issue16788

أكـــــد ولـــــي الــعـــهـــد الـــســـعـــودي الأمــــيــــر مــحــمــد بـن سلمان، في القمة العربية والإسلامية غير العادية، نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ضــرورة «إلــزام 11 إســـرائـــيـــل احـــــتـــــرامَ ســــيــــادة الـــجـــمـــهـــوريـــة الإســـ مـــيـــة الإيرانية الشقيقة وعدم الاعتداء على أراضيها». وزارة الخارجية السعودية، كانت قد أصــدرت، أكتوبر (تشرين الأول) المـاضـي، بياناً أعربت 26 فـي فيه عن «إدانتها واستنكارها للاستهداف العسكري الـــذي تـعـرضـت لــه الـجـمـهـوريـة الإسـ مـيـة الإيـرانـيـة، والـــــذي يُــعــدّ انـتـهـاكـ لـسـيـادتـهـا ومـخـالـفـة لـلـقـوانـن والأعراف الدولية». هذان الموقفان السياسيان الصريحان، من المهم تأملهما، فهما مفتاحان أساسيان لفهم مسار تطور الــعــ قــات بـــن الـــريـــاض وطـــهـــران، بـعـد عــودتــهــا إثـر توقيع «اتـفـاق بـكـن»، برعاية صينية، مــارس (آذار) ، الــــذي أعـلـنـت الــدولــتــان فــي أكــثــر مــن مناسبة 2023 التزامهما بتطبيقه. هـنـالـك اسـتـراتـيـجـيـة ســعــوديــة تـسـعـى لخفض الـــتـــوتـــر فـــي الـــشـــرق الأوســـــــط، ومــــســــاعٍ لــحــل المـلـفـات العالقة مع دول الجوار عبر الحوار المباشر؛ وذلك جزء من رؤيــة تعتقد الـريـاض أنها الطريق الأكثر نجاعة لبناء شبكة أمــانٍ إقليمية، خصوصاً في هـذا الوقت الدقيق عسكرياً وأمـنـيـ ، الــذي تـمـارس فيه إسرائيل «الإبــــادة الجماعية» بحق الشعب الفلسطيني، كما وصفها ولـي العهد الأمير محمد بن سلمان، محذراً من أن مواصلة إسرائيل حربها من شأنه «تقويض الـجـهـود الـهـادفـة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإحلال السلام في المنطقة». الــســعــوديــة تـعـمـل بـشـكـل مـسـتـمـر عــلــى تـطـويـر هـيـاكـل الـــدولـــة، وتحقيق مستهدفات «رؤيــــة المملكة »، وتنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات 2030 الأجــنــبــيــة، وخـــلـــق فــــرص عــمــل جـــديـــدة لـلـمـواطـنـن، وتحويل عدد من المناطق والمدن لأماكن جذبسياحي، فـــضـــً عـــن مــســاعــيــهــا لــتــكــون مـــن الــــــدول الـرئـيـسـيـة فــــي الـــحـــصـــول عـــلـــى تـــقـــنـــيـــات الـــــذكـــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي والاستثمار فيها؛ وكل هذه الجهود المتتابعة تحتاج إلــــى بـيـئـة آمــنــة مــســتــقــرة، كـــي تـنـمـو فـيـهـا المــشــاريــع الـكـبـرى بشكل طبيعي دون قـلـق مــن حـــدوث حــروب إقـلـيـمـيـة مـــدمـــرة، لأن الـــريـــاض لا تــريــد أن تستنزف الاضطرابات الإقليمية ميزانياتها، وإنما تريد إنفاق الأموال لتحقيق رفاهية الشعب وتعلّمه، كما التنمية وبناء المدن والمشاريع الحديثة التي بدأتها. مـــن هــنــا، عـمـلـت الـــريـــاض عــلــى دعــــم المـصـالـحـة فــــي الـــيـــمـــن بــــن الأطـــــــــراف المــــتــــعــــددة، والـــــدفـــــع نـحـو تحصي الحدود الجنوبية، وكـان هنالك تواصل مع «الحوثيي» أدى حتى الآن لتفاهمات حمت الداخل السعودي، وجنبته الاعتداءات التي كانت تقع سابقاً، مـن خــ ل استراتيجية جمعت بـن الـقـوة العسكرية والدبلوماسية والجهود الإغاثية. شرقاً، عملت السعودية على إعادة علاقاتها مع إيــران، لا من موقع الضعف، وإنما البحث عن حلول من خارج الصندوق! تـــتـــعـــرض إيـــــــــران لـــعـــقـــوبـــات أمـــيـــركـــيـــة أنــهــكــت اقتصادها، نظراً للسياسات التي انتهجها «الحرس الــــثــــوري»، وهـــو مـــا حــــركَ الــعــديــد مـــن الــنــقــاشــات في طهران عن جــدوى الاستمرار في سياسات غير ذات جـــدوى تـجـاه الــجــوار الــعــربــي، ودفـعـهـا إلـــى الـذهـاب نحو الانفتاح أكثر على دول الخليج العربية، وفي مقدمتها السعودية. يــمــكــن اعـــتـــبـــار «اتــــفــــاق بـــكـــن» حــجــر زاويــــــة في الـعـ قـات الـسـعـوديـة - الإيـرانـيـة الـتـي تتقدم بخطى ثابتة، يوماً بعد آخــر، دون استعجال أو تـراجـع، إلا أن الـريـاض تسعى لأن تبنيها على تفاهمات جـادة، مستدامة، تعالج القضايا الأمنية والسياسية التي كانت محل تباين، والسبيل إلى ذلك «عدم التدخل في الشؤون الداخلية»، و«احترام حسن الجوار»، والكف عن أن يكون للتنظيمات المسلحة أدوار تخريبية. بالتأكيد، لا يمكن الجزم بـأن جميع الملفات تم الــتــوافــق عـلـيـهـا، لأن ذلـــك يـحـتـاج إلـــى وقـــت وتهيئة ظـروف عملانية موضوعية، فضلاً عن أن التطورات الـعـسـكـريـة المـفـصـلـيـة الــتــي شـهـدتـهـا مـنـطـقـة الـشـرق ، عقّدت 2023 ) أكتوبر (تشرين الأول 7 الأوسط، ما بعد المشهد السياسي بطريقة غير متوقعة. إلا أن الأهم، أن السعودية وإيــران رغم ذلـك، استطاعتا إدارة العلاقة بينهما بطريقة حصيفة حققت اسـتـقـراراً مهماً في الخليج الـعـربـي، وشـكّـلـت شبكة أمــــانٍ، ودونــهــا كان من الممكن أن تسوء الأوضـــاع إقليمياً، فهما دولتان مـؤثـرتـان بشكل كبير، دون أن ننسى أن إيـــران على ارتــبــاط عـضـوي بــ«مـحـور المـقـاومـة» الـــذي هـو اليوم جزء من الحرب مع إسرائيل في أكثر من جبهة. الخط الزمني، لو تمت الإضاءة عليه، سنجد أنه يحيلنا إلــى سـيـاق تـراكـمـي، يـأخـذ منحى تصاعدياً بهدوء. عــلــى هـــامـــش الــقــمــة الــعــربــيــة والإســـ مـــيـــة غير الــعــاديــة فــي الـعـاصـمـة، الـــريـــاض، الـتـقـى ولـــي العهد الــســعــودي الأمــيــر مـحـمـد بــن سـلـمـان بـالـنـائـب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد رضا عارف؛ حيث «جرى، خلال اللقاء، استعراض العلاقات الـثـنـائـيـة بـــن الــبــلــديــن وعـــــدد مـــن المـــوضـــوعـــات ذات الاهتمام المشترك»، وفق «وكالة الأنباء السعودية». من جهتها، نقلت «وكالة الأنباء الإيرانية»، عن السيد محمد رضا عـارف، إشادته بـ«جهود الرياض فـــي اســتــضــافــة الاجـــتـــمـــاع الـــطـــارئ لمـنـظـمـة الــتــعــاون الإسلامي والجامعة العربية»، مؤكداً على أن «المسار الجديد الـــذي تـم اتباعه فـي الأشـهـر الأخـيـرة لتنمية وتوسيع التواصل والتفاعل بـن البلدين هـو مسار لا رجعة فيه»، وأن «فوائد تعميق وتوطيد العلاقات الثنائية هذه لن تقتصر فقط على إيران والسعودية، إنــــمــــا ســتــمــتــد لــتــشــمــل تــنــمــيــة الــــتــــعــــاون الإقــلــيــمــي والتضامن بي الدول الإسلامية». لــقــاء عــــارف هــو ثــانــي لــقــاء لمــســؤول إيـــرانـــي مع أسابيع؛ 5 الأمير محمد بن سلمان جرى خلال أقل من فقد استقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وزير أكـتـوبـر 9 الـخـارجـيـة الإيـــرانـــي عــبــاس عــراقــجــي، فــي الماضي. قُبيل زيارة محمد رضا عارف إلى المملكة، أجرى الرئيس الإيـرانـي مسعود بزشكيان، اتـصـالاً هاتفياً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ حيث «أعرب الرئيس بزشكيان عن أمله في تطوير وتوسيع الـعـ قـات بـن البلدين أكـثـر مـن ذي قبل وفــي جميع الصعد»، وفق ما نقلته وكالة «إرنا». فـي يــوم الاتـصـال ذاتــه توجه إلــى الـريـاض أمي «لـــجـــنـــة حـــقـــوق الإنـــــســـــان» فــــي إيــــــــران، كـــاظـــم غــريــب آبادي، وذلك للمشاركة في اجتماع «منظمة التعاون الإسلامي». مــــن جـــهـــتـــه، قـــــال وزيـــــــر الـــخـــارجـــيـــة الـــســـعـــودي الأمير فيصل بن فرحان، وضمن حوار مع الإعلامية الأميركية بيكي أنــدرســون، خــ ل فعاليات «مـبـادرة استثمار المستقبل» في العاصمة السعودية الرياض، إن الــــعــــ قــــات الـــســـعـــوديـــة - الإيــــرانــــيــــة «تـــســـيـــر فـي الاتـجـاه الصحيح»، لكنها «معقدة بسبب الأوضــاع الإقليمية»، مضيفاً أن «إيـــران تــدرك خطر التصعيد وتـــريـــد تـــجـــنّـــبـــه»، كــاشــفــ عـــن أنــــه «تـــجـــري حـــــوارات صريحة وواضحة معهم». هذه الصراحة والوضوح بي الجانبي هي ما جعل علاقات الرياض وطهران تتحسّن، وهي في الوقت ذاته ما يجعلها تُبنى على مهلٍ ودون إرباك أو استعجال مخلٍ، لأن الهدف ليس الحوار لمجرد الـــحـــوار، أو الــعــ قــات الــصــوريــة، وإنــمــا أن تكون العاصمتان المؤثرتان على قدرٍ من التعاون البنّاء، الــذي لـن يخدم فقط مصالح البلدين، بـل سيدفع منطقة الــشــرق الأوســــط نـحـو تــغــيــرات مفصلية؛ خــصــوصــ فـــي حــــال اســـتـــطـــاع الـــرئـــيـــس الإيـــرانـــي مـسـعـود بـزشـكـيـان تطبيق سـيـاسـاتـه الـخـارجـيـة الأكـــثـــر انـــفـــتـــاحـــ ، وتــــم تـحـيـيـد المــفــاعــيــل الأمــنــيــة السلبية لـ«الحرس الثوري» والفصائل الخارجية التابعة لــه، حينها ستنتقل الـعـ قـات لمستويات متقدمة. * كاتب سعودي Issue 16788 - العدد Thursday - 2024/11/14 الخميس بــانــعــقــاد الــقــمــة الــعــربــيــة الإســـ مـــيـــة تــبــدو الأمــــور أكثر هدوءاً، وآية ذلك أن الخطاب العام الذي طُرح فيها ارتــكــز عـلـى الـتـهـدئـة مــع الـــجـــوار، والــبُــعــد عــن التنميط الاســـتـــراتـــيـــجـــي، والـــتـــوجـــه نـــحـــو الـــواقـــعـــيـــة الإقـلــيـمـيــة والـــدولـــيـــة، ذلــــك أن المــتــغــيّــرات مــوســومــة بــالــســرعــة في الـتـغـيـيـر، والــــجــــرأة عــلــى الـتـهـجـيـر، والــتــأســيــس لـنـمـطٍ ديـــمـــوغـــرافـــي وجــــغــــرافــــي صــــاعــــد. والــــســــرعــــة مـرتـبـطـة بالخطورة المحدقة التي لن تميّز أحداً في الإقليم، وعليه فـــإن الـرغـبـة الـعـامـة بـالـحـلّ مـــوجـــودة، وإن كـانـت هناك خطابات تصعيد غير مسؤولة فيجب ألا تأخذ الحيّز الأكـــبـــر مـــن الاهـــتـــمـــام. حـــن تـغـلـب الــخــطــابــات الحكيمة عـلـى غــيــرهــا، نــكــون وضـعـنـا الــقــطــار عـلـى الــســكّــة، ومـا كــانــت المــرحــلــة مـضـطـربـة حـالـيـ إلا بـسـبـب عـــدم تقدير الأمور، والتقليل من شأن الخصم، وعدم فهم السياسات العالميّة، ولا غرو أن من بدأ بهذا الخصام لم يكن داخل هذا العالم وإنما خارجه. إن السيولة الخبريّة التي تصدر يوميّاً فيها الحق والباطل، ولكن هـذه القمة تمنحنا الـرؤيـة العامة التي يُـراد للإقليم أن يسير إليها، وأحسب أن أفكارها يمكن تلخيصها بهذه النقاط التالية: أولاً: ركّـزت كلمات كثيرة على معنى الدولة، ولكن هـذا المفهوم لـن يتم مـن دون تـفـاوضٍ بـن الخصوم، أو حـــوارٍ بـن الأفــرقــاء، فـالـدول لـم تُــنَ بثمنٍ بخس؛ وإنما علّمنا التاريخ أن التأسيس الراسخ بُني على كثير من الـحـروب الأهلية، ومـزيـد مـن الأثـمـان المـاديـة، والـكـوارث الدموية، وتاريخ أميركا وأوروبـــا وروسيا شاهدٌ على ذلك، حي تأسست الدول المستقرة في الإقليم كانت هناك حــروب تأسيس، وعليها بُنيت قـواعـد راسـخـة مـن أجل إيجاد نمط حكمٍ وثيق بتفويض من الشعوب، وبتقديرٍ عـــالٍ للجهود والــــرؤى والأفـــكـــار الـتـي تـقـود مستقبلهم ومستقبل أجيالهم. ثانياً: التأسيس لمسار تفاوضي جـــدّي، مـن المفيد أن تـعـيـد حـــركـــة «فـــتـــح» لمـلـمـة شـتـاتـهـا بـــحـــوارٍ مـفـتـوح ومــضــبــوط، وهــــذا مـــا نـنـتـظـر ثــمــرتــه، والأهـــــم أن يـكـون الــحــوار بـن الفلسطينيي كلهم مـن أجــل الــذهــاب نحو حلّ الدولتي المثالي، وهذه فرصة من أجل ترتيب البيت الفلسطيني والــذهــاب نحو المستقبل، وإعــــادة الإعـمـار والرخاء الاقتصادي، والنعيم الأمني. مرّ دهر من الصراع الطويل منذ نقض اتفاق مكة الذي رعتْه أعلى القيادات الـسـعـوديـة، وهــو صـــراع راحـــت ضحيته زوايـــا القضية الـفـلـسـطـيـنـيـة، ودُمّــــــرت عـلـى أثــــره مـكـتـسـبـات سياسية وجغرافية يـدفـع الفلسطينيون ثمنها إلــى الـيـوم، وما كــان سببها الشعب المـكـلـوم، وإنـمـا أطـمـاع سياسييهم ونزعاتهم وطموحاتهم، وعليه فإن التفاوض هو رمانة الميزان بُغية الدخول نحو المجتمع الدولي. ثالثاً: نحن في زمن المنافسة لا أزمـان الحروب، لو تأملنا الـتـاريـخ فسنجد أن الــقــرون مــن الـخـامـس عشر حتى العشرين زاخــرة بالحروب والـدمـاء، والكل يعرف ذلــــك، لـكـن نـحـن الآن فــي زمـــن الـتـنـافـسـيـة الاقـتـصـاديـة، والتفوّق التكنولوجي، والريادة العلمية. اكتشاف دولة لمصلٍ طبي أهــمّ مـن تركيب صـــاروخ باليستي، المسألة لـم تعد كما كـانـت فـي المـاضـي، وهـــذا مـا لـم يـدركـه قـادة الفصائل والميليشيات. إن التفوّق التكنولوجي تفوّق على أفكار الحرب، والريادة الطبية صنعت لدولٍ صيتاً وقـــوةً ونــفــوذاً أكـثـر ممن يطلق الـصـواريـخ والمـسـيّـرات، حــتــى الـــحـــروب الــتــي تُـــخـــاض مـــن قِــبــل الـــــدول المـتـفـوقـة مصحوبة ومدعومة بالتقنيات والأفكار العلمية. لم تعد الحرب هي وسيلة النجاة، بل إن المنافسة، والاستثمار بالإنسان هما أساس التطوّر المقبل. الخلاصة هي أننا في عالم جديد، والـدوّل تغيّرت، وثــمــة فـــرص مــواتــيــة، والــنــهــر لا يــجــري مـــرتــن، والــســرّ مــكــنــون فـــي طــريــقــة الــتــأقــلــم مـــع هــــذا الـتـغـيـيـر الــحــالــيّ، والأفــــكــــار المـــاضـــيـــة والمـــواثـــيـــق حــــول لــبــنــان وفـلـسـطـن مهددتان بالتجاوز، ومن دون الوعي بذلك، فإن الغرور الذي نسمعه لدى بعضقادة الفصائل سيجعل الحظوظ لـخـصـومـهـم أكـــبـــر، والـــحـــفـــاظ عــلــى مـــا تـبـقـى مـــن فــرص ضروري. الساعة تدقّ والعبرة بكسب الوقت، والفرصة الآن سانحة نحو التفاوض، وإنهاء النزاعات، والإبحار نحو شاطئ الأمان بُغية النموّ والاستثمار والاستقرار، والتوجّه نحو ثقافة الحياة لا ثقافة الحرب والموت. الفرصة الآنسانحة نحو التفاوضوإنهاء النزاعات والإبحار نحو شاطئ الأمان فهد سليمان الشقيران * حسن المصطفى OPINION الرأي 14 عن قمّة الفرصفي إقليم مضطرب مسعى لفهم مسار العلاقات السعودية ــ الإيرانية! الصراحة والوضوح بين الجانبين هما ما جعل علاقات الرياضوطهران تتحسن «الظروف غير متوفرة»... هذه الجملة التي وردت فـــي تــقــريــر أنــطــونــيــو غــوتــيــريــش الأمـــن الــعــام لـأمـم المــتــحــدة، وتـــكـــررت بصيغ مختلفة فـي جلسة مجلس الأمــن الــدولــي، أول مـن أمـس، أبطلت مقترح إرســال قـوات دولية إلـى السودان تــحــت عـــنـــوان حــمــايــة المــدنــيــن وإنـــشـــاء مـنـاطـق آمـــنـــة. وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن أن غــوتــيــريــش تـعـرض لحملة انتقادات من الأطراف المدنية في تنسيقية «تقدم» التي روّجت الاقتراح، فإنه كان واقعياً في موقفه، وفـي قـراءتـه للمشهد، وفهمه لتداعيات لمثل هذا القرار. إنـــشـــاء مــنــاطــق آمـــنـــة ونـــشـــر قـــــوات دولــيــة يـتـطـلـبـان جــمــلــة مـــن المــعــطــيــات الـــتـــي لا تـتـوفـر بسهولة؛ أهمها وجــود إرادة دولـيـة والـتـزامـات بــتــوفــيــر الـــدعـــم المــــــادي الــكــبــيــر والــلــوجــيــســتــي، وبـالأهـداف الإنسانية البحتة للعملية من دون وجـــود تــدخــ ت سياسية وأجــنــدة خفية ترمي لاستغلال العملية لأهداف أخرى. أضف إلى ذلك أن نشر قوات دولية من دون أي اتفاق لوقف النار يعد مغامرة خطرة، تضع هذه القوات في مرمى النيران، ما يعرقل عملها ويحد من قدرتها على تحقيق أهدافها. من هذا المنطلق يمكن فهم جملة «الظروف غير مـتـوفـرة» التي وردت فـي تقرير غوتيريش وأيدها أعضاء مجلس الأمـن بمَن فيهم مندوب بـــريـــطـــانـــيـــا الـــتـــي عــــــوّل عــلــيــهــا الـــبـــعـــض لــلــدفــع بمشروع نشر قوات وإنشاء مناطق آمنة. الحقيقة أن الحديث عن إنشاء مناطق آمنة كان إعادة تغليف للطرح السابق المنادي بإرسال قـــوات دولـيـة - أفريقية إلــى الـــســـودان، بعدما لم يجد حماسة كافية في العواصم الدولية، وقوبل بــالــرفــض الـــتـــام مـــن الـحـكـومـة الــســودانــيــة. وقـد وضــح منذ الـبـدايـة أن هــذه الــقــوات، إن تحققت، سـتـكـون أفـريـقـيـة فـــي تشكيلها ولــيــس لـهـا من الـدولـيـة ســوى «القبعة الــزرقــاء» لأن العديد من الــدول وبينها جل الــدول الغربية لا رغبة لديها فــي إرســــال قــواتــهــا إلـــى أي مـنـاطـق نـــزاعـــات في الوقت الراهن. وللسودان تجربة في هذا المجال مع قـوات بعثة الأمـم المتحدة والاتحاد الأفريقي وكـانـت 2007 (يــونــامــيــد) الــتــي شـكـلـت فـــي عـــام إحــــــدى كـــبـــرى بـــعـــثـــات حـــفـــظ الــــســــ م مــــن حـيـث الحجم والكلفة، لكنها لم تكن ناجحة أو فعالة بــالــشــكــل الـــكـــافـــي وواجــــهــــت عــقــبــات وتــحــديــات شلتها في كثير من الأحيان. الدعوة لنشر قوات أفريقية - دولية في هذه الـــظـــروف لـيـسـت بـعـيـدة عــن أجــــواء الاسـتـقـطـاب الــــحــــاد فــــي المـــشـــهـــد الـــــســـــودانـــــي، والـــحـــســـابـــات الـسـيـاسـيـة الـتـكـتـيـكـيـة، وهــــي تـثـيـر الـكـثـيـر من الأسـئـلـة والمــشــاكــل، أكـثـر مـمـا تـقـدم حـــً لـأزمـة المستفحلة في السودان. الـــطـــرف الـــــذي يــرتــكــب أبـــشـــع الانـــتـــهـــاكـــات، مـــعـــروف لــلــجــمــيــع، لــكــن تـنـسـيـقـيـة «تــــقــــدم» في بـــيـــانـــاتـــهـــا وتـــحـــركـــاتـــهـــا لـــلـــتـــرويـــج لاقـــتـــراحـــهـــا باستدعاء قوات أفريقية - دولية، سعت للمساواة بـن الجيش و«قـــوات الـدعـم الـسـريـع»، ووضعت نفسها مجدداً في موقع الاتهام بالانحياز. فـحـتـى لـــو سـلـمـنـا بـــأنـــه وقـــعـــت انــتــهــاكــات محدودة من بعض منسوبي الجيش ومن يقاتل فــي صـفـوفـه، فـــإن مــا حـــدث مــن الـجـيـش لا يمكن مقارنته بما ارتكبته «قـــوات الـدعـم الـسـريـع»، لا في الحجم ولا بأي معيار. «قوات الدعم السريع» دمّـــــرت ونـهـبـت وشـــــردت المــواطــنــن مـــن بيوتهم واغتصبت النساء والفتيات، ووصـلـت إلـى حد تفكيك المصانع والمستشفيات ونقلها للبيع. الأمـر الآخـر اللافت تمثل في الدعوة لحظر الـــطـــيـــران، وهــــو مـــا يـــخـــدم بـــوضـــوح هـــدفـــ ظلت تسعى إلـيـه «قـــوات الـدعـم الـسـريـع» الـتـي تعرف أن الطيران كـان عـامـً مرجحاً ضـدهـا، وكبّدها خـسـائـر فـــادحـــة. قـــد يـتـحـجـج الـبـعـض هـنـا بـأن غــارات الطيران أوقعت ضحايا مدنيي أحياناً، وهــو أمــر إذا حــدث فإنه ليس مقصوداً ويحدث للسف فـي كـل الـحـروب، ومـن كـل الجيوش بما فـيـهـا الـجـيـوش الــتــي تمتلك الـتـقـنـيـات الأحـــدث على مستوى العالم مثل الجيش الأميركي. وما حــــدث فـــي بــعــض غــــــارات الــجــيــش الـــســـودانـــي لا يمكن مقارنته أبداً بالجرائم الممنهجة والواسعة الــتــي تــقــوم بـهـا «قــــوات الــدعــم الــســريــع»، فحتى فـي القانون فـإن القتل الخطأ لا يمكن مساواته بالقتل المتعمد. ربما أن أكبر شهادة على أنـه لا يمكن بأي حـــال مــن الأحــــوال مــســاواة الـجـيـش بـ«ميليشيا الـدعـم الـسـريـع»، أن المـواطـنـن عندما يضطرون لمــــغــــادرة مـنـاطـقـهـم قـــســـراً، فــإنــهــم يــبــحــثــون عن الأمان في مناطق سيطرة الجيش. ما يحتاجون إلـيـه إذاً، وفــي هــذه الـحـالـة، ليس تجميعهم في معسكرات تقام لهم في مناطق حدودية معزولة تبعدهم أكـثـر عـن قـراهـم ومدنهم وتـرسـخ فيها وجــود «الـدعـم الـسـريـع»، مـا يحتاجون إليه هو الـغـذاء والــــدواء، مـا يعني أن الجهد يفترض أن يتركز على كيفية إيصال المساعدات. مــا المــتــوقــع الآن بـعـد فـشـل تـمـريـر مـشـروع استدعاء قوات دولية؟ تــقــديــري أن الــجــهــود الإقـلـيـمـيـة والــدولــيــة سـتـركـز الآن عـلـى كـيـفـيـة إيـــجـــاد آلـــيـــات لتنفيذ التزامات إعلان جدة، وفي هذا الإطار ربما تأتي الزيارة التي تردد أن المبعوث الأميركي الخاص تـــوم بـيـريـلـو سـيـقـوم بـهـا إلـــى بـــورتـــســـودان في السابع عشر مـن الشهر الـحـالـي. لكن الأهـــم من ذلـك هو ما سيحدث على الأرض عندما تتضح نـــتـــائـــج الـــهـــجـــوم الــــواســــع الــــــذي يــشــنــه الـجـيـش وحلفاؤه في عدد من المحاور المهمة. الجهود الإقليمية والدولية ستركز الآن على كيفية إيجاد آليات لتنفيذ التزامات إعلان جدة عثمان ميرغني الجملة التي أبطلت مقترح قوات دولية للسودان!

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky