في بعض أمـــم أوروبـــــا - تـأسـس جـهـاز الاسـتـخـبـارات – إذ اعتمدت دائماً 1909 البريطاني في عام لجمع المعلومات الاستراتيجية والحساسة مــــــن الــــعــــالــــم عــــلــــى جـــــهـــــاز الاســــتــــخــــبــــارات العسكرية التابع للجيش الأميركي. على أن الحاجة إلى نهج جديد يوسع دائــــــــرة جـــمـــع المـــعـــلـــومـــات لمــــا وراء الإطــــــار الـعـسـكـري بـــدت مــاســة بـعـد انـــــدلاع الـحـرب مع غزو ألمانيا 1939 على البر الأوروبي في لـبـولـنـدا، فعمد الـرئـيـس فـرانـكـلـن روزفـلـت إلى تكليف المحامي البارز ويليام دونوفان بتأسيس ما سمي وقتها بمكتب الخدمات الاســـتـــراتـــيـــجـــيـــة الــــــذي اســـتـــمـــر فــــي نـشـاطـه ليخلفه 1945 عامي بعد انتهاء الحرب عام فــي مـهـمـاتـه وكــالــة الاســتــخــبــارات المـركـزيـة والـــتـــي تــعــد الـــيـــوم أقــــوى أجــهــزة 1947 مـــن الاستخبارات في العالم على الإطلاق. وتقول غراهام إنّ تصور دونوفان عن جهاز مدني للاستخبارات تمحور حول بناء منظومة لجمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها لـلـوصـول إلــى استنتاجات ذات فائدة، مما يحتاج إلى مهارات احترافيّة في التعامل مع المعلومات والأرشيف إلى جانب أساسيات العمل الميداني، ولذلك استقصد الـبـحـث عــن مهنيي متخصصي مــن عالم الأكاديميا والسعي لتجنيدهم كعملاء. كان أساتذة الجامعات وأمناء المكتبات وخـــبـــراء الأرشـــيـــف مـنـجـمـ غـنـيـ لـلـمـواهـب الــــتــــي يـــمـــكـــن أن تـــلـــعـــب دور الــــجــــاســــوس المـفـتـرض بـبـراعـة: أذكــيــاء ويمكنهم التعلّم بسرعة، يحسنون التعامل مـع المعلومات، ومعتادون على العمل المضني، ويتسمون عادة بالتحفظ في سلوكياتهم، مما يسهل ذوبـانـهـم فـي الأجــــواء مـن حولهم دون لفت الانـتـبـاه، ومنهم بنى دونــوفــان أول شبكة تـــجـــســـس أمـــيـــركـــيّـــة مـــحـــتـــرفـــة فــــي الـــفـــضـــاء المدنيّ. تــتــبــع غـــــراهـــــام فــــي «كــــتــــاب وخــنــجــر» دونــــــوفــــــان بــيــنــمــا يــتــصــيــد هــــــذه المــــواهــــب فــــي أروقـــــــة الـــكـــلـــيّـــات الـــنـــظـــريّـــة لـلـجـامـعـات الأميركيّة، وتضئ على قصص أربـع منهم ممن تم تجنيدهم بأسلوب أدبي رفيع يمزج بــن حـقـائـق الـتـاريـخ ورومــانــســيّــة الــدرامــا، لتكون الولادة الأولى للجهد الاستخباراتي الأمـــيـــركـــي فـــي أجــــــواء مـــن الــــرّفــــوف المـــديـــدة مـــــن الـــكـــتـــب ورائـــــحـــــة الــــــــــورق، وصـــنـــاديـــق الوثائق والبحث عن معلومة في كومة من البيانات بعيداً عن الأنظار بدلاً من الصورة 007 الــتــلــفــزيــونــيــة لمــــطــــاردات الــعــمــيــل رقــــم بـالـسـيـارات الـريـاضـيّـة الـفـارهـة، والـقـفـز من الطائرات، وترك المغلّفات للعملاء في نقاط الالــتــقــاط. وبـالـنـسـبـة للمؤلفة فـــإن كتابها بمثابة تذكّر لهؤلاء الكوادر الذين ساعدوا الولايات المتحدة على كسب الحرب، وتالياً مـــد مـظـلّـة الـهـيـمـنـة الأمــيــركــيّــة عـلـى الـعـالـم لعقود. الـشـخـصـيّـات الأربـــعـــة الـتــي اخـتـارتـهـا غـــــراهـــــام لــــســــرد هــــــذه المـــرحـــلـــة كــــانــــوا لـــدى تجنيدهم قــد سـلـكـوا فــي حياتهم خطوطاً مــهــنــيّــة أكـــاديـــمـــيـــة فــــي عـــــدد مــــن جــامــعــات الـــنـــخـــبـــة عـــنـــدمـــا تــــحــــدث إلـــيـــهـــم مـــوظـــفـــون فـيـدرالـيـون لطلب مساعدتهم فـي المجهود الحربيّ. جوزيف كيرتس كان يـدرّس اللغة الإنجليزية فـي جامعة ييل، وأديـــل كيبري أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة شـــيـــكـــاغـــو والـــخـــبـــيـــرة بـــعـــبـــور الأرشـــيـــفـــات وأقسام المحفوظات، وكارلتون كون أستاذ الأنـــثـــروبـــولـــوجـــيـــا فــــي جـــامـــعـــة هـــــارفـــــارد، وأيضاً شيرمان كينت الباحث الملحق بقسم الــتــاريــخ فـــي جـامـعـة يــيــل. تـلـقـى المـجـنـدون الأكــاديــمــيــون الــجــدد تـدريـبـات مكثّفة على أســــالــــيــــب الــــــخــــــداع، ومــــــراوغــــــة المــــطــــارديــــن وطرائق التشفير وأساسيات القتال الفردي، ويـبـدو أنـهـم لـم يـجـدوا صعوبة فـي التقاط هذه المهارات الجديدة، لكن الجزء الأصعب كما لاحــظ مـدربـوهـم كــان تعليمهم نسيان خلفيّة اللياقة والتهذيب التي قـد تمنعهم من ضرب الخصم تحت الحزام أو استغلال نقاط ضعفه. أرســــل بـعـدهـا كـيـرتـس وكـيـبـري تحت غـــطـــاء مــهــمّــة أكـــاديـــمـــيـــة لـــشـــراء الــكــتــب من دور النشر المحليّة. كيرتس إلـى إسطنبول - الـــتـــي كـــانـــت تـــمـــور بــالــجــواســيــس مـــن كل الـــدّول - وكيبري إلـى استوكهولم - للبحث فـي مكتبات دولــة محايدة عـن مــواد ألمانية قـد تـكـون ممنوعة مـن الـتـوزيـع فـي مناطق أخـرى من أوروبـــا: مثل الصحف والمجلات، والصّور، والخرائط. أكـــــــوام المـــــــواد الأولـــــيّـــــة الـــتـــي جـمـعـتـهـا كيبري كانت بحاجة إلــى تنظيم وتحليل، وتلك كانت مهمة أوكلت لكينيث، الذي قاد فريقاً من المحللي تولى مثلاً تحديد مواقع المـطـارات ونقاط توزيع الكهرباء ومحطات الـسـكـك الـحـديـديـة ومـكـاتـب الـتـلـغـراف على امتداد الأراضــي الفرنسيّة للعمل على منع قــــوات الاحـــتـــ ل الـــنـــازي مـــن الانـــتـــفـــاع بـهـا، وفـــي الــوقــت ذاتـــه تـحـديـد مــبــانٍ ومـسـاحـات قــد يتسنى للحلفاء الاســتــفــادة منها عند الحاجة لإنشاء مستشفيات ميدانيّة ونقاط ارتكاز. وتـــقـــول غـــراهـــام إن فــريــق كـيـنـت نجح مـسـتـفـيـداً مـــن الـــخـــرائـــط الــســيــاحــيّــة وأدلــــة الأعــمــال الـتـي أرسـلـتـهـا كـيـبـري فــي تحديد مــــواقــــع مـــعـــامـــل تـــنـــتـــج مـــكـــونـــات أســـاســـيّـــة لصناعة أسلحة المـحـور والـتـي استهدفها الحلفاء بالتخريب بشكل ممنهج. أما كون فيبدو أنّـــه لـم يكن مفيداً كثيراً خــ ل فترة الـــحـــرب، وكـــانـــت أفــضــل فــكــرة لـــه كـمـا تـقـول غـــراهـــام هـــي إخـــفـــاء الـــعـــبـــوات الــنــاســفــة في أكــــوام الـفـضـ ت الـتـي تـتـركـهـا الـبـغـال على جوانب الطرق. عاد هؤلاء الأكاديميون إلى جامعاتهم بــعــدمــا وضـــعـــت الـــحـــرب أوزارهــــــــا: كـيـرتـس اســـــتـــــعـــــاد وظــــيــــفــــتــــه أســـــــتـــــــاذاً فــــــي جـــامـــعـــة يــيــل، واســتــأنــفــت كـيـبـري عـمـلـهـا فـــي عـبـور المجموعات الأرشيفية المغلقة التي تحتفظ بها الحكومات ومراكز البحث وجهات ذات حيثية مثل الـفـاتـيـكـان. أمــا كينت فلم يعد يـجـد نـفـسـه فــي عــالــم الأكــاديــمــيــا، فالتحق بــعــد عـــــدّة ســـنـــوات بـــوكـــالـــة الاســـتـــخـــبـــارات المركزية وأسس مجلتها البحثية الداخلية، «دراســـــات فــي الاســتــخــبــارات»، فيما تــورط كـون في نشر نظريات أنثروبولوجيّة ذات نـفـس عـنـصـري مــا لـبـثـت أن فــقــدت قيمتها العلميّة خلال الخمسينيات فخسر سمعته وانتهى إلى الإهمال. وتـــــقـــــول غــــــراهــــــام إن هــــــذه الــــبــــدايــــات المـــشـــجـــعـــة لـــلـــتـــقـــاطـــع بـــــن عـــــالمـــــي الـــكـــتـــاب والــخــنــجــر جـعـلـت مـــن مــجــمــوعــة جـامـعـات الـنـخـبـة الأمــيــركــيّــة - الــتــي تـسـمـى بـرابـطـة اللبلاب - بمثابة مزارع مفتوحة لاستقطاب المـواهـب المميزة إلـى العمل الاستخباراتي، وهو الأمر الذي لا أحد ينكر أنه مستمر إلى الآن. كتاب وخنجر: هكذا أصبح الأكاديميون وأمناء المكتبات الجواسيس غير المتوقعين في الحرب العالمية الثانية Book and Dagger: How Scholars and Librarians Became the Unlikely Spies of ،World War II، By Elyse Graham، Ecco .2024 ندىحطيط إليز غراهام تعود بدايات العلاقة غير المتوقعة بين العلوم النظريّة ووكالات الجاسوسية إلى أيّام الحرب العالميّة الثانية سردار عبداللهيحاول ملء الفراغ فيسيرة الشيخ النقشبندي صـــــــدر عـــــن دار «نـــــوفـــــل - هـــاشـــيـــت أنــــطــــوان» كـــتـــاب «مــــوجَــــز الـــرحـــلـــتَـــنْ في اقتفاء أثر مولانا ذي الجناحَيْ» للكاتب والسياسي العراقي الـكـردي ســـردار عبد الله. في هذا الكتاب، الذي نال تنويهاً من جائزة ابن بطّوطة لأدب الرحلات، يحاول ســــردار عـبـد الــلــه، مــن خـــ ل رحـلـتـن قـام إلى الهند، ملء الفراغ 2018 بهما في عام في سيرة الشيخ النقشبندي. هــــــنــــــاك، فــــــي مــــديــــنــــة جــــيــــهــــان آبــــــاد القديمة، قضى الشيخ خالد النقشبندي عــامــ فــي منتصف الــقــرن الـتـاسـع عشر، أسهمت تلك السنة في تعزيز دور الشيخ لإحــــداث تـغـيـيـرات بـعـد عــودتــه؛ إذ تبنى الطريقة النقشبندية الـتـي بـاتـت تسمى فيما بعد باسمه «النقشبندية الخالدية». تقودنا هذه الرحلة إلى أحـداث تاريخية مـهـمـة حـيـنـهـا مـثـل ســقــوط ولايــــة بـغـداد والـطـريـقـة الصوفية البكتاشية. فكانت طريقته الصوفية بمثابة البديل الروحي أولاً؛ مـا أحـــدث تـحـولاً كبيراً فـي تركيبة الــــزعــــامــــة الـــــكـــــرديـــــة، الــــتــــي انـــتـــقـــلـــت مـن طبقة الأمــــراء والإقــطــاع إلــى رجـــال الدين المتنوّرين. اتخذ الكاتب قـراراً جازماً بألا يعود مـــن الــهــنــد مـــا لـــم يـعـثـر عــلــى ذلــــك المــكــان المــجــهــول، غـيـر أنـــه فــي رحـلـة بحثه تلك، يخوض في التاريخ تـارة وفـي العجائب والطرائف التي يصادفها في تلك البلاد تارة أخرى. «كـــيـــف لــنــمــلــةٍ أن تــــطــــارد نــــســــراً؟»، يتساءل الكاتب، كيف لمريدٍ أن يقتفيَ آثارَ شيخٍ حملَ الشريعةَ على جناحٍ والحقيقةَ عــلــى آخـــــر، وجـــــابَ بـهـمـا أصـــقـــاع الـدنـيـا مُحلّقاً؟ فــي هـــذه الـرحـلـة الممتعة فــي الـزمـان والمـــكـــان والــــــروح، يُـــشـــاركُ الــكــاتــب قــــرّاءَه ؛2018 تـفـاصـيـلَ رحـلـتَـيْـه إلـــى الـهـنـد عـــام بحثاً عن خانقاه الشاه عبد الله الدهلوي. هــنــاك، فــي مـديـنـة جـيـهـان آبـــاد القديمة، قــضــى الــشــيــخ خـــالـــد الــنــقــشــبــنــدي عـامـ خـــ ل بـــدايـــات الــقــرن الــتــاســع عــشــر، عـاد من بَعدِه إلـى كردستان وبغداد والشام، يـحـمـلُ طـريـقـةً أحـــدثـــتْ تـــحـــوّلاً كـبـيـراً في المنطقة، في فترةٍ مهمّةٍ تاريخيّاً شهدتْ ســقــوط ولايــــة بـــغـــداد، وســـقـــوطَ الإمــــارات الكُرديّة؛ ما خلق فراغاً رهيباً في السلطة. 216 فــــــي كـــــتـــــابـــــه، الــــــــــذي يــــقــــع فــــــي صفحة، يتساءل ســردار عبد الله ثانية: «لمـــــاذا يـــثـــور مَــــن تـتـلـمـذ عــلــى يـــد الـشـيـخ الـنـقـشـبـنـدي، بــــدءاً بـالـشـيـخ الــنــهــري في كردستان وصــولاً إلـى الأمير عبد القادر فـــي الـــجـــزائـــر، ضــــدّ المـــحـــتـــلّـــن؟»، فـتـأخـذ الرحلة بُعداً أعمق... ويــكــتــشــف كــاتــبُــنــا. فــبــعــدمــا اتـخـذ قــــراراً جــازمــ بـــأّ يـعـود مــن الـهـنـد مــا لم يعثر على المـقـام المنشود، سيعثر المُريد على كنوز المعرفة ودُرَرِ المشاهَدات وهو في طريقه إلى الوجهة الأساسيّة. وســـردار عبد الله - كاتبٌ وسياسيّ كـــــرديّ ومـــرشّـــحٌ ســابــق لــرئــاســة الـــعـــراق. تــــــرأّس هــيــئــة تــحــريــر مــــجــــ ّتٍ وصــحــفٍ كــــرديّــــةٍ عــــــدّة، بــعــد ســــنــــواتٍ قــضــاهــا في جبال كردستان ضمن قــوّات البيشمركة الــــكــــرديّــــة. لــــه إصـــــــــدارات عــــــدّة بــالــلــغــتَــنْ الكرديّة والعربيّة. «موجز الرحلتَيْ في اقــتــفــاء أثــــر مـــولانـــا ذي الـــجـــنـــاحَـــن» هو كتابه الثاني الصادر عن «دار نوفل» بعد .)2019( » روايته «آتيلا آخر العشّاق بيروت: «الشرق الأوسط»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky