issue16793

الـنـقـاش حـــول الـحـزبـن الكبيرين ورمــوزهــمــا فــي أميركا ال ينتهي، والـخـ ف حـول عالقتهما بالعالم العربي والقضية الفلسطينية مستمر منذ عقود، وتعمَّق في الفترة األخيرة عقب الــعــدوان اإلسـرائـيـلـي على غــزة ولـبـنـان، وبـعـد وصـول الرئيس ترمب إلــى ســدة الـرئـاسـة. والحقيقة أن تأييد الجمهوريي أو الديمقراطيي من قبل أفراد أو دول أو مؤسسات ألسباب فكرية أو سياسية أو مصالح اقتصادية أمــر طبيعي ومــشــروع، ألن الدنيا كما يقال اختيارات، وال يوجد موقف مبدئي من أي من هـذيـن الـتـيـاريـن، لكن سيبقى مـن املـهـم اإلشـــارة إلــى أن املوقف منهما ال يحكمه فقط املوقف من برامجهما وسياساتهما، إنما أيضًا من أداء الرئيس في الحكم واإلدارة و«بـروفـايـل» الفريق الــــذي سيحكم مـعـه وخــبــراتــه وعـ قـتـه بـالـعـالـم ومــــدى إيـمـانـه بالقيم املدنية واإلنسانية الحديثة. مــن هـنـا تـبـرز أهـمـيـة الــحــذر فــي الـتـعـامـل مــع إدارة ترمب وعـــــدم اعـــتـــبـــاره جــمــهــوريــ تــقــلــيــديــ يـنـتـمـي لـلـيـمـن املــحــافــظ الــذي قـدم رؤســاء كبارًا ألميركا والعالم وكــان بعضهم عالقته قـــويـــة وطــيــبــة بــالــعــالــم الـــعـــربـــي، وفــيــهــا احـــتـــرام وتــقــديــر لقيم الـتـنـوع الــحــضــاري وأيــضــ حـــرص عـلـى املـصـالـح االقـتـصـاديـة والجيوسياسية املشتركة، وظل بالقطع الدعم املطلق إلسرائيل من ثوابت السياسة الخارجية األميركية سواء من كان في البيت األبيض رئيس جمهوري أو ديمقراطي. مــن هــنــا، فـــإن دعـــم الـيـمـن الـتـقـلـيـدي املــحــافــظ مـمـثـ في أميركا بالحزب الجمهوري، وفي أوروبا بتيارات يمي الوسط (الديغوليون في فرنسا والديمقراطيون املسيحيي في أملانيا وغــيــرهــم) أمـــر طبيعي، ولـــه وجــاهــة خـاصـة إذا وجــدنــا أن من يقابلهم يـسـار يـرفـع شــعــارات ويـثـرثـر فـي السياسة أكـثـر مما يـعـمـل ويـعـتـبـر الـتـطـبـيـع مــع «املـثـلـيـة» وفــرضــهــا (ولــيــس فقط قبولها) على املجال العام من األهداف السامية لبعض التيارات داخل الحزب الديمقراطي في أميركا. ومع ذلك، فإن االتجاهات الرئيسية داخـــل الحزبي الديمقراطي والـجـمـهـوري لها بريق لدى قطاعات واسعة من الناس، فهناك بريق لليمي التقليدي والـقـومـي الـــذي يــدافــع عــن الـسـيـادة الـوطـنـيـة ويــرفــض جـوانـب كثيرة من العوملة والحدود املفتوحة التي جلبت ماليي الالجئي إلى البالد، وكثير منهم غير نظاميي. كما أن هناك بريقًا آخر للحزب الديمقراطي بدفاعه عـن حـقـوق األقـلـيـات (ولـيـس فقط املـثـلـيـن) وإيـمـانـه بـالـتـنـوع الـحـضـاري والـثـقـافـي وكـــون كماال هاريس كانت مرشحة الحزب الديمقراطي وقبلها كان الرئيس أوباما فهي رسالة واضحة أن أميركا دون غيرها من دول الغرب يمكن أن يـكـون رأس الـدولـة مـن أبـويـن مهاجرين، كما أن لدى الديمقراطيي موقف أفضل جزئيًا من الجمهوريي، فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، كما أنهم في السياسات الداخلية أكثر حرصًا على الطبقات املتوسطة والفقيرة من الجمهوريي، صحيح أن األخيرين يقولون العكس نظرًا ألنهم يدعون لخفض الـــضـــرائـــب، وبــالــتــالــي يـشـجـعـون أكـــثـــر عــلــى االســتــثــمــار الـــذي ستستفيد منه الطبقات الشعبية فعال وليس كالمًا، وذلـك في إطار ردهم على الديمقراطيي. إذن املشروعية السياسية في الترحيب بالجمهوريي أو الديمقراطيي عامليًا وعربيًا لها وجـاهـة، ولكن يجب التعامل بحذر أكبر حي ينتقل هذا التعامل من اليمي التقليدي املحافظ إلى اليمي املتطرف أو الشعبوي أونموذج الرئيس ترمب، فال يجب الــرهــان فقط أو أسـاسـ على كـونـه رجــل مــال «وبـيـزنـس» ) ويمكن الوصول Win Win( يفهم كما يقال لغة املكسب املتبادل معه إلى تفاهمات تحقق املصالح املشتركة مع العالم العربي، وخاصة دولـه الثرية، إنما يجب أيضًا األخـذ بعي االعتبار أن جـانـبـ مــن تـوجـهـاتـه سـيـكـون شـديـد الـــوطـــأة والـصـعـوبـة على الـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة وعـــلـــى عــــدد لــيــس بـالـقـلـيـل مـــن املـلـفـات الدولية. هناك فارق كبير بي مواقف كثير من أحزاب اليمي القومي فــي الــــدول الـغـربـيـة الـتـي تـرفـع شـعـار «بـلـدنـا أوالً» وتستدعي مفاهيم السيادة الوطنية في مواجهة العوملة وترفض استقبال مزيد من املهاجرين وتنوي ترحيل غير النظاميي منهم وبي نـمـوذج اليمي املـتـطـرف أو على األقـــل خـطـاب اليمي املتطرف الذي يتبناه ولو جزئيًا ترمب بشكل تلقائي وغير آيديولوجي، فلديه موقف سلبي من مختلف األقليات العرقية «غير البيضاء» من أفـارقـة ومكسيكيي وعـرب وهـنـود، كما أن إداراتـــه السابقة اتسمت بالعشوائية في األداء، ولوال أن الواليات املتحدة دولة مؤسسات قوية لكان الرجل نجح في تغيير كثير من القواعد املستقرة داخل النظام السياسي األميركي. علينا أن نسلم بأن التوجه السياسي واالقتصادي ليس هو املدخل الوحيد لتقييم توجهات أي رئيس أو نظام سياسي أو حزب، إنما يجب أيضًا إضافة «تقييم األداء» وأيضًا املشاركة فــي الـقـيـم اإلنـسـانـيـة األســاســيــة مــن مـــســـاواة ورفــــض للتمييز وإيــــمــــان بــالــقــانــون والـــعـــدالـــة، وهــــي قــيــم يـتـفـق عـلـيـهـا نـظـريـ الجمهوريون والديمقراطيون واليسار واليمي، ولذا فإن أي أداء عشوائي أو فاسد أو تبني آراء متطرفة أو تمييزية من أي تيار أو لون سياسي يجب أن يرفض حتى لو كان هذا التيار مطابقًا لتوجهنا السياسي. 2023 ) تـركـت أحـــداث الـسـابـع مـن أكـتـوبـر (تـشـريـن األول إسرائيل في حالة من الذهول، وأحيت في نفوس اإلسرائيليي املخاوف الوجودية العميقة التي ظنوا أن زمانها ولَّى. لم تتراجع فكرة السالم اإلسرائيلي - الفلسطيني بمثل تـراجـعـهـا الــيــوم، ولـــم تـتـقـدم أولـــويـــات األمـــن بمثل صـدارتـهـا الراهنة. صحيح أن استحالة تحقيق السالم من دون ضمان األمن فكرة بديهية، لكن الصراع الفلسطيني - اإلسرائيلي يدفع هاتي الفكرتي؛ السالم واألمن، إلى أبعد حدود التناقض. تــبــرز، والـــحـــال، حـــرب إســرائــيــل عـلـى «حـــمـــاس» و«حـــزب الله» بوصفها التجسيد العملي لهذا التناقض. فما تقوم به إسرائيل كخطوات تراها ضرورية لتحصي أمنها على املدى الـقـصـيـر واملــتــوســط، ال تفعل بــه ســـوى أنـهـا تـبـدد متطلبات وشروط السالم على املدى البعيد، بسبب قسوتها وما تنتجه من قتل وهدم وتهجير. وفي املقابل يبدو أن السعي املحموم خلف تحقيق الكرامة الوطنية، بمعانيها التجريدية والواقعية، ال ينتج سوى تبديد الكرامة اإلنسانية للنازح من غزة أو من جنوب لبنان وبقاعه. لم تكن هجمات السابع من أكتوبر مجرد عملية أخرى في سبيل تحقيق ما هو عـادل فلسطينيًا، بل شكَّلت صدامًا مجتمعيًا أدى إلـــى تـعـزيـز وجـهـة فــي الــــرأي الــعــام والـخـطـاب السياسي فـي إسـرائـيـل، تـرى وجــوب مضاعفة القسوة تجاه الفلسطينيي. شُــن الهجوم بعقل إمـبـراطـوري ال مقاوماتي، أراد إنهاء دولة إسرائيل من الوجود، فانتهى بما نراه أمامنا. يـمـكـن الـــقـــول إن هــجــوم «حـــمـــاس» أنــتــج نـقـطـة الـتـحـول الثانية في السياسة اإلسرائيلية بعد التحول الجذري األول، على يـد متطرف 1995 فـي أعـقـاب اغـتـيـال إسـحـاق رابـــن عــام يهودي، والـذي أنتج قيادة سياسية إسرائيلية منحازة ضد السالم ومُفرِطة في تركيزها على األمـن. قـادة إسرائيل الذين جــــاءوا بـعـد رابــــن، مـثـل بـنـيـامـن نتنياهو وشـمـعـون بيريز (في سنواته األخيرة) وآرييل شارون، ابتعدوا عن رؤية رابي القائمة على التسوية والتعايش، وأعطوا األولوية إلجـراءات أحـــاديـــة الــجــانــب، وتــوســيــع املــســتــوطــنــات، وتـغـلـيـظ الـعـصـا. اختزل نتنياهو خالصة «املعادلة الصفرية»، مستغال مخاوف «اإلرهـــاب» والتصلب الفلسطيني لتقويض اتفاقيات أوسلو التي يرفضها هو في األساس. أضافت سياسات شارون، بما في ذلك بناء الجدار العازل واالنسحاب األحـادي من غزة عام ، تعقيدًا آخر لتعقيدات الحل حي قدم استراتيجية إدارة 2005 الصراع على حله، تاركًا للفلسطينيي أرضـ مجزأة خاضعة للسيطرة العسكرية اإلسرائيلية. دُفـعـت هــذه الـتـحـوالت بـرفـض إسـرائـيـلـي مـزمـن وعميق لـ«حل الدولتي»، زادته حدة انتفاضة األقصى وصعود حركة «حماس»، وما أنتجه على الضفة األخرى من تشدد الرأي العام اإلسرائيلي، وصعود فصائل قومية ودينية تعارض بشدة أي تنازالت للفلسطينيي. ونتيجة لذلك، غالبًا ما نظرت القيادة التي جاءت بعد رابي إلى جهود السالم كتهديد ألمن إسرائيل وطموحاتها اإلقليمية؛ مما كرَّس سياسة األمن الشامل بدال من املصالحة. أكتوبر، فمهَّدت التشوهات 7 أما فلسطينيًا، وقبل هجوم الـــتـــي طـــــرأت عــلــى املــــشــــروع الـــوطـــنـــي الـفـلـسـطـيـنـي، ال سيما االنــقــســام الــقــاتــل بـــن غـــزة والــضــفــة، واســـتـــعـــدادات التصفية املتبادلة بي حركتَي «فتح» و«حماس»، لكل السياقات الراهنة التي باسم السعي نحو الدولة الوطنية، أجهزت، هي األخرى، على احتماالت هذه الدولة في الواقع. ينبغي لنا االعتراف أيضًا بأن عالقة ياسر عرفات بالسالم كانت معقدة ومملوءة بالتناقضات. سار الرجل على حبل رفيع بي الدبلوماسية والبرغماتية، مع اإلبقاء عـلـى خــيــار املـــقـــاومـــة، حـتـى مــقــاومــات خــصــومــه، كـــأداة استراتيجية. ومـمـا يـذكـر فـي سجل خطاباته الكثيرة، ، حي 1994 كـــ م لــه خـــ ل زيــارتــه لـجـنـوب أفـريـقـيـا عـــام شبَّه «اتـفـاق أوسـلـو» بـ«صلح الحديبية» بـن املسلمي ومــشــركــي قـــريـــش، والـــــذي مـــا لـبـث أن انـــهـــار. تــوفــر هـذه املقاربة نـافـذة على عقل عـرفـات الــذي مـن جهة يستثمر في اإلرث الديني لتبرير مواقفه وسياساته، ومـن جهة أخرى يعطي انطباعًا بأن «أوسلو» مجرد ترتيب مؤقت ومرحلة تكتيكية. زادت املخاوف من العرفاتية السياسية نتيجة مقاربة أبو عمار البرغماتية تجاه الهجمات التي تنفذها جماعات مثل «حـمـاس» و«الـجـهـاد اإلسـ مـي». فبينما كان يدين الهجمات علنًا، كان يتجنب مواجهتها بشكل حاسم، مستفيدًا منها كورقة ضغط ضد إسرائيل، وســاعــيــ فـــي الـــوقـــت ذاتـــــه لـلـحـفـاظ عــلــى وحـــــدة الـصـف الفلسطيني املنقسم. ثم ما لبثت حادثة السفينة «كارين ، عندما اعترضت إسرائيل سفينة محملة 2002 إيه» عام بــاألســلــحــة يُـــقـــال إنـــهـــا كـــانـــت فـــي طـريـقـهـا إلــــى الـسـلـطـة الفلسطينية، أن عــــززت الـتـصـور بــأنــه لــم يـتـخـل تمامًا عــن الـعـنـف، عـلـى الــرغــم مــن نـفـيـه أي عــ قــة مـبـاشـرة له بالحادثة. منذ بـواكـيـر مـشـروع السلطة الفلسطينية عكست هذه االسـتـراتـيـجـيـة املـــزدوجـــة؛ الـقـبـول بـالـسـ م مــع غــض الـطـرف عن العنف، محاوالت يائسة للتوفيق بي االلتزامات الدولية ومتطلبات الوطنية الفلسطينية ذات السقوف العالية، لتكون النتيجة انــعــدام الـثـقـة فــي الــقــيــادة الفلسطينية وفـــي عملية السالم نفسها. الـسـؤال البسيط والصعب الــذي يـواجـه املنطقة برمتها هـــو: هــل مــن سبيل لكسر هـــذه الـــدائـــرة؟ هــل يمكن إلسـرائـيـل تحقيق الشعور بـاألمـان بغير االعـتـمـاد شبه الحصري على الـقـوة والـعـقـل الـتـوسـعـي؟ وهــل يمكن للفلسطينيي تحقيق الكرامة الوطنية بغير االعتماد على املقاومة والذاكرة وااللتزام املراوغ بفكرة السالم؟ كـــــان هـــــدف «طــــوفــــان األقــــصــــى» تـحـريـك مسار القضية الفلسطينية، كمَا قال صانعو «الــطــوفــان»، وإطــــ ق ســـراح األســــرى، وإعـــادة األمـــل؛ لـكـن «الــطــوفــانَ» غـيـر املحسوب ضـرب القضية بالعمق، وزاد عـــدد األســــرى، وغـيَّــب حــتــى األمــــــل، وال أحـــــد يـــعـــرف كـــيـــف سـيـكـون املـسـتـقـبـل. هــــذا املـسـتـقـبـل يــحــمــل فـــي طـيـاتِــه رؤيــــتــــن: رؤيــــــة عـــربـــيـــة، ورؤيـــــــة إســرائــيــلــيــة، وكلتاهما متناقضة، وصعب الجمع بينهما إال بمقاربة أميركية تنتشل الفلسطينيي في األراضـي املحتلة، خاصة في غـزة، من تبعات «الطوفان». الرؤية العربية أضحت معروفةً، وحولها إجماع دوليٌّ، وتتمثَّل بإقامة دولة فلسطينية إلــى جـانـب الــدولــة اإلسـرائـيـلـيـة، وبضمانات تـهـدئ مــن مــخــاوف إســرائــيــل، وعـلـى أن تـبـدأ املــفــاوضــات فـــورًا بـعـد وقـــف إطـــ ق الــنــار بي الفلسطينيي واإلسرائيليي، برعاية عربية وأميركية، واألفضل دولية إذا قبلت إسرائيل بـمـشـاركـة مــن هـــذا الــنــوع. هـــذا الــحــل ستكون لـــه تــكــلــفــة مــــاديــــة كـــبـــيـــرة، ســيــتــحــمَّــل الـــعـــبء األكـــبـــر مـنـهـا الــــعــــربُ، ويــتــطــلَّــب الـــحـــل أيـضـ جـــهـــودًا دبــلــومــاســيــة، وصـــبـــرًا اسـتـراتـيـجـيـ ؛ ألن مــاضــي املــفــاوضــات مــع إســرائــيــل مـزعـزع ومـقـلـقٌ، واملـفـاوضـون اإلسـرائـيـلـيـون بـارعـون فـي املــراوغــة واملــنــاورة والـنَّــظـر فـي التفاصيل الشيطانيَّة، ثـم الـتـراجـع عـن وعـــود قطعوهَا. هــــذه الــــرؤيــــة الــعــربــيــة تــلــقَــى قـــبـــوال مـــن نُــخــب إســـرائـــيـــلـــيـــة لـــيـــبـــرالـــيـــة، خــــاصــــة فــــي أمـــيـــركـــا وتعتبرُها مفتاحًا لحل الصّراع بشكل أبـديّ، يــضـمـــن إلســــرائــــيــــل أن تـــعـــيـــش بـــــأمـــــان. هـــذه الليبرالية اإلسـرائـيـلـيـة دعـمـت اتــفــاق أوسلو قبل إجهاز رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامي نتنياهو مع فريقه اليميني، عليه عالنيةً. أمَّـــا الـرؤيـة اإلسرائيلية فيمكن وصفُها بالرمادية، في ظل حكومة نتنياهو اليمينية املتطرفة؛ فنتنياهو، خالف ما يشاع عن خوفِه مـن املحاكمة، يـرى أن الـتـاريـخ فـي صـفّــه، وأن دولة إسرائيل التي يخطّط لها ستخرج للعلن عـلـى يـــديـــه، وأن آخِــــر هــمِّــه املــحــاكــمــة، بـعـدمَــا تحوّل إلى بطل أسطوري في حربه التدميريَّة ضد حركة «حماس» و«حـزب الله» في لبنان. فهو لـم يعلن مـــاذا يـريـد بعد وقــف القتال في غزة، ورفض الخطط األميركية كلَّها، لكنَّه على أرض الــواقــع يـرسـم خـطـتَــه، وبـدايـتُــهـا تفريغ شـمـال غـــزة مـن أهـلـهـا. ففي مؤتمر صحافي، الثالثاء املاضي، قال العميد إسحاق كوهي إن إسرائيل تقترب من التهجير الشامل لسكان مخيم جباليا وبيت حانون وبيت الهيا، وأنَّه ال توجد نية إلرجاع هؤالء إلى منازلِهم، وقال، بالحرف الواحد، إن األوامر له: «إنشاء مناطق نــظــيــفــة». طـبـعـ تـــراجـــع الــجــيــش اإلســرائــيــلــي فورًا عن هذه التصريحات، وعَدَّها مقتلعة من سياقِها العام. لكن الواقع الـذي ال ينكره أحد أن نتنياهو يـريـد اسـتـيـطـان قـطـاع غـــزة، وأن تكون البداية بشمالها؛ بذريعة حماية غالف غـــزة. ويـرفـض نتنياهو تمامًا عـــودة السلطة الفلسطينية، ويرفض بقاء «حـمـاس»؛ وهي، في نظره، منظمة إرهابية، ونظر األوروبيي واألمـــيـــركـــيـــن، وبـــالـــتـــالـــي فـــإنَّـــه بـــهـــذا املـنـطـق ســـيـــتـــذرع بــــأنَّــــه ال يـــوجـــد شـــريـــك فـلـسـطـيـنـي يجلس معه على طـاولـة املـفـاوضـات. بعبارة أخرى، يريد ابتالع األرض في غزة، والتوسع فــي الـضـفـة، وتـصـفـيـة الـقـضـيـة الفلسطينية، وتحويلها من قضية شعب إلى قضية سكان عاديي؛ على العالم أن يفكر في إيجاد مأوى لــــهــــم، وإســــرائــــيــــل ســـتـــســـاعـــد بـــكـــل مــــا لــديــهــا لتحقيق هذا الحل «اإلنساني». هـــاتـــان الـــرؤيـــتـــان مــتــنــاقــضــتــان تــمــامــ ، وبـــالـــتـــالـــي إذا أصـــــر كـــل فـــريـــق عــلــى مـطـلـبـه، فــمــعــنــاه أن نــتــنــيــاهــو، بــحــكــم مــنــطــق الـــقـــوة، سيبقى متابعًا لبرنامجه، وستموت مع الزمن الرؤية العربية والدولية، ولربما تبرعت دول مؤيدة إلسرائيل بحل جديد يكون سقفه أقل من الرؤية العربية بذريعة الواقعية السياسية، وأن االستحواذ على القليل أفضل من ال شيء. وقـد برهن الرئيس األميركي جـو بـايـدن على أنَّه يؤيد الرئيس الروسي فالديمير بوتي في الخفاء، وينتقده فـي العلن، ولـهـذا لـم يتمكن من وقف الحرب، رغم املناشدات الدولية، ورغم قــبــول دول عـربـيـة (وفــــق تــســريــبــات) الـتـدخـل عـسـكـريـ إلدارة قـــطـــاع غـــــزة، وضـــمـــان األمــــن، وعدم تعرض إسرائيل العتداءات. هذا العرض العربي كان جريئًا؛ ألنَّه ينم عن معرفة بنيّات الحكومة اإلسرائيلية، وبالتالي فإن وجودهم فــي غــــزة، بـاتـفـاق دولــــي ومــوافــقــة فلسطينية وإسرائيلية، سيحُول دون التنظيف السكاني الــذي تحدّث عنه العميد اإلسرائيلي كوهي. وبما أن بايدن قد حقب حقائبه، وسيخرج بعد أسابيع، فإن األنظار كلها تتطلع الى الرئيس املنتخب دونالد ترمب، ووعــوده التي قطعها للناخبي الـعـرب، واألميركيي بأنه سيوقف الــحــروب، وسيعمل على تسوية تضمن عدم تجدد النزاع. هذا الوعد هو آخِر مما تبقّى من أمل في املنطقة، ولكونه وعدًا يتأسس على حل مشاكل املنطقة دفعة واحدة؛ وقد نال ترمب من الناخب األميركي تفويضًا ال مثيل له، وشكَّل فريقًا حكوميًا ال يعصي له أمرًا، وبوسعه اآلن فرض تسوية تجبر نتنياهو عليها، وتنصف الفلسطينيي، وترضي العرب. تـــرمـــب مـــن أكـــبـــر مـــؤيـــدي إســـرائـــيـــل، ولــه صداقات مع العرب، واملنطق يقول إن مصلحة بــ ده تسوية القضية الفلسطينية، وضمان األمــــن إلســرائــيــل، ولــذلــك إذا تـمـكـن تــرمــب من تــحــقــيــق الـــتـــســـويـــة املـــطـــلـــوبـــة، فـــإنـــه لــــن يــنــال جائزة نوبل فحسب التي تمناها، بل سيدخل التاريخ. OPINION الرأي 12 Issue 16793 - العدد Tuesday - 2024/11/19 الثالثاء مشكلة العقلين اإلسرائيلي والفلسطيني بين الديمقراطيين والجمهوريين غزة... بين الواقع المحزن والمستقبل المجهول وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com أحمد محمود عجاج إذا تمكن ترمب من تحقيق التسوية المطلوبة فإنَّه لن ينال «نوبل» فحسب بل سيدخل التاريخ نديم قطيش عمرو الشوبكي

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==