issue16801
لم تكن بلدة الخيام، الواقعة على التخوم الشرقية للجنوب اللبناني، مجرد تفصيل هامشي في خارطة جبل عامل، وتاريخه المحكوم بالقلق العاصف وصراعات الدول والمصالح، بل كانت ولا تـزال واسطة عقد القرى المحيطة بها، بقدر مـا كـان لها النصيب الأوفـــر مـن كـل حـرب تقع، أو سلام يتحقق، أو ربيع ينشر ملاءات جماله على الملأ. والأرجــــح أن الأهـمـيـة الـتـي اكتسبتها الـبـلـدة عبر الـزمـن، تــتــراوح أسبابها بـن سحر موقعها الـجـغـرافـي، وعـراقـة تــاريــخــهــا الـــحـــافـــل بـــــالأحـــــداث، وتـــعـــدد الـــقـــامـــات الأدبـــيـــة والشعرية التي أنجبتها البلدة عبر القرون. ولعل في تسمية الخيام أيضاً، ما يعيد إلى الأذهان مـــنـــازل الـــعـــرب الأقــــدمــــن، والمـــســـاكـــن الــتــي كــانــت تقيمها على عجل جيوش الفتوحات، والخيم المؤقتة التي كان الجنوبيون ينصبونها في مواسم الصيف، عند أطـراف كـــروم الــتــن، بـهـدف تجفيف ثـمـارهـا الشهية وادّخـــارهـــا مؤونة للشتاء البخيل. وإذا كان الدليل على ذلك حاضراً في ذاكرة سهل الخيام المترعة بآلاف الأشجار والنصوب والــــكــــروم، فــــإن الــشــعــر بــــــدوره كــــان جـــاهـــزاً لــلــتــحــول إلــى مـدونـة كبرى لذلك العالم الــزراعــي، الــذي كــادت تطيح به عشوائيات عمرانية مرتجلة وبالغة الفظاظة. ورغـــم أن جـغـرافـيـا الـبـلـدة الـتـي تشبه ظـهـر الـفـرس، بهضبتها الطويلة المطلة على الـجـولان والجليل وجبل حرمون، هي التي أسهمت في تحولها إلى واحدة من أكبر بلدات جبل عامل، فـإن هـذه الجغرافيا بـالـذات قد شكلت نعمة الخيام ونقمتها في آن، وهي المتربعة عند المفترقات الأكـــثـــر خـــطـــورة لـــخـــرائـــط الــــــدول والـــكـــيـــانـــات الـسـيـاسـيـة المتناحرة. وفـي ظل التصحر المطرد الـذي يضرب الكثير مــن الــــدول والـكـيـانـات المـــجـــاورة، تنعم الـبـلـدة ومحيطها بالكثير من الينابيع، ومجاري المياه المتحدرة من أحشاء حرمون لتوزع هباتها بالتساوي بي ربـوع إبـل السقي، التي أخـذت اسمها من سقاية المـاء، والخيام التي يتفجر عند سفحها الغربي نبع الــــدردارة، ومرجعيون، أو مرج الـعـيـون، الـتـي تـرفـدهـا فـي أزمـنـة الـجـدب والـقـبـح بئر من الجمال لا ينضب معينه. وإذا كانت الشاعريات والسرديات والفنون العظيمة هــــي ابــــنــــة المــــيــــاه الـــعـــظـــيـــمـــة، كـــمـــا يــــذهــــب بـــعـــض الـــنـــقـــاد والباحثي، فإن هذه المقولة تجد مصداقيتها المؤكدة من خلال البلدات الثلاث المتجاورة. إذ ليس من قبيل الصدفة أن تنجب إبل السقي قاصاً متميزاً من طراز سلام الراسي، وتنجب مرجعيون قـامـات مـن وزن فــؤاد وجـــورج جـرداق وعــصــام مـحـفـوظ ومـايـكـل دبـغـي وولــيــد غلمية وإلـيـاس لـحـود، فيما أنجبت الـخـيـام سلسلة الـشـعـراء المتميزين الذين لم تبدأ حلقاتها الأولى بعبد الحسي صادق وعبد الحسي عبد الله وحبيب صـادق وسكنة العبد الله، ولم تنته حلقاتها الأخـيـرة مـع حسن ومحمد وعـصـام العبد الله وكثيرين غيرهم. ومـع أن شعراء الخيام قد تغذوا من منابت الجمال ذاتـهـا، ولفحهم النسيم إيـــاه بمهبه الــرقــراق، فــإن الثمار التي جنتها مخيلاتهم من حقول المجاز لم تكن من صنف واحـــد، بـل كـانـت لكل منهم طريقته الـخـاصـة فـي مقاربة الـلـغـة والــشــكــل والـــرؤيـــة إلـــى الأشـــيـــاء. فـحـيـث جـهـد عبد الحسي عبد الـلـه، فـي النصف الأول مـن الـقـرن المنصرم، في تطعيم القصيدة التقليدية بلمسة خاصة من الطرافة والسخرية المحببة، حرصحبيبصادق على المزاوجة بي المنجز الشعري الحداثي وبي النمط العمودي الخليلي، مع جنوح إلى المحافظة والالتزام بقضايا الإنسان، أملته شخصية الـشـاعـر الرصينة مـن جـهـة، وانـتـمـاؤه الفكري والسياسي الذي دفعه من جهة أخرى إلى الانصراف عن الكتابة، وتـأسـيـس «المـجـلـس الثقافي للبنان الجنوبي» الـذي شكل الحاضنة الأكثر حدباً لكوكبة الشعراء الذين عرفوا في وقت لاحق بشعراء الجنوب اللبناني. لكن الكتابة عن الخيام وشعرائها ومبدعيها يصعب أن تستقيم، دون الوقوف ملياً عند المثلث الإبداعي الذي يتقاسم أطرافه كلّ من عصام ومحمد وحسن العبد الله. اللافت أن هؤلاء الشعراء الثلاثة لم تجمعهم روابط القرابة والــصــداقــة وحـــدهـــا، بــل جمعهم فــي الآن ذاتـــه موهبتهم المتوقدة وذكاؤهم اللماح وتعلقهم المفرط بالحياة. على أن ذلك لم يحل دون مقاربتهم للكتابة من زوايا متغايرة وواضحة التباين. فعصام الـذي ولد وعـاش في بيروت ودُفــن في تربتها بعد رحيله، والــذي نظم باللغة الفصحى العديد من قصائده المـوزونـة، سرعان ما وجد ضــالــتــه الـتـعـبـيـريـة فـــي الــقــصــيــدة المــحــكــيــة، بـحـيـث بــدت تجربته مزيجاً متفاوت المقادير من هذه وتلك. إلا أن الـهـوى المـديـنـي لصاحب «سـطـر الـنـمـل» الـذي حوّل مقاهي بيروت إلى مجالس يومية للفكاهة والمنادمة الألـــيـــفـــة، لـــم يـمـنـعـه مـــن الــنــظــر إلــــى الــعــاصــمــة الـلـبـنـانـيـة بـوصـفـهـا مـجـمـعـات ريـفـيـة مــتــراصــفــة، ومــديــنــة مـتـعـذرة التحقق. وهـو مـا يعكسه قوله باللهجة المحكية «مـا في مْـديـنـة اسـمْـهـا بــيــروت بـــيـــروتْ عـنـقـود الـــضّـــيّـــع». كـمـا أن حنينه الدفي إلى الريف الجنوبي، والخيام في صميمه، مـا يلبث أن يظهر بجلاء فـي قصيدته «جبل عـامـل» ذات الـــطـــابـــع الــحــكــائــي والمـــشـــهـــديـــة الـــ فـــتـــة، الـــتـــي يـــقـــول في مطلعها: «كـــان فـي جـبـلْ إسـمـو جـبـلْ عـامـلْ راجـــعْ عبَيتو مْــنِ الشغلْ تعبانْ وْكـــانِ الـوقـتْ قبل العصرْ بِـشْـوَيْ بكّيرْ تيصلّي تْمدّدْ عَكرْسي إسمها الخيامْ كتْفو الشمال ارتاح عالجولانْ كتْفو اليمي ارتاحْ عا نيسانْ». ومـــع أن الـخـيـام، كـمـكـان بعينه، لا تظهر كـثـيـراً في أعــمــال محمد الـعـبـد الـلـه الـشـعـريـة، فـهـي تظهر بالمقابل خلفية طيفية للكثير من كتاباته، سواء تلك المترعة بعشق الطبيعة وأشـجـارهـا وكائناتها، كما فـي قصيدته «حـال الحور»، أو التي تعكس افتتانه بوطن الأرز، الذي لا يكف عن اختراع قياماته كلما أنهكته الحروب المتعاقبة، كما في قصيدته «أغنية» التي يقول فيها: ّ من الموج للثلج نأتيك يا وطن الساعة الآتية إننا ننهض الآن من موتك الأوّلي ْ لنطلع في شمسك الرائعة ْ نعانق هذا التراب الذي يشتعل ونسقيه بالدمع والدم يمشي بنسغ الشجر أمــــا حــســن عــبــد الـــلـــه، الـــــذي آثــــر حــــذف أل الـتـعـريـف من اسمه العائلي، فقد عمل جاهداً على أن يستعيد من خلال شعره، كل تلك الأماكن التي غذت ببريقها البرعمي حواسه الخمس، قبل أن تتضافر في إبعاده عنها إقامته الطويلة في بيروت، والحروب الضروس التي نشبت غير مـرة فـوق مسقط رأســه بـالـذات، وحولت عالمه الفردوسي إلى ركام. ورغم أن نتاجه الشعري اقتصر على مجموعات خـمـس، فقد تمكن حسن أن يجعل مـن البساطة طريقته الماكرة في الكتابة، وأن يحمل أكثر الصور غرابة وعمقاً، على الكشف عن كنوزها بسلاسة مدهشة أمام القارئ. وإذ أفــــــاد صـــاحـــب «أذكـــــــر أنـــنـــي أحـــبـــبـــت» و«راعــــــي الــضــبــاب» مــن فــن الــرســم الـــذي امـتـلـك نـاصـيـتـه بالموهبة المــــجــــردة، فــقــد بــــدت قــصــائــده بـمـعـظـمـهـا أشــبــه بـلـوحـات مـتـفـاوتـة الأحــجــام منتزعة مــن تـربـة الـخـيـام وأشـجـارهـا وعسل فاكهتها الأم، ومياهها الغائرة في الأعماق. وكما استطاع بدر شاكر السياب أن يحوّل جدول بويب النحيل إلى نهر أسطوري غزير التدفق، فقد نجح حسن عبد الله من جهته في تحويل نبع «الدردارة»، الواقع عند الخاصرة الـغـربـيـة لـبـلـدتـه الــخــيــام، إلـــى بـحـيـرة مـتـرامـيـة الأطــــراف ومترعة بسحر التخيلات. وإذا كانت المشيئة الإلهية لـم تـقـدّر لشعراء الخيام أن يعيشوا طويلاً، فإن في شعرهم المشبع بروائح الأرض ونـسـغـهـا الـــفـــولاذي، مــا لا يــقــوى عـلـيـه فــــولاذ المـجـنـزرات الإسرائيلية المحيطة ببلدتهم من كل جانب. وكما يواجه الـجـنـوبـيـون الــعــدو بـمـا يـمـلـكـون مــن الــعــتــاد والأجـــســـاد، واجـــهـــه الـــشـــعـــراء بـالـقـصـائـد وشـــواهـــد الــقــبــور ونـــظـــرات الغضب المدفونة في الأرض. ومن التخوم القصية لبراري الفقدان، راح حسن عبد الله يهتف ببلدته المثخنة بحراب الأعداء: ُ تأتي الطائرات وتقصف الصفصاف، تأتي الطائراتُ ويثْبتُ الولد اليتيم وطابتي في الجوّ والرمان في صُرَر الغيوم، وتثبتينَ كراية التنّين، إني مائلٌ شرقاً وقد أخذ الجنوب يصير مقبرةً بعيدة. أنجبت الخيام شعراء متميزين مثل عبد الحسينصادق وعبد الحسين عبداللهوحبيبصادق وسكنة العبداللهوحسن ومحمد وعصام العبدالله الثقافة CULTURE 18 Issue 16801 - العدد Wednesday - 2024/11/27 الأربعاء الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمالسبتي تصدر قريباً الأعـمـال الشعرية الكاملة ،)2006 - 1955( للشاعر العراقي كمال سبتي أحـد أهـم شـعـراء مـا عُــرف بجيل السبعينات فـــــي الــــــعــــــراق. مــتــضــمــنــة ثـــمـــانـــيـــة دواويـــــــــن، ،»1980 مــســتــهــلــةً بــــديــــوان «وردة الـــبـــحـــر ـ ومـخـتـتـمـةً بـــ«صــبــراً قــالــت الـطـبـائـع الأربـــــع ـ ». هـنـا نــص مـقـدمـة هـــذه الأعــمــال التي 2006 سـتـصـدر عـــن «دار جــبــرا لـلـنـشـر والـــتـــوزيـــع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان». وقـــــد كـــتـــب مـــقـــدمـــة المـــجـــمـــوعـــة الــكــامــلــة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جـاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها: «يـحـتـاج شـعـر كـمـال سـبـتـي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مـمـا هـــو شــائــع مـــن تـقـنـيـات شـعـريـة تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هــــذه الـــنـــزعـــات الأســلــوبــيــة، طــالمــا أن الـشـعـر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً. شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فــكــر. والـقـصـيـدة لـــدى كــمــال مـعـمـار ذهــنــي - فـكـري ونـفـسـي، فــي الآن ذاتــــه، يـسـتـمـدّ فيها الــشــاعــر مـــادتـــه مـــن مـــغـــاور الـنـفـس والـسـيـرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمـــــزاً. دون أن يـسـتـثـنـي مــــادة الــحــلــم من اســـتـــثـــمـــاره الـــفـــنـــي والمـــــوضـــــوعـــــي، وهـــــو مـا يُتبيّ أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص الـنـثـريـة الـطـويـلـة، المــتــأخــرة، لـيـتـصـادى ذلـك مــع قـــــراءات الـشـاعـر فــي الـــروايـــة أو اعـتـمـاده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعـن هـذه الأخـيـرة قـد أشــار إلـى ذلـك الشاعر نفسه فــي واحـــد مــن الـــحـــوارات الـتـي أُجـريـت مـــعـــه، لـــيـــرقـــى كـــــلّ ذلـــــك إلـــــى أن يـــكـــون جــــزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المــــــرة، مُــســقَــطــة بـالمـحـصـلـة عــلــى الــقــصــيــدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو مـا ينسحب بالقدر ذاتــه على نــزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والــقــرآن والــتــراث، مـا نجمَ أثــره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربـــع»، وإلــى حـد مـا فـي المجموعة السابقة لها. وهـو فــارق يلمسه الـقـارئ، إجـمـالاً، بي المـنـحـى الــــذي اتـــخـــذه شـعـر كــمــال سـبـتـي في الـسـبـعـيـنـات أو الـثـمـانـيـنـات ومـــا صـــار إلـيـه فـــي الـتـسـعـيـنـات ومــــا بــعــدهــا. وعـــلـــى الــرغــم مـمـا ذهـــب إلــيــه الـشـاعـر مــن مـــدى أقــصــى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكــان لقراءاته المـذكـورة آنفاً، دورهــا في بسط المناخ الملائم لانــتــعــاش هـــذه الــقــصــيــدة، ثــانــيــةً، وقـــد بـدت محافظة فــي شكلها، لـكـن بـالاحـتـفـاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شـعـر كـمـال سـبـتـي، وبــدافــع مــن روح المعنى الـــذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخـيـر، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية فـي ذاتــهــا، قضية رافـــع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب. تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عــن كـمـال اهـتـمـامـه المــفــرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه بـه قبل النشر وبعده، لأن الشعر كـان كل حياته، هـذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه. ولأهـــمـــيـــة هــــذه الأعــــمــــال وضــــــروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إّ فيما نــــدر، ولأهــمــيــة أن تــأخــذ مـكـانـهـا فـــي مكتبة الـشـعـر، عـراقـيـ وعـربـيـ ، كـانـت هــذه الخطوة فــي جمعها ومـراجـعـتـهـا وتقديمها للنشر. وقـــد كـــان لــوفــاء الــصــديــق، الــفــنــان المـسـرحـي رياضسبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الـحـاسـم فـي حفظ مجموعات الـشـاعـر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حي تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به». من المجموعة الكاملة: «الشاعر في التاريخ» ٍالرجل الجالسُ في المكتبة ٍمورّخٌ يكتبُ عن شاعر ِالرجل الهاربُ في سيرة ْمشرّدٌ في الليل كالليل ْرغيفهُ بارد رغيفهُ واحد ِعنوانه مصطبة محطّةٌ مغلقةُ الباب •ٍ ًالرجلُ الخائفُ في سيرة ٍيغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّة ْبلحية كثة ْومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّة ْبنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريق يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرة تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ. عمان: «الشرق الأوسط» ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم كشفت أعـمـال المـسـح المـتـواصـلـة فـي الإمـــارات العربية المتحدة عن مواقع أثرية موغلة في القدم، مـنـهـا مــوقــع تـــل أبــــرق الــتــابــع لإمـــــارة أم الـقـيـويـن. يـحـوي هـــذا الـتـل حصناً يـضـمّ سلسلة مــبــانٍ ذات غـــــرف مـــتـــعـــددة الأحـــــجـــــام، يــــجــــاوره مـــدفـــن دائـــــري جماعي كبير. وتُظهر الــدراســات أن هــذه المنشآت تعود إلى فترة تمتد من الألف الثالث إلى منتصف الألـــف الـثـانـي قبل المــيــ د، وتـرتـبـط بمملكة عُرفت فـــي تـــــراث بــــ د الـــرافـــديـــن بـــاســـم مــــاجــــان. خـرجـت مــن هـــذا الـتـل مجموعة مــن الـلـقـى تشهد لتعدّدية كبيرة في الأساليب، وضمّت هذه المجموعة بضع قطع ذهبية، منها قطعة منمنمة على شكل كبش، وقطعة مشابهة على شكل وعلَي متجاورين. يـقـع تــل أبــــرق عـنـد الــخــط الـــحـــدودي الـفـاصـل بي إمارة أم القيوين وإمارة الشارقة، حيث يجاور الطريق الرئيسي المـــؤدي إلــى إمـــارة رأس الخيمة. شــرعــت بـعـثـة عـراقـيـة بـاسـتـكـشـاف هـــذا المــوقــع في ، وبعد سنوات، عُهد إلى بعثة دنماركية 1973 عام تـابـعـة لـجـامـعـة كـوبـنـهـاغـن بـــإجـــراء أعـــمـــال المـسـح والتنقيب فيه، فأجرت تحت إدارة العالِم دانيال بوتس خمس حملات بي عامَي . خـرج تل أبـرق من الظلمة 1998 و 1989 إلى النور إثر هذه الحملات، وعمد فريق من الباحثي التابعي لكلية برين ماور الأميركية وجامعة توبنغن الألمانية على . تواصلت 2007 دراســـة مكتشفاتها فـي أعـــمـــال الـتـنـقـيـب فـــي الــســنــوات الـتـالـيـة، وأشـــــرفـــــت عــلــيــهــا بـــشـــكـــل خــــــاص بـعـثـة إيطالية تعمل في إمـارة أم القيوين منذ .2019 مطلع اســــتــــعــــاد دانـــــيـــــال بــــوتــــس فـــصـــول استكشاف هذا الموقع في كتاب صدر عام تـحـت عــنــوان «مـــاجـــان الــقــديــمــة... أســــرار تل 1999 ،1986 أبرق». زار الباحث تل أبرق للمرة الأولى في يـوم كـان يقود أعمال التنقيب في مواقع مجاورة، وزاره ثانية بعد عامي، بحثاً عن مـؤشـرات أثرية خــــاصــــة تـــتـــعـــلّـــق بــــالأبــــحــــاث الــــتــــي كــــــان يـــقـــودهـــا، وكـــان يومها يعتقد أن تـاريـخ هــذا الـتـل يـعـود إلى مطلع الألــف الأول قبل المـيـ د، ثـم عهد إلـى العا ِة الــدنــمــاركــيــة آن مـــــاري مــورتــنــســن بــمــشــاركــتــه في استكشاف هذا الموقع، وتبيّ له سريعاً أن الأواني الـتـي كشفت عنها أعـمـال المـسـح الأولـــى تـعـود إلى القرون الثلاثة الأولـى قبل الميلاد بشكل مؤكّد. إثر هـــذا الاكــتــشــاف، تــحــوّل مــوقــع تــل أبــــرق إلـــى موقع رئيسي في خريطة المواقع الأثرية التي ظهرت تباعاً فــي الأراضـــــي الـتـابـعـة لـــإمـــارات الـعـربـيـة المـتـحـدة، وتوّلت البعثة الدنماركية مهمة إجراء أعمال المسح المعمّق فيه خلال خمسة مواسم متتالية. حمل عنوان كتاب دانيال بوتس اسم «ماجان القديمة»، وهـو اسـم تــردّد في تـراث بـ د الرافدين، ويــمــثّــل جـــــزءاً مـــن شــبــه جـــزيـــرة عُـــمـــان كــمــا تُـجـمـع الــدراســات المـعـاصـرة. يذكر قصي منصور التركي هــــذا الاســـــم فـــي كــتــابــه «الــــصــــ ت الـــحـــضـــاريـــة بي الـعـراق والخليج الـعـربـي»، ويـقـول فـي تعريفه به: «تـعـدّدت الإشـــارات النصية المسمارية عـن المنطقة الـتـي عُــرفــت بـاسـم مــاجــان، وهـــي أرض لـهـا ملكها وحاكمها الخاص، أي إنها تمثّل تنظيماً سياسياً، جعل ملوك أكد يتفاخرون بالانتصار عليها واحداً تــلــو الآخـــــــر». عُـــــرف مــلــك مـــاجـــان بـــأقـــدم لــقــب عند السومريي وهو «إين» أي «السيد»، كما عُرف بلقب «لــــوجــــال»، ومــعــنــاه «الـــرجـــل الــعــظــيــم». واشـتـهـرت مـاجـان بـالمـعـادن والأحــجــار، وشكّلت «مملكة ذات شـأن كبير، لها ملكها واقتصادها الـقـوي»، ودلّـت الأبحاث الحديثة على أن مستوطنات هذه المملكة، «بـمـا فيها الإمـــــارات الـعـربـيـة وشـبـه جــزيــرة عُـمـان الــحــالــيــة، كــانــت لـهـا قـــاعـــدة زراعـــيـــة، ولــكــي تـجـري حـــمـــايـــة اســـتـــثـــمـــاراتـــهـــم هـــــذه شـــعـــر المــســتــوطــنــون بــــضــــرورة بـــنـــاء الــتــحــصــيــنــات الـــدفـــاعـــيـــة المـمـكـنـة لـقـراهـم، حيث احـتـوت كـل قـريـة أو مدينة صغيرة عـلـى أبــــراج مـرتـفـعـة، بمنزلة حـصـن مغلق واســـع، يــتــفــاوت ارتــفــاعــ ومــســاحــةً بـــن مـديـنـة وأخـــــرى». يُمثّل تل أبــرق حصناً من هـذه الحصون، ويُشابه فـي تكوينه قلعة نــزوى فـي سلطنة عُـمـان، وموقع هيلي في إمارة أبو ظبي. يـتـوقّـف دانـــيـــال بــوتــس أمــــام اكـتـشـافـه قطعةً ذهبيةً منمنمةً على شكل كبش في مدفن تل أبرق، ويـعـبّـر عـن سـعـادتـه البالغة بـهـذا الاكـتـشـاف الـذي تـــ ه اكــتــشــاف آخـــر هـــو كـنـايـة عـــن قـطـعـة مشابهة تمثّل كما يبدو وعلَي متجاورين. وتحمل كلّ من هاتي القطعتي ثقباً يشير إلـى أنها شُكّلت جزءاً مـــن حــلــيّ جــنــائــزيــة. إلــــى جــانــب هــاتــن الحليتي الذهبيتي، تحضر حلقة على شكل خاتم، وقطعة عــلــى شــكــل ورقــــة نـبـاتـيـة مــــجــــرّدة، إضـــافـــةً إلــــى زر صـغـيـر، وتُـــكـــوّن هـــذه الـقـطـع مـعـ مجموعة ذهبية صـغـيـرة تـجـذب ببيرقها كـمـا بصناعتها المتقنة. يحضر الكبش في وضعية جانبية، ويتميّز بطابع تجسيمي دقـيـق، يتجلى فـي جانبيه. فـي المقابل، يحضر الوعلان متقابلي بشكل معاكس، أي الذيل فـــي مــواجــهــة الـــذيـــل، ويــتــمــيّــزان كــذلــك بــحــذاقــة في التنفيذ تظهر في صياغة أدّق تفاصيل ملامح كل منهما. يذكر احد النقوش أن «لوجال ماجان»، أي عظيم ماجان، أرسل ذهباً إلى شولكي، ثاني ملوك 2047 إلــى 2049 سـ لـة أور الثالثة الـــذي حكم مـن قبل الميلاد. ويربط دانيال بوتس بي قطع تل أبرق الذهبية وبي هذا الذهب، مستنداً إلى هذه الشهادة الأدبـــــيـــــة، ويـــجـــعـــل مــــن هـــــذه الـــقـــطـــع قــطــعــ مـلـكـيـة ماجانية. في الخلاصة، يبرز كبش تل أبرق ووعلاه بأسلوبهما الفني الرفيع، ويشكّلان قطعتي لا نرى ما يماثلهما في ميراث مكتشفات تل أبرق الذيضمّ مجموعة من البقايا الحيوانية، تُعد الأكبر في شبه الجزيرة العربية. من هـذا الموقع كذلك، عثرت البعثة الإيطالية على مجموعة من اللقى، منها تمثال 2021 في عام 8.4 نـحـاسـي صغير عـلـى شـكـل وعـــل، يبلغ طـولـه سـنـتـيـمـتـر. يـــعـــود هــــذا الــتــمــثــال إلــــى فـــتـــرة زمـنـيـة مغايرة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الـثـالـث المـــيـــ دي، ويـتـمـيّـز بـطـابـعـه الــواقــعــي الــذي يعكس أثـراً هلنستياً واضـحـ . يماثل هـذا التمثال مجموعة كبيرة من القطع مصدرها جنوب الجزيرة العربية، كما يماثل قطعاً معدنية عُثر عليها في قرية الفاو، في الربع الخالي من المملكة السعودية. قطعتانذهبيتانوقطعةنحاسيةمصدرها موقعتلأبرقفيالإماراتالعربية محمود الزيباوي اشتهرت بموقعها الفريد وسهلها ومعتقلها وكتابها المبدعين شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد وشواهد القبور شوقي بزيع حبيبصادق حسن عبدالله
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky