issue16778

كان المعري يعرف أنه مقبلٌ على أمر عظيم... كان يعرف أنه سيتجاوز «عماه» بسنواتضوئية الثقافة CULTURE 18 Issue 16778 - العدد Monday - 2024/11/4 الاثنين كاتب يدعو إلى تطوير عقلية إيجابية تساعد على تحقيق الأهداف رحلة في عالم تمكين الذات أصـــــدرت «مـــنـــشـــورات رامــيــنــا» فـــي لـنـدن كـــتـــاب «أنـــــا أوّلاً... أنــــا الآن: اســتــراتــيــجــيــات لتمكين الذات وبناء مستقبل مشرق»، للمؤلف والمدرب في التنمية الذاتية بهجت بيجاكجي، الـذي يقدم فيه دليلاً شاملاً لتحقيق التوازن الشخصي والنمو الــذاتــي. تـرجِـم الكتاب إلى العربية عبد الله ميزر، وجـاء ليكون «مرجعاً عملياً وعلمياً للراغبين فـي تحسين حياتهم وتطوير قدراتهم الذاتية بطرق تتماشى مع الحياة المعاصرة وتحدياتها». فـــصـــ ً، يــتــنــاول كل 11 يـقـع الــكــتــاب فـــي منها جانباً مـن جـوانـب التمكين الشخصي. تــــبــــدأ الــــفــــصــــول بـــتـــوضـــيـــح أهـــمـــيـــة الــتــفــكــيــر الإيجابي، ثم تنتقل إلـى مواضيع أكثر عمقاً مــثــل الــتــســويــف والمــمــاطــلــة، وضــبــط الـنـفـس، والانـضـبـاط الشخصي، والتحدي الــذي يُبرز كـيـفـيـة الـتـحـكـم فـــي الــرغــبــات والانــــدفــــاع. كما يؤكّد أهمية استثمار الوقت وتطوير العلاقات الاجــتــمــاعــيــة الإيــجــابــيــة الـــتـــي تُـــثـــري تــجــارب الحياة. يـــقـــدم الـــكـــتـــاب أدوات واســتــراتــيــجــيــات يعتقد المـؤلـف أنها فعالة لمواجهة التحديات الـــيـــومـــيـــة، ســــــواء كـــانـــت مــهــنــيــة أو عــاطــفــيــة، ويـــتـــحـــدث عــــن أهـــمـــيـــة الـــتـــخـــلـــي عــــن الأفــــكــــار السلبية وتطوير عقلية إيجابية تساعد على تحقيق الأهـــداف. بالإضافة إلـى ذلــك، يعرض خـــطـــوات عـمـلـيـة لـتـحـسـ مـــهـــارات الــتــواصــل وبناء علاقات ناجحة، سواء في بيئة العمل أو في الحياة الشخصية. يـــــبـــــدأ الــــكــــتــــاب بـــــطـــــرح فـــــكـــــرة الـــتـــفـــكـــيـــر الإيجابي أساساً لتحسين جودة الحياة، حيث يقدم بيجاكجي فـي الفصول الأولـــى أساليب مــدروســة لتغيير الأنــمــاط السلبية والتفكير بتفاؤل، مشيراً إلـى أن هـذا النوع من التفكير يمكن أن يكون دافعاً رئيسياً للنجاح. ويسهب المــؤلــف فــي تـقـديـم تـقـنـيـات الـــوضـــوح العقلي الـتـي تـسـاعـد الــقــارئ عـلـى فـهـم ذاتـــه وتحديد أولوياته بشكل أوضح. فــي فـصـل «الـــدافـــع»، يـتـنـاول بيجاكجي مسألة إيجاد الدافع الداخلي للتغيير، وكيف أن تــحــفــيــز الـــــــذات يــشــكــل جــــــزءاً أســـاســـيـــ مـن الـرحـلـة نـحـو تحقيق الأهـــــداف. يـقـدم الكتاب اســتــراتــيــجــيــات عـمـلـيـة تــســاعــد الــــقــــارئ على اكـــتـــشـــاف دوافــــعــــه الــحــقــيــقــيــة، وتـــعـــزيـــز ثقته بنفسه ليصبح قــادراً على تحقيق التحولات التي يرغب فيها. أما في الفصل الرابع، الذي يحمل عنوان «ســــرّ الــســعــادة بــســيــط»، فـيـسـتـعـرض المـؤلـف مفهوم السعادة من منظور شخصي ونفسي، معتبراً أن الـسـعـادة لا تـأتـي مــن الـــخـــارج، بل هـي نتاج سلسلة مـن الــقــرارات التي يتخذها الـشـخـص يـومـيـ . يعتمد بيجاكجي فــي هـذا الـفـصـل عـلـى مـجـمـوعـة مــن الأمــثــلــة والمــواقــف الـتـي تـوضـح كيف يمكن للتغيرات البسيطة في السلوك والتفكير أن تخلق تحولاً كبيراً في حياة الفرد. يــخــصــص الـــكـــتـــاب فـــصـــً لــلــحــديــث عـن الــعــ جــات المـجـتـمـعـيـة، مــؤكــداً دور الـعـ قـات الإنسانية في دعم الأفراد. ويوضح بيجاكجي أن التفاعل مـع المجتمع والأصـــدقـــاء يمكن أن يكون مصدر قوة للشخص، وأن التشارك في التجارب يساعد على تعزيز المرونة النفسية، وتــخــطــي الــتــحــديــات بـسـهـولـة أكـــبـــر. ويــشــدد على أهمية الـدعـم الاجتماعي ووجـــود دوائــر آمـنـة للمناقشة والــتــواصــل، حـيـث يـعـزز ذلـك مــن فـــرص الاســتــقــرار الـنـفـسـي ويـعـطـي حياة الإنسان معنى أعمق. فـي الفصل الــســادس، يسلط بيجاكجي الـــضـــوء عــلــى ظـــاهـــرة الــتــســويــف والمــمــاطــلــة، مشيراً إلى الأسباب النفسية وراء هذه العادة، وآثــــارهــــا الــســلــبــيــة عــلــى الـــنـــجـــاح الـشـخـصـي والمــــهــــنــــي. يــــتــــنــــاول هــــــذا الـــفـــصـــل بـــعـــضـــ مـن الأســالــيــب الـفـعّـالـة الـتـي تـسـاعـد الـــقـــارئ على الــتــغــلــب عــلــى المـــمـــاطـــلـــة، مــثــل تـقـنـيـة تقسيم المهام ووضـع جــداول زمنية واضحة. يعرض المؤلف أمثلة واقعية ونصائح تطبيقية، بما فيها تحديات صغيرة تساعد على كسر حلقة الــتــســويــف تــدريــجــيــ وتـــدفـــع الــشــخــص نحو الإنجاز الفعلي. ينتهي الكتاب بفصل عـن أهمية الوقت المــخــصــص لـــلـــذات، حــيــث يــــرى بـيـجـاكـجـي أن قــضــاء الـــوقـــت فـــي الـتـفـكـيـر والــتــأمــل هـــو جـزء أســـاســـي مـــن بــنــاء شـخـصـيـة مـــتـــوازنـــة. يشير المـؤلـف إلـى أن تخصيص وقـت لـلـذات يساعد على تحقيق السلام الداخلي، ويمكن من خلاله بناء الثقة بالنفس وتعزيز الرضا الشخصي. ويؤكد أن هـذا الوقت يعد محطة للعودة إلى الـــذات وتحديد الاتـجـاهـات المستقبلية بشكل أفضل. ويقول الناشر إن هذا الكتاب يعد خطوة عملية لأولـئـك الساعين نحو تحسين ذواتهم والــتــعــامــل مـــع الــحــيــاة بــمــزيــد مـــن الإيـجـابـيـة والــــــتــــــوازن، ومـــرجـــعـــ لـــلـــراغـــبـــ فــــي تـحـقـيـق إنــــجــــازات شـخـصـيـة ومــهــنــيــة، مــقــدّمــ أدوات فعّالة يمكن تطبيقها في الحياة اليومية. والمــــؤلــــف بــهــجــت بــيــجــاكــجــي بـريـطـانـي - تــــــركــــــي، وهـــــــو كـــــاتـــــب ومـــــــــــدرب فــــــي مـــجـــال التطوير الـذاتـي. بـدأ حياته المهنية في مجال القانون في تركيا ولندن، حيث عمل محامياً ومستشار أعمال لفترة طويلة. وقـد ساعدته هـــذه الـتـجـربـة عـلـى فـهـم الـتـحـديـات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد، مما قاده إلى تطوير اهتمامه في مجال التنمية الذاتية. ، قـــرر بـيـجـاكـجـي تحويل 2018 فـــي عـــام مـــســـاره بــالــكــامــل نــحــو الـــتـــدريـــب عــلــى الـنـمـو الشخصي وتمكين الــذات، حيث أسـس موقعاً إلكترونياً يعرض من خلاله محتوى تثقيفياً مـتـنـوعـ يشمل مـــدونـــات ومـــقـــالات تحفيزية، بـــالإضـــافـــة إلــــى بـــودكـــاســـت يُــلــقــي مـــن خـ لـه الضوء على أفكار ملهمة حول تحسين جودة الـحـيـاة وتحقيق الأهــــداف. يجمع بيجاكجي فـــي كــتــابــاتــه وأعـــمـــالـــه بـــ مـــبـــادئ الـتـحـفـيـز النفسي وتقنيات عملية يمكن تطبيقها في الحياة اليومية. يـؤكـد بيجاكجي أهـمـيـة إدراك الإنـسـان قـيـمـتـه الـــذاتـــيـــة وقــــدراتــــه الــكــامــنــة، ويــحــرص عـلـى تشجيع الــقــراء عـلـى تبني فـكـر إيجابي يــــعــــزز مـــــن تـــقـــديـــرهـــم لــــذواتــــهــــم وقــــدراتــــهــــم. كــمــا يـــقـــدم بـيـجـاكـجـي تـــدريـــبـــات حــــول إدارة المـشـاعـر، وتنمية الــوعــي الـــذاتـــي، واسـتـخـدام الاستراتيجيات التحفيزية لمواجهة تحديات الحياة بنجاح. أمــا عبد الـلـه مـيـزر، فهو مترجم وكاتب ســــوريّ مقيم فــي الإمـــــارات الـعـربـيـة المـتّـحـدة. لــه كـثـيـر مــن الـتـرجـمـات فــي الـفـنـون والـثـقـافـة والـسـيـنـمـا والــســيــاســة بـــ الـلـغـتـ الـعـربـيـة والإنجليزية. لندن: «الشرق الأوسط» باحث ألماني عدّه «نزهة وسط الضباب الكثيف» «فن الاستلقاء»... تأملات فلسفية في الاسترخاء والسعادة عــن دار «الــعــربــي» فــي الـقـاهـرة صـدر كـــتـــاب «فــــن الاســـتـــلـــقـــاء» لــلــبــاحــث الألمـــانـــي بـيـرنـد بـــرونـــر، تـرجـمـة: سـمـر مـنـيـر، الــذي يـــطـــرح بـــأســـلـــوب مـــشـــوق وعـــبـــر رؤى غير تــقــلــيــديــة مـــ حـــظـــات ذات طـــابـــع فـلـسـفـي تحليلي حـول فكرة الاسـتـرخـاء وعلاقتها بـسـعـادة الإنــســان عـمـومـ ، مــشــدداً عـلـى أن الاسـتـلـقـاء لا يعني بــالــضــرورة الـكـسـل أو يعد مؤشراً على حياة شخص فاشل. ويخاطب المؤلف القارئ مباشرةً في الـبـدايـة، مـؤكـداً أنــه إذا كنت مستلقياً الآن فلن تـ م بالتأكيد، فكلنا نستلقي ونفعل ذلك بانتظام، وغالباً ما نسعد بذلك كثيراً. وعـنـدمـا نستلقي نشعر بـالاسـتـرخـاء، إذ إن الاسـتـلـقـاء يمثل الـوضـعـيـة الـتـي تتيح للجسم أقـل مقاومة وتتطلب منه أقـل قدر مـــن الـــطـــاقـــة. وفــــي أثـــنـــاء الاســتــلــقــاء أيـضـ نـــــؤدي بــعــض الأنـــشـــطـــة، إذ نـــنـــام ونـحـلـم ونـــحـــب ونـــفـــكـــر وأيــــضــــ نـسـتـسـلـم لـلـحـزن والاكتئاب ونغفو ونعاني، لكن هناك شيئاً واحـــــداً لا نــكــاد نـفـعـلـه عــنــدئــذ ألا وهــــو أن نتحرك. عندما نستلقي في وضع أفقي ندنو كـثـيـراً مـمـا نـطـلـق عـلـيـه بــغــرابــة «الـجـمـود والـثـبـات»، فليس مـن السهل على الإطـ ق نـقـل قيمة الاسـتـلـقـاء إلـــى مجتمعنا الــذي اعتاد الإنجازات القابلة للقياس، إذ يتوق الــــنــــاس إلـــــى إثــــبــــات قـــدرتـــهـــم عـــلـــى اتـــخـــاذ القرارات عن طريق التصرف بسرعة وإثبات اجـتـهـادهـم بــ الــحــ والآخــــر بالجلوس لساعات طويلة إلى مكاتبهم وأمام أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم. والأسوأ من ذلك أن الاستلقاء يعد لدى كثيرين، تعبيراً عن الكسل أو عـ مـة على العجز فـي مواجهة عالم يمر بتغييرات هائلة، فمن يستلقي لا يـواكــب الآخــريــن ويــقــال إنــه ضعيف ولا يستفيد استفادة كاملة من وقته المحدود. ويلفت المؤلف إلى أنه مع ذلك يمكن أن يـبـدو لنا الاستلقاء كـأنـه «نـزهـة وسط الـضـبـاب الـكـثـيـف» بـحـيـث تـصـيـر أفـكـارنـا أكـــثـــر وضــــوحــــ مــــن ذي قـــبـــل بــنــهــايــة تـلـك الـــنـــزهـــة، فـــ ضــــرر مـــن الاســتــلــقــاء بــوعــي، الذي يعد ممارسة محسوبة جيداً للهروب من الضغط الدائم بسرعة وفاعلية، بل إن هذا الاستلقاء ذو قيمة كبيرة. ويعد الاستلقاء وضعية أفقية تماثل الـنـزهـات الـحـالمـة لـرجـل مكتئب يسير من دون الـسـعـي وراء هــــدف، إذ إن الشخص المستلقي يـجـوب المـــدن والـريـف أيـضـ لكن في أغلب الأحيان في خياله فقط. وتتطلب هــــذه الـــنـــزهـــات قـــــدرة أكـــبـــر عــلــى الـتـخـيـل، فــالــشــخــص المــســتــلــقــي لا يــلــتــقــي وجـــوهـــ وأماكن حقيقية قد تؤثر في أفكاره. ويـــوضـــح أنــــه عــنــدمــا نـسـتـلـقـي على ظهورنا وتـكـون عيوننا مفتوحة ونوجه أنظارنا إلـى الأعـلـى نحو سقف الغرفة أو نحو السماء بالخارج، فإننا نفقد اتصالنا الـجـسـدي بـالأشـيـاء مـن حولنا وتستطيع أفكارنا أن تحلق عالياً. إن حالتنا العقلية بأكملها تتغير مع تغير وضعية أجسادنا، ففي أثـنـاء الاستلقاء لا يمكن أن يكون رد فعلنا بالطريقة ذاتها التي فعلناها عندما كنا نقف قبل وقت قليل، إذ تظهر الأسئلة الـــتـــي شـغـلـتـنـا لــلــتــوّ مـــن مــنــظــور مختلف عندما نتأملها من وضعية أفقية، كما أن الأصــــــوات، وحــتــى رنـــ الــهــاتــف، لا تصل إلينا بالشدة ذاتها ويصبح من السهل أن نتشكك في الأمور التي كانت تبدو لنا من قبل يقينية ولا تقبل المناقشة. ولا يـــتـــعـــلـــق الـــتـــفـــكـــيـــر فـــيـــمـــا يـعـنـيـه الاسـتـلـقـاء بـأبـعـاد فـسـيـولـوجـيـة ونفسية وإبــــداعــــيــــة فـــحـــســـب، بــــل بــقــضــايــا ثـقـافـيـة عميقة أيضاً متعلقة باقتصاديات الوقت ووتيرة حياتنا التي وصفها عالم النفس الأمـــريـــكـــي روبــــــرت لـيـفـ ذات مــــرة بـأنـهـا «ترتيب متداخل للتناغمات والإيقاعات»، حـيـث يـعـد الاسـتـلـقـاء وقـتـ مستقطعاً من ضغوط الحياة اليومية لنعود إلى العمل بـنـشـاط. وفـــي عـصـر مـثـل عـصـرنـا وثقافة مـثـل ثـقـافـتـنـا، هــنــاك إيـــمـــان تـــام بــضــرورة الحركة المستمرة، وهو ما يسفر عن مشاعر قلق داخلية مهيمنة على جوانب حياتنا كافة. ويـرفـض المـؤلـف ميلنا التقليدي إلى اعتبار الشخص المستلقي سلبياً أو عاجزاً عن الحركة أو خاضعاً للآخرين، فغالباً ما نــكــون أمــــام شـخـص يـسـتـريـح ويـسـتـرخـي وربـــمـــا يـــريـــد أن يـلـتـقـط أنـــفـــاســـه مـــن أجــل خطواته التالية. ويمكن أن يكون الاستلقاء كــذلــك أيــضــ تــمــرداً كـمـا هــو الــحــال عندما يتجمع أشخاص كثيرون فجأة ويستلقون ويمنعون حركة المـــارة والمـركـبـات مـن أجل الاحتجاج للمطالبة بشيء ما أو الاعتراض على شيء ما. والــبــاحــث الألمـــانـــي بـيـرنـد بـــرونـــر من ، بــــرلــــ ، تــــخــــرج فــــي كـلـيـة 1964 مـــوالـــيـــد الاقـــتـــصـــاد وتــجــمــع مــؤلــفــاتــه بـــ الــعــلـوم والأدب والــتــاريــخ. تُـرجـم لـه عـمـ ن آخــران إلــــى الــعــربــيــة هــمــا « الـــقـــمـــر- فـــي الــتــاريــخ والأساطير وأثره في النساء» و«الرمان». القاهرة: «الشرق الأوسط» من المعري إلى نزار قباني عباقرة الشعر العربي أعــتــرف أنـــي عـاجـز عــن مـواجـهـة كــل هـذا الـدمـار الحاصل حالياً. ولكن فلسفة التاريخ تقول لنا إن الكوارث الكبرى هي التي تصنع الأمــــم والـــشـــعـــوب. هـــل نـسـيـنـا مـــا حـصـل لـهـذا الغرب المتغطرس ذاتــه؟ لقد دُمــرت ألمانيا عن بكرة أبيها تقريباً بعد الحرب العالمية الثانية. ومـــــع ذلـــــك فـــقـــد نــهــضــت مــــن تـــحـــت أنــقــاضــهــا ورمادها كأعظم ما تكون. بل وكانت قد دمرت سـابـقـ إبـــان الــحــرب الـطـائـفـيـة الـكـاثـولـيـكـيـة - البروتستانتية في القرن السابع عشر، حيث سقط ثلث سكانها والـبـعـض يـقـول النصف. وقـــــل الأمــــــر ذاتــــــه عــــن فـــرنـــســـا الـــتـــي اجـتـيـحـت اجـــتـــيـــاحـــ مـــــن قـــبـــل هـــتـــلـــر وأهــــيــــنــــت وأذلــــــت وسـحـقـت فــي كـرامـتـهـا وعـمـق أعـمـاقـهـا، وظـن الناس أنه لن تقوم لها قائمة بعد اليوم. ولكن كل ذلك تم تجاوزه لاحقاً بفضل قائد تاريخي فـــذ يـــدعـــى شـــــارل ديــــغــــول. هــنــا تــكــمــن أهـمـيـة الـــرجـــال الـعـظـام فــي الــتــاريــخ. وقـــل الأمـــر ذاتــه عن الأمة العربية التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد. لحظتها آتية لا ريب فيها، ولكن بعد أن تـحـتـرق احــتــراقــ وتـنـصـهـر فــي أتـــون المـعـانـاة انصهاراً. على مهلكم: «إنـي لألمح خلف الغيم طوفاناً». وأقصد به الطوفان الآخر: أي طوفان الفكر الأنواري الجديد الصاعق الذي سيخرج العرب من ظلمات العصور الوسطى إلى أنوار الـعـصـور الـحـديـثـة. وبـعـدهـا يـسـيـطـرون على الــعــلــم والــتــكــنــولــوجــيــا. ولـــكـــن لــيــس عـــن هــذا المـــوضـــوع ســــوف أتـــحـــدث الآن وإنـــمـــا سـألـقـي بنفسي في أحضان الشعر لكي أتعزى وأنسى وأتأسى. يغتلي فيهم ارتيابي حتى تتقراهم يداي بلمس كان المعري يقول في ديوانه الأول «سقط الزند» هذا البيت الشهير: وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل لمـاذا قـال هـذا الكلام؟ لأنـه كـان يعرف أنه جــاء بعد خيط طويل متواصل لا ينقطع من الـشـعـراء الــعــرب يمتد مــن امـــرئ الـقـيـس حتى أبـــي الـطـيـب المـتـنـبـي. وكـــان يـــدرك صـعـوبـة أن يـأتـي بـشـيء جـديـد بـعـد كــل هـــؤلاء الفطاحل. هل غادر الشعراء من متردم؟ كان يتهيب الأمر ويعدّه شبه مستحيل. نقول ذلك وبخاصة إنه كـــان معجباً بعظمة الــشــعــراء الــذيــن سبقوه، بـــــالأخـــــص المـــتـــنـــبـــي الــــــــذي كـــــــان يــــقــــول عـــنـــه: «نـاولـونـي معجز أحــمــد»، أي ديـــوان المتنبي. ومــــع ذلــــك فــقــد اســـتـــطـــاع اخــــتــــراق المـسـتـحـيـل والإتــــــيــــــان بــــشــــيء جــــديــــد لــــم يـــعـــرفـــه الأوائـــــــل ولـــم يـخـطـر لـهـم عـلـى بــــال. والــدلــيــل عـلـى ذلـك القصيدة التي مطلعها: غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شاد هــــذه الــقــصــيــدة لا مـثـيـل لــهــا فـــي الـشـعـر الـعـربـي. وأعـتـقـد أنــه تـجـاوز فيها كـل شـعـراء العرب قاطبةً عندما قال هذه الأبيات: صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد سر إن اسطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد يوجد هنا معنى جديد مبتكر كلياً وغير مـسـبـوق فــي تــاريــخ الـشـعـر الــعــربــي. ولا أحـد يعرف من أين جاء به. وبالتالي فالمعري الشاب استطاع فعلاً أن يأتي بما لم تستطعه الأوائل بـمـن فيهم المـتـنـبـي ذاتــــه. لـقـد حـقـق برنامجه تماماً وذلـــك لأنــه كــان يشعر بـأنـه تختلج في أعـمـاقـه قــوى إبـداعـيـة خـ قـة لا يـعـرف كنهها ولا مـصـدرهـا. ولـكـنـه كـــان يـعـرف أنـهـا سـوف تتفتح أو تنفجر انفجاراً يوماً ما. كان المعري يعرف أنه مقبل على أمر عظيم. كان يعرف أنه سيتجاوز «عماه» بسنوات ضوئية. والآن دعونا نطرح هذا السؤال: إذا كــان المـعـري يشعر بأنه جــاء فـي آخر الــزمــن فـمـا بــالــك بـنـا نـحـن الــذيــن جـئـنـا بعده بألف سنة أو أكثر؟ المتنبي أيضاً كـان يعتقد أنه جاء متأخراً أكثر من اللزوم: أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم لــكــن الــعــبــقــريــة الــشــعــريــة لا تـنـضـب ولا تـجـف، ولا كـذلـك العبقرية الفلسفية. لـو كان الإبـــــداع يـنـضـب لمــا ظـهـر كــانــط بـعـد ديــكــارت، ولا هيغل بعد كانط، ولا ماركس بعد هيغل... إلـــخ. ولمـــا كـــان أرســطــو قــد ظـهـر مـبـاشـرة بعد أستاذه ومعلمه أفلاطون. ولمـــاذا لا نتحدث عـن الشعر فـي عصرنا الــراهــن. هـل نسينا قصيدة بـــدوي الجبل في المـــعـــري إبـــــان المـــهـــرجـــان الـشـهـيـر الـــــذي انـعـقـد بـحـضـور كـبـار المثقفين 1944 فــي دمـشـق عـــام العرب؟ يقول: أعمى تلفتت العصور فلم تجد نوراً يضيء كنوره اللماح من كان يحمل في جوانحه الضحى هانت عليه أشعة المصباح المجد ملك العبقرية وحدها لا ملك جبار ولا سفاح عــنــدمــا وصــــل بــــدوي إلــــى هــنــا اهــتــز طه حـسـ طـربـ ونـهـض واقــفــ عـلـى الــفــور وقـــال: لقد نفد الأرنب. بمعنى أنه نال قصب السبق. وذلـــك لأن طــه حـسـ كـــان يـعـرف أنـــه مقصود بـهـذا الأبــيــات ولـيـس فقط المــعــري. ثـم يضيف بـــــدوي الــجــبــل إلــــى قــصــيــدتــه الــعــصــمــاء هــذه الأبـــيـــات عــاتــبــ عــلــى المـــعـــري لأنــــه أعـــــرض عن الحب وشطبه كلياً من قاموسه: إيه حكيم الدهر أي مليحة ضنت عليك بعطرها الفواح أسكنتها القلب الرحيم فرابها ما فيه من شكوى ورجع نواح يا ظالم التفاح في وجناتها لو ذقت بعض شمائل التفاح هنا يكمن فارق أساسي بين المعري وطه حـسـ . فعميد الأدب الـعـربـي لــم يـعـرض عن الـنـسـاء إطــ قــ وإنــمــا تـــزوج فرنسية حسناء مثقفة تدعى سوزان بريسو. بل وأنجب منها الأطفال. وهـذا من عجائب الأمــور. كيف قبلت بـــالـــزواج مـــن عـربـي 1917 فــتــاة فـرنـسـيـة عـــام مسلم وعـ وة على ذلك أعمى؟! حتى العربية تـرفـض. يقال بأنها تـــرددت كثيراً فـي البداية لـكـنـهـا حــســمــت أمـــرهـــا فـــي الــنــهــايــة وربــطــت مـصـيـرهـا بـمـصـيـره فـأصـبـح اسـمـهـا: ســـوزان طـــه حـــســـ . وهـــــذا أجـــمـــل وأفـــضـــل. هـــل كـانـت تعلم أن هــذا الشخص النكرة أو شبه النكرة ســــوف يـصـبـح طـــه حـــســـ : أي قـــائـــد الـتـنـويـر العربي في القرن العشرين؟ هل كانت تعلم أنه سيجمع بين عبقرية العرب من جهة وعبقرية الأنـــــوار الـفـرنـسـيـة مـــن جـهـة أخـــــرى، ويـحـقـق، وهــــو الأعـــمـــى، أكــبــر ثــــورة فــكــريــة وأدبـــيـــة في تاريخنا الحديث؟ ولكن هـل حقاً كـان أعمى؟ الـبـعـض يـعـتـقـد أنـــه كـــان المـبـصـر الــوحــيــد في العالم العربي. لقد كان الرائي الوحيد في عالم غاطس كلياً في بحر من الجهالات والظلمات والــخــرافــات. ولـذلـك قــال عنه نـــزار قباني هذه الكلمات الرائعة من قصيدة مطلعها: ضوء عينيك أم هما نجمتان كلهم لا يرى وأنت تراني لست أدري من أين أبدأ بوحي شجر الدمع شاخ في أجفاني حتى وصل إلى هذا البيت الحاسم الذي انتصر فيه بالضربة القاضية: ارم نظارتيك ما أنت أعمى إنما نحن جوقة العميان قصيدة عصماء هزت القاهرة هزاً عندما ألقاها في إحدى قاعات جامعة الدول العربية .1973 عام لـــــإجـــــابـــــة عــــلــــى كــــــل هــــــــذه الـــــتـــــســـــاؤلات ولــلــتــعــرف عــلــى شـخـصـيـة طـــه حــســ بشكل أفضل يستحسن أن نقرأ كتاب زوجته سوزان الذي أصدرته عنه بعد رحيله بعنوان «معك». كلمة واحـــدة مكثفة تلخص كـل ذكرياتها مع عـمـيـد الأدب الـــعـــربـــي. كـلـمـة واحــــــدة تلخص عـمـق الـعـ قـة الـتـي ربطتها بــه وأدت إلـــى كل هـذا التنوير العظيم. وهـو الكتاب الــذي نقله إلــــى الــعــربــيــة، فـــي تــرجــمــة مـــمـــتـــازة، الــدكــتــور بـدر الدين عـرودكـي. وبالتالي فلمن لا يعرف الـــفـــرنـــســـيـــة يـــوجـــد هـــنـــا كـــنـــز الـــكـــنـــوز. تــوجــد إضـــــــاءات غــيــر مــســبــوقــة مـسـلـطـة عــلــى حـيـاة العميد من قبل أقرب المقربين إليه. من المعلوم أنــه قــال عنها هــذه الـعـبـارة الـتـي ذهـبـت مثلاً: كانت المــرأة التي أبصرت بعينيها. ثم أضاف هــــذه الـــعـــبـــارة الأخـــــرى الـــتـــي لا تـــكـــاد تــصــدق: بـــدونـــك أشــعــر أنــنــي أعـــمـــى. ألــــم نــقــل لــكــم بــأن الحب يصنع المعجزات؟ هاشمصالح طه حسين نزار قباني بدوي الجبل

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky