issue16794
فـــي دول الـــغـــرب، عــقــب كـــل انــتــخــابــات نـيـابـيـة أو رئـــاســـيـــة، يـعـكـف المــحــلــلــون عــلــى تــقــديــم تـحـلـيـات في الــبــرامــج الـسـيـاسـيـة الـتـلـفـزيـة، أو نـشـرهـا فـــي صحف ودوريــــــات، ويــحــاولــون مــن خـالـهـا تـوضـيـح الأسـبـاب التي أدّت إلى هزيمة أو فوز حزب أو رئيس، أو الاثنين معاً. ولأهــمــيــتــهــا، ومـــكـــانـــة أمـــيـــركـــا دولــــيــــ ، اســتــأثــرت الانـــتـــخـــابـــات الـــرئـــاســـيـــة الأمـــيـــركـــيـــة الأخــــيــــرة بــتــزاحــم المـعـلـقـ الـسـيـاسـيـ عــلــى شــــرح الأســـبـــاب الـــتـــي أدّت بالديمقراطيين إلى هزيمة انتخابية رئاسية لم تكتفِ بإبعادهم عن البيت الأبيض، بل ساهمت في فقدانهم لأغلبيتهم في مجلس الشيوخ. والنتيجة النهائية أنّهم خرجوا من المولد بل حمص. وبالمتابعة، نلحظ أن أغلب تلك التحليلت ترجح كــفــة الـــعـــامـــل الاقـــتـــصـــادي، مــمــثــاً فـــي فــشــل الـحـكـومـة فـــي الـسـيـطـرة عـلـى الـتـضـخـم، وارتـــفـــاع أســـعـــار السلع الضرورية... إلخ. تـلـك الـتـحـلـيـات لاقـــت رواجـــــ فـــي وســـائـــل الإعـــام الأميركية، رغم ما ظهر في المقابل من تحليلت أخرى لا تستبعد الـعـامـل الاقـتـصـادي كلية، بـل تضع ثقلها خلف عوامل لا علقة لها بالاقتصاد، ثقافية تحديداً. مــايــ نــاخــب من 8 ويــرجــحــون أنــهــا وراء بــقــاء نـحـو أنـصـار الـحـزب الـديـمـقـراطـي فـي بيوتهم يــوم الاقـتـراع احـتـجـاجـ عـلـى سـيـاسـات الــحــزب الـلـيـبـرالـيـة أكـثـر من الـــازم، على حسب زعمهم. ناهيك عـن المـايـ غيرهم ممن قرروا دعم الحزب الجمهوري، خاصة في الولايات المتأرجحة. هؤلاء المعلقون، على قلتهم، كانوا أكثر تشخيصاً وإنصافاً للواقع الأميركي، ولإدارة الرئيس الديمقراطي جـــو بـــايـــدن خــــال الـــســـنـــوات الأربــــــع الأخــــيــــرة. ونــظــراً لخبراتهم في المجال الاقتصادي، قدموا العديد من الأدلة عـلـى رجــحــان الـعـوامـل الثقافية الـتـي أدت إلـــى حــروب ثـقـافـيـة وانــقــســامــات فــي المـجـتـمـع بــ مختلف فـئـاتـه. فهم يــرون أن الاقتصاد الأمـيـركـي، محل الانـتـقـاد، كان في وضعية أفضل بكثير لدى المقارنة باقتصادات دول العالم الأخــرى، في مرحلة ما بعد الفيروس «كوفيد». وأن إدارة الرئيس بايدن، في رأيهم، تستحق الثناء على 3 حسن أدائها الاقتصادي. إذ شهد الاقتصاد نمواً بلغ في المائة، وهي نسبة لم تتكرر في أي من الاقتصادات الغربية. وازدادت مداخيل الأفــراد مقابل انخفاض في نسبة البطالة لدى المقارنة بالإدارة السابقة، الأمر الذي خلق بيئة مشجعة للمستثمرين. وفـي نفس السياق، يــؤكــدون أن الـسـيـاسـة الحمائية الـتـي وعـــد بتنفيذها الرئيس المنتخب دونالد ترمب سوف تكون لها تأثيرات اقتصادية سلبية، تطال أضرارها فئات كثيرة. وبالتأكيد، هذه الحقائق مبنية على إحصائيات رسمية، مما يجعلنا في غنىً عن الخوض في الجدال حولها. لكنها في نفس الوقت تفتح الباب أمـام جدال آخـر، يتعلق بمدى نجاح أو فشل إدارة الرئيس بايدن فـــي نـقـل الــرســائــل الإيــجــابــيــة عـــن الــحــالــة الاقـتـصـاديـة للناخبين، أو إخفاقها كذلك في السيطرة على التضخم. كما أن استمرار ارتفاع أسعار السلع الضرورية جعل مــن الـصـعـوبـة بـمـكـان عليها إقــنــاع الـنـاخـبـ بتحسن أوضاعهم اقتصادياً. المــــقــــارنــــة بـــمـــا حــــــدث فــــي الانــــتــــخــــابــــات الــنــيــابــيــة ، ومـا أدّت إليه 2024 ) يوليو (تـمـوز 4 البريطانية يـوم من هزيمة قاسية للمحافظين تؤكد التقارير أنها غير مــســبــوقــة، ووصـــــول حــــزب «الـــعـــمـــال» إلــــى الــحــكــم بعد غياب استمر قرابة عقد ونصف من الـزمـن، قد تضيء جـوانـب أخـــرى، تساهم فـي توضيح الــرؤيــة حــول فوز الجمهوريين وخسارة المحافظين، آخذين في الاعتبار اختلف النظامين السياسيين البريطاني والأميركي. فـــي بــريــطــانــيــا، اســـتـــنـــاداً إلــــى مـعـلـقـ سـيـاسـيـ بريطانيين، فــإنّ حـزب «العمال» لم يربح الانتخابات، بل إن حزب «المحافظين» هو من خسرها. وهم يرون أن الناخبين ملوا وضاقوا بحكم المحافظين، وانقساماتهم، ونقضهم لوعودهم، وما كان ينشر في وسائل الإعلم مـــن أخـــبـــار وفــضــائــح عـلـى مـسـتـويـات عـــديـــدة قـــام بها مسؤولون على مقاعد الــوزارة وغيرهم. ذلك التعب أو المـلـل مـن حكم المحافظين كــان وراء دفــع الناخبين إلى اتخاذ قرار ضـرورة التخلص منهم. وهو نفس السبب الذي جعل الناخبين لا يمحّصون البرنامج الانتخابي لــحــزب «الـــعـــمـــال»، ولا يــحــرصــون عـلـى الـتـدقـيـق فيما كـان يصدر من تصريحات لقائده السير كير ستارمر أو غيره مـن المـسـؤولـ . وكــان أغلب المعلقين الجادّين يـرددون أن حزب «العمال» غير مؤهل للحكم بعد، وأن سياساته الاقتصادية، على وجه الخصوص، ينقصها الكثير من الوضوح اللزم، وتعاني من ثغرات واضحة. وجاهة هذا الرأي اتضحت أكثر خلل الشهور الخمسة المــاضــيــة. وتــبــ أن الـعـمـالـيـ مــا زال أمـامـهـم الكثير للتمكن من التغلب على المصاعب الاقتصادية الموروثة، وتحقيق وعودهم بالنمو والازدهار الاقتصادي. وبدت أوجه القصور أكثر وضوحاً لدى إعلن وزيرة الخزانة عــن مـيـزانـيـة لــم تـشـهـدهـا بـريـطـانـيـا مــن قــبــل، وأثــــارت سـخـطـ عــامــ فــي أغــلــب الأوســــــاط، وخــاصــة فــي مجال الأعمال بسبب تفاقم ارتفاع الضرائب. كل هذه المعركة الحالية التي نشاهدها في منطقتنا، ومـــن كــل أطــــراف الـــصـــراع، هــي مـعـركـة لـلـخـروج بـمـفـردة واحدة فقط، وهي: «انتصرنا»، ولا يهم إذا كان الانتصار فردياً، أو حزبياً، أو انتصار نفوذ. الأكيد، وهذا ما أثبتته الأحداث، لا طرف من أطراف الـصـراع يريد الانتصار لمفهوم الـدولـة، أو حقن الـدمـاء، وإعــــاء قـيـمـة الــوطــن والمـــواطـــنـــة، أو لإنــجــاز الـــســـام، بل البحث عن انتصار آني، لن يعود على المنطقة، أو الدول المعنية، بالفائدة المرجوة للمضي قدماً. رئيس الـوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومنذ ظهر على المـسـرح السياسي وحتى الآن، وهـو يــدور في حلقة مفرغة بـأفـق ضيق بحثاً عـن حـلـول قصيرة كلها فـاشـل مــن أجـــل الـبـقـاء فــي المـشـهـد الـسـيـاسـي، وبالتالي الحكم. نـتـنـيـاهـو هـــو مـــن مـــكّـــن «حــــمــــاس» و«حــــــزب الـــلـــه»، وبسبب ألاعـيـب صغيرة هـروبـ مـن عملية الـسـام التي لا مـنـاص منها، ولا حـلـول بديلة عنها. وفـعـل ذلــك منذ اغتيال إسحاق رابين وإلى اليوم، ودائماً ما يصلح الخطأ بخطأ أكبر منه. مـكّـن نتنياهو «حـمـاس» فـي غــزة مـن أجــل إضعاف الــســلــطــة الــفــلــســطــيــنــيــة، وتـــفـــريـــغ «اتــــفــــاق أوســــلــــو» مـن أهميته ومحتواه، فرحاً بتأجيج الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، وشــركــاء نتنياهو بـذلـك كـثـر، وسيذكرهم التاريخ عاجلً أو أجلً. ومكّن نتنياهو «حزب الله» من خلل منحه شرعية سردية كاذبة، وهي المقاومة، وعندما اكتوى بنار الحزب، وبعد السابع من أكتوبر، قرر ضربه ضربة قاصمة، ولكن أيضاً دون أفق، إذ يستمر نتنياهو بالدوران في الحلقة المفرغة. «حماس» بدورها لم تسع لإنجاز الدولة الفلسطينية العتيدة، ولا وحدة الصف الفلسطيني، ولا حتى حماية عــزل غــزة، بـل استمرت بالمغامرة، حتى وصلنا للحرب الـخـامـسـة المـــدمـــرة فــي غــــزة، والانــتــصــار الآن هــو مجرد ضمان سلمة ما تبقى من قيادات الحركة! و«حـــــــــزب الـــــلـــــه» الـــــــذي ســـعـــى واهـــــمـــــ إلــــــى «وحــــــدة الساحات» بحثاً عن نصر يمكنه من الاستمرار في بسط سطوته على لبنان والدولة، وبحجة المقاومة، أقدم على عملية انـتـحـاريـة لــم يـقـدر عـواقـبـهـا، وألــقــى بلبنان إلـى المجهول، غير مـدرك أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. والـيـوم يبحث «حــزب الـلـه» عـن نـص، أو فـقـرة، لدى المــبــعــوث الأمـــيـــركـــي، لإعــــان انــتــصــار وهــمــي عــلــى غـــرار «النصر الإلهي» السابق. ومثله جل ساسة لبنان الذين يبحثون عن «انتصار» شكلي يضمن لهم البقاء باللعبة غير مستوعبين أيضاً أن الزمان غير الزمان الآن. الـعـجـيـب، فــي حـالـة كـثـر مــن سـاسـة لـبـنـان، مــا قاله لـــي مـــســـؤول لـبـنـانـي كـبـيـر، حـيـث يـــقـــول: «لـتـفـهـم لبنان تـذكـر الــتــالــي: فــي لـبـنـان نـقـول شـيـئـ ، ونـفـكـر فــي شــيء، ونفعل شيئاً آخر»، والحقيقة أن هذا ما أدركه أهم عقلء المنطقة، وليس لديهم وقت للعب بالاستقرار، والأرواح، والمدخرات. هل القصة لبنان وإسرائيل فقط؟ بالتأكيد لا. فكل مـــن بــحــث عـــن نـــفـــوذ ودور مـــزعـــوم هـــو فـــي ورطـــــة الآن، ويبحث عن «انتصار» وهمي، بل قل انتصار حفظ ماء الوجه. ويـــجـــب ألا تـشـغـلـنـا حـــمـــات «غـــــرف الــتــضــلــيــل في المنطقة»، ومــن كـل مـكـان، عـن رؤيـــة تلك الخسائر، وهي واضحة، وفاضحة، وصارخة، مهما قيل ويقال. اســـتـــولـــت فـــكـــرة الـــنـــقـــائـــض عـــلـــى مـعـظـم الـفـكـر الـسـيـاسـيّ الـعـربـيّ المـعـاصـر، وبالطبع فــــإنّ لــكــلّ شــــيء نـقـيـضـ وضــــــدّاً. فـالاسـتـعـمـار نـــقـــيـــضُـــه الاســــتــــقــــال والـــــتـــــحـــــرّر، والاحــــتــــال نقيضه المقاومة، والرجعيّة تقابلها التقدّميّة، والتجزئة تعارضها الوحدة، فيما التقدّم هو ما يقف في مواجهة التخلّف... ووعــــــي الأمـــــــور عـــلـــى هـــــذا الـــنـــحـــو المـــبـــرم تتعدّد مصادره. فهناك مثلً المصدر المُتوارَث الضارب في يقينيّات تعود إلى أزمنة سحيقة، ويــــحــــرســــهــــا المـــــــقـــــــدّس، ومـــــــن ذلـــــــك ثـــنـــائـــيّـــات الـــحـــقّ والـــبـــاطـــل، والــخــيــر والــــشــــرّ، والأبـــيـــض والأسود، وهناك المصدر الحديث مرموزاً إليه بالهيغليّة، لا سيّما فـي تنقيحها الماركسيّ، حـيـث الــتــاريــخ نـقـائـض يـفـضـي صـراعـهـا إلـى محطّات أعلى في مسار التطوّر المديد. وعـــــمـــــاً بـــفـــكـــرة أصــــولــــيّــــة فـــــي الـــتـــأويـــل تُــعــدم كـــلّ تـسـويـة بــ الـنـقـائـض، سُـــكّ تعبير «الانــتــقــائــيّــة» المـــذمـــوم تــدلــيــاً عـلـى مَـــن يعقد تسويات دامجاً شيئاً من هذا النقيض بشيء من نقيضه، أو لا يتقيّد بالرواية الحَرفيّة التي يرويها ممثّلو النقيض الصالح عنه. بيد أنّ اسـتـيـاء فـكـرة النقائض المطلقة عــلــى الــــوعــــي، ونـــجـــاح الـــــ «مـــــــاذا» فـــي طــــرد الـــ «كــيــف» وفـــي اســتــبــعــاده، قــد يـــوصـــدان الـبـاب كـــلّـــيّـــ فـــي وجــــه الــــســــيــــرورات والـــكـــيـــفـــيّـــات، أو أنّ هـــــذا مــــا رأيــــنــــا عـــيّـــنـــات صــــارخــــة عـــنـــه فـي الثقافة السياسيّة العربيّة الأوســـع انتشاراً. وهـــذا علماً بـــأنّ الأعــمــال الـكـبـرى فـي تأسيس الفكر الـسـيـاسـيّ الـحـديـث، أي أعـمـال نيكولو مكيافيللي وتـومـاس هوبز وجــون لــوك، إنّما تـــــدور أســـاســـ حــــول الـــســـيـــرورات والـكـيـفـيّـات وطـــــــرق الـــحـــكـــم والــــحــــاكــــم ورســـــــم عــاقــتــهــمــا بــالمــحــكــوم حــقــوقــ وواجــــبــــات. ذاك أنّـــنـــا هنا تحديداً نقع على ما يوسّع هوامش السياسة ويـتـيـح تـدخّـلـهـا بـمـا يـحـاصـر الـعـنـف ويـقـلّـل الموت الذي ينجم عن التشبّث بقضايا جذريّة لا تُحلّ إلاّ جذريّاً. وبهذا فحسب يُفتح الباب لاســتــقــبــال الاحـــتـــمـــالات الــغــنــيّــة، والـــتـــطـــوّرات والمستجدّات المفاجئة، التي يزوّدنا بها الواقع مـن دون أن تتوقّعها روايـــة النقائض المغلقة سلفاً على نفسها. وهــــكــــذا تــــلــــحّ الـــحـــاجـــة إلـــــى الــتــرتــيــبــات والــتــســويــات مــمّــا تـمـلـيـه أســـبـــاب كــثــيــرة، في عدادها عدم ظهور تـوازن قوى يسمح بحسم الـتـنـاقـض بــ الـنـقـائـض عـلـى شـكـل انـتـصـار مُــبــ وهــزيــمــة كــاســحــة. وهــــذا نـاهـيـك عــن أنّ أحوال المجتمعات أو قدرات سكّانها وطاقاتهم قـــد لا تـتـحـمّـل الأكـــــاف الــتــي يـتـطـلّـبـهـا حسم ذاك الـتـنـاقـض. وفــي عـالمـنـا المـتـداخـل، تضيق المــســافــات أحـيـانـ بــ الــــ «هــنــا» والــــ «هــنــاك»، فـيـجـد المــــرء نـفـسـه مـنـحـازاً إلـــى أشــيــاء كثيرة يـصـعـب إدراجـــهـــا حــصــريّــ فـــي هـــذا النقيض أو فـي ذاك. وهــذا مـا قـد يــزرع بــذور التناقض داخل كلّ واحد من النقيضين، مرشّحاً الصراع بينهما لأن ينقلب صــراعــ داخـــل كـــلّ منهما. كذلك يضيف تطوّر التقنيّة أسباباً يستحيل تجاهلها في رسم أشكال الصراعات وصِيَغها. فإذا صحّ، مثلً لا حصراً، أنّ مقاومة الاحتلل حقّ مشروع لمن يُحتَلّ، صحّ أيضاً أنّ الفجوة التقنيّة قــد تلغي الـعـنـف كشكل فــي المـقـاومـة لــتــحــصــرهــا فــــي جـــهـــود ســـيـــاســـيّـــة وثـــقـــافـــيّـــة واقتصاديّة... وبالطبع تدخل أفكار وتقنيّات لــــم تـــكـــن مـــألـــوفـــة قـــبـــاً فــــي حـــــلّ الــتــنــاقــضــات كالتعويض أو المبادلة أو تحكيم طرف ثالث، كما قد يُحال حلّ بعض المسائل العالقة، ممّا قد تفوق كلفتُه الطاقةَ الإنسانيّة في ظرف ما، إلى ظروف أخرى، أو ربّما إلى أجيال أخرى... وقـد سبق لبعض المشهود لهم بالنزوع الآيـــــديـــــولـــــوجـــــيّ أن انــــكــــبّــــوا عـــلـــى مــصــالــحــة المــــاركــــســــيّــــة وتـــــــصـــــــوّرات أشـــــــدّ إقــــــــــراراً بـــــدور السياسة، أو لجأوا إلى الانتقائيّة التي تدينها نظريّات التناقض المطلق بين النقائض. وإذ عـلُـق راديـكـالـيّـو «الـعـالـم الـثـالـث» فـي «حــروب الوجود لا الحدود» و»معارك البقاء والفناء»، ســـلـــك رفـــاقـــهـــم الـــغـــربـــيّـــون طـــريـــقـــ آخــــــر. فـفـي السبعينات مـثـاً، ذهـبـت الأحـــزاب الشيوعيّة الإيطاليّة والإسبانيّة والفرنسيّة إلـى تطوير «الشيوعيّة الأوروبــيّــة» التي تـحـاول التوافق مــع الـديـمـقـراطـيّـة الـبـرلمـانـيّـة فــي قــارّتــهــا، كما قـــــال الـــشـــيـــوعـــيّـــون الإيــــطــــالــــيّــــون بـــــ «تـــســـويـــة تـــاريـــخـــيّـــة» تــتــيــح لـــهـــم مـــشـــاركـــة المـسـيـحـيّـ الديمقراطيّين حكم إيطاليا. وقبل عقدين على ذلك، توافق آيديولوجيّون عتاة كقادة الاتّحاد الـــســـوفـــيـــاتـــيّ، فــــي ظـــــلّ نـيـكـيـتـا خـــروتـــشـــوف، عــلــى «الــتــعــايــش الــســلــمــيّ» مـــع الــرأســمــالــيّــة، وعـلـى إمـكـان بـلـوغ الاشـتـراكـيّـة عبر الـبـرلمـان، وليس حصراً عبر الثورة. ومن موقع مختلف ربّـمـا كــان الرئيس التونسيّ الـراحـل الحبيب بـــورقـــيـــبـــة أبــــكــــر مــــن صـــــدم ثـــقـــافـــة الــنــقــائــض المطلقة فـي الـعـالـم الـعـربـيّ، وذلـــك حـ اعتبر أنّ الـحـصـول عـلـى اسـتـقـال بـــاده عــن فرنسا يخسر الكثير مـن جـــدواه إن تـــأدّى عنه تـردّي العلقة بالثقافة الفرنسيّة أو انقطاعها. لكنّ هذا الموقف التاريخيّ لم ينطوِ، للأسف، على شيء من الجاذب الذي حظي به طريق الجزائر إلى استقلل معبّد بـ «مليون شهيد». وقــد نـــردّ سـطـوة وعــي النقائض المطلقة عـــلـــيـــنـــا إلــــــى ضـــعـــف الـــثـــقـــافـــتـــ الـــتـــجـــريـــبـــيّـــة والنفعيّة في الفكر السياسيّ العربيّ، وربّما أيضاً إلى نقص الترابط العضويّ في تراكيبنا الاجـــتـــمـــاعـــيّـــة، حــيــث يـــنـــدر أن يـنـعـكـس شــيء إلى شيء آخـر، أو إلى القسوة التي اتّسم بها الكثير من حقبنا التاريخيّة والتحدّيات التي شابتها. لكنْ ربّما جاز قلب المعادلة والقول إنّ مـقـاربـات مختلفة لـ مـور كــان فـي وسعها أن تـحـدّ مـن تلك الـقـسـوة ومــن تحدّياتها، وهـذه قصّة أخرى بطبيعة الحال. OPINION الرأي 12 Issue 16794 - العدد Wednesday - 2024/11/20 الأربعاء انتصرنا! لهذه الأسباب فاز الجمهوريون وخسر المحافظون الفكر السياسيسيرورات لا مجرّد نقائض وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com
[email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني:
[email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email:
[email protected] srmg.com حازم صاغيّة قد نردّ سطوة وعي النقائضالمطلقة علينا إلىضعف الثقافتين ّالتجريبيّة والنفعيّة في الفكر السياسيّ العربي يجب ألا تشغلنا حملات «غرف التضليل في المنطقة» ومن كل مكان عن رؤية تلك الخسائر طارق الحميّد لأهميتها ومكانة أميركا دولياً استأثرت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة بتزاحم المعلقين السياسيين جمعة بوكليب
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky