issue16800

الثقافة CULTURE 18 Issue 16800 - العدد Tuesday - 2024/11/26 الثلاثاء إنه ليس مجرد خيال أو تهويم في عالم أثيري رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة لـيـس أكـثـر مــن قـصـائـد الـشـعـر بمختلف الــلــغــات وفـــي شـتـى الــعــصــور، ولــكــن مـــا عسى John( الـــشـــعـــر أن يــــكــــون؟ يـــقـــول جـــــون كــــــاري ) أســــتــــاذ الأدب الإنـــجـــلـــيـــزي بـجـامـعـة Carey A( » أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز )، (مطبعة جامعة ييل، Little History of Poetry ) إن «صلة الشعر باللغة 2020 ، نيوهفن ولندن كـصـلـة المـوسـيـقـى بــالــضــوضــاء. فـالـشـعـر لغة مستخدمة على نـحـوٍ خـــاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كـاري الـذي نعرضه هـــنـــا مـــوضـــوعـــه أشــــعــــار عــــاشــــت عـــلـــى الـــزمـــن مــنــذ مـلـحـمـة جـلـجـامـش الـبـابـلـيـة فـــي الألـفـيـة الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلـيـاذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني ) والـشـاعـرة الأفـــرو - أميركية 2013 (تُـوفـي فـي ) والــشــاعــر 2014 مـــايـــا أنــجــيــلــو (تـــوفـــيـــت فـــي .)2019 الأسترالي لس مري (توفي في لــيــس الــشــعــر كــمــا يــظــن كـــثـــيـــرون خــيــالاً مـنـقـطـع الـصـلـة بــالــواقــع أو تـهـويـمـا فـــي عـالـم أثــيــري عــديــم الـــجـــذور. إنـــه كـمـا يــوضــح كــاري مشتبك بــالأســطــورة والــحــرب والــحــب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعــــتــــرافــــي، ومــــراوحــــة بـــ قــطــبــي الـكـاسـيـة والــــرومــــانــــســــيــــة، وأداة لــلــنــقــد الاجـــتـــمـــاعـــي، ومعالجة لقضايا الجنس والــعــرق والطبقة. إنـه كلمات يختارها الشاعر مـن محيط اللغة الـــــواســـــع ويـــرتـــبـــهـــا فــــي نـــســـق مـــعـــ يــخــاطــب الـعـقـل والــــوجــــدان والــــحــــواس. فــالــشــعــراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية». 630( وتعتبر الـشـاعـرة اليونانية سـافـو ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة 570- ق.م امـرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (الـقـصـيـدة الـوحـيـدة الـتـي وصـلـت إلـيـنـا منها كاملة عنوانها «أنــشــودة إلــى أفـروديـتـي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء نــاضــجــة فـــي شـــجـــرة عــالــيــة بــعــيــدة المـــنـــال. أو هــــي زهـــــــرة جــبــلــيــة يـــطـــأهـــا الـــــرعـــــاة الأجــــــاف بـأقـدامـهـم فـتـتـرك أثـــراً أرجــوانــيــا عـلـى الأرض. »31 وفـــى قصيدتها المـعـروفـة بـاسـم «الـــشـــذرة تـرى صديقة لها تتحدث مع رجـل وتضاحكه فــتــتــولاهــا الـــغـــيـــرة ويـــثـــب قـلـبـهـا فـــي صــدرهــا وتـــشـــعـــر كـــــأن نــــــاراً تـــرعـــى فــــي بـــدنـــهـــا فـتـعـجـز عــن الــكــام وتـغـيـم عيناها وتـرتـعـد فرائصها (لــلــدكــتــور عــبــد الــغــفــار مـــكـــاوي كـــتـــاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة). والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلدي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الــكــريــم فــي طـفـولـتـه واشــتــغــل خــبــازاً قـبـل أن يغدو من شعراء البلط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمـزاً إلـى الحب الإلـهـي والـوجـد الصوفي والـنـشـوة الروحية المـــجـــاوزة لــلــحــواس. وقـــد غـــدت قــصــائــده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقـوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه. كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فــــقــــدان لــلــصــلــة بـــــه. يــتــجــلــى هـــــذا عـلـى أوضـــــح الأنــــحــــاء فـــي عــمــل الـــشـــاعـــر الـــرمـــزي الــفــرنــســي أرتــــــور رامـــبـــو مـــن الـــقـــرن الـتـاسـع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بـ معطياتها يـغـدو الـشـاعـر رائـيـا يــرى ما لا يـــــراه غـــيـــره وســيــتــكــشــف آفـــــاق المــجــهــول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة مــــن الـــعـــمـــر، وذلــــــك فــــي قـــصـــائـــده «الـسـفـيـنـة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل فـــي الــجــحــيــم» (تــرجــمــهــا الــفــنــان التشكيلي رمــســيــس يــــونــــان) و«الـــلـــوحـــات المـــلـــونـــة» أو «الإشـراقـات» (ترجمها رفعت سـام). وبهذه الــقــصــائــد غــــدا رامـــبـــو - ومـــعـــه لــوتــريــامــون صـــاحـــب ديـــــــوان «أغــــانــــي مــــــالــــــدورور» - أبـــا لــلــســريــالــيــة فــــي الـــعـــقـــود الأولـــــــى مــــن الـــقـــرن العشرين. والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروبا محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر -1986( الشاعر التشيكي ياروسلف سيفرت .1984 ) الحائز جائزة نوبل لـأدب في 1901 إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» ) يخاطب مدينته بــراغ التي أحالتها 1956( الـحـرب العالمية الثانية إلــى ركــام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات مـنـحـه جـــائـــزة نــوبــل أن شــعــره الــــذي يـمـتـاز بـــالـــوضـــوح والمــوســيــقــيــة والـــصـــور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه. ومــن خــال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي ) الـــذي نـقـل إلـــى الإنـجـلـيـزيـة كثيراً 1966 فــي مـــن الآثـــــار الـشـعـريـة والـــروائـــيـــة والمـسـرحـيـة الصينية واليابانية. ومــــــن أمـــثـــلـــة تـــرجـــمـــاتـــه هــــــذه الــقــصــيــدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو- تـــي (الـــقـــرن الأول ق.م) وفـيـهـا يــرثــي حبيبته الراحلة: لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية. وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب. غرفتها الخالية باردة ساكنة. وأوراق الشجر الساقطة قـد تكوّمت عند الأبواب. وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة كيف يتسنى لـي أن أحـمـل قلبي المتوجع على السكينة؟ ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر الـعـالمـي، قديما وحـديـثـا، شرقا وغربا، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طــرح الأسـئـلـة على الــكــون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هــذا الـتـسـاؤل - مـن جـانـب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معا. د. ماهر شفيق فريد الروائي الكويتي يرى أن صورة الخليج أقرب للنمطية في الذهنية العربية الحمادي: الكاتب مسكون بهواجسلا تُخرِسها الكتابة يُــولــي الـكـاتـب والـــروائـــي الـكـويـتـي عبد الـــوهـــاب الـــحـــمـــادي الـــتـــاريـــخ اهــتــمــامــا كـبـيـراً فـيُـعـيـد تـشـكـيـل أسـئـلـتـه وغـــرائـــبـــه فـــي عـالمـه الأدبــي، منقبا داخله عن الحكايات الناقصة وأصــــــوات الــهــامــش الــغــائــبــة، وهـــو مـــا يمكن استجلؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة الــقــطــط الـــســـمـــان»، الــــصــــادرة أخـــيـــراً عـــن دار «الـــشـــروق» بـالـقـاهـرة. وكـــان قــد صـــدر لــه من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الـــطـــيـــر الأبــــابــــيــــل»، وروايــــــــة «لا تـقـصـص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة .2015 «البوكر» العربية عام هـنـا حــــوار مـعـه حـــول روايـــتـــه الـجـديـدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة: تُـــــازم بـطـل «ســنــة الـقـطـط الــســمــان» نـبـرة > تــأنــيــب ومـــراجـــعـــة ذاتـــيـــة مُــتــصــلــة، هـــل وجـــــدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟ - اعتماد الـــراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كـان خياراً صعبا، تــرددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لـــكـــن بـــعـــد أن جـــــرى نـــهـــر الـــكـــتـــابـــة وتـشـكـلـت الــشــخــصــيــات والمــــواقــــف وتـــعـــقّـــدت الـحـبـكـة، وجـــدت أن ضمير المـخـاطـب اسـتـطـاع تكوين شخصية خـاصـة بالبطل، وأكـسـبـه حضوراً خاصا، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات الـسـرديـة التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها. بطل الـروايـة (مساعد) دائماً ما يصطحب > معه «الـــقـــامـــوس»... تـبـدو علقته باللغة مهجوسة بــــالمــــراجــــعــــة بـــالـــتـــصـــويـــب فـــهـــو «يـــصـــحـــح كــلــمــات أصحابه»، فل تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولـكـنـهـا أوســـــع مـــن هـــــذا. حــدثــنــا عـــن تــلــك الآصــــرة اللغوية. - الـــلـــغـــة بــطــبــيــعــتــهــا انــــتــــمــــاء وهُــــويــــة وانـسـجـام مـع محيط واســـع، هـل كــان البطل يـــبـــحـــث عــــن انـــتـــمـــاء عـــبـــر تــصــحــيــح كــلــمــات أصـحـابـه؟ أو إرجــاعــه كـلـمـات إلـــى أصـولـهـا؟ ربـمـا والإجـــابـــة الأكـــيـــدة عـنـد الـــقـــارئ لا شـك. لـكـنـهـا الــتــقــاطــة جـمـيـلـة مـــنـــكِ، ومُـــعـــبـــرة، عن مـــســـاعـــد، بــطــل الــعــمــل الـــــذي صـــــرّح فـــي أحــد الـــفـــصـــول بـــــأن الــــزمــــان لــــو كـــــان هـــانـــئـــا لألّــــف قاموسا يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويــحــمــلــه أغـــلـــب الـــــروايـــــة، قـــامـــوس يــتــوسّــط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلقي الشرق بالغرب. أود الاقـــتـــراب مــن تـشـريـح الـعـمـل لخريطة > المجتمع الـكـويـتـي والمـعـتـمـد الـبـريـطـانـي والــوافــديــن، مـا بـن مـسـرح «ســـوق الـخـبـازيـن» وسـاحـة المسجد ومــكــتــب المـعـتـمـد الــبــريــطــانــي. حــدثــنــا عـــن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلثينات القرن الماضي. - لــــن أقــــــول جــــديــــداً إن قـــلـــت إن صــــورة الخليج فــي الـذهـنـيـة الـعـربـيـة أقـــرب لـصـورة نــمــطــيــة، قـــد تــتــفــوق فـــي أحـــيـــان كــثــيــرة على الــــصــــورة الــنــمــطــيــة الـــغـــربـــيـــة تـــجـــاه الـــعـــرب. وأسـبـاب هــذه النظرة طويلة ومـتـجـذرة ولن أخــوض فيها حفاظا على الـوقـت والمساحة، لكن أجدني دونما وعـي أصـف ما كـان آنـذاك مـــن مــكــان وأنـــــاس وأحــــــداث، لتثبيت صـــورة مُـغـايـرة عـمّـا يـــرد لأذهــــان مــن عنيت فــي أوّل الإجــــابــــة... هـــل أكـتـبـهـا لـهـم ولـــهـــذا الــغــرض؟ بـالـطـبـع لا، فــفــي المـــقـــام الأول وصــــف المــكــان أداة مـــن أدوات الــكــتــابــة تُــغــنــي الــعــمــل عبر التفاعلت مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قــد يــكــون صـحـيـحـا، إذ كـمـا أسـلـفـت الـعـاقـة تـبـادلـيـة، وهـــو مــا يـصـنـع خـصـوصـيـة مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني فـــي ذلـــــك، انــغــمــاســي فـــي قــــــراءة كــتــب تــاريــخ المنطقة بشكل عـــام والـكـويـت بشكل خــاص، وأفـادتـنـي كتب مـثـل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثا عن مركز البحوث والــــــدراســــــات، وإصــــــــدار آخـــــر هــــو «الأســـــــواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلت المــعــتــمــد الـــبـــريـــطـــانـــي آنــــــــذاك. وفـــــي الــنــهــايــة مــــشــــاورة الأصـــــدقـــــاء الــضــلــيــعــ فــــي تـــاريـــخ المنطقة وتفاصيله. تـــتـــكـــشـــف مــــامــــح شـــخـــصـــيـــات الـــــروايـــــة > وأصــــــواتــــــهــــــا مــــــن المــــســــافــــة الـــــتـــــي تـــفـــصـــلـــهـــم مــن «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائـراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟ - في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثا بصوته بين الفصول يـــتـــحـــدّث إلـــــى (مــــســــاعــــد)، إلـــــى أن اتـــخـــذت قـــــــراراً بــحــجــبــه كـشـخـصـيـة إلا عـــلـــى لــســان الـجـمـيـع، هــل كـنـت أريــــده أن يــكــون أرضـيـة للقصة تحرك الشخصيات والأحـــداث وفقا لتفاعلتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنـــه سيفيد الـــروايـــة ويـجـعـل الــحــدث مـركّـزاً والأفكار متضافرة. استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي > «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بي القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟ - مــــن المـــــعـــــروف أن الــــعــــرب مـــثـــل كـثـيـر مـــن الأمـــــم تــحــفــظ تــاريــخــهــا بـتـسـمـيـة الأيــــام والأعـــــوام، وأشـهـرهـا عـــام الـفـيـل فــي الـتـاريـخ الإســـامـــي، الـــذي سـبـق زمـــن البعثة النبوية بقليل. واسـتـطـاع ذلــك النهج عند المـؤرخـ والعامة أن يستمر وصـــولاً للعصر الحالي، عندما نـقـول عــام أو سنة الاحــتــال العراقي أو الـــغـــزو، سـنـة الـنـكـبـة، سـنـة الـنـكـسـة، سنة الـــكـــورونـــا إلــــى آخــــــره. لـــذلـــك كــنــت مـحـظـوظـا عـــنـــدمـــا كـــانـــت لــحــظــة الــــحــــدث الأســــــــاس فـي الــــروايــــة، حـــادثـــة المــطــعــم، سـنـة مفصلية في تـــاريـــخ الـــكـــويـــت الـــحـــديـــث، لــحــظــة بـــ بـــوار تـــجـــارة الــلــؤلــؤ وإرهــــاصــــة اكــتــشــاف الـنـفـط، ومــا لحقه مـن تـبـدّل نمط الـتـجـارة الكويتية تـــبـــدّلاً جـــذريـــا، مـمـا انـعـكـس عـلـى طـمـوحـات الشباب المتعلم آنـذاك، وما صاحبه من ثورة فــي وســائــل المـــواصـــات كـالـسـيـارة والـطـائـرة والـــســـفـــن الـــحـــديـــثـــة وهــــبــــوب ريــــــاح انــتــشــار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلت والكتب وارتـفـاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والـرغـبـة فـي الـتـوسـع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهــذا هـو سياق فهم «مساعد» خــــال أحــــــداث الــــروايــــة، وربـــمـــا يـنـطـبـق ذلــك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية». فـــي «لا تـقـصـص رؤيـــــاك» رســمــت مـامـح > عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بي الأزمنة الروائية؟ - ســؤال رائـــع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكونا بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قـــد تـخـفـف مـنـهـا قــلــيــاً، لـكـنـهـا مـــا تـلـبـث أن تـــتـــوهّـــج وتـــنـــدلـــع فــــي حـــريـــق وتــــبــــدأ كــتــابــة جــــديــــدة. الأزمــــنــــة والأمـــكـــنـــة والــشــخــصــيــات مجرد أعـذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية. فـــي روايـــتِـــك «ولا غـــالِـــب» تـعـرضـت لـحـدث > احـــتـــال الـــعـــراق لـلـكـويـت عــبــر مــــدّ خـــيـــوط ســرديــة مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لــفــهــم فـجـيـعـة احـــتـــال بـــــادك الـــتـــي شــهــدتــهــا في سنواتك المبكرة؟ - صــحــيــح، كــنــت أفــعــل مـــا يـمـكّـنـنـي من فهم فجيعة هي الأقـوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة الـعـربـيـة، وتــفــوق بــرأيــي الـنـكـسـة، إذ إن حـرب الأيــام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بـ عـدو واضــح المعالم، ونـظـام عربي واضــــح، ولـــم تـكـن حــربــا عـربـيـة - عـربـيـة، بل لا أجــازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب فــي الاسـتـقـطـاب (مـــع أو ضـــد) والـتـعـبـيـر عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. فـــي «ولا غـــالـــب» حـــاولـــت عــبــر الـشـخـصـيـات الـكـويـتـيـة والمـــرشـــد الفلسطيني، واسـتـغـال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة . واختيار غرناطة الأندلس لتكون 2002 أواخر مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر الـتـاريـخ الـبـديـل، أن تشتعل المـقـارنـة الفكرية بـ الـقـنـاعـات، وجـعـل الــقــارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة. تــحــتــفــظ كـــتـــب عـــبـــد الـــلـــه عـــنـــان وشــكــيــب > أرســــــان بـمـكـانـة خـــاصـــة لـــديـــك، حــتــى أنــــك أشـــرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملمح هذا «الهوى» الخاص الـذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بي الرحلة والتاريخ؟ - عندي هـوى وهــوس بالتاريخ القديم والــــحــــديــــث، وشـــغـــفـــت بـــالـــكـــتـــب الـــتـــاريـــخـــيـــة وأديــــن لـهـا بـالـكـثـيـر، إذ لا يــجــاري مكانتها في نفسي شـيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عـامـا؟ كيف تـرجـم ونـقـل وقــارن وحلل بذكاء نـادر؟ وذلـك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قـراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بــالــدرجــة الأولـــــى ومـــن ثـــم غــــازي الـقـصـيـبـي، والـــطـــيـــب صــــالــــح، وفــــــــواز حــــــــداد، وبــالــطــبــع التجلي الــروائــي الأكـبـر عربيا وحـتـى عالميا وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة. أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بي مشاهد > المـــدن ومـرافـئـهـا قـصـيـدة «المــديــنــة» لكفافيس، التي صــدّرت بها روايـتـك الأخـيـرة، ومـا تعريفك الخاص لــ«المـديـنـة الـتـي تُـاحـقـك» بتعبير الـشـاعـر اليوناني الراحل؟ - تــطــور الـسـفـر بـالـنـسـبـة لـــي مـــن خـال الـــقـــراءة والــكــتــابــة، وتـبـعـهـا تـحـويـل كتابي الأول «دروب أنــدلــســيــة» إلــــى رحــلــة تـطـوف إســــبــــانــــيــــا، كـــــــان انــــبــــثــــاق تـــــدشـــــ مـــرحـــلـــة الرحلت الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عـــبـــر الـــتـــعـــرف عـــلـــى تـــاريـــخـــه ومــجــتــمــعــاتــه وحضاراته، وكنت محظوظا مـرّة أخـرى لأن هــــذه الـــرحـــات زادت مـعـرفـتـي بــالــنــاس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مـــع المــشــتــركــ المــتــحــدريــن مـــن بـــلـــدان عــــدّة، كـل ذلــك منحني معرفة لا تشترى بـمـال ولا تعلّم فـي المـــدارس. وعندما واجـهـت قصيدة كفافيس وعـــدت إلـيـهـا، وجـــدت أنـهـا معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هـي الـحـال فـي قصيدة محمود درويـــش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس فـــي تــصــديــر الــــروايــــة حــتــى تــفــوقــت قـصـيـدة شـاعـر الإسـكـنـدريـة وتـــصـــدّرت أولـــى عتبات النص الـروائـي. وسـؤالـي لـكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلـك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود! القاهرة: منى أبو النصر عنديهوى وهوسبالتاريخ القديم والحديث وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسيشيء «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدىحمد صـــــدرت حــديــثــا عـــن «مـــنـــشـــورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هـدى حمد. وتأتي هـذه المتوالية بعد عـدد مـن الـروايـات والمــــجــــمــــوعــــات الـــقـــصـــصـــيـــة، مـــنـــهـــا: «نـمـيـمـة مــالــحــة» (قـــصـــص)، و«لـيـس بــــالــــضــــبــــط كــــمــــا أريــــــــــــد» (قـــــصـــــص)، و«الأشــــــــيــــــــاء لـــيـــســـت فـــــي أمـــاكـــنـــهـــا» (روايــــــة)، و«الإشــــــارة بـرتـقـالـيّـة الآن» (قــــــصــــــص)، «الـــــتـــــي تـــــعـــــدّ الــــســــالــــم» (روايــــــــــة)، «ســــنــــدريــــات فــــي مـسـقـط» (روايــــــــة)، «أســـامـــيـــنـــا» (روايــــــــة)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية). في أجواء المجموعة نقرأ: لـم يكن ثمّة مـا يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يـتـوسـطُ حـلّـتـنـا. هـنـالـك حـيـث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريــــــان» أن تــكــون فـسـاتـ ، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء. فـــــي المـــصـــنـــع المــــهــــجــــور، يـــنـــعـــدمُ إحساسنا بالزمن تماما، نذوب، إلا أنّ وصـــول أســــرابٍ مـن عصافير الـــدوري بشكلٍ مـتـواتـرٍ لشجر الـغـاف المحيط بـــنـــا، كــــان عـــامـــة جـــديـــرة بــالانــتــبــاه، إذ ســرعــان مــا يـعـقـبُ عـودتـهـا صــوتُ جــــدي وهــــو يـــرفـــع آذان المــــغــــرب. تلك الـعـصـافـيـر الـضـئـيـلـة، الــتــي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تمل السماء بشقشقاتها الجنائزية، فــــتــــعــــلــــنُ انـــــتـــــهـــــاء الـــــــيـــــــوم مـــــــن دون مـفـاوضـة، أو مـسـاومـة، هـكـذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الـظُـلـمـة الـبـائـسـة دافــعــة الـشـمـس إلـى أفولٍ حزين. في أيــامٍ كثيرة لم أعـد أحصيها، تحتدُ أمّـــي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتـأخـر: «الـغـروبُ علمة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد». وهــــــــدى حــــمــــد كــــاتــــبــــة وروائــــــيّــــــة عُمانيّة، وتعمل حاليا رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية. الكويت:» الشرق الأوسط» هدىحمد الروائي عبد الوهاب الحمادي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky