بدت الصورة املنشورة مؤخرًا على صدر صفحات الجرائد، غير قابلة للتجاهل، والفتة لالنتباه، ومدعاة لالهتمام، حتى لغير املهتمني بالشأن السياسي. الــــصــــورة املـعـنـيـة تـجـمـع بـــ الــرئــيــس األمــيــركــي الحالي جـو بـايـدن، والرئيس املنتخب دونـالـد ترمب، في املكتب البيضاوي، بالبيت األبيض، وهما جالسان على كـرسـيَّــ مـريـحَــ ، يـتـدفـآن بـنـار مـدفـأة تـبـدو في الـخـلـفـيـة واضـــحـــة وجـمـيـلـة، وأمــامــهــمــا عـلـى منضدة صـغـيـرة بـاقـة مــن ورود حــمــراء، تـزيـد مــن حــــرارة دفء االجتماع واألُنس. األهــم من ذلـك أن الرجلَني/ الرئيسَني في الصورة يوحيان للناظر وكأنهما صديقان قديمان التقيا بعد فـــــراق ســـنـــوات طــويــلــة، يــتــجــاذبــان أطــــــراف حـــديـــث عن حكايات ومواقف قديمة، ال تخلو من طرافة. هــل نــصــدِّق الــصــورة الـتـي الـتُــقـطـت لـــدى استقبال األول للثاني يـوم األربـعـاء املنصرم في البيت األبيض بـــواشـــنـــطـــن دي ســـــي، لــلــتــبــاحــث حـــــول تــســلــيــم سـلـمـي ،2025 ) يناير (كانون الثاني 20 وهادئ للسلطة في يوم أو نـــصـــدِّق مـــا نـعـرفـه عـنـهـمـا، ومـــا شـهـد بـــه كـــل واحـــد منهما ضـد اآلخــر فـي خطابات علنية، منذ أيــام قليلة سابقة ليوم االقــتــراع، ومنقولة مباشرة على القنوات التلفزيونية األميركية والدولية؟ الرئيس بايدن كان حريصًا، في كل خطاباته، على تحذير األميركيني من انتخاب دونـالـد ترمب؛ لكونه - حسب زعمه - خطرًا على الديمقراطية األميركية. وعلى الجانب اآلخــر، ظل الرئيس املنتخب ترمب يـصـف الـرئـيـس جــو بــايــدن بـكـونـه أســـوأ رئـيـس عرفته الواليات املتحدة األميركية. وفي رأيـي الشخصي، فإن الوصفني لم يجانبا الصواب. الـعـديـد ممن يقفون على الضفة املقابلة للرئيس املنتخب دونـالـد تـرمـب، يتمنَّون لـو أن بيدهم مقاليد الزمن؛ كي يتمكنوا من إيقافه في نقطة معينة، وإغالق من 2024 األبــــواب وإحــكــام أقـفـالـهـا؛ كــي ال يتمكن عـــام ، لبدء مرحلة ترمبية 2025 الخروج، مُفسحًا املكان لعام ثانية! لكن الزمن هو الزمن، ال يخضع لسيطرة. يواصل سـيـره لــأمــام بــ مــبــاالة. ولـيـس أمـــام أنــصــار الرئيس املـنـتـخـب تــرمــب وخــصــومــه، عـلـى الـــســـواء، فـــي أمـيـركـا والـــعـــالـــم، ســــوى الــتــأهــب واالســـتـــعـــداد الســتــقــبــال عــام جديد وشيك، حامال إليهم في صِراره الكثيرة مفاجآت قد تبهج البعض، ومن املحتمل كذلك أن تذهب بعقول البعض اآلخر من شدة الغيظ. الـــشـــعـــب األمـــيـــركـــي قـــــال كــلــمــتــه فــــي االنـــتـــخـــابـــات. واألميركيون بأغلبية ملحوظة منحوا أصواتهم وثقتهم لرئيس سابق، يعرفونه جيدًا، بهدف أن يقودهم ملدة أربع سنوات أخرى. فأين املشكلة؟ املـشـاكـل ال تـأتـي بـهـا الــريــاح أو تـقـذف بـهـا أرواح ال مـرئـيـة. املـشـاكـل بـشـريـة، ومــن صُــنـع الـبـشـر. والبشر تحكمهم مصالحهم. ووُجــدت السياسة واألحــزاب منذ القدم لتحدد مصالح كل فئة مجتمعية، بهدف حمايتها من اآلخرين وتطويرها. اختالف املصالح كان وراء ظهور املشكلة؛ فما ينفع فئة أو طائفة أو شعبًا، قد يضر بمصالح غيرهم. ومهمة الرئيس املنتخب ترمب - حسب برنامجه املعلن - حماية مـصـالـح الـشـعـب األمــيــركــي وتـطـويـرهـا؛ ولــهــذا السبب قاد حملة انتخابية هائلة تحت شعار: «لنجعل أميركا عظيمة ثانية». وحظي بتأييد أغلبية األميركيني. العظمة املوعودة واملأمولة ستكون بالضرورة على حـسـاب مـصـالـح شـعـوب ودول وأمـــم أخــــرى، حـسـب ما يردده ويتفق حوله الساسة واالقتصاديون واملحللون السياسيون. لكن هذه املشكلة تحديدًا، ال تُهم املواطنني األميركيني الذين صوَّتوا لصالح ترمب، وال يَضيرهم ما قد يحُل بمصالح اآلخرين من ضرر. مـــا يُــهــمُّــهــم هـــو أن يــفــي الــرئــيــس املـنـتـخـب تـرمـب بـــوعـــوده، ويـعـيـد ألمــيــركــا ثــانــيــة مــا فــقــدت مــن عظمة. عامًا 250 الالفت لالهتمام، أن أميركا، بعد ما يقرب من من ظهورها كدولة على خريطة العالم، أضحت أكبر قوة سياسية وعسكرية واقتصادية، لم ير العالم مثلها منذ قرون طويلة. فهل توجد عظمة أكثر من ذلك؟ الـصـورة السالفة التي جمعت بني رئيسَني، واحد فـي طريقه إلــى املــغــادرة، وآخـــر فـي طريقه إلــى الحلول مكانه، تبدو عادية جدًا في سياقها السياسي املتعارف عـلـيـه. املـقـصـود منها الـتـأكـيـد عـلـى اسـتـمـرار التقاليد األمــيــركــيــة الـسـلـمـيـة فـــي انــتــقــال الــســلــطــة، رغــــم علمنا املسبق أن الرئيس املنتخب ترمب، خرج عن تلك التقاليد اسـتـقـبـال 2020 حـيـنـمـا كــــان رئــيــســ ، ورفـــــض فـــي عــــام الرئيس املنتخب آنذاك جو بايدن، بسبب رفضه نتيجة االنتخابات. ، ستكون 2028 إلى 2025 أميركا دونالد ترمب من مختلفة عن أميركا جو بايدن وكاماال هاريس، وباراك أوبــامــا، وبـيـل كلينتون... إلــى آخــر القائمة. االخـتـ ف لـن يتوقف عند حـد طــرد مهاجرين غير قانونيني في عمليات ترحيل لم تُشهد من قبل. االختالف، هذه املرّة، ليس مسبوقًا، وعلى مستوى العالم. من يراجع تاريخ العالقة بني الدولة واملجتمع اللبنانيّني وبني ميليشيا «حزب الـلـه»، والـتـي بــات عمرها يتعدّى األربعة عـــقـــود، يـــ حـــظ أن كــلــفــة املـيـلـيـشـيـا على هـــذيـــن املــجــتــمــع والــــدولــــة ســلــكــت مسلكًا تـصـاعـديّــ فــي احــتــدامــه، وأن تصاعديّته بالكاد عرفت التقطّع. فبدل وعد االنتقال من حماية إلى تحرير فإلى ثراء وازدهار، اتّــــجــــه االنـــتـــقـــال بـــنـــا إلـــــى انـــكـــشـــاف أكــبــر واحتالل أكثر وبؤس أعظم. وليس معقوال بأي معيار كان أن تنتهي بنا الحال، بعد ذاك الــزمــن املــديــد عـلـى انــطــ ق املـقـاومـة، و»تحصيننا» الـــذي نُــسـب إلـيـهـا، إلــى ما نعيشه راهـــنـــ، حـيـث يـمـضـي فــي نهشنا تـوحّــش إسرائيلي ال يـرتـوي طلبه لدمنا وخـرابـنـا. أمّـــا الـحـجّــة الـتـي تـقـول إن هذه أكالف التحرير فيمتنع قائلوها عن اقتراح مــــدّة زمـــنـــيّـــة، ولــــو تــقــريــبــيّــة، لـتـحـقُّــق ذاك الوعد بالجنّة األرضيّة، أو اقتراح محطّات إنجازيّة نصعد من واحدتها إلـى واحـدة أعلى على الطريق إلى تلك الجنّة. وهذا ما دفع أكثريّة من اللبنانيّني، يتنامى عددها يومًا بيوم، إلى افتراضني يعزّزهما طوفان من الوقائع واملعطيات التجريبيّة: أوّلهما أن التحرير املـقـصـود ليس شيئًا مـحـدّدًا يتحقّق، بل هو مزيج من فكرة ال تتحقّق وطـريـقـة حـيـاة تـمـتـد عـلـى الـعـمـر كــلّــه، بل على أعمار أجيال متعاقبة. أمّا االفتراض الثاني فأن التضحيات الهائلة التي تُبذل إنّما تُبذل مازوشيًّا، أي إلنزال ألم «لذيذ» بالذات، بحيث يقل القليل املتبقّي في اليد أو يُفقَد كلّه تباعًا. فــــاألمــــر، بـــالـــتـــالـــي، أقـــــرب إلــــى طقس علينا نحن أن نخدمه ملجرّد أنّه طقس، من دون أن نطالبه، في املقابل، بخدمتنا. ومــــــا يــــزيــــد طــــ املـــيـــلـــيـــشـــيـــات بــــلّــــةً، هـــي الـــتـــي تـــدعـــو إلــــى تــحــريــر وطـــنـــي مــا، ارتـبـاطـهـا بـمـصـالـح أجـنـبـيّــة تـتـقـدّم على مـصـالـح الــوطــن نفسها، وهـــذا إن لــم تكن تـــلـــك املـــصـــالـــح األجـــنـــبـــيّـــة عـــلّـــة وجـــودهـــا األولــــــى واألهــــــــمّ. وفــــي ذلــــك مـــا يــمــعــن في إضعاف مزاعم املقاومة املنتفخة في صدد فـلـسـطـ وقــضــيّــتــهــا إذ يــتــبــدّى أن وراء األكمة ما وراءهـــا، وأن شيئًا آخـر، تحيط به الشبهات، هو ما يملي عليها حركاتها وسكناتها. والـراهـن أن ما من شعب، إال إذا كان مـصـابـ بـمـرض جـمـاعـيّ، يمكن أن يـوعَــد بهذا «التحرير»، وأن يُطالَب باالستماتة في طلبه! فالطبيعي الذي يحصل، والحال هــــذه، شـــعـــور عـمـيـق بـالـخـيـبـة والـــخـــذالن يـــدفـــع أصـــحـــابـــه إلـــــى مـــراجـــعـــة حــســابــات األكــــــــ ف الـــهـــائـــلـــة ومـــقـــارنـــتـــهـــا بــاملــنــافــع املعدومة ثم الوصول إلى النتائج املنجرّة عن ذلك. وما نشهده في لبنان، ممثّال بـ «حزب الــــلــــه»، واحـــــد مـــن أفـــــدح أشـــكـــال الــظــاهــرة امليليشيويّة، وهـــو بالتأكيد أعـرقـهـا في املشرق العربيّ، إال أن لبنان ليس املسرح الــوحــيــد الشـتـغـالـهـا الـــكـــارثـــيّ. فـهـا نحن نالحظ مثال كيف يعلن سكّان البوكمال في شرق سوريّا بَرَمهم بامليليشيا وعجزهم عن تحمّل األكالف املتعاظمة التي يرتّبها وجـودهـا ونشاطها. وعلى نطاق أعـرض تتعالى أصوات عراقيّة متزايدة تلح على إشهار خوفها من سياسة التوريط باملوت الـــتـــي تــتــســبّــب بــهــا املــيــلــيــشــيــات. ذاك أن األخيرة، وفي كل مكان من املشرق تقريبًا، توسّع رقعة انتهاكها التي تشمل التمييز الــســيــاســي بـــ الـــســـكّـــان، ورفــــض تطبيق الـــــقـــــانـــــون، وتــــوســــيــــع هـــــوامـــــش الـــفـــســـاد، وفــــرض ضـــرائـــب تــصــاعــديّــة عـلـى الـحـيـاة االقتصاديّة، وهذا فضال عن التجرّؤ على األعراف األهليّة والتقاليد الشعبيّة. هـكـذا يُــ حَــظ أن تـداعـي امليليشيات القويّة يشبه تداعي األنظمة اإلمبراطوريّة، أو ذات االدّعاء االمبراطوريّ، حيث التجرّؤ واســـع وشـامـل يـمـس أوجـــه الـحـيـاة كلّها. وفي سياق كهذا يسود التشكيك الشعبي املشوب بسخرية ال ترحم، سخرية تطال كــل شــيء طالته روايـــة تلك امليليشيا عن نفسها وعن عاملها املحيط، فيما روايتها تـطـال كــل شــيء تقريبًا. فانكشاف الوعد املـــزغـــول خـطـيـر عـلـى الـــواعـــد، وكـلّــمـا كـان الوعد متضخّمًا تضخّم انكساره واتّخذ شــكــ فـضـائـحـيّــ . وفـــي عــــداد مــا يـتـداعـى تـــأويـــل كــــاذب لـلـتـاريـخ ولـلـوقـائـع جعلته امليليشيا تــأويــ ســائــدًا، مـقـلّــدة بـهـذا ما تصنعه األنظمة التوتاليتاريّة حني تعيد كـــتـــابـــة الـــتـــاريـــخ فــتــمــحــو مـــنـــه مــــا تـمـحـو وتضيف إليه ما تضيف. وبني ما يتداعى أيـضـ لـغـة غالبًا مـا تعني عكسها، حيث الهزيمة انتصار واالنتصار هزيمة والقوّة ضـعـف والـضـعـف قــــوّة، تـوشّــيـهـا تعابير شبه وثنيّة يُراد للجماعة كلّها أن تردّدها طردًا منها للرواح الشريرة. وبالطبع فإن الرواية هذه تجد حارسها املنزّه في رجل ساحر أُوكلت إليه مهمّة السير بنا، فيما أعيننا مغلقة، نحو املجد والسؤدد. لـــكـــن فــــجــــأةً، وفــيــمــا يــنــهــار هــــذا كـلّــه انـــهـــيـــار جـــبـــل مــــن كـــــرتـــــون، يــــبــــدأ الـــنـــاس بقول الكالم الصحيح والدقيق في الوقت عينه، حيث تحضر األرقــام لتعزيز الـرأي أو لنفيه، كما يحضر مـا تــراه العني بـدال مــن دفـــع الـعـ ألن تـــرى مــا ال يُــــرى. وبـ نــهــار ولـيـلـة يـجـد الـــنـــاس أنـفـسـهـم وجـهـ لوجه أمام مسؤوليّاتهم عن ذواتهم وعن أوطـانـهـم: كيف يدبّرونها مـن دون سحر وساحر ومن دون رواية تريد تلقينهم، كما يُلقّن األطفال، أن األسود ابيض واألبيض أسـود. واملشرق العربيّ، وسط صعوبات هائلة وقسوة استثنائيّة، ربّما كان اليوم أمام امتحان املسؤوليّة الكبير هذا. OPINION الرأي 12 Issue 16791 - العدد Sunday - 2024/11/17 األحد أميركا دونالد ترمب حين ينهار كل شيء في عالم الميليشيا وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة يبدأ الناس بقول الكالم الصحيح والدقيق في الوقت عينه جمعة بوكليب لو انحصرت مشكلة زميلة صحافية في نشاطها املهني لعنونت املقال بالكليشيه «مهنة املتاعب»، خاصة أن ضعف املعارضة، أمــام أغلبية ساحقة للحكومة في نظام برملاني ديمقراطي كبريطانيا يضع الصحافة، بال خطط مسبقة، في دور املعارضة ويحملها مهام محاسبة الحكومة واملسؤولني أمام الرأي العام خارج البرملان. فضلت اللجوء لتعبيرين من القرن العشرين: «الكابوس الكافكائي» - نسبة إلـى الكاتب األملاني اللغة، النمساوي - )؛ واألورويلية 1924 - 1883( تشيكي الجنسية فرانز كافكا .)1950 - 1903( - نسبة إلى الكاتب اإلنجليزي جورج أورويل الـكـاتـبـان ربـمـا األديـــبـــان الــوحــيــدان الــلــذان تـحـول اسـم كـــل مـنـهـمـا إلــــى صــفــة تـتـبـع مــوصــوفــ لــلــداللــة عــلــى مـوقـف «سياجتماعي»، بأبعاد تتجاوز الحدود اآلنية. ولسنوات طــويــلــة يـــجـــادل الـــنـــقـــاد - خـــاصـــة األدبــــيــــ واملـــســـرحـــيـــ – واملؤرخون املعاصرون عن مالءمة أي من الصفتني للعمل أو املوقف املطروح للنقد. أعـــمـــال كـافـكـا تــنــاولــت قـهـر الـــفـــرد وظـلـمـه تـحـت وطـــأة جـهـاز بـيـروقـراطـيـة عـمـيـاء، وأشـهـرهـا روايــتــه «املـحـاكـمـة»، 1925 لكنها لم تنشر إال في 1915 و 1914 التي كتبها ما بني بعد وفاته. بطل الرواية يقبض عليه مؤقتًا، واملحقق نفسه ال يعرف التهمة أو مَــن وجهها، ويخلى سبيله تحت إقامة جبرية انتظارًا ملحاكمة غامضة. صحافية «الـديـلـي تـلـغـراف» أليسون بيرسون (سيدة 30 فــاضــلــة تـــجـــاوزت الــســتــ ، عـمـلـنـا ســويــ ملـــا يــزيــد عــلــى عـامـ) تجد نفسها فـي كـابـوس كافكائي بــدأ صـبـاح األحـد املاضي بضابطي بوليس يقرعان بـاب بيتها وهـي ال تزال بمالبس النوم. أبلغاها أنها تتعرض للتحقيق فيما يعرف من قانون األمن 17 اآلن بمخالفة «غير جنائية» تحت املادة ألن تغريدتها على «إكـــس» (قبل اختفائها) منذ 1986 عـام عــام قـد تثير كـراهـيـة عنصرية. الـضـابـطـان لـم يفصحا عن محتوى التغريدة رغم إلحاح بيرسون، التي استفسرت عن الشاكي أو موجه االتـهـام، لكن الضابط «صحح» زميلتنا، (فـــي هـذا Victim بـجـديـة صـــارمـــة، قــائــ بـــأن التسمية هــي السياق تعني الضحية أو املجني عليه). وهــذا التصحيح بـالـغ الـخـطـورة ألنــه يضع الصحافية فـي مـوضـع املعتدي، وأن البوليس هنا كجهاز أمن يفترض حياديته، قرر بالفعل من الجاني ومن املجني عليه - وهنا تتداخل األورويلية مع الكافكائية. » أشهر أعمال أورويل عن تحول البالد إلى 1984« رواية ديستوبيا يحكمها حزب واحد بمزاج واحد بعد تغيير اللغة والتعبيرات املألوفة إلى «الخطاب املستجد» وإعادة صياغة الــكــتــب وتـغـيـيـر األعـــمـــال الـفـنـيـة وتـغـيـيـر أســـمـــاء الـــشـــوارع واستبدال التماثيل والرموز الوطنية وإعادة كتابة التاريخ. جمعيات الصحافيني والكتاب، ورابطة حرية التعبير أشارت إلى أن العشرات من الصحافيني والكتاب، سجلت لهم مخالفات «غير جنائية» وبعضهم تعرض للتحقيق، لكن األغلبية لم يعرفوا بوجود هـذه العالمات الـسـوداء (والتي تثير اتهامات كالعنصرية، أو الكراهية، أو امليسوجينية، أو إسالموفوبيا، أو معاداة السامية ضدهم) ويكتشف بعضهم هـــذه االتـــهـــامـــات بـالـصـدفـة أو عـنـد الــتــقــدم لـشـغـل مناصب جديدة قد تستدعي البحث في سجالت أمنية أو بوليسية. منها على سبيل املثال ال الحصر وظائف العمل مع أطفال كالتدريس والتمريض، أو العمل مع الالجئني أو مع عرقيات متعددة. أول مــن أمـــس (الـجـمـعـة) نـشـرت «الــتــايــمــز»، تـقـريـرًا صــــادمــــ عــــن تـــعـــرض أطــــفــــال مـــــــدارس بــعــضــهــم فــــي سـن التاسعة للتحقيق مـن البوليس فـي مخالفات مشابهة ملا تعرضت له بيرسون. طفل في التاسعة، مخالفته أنه وصــف طـفـ آخــر بـ«التخلف العقلي»، أو تلميذتان في الثالثة عشرة تعرضتا للتحقيق ألنهما شبهتا تلميذة أخــــرى «بـالـسـمـكـة شــكــ ورائــــحــــة». هـنـا تـنـطـبـق الصفة «األورويلية» على نشاط أحد أهم األجهزة والهيئات في الـحـفـاظ على األمـــن فـي املجتمع، ألن شـقـاوة األطــفــال أو استخدام التالميذ أللفاظ غير الئقة كـان التعامل معها دائـمـ بيد املعلمني واملعلمات - للتصحيح أو التوجيه أو التجاهل أحـيـانـ، لكن اإلرشــــادات الـجـديـدة للمدارس والهيئات التعليمية تشترط «تسجيل وتـدويـن إهانات وأفـعـال بدافع اإليـــذاء أو تعتبر جريمة». التحقيق الذي حصلت «الـتـايـمـز» على أرقــامــه وتفاصيله بطلب تحت شهرًا فقط كان 12 قانون حرية املعلومات، كشف أنه في حـالـة مخالفات «غـيـر جـنـائـيـة»، بما فيها 13200 هـنـاك املـــئـــات مـــن أطـــفـــال املــــــدارس، والـغـالـبـيـة مـــن الصحافيني والكتاب أو من مستخدمي وسائل التواصل االجتماعي. املـعـلـقـون تـسـاءلـوا عــن أولـــويـــات الـبـولـيـس مــع ارتـفـاع معدالت جرائم كالسرقة والعنف. السكرتير الصحافي لرئيس الـوزراء كير ستارمر، قال إن وزارة الداخلية ستقوم بمراجعة الالئحة املعنية بهذه القوانني لضمان حماية حرية التعبير، ومساعدة البوليس على تركيز الجهود فيما يفيد املجتمع. شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا عادل درويش
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==