issue16802
عندما أشعل «حــزب الـلـه» حــرب «إسـنـاد» ، لم 2023 ) أكــتــوبــر (تــشــريــن الأول 8 غـــزة يـــوم يتوقع لحظة أن تودي هذه الحرب بلبنان إلى نـوفـمـبـر (تــشــريــن الـثـانـي) 27 هـــذا الــــــدرْك. فــي بوسع تل أبيب أن تعلن، في ضوء اتفاق 2024 7« وقـــف الــنــار، أنـهـا بـمـنـأى، ولـعـقـود، عــن أي أكـــتـــوبـــر» مـــن الـــشـــمـــال، وأنـــهـــا دمّـــــرت الـــقـــدرات البشرية والتسليحية لـ«حزب الله». بالتوازي سقطت سرديات رفعها الحزب يوم أطلق حرب «المشاغلة»، فتم فك الارتباط بغزة وسقط شعار وحـــــدة الـــســـاحـــات، وفـــشـــل «الــــحــــزب» فـــي منع إسرائيل من الانتصار، عندما وافق على إخلاء جـــنــوب الـلـيـطـانـي وتـفـكـيـك بـنـيـتـه الـعـسـكـريـة أينما وُجــــدت. لكنه سيكون قـــادراً على القول إن إسرائيل لـم تنجح فـي تدميره كما وعـدت، غير أنـه سيكون عـاجـزاً عـن الإجـابـة عـن سـؤال أيـــن كــــان؟ وأيــــن أصـــبـــح؟ بـعـدمـا خـسـر قـيـادتـه السياسية والعسكرية وسقطت سردياتٌ أغرقَ بها جمهوراً ما زال تحت وطأة مفاجآت الحرب المدمّرة. لــكــنّ الاتـــفـــاق الــــذي يـحـقـن الـــدمـــاء ويـلـبّـي مـطـلـب عــمــوم الـلـبـنـانـيـن وقـــف الـقـتـل العبثيّ والتدمير الممنهَج ومسح القرى والمدن، ينتقص الــــســــيــــادة، خـــصـــوصـــا مــــع الإقــــــــــرار الأمـــيـــركـــي بــ«حـق» إسرائيل في حرية التدخل العسكري كـلـمـا وجــــدت مـــا تـــدّعـــي أنـــه يــهــدد أمــنــهــا، ولـن تعجز عن افتعال الأسباب (...) كما يحمل مسّا خطيراً بحقوق لبنان بأرضه وحدوده المكرّسة ، مـع مــؤشــرات عن 1949 فـي اتـفـاق الـهـدنـة عــام نــقــض تـــل أبـــيـــب الـــحـــدود المـــرسّـــمـــة والمـــصـــادَق عـلـيـهـا دولـــيـــا. كــمــا أن الــبــنــود المـــدرجـــة تحت ، تُغفل 1701 عـنـوان آلـيـة تنفيذ الـقـرار الـدولـي حــق عــــودة الــنــازحــن قــســراً، وهـــو حــق كـــان قد أكـده القرار الدولي في ثلاثة بنود، الأمـر الذي يُظهر نيّات العدو الساعي إلى تحويل جنوب الليطاني إلــى حـــزام أمـنـي، ومـمـنـوع على أهل الأرض العودة إليها. مـــعـــروف أن الاتـــفـــاق لـــم يــمــر فـــي أي قـنـاة رسمية. علما أنه في ظل الشغور، تُعدّ السلطة التنفيذية الجهة المـنـوط بها حصراً صلاحية التفاوض، وهذه الصلاحية لا تُجيّر، وبالتالي فــــإن مـجـلـس الـــــــوزراء لـــم يــطّــلــع، والـــبـــرلمـــان في إجـــازة مفتوحة، وكلاهما مطلوب منه توقيع الاتــفــاق وإبـــرامـــه! لـكـنّ الاتــفــاق الـــذي يُعيد إلى كـنـف الـشـرعـيـة الـــحـــدود الـشـرقـيـة والـشـمـالـيـة لـلـمـرة الأولــــى مـنـذ عــقــود، يـحـمـل مــخــاوف من ، عندما 1969 تكرار تجربة اتفاق القاهرة عـام بـصـم الــبــرلمــان عـلـى الــتــنــازل عـــن الــســيــادة من دون اطّـــ ع على الـنـص بذريعة أنــه مـن أســرار الأمن القومي (...)، فكانت له أخطر التداعيات. والـخـشـيـة حقيقية مـــن أن يـــرتّـــب هـــذا الاتــفــاق تـــداعـــيـــات مـسـتـقـبـلـيـة شـبـيـهـة بــمــا تــســبــب به اتفاق القاهرة. كان المطلوب أن تتولى السلطة التنفيذية المــنــوط بـهـا حـصـراً حــق الـتـفـاوض، وكـان على مجلس الــوزراء أن يكون في انعقاد دائـــم وخـــطٍ مـفـتـوح مــع الـجـيـش لمـواكـبـة وضــعٍ غير مسبوق، بجعل الشأن الوطني والسيادة والـحـقـوق أولـويـة الأولـــويـــات. لـكـنّ المفاوضات التي تمت تحت الـرعـايـة الأميركية، جــرت بي دولــــة إســرائــيــل ودويـــلـــة «حــــزب الـــلـــه»، وكـانـت أولويتها استمرارية «المقاومة»، أي بقاء السلاح اللاشرعي، وإلا ماذا يعني الحديث عن سحب السلاح إلى شمال الليطاني؟ فما وظيفته غير الضغط على الــداخــل لـفـرض الإمـــــ ءات؟ وهل يـبـدّل ذلــك مـن واقــع التسبب بهزيمة عـامـة؟ أم أنــهــم فــي مــكــانٍ مــا يـــريـــدون تـعـويـم «مـقـاومـة» فــــريــــدة، تــســبّــبــت فــــي خـــطـــر عــــــودة الاحــــتــــ ل، وخسائر فلكية بشراً وحجراً واقتصاداً؟! رفــــض المـــواطـــن الـلـبـنـانـي الـــحـــرب وطــالــب بالخروج منها، وهو اليوم محكوم بالأمل أنه بـعـدمـا تـسـبـب «حــــزب الـــلـــه» فـــي خــــراب عميم، وأنـزلـت إسـرائـيـل عقابا جماعيا باللبنانيي، يعيش مناخا مـغـايـراً للسائد، مما يشي بأن مـــحـــاولات تـغـيـيـب المــحــاســبــة لـــن تــنــجــح، ولــن تمر محاولات إعادة تكوين السلطة بما يخدم أطراف نظام المحاصصة، الذين غطوا اختطاف الــــدولــــة، وتـــعـــامـــوا عـــن جــريــمــة أخــــذ الــبــلــد إلــى الـحـرب المــدمــرة، فـتـشـاركـوا تقديم لبنان لقمةً ســـائـــغـــةً لإســــرائــــيــــل. إنـــــه وقـــــت الـــتـــقـــاء الـنـخـب لتحمل المـسـؤولـيـة، فهناك فـرصـة لإعـــادة بناء الـــدولـــة الــتــي تـحـتـضـن الـجـمـيـع وتـمـنـع تـكـرار الكوارث. دولة لبداية مغايرة ولغدٍ آمن نقيض الـــدولـــة المـــزرعـــة الـتـي انـتُـهـكـت زمَــنَــهــا الحقوق وساد فيها قانون الإفلات من العقاب. لقد كان بالإمكان تدارك مخطط جرّ لبنان إلـــى هـــذه الـنـكـبـة الــتــي لـــن تـتـضـح كـــل معالمها إلاّ بعد وقــت على سـريـان وقــف الـنـار، والـذيـن كانوا يلهثون بحثا عن سقف يؤويهم ورغيف ودواء سيكون لصوتهم تأثيره. فعلى مدى عام رفـضـت «بـقـايـا الـسـلـطـة» مـــبـــادرات وقـــف الـنـار وتحييد لبنان انـطـ قـا مـن مـبـدأ فـك الارتـبـاط مع غزة. واستمر هذا الموقف إلى ما بعد إعادة احتلال القطاع. أما «الحزب» ففاتَه إدراك حجم سبتمبر (أيلول) 17 كارثة «الـنـداء القاتل» في المـاضـي، وفـاتَـه عُمق الاخـتـراق الاستخباراتي والأمـنـي، ليفشل في تــدارك حملة الإبـــادة التي طــالــت قــيــادتــه الـسـيـاسـيـة والـعـسـكـريـة وظـهـر معها أنه خسر الحرب باكراً. ومــــع إدراك أن شــهــيــة إســـرائـــيـــل لــلــعــودة إلى ارتكاب المجازر وتدمير البلد لا سقف لها ولا حـــــدود، لا مــنــاص عـــن دور فـــاعـــلٍ للسلطة التنفيذية، مع يقظة شعبية ضاغطة، لضمان تـنـفـيـذِ الـــقـــرار الـــدولـــي فـــي جـــنـــوب الـلـيـطـانـي، وشــمــالــه، وفـــي الـــداخـــل، وعـلـى الـــحـــدود، وبما يـدعـم بسط الشرعية مـن دون شــريــك... وبعد اليوم لن ينفع غِنى اللغة العربية في اكتشاف مـــفـــردات تُـــحـــوّل الـهـزيـمـة مكتملة الأركـــــان إلـى انتصار مجيد! Issue 16802 - العدد Thursday - 2024/11/28 الخميس لــم يـعـد الـحـديـث عــن تعليم الـفـلـسـفـة مـــحـــدوداً في مـــجـــالات الـتـربـيـة وســيــاســات الـتـعـلـيـم، بـــل أضــحــى من صـمـيـم الــنــقــاش الــتــنــمــوي المــرتــبــط بــســيــاســات الـــــدول، لــتــحــديــد ســبــل الانـــتـــقـــال بـمـجـتـمـعـاتـهـا نــحــو الأفــضــل والأجود. » -مثلاً- من صميم ما تُرَكّز 2030 «رؤية السعودية عليه الانفتاح على العلوم والنظريات، والانطلاق نحو الفهم والنقاش بدلاً من الإضراب عن العلم. تنصّ الرؤية فـي فصل التعليم على الآتـــي: «تسعى (الــرؤيــة) إلــى أن تواكب المناهجُ التطورات العلمية والحضارية؛ كي يكون الطالب على تواصل دائم مع أي تطوّرات علمية ومعرفية وأي مستجدات». ومن ذلك بالطبع المستجدات العلمية والفلسفية. وأحـــيـــل إلــــى مــقــالــة مــهــمــة لـــأســـتـــاذ عــبــد الـــلـــه بن بـــجـــاد الـعـتـيـبـي نُـــشـــرت فـــي هــــذه الـصـحـيـفـة قــبــل أيـــام بــعــنــوان: «الـــحـــضـــارة بـــن الـعـلـم والـفـلـسـفـة أو التقنية والإدارة»، وأقتبس منه الآتـي: «أمّـا في الفكر والفلسفة فــالمــجــال أرحــــب وأوســـــع، وأكــثــر إثـــــارةً لــلــجــدل، وتـدخـل فيه أنـــواعٌ مـن العلوم الحديثة، مثل العلوم الإنسانية كالأنثروبولوجيا، والعلوم الاجتماعية كعلم الاجتماع وعلم النفس، وغير ذلك من العلوم. أمّا الفلسفات الكبرى ومدارسها القديمة والحديثة فهي مجالٌ مفتوحٌ دائما على الـتـطـور مـا دام البشر يـتـطـوّرون، وبـقـدر مـا تكون المجتمعات منفتحةً على العلم والفلسفة وطرح الأسئلة المستحقة والتفتيش عن الإجابات المقنعة، تنال نصيبها مـن الـحـضـارة والـتـقـدم. جــزء مـن أزمـــات الإنــســان اليوم حـضـور الـصـخـب وغــيــاب الأفـــكـــار وقـلـتـهـا فــي المـجـالات المـتـعـددة. النخب فـي الخليج دائـمـا يكونون أكثر بطئا مــن رؤى قـادتـهـم الـعـالـيـة الــدقــة والــســرعــة. إن الفلسفة جزء أصيل من السجالات العلمية الطبيعية وفقه تاريخ الحضارات، وتستند إليها شتى العلوم حتى في الحرب والسياسة والاقتصاد». إنّ تعليم الفلسفة هدفه غـرس النقاش والتساؤل، ولا يـعـنـي ذلــــك تــدمــيــر الأخــــــ ق، بـــل إن الـفـلـسـفـة بـهـذا تعزّز من التفاهم بي الإنـسـان مع معرفته وأخلاقياته وروابطه المجتمعية. وإذا تمكّنت المؤسسات من التهيئة النفسية للتعلّم الفلسفي فإن الكتاب المدرسي لن يعود ذلك «الكائن الغريب» كما يصفه جون ديوي، بل يضعه أمام ألفة وسلامٍ مع الأسئلة والإشكالات. الفلسفة متجدّدة، الآن ثمة دراسـات لفلاسفة حول المـصـيـر الأخــ قــي بـعـد تــحــوّل الــذكــاء الاصـطـنـاعـي إلـى واقعٍ يجب التعامل معه، كلّ ضمن قيمه وقواني دولته، إن الأمور متشابكة، ثمة تخادم كبير وقديم بي الفلسفة والعلوم. ومن هنا أعود مجدداً إلى اقتباس من مقالة الأستاذ عـبـد الــلــه بــن بــجــاد الـعـتـيـبـي آنــفــة الـــذكـــر، يــقــول: «خـلّـد الـتـاريـخ أفــــراداً امتلكوا العلم والـفـكـر حسب لحظاتهم التاريخية التي يعيشونها، ففي أوج الحضارة العربية أو الإســـ مـــيـــة كـــانـــت الأســــمــــاء كـــثـــيـــرةً، مــثــل ابــــن سينا والـبـيـرونـي فـي المـشـرق وعـشـرات غيرهما، وحــن بـدأت هذه الحضارة الأفول كان ابن رشد في المغرب ينشر العلم والفكر، اللذين رفضهما مجتمعه وتلقاهما تلاميذه في حضارة أخرى كانت في بداية تشكّلها في أوروبا». الــــخــــ صــــة؛ إن الـــفـــلـــســـفـــة لـــيـــســـت كـــمـــا يــطــرحــهــا الـبـعـض أنـهـا مـنـعـزلـة، نـــرى تعليقات سـ فـي جيجيك ومــــــوران وغــيــرهــمــا الـــعـــشـــرات حــــول الــحــديــث الـــجـــاري، إنـــهـــم مــنــخــرطــون فـــي المـــجـــال الـــعـــام، ولـــكـــن لــيــس بغية التحليل بالمعنى السياسي، وإنما الإنصات لصوت هذه الظاهرة وبناء تنظيرٍ حولها، وهذا يتكامل مع التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولذلك لا حضارة متماسكة من دون أسس نظرية فلسفية صلبة. «أشعر بالخجل لأننا لم نتمكن من حمايتكن، وأشعر بالخجل من أمثالي من الرجال بسبب ما فعلوه»... بهذه الكلمات خاطب توم فليتشر، وكيل الأمـــن الــعــام لـأمـم المـتـحـدة لـلـشـؤون الإنـسـانـيـة، مجموعة مـن الـنـسـاء هــذا الأســبــوع خــ ل فعالية فـي إحــدى مـــدارس مدينة بـورتـسـودان، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني). المـسـؤول الـدولـي تحدث عما وصفه بــ«وبـاء العنف الجنسي» المنهجي الذي تتعرض له النساء فــي ظــل الــحــرب الـــدائـــرة فــي الـــســـودان، مــحــذراً من تــوســع نــطــاق هــــذه الاعـــــتـــــداءات، وعــــده أمــــراً غير مقبول. فـلـيـتـشـر لـــم يــكــن المـــســـؤول الأمـــمـــي الـوحـيـد الذي تحدث عن هذه الظاهرة المشينة، فقد سبقته براميلا باتي، الممثلة الخاصة للمي العام للمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع والــــحــــروب، عــنــدمــا أصــــــدرت بــيــانــا خـــاصـــا تحت عنوان «حرب على أجساد النساء والفتيات» وثقت فيه لــروايــات نـسـاء تحدثت إليهن فـي معسكرات الــ جــئــن الــســودانــيــن عــلــى الـــحـــدود الــتــشــاديــة. واســتــنــدت بــاتــن فــي بـيـانـهـا إلـــى مــا سمعته من الضحايا عن جرائم الاغتصاب، واستخدام العنف الجنسي ضمن وسائل الاستهداف لدوافع عرقية، والاتـجـار بالنساء لأغــراض الاستغلال الجنسي، وفي حـالات عدة لـإذلال والإخضاع حيث يرتكب الجناة الاغتصاب أمام أفراد الأسرة. البعثة الـدولـيـة لتقصي حقائق الـوضـع في الـسـودان، التابعة لمجلس حقوق الإنسان الأممي وصـــفـــت حـــجـــم الـــعـــنـــف الـــجـــنـــســـي الــــــذي رصـــدتـــه بــ«المـهـول»، وتحدثت في تقريرها الـصـادر نهاية الـشـهـر المـــاضـــي عـــن أن الاعــــتــــداءات شـمـلـت نـسـاء وفـــتـــيـــات مــــن مــخــتــلــف الأعــــمــــار ولـــــم يــســلــم حـتـى الأطـفـال من هـذا العنف. ووثقت البعثة أيضا في تقريرها اخـتـطـاف نـسـاء وفـتـيـات «لاستعبادهن جنسيا»، وهو أمر ورد في تقارير وشهادات عدة منذ بداية هذه الحرب. فـــــي جـــــل هــــــذه الــــــحــــــالات والــــتــــقــــاريــــر كـــانـــت الاتـهـامـات المدعومة بشهادات الضحايا موجهة نحو قـــوات الـدعـم الـسـريـع، وهــو مـا وثــق لـه كثير مـن منظمات حقوق الإنـسـان الـدولـيـة، ومنظمات المجتمع المـدنـي السودانية، وكـذلـك الأمــم المتحدة التي ذكرت في تقرير لها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المـاضـي أنـهـا أجـــرت تحقيقا أكــد أن معظم أعمال الاغتصاب ارتكبتها قوات الدعم السريع. هـــنـــاك قــصــص مـــروعـــة وردت فـــي شـــهـــادات الـــنـــازحـــن الــــذيــــن هُــــجــــروا مــــن مــنــاطــقــهــم عـنـدمـا اجـــتـــاحـــتـــهـــا قــــــوات الــــدعــــم الــــســــريــــع. قـــصـــص عـن نساء تعرضن للاعتداء الجماعي أمام عائلاتهن، وأخــريــات رمــن بأنفسهن فـي النهر لكي يهربن، بينما روت فتيات أن أهلهن وفـــروا لهن سكاكي لــــلــــدفــــاع أو قـــتـــل أنـــفـــســـهـــن إذا واجـــــهـــــن تــهــديــد الاغـــتـــصـــاب مـــن المــســلــحــن. كـــذلـــك نـــشـــرت بعض الـتـقـاريـر أن فـتـيـات أقــدمــن عـلـى الانــتــحــار بعدما تعرضن للاعتداء. الآثــــار الـنـفـسـيـة والمـجـتـمـعـيـة لــهــذه الـجـرائـم تبقى غـائـرة، وتحتاج إلــى الاهـتـمـام بالمعالجات وإعــــطــــاء أولــــويــــة لــلــضــحــايــا الآن وبـــعـــد الـــحـــرب لمـــســـاعـــدتـــهـــن فــــي مـــســـار الـــتـــعـــافـــي، وتـخـصـيـص مـــــوارد لـدعـمـهـن ودعــــم المـــراكـــز المـخـتـصـة بتوفير العلاج الطبي والدعم النفسي، وكذلك لدعم جهود التوعية المجتمعية لمكافحة الوصمة الاجتماعية، ومــســاعــدة الــنــاجــيــات عـلـى الانـــدمـــاج عـبـر الـدعـم الاجتماعي حتى لا يقعن ضحية العزل والحياة على الهامش وقـسـوة المعاملة نتيجة الإحساس بـــالـــعـــار، وهــــن لا ذنــــب لــهــن فـيـمـا حـــل بـــهـــن. وفــي هذا المجال هناك دور كبير للمنظمات السودانية الــتــي ظـلـت تــقــوم بـجـهـد مــقــدر فــي ظــــروف صعبة مـنـذ بــدايــة الــحــرب، لتوثيق الـــحـــالات، والاهـتـمـام بضحاياها ودعمهن طبيا ونفسيا. أجــهــزة الـــدولـــة لـديـهـا مـسـؤولـيـة كـبـيـرة في هذا المجال، ويمكنها الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي عانت من هذه الجرائم، والاستعانة بخبرات المنظمات المحلية والدولية المعنية بهذه الـــقـــضـــايـــا. ويــمــكــن لـــلـــدولـــة أن تــنــظــر فـــي إنــشــاء مــحــاكــم خـــاصـــة، أو هــيــئــات قـضـائـيـة تـمـنـح لها صــ حــيــات اسـتـثـنـائـيـة تـمـكـنـهـا مـــن الاســتــفــادة من تطبيق القواني الدولية التي تصنف العنف الجنسي جريمة حـرب، وجريمة ضد الإنسانية، ومـــــن الأفــــعــــال الـــتـــي تــــــدرج أيـــضـــا ضـــمـــن جـــرائـــم الإبــادة لأسباب العرق أو الجنس والنوع. فدولة روانــــدا مـثـً نـظـرت فــي قـضـايـا الـعـنـف الجنسي في محاكمها بموجب قواني الإبــادة الجماعية، ضــمــن المــعــالــجــات الـــواســـعـــة فـــي مــرحــلــة مـــا بعد الحرب. أهمية مبدأ المحاسبة تجعل مـن الـضـروري إدراج قضايا العنف الجنسي ومحاكمة المسؤولي عـنـهـا ضــمــن بـــنـــود المـــعـــالـــجـــات، حــتــى لـــو انـتـهـت الـــحـــرب عــلــى طـــاولـــة المـــفـــاوضـــات. فــهــذه الــجــرائــم لا عـــذر فـيـهـا، وإنـــصـــاف ضـحـايـاهـا يتطلب أشـد درجــات الــردع بحيث تكون الرسالة واضحة لكل المتفلتي. يبقى مـن المهم أيضا دعـم مشاركة المـــرأة في بــنــاء الــســ م وحـــل المـــنـــازعـــات، لا لأنــهــا دائــمــا مع الأطـــفـــال فـــي مـقـدمـة ضـحـايـا الـــحـــروب، بـــل لأنـهـا تـسـتـطـيـع أيـــضـــا أن تــعــطــي رؤيـــــة مـخـتـلـفـة أكـثـر حساسية فـي النظر إلـى جريمة العنف الجنسي البشعة ومعالجاتها المتشعبة. باستطاعة المرأة أن تعطي رؤية مختلفة وحساسة بشأن جريمة العنف الجنسي البشعة ومعالجاتها المتشعبة لاحضارة متماسكة من دون أسسنظرية فلسفية صلبة فهد سليمان الشقيران عثمان ميرغني حنا صالح OPINION الرأي 14 «وباء العنف الجنسي» فيحرب السودان مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة أيّ غدٍ للبنان بعد الحرب؟ بعد اليوم لن ينفع غِنى اللغة العربية في اكتشاف مفردات تُحوّل الهزيمة مكتملة الأركان إلى انتصار مجيد!
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky