الثقافة CULTURE 17 Issue 16798 - العدد Sunday - 2024/11/24 األحد شيرين أبو النجا في «رحِم العالم» «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية فــــي كــتــابــهــا «رحِـــــــم الــــعــــالــــم... أمـــومـــة عـــابـــرة لــلــحــدود» تــزيــح الـكـاتـبـة والــنــاقــدة املـــصـــريـــة الــــدكــــتــــورة شـــيـــريـــن أبــــــو الــنــجــا املُسلمات املُرتبطة بخطاب األمومة واملنت الثقافي الــراســخ حــول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية مــــن ســـؤالـــهـــا: «هـــــل تـــحـــتـــاج األمــــومــــة إلـــى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تـسـعـى فـيـهـا لـتـجـريـد كـلـمـة «أمــــومــــة» من حـمـوالتـهـا «املِــثــالــيــة» املـرتـبـطـة بـالـغـريـزة والـــــــدور االجـــتـــمـــاعـــي والـــثـــقـــافـــي املُــلـتـصـق بهذا املفهوم، ورصد تفاعل األدبني العربي والعاملي بتجلياتهما الواسعة مع األمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء. صــدر الـكـتـاب أخـيـرًا عـن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام الــقــارئ خـريـطـة رحلتها البحثية لتحري مـــفـــهـــوم األمــــومــــة الـــعـــابـــرة لـــلـــحـــدود، كـمـا تـشـاركـه اعـتـرافـهـا بـأنـهـا كـانـت فــي حاجة إلــــى «جــــــرأة» إلخـــــراج هــــذا الــكــتــاب لـلـنـور، الـــــــذي قــــادهــــا «القـــتـــحـــام جـــــبـــــل مــــــــن املــــــقــــــدســــــات، وليس أقدس من األمومة فــــــي مـــجـــتـــمـــعـــاتـــنـــا ولــــو شـكـا فــقــط»، كـمـا تـقـول، وتستقر أبــو النجا على منهجية قـــراءة نصوص «مُــتــجــاورة» تتقاطع مع األمومة، لكاتبات ينتمني إلــــى أزمـــنـــة وجــغــرافــيــات مُـــــتـــــراوحـــــة، ومُـــتـــبـــاعـــدة حــتــى فـــي شــكــل الـكـتـابـة وســـــيـــــاقـــــهـــــا الــــــداخــــــلــــــي، الستقراء مفهوم األمومة وخــــطــــابــــهــــا كـــمـــمـــارســـة عابرة للحدود، ومحاولة فـهـم تـأثـيـر حــزمــة الــســيــاســات باختلفها كــــاالســــتــــعــــمــــاريــــة، والـــقـــبـــلـــيـــة، والــــعــــوملــــة، والنيوليبرالية، وغيرها. فِعل التئام يـــفـــتـــح اخــــتــــيــــار شـــيـــريـــن أبــــــو الــنــجــا للنصوص األدبــيــة الـتـي تستعني بـهـا في كـــتـــابـــهـــا، فــــي ســـيـــاق الـــــقـــــراءة املُــــتــــجــــاورة، مــــســــرحــــا مــــــوازيــــــا يـــتـــســـع لــــلــــتــــحــــاوُر بــ شـــخـــصـــيـــات الـــنـــصـــوص الـــتـــي اخـــتـــارتـــهـــا وتـــنـــتـــمـــي ألرضـــــيـــــات تـــاريـــخـــيـــة ونــفــســيــة مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلتها وكاتباتها حِيال خبرات األمومة املُتشابهة رغــــم تــبــاعــد الــــحــــدود بــيــنــهــا، لــتــخــرج في كتابها بـنـص بحثي إبــداعــي مــــواز يُعمّق خبرة النصوص التي حــاورت فيها سؤال األمومة. صـــفـــحـــة، 242 يــــضــــع الـــــكـــــتـــــاب عــــبــــر الـــنـــصـــوص املُــــخــــتــــارة فــــي مـــواجـــهـــة املـــ الــــثــــقــــافــــي الــــــراســــــخ والــــنــــمــــطــــي ملـــنـــظـــومـــة األمومة، تقول الكاتبة: «األمومة مُتعددة، لكنها أحـاديـة كمؤسسة تفرضها السلطة بــمــســاعــدة خـــطـــاب مــجــتــمــعــي»، وتــتــوقــف أبــــو الــنــجــا عــنــد كـــتـــاب «كـــيـــف تــلــتــئــم: عن 2017 األمــــومــــة وأشــــبــــاحــــهــــا»، صـــــدر عـــــام للشاعرة والكاتبة املصرية إيـمـان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك األفكار الساكنة املستكينة لفكرة ثابتة عن األمـومـة»، على حد تعبير أبو النجا. تتحاور الكاتبة مع منطق «األشباح» وتــتــأمــل كـيـف تــتــحــوّل األمـــومـــة إلـــى شبح يُــهــدد الــــذات ســـواء عـلـى املـسـتـوى النفسي أو مـسـتـوى الـكـتـابـة، تــقــول: «فـــي حـيـاة أي امرأة هناك كثير من األشباح، قد ال تتعرف عـــلـــيـــهـــا، وقـــــد تُــــقــــرر أن تـــتـــجـــاهـــلـــهـــا، وقـــد تتعايش معها. لكن الكتابة ال تملك رفاهية غض الطرف عن هذه األشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بني الـذات واآلخـر، باعتبار الكتابة فعل يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما األمومة تـــســـلـــب تـــلـــك الـــــــــذات فـــتـــصـــيـــر أقـــــــرب لـــــذات منشطرة تبحث عن «التئام» مـا، ويُجاور الـــكـــتـــاب بــــ كـــتـــاب إيــــمــــان مــــرســــال، وبـــ كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة واألمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانبا، في محاولة للتعبير عـــن ضـغـط ســــؤال األمـــومـــة وفـهـم جوهرها بعيدًا عن السياق الراسخ لها في املنت الثقافي العام كدور وغريزة. تقاطعات الورطة ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافيا، بما يعكسه من خصائص تـاريـخـيـة وسـيـاسـيـة ومُــجـتـمـعـيـة، املـؤثـرة بـــالـــضـــرورة عــلــى وضــــع األمــــومــــة فـــي هــذا اإلطار، فطرحت مقاربة بني نص املُستعمِر واملُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصني لـــســـيـــمـــون دو بـــــوفـــــوار املــنــتــمــيــة لــفــرنــســا االســتــعــمــاريــة، وآخـــــر لـفـاطـمـة الـرنـتـيـسـي املنتمية للمغرب املُستعمرة، اللتني تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من املمكن أن تحتل املوقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود املفروضة عليهما فكريا ونفسيا ومجتمعيا. كما تضع كتاب «عن املـرأة املولودة» ،1976 لألمريكية إدريان ريتش، صدر عام فـي إطـــار الـسـيـاق االجـتـمـاعـي والقانوني والسياسي الـذي حرّض آنـذاك على انتقاد الرؤى الــــثــــابــــتــــة حـــــــول تــقــســيــم األدوار بـــــ الــجــنــســ وبـــ مــا يـجـب أن تكون عــلــيــه األم الــنــمــوذجــيــة، مــا أنـعــش حـركـة تحرير النساء التي خرجت من عباءة األحزاب اليسارية والــــــحــــــركــــــات الـــطـــابـــيـــة آنـــــــــذاك، وتـــشـــيـــر إلـــــى أن هــــذا الــكــتــاب أطــلـــق على األمـومـة اسـم «مؤسسة» بــــــمــــــا يــــــجــــــابــــــه أطـــــــــــراف املؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل فــــي بـــيـــئـــات مُــــغــــايــــرة زمـــنـــيـــا وجـــغـــرافـــيـــا، ويخلق الكتاب تقاطعات بني رؤية ريتش مع تجربة شعرية الفتة بعنوان «وبيننا حـــديـــقـــة» لــلــشــاعــرتــ املـــصـــريـــتـــ ســــارة عــابــديــن ومــــروة أبـــو ضــيــف، الــــذي حسب تعبير شـيـريـن أبـــو الـنـجـا، يـمـثـل «حـجـرًا ضـخـمـا تـــم إلـــقـــاؤه فـــي مــيــاه راكـــــدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد فـــي بـحـر املُـــقـــدســـات»، والــــــذات الــتــي تجد نفسها في ورطـة األمـومـة، والتضاؤل في مـــواجـــهـــة فــعــل األمــــومــــة ودورهــــــــا. تجمع شـيـريـن أبـــو الـنـجـا بـــ الــنــص األمـيـركـي والــديــوان املـصـري اللذين يفصل بينهما عاما، لتخرج بنص مــواز يُعادل 40 نحو مـشـاعـر األم (الــكــاتــبــة) وانـسـحـاقـهـا أمـام صـــــــراع بــــ الـــــقـــــدرة والــــعــــجــــز، والـــهـــويـــة وانـــســـحـــاقـــهـــا، لــتــقــول إنــــه مــهــمــا تــعــددت األسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلث إلى حـقـيـقـة «تـــآكـــل الــــــذات»، وابـــتـــاع األمــومــة للمساحة النفسية، أو بتعبير الـشـاعـرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسـمـي تتساقط كـل يـــوم/ ألزحـــف أنــا إلى هــــامــــش يــــتــــضــــاءل/ جـــــــوار مــــ األمــــومــــة الشرس». في الكتاب تبرز نماذج «األم» املُتعددة ضـمـن ثـيـمـات مـتـفـرقـة، فـتـضـعـنـا الـنـاقـدة أمــام نموذج «األم األبـويـة» التي تظهر في شكلها الـــصـــادم فــي أعــمــال املـصـريـة نــوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قـــراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «األم الهاربة» بـقـراءة تربط بني روايــة «استغماية» للمصرية كاميليا حسني، وسيرة غيرية عن الناقدة األمريكية ســــوزان ســونــتــاغ، وهــنــاك «األم املُــقــاومــة» فــــي فـــصـــل كـــرســـتـــه لــــقــــراءة تـــفـــاعـــل الــنــص األدبي الفلسطيني مع صورة األم، طارحة تــســاؤالت حــول مــدى التعامل معها كرمز لــــ رض واملـــقـــاومـــة، فـيـمـا تُـــشـــارك شيرين أبـــــو الـــنـــجـــا مــــع الــــقــــارئ تــــزامــــن انـتـهـائـهـا مــــن هـــــذا الـــكـــتـــاب مــــع «طـــــوفـــــان األقـــصـــى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تــفــرض ســؤالــهــا الــتــاريــخــي: مــــاذا عـــن األم الـفـلـسـطـيـنـيـة؟ أمـــهـــات الـــحـــروب؟ األمــهــات املنسيات؟ القاهرة: منى أبو النصر منذ سن المراهقة أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة يُــقـال إن أكتافيو بــاث طلب ذات مــرة من ألـيـخـانـدرا بيثارنيك أن تنشر بـ مواطنيها األرجنتينيني قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من املجزرة التي ارتكبتها السلطات املكسيكية .1968 ضد مظاهرة للطلبة في تلتيلوكو عام وعلى الـرغـم مـن مشاعر االحــتــرام التي تكنها الـــشـــاعـــرة لــزمــيــلــهــا املــكــســيــكــي الــكــبــيــر فـإنـهـا لـــم تـسـتـطـع تـلـبـيـة طــلــبــه هـــــذا، ألنـــهـــا وجـــدت الـــقـــصـــيـــدة ســـيـــئـــة. ربـــمـــا يـــكـــون هـــــذا مـقـيـاسـا لعصرنا الـذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بني الشباب، وفي الوقت الـــــــذي تـــتـــعـــرض فـــيـــه الـــشـــرطـــة لــلــمــتــظــاهــريــن ،1968 وتــطــلــق الـــنـــار عـلـيـهـم كــمــا حــــدث عــــام فــإن شـاعـرة «غـيـر سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثا جـديـدًا، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحا حقيقيا وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهــم شـعـراء اللغة اإلسـبـانـيـة لأللفية الفائتة، وهـي تُــقـرأ وتُــذكـر فـي كـل مـكـان، بالضبط كما حدث ذلك في األرجنتني خلل السبعينات. وإذا لم أكن مخطئا، فإن هذا النوع املميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يـكـون عـن الـسـيـاسـة. إن انـجـذابـهـا لـاعـتـراف، وســـيـــرتـــهـــا الــــذاتــــيــــة األســــاســــيــــة، إلــــــى جــانــب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية ملحو الحدود بني الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في األســاس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت املناسب، فـــي إسـبـانـيـا كـمـا فـــي الــســويــد، حـيـث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بني هذه الحدود، أي بني الحياة والقصيدة. تـــمـــامـــا مـــثـــل آخــــريــــن عـــديـــديـــن مــــن كــبــار الـــشـــعـــراء فــــي الــــقــــرن الـــعـــشـــريـــن كـــانـــت جــــذور ألـــيـــخـــانـــدرا بـــيـــثـــارنـــيـــك تــنــتــمــي إلـــــى الــثــقــافــة اليهودية في أوروبـــا الشرقية. هاجر والداها دون أن يعرفا كلمة 1934 إلــى األرجـنـتـ عــام واحـــدة مـن اإلسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في املنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل فــــي املــــحــــرقــــة. فــــي الــــوطــــن الــــجــــديــــد، ســـرعـــان مــــا انـــدمـــجـــت الـــعـــائـــلـــة فــــي الــطــبــقــة الــوســطــى األرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها ولـــدت ألـيـخـانـدرا التي 1936 بـفـتـاة، وفــي عــام حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نـــفـــســـه، العـــتـــمـــادهـــا لـــوقـــت طـــويـــل اقــتــصــاديــا عليهما، خـاصـة األم الـتـي كـانـت قريبة كثيرًا منها ســـواء فـي أوقـــات الـشـدة أو الــرخــاء، وقد أهدتها مجموعتها األكثر شهرة «استخلص حجر الجنون». في سن املراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقا لـــنـــزعـــات واتــــجــــاهــــات الـــخـــمـــســـيـــنـــات األدبــــيــــة سـاقـهـا طموحها إلـــى الـسُــريـالـيـة، وربــمــا كـان ذلـــك، لحسن حظها، ظـرفـا مـؤاتـيـا. كما أعتقد بشكل خـاص، أنـه كـان شيئا حاسما بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بني الحياة والشعر. ومبكرًا أيضا بدأت بخلق «الشخصية األلـيـخـانـدريـة»، مــا يعني من بني أشياء أُخــرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقا لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب األدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، الحقا، أيضا، ألنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الــــــودي. تــوصــف بـيـثـارنـيـك بـأنـهـا اجـتـمـاعـيـة بشكل مبالغ فيه، في الوقت الـذي كانت نقطة انـــطـــاق شـــعـــرهـــا، دائـــمـــا تــقــريــبــا، مـــن الــعــزلــة الليلية التي عملت على تنميتها أيضا. بــــعــــد أن عـــمـــلـــت عــــلــــى تـــثـــبـــيـــت اســـمـــهـــا ،1960 فـــي بـــادهـــا ارتــحــلــت إلــــى بـــاريـــس عــــام وســـــرعـــــان مــــا عــــقــــدت صـــــداقـــــات مــــع مـخـتـلـف الشخصيات املشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكـــتـــافـــيـــو بــــــاث، مـــارغـــريـــت دوراس، إيــتــالــو إلى 1964 كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام األرجنتني كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة الـتـي تمنت أن تـكـون، حيث االحتفاء واإلعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نـــشـــرت أعــمــالــهــا الــرئــيــســيــة وطــــــورت قـصـيـدة النثر بشكليها املكتمل والشذري، على أساس من االعتراف الـذي أهلها ألن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضا ويكتبان نهايتها في األخير. أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الــطــبــيــة واملـــــخـــــدرات وقـــامـــت بـــعـــدة مـــحـــاوالت لـانـتـحـار لـيـنـتـهـي بـهـا املــــطــــاف فــــي مـصـحـة نـفـسـيـة، مـــا تـــرك أثــــره فـــي كـتـابـتـهـا الـشـعـريـة، بطبيعة الـــحـــال. وهـــو مـــا يـعـنـي أنــهــا لـــم تكن بعيدة بأي حال عن املـوت أو األشكال املفزعة، إلــــى حـــد مــــا، فـــي عـــالـــم الـــظـــل فـــي شــعــرهــا بما يـحـوز مـن ألـــم، يعلن عـن نفسه غـالـبـا، بـذكـاء، دافـــعـــا الــــقــــارئ إلــــى االنـــحـــنـــاء عــلــى الـقـصـيـدة بــتــعــاطــف، وكـــأنـــه يـسـتـمـع بــكــل مـــا أوتـــــي من مـقـدرة، ليستفيد مـن كـل الــفــروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده اإلنساني. على الـرغـم مـن هــذه الحقيقة فــإن ذلــك ال ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها. بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كـتـبـت حـيـاتـهـا، واالعـــتـــراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلل «التعرية». إن الــحــيــاة الــعــاريــة تـتـخـلـق فـــي الـكـتـابـة ومـن خـالـهـا، وهــو مـا وعـتـه ألـيـخـانـدرا بعمق. في سـن التاسعة عـشـرة، أفـرغـت فـي كتابها األول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة النهائية، فـي انعطافة كبيرة ال رجعة فيها وشجاعة للغاية ال تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضا، كما هو مفترض، مصيرها. وهـكـذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عـــبـــارة عـــن قــصــيــدة، فـــي الـــشـــدة والــــرخــــاء، في الـــصـــعـــود واالنــــــحــــــدار، انــــتــــهــــاء بــمــوتــهــا عـــام بعد تناولها جرعة زائـــدة مـن الحبوب، 1972 وقــد تركت على الـسـبـورة فـي مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلثة نـــداءات هـي مـزيـج من الحزن والنشوة: «أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور». ومــمــا لـــه داللـــتـــه فـــي شـعـرهـا أنــهــا بـهـذه املــكــونــات الــثــاثــة، بـالـتـحـديـد، تـنـهـي عملها: «الــــحــــيــــاة»، و«الــــلــــغــــة»، و«الــــخــــطــــاب» (يـمـثـلـه املـتـلـقـي). هــذه هـي املعايير الرئيسية الثلثة لــاحــتــكــام إلــــى أســلــوبــهــا الــكــتــابــي فـــي شكله املـــتـــحـــرك بــــ الـــقـــصـــائـــد املـــخـــتـــزلـــة املــحــكــمــة، وقــصــائــد الــنــثــر، والــشــظــايــا الــنــثــريــة. ولـربـمـا هـــذه األخــيــرة هــي األكــثــر جـوهـريـة وصلحية لــعــصــرنــا، حــيــث تــطــور بـيـثـارنـيـك فـــن الـتـأمـل والتفكير الــذي ال ينفصل مطلقا عن التشابك الـــلـــغـــوي لـــلـــشـــعـــر، لـــكـــن مــــع ذلــــــك فـــهـــو يـحـمـل سمات امللحظة، أثـر الـذاكـرة، واليوميات. في هــــذه الــقــصــائــد يـمـكـن تـمـيـيـز نــــوع مـــن فلسفة اإلســقــاط. شعر يسعى إلــى اإلمــســاك بالحياة بـكـل تناقضاتها واسـتـحـاالتـهـا، لـكـن ال يقدم هذه الحياة أبدًا، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس مـن ذلـك يخبرنا أن الحياة ال يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولـــهـــذا الــســبــب بــالــتــحــديــد هـــي حــقــيــقــيــة. في قـصـائـد ألــيــخــانــدرا بـيـثـارنـيـك نــقــرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبـدًا، حدنا املطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي ال مفر منه، دائما وفي كل لحظة. William ـ Olsson * مـاغـنـوس ولــيــام أولـــســـون : شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد Magnus مــن الـــدواويـــن والـــدراســـات الـشـعـريـة والــتــرجــمــات. املـقـال املــتــرجَــم لـــه، هـنـا عـــن الــشــاعــرة األرجـنـتـيـنـيـة ألـيـخـانـدرا بيثارنيك، هو بعض من االهتمام الذي أواله للشاعرة، فقد ترجم لها أيضًا مختارات شعرية بعنوان «طُـــرق املــرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلدًا عن الشاعرة بعنوان «عـمـل الـشـاعـر» يـتـكـون مــن قـصـائـد ورســائــل ويـومـيـات لـهـا، مـع نـصـوص للشاعر ولـيـام أولــســون، نفسه. وفقًا لصحيفة «أفــتــون بــــادت». على أمــل أن تـكـون لنا قــراءة قـادمـة لـهـذا الـعـمـل. واملــقــال أعـــاه مـأخـوذ عـن الصحيفة املذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر. أليخاندرا بيثارنيك *ماغنوس وليام أولسون ترجمة: باسم المرعبي كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة انتهاء 1972 بموتها عام بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي فــــــي عــــــددهــــــا الـــــجـــــديـــــد، نـــــشـــــرت مــجــلــة «الـــقـــافـــلـــة» الــثــقــافــيــة، الـــتـــي تـــصـــدرهـــا شـركـة «أرامكو السعودية»، مجموعة من املوضوعات الـثـقـافـيـة والـعـلـمـيـة، تـنـاولـت مـفـهـوم الثقافة بـــالـــتـــســـاؤل عــــن مـــعـــنـــاهـــا ومــــغــــزاهــــا فــــي ظـل متغيرات عصر العوملة، وعـرّجـت على الـدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل املـعـانـي اإليـجـابـيـة الـتـي تتصل بهذا املــفــهــوم، مـنـهـا إبـــــراز الــهــويَّــة والـــتـــواصـــل مع اآلخر. كـــمـــا أثـــــــارت املـــجـــلـــة فــــي الــــعــــدد الــجــديــد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر )، نـقـاشـا 707 (الــــعــــدد 2024 ) (كــــانــــون األول يرصد آفــاق تطور النقل الـعـام فـي الحواضر الكُبرى، في ضوء االستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية الستقبال مشروع «امللك عبد العزيز للنقل العام في الرياض». وفـــــي زاويـــــــة «بــــدايــــة كــــــام» اسـتـطـلـعـت املجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها فــــي الـــعـــصـــر الـــرقـــمـــي، بــاســتــضــافــة عـــــدد مـن املشاركني ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز امللك عبد الـعـزيـز الـثـقـافـي الـعـاملـي «إثـــــراء» فــي أكـتـوبـر (تشرين األول) املـاضـي. وفـي السياق نفسه، تــــطــــرّق عـــبـــد الـــلـــه الــــحــــواس فــــي زاويـــــــة «قــــول فـــي مـــقـــال» إلــــى الــحــديــث عـــن هــــذه «املـسـابـقـة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا. فــي بـــاب «أدب وفـــنـــون»، قـــدَّم قـيـس عبد اللطيف قــــراءة حـــول عـــدد مــن أفـــام السينما الــــســــعــــوديــــة ملـــخـــرجـــ شــــبــــاب مـــــن املــنــطــقــة الشرقية مـن اململكة، مسلطا الـضـوء على ما تتناوله مـن هـمـوم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع املوسم الخامس لـ«الشرقية تُــــبــــدع»، مــــبــــادرة الـــشـــراكـــة املـجـتـمـعـيـة الـتـي تحتفي بـ«اإلبداع من عمق الشرقية». وفـــــــي «رأي ثـــــقـــــافـــــي»، أوضــــــــح أســــتــــاذ الــــســــرديــــات وعـــضـــو جــــائــــزة «الـــقـــلـــم الــذهــبــي لــ دب األكثر تأثيرًا»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حل الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضـوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزمـــيـــل»، وتــنــاول أحـمـد عبد اللطيف عالم «مـا بعد الـروايـة» في األدب اإلسباني، بينما اســـتـــذكـــر عــبــد الـــســـام بـنـعـبـد الـــعـــالـــي الــــدور األكاديمي البارز للروائي والفيلسوف املغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «املــبــدع املـيّــت فـي قبضة األحـــيـــاء»، متسائل بصوت مسموع عن مصير النتاج األدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء. فـي بــاب «عـلـوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كــفــوري «تـقـنـيـات الـتـحـريـر الجيني الـعـاجـيـة»، ومــا تـعِــد بـه مـن إمكانية إحــداث ثورة في رعاية املرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضا من تحديات أخلقية وتنظيمية. وعن عالم الـذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفا تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة. كــمــا تـــنـــاول مـــــازن عــبــد الـعـزيـز «أفـــكـــارًا خـــــارجـــــة عـــــن املـــــألـــــوف يـــجـــمـــح إلـــيـــهـــا خـــيـــال األوســــــــاط الـــعـــلـــمـــيـــة»، مــنــهــا مــــشــــروع حـجـب الـشـمـس الـــذي يسعى إلـــى إيــجــاد حــل يعالج ظـاهـرة االحـتـبـاس الــحــراري. أمــا غـسّــان مـراد فعقد مقارنة بـ ظـاهـرة انتقال األفـكـار عبر «املـيـمـات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات. فــــي بــــــاب «آفـــــــــــاق»، كـــتـــب عـــبـــد الـــرحـــمـــن الصايل عن دور املواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة املدن وتطويرها، متأمل الـــدروس املستفادة مـن ضــوء تجارب عــاملــيــة فـــي هــــذا املـــضـــمـــار. ويـــأخـــذنـــا مصلح جميل عبر «عني وعدسة» في جولة تستطلع مـعـالـم مـديـنـة مـوسـكـو بــ مـوسـمـي الـشـتـاء والـــصـــيـــف. ويـــعـــود مـحـمـد الــصــالــح وفــريــق «الــقــافــلــة» إلـــى «الـطـبـيـعـة»، لتسليط الـضـوء عـلـى أهـمـيـة الـخـدمـات البيئية الـتـي يقدِّمها إلـــيـــهـــا الـــتـــنـــوع الـــحـــيـــوي. كـــمـــا تـــنـــاقـــش هـنـد الـسـلـيـمـان «املــقــاهــي»، فــي ظــل مــا تــأخــذه من زخـــم ثـقـافـي يـحـوِّلـهـا إلـــى مــســاحــات نابضة بالحياة في اململكة. الظهران: «الشرق األوسط»
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==