issue16779

يخطئ من يتصور أن اجتماع على أمر يعني إمكانية 4 أو 3 التصدر الثقافي، إذ تعجز الإرادة لوحدها عن تكوين الظاهرة الثقافة CULTURE 18 Issue 16779 - العدد Tuesday - 2024/11/5 ًالثلاثاء تشبه شطحات الصوفية ولا يمكن اعتمادها معرفة ليزا جيرارد واللغة الخاصة من وجهة نظر الموسيقار الألماني هانز زيمر، قلائل في العالم من يُتقنون الغناء، منهم المغنية الأسترالية ليزا جــــيــــرارد. ولـــعـــل أشـــهـــر أغـنـيـاتـهـا هي التي عُرفت بعنوان «الآن قد أصبحنا أحــــــراراً»، تـلـك الــتــي عـرفـهـا الــعــالَــم من خـــ ل فـيـلـم ريـــدلـــي ســكــوت «المــجــالــد» ، الـــذي سـيُـعـرض الــجــزء الثاني 2000 مـــنـــه هـــــذا الـــشـــهـــر وســـتـــكـــون لـــيـــزا مـن يُلحنه ويضع موسيقاه التصويرية، من دون هانز زيمر هذه المرة. اســــتــــمــــتــــعــــت 2000 فــــــــي ســــــنــــــة الـجـمـاهـيـر بــالــصــوت الـعـمـيـق الـعـذب لكنهم احـــتـــاروا فــي الـلـغـة الـتـي تغني بـــهـــا الــــســــيــــدة. بــــــدت لأنـــــــاس شـبـيـهـة بـالـعـبـريـة، وآخــــرون ظـنـوا أنـهـا تشبه الـيـديـشـيـة، لكنها ليست مــن هـــذه ولا من تلك. ولا علاقة لها باللاتينية ولا باللغات الميتة ولا الحية. لقد ألقت بنا في حيرة لفترة من الزمن. لكن المؤكد أنــهــا فــــازت بــجــائــزة «غـــولـــدن غــلــوب» عـــلـــى تـــعـــاونـــهـــا مــــع زيــــمــــر فــــي إبــــــداع موسيقى الفيلم، ورُشحت لـ«أوسكار» ذلك العام. بعد البحث عن لغة هذه الفنانة، اتـــضـــح أن لـــيـــزا جــــيــــرارد تــغــنــي بلغة خـــــاصـــــة بـــــهـــــا، لــــغــــة اخــــتــــرعــــتــــهــــا هــي للحديث بواسطتها إلــى الـلـه، عندما كانت طفلة صغيرة. تقول ليزا: «أغنّي بلغة القلب، لغة مخترَعة امتلكتها منذ زمن طويل. أعتقد أنني 12 بدأت الغناء بها عندما كان عمري عـامـا تـقـريـبـا. وحينها اعـتـقـدت أنني كـنـت أتــحــدث إلـــى الــلــه، عـنـدمـا غنيت بــــهــــذه الــــلــــغــــة. المـــوســـيـــقـــى هــــي مــكــان للجوء. إنها مـ ذ مـن الــــرداءة والملل. إنها شيء بريء للغاية، ومكان يمكن أن تــتــوه فــيــه عـــن نــفــســك، فـــي الأفــكــار والذكريات وكل التعقيدات. أعلم أنني ســأغــنــي لـبـقـيـة حـــيـــاتـــي. ســأغــنــي ما حييت، لأنني أؤمن بأنها هبة من الله ويجب التشارك فيها مع الآخرين». رغم عذوبة ما قالت والأفكار التي أثـارتـهـا فإنها مـن ناحية فلسفية قد دخــلــت فــي «أرض الـعـمـالـقـة» دون أن تشعر بذلك، فقضية اللغة الخاصة من كـبـرى قضايا فلسفة اللغة فـي القرن الـعـشـريـن، ولـطـالمـا تَـــجـــادل الفلاسفة حولها بـن مُـثـبـتٍ ونــــافٍ. فـهـذا جون ديــــــــوي ولـــــودفـــــيـــــغ فـــتـــغـــنـــشـــتـــايـــن فـي فـلـسـفـتـه المـــتـــأخـــرة وويــــــــ رد كـــوايـــن، كلهم يُنكر اللغة الخاصة، لأنه إذا ثبت قـيـامـهـا ثـبـت أن أســمــاء الإحــســاســات تكتسب معناها عــن طـريـق الارتــبــاط بموضوع عقلي لا نلاحظه إلا ملاحظة داخلية. إنهم لا يعترفون بلغة يبتكرها شـــخـــص واحــــــد لا يــفــهــمــهــا ســـــواه، ويـــــرفـــــضـــــون أيـــــضـــــا الـــــقـــــول إن مــا يــــــدور فــــي الــــذهــــن أمـــــر خـــــاص بـكـل فــــرد بـــصـــورة جـــوهـــريـــة ولا سبيل إلــى إيصاله إلــى الآخــريــن. وعندما نفكر في أفكارنا الروحية الخاصة، فإننا نستخدم المفردات التي تتقيد بـالـتـعـبـيـر الـــعـــام. لا بـــد مـــن قــواعــد عامة، حتى عند الحديث عن الألـم. قد أصـف ألمـي، وقـد أصـف ألمـك، لكن لن يشعر بالألم إلا من وقع عليه. لا بــــد أن نـــ حـــظ هـــنـــا أن الــلــغــة الـخـاصـة ليست مجموعة مـن الـرمـوز الــــتــــي يــضــعــهــا شـــخـــص فـــيـــأتـــي آخـــر فـــيـــفـــك رمــــــوزهــــــا. الـــلـــغـــة الــــخــــاصــــة لا يـمـكـن تعليمها لـآخـريـن مـثـل سائر اللغات المعروفة، بل هي مثل شطحات الـصـوفـيـة، لا يمكن اعـتـمـادهـا معرفةً مكتسَبةً تُدرّس للطلبة. هي لغة تشير كـلـمـاتـهـا إلــــى الإحـــســـاســـات الـخـاصـة الذاتية وإلى الحياة الداخلية المعروفة للمتكلم وحده، والتي تكون مغلقة في وجه أي شخص آخر. فــــي حــقــيــقــة الأمــــــــر، حـــجـــة الــلــغــة الخاصة، لـو وقـع الاعـتـراف بقيامها، تفنّد الكثير مما قامت عليه الفلسفة الحديثة فيما يتعلق بالعقل والمعرفة، مثل الثنائية الديكارتية، أو المعطيات الحسية وأهميتها عند التجريبيي الإنـــجـــلـــيـــز. وهــــي أيـــضـــا تــفــنّــد وجـهـة نظر فتغنشتاين فـي فلسفته المبكرة الـتـي تـقـول بـفـكـرة «الأنــــا وحــديــة» أي «الأنــــا» وحــدهــا هــي المـــوجـــودة. يقول فتغنشتاين: «مــا تعنيه الأنـــا وحـديـة صحيح تماما، ومـع ذلـك لا يمكن قوله، وإنما يُــظــهــر نــفــســه. والـــقـــول إن الــعــالــم هو عالمي يُظهر نفسه في الحقيقة القائلة إن حدود لغتي تعني حدود عالمي». إنــــــــه يـــــرفـــــض كــــــل الافـــــتـــــراضـــــات الـــتـــي تـــقـــوم عــلــيــهــا الـــلـــغـــة الـــخـــاصـــة، وعـــنـــده أن فـهـم الـلـغـة والـتـمـكـن منها يــــســــتــــلــــزم الـــــــقـــــــدرة عــــلــــى اســـتـــعـــمـــال كلماتها وفقا لقواعد معينة. واتباع قــواعــد اسـتـعـمـال الـلـغـة هــي مـمـارسـة اجتماعية، فهي فعالية نتدرب عليها بوصفنا أعضاء في جماعة لغوية، ولا يمكن أن يـكـون اتـبـاع الـقـاعـدة مسألة خـــــاصـــــة، لأنــــــه فـــــي الــــحــــالــــة الـــخـــاصـــة لا تــوجــد طــريــقــة لـلـتـمـيـيـز بـــن اتــبــاع القاعدة بالفعل وأن نظن أننا نتبعها. عــنــد فـتـغـنـشـتـايـن تــكــلّــم الــلــغــة يعني الاشـتـراك في صـورة الحياة، ويعتمد هـذا الاشـتـراك في صــورة الحياة على تدريب الإنسان، وهذا التدريب يحدث عـ نـيـة فــي المـجـتـمـع. ولــهــذا لا توجد «خــــبــــرة خــــاصــــة» ولا «لـــغـــة خـــاصـــة» تُـسـتـخـدم للتعبير عـــن تـلـك الـخـبـرة، فـــاســـتـــعـــمـــال الـــلـــغـــة يــتــطــلــب مــعــايــيــر عامة وعلنية. ولا يمكن أن تقوم لغة مــن دون وســـط سـيـاقـي. وجـــود اللغة يعني وجود قواعد تحكم استعمالها، وهـــــذا يــســتــلــزم إمــكــانــيــة فــحــص ذلــك الاســـتـــعـــمـــال. والـــكـــلـــمـــات الــــدالّــــة على الإحــــــســــــاس والمـــــشـــــاعـــــر الــــخــــاصــــة لا يـمـكـن فـحـصـهـا. إذن الــلــغــة الـخـاصـة مستحيلة، ولـــو افـتـرضـنـا وجــودهــا، فإنها ستكون عديمة الـفـائـدة تماما، حسب عبارة فتغنشتاين. بهذا التقرير يتضح أنه ليس من الصواب أن نسمي ترانيم ليزا جيرارد لغة، فاللغة يجب أن تكون مفهومة في وسط اجتماعي معي ويجب أن تقوم عـلـى قــواعــد. لـكـنّ هـــذا لا ينطبق على شطحات الصوفية، فلغتهم ليست لغة شخص واحد، بل هناك قاموس كامل خاص بهم، وهو تداولي فيما بينهم، ويمكن تدارسه وفهمه. * كاتب سعودي ليزا جيرارد * خالد الغنامي كان القرن العشرون وما تلاه مجموعة مخاضات وظواهر في تفسير الظاهرة الأدبية هل تتحقق الظواهر الأدبية والشعرية لمـــحـــض اتــــفــــاق بــــن جـــلـــســـاء وجــلــيــســات دعتهم صحبة ما للتداول هـزلاً وجـداً في الــشــأن الـثـقـافـي؟ ربـمـا يستعي المـــرء بما . وفعليا 1917 تحقق لجماعة الديوان سنة .1922 سنة إصدار مجلة بهذا الاسم سنة لكننا ننسى أن الجماعة لـم تأتلف على أمر غير الانعتاق من هيمنة أحمد شوقي على المشهد الشعري والتمرد جزئيا على ظـاهـرة الـركـود الشكلي للقصيدة إزاء ما يقرأون من الشعر الرومانسي الغربي، لا سيما جماعة الرومانتيكية الإنجليزية: روبـــــرت ووردزورث، وصــامــوئــيــل تـايـلـر كـولـيـرج، وهـنـري بيرسي شيلي، وجـون كيتس ولـورد بايرون، وكذلك دي كونزي وغيرهم. وقرأوا أشعار (هاينه) في سياق الولع بالظاهرة الرومانسية الجرمانية: ويقابل هذا الولع، تطلع مجموعات أخرى إلى تنويريي القرن الثامن عشر في فرنسا بــشــكــل خـــــــاص، كـــمـــا يـــتــبـــن فــــي كــتــابــات المبدعة والمثقفة فـي عــدة لـغـات، والأديـبـة (مــــي زيـــــــادة) صــاحــبــة الـــصـــالـــون، والــتــي انـــهـــمـــك فــــي حــبــهــا أحـــــد أعــــضــــاء مـــدرســـة الـــــديـــــوان المـــبـــجـــلـــن: أي عـــبـــاس مــحــمــود الــعــقــاد. نـنـسـى أيــضــا أن ثــ ثــي الـــديـــوان (عبد الرحمن شكري، وإبراهيم عبد القادر المازني، والعقاد) سرعان ما تفرق شملهم بعدما فُجع عبد الرحمن شكري بما أعده فـــي حـيـنـه «ســـرقـــات إبــراهــيــم عـبـد الــقــادر المـازنـي» مـن الرومانسيي الإنجليز ومن «هاينه». كـان عبد الرحمن شكري خريج فــرع اللغة الإنجليزية، وتعلم جزئيا في إنـــجـــلـــتـــرا، ومــكــنــتــه درايــــتــــه المــعــرفــيــة من التقاط أصــداء الكلمات والـصـور، ونبض الأحاسيس. لم يكن معنيا بما سيجيء به اللاحقون في تأويل تشكّل النص الأدبـي أو الشعري على أنه في النتيجة مجموعة مــن الاقـتـبـاسـات الـظــاهــرة والمـخـفـيـة، كما يـــرى (رولان بــــارت) ووافـــقـــه عليه آخـــرون بعد أن عرضت جوليا كريستفا لسيمائية الــــــنــــــصــــــوص، وتــــمــــعــــنــــت فــــــي الـــتـــركـــيـــبـــة المـوزائـيـكـيـة الأفـقـيـة والـعـمـوديـة المتشكلة فـي الـنـص. ولــم ينشق نـاقـد مـاركـسـي من أمثال (ماشيري) عن الاعتراف بأن النص لا يـأتـي وحـيـداً، لأنــه تقاطع مـع نصوص أخرى وقراءات هي في النتيجة ما يتشكل منه الجديد. قـالـت الـعـرب على لـسـان كـاتـب القرن الـــتـــاســـع ابــــن أبــــي الـــطـــاهـــر طــيــفــور «كـــ م الــعــرب ملتبس بعضه بـبـعـض». سيعيد أبــو الطيب المتنبي ذلــك لأن «كـــ م العرب يمسك بعضه برقاب بعض»، وقـال أيضا بــوقــوع «الـحـافـر عـلـى الـحـافـر» فــي تـــوارد الـكـلـمـات والـــصـــور والمــعــانــي. وكـمـا عُــرف عـــنـــد دارســــــــي إلـــــيـــــوت، ومـــنـــهـــم الأجــــانــــب الكثر، والـعـرب طيلة عقود منذ منتصف الـخـمـسـيـنـات، أن «الأرض الــــخــــراب» هي تـلـفـيـقـات مـنـحـهـا ذهـــنـــه فـــي ظــــرف معي تكاملاً شكليا ومعنويا تجاوب مع أصداء حياته المضطربة ومخاض عالم ينهار في حروب ومقاتل. لا ننسى بهذا الخصوص أن «الــتــلــفــيــق» عــنــد الـــعـــرب هـــو اصـطـيـاد صــور ومــعــانٍ مـن عــدة أشـعـار ومــبــانٍ بما يتيح لهذا الصيد الائتلاف والثراء. وكما يـــقـــول ابـــــن رشـــيـــق الـــقـــيـــروانـــي: بَــــــرع أبـــو الطيب المتنبي فـي ذلـك وأجـــاد. وهــذا سر ذيوع شعره. ولــلــقــارئ الــحــق أن يــقــول إن جماعة «أبـــولـــو» الــ حــقــة لــلــديــوان الــتــي جمعها أحمد زكـي أبـو شـادي كانت بينة المعالم، واضـــحـــة المـــقـــاصـــد، آخـــــذة مـــن دون وجــل مــن الـرومـانـسـيـة الـفـرنـسـيـة والإنـجـلـيـزيـة والألمـانـيـة كما يفعل خليل مـطـران معنية بـمـا تـعـده جـسـور الــوصــل والــتــواصــل مع الــثــقــافــات الأوروبـــــيـــــة. كــمــا يـــعـــرض لـذلـك إلياس أبو شبكة في كتابه عن «الروابط» بي العرب والإفرنجة. كـانـت الـثـ ثـيـنـات مـهـاد حـــراك أدبــي وفـــكـــري وســـيـــاســـي. وتـــكـــرر فــيــهــا ظـهـور الــــجــــمــــاعــــات والأحــــــــــــــزاب والـــــكـــــتـــــل: فــهــي مخاضات مـا بـن حربي فـي عالم يتغير وتتبلور ملامحه آيديولوجيا في تعسكر بيٍ. وكان السياب والبياتي وجواد سليم وبلند الحيدري ونـازك الملائكة والتكرلي وعـبـد المـلـك نـــوري وعيسى مـهـدي الصقر يولدون في ذلك العقد. وعندما تمرد جيل من الشباب على هرم الكتابة الروائية نجيب محفوظ مثلاً وجاء إدوار خراط بـ«جاليري» في خاتمة الستينات: كان يستجيب وصحبه لضغط اللحظة، وهو ضغط لم يتحدد بمحفوظ وهـيـمـنـة كـتـابـتـه الـــروائـــيـــة. لأنّ مـحـفـوظ نفسه كتب «ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل» ليلتقط هذا النبض الذي عجز عن تلمسه جيداً، ولكنه أثاره كمشكلة قائمة. اســـــتـــــجـــــاب إدوار الـــــــخـــــــراط وعـــبـــد الـحـكـيـم قــاســم وجــمــال الـغـيـطـانـي وفـــؤاد الـــتـــكـــرلـــي وإبــــراهــــيــــم أصــــــ ن والـــعـــشـــرات مـــن الــكــتــاب والـــكـــاتـــبـــات لـضـغـط الـلـحـظـة الـــســـتـــيـــنـــيـــة: لـــحـــظـــة الــــــرفــــــض والـــتـــطـــلـــع والـفـجـيـعـة وحــــرب فـيـتـنـام وفــشــل الـبـنـى التقليدية ومنظوماتها فـي متابعة هذا الــنــبــض الـــــذي جـعـلـت مــنــه حــــرب فـيـتـنـام الوحشية ومجازر المستعمر الفرنسي في الــجــزائــر وغــيــرهــا، يـتـعـالـى فــي القصيدة والـقـصـة والـــروايـــة والمـوسـيـقـى والـسـلـوك، فــي الـــشـــارع والمــؤســســة الأكــاديــمــيــة، وفـي المنزل التقليدي: كان العالم يهتز وتتحقق أطروحة غرامشي عن «الكتلة التاريخية» الـجـديـدة: الطلبة والعمال وغيرهم. لهذا ظـهـرت حـركـات شعرية وروائــيــة مختلفة تصدرتها منذ الخمسينات وقبلها بقليل » (ألــــن غنسبيرغ) Beat« جـمـاعـة الـنـبـض ولــــورنــــس فــرلــنــغــتــي، ولـــــم تَــــعُــــدْ الــحــيــاة الأكــاديــمــيــة كــمــا كـــانـــت. وكــــان عــلــى وقـــار «الأكاديمية» التقليدي أن يرضخ للحرية الــــتــــي تــــطــــرق بــــابــــه بـــعـــنـــف. لــــهــــذا جــــاءت «جــــالــــيــــري» مـــوفـــقـــة لـــفـــتـــرة بــيــنــمــا بــــاءت بالانفراط: إذ 69 مجموعة البيان الشعري ليس ثمة جامع بي فاضل العزاوي وخالد علي مصطفى وسامي مهدي وفوزي كريم عـــدا الــرغــبــة فــي المـشـاكـسـة: وجــــاء الـبـيـان واعـــداً، ولكن مـن دون رصـيـد. كـان يسعى لـلـتـعـكـز عـلـى حـــركـــات وتــــيــــارات وظــواهــر شـــعـــريـــة عـــالمـــيـــة يـــقـــرأ عــنــهــا الـــشـــبـــاب مـن غير تلمس مخاضات التكوين الستيني: الرفض العميق المنبعث من محنة أكبر. الــظــاهــرة الأدبـــيـــة لـيـسـت رغــبــة فـــرد؛ بـــل هـــي هـــاجـــس جــيــل يــتــنــاغــم مـــع غـيـره وتحدوه آمال وتطلعات. وحتى إذا ما كان ينطلق من رفض أعم، إّ أن الرفض لوحده لا يحقق ظاهرة إن لم يتشكل في مهادات تتناجى مع غيرها على صعد المجتمعات، والــحــركــات، والأمــــم، والـثـقـافـات. ويخطئ مـــن يــتــصــور أن اجــتــمــاع ثــ ثــة أو أربــعــة على أمر يعني إمكانية التصدر الثقافي: إذ تــعــجــز الإرادة لـــوحـــدهـــا عــــن تــكــويــن الظاهرة التي ينبغي أن تنبعث من حقيقة أمــر مــا: فـالمـحـدثـون أيـــام بني الـعـبـاس لم يـألـفـوا هـــذه التسمية الـتـي أطـلـقـت لاحقا على مسلم بن الوليد وبشار بن برد وأبي نواس وسلم الخاسر، ثم أبي تمام. كما أن الظاهرة لا تتشكل إّ مشاكسة لنقيض، كالقدامة، التي التزمت عمود الشعر ولغة القدماء أيام توسع الحواضر التي لم تعد تألف لغة البداوة! وكما هو الأمر من قبل فـــإن الـــقـــرن الـعـشـريـن ومـــا تـــ ه مجموعة مــــخــــاضــــات وظــــــواهــــــر تـــحـــتـــمـــهـــا وقــــائــــع وحالات، ومن ثم ظواهر أدبية. * جامعة كولومبيا - نيويورك إدوار الخراط * د. محسن الموسوي نازك الملائكة فؤاد التكرلي رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح بـــعـــد الــــنــــجــــاح الــــــــذي حـــقـــقـــتـــه روايــــتــــه «تــغــريــبــة الـــقـــافـــر»، والـــتـــي تُـــوجـــت بـجـائـزة «الــــــبــــــوكــــــر الــــــعــــــربــــــيــــــة»، صـــــــــــدرت عـــــــن دار «مــســكــيــلــيــانــي» لـــلـــروائـــي الــعــمــانــي زهــــران الــقــاســمــي روايـــتـــه الـــجـــديـــدة «الــــــــرّوع» الـتـي تـدور في عالمه الأثير، وهو البيئة العمانية الريفية من خلال القرى والجبال والمنحدرات والسهول وما يكتنفها من مفارقات ودراما خلف هدوء الطبيعة الخادع. ويشير عنوان الرواية إلى تلك الفزاعة أو التمثال المزيف الذي ينتصب في الحقول وحـــــول المـــــــزارع فـــي المــنــاطــق المــفــتــوحــة غير الآمــنــة، بـهـدف إخــافــة الـطـيـور والـحـيـوانـات نـــهـــاراً والـــلـــصـــوص لـــيـــ ً، حــيــث أبـــــدع بطل الــــنــــص «مــــحــــجــــان» فـــــي تـــشـــيـــيـــد «الــــــــــرّوع» الخاص به من أجود أنواع الأخشاب وغطاه بالأقمشة على نحو متقن وبــارع، حتى إنه هو نفسه يندهش مما صنعته يـداه: «وقف مـطـوَلاً أمـام عمله البديع متأملاً التفاصيل التي سـاعـدت فـي اكتماله، شـيء لا يُـصـدّق؛ كيف استطاع أخـيـراً صنعه، وبـذلـك الكمال لــــدرجــــة أن الــــحــــيــــاةَ ســــتــــدبّ فــــي أوصـــــالـــــهِ؛ سَـيـجْـري الـــدم فـي الــعــروق، وينتشر الـــدفءُ فيه؟ شعَر بفخرٍ ونشوةٍ خرجتْ على شكل نفَسٍ عميقٍ وزفرةٍ طويلةٍ حتى كادَت رئتاه تخرجان مع الهواء». تــــتــــطــــور الأحـــــــــــــداث ســــريــــعــــا لـــتـــصـــاب القرية بلعنة الجفاف وغيرها من المصائب الموسمية، فتكون المفاجأة أن أهاليها يلقون بـالـ ئـمـة عـلـى روع «مــحــجــان» وقـــد تـحـول في نظرهم إلى أصل كل الشرور، لكن الأكثر غـرابـة هـو انـتـفـاء الـحـد الـفـاصـل بـن الـواقـع والـــخـــيـــال فــــي عـــ قـــة «مـــحـــجـــان» بـتـمـثـالـه؛ إذ يـسـكـنـه خــــوف مـقـيـم ورعــــب حـقـيـقـي من «الـــــــرّوع» وقـــد بـــدا لـــه أنـــه لـعـنـة تـــطـــارده في الصحو والمنام. و«مــــحــــجــــان» هــــو لـــقـــب بـــطـــل الــــروايــــة؛ إذ إن اســـمـــه «عــبــيــد بـــن ربـــيـــع»، لـكـنـه لُــقّــب بـــــــ«مــــــحــــــجــــــان»؛ لأنــــــــه «يــــشــــبــــه (مــــحــــجــــان) الراعيات، تلك العصا الطويلة التي يخبِطنَ بها أوراقَ الأشجارِ العاليةِ لتتساقط إطعاما للماشية. فما إن أكملَ سنواتِ طفولته حتى صار أطولَ مَن في القريةِ». ومن أجواء الرواية، نقرأ: «جـــثّـــةٌ بـــ رأس، بـــ كـــفّـــنْ أو قـــدمَـــنْ، تَـــمْـــثُـــلُ مــصــلــوبــةً عــلــى روع الـــحـــقـــل. كـانـت تـسـتـقـبـلُ بـــصـــدرهـــا الــــغــــربَ، عــــاريــــةً إّ من خرقةٍ ممزّقةٍ تستر وسطَها وقد نزّ الدمُ من رقبتها وسالَ على صدرِها وتخثّر. رجلاها مـــربـــوطـــتـــان عـــلـــى الــــجــــذع دونَ أن تـــ مـــسَ أصابعُهما التراب. لمن هذه الجثّة يا إلهي؟ من أين جاءت؟ كيف وصلَتْ إلى المكان؟ ومن أتى بها؟ ســـقَـــطَ مــحــجــان لـــهـــول المـــفـــاجـــأة، وظـــلّ فــــي إغـــمـــاءتـــه تـــلـــك زمـــنـــا قـــبـــل أن يـسـتـيـقـظ ثانيةً ليُشاهدَ ذلـك الجسدَ المـمـزّق بالطعنِ والـــجـــروح فــي كـــلّ جــــزءٍ مــنــه. ازدادَ جـحـوظُ عــيــنَــيــه وتـــشـــنّـــجُ قـــســـمـــاتِ وجــــهــــه. وأخـــــذت أصابعُه تنبشُ في التّرابِ عميقا لعلّه يحفرُ مـخـبـأً يقيه مــن المـــوت الـجـاثـم أمــامــه؛ إذ لَــمْ يـسـبـق لـــه أن رأى شـيـئـا كـــهـــذا فـــي حـيـاتـه. اســـــودّت الــدنــيــا فـــي عـيـنَـيـه، وكـــــأنّ جـاثـومـا يـضـغـطُ عـلـيـه ويُــكــبّــل حـركـتَـه وهـــو يــحــاولُ جاهداً الخروجَ من الكابوس، يحاولُ أن يقفز أو يهوي، وبعدَها يصحو، وليَكُنْ ما يكون. ورغـــم ذلـــك، فـــإنّ الــخــوف الـــذي امـتـأتْ به تلك اللّحظة، وجسدُهُ مُلقًى على التراب، لــم يـمـنَـعْ ضـحـكـةً سـمـجـةً مــن الــتــجــاوب في صــــــــدرِه؛ إذ ســـخـــرَ فــــجــــأةً مــــن المــــوقــــف كـــلّـــه، ووصَـــفـــه بــالــكــذبــة. فـلـطـالمـا ســمــعَ الأكـــاذيـــب وعـاشَ في متاهاتها. ألَـمْ يكن كُـلّ مَـنْ حَوْلَهُ يكذب؟ والـدمـوعُ التي فاضت ذاتَ يـومٍ على فقيدٍ فـي القرية، ألَـــمْ تسبقها لعناتٌ كثيرةٌ عـــلـــيـــه؟ ومـــــــاذا يــخــفــي الــــحــــبّ، خـــلـــفَ أقـنـعـة الوجوه، غير الكراهية والحقد؟ والطّاعةُ؟ ألا يتوارى بي طيّاتها عصيانٌ بغيض؟ رفعَ عينَيه إلى السماء مُستجديا، فلمحَ قبيلةً من الغربان. ركضَ وتعثّر، قامَ وسقط، إّ أنّـه لم يجرؤ على الاستسلام. تعثّر مـرّةً أخـــيـــرةً قُــبــيــلَ خـــروجِـــه مـــن مـــزرعـــتـــه. تـلـقّـفَ الأرض بـراحـتَـي يــدَيــه كــي لا يـرتـطـمَ وجـهُـه بالطمي، وأحسّ بالمكان يجتذبُه إليه ليعيقَه عن الذهاب، وشعرَ بكائناتٍ سوداء تسحبُه محاوِلةً إرجاعَه إلى الروع. - حسّيت كأنّي أنا المصلوب. تلك هـي الجملة الّـتـي سيظلّ يُــردّدُهــا وهــو يحكي الحكايةَ مـــرّاتٍ عـديـدةً لزوجته وأهل قريته المشدوهي». القاهرة: «الشرق الأوسط»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky