قبل عشرين عـامـا، خــاض محرر في دار «بـلـومـزبـري للنشر» مـخـاطـرة كبيرة إزاء كتاب غير عــادي للغاية. فهي روايـة خـــيـــالـــيـــة أولـــــــى لــــســــوزانــــا كــــــــارك، تــــدور أحـــداثـــهـــا فــــي إنـــجـــلـــتـــرا بـــالـــقـــرن الــتــاســع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعني يحاوالن إحياء فنون السحر اإلنجليزي املــفــقــود. كــانــت املـخـطـوطـة غـيـر املكتملة مليئة بالهوامش املعقدة التي تشبه في بعض الــحــاالت أطــروحــة أكـاديـمـيـة حول تـــاريـــخ ونــظــريــة الــســحــر. وكـــانـــت مـؤلـفـة الكتاب سـوزانـا كـارك محررة كتب طهي وتـــكـــتـــب الــــــروايــــــات الـــخـــيـــالـــيـــة فــــي وقـــت فراغها. أطلقت «جـونـاتـان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلرك واحدة مــــن أعـــظـــم كُــــتــــاب الـــــروايـــــات فــــي جـيـلـهـا. ووضعها النقاد في مصاف مواز لكل من ســي. إس. لـويـس وجـيـه. أر. أر. تولكني، وقارن البعض ذكاءها املاكر وملحظاتها االجـــتـــمـــاعـــيـــة الـــــحـــــادة بـــتـــلـــك الــــتــــي لـــدى تشارلز ديكنز وجني أوسنت. التهم القراء الـــروايـــة الــتــي بِــيــع مـنـهـا أكــثــر مـــن أربـعـة مليني نسخة. تــقــول ألــكــســانــدرا بـريـنـغـل، املــحــررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت ألـف نسخة: «لم 250 بطباعة أولـى بلغت أقـرأ شيئا مثل روايـة (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عاملا منفصل عن عاملنا ولكنه مــتــجــذر فــيــه تــمــامــا كـــانـــت مـقـنـعـة تـمـامـا ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتني». أعــــــــــادت الـــــــروايـــــــة تـــشـــكـــيـــل مـــشـــاهـــد طمست الـحـدود مـع الخيال، مما جعلها فــــي الـــقـــائـــمـــة الـــطـــويـــلـــة لـــجـــائـــزة «بـــوكـــر» وفـــــازت بــــ«جـــائـــزة هـــوغـــو»، وهـــي جـائـزة رئــيــســيــة لــلــخــيــال الــعــلــمــي والــفــانــتــازيــا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جوالت لها عبر الواليات املتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بـــلـــومـــزبـــري» الحـــقـــا عـــقـــدًا ضـخـمـا لرواية ثانية. ثـم اختفت كـــارك فـجـأة كما ظهرت. بــعــد فـــتـــرة قــصــيــرة مـــن إصــــــدار الــــروايــــة، كــانــت كــــارك وزوجـــهـــا يــتــنــاوالن الـعـشـاء مــــع أصــــدقــــاء بـــالـــقـــرب مــــن مــنــزلــهــمــا فـي ديـــربـــيـــشـــايـــر بـــإنـــجـــلـــتـــرا. وفـــــي مـنـتـصـف األمسية، شعرت كلرك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت. في السنوات التالية، كافحت كلرك لكي تكتب. كـانـت األعــــراض الـتـي تعاني مـــنـــهـــا؛ الـــــصـــــداع الـــنـــصـــفـــي، واإلرهــــــــــاق، والــحــســاســيــة لـــلـــضـــوء، والــضــبــابــيــة، قد جعلت العمل لـفـتـرات طويلة مستحيلً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبدًا؛ في بعض األحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حاالتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في االكتئاب. تـــوقـــفـــت كــــــارك عــــن اعـــتـــبـــار نـفـسـهـا كاتبة. نقول: «تم تشخيص إصابتي الحقا بـــمـــتـــازمـــة الـــتـــعـــب املـــــزمـــــن. وصـــــــار عـــدم تصديقي أنـنـي ال أستطيع الـكـتـابـة بعد اآلن مـشـكـلـة حـقـيـقـيـة. لـــم أعــتــقــد أن ذلــك ممكن. لقد تصورت نفسي امـرأة مريضة فحسب». اآلن، بــــعــــد عــــقــــديــــن مــــــن ظـــهـــورهـــا األول، تـعـود كـــارك إلـــى الـعـالـم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها األخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امـرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات واألشجار وتختفي في الغابة. صفحة مصورة فقط، 60 تمتد الرواية إلى وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص لألطفال. لكنها أيضا ملحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلرك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل». القصة التي ترويها كلرك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحــداثــهــا فــي نـيـوكـاسـل املــعــاصــرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلرك بأنه «جـــزء مــن عقلي الــبــاطــن». كـانـت مـتـرددة فـــي قــــول املـــزيـــد عـــن الــــروايــــة الـــتـــي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «ال أعــــرف مـــا إذا كــنــت ســــوف أتــمــكــن من الــوفــاء بكل هــذه الــوعــود الضمنية. أكبر شــيء أكـابـده اآلن هـو مـقـدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم». تكتب كـــارك عـلـى طـريـقـة «الـــغـــراب» الــــــذي يــجــمــع األشــــيــــاء الـــامـــعـــة. وتــصــل الــصــور واملـشـاهـد مــن دون سـابـق إنـــذار. تـــــــدون كـــــــارك الــــــشــــــذرات املــــتــــنــــاثــــرة، ثـم تـــجـــمـــعـــهـــا ســــويــــا فـــــي ســــــرديــــــة، أو عـــدة ســـرديـــات. يـقـول كـولـ غـريـنـانـد، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلرك: «إنـهـا دائـمـا مـا تكتب عـشـرات الكتب في رأسها». غـالـبـا مـــا يـشـعـر الـــقـــارئ عـنـد قـــراءة روايـــاتـــهـــا وكـــأنـــه يــــرى جــــزءًا صــغــيــرًا من عالم أكبر بكثير. حتى كلرك نفسها غير متأكدة أحيانا من القصص التي كتبتها والتي ال توجد فقط إال في خيالها. تقول بصوت تعلوه علمات الحيرة: «ال أتذكر ما وضعته في روايـة (سترينج ونــــوريــــل) ومــــا لـــم أضـــعـــه أحــــب الـقـصـص الـتـي تـبـدو وكـأنـهـا خلفية لقصة أخــرى، وكـــــــأن هــــنــــاك قـــصـــة مــخــتــلــفــة وراء هـــذه القصة، ونحن نرى مجرد ملحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نـوريـل) كخلفية لقصة أخـــرى، لكنني ال أستطيع أن أقـــول إنني أعـــــــــرف بـــالـــضـــبـــط مـــــا هـــــي تــــلــــك الـــقـــصـــة األخرى». في الحوار معها، كانت كـارك، التي عـــامـــا ولـــديـــهـــا شعر 64 تـبـلـغ مـــن الــعــمــر أبـــيـــض المـــــع قـــصـــيـــر، تــجــلــس فــــي غــرفــة املــعــيــشــة فـــي كــوخــهــا الـــحـــجـــري الـــدافـــئ، حيث عـاشـت هـي والسيد غرينلند منذ عاما. 20 ما يقرب من ويقع منزلهما على االمتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت فــي دربـيـشـايـر، عـلـى بـعـد خــطــوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيرًا على األقدام من حانة الـقـريـة الـتـي يـزورونـهـا أحـيـانـا. ويساعد هـــــدوء الـــريـــف - حــيــث ال يــكــســر الـصـمـت فــــي يـــــوم خـــريـــفـــي ســـــوى زقــــزقــــة الــطــيــور وثغاء األغنام بني الحني واآلخــر - كلرك على توجيه أي طـاقـة تستطيع حشدها للكتابة. فـــــي يـــــــوم رمــــــــــادي رطـــــــب قــــلــــيــــا فــي سـبـتـمـبـر (أيـــــلـــــول)، كـــانـــت كـــــارك تشعر بـأنـهـا عـلـى مـــا يــــرام إلـــى حـــد مـــا، وكـانـت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ املكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيرًا مـــحـــشـــوًا، مــــع ثــعــلــب مــحــشــو يـــجـــاورهـــا؛ ويلعب كل كائن من هذه املخلوقات دورًا فـي روايـــة «الغابة فـي منتصف الشتاء». تـــحـــب أن تــمــســك حـــيـــوانـــاتـــهـــا املــحــشــوة أثـــنـــاء الــعــمــل، ملـسـاعـدتـهـا عـلـى التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما ال أعرف ما هو. يفعل بعض الـنـاس أشـيـاء كـاألطـفـال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن األشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك». نظرت إلى الخنزير وأضافت: «ال أرى حقا جدوى في التقدم بالعمر». ثــم اســتــطــردت: «أكــبــر شـــيء يقلقني هــــو كــــم مــــن الـــطـــاقـــة ســـأحـــتـــاج لــلــكــتــابــة اليوم؟». وُلـــدت ســوزانــا كـــارك فـي نوتنغهام ، وكانت طفولتها غير مستقرة، 1959 عام إذ كــــــان والــــــدهــــــا، وهــــــو قـــــس مــســيــحــي، يــــغــــيــــر الــــكــــنــــائــــس كــــــل بــــضــــع ســـــنـــــوات، وانتقلت عائلتها مـا بـ شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كـــان إظــهــار الــعــواطــف غـيـر مــرغــوب فيه؛ ولذلك نشأت كلرك، الكبرى من بني ثلثة أبناء، على االعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من املفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنسانا مميزًا»، كما تقول. *خدمة: «نيويورك تايمز» Issue 16774 - العدد Thursday - 2024/10/31 اخلميس كتب BOOKS 17ً اإلماراتية وداد خليفة تطرح الثقافة العربية سؤاال مركزيا «عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو فــي روايــتــهــا «عـشـبـة ومــطــر» دار «الــــعــــ » لــلــنــشــر بـــالـــقـــاهـــرة - تـخـتـار الكاتبة اإلماراتية وداد خليفة الثقافة الـــعـــربـــيـــة ســـــــؤاال مـــركـــزيـــا حــــائــــرًا بـ واقــــــع مــــشــــوّش ومــســتــقــبــل مــجــهــول، حيث تـبـدو اللغة والـتـاريـخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما األخيرة للصمود داخل قِلعها العربية نفسها. وتــعــتــمــد الـــروائـــيـــة عــلــى تقنية األصـــوات املـتـعـددة لتعميق صراعات أبـطـالـهـا مــع عـاملـهـم الــخــارجــي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يـتـفـاعـان مـــن خـالـهـا مـــع دوائــرهــمــا التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة فــي مـقـابـل االنـسـحـاق فــــــــي مـــــــــــد «الـــــثـــــقـــــافـــــة العاملية» املُعلبّة، ولغة الــتــواصــل «الـرقـمـيـة»، فــتــبــدو بـطـلـة الـــروايـــة التي تنتمي إلى دولة اإلمــــــــــــــــــــارات وكـــــأنـــــهـــــا تُــــــــــــنــــــــــــازِع مــــــنــــــذ أول مـــشـــاهـــد الـــــروايـــــة مـن أجــــــــل الــــــتــــــواصــــــل مــع مــــحــــيــــطــــهــــا األســــــــــري بـــأجـــيـــالـــه املــتــعــاقــبــة، حـــيـــث تُــــقــــاوم الــنــزعــة «الـــــســـــائـــــدة» فــــي ذلـــك املجتمع العربي الذي بـــــات أفــــــــراده يـــتـــحـــدثـــون اإلنــجــلــيــزيــة داخــــــــل بـــيـــوتـــهـــم، وال ســـيـــمـــا أجـــيـــال األحـــفـــاد وســـط «لـــوثـــة مـــن الـتـعـالـي»، «فهؤالء األبناء ال يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركــــــيــــــك»، فـــــي حـــــ تــــبــــدو مــــحــــاوالت «عشبة» استدراك تلك التحوّالت التي طــــرأت عـلـى املـجـتـمـع اإلمـــاراتـــي أقــرب ملـــحـــاربـــة طــــواحــــ الـــــهـــــواء، فـتـأتـيـهـا الــردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «ال تكبّري املواضيع!». صناديق مفتوحة يـــتـــســـلـــل هــــــذا الـــــصـــــوت الـــنـــقـــدي عبر شِــعـاب الــروايــة، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلقة مع املاضي بــذاكــرتــه الـجـمـعـيـة الــتــي تـتـقـاطـع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد املعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مــــع كـــبـــريـــات الـــتـــغـــيّـــرات الــســيــاســيــة سـواء املحلية، وعلى رأسها املخاض الـــطـــويـــل التــــحــــاد اإلمـــــــــارات الــعــربــيــة املـــتـــحـــدة، وحـــتـــى ســـيـــاقـــات الـــحـــروب والنكبات العربية منذ حـرب أكتوبر ، وصــــــــوال 1973 ) (تـــــشـــــريـــــن األول ملــــجــــازر «صــــبــــرا وشـــاتـــيـــا» الـــدامـــيـــة والـنـزف الفلسطيني 1982 فـي لبنان املُستمر، في محطات تجترها البطلة بـــعـــودتـــهـــا إلـــــى قـــصـــاصـــات األخــــبــــار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مــجــات وصــحــف عــربــيــة لـتـؤرشـفـهـا وتُـــــراكـــــمـــــهـــــا عــــبــــر الـــــســـــنـــــوات داخــــــل صـنـاديـق، ليصبح فـعـل تقليبها في هـذا األرشـيـف بمثابة مواجهة شاقّة مـع املــاضــي، بينما تـبـدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادال للحفظ اإللكتروني وامللفات الرقمية التي قد تـتـفـوق فــي آلـيـاتـهـا وبـيـانـاتـهـا، وإن كــانــت تـفـتـقـر إلــــى حـمـيـمـيـة الـــذكـــرى، ومـلـمـس املُــتـعـلـقـات الشخصية التي تـــنـــكـــأ لــــديــــهــــا جــــــــراح الــــفــــقــــد مـــــع كــل صـنـدوق تـقـوم بفتحه: «أعـــدت غطاء الــــصــــنــــدوق الــــــذي يـــحـــتـــاج مـــنـــي إلـــى جـــــرأة أكـــبـــر لــنــبــشــه، فــفــي الــصــنــدوق ثـــوب فلسطيني طـرَّزتــه أم ثـكـلـى من بــئــر الـــســـبـــع... أم صــديــقــتــي سـمـيـرة أخـــت الـشـهـيـد، ودفــتــر قـصـائـد نـازقـة دوّنته صديقتي مها من غزة... صور لزميلتي بالعمل من جنني ونابلس ورام الـــــلـــــه... رســــائــــل مــــن صـديـقـتـي ابــــتــــســــام املـــــقـــــدســـــيـــــة... ومـــــــن حــيــفــا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي». بـــالـــتـــوازي مـــع تــنــقّــل الـــســـرد مـن حكايات صندوق إلـى آخـر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شـــغـــفـــه بـــمـــجـــال «األنـــــتـــــيـــــك» واآلثـــــــار القديمة لتتبع مساراتها في مـزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مـــافـــيـــا الـــقـــطـــع األثـــــريـــــة، كـــمـــا تـــقـــوده إلــــى االقــــتــــراب مـــن حــكــايــات أصــحــاب الــقــطــع األثـــريـــة الـــتـــي تُـــبـــاع بـاملـايـ فــي صـــاالت األثـــريـــاء، كـحـكـايـة «مـــرآة دمـــشـــقـــيـــة» ظـــــل صـــاحـــبـــهـــا يـتـتـبـعـهـا حــتــى وصـــلـــت لـقـاعـة مـــــزادات «كـريـسـتـيـز» حـــــامـــــا مــــعــــه ذكـــــرى حــــــــــكــــــــــايــــــــــة جــــــــدتــــــــه وأسرته وتشريدهم، وتــــصــــنــــيــــعــــهــــم تـــلـــك املـــــــــــــــــــرآة بـــــأُبـــــهـــــتـــــهـــــا الـــزخـــرفـــيـــة والــفــنــيــة فــــي غــــضــــون ظــــروف تاريخية استثنائية خــــال فـــتـــرة سـيـطـرة الحكم العثماني في دمشق. نهب ممنهج 350 تـبـدو الـــروايـــة الـتـي تـقـع فــي صفحة، وكأنها تمنح حضورًا سرديا لـلـقـطـع األثـــريـــة املـــفـــقـــودة، واملـنـهـوبـة، بـصـفـتـهـا شـــواهـــد تــاريــخــيــة تتعقب «تُــــجــــار املــمــتــلــكــات الــثــقــافــيــة»، ودور املـــــــــــــزادات، وأمـــــنـــــاء املــــتــــاحــــف، وســـط مـــتـــاهـــات تــــزويــــر الــــوثــــائــــق الــخــاصــة بـالـقِــطـع وشـــهـــادات املــنــشــأ، وتـهـريـب القطع من بلدها، وال سيما بعد الربيع العربي والحروب األهلية التي أعقبته، لــتــفــتــح ســــاحــــات الـــســـرقـــة املـمـنـهـجـة لآلثار في املواقع األثرية العربية، كما فـي تـونـس ومـصـر وسـوريـا والـعـراق، في حني تبدو قصص القطع املفقودة أُحــجــيــات تتبعها الـــروايـــة وتحيكها بخيوط نوستالجية تـمـدّهـا الكاتبة على امتداد السرد. تــعــتــنــي لـــغـــة الـــــروايـــــة بــالــوصــف الـــدقـــيـــق لــلــتــفــاصــيــل الــجــمــالــيــة الــتــي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد األصيل وأنواله الـــتـــقـــلـــيـــديـــة، والـــــزخـــــارف الــغــرنــاطــيــة العتيقة على األسطح، في مقابل ثقافة «املــــاركــــات» االسـتـهـاكـيـة الــتــي تُــمـيّــع الذوق العام، والحروف اللتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية. وقـد حـازت روايــة «عشبة ومطر» أخيرًا جائزة «العويس لإلبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ: «كـــنـــت قـــصـــيـــرًا، أقـــفـــز كـــي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلً، وأصبحت أمسكها بيدي، اسـتـوقـفـنـي شـكـلـهـا الــــذي صُــنــع على هيئة يــد بـشـريـة، ثــم أدركــــت أن هناك مــطــرقــتــ فــــوق بـعـضـهـمـا، تـعـجـبـت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لـدروازتـنـا مطرقة واحـــدة، لكن والــدك أبـــهـــرتـــه فـــنـــون بـــــغـــــداد، فــجــلــب مـنـهـا مــطــرقــتــ ، مـثـبـتـا املــطــرقــة األكـــبـــر في األعلى للرجال واملطرقة األصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الـطـارق، فكنا نُميّز الطارق رجــــا أم امــــرأة مــن صـــوت املــطــرقــة)... بِت أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمـــــي الــــثــــاث، وتــــعــــرف أمـــــي طــرقــاتــي املـــتـــســـارعـــة، كــــان هـــنـــاك طَـــــرق مُــبـشـر، وطرق يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة األطفال». القاهرة: منى أبو النصر ًسوزانا كالرك عاما 35 ً كتاب عن زمن الفدائيين ظل مخبوءا وديع حداد في عينّي جورج حبش «البدايات والرفاق واملصائر: حوار مــع جـــورج حـبـش» عــن «املــركــز العربي - 2024 ، لـ بـحـاث ودراســــة الـسـيـاسـات صفحات»، كتاب ظل مخبوءًا طوال 208 خمس وثلثني سنة ثم قُيّض له أن يرى الـــنـــور عـلـى يـــدي صـقـر أبـــو فـخـر الـــذي تـوفـر عـلـى تـحـريـره لـغـويـا وأسـلـوبـيـا، وعــــلــــى وضــــــع هــــوامــــشــــه اإليـــضـــاحـــيـــة والتفسيرية، ثم كتب مقدمة وافية عن قصة هذا الكتاب. الـــــكـــــتـــــاب عــــــبــــــارة عــــــن حـــــــــوار كــــان كل 1989 أنــجــزه فــي الــجــزائــر فــي سـنـة من شريف الحسيني وسائدة األسمر، ولم يتسن لهما نشره على الناس؛ فقد ، ثم 2008 توفي جــورج حبش في سنة ،2011 توفي شريف الحسيني في سنة ثم رحلت سائدة األسمر عن هذه الدنيا . ويُعد هذا الحوار جولة 2022 في سنة ممتعة في تجربة جورج حبش ورفاقه األوائــــــــــل الـــــذيـــــن أســـــســـــوا مـــعـــا «حـــركـــة القوميني العرب»، ثم «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطني». وهــــو يــــــدور، فـــي جــــزء كــبــيــر مـنـه، حـول وديــع حــداد وشخصيته وأدواره وخــــافــــه مــــع الـــجـــبـــهـــة الــشــعــبــيــة ومـــع جــــــورج حـــبـــش بـــالـــتـــحـــديـــد، ويـتـضـمـن تفصيلت مهمة وجديدة عن البدايات التأسيسية لـ«حركة القوميني العرب»، بما فـي ذلــك الصلة الـواهـيـة بــ«كتائب الـــفـــداء الـــعـــربـــي»، وعـــن الـــرفـــاق األوائــــل أمــــثــــال هــــانــــي الـــهـــنـــدي ووديــــــــع حــــداد وأحمد الخطيب وصالح شبل وحامد الـــجـــبـــوري ومــحــســن إبـــراهـــيـــم وأحــمــد الـيـمـانـي، وهـــؤالء جميعا غــــادروا هذه الــدنــيــا إلـــى عــالــم الـــرقـــاد األخـــيـــر حيث يُزارون وال يزورون. يــــحــــتــــوي الـــــــحـــــــوار، عـــــــــاوة عــلــى ذلـــك كـلـه، مـعـلـومـات شـائـقـة عــن مرحلة النضال السياسي والعسكري في األردن وســـوريـــا ولــبــنــان، ال سيما «العمليات الـخـاصـة» (خـطـف الـطـائـرات) الـتـي برع وديع حداد في تخطيطها وتنفيذها مع نفر مـن الـشـبـان أمـثـال كــارلــوس وكمال خير بـك وفــــؤاد عـــوض وبـاسـل كبيسي وفـــؤاد الشمالي وأنيس النقاش وليلى خــالــد وأمـيـنـة دحــبــور ومــاهــر اليماني وكوزو أوكاموتو وفوساكو شيغونوبو وويلفريد بوزي وآخرين. ويــعــرّج الــحــوار عـلـى االنـشـقـاقـات التي خلخلت تنظيم «الجبهة الشعبية» مثل انشقاق الجبهة 1972 و 1968 بني الـــشـــعـــبـــيـــة - الــــقــــيــــادة الـــعـــامـــة (أحـــمـــد جبريل) ومعها مجموعة أحمد زعرور (منظمة فلسطني العربية) ثم «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطني» (نايف حـواتـمـة)، و«الجبهة الثورية لتحرير فلسطني» (أحمد فرحان - أبو شهاب). وفي هذه الوثيقة التاريخية نعثر على جوانب الفتة من شخصية الرئيس جــمــال عـبـد الــنــاصــر، وعــلــى معلومات مفصّلة عن العملية الجريئة لتخليص جـــورج حـبـش مــن سـجـن الـشـيـخ حسن ، وأســـمـــاء 1968 فــــي دمـــشـــق فــــي ســـنـــة املشاركني فيها واحـدًا واحـدًا. وفي هذا الــــحــــوار مـــراجـــعـــات فــكــريــة وسـيـاسـيـة شــــتــــى تـــتـــعـــلـــق بــــاملــــاركــــســــيــــة وخـــطـــف الـــــطـــــائـــــرات وتــــأســــيــــس «حـــــــزب الــعــمــل العربي االشتراكي» ومجموعة «أبطال الـــــعـــــودة» والـــعـــاقـــة مــــع حـــركـــة «فـــتـــح» و«منظمة التحرير الفلسطينية». بيروت: «الشرق األوسط» ماليين نسخة 4 باعت روايتها األولى سوزانا كالرك... توّجوها واحدة من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت *دانكان إليوت قارن البعض ذكاءها الماكر ومالحظاتها االجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==