أصـدرت املحكمة الجنائية الدولية أوامـر اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غاالنت، والقيادي في «حماس» محمد الضيف، بسبب الجرائم التي تتهمهم بارتكابها في غزة، فهل هذا يحقق العدالة، وييسر حل األزمة؟ ربما يبهج قرار الجنائية الدولية البعض، وإلى حني، لكن األكيد أنه سيزيد األمور تعقيدًا في غزة ولبنان، ويدفع نتنياهو للتصعيد أكثر، وكما فعل بعد عملية السابع من أكتوبر (تشرين ألول) التي حولته من رجل مطلوب للعدالة في إسرائيل، إلى «زعيم وطني». اليوم ارتفعت شعبية نتنياهو بإسرائيل، وبات هناك التفاف أكثر حوله، بتصويره الرجل الـذي يقف وحيدًا في وجه «كل أعـداء إسرائيل»، ومعروف أن نتنياهو ال يضيع فرصة تمنحه البقاء سياسيًا، وتصوره زعيمًا، ولو بالدم والـــدمـــار. ورغـــم كـل ذلـــك، قـــرار الجنائية بـا قــوة تنفيذية، وبل بعد عدلي حقيقي، وسيثير مزيدًا من اللغط، بدال من أن يساهم بحل األزمـــات في غـزة ولبنان، حيث ســاوى بني إسـرائـيـل و«حـــمـــاس»، وبـــدا كـأنـه قـــرار سـيـاسـي يبحث عن االعتدال باملواقف. هو قرار محرج للجميع. محرج ملن يطالب بمحاكمة قادة إسرائيل انتصارًا لـ«حماس». ومحرج للغرب الذي بــــارك «الـــعـــدالـــة» حـــ أصـــــدرت الـجـنـائـيـة الـــدولـــيـــة أمــر اعتقال بحق الرئيس الروسي فلديمير بوتني، ومنقسم اآلن بسبب أمر اعتقال نتنياهو! وســـبـــق لـــهـــذه املـحـكـمـة أن أمــــــرت بـــاعـــتـــقـــال الــرئــيــس السوداني السابق عمر البشير، الذي سافر بعدها لجنوب أفريقيا، دون أن يعتقل، وفشلت باعتقال معمر القذافي، وأخيرًا لم تنجح أيضًا باعتقال الرئيس بوتني الذي سافر إلــى منغوليا، الـدولـة العضو فـي املحكمة. وال أحــد يعرف كيف ستقبض على قيادي «حماس» محمد الضيف، الذي أعلنت إسرائيل سابقا مقتله، مما حـدا بنتنياهو للتهكم على قرار املحكمة بالقول إنها وجهت أمر اعتقال لجثة! وال أحد يعلم ملاذا فقط محمد الضيف؟ ماذا عن باقي قـــادة «حــمــاس»؟ هـل املحكمة مـتـأكـدة أن الضيف على قيد الحياة؟ أو أن ذلك غير مهم، ومن ثم فالسؤال هنا: ماذا عن يحيى السنوار؟ األكــــيــــد هـــنـــا هــــو أن ال أحــــــد يـــعـــتـــرض عـــلـــى تـحـقـيـق الــعــدالــة، وإيـــقـــاع أقـصـى الـعـقـوبـات بـحـق اإلسـرائـيـلـيـ أو قادة «حماس»، ألن ما تم بغزة جريمة بحق اإلنسانية بكل معنى الكلمة، وكما قـال األمـيـر تركي الفيصل فـي مقال له هنا بعنوان: «الـحـرب في غـــزة... الفشل الكبير»: «ولنجاح مسعى الـسـام الـجـديـد أرى منع كـل الـقـيـادات الحالية في (حـمـاس)، وفـي السلطة الفلسطينية، وفـي إسرائيل من أن يتبوأوا منصبًا سياسيًا إلـى األبـــد». وبـــدوري أضيف لهم قيادات «حزب الله». وعليه، كيف يمكن تحقيق العدالة؟ وهل قرار الجنائية الدولية سيساهم في وقف الحروب، أو تصعيدها، وتحديدًا مـن قبل نتنياهو؟ كيف يمكن تحقيق الـعـدالـة والــواليــات املـتـحـدة والــصــ وروســيــا ال تـعـتـرف بالجنائية الـدولـيـة، وتمتلك حق الفيتو بمجلس األمن؟ ولــــذا؛ فـــإن قــــرار الـجـنـائـيـة الــدولــيــة بـعـثـر كــل األوراق، ورفـــع سقف الـتـوقـعـات، وأحـــرج كـل األطــــراف، ســـواء أكـانـوا مؤيدي «حماس»، أم اإلسرائيليني، وكذلك الغرب، وتحديدًا الواليات املتحدة، ومن هنا يبقى السؤال: العدالة... ثم ماذا؟ تحل يوم الثاني والعشرين من كل عام ذكرى استقلل )؛ بحيث باتت 1943 نوفمبر/تشرين الـثـانـي 22( لـبـنـان حــالــه مـتـخـلّــصـة مـــن االنـــتـــداب الـفـرنـسـي بـمـثـل حـــال دول شقيقة وصـديـقـة، أبــرزهــا الـجـزائـر وبـعـض دول الخليج. وبينما املواطن في أي دولة مستقيمة الحكم ال تتنازعها األحزاب ذات التوجهات أو العقائد أو اإلملءات الخارجية، يستقبل بمشاعر الــفــرح ذكـــرى اسـتـقـال الــوطــن وتغمره أحاسيس الطمأنينة بـأن خيمته التي يتفيّأ في رحابها تستحق منه الـــوالء وذروة الــســرور، ينتظر حـلـول ذكـرى االسـتـقـال للتعبير عـمّــا فـي النفس، متمنيًا لوطنه العز والشموخ، وفي الوقت نفسه يعاهد هذا املواطن نفسه بأنه على استعداد لكي يفدي الوطن بروحه عند الضرورة. نوفمبر 22 وصلت الحال باألطياف هذه إلى أن يوم من العام مجرد يوم عادي من شروق شمسه إلى غروبه، ومن دون التفاعل بمشاعر من الوالء والفرح لهذه الذكرى. وهـذا عائد إلى أن رؤوس الدولة منشغلون في صراعات يشكّل كل من هؤالء الدور بوصفه طرفًا في لعبة الصراعات تلك. وينقضي بل إحيائه حدثًا وطنيًا بامتياز. وخـــطـــورة هــــذا الـــحـــدث أنــــه أدخـــــل لــبــنــان فـــي بـوتـقـة أضـــاعـــت مـشـاعـر الـــفـــرح بــبــدء دولـــتـــه املـسـتـقـلـة املـقـبـولـة، تبعًا لذلك عضويته في منظمة األمــم املتحدة، حيث بدأ كل طرف عربي أو حتى أجنبي صاحب «أجندة» مراميها تــوســيــع مــســاحــة الـــتـــزعـــم يـــطـــرق بــــاب الـــوطـــن الـلـبـنـانـي وفـي معظم األحـيـان دون اسـتـئـذان، تهيبًا مـن خـال أحد أصـحـاب الـشـأن فـي الــوطــن، لكي يـدخـل ويستقر وينشر ألوية طلئعه الحزبية في األرض اللبنانية، وكأنما الوطن ليس دولة مستقلة، وأن االستقلل يعني عدم إتاحة املجال بـأي حـال ألصحاب تطلّعات حزبية خارجية. فهذا وطن لــم يـعـد تـحـت الــوصــايــة فــاقــدًا هـويـتـه الـوطـنـيـة وشرعية سيادته، لكي يتم استعماله كما استعمال ناقلة ركاب من بلد إلى آخر. وبـيـنـمـا هـــذه األحــــــزاب الــتــي تــكــاثــرت تـلـتـزم بـإقـامـة االحـــــتـــــفـــــاالت ملـــنـــاســـبـــة ذكـــــــــرى تــــأســــيــــس هـــــــذا الـــــحـــــزب، والتأسيس حـدث خـارج لبنان، أو ملناسبة ال علقة لهذا الـحـزب أو ذاك مـوطـئ أقـــدام فـيـه، فإنها فـي الـوقـت نفسه كانت غير مهتمة بذكرى استقلل لبنان، مع أن جمهور هـذه األحــزاب لبناني، فضل عن أنـه عندما تكون رؤوس الدولة ال ترى في تلك الذكرى أنها الشتلة الوطنية التي تتم رعايتها على الـوجـه األكـمـل والـقـيـام بأعلى درجــات الحفاوة بالذكرى رسميًا كما هو الـواجـب، وشعبيًا كما هي املشاعر، فمن الطبيعي أن يحل يوم الثاني والعشرين من نوفمبر من العام ويقتصر اهتمام أُولي أمور الرئاسات واملراتب األدنى على مجرد عرض عسكري باهت، وتعطيل العمل في الدوائر الرسمية في الوقت نفسه. هـنـا تـسـتـوقـفـنـا حــالــة غـيـر مـسـتـحـبـة، هـــذا لـتـفـادي القول إنها غير محترمة، وهي أن لبنان من دون رأس في فترات حدثت أكثر طوال واستهتارًا بالدستور وبامليثاق، فـــضـــا عـــن الـــشـــعـــور بــــأن لــبــنــان دولـــــة مـــنـــزوعـــة الــرئــاســة والــقـرار الـسـيـادي، كما هـي حاله منذ سنتني. ومثل هذا الـــخـــلـــو لـــلـــرئـــاســـة مــــن رئــــيــــس، يــــنــــدرج فــــي اإلطـــــــار نـفـسـه بالنسبة إلـى حلول ذكـرى االستقلل، ومـن دون أن يكون التعامل مـع هـذه الـذكـرى بما تستحقه. وال يتجنَّى املـرء على تشخيص الحالت بالقول إنهما لبنان اليتيم لجهة ذكـرى االستقلل الـذي بلغ من الشيخوخة التي تستحق التكريم فـي أعلى درجـاتـه. ويتيم لكونه وطنًا بـا رأس، وهـــذا ألن بني قـومـه ارتــضــوا أن يـكـون الـوطـن على مدى نصف قرن ساحة أحزاب عميقة الوالء ملبتكري تكوينها. هنا بات املواطن فاقدًا قـراره وضبطه لألمور، وعلى هذا األساس فهو ابن وطن نظام سقيم ال شفاء من سقمه، في ضوء الحال البائسة التي وصل إليها حيث ال يتم حسم ظاهرة الرئاسة وانتخاب رئيس. وهــــذا االسـتـحـقـاق الــــذي كـــان فــي حــالــة إرجــــاء عمدًا لـم يعد على الحالة نفسها، بعدما بـات الطيف الشيعي مهمومًا بحصر انشغال البال بالسبل التي يعالج فيها محنة الطائفة التي لم تعد على القدرة املاضية للتعطيل، وأن األولوية هي ملعالجة كارثة الدمار والنزوح واللجوء وخــســران رهــانــات كـانـت فاعلة على مــدى عقد مـن فرض األمـــر الـــواقـــع، ولـــم تـعـد كـذلـك فــي ضـــوء الـتـصـفـيـات التي تتواصل حدوثًا لقيادات الصفوف التالية للصف األول. مـــــا يـــعـــيـــشـــه لـــبـــنـــان عـــمـــومـــ كـــــارثـــــة غـــيـــر مــســبــوقــة بــاســتــثــنــاءات مــحــســوبــة، وال عــــاج إلــــى اعـــتـــمـــاد أجــــواء الترميم الـوطـنـي، بــدءًا بـإغـاق نـوافـذ الـعـواصـف العاتية نـافـذة بعد نــافــذة، وبحيث تـبـدأ بعد استكمال مؤسسة الــحــكــم بــانــتــخــاب رئـــيـــس لــلــجــمــهــوريــة، عـمـلـيـة الـتـرمـيـم برعاية عربية، هديًا بتجربة اإلنقاذ التي تتمثّل في «اتفاق الطائف» وحاولت املغامرات الحزبية غير اللبنانية تشويه جوهر مضمونه الذي هو بمثابة العلج الذي يخفّف من سقم النظام، ويسد الثغرات التي كانت السبب في نزاعات وتشديد على حقوق طوائفية غير مكتملة. هنالك خواطر كثيرة تفرضها الحالة الكارثية التي يعيشها لبنان، سببها أنه على مدى ربع قرن، خصوصًا أحـدثـهـا، كان 2024 فـي الـسـنـوات العشر الـتـي هــذا الـعـام وطنًا ثنائي الـسـيـادة، سـيـادة رسمية بموجب استقلله ، وسيادة نشأت بفعل أنه ساحة ملن 1943 نوفمبر 22 يوم يتطلّع إلى دور يتم تعزيزه من خلل الورقة اللبنانية. لقد باتت هذه املناسبة أو االستقلل اليتيم غير ذي اهتمام حتى من جانب أهل الحكم في الوطن السقيم. قــــبــــل يـــــومـــــ ، حـــــــل عــــيــــد االســــتــــقــــال الــــــحــــــادي والـــــثـــــمـــــانـــــون فــــــي لــــبــــنــــان. لـــكـــن «االحـتـفـال» ظـل بــاردًا وخـجـوال واعـتـذاريّــ ، بـــل هـــو لـــم يـحـصـل أصـــــاً، وهــــذا عـلـمـ بـــأن األسبوع الـذي سبق دل على أن اللبنانيّني لم يفقدوا قدرتهم على االحتفال بدليل ما قالوه وكتبوه عن بلوغ املطربة فيروز سن التسعني. فتعبير «اسـتـقـال» فـي ظــل هذه الــحــرب الـرهـيـبـة، يـشـبـه لــوحــات سـلـفـادور دالـــي ورفــاقــه الـسـوريـالـيّــ ، حـيـث يتشكّل املـشـهـد مـــن نــقــائــض، فـيـمـا ال تـنـقـشـع تلك الـنـقـائـض عـلـى حقيقتها كـمـا تـنـقـشـع في األحـــــام. يـضـاعـف ســوريــالــيّــة املـشـهـد ذاك الـتـرحّــم على زمــن االنــتــداب الفرنسيّ، ممّا يعبّر عنه، منذ سنوات لم تعد قليلة، عامّة الــــنــــاس، ومــعــهــم مــثــقّــفــون ومــتــعــلّــمــون ما عادوا يتقيّدون كثيرًا باإلذعان ملا جُعل من مسلّمات «الصواب السياسيّ»، أو ربّما من املقدّسات. ومــــا مـــن شــــك فـــي أن الـــدفـــاع عـــن هــذه املـشـاعـر، وهــي مـشـاعـر، يبقى أمـــرًا صعبًا، لــكــن مــا مــن شـــك أيــضــ فــي أن مــن الصعب تـجـاهـلـهـا أو نـــبـــذهـــا، هـــي الـــتـــي أنـتـجـتـهـا املقارنة العارية بني ما كان عليه اللبنانيّون قبل االستقلل ومـا باتوا عليه بعده. وها هـــم الـــيـــوم مـــن يـــعـــبّـــرون عـــن عــــدم رغـبـتـهـم فـــي الــــوحــــدة الــلــبــنــانــيّــة الـــتـــي يُـــفـــتـــرض أن االستقلل من محطّاتها الكبرى، يجهرون بآرائهم ويدعون إلى تدبّر أمر البلد بطرق أخرى. فليس فــي صـالـح االســتــقــال، وال من الـــبـــراهـــ عــلــى جـــــــدواه، مـــا نـعـيـشـه الــيــوم بـوصـفـه آخـــر الــشــواهــد الـكـثـيـرة وأعـــاهـــا: أن تُخاض حرب مدمّرة لم يقرّرها البرملان املـنـتـخـب، أو أن تـكـون رئــاســة الجمهوريّة شــاغــرة والــبــرملــان صـامـتـ إبّــــان الـتـفـاوض لـوقـف هــذه الـحـرب املـــدمّـــرة، بحيث يتولّى رئـــيـــس الـسـلـطـة الــتــشــريــعــيّــة الـــتـــفـــاوض ال بصفته هـذه، بل بوصفه ممثّل عن الحزب الذي زج نفسه وزج البلد في الحرب. لــقــد قـــيـــل، حـيـنـمـا اســـتـــقـــل لــبــنــان في ، أن االسـتـقـال هــذا إنّــمـا هـو خلصة 1943 أمـريـن مـتـازمـ : أن يـكـف املسيحيّون عن املــطــالــبــة بــبــقــاء االنــــتــــداب الـــفـــرنـــســـيّ، وأن يـكـف املسلمون عـن املطالبة بـإقـامـة وحـدة مع سوريّا. وبالفعل كف الطرفان مذّاك عن هاتني املطالبتني، كما أن فرنسا لم تعد في وارد الرغبة بممارسة االنـتـداب أصــاً، وال عادت سوريّا في وارد املطالبة بضم لبنان إلــيــهــا. مـــع هــــذا، أطـــــلّ، مــــــرّات عـــــدّة، وحــش العجز عن بناء دولة مستقلّة حامل أسماء وعــنــاويــن أخــــرى يـــتـــراءى مـعـهـا أن العجز املذكور يكاد يكون قدرًا. فـــ»الــنــفــيــان الـــلـــذان ال يـصـنـعـان أمّــــة»، بحسب الــعــبــارة الـشـهـيـرة لـلـكـاتـب الـراحـل جورج نقّاش، ال يقتصران على التخلّي عن املطالبتني هاتني. إذ «النفي» الــذي تتعدّد أشكاله يقيم في بطن بالغ الخصوبة، فيما يقيم تـوصّــل اللبنانيّني إلــى إجـمـاعـات في بطن عقيم ومجدب. ونعرف كيف أن طاقتنا الذاتيّة في النفي فاقت مثيلتها في التوكيد مـــرّة بـعـد مــــرّة. ونــعــرف أيــضــ ، وبـفـعـل ذاك سنة سبق 81 التفاوت، أن أكثر من نصف الـ أن قــضــاه الــلّــبــنــانــيّــون فـــي حــــروب بـيـنـيّــة، إمّــــا مـــديـــدة أو مـتـقـطّــعـة، وإمّـــــا عـلـى نـطـاق وطـــنـــي أو مــنــحــصــرة بـــمـــواضـــع ومــنــاطــق مــعــيّــنــة... واســـتـــنـــادًا إلـــى تـجـربـة مـأسـويّــة كهذه بات يمكن االستنتاج أن لكل لبناني عـدوًّا لبنانيًّا، إمّا يفكّر باالستقلل عنه أو يفكّر بـوحـدة معه ال تـكـون إال إخضاعًا له ومصادرة لحقوقه. وأنـكـى مـن ذلـك أن الـروايـة «الثقافيّة» الــــســــائــــدة، وكـــمـــا فــــي أغـــلـــب األحـــــيـــــان، إمّــــا قـــــاصـــــرة عـــــن الــــلــــحــــاق بـــمـــا أدركـــــــــه الـــحـــس الــشــعــبــي تــجــريــبــيّــ ، أو مُـــنـــكـــرة ذلــــك كــلّــه، تـسـتـمـد راحــتــهــا واطـمـئـنـانـهـا مـــن إجــمــاع لـــفـــظـــيّ، بـــل تـــلـــفـــزيـــونـــيّ، صـنـعـتـه الـلـغـتـان الـــرســـمـــيّـــة واإليـــديـــولـــوجـــيّـــة، حــــول عــــداوة «العدو اإلسرائيليّ» الحصريّة. والــحــال أن الــســؤال العملي والـنـظـري الـــفـــعـــلـــي يــكــمــن بـــالـــضـــبـــط هـــنـــا: فــــــإذا كـــان االستقلل هو ما تناله الشعوب والبلدان، أو مـا يُعطى لها، فما العمل حـ ال يكون الـشـعـب شـعـبـ ، وال يـكـون الـبـلـد بـلـدًا. وهـو ســـؤال يـتـعـدّى لـبـنـان الـــذي تـرجـم مشكلته بالحروب األهليّة، ومن بعدها، وبموازاتها، بـالـحـرب الـراهـنـة مــع إســرائــيــل، إلـــى بـلـدان مـشـرقـيّــة أخــــرى، كـسـوريّــا والـــعـــراق اللذين ترجما املشكلة باالنقلب العسكريّ، حتّى إذا رحـل مؤسّسا الطغيان الحديث فيهما انتقل إلى حروب أهليّة متفاوتة الوتائر. والراهن أن إفلس االستقلل اللبنانيّ، وإفلس استقلالت كثيرة أخرى في «العالم الثالث»، لم يعد يُخفيهما ويتستّر عليهما إال مـــبـــدأ االســـتـــقـــال ومـــبـــدأ حــــق الـشـعـوب فــيــه. وهــــذا مــا يــحــوج املُــســاجِــل فــي أحـقـيّــة االســــتــــقــــال ألن يــــتــــشــــدّق بــــاملــــبــــدأ الـــقـــويـــم واملطلق ثـم يعجز عن تقديم برهان عملي واحد يؤكّد أنّه مبدأ قويم ومطلق. فــاالســتــعــمــار وزمـــنـــه ولّـــيـــا، وخــســرت تلك األبويّة األوروبـيّــة والغربيّة معركتها، بــــعــــدمــــا خـــــســـــرت تـــمـــيـــيـــزهـــا الـــــقـــــديـــــم بــ «املـتـمـدّن» و»غـيـر املـتـمـدّن». إال أن شعوبًا كثيرة من تلك التي استقلّت، وعلى رأسها الشعب الـلـبـنـانـيّ، لـم تكسب معركتها في الــتــدلــيــل عــلــى اســتــحــقــاق االســـتـــقـــال الـــذي حـصـلـت عـلـيـه قــبــل عـــشـــرات الــســنــ . وفــي هذه الهوّة نعيش االستقلل بوصفه طقسًا ميّتًا نمارسه ونحن نشخر ونغط نِيامًا، أو ننساه، أو نضحك منه وعليه. OPINION الرأي 12 Issue 16798 - العدد Sunday - 2024/11/24 األحد العدالة... ثم ماذا؟ ّاالستقالل اليتيم والنظام السقيم لبنان وسؤال االستقالل المُر وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة في هذه الهوّة نعيش ًاالستقالل بوصفه طقسا ميّتا نمارسه ونحن نغط نِياما قرار الجنائية الدولية بعثر كل األوراق ورفع سقف التوقعات وأحرج كل األطراف باتت هذه المناسبة أو االستقالل اليتيم خارج حدود االهتمام طارق الحميد فؤاد مطر
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==