issue16774

برعب وخـوف يتابع املواطن اللبناني فيديوهات إسرائيلية مـصـورة عـن تفجير بـلـدات الحافة األمامية الضاربة جذورها في عمق التاريخ وتسويتها باألرض. كفركال، ميس الجبل، راميا، محيبيب، بليدا، حنني، عيتا الشعب، العديسة وعيترون وسواها. ويبرز الخوف من تداعيات التهجير الجماعي القسري، وأبعاد انكشاف االستراتيجية اإلسرائيلية الهادفة إلى جنوب من دون أهـلـه، ليكون أرضـــا مـحـروقـة وحــزامــا أمـنـيـا، فيستعيد املـــواطـــن مــن الـــذاكـــرة صـــور غــــزة. وتــطــرح األسـئـلـة عما يميز لبنان، الذي اختطف قـراره «حزب الله» ومحوره، عن غزة التي أسرتها «حماس» وحاصرتها من الداخل وقـيـدتـهـا، فــيــزداد الـقـلـق عـلـى الــوجــود مــع اتــســاع هـدر دماء اللبنانيني، ليستعيد املواطن أسوأ الكوابيس في بلد أُرغم عنوة على تعايش مدمر مع «حروب اآلخرين» على أرضه! الـــــحـــــالـــــي، بــــعــــد يـــــومـــــ عــــلــــى الـــضـــربـــة 28 فــــــي اإلســرائــيــلــيــة إليـــــران أطــــل رئــيــس الـــــــوزراء اإلســرائــيــلــي بـــنـــيـــامـــ نـــتـــنـــيـــاهـــو لـــيـــعـــلـــن: «هــــــــذه الـــــحـــــرب كـــحـــرب االستقالل... والنصر الحاسم خطة واضحة ننفذها». تــزامــن ذلـــك مــع بـــدء الـجـيـش اإلســرائــيــلــي إزالــــة الــجــدار الحدودي في إعالن مفاده أن ال جدوى عسكرية بعد من إطالق املقاومني الصواريخ املضادة للدروع بعد تدمير كــلــم، فـيـمـا تـعـنـف الـحـرب 3 الــبــلــدات الــحــدوديــة بـعـمـق اإلسرائيلية - اإليرانية التي تستبيح لبنان، تهلك أهله، وتقتلع شعبه لتهجر قسرًا أكثر من ربع السكان، وتدمر عمرانه. ومع زنار املجازر الجماعية من صور إلى البقاع الــشــمــالــي، مـــــرورًا بـالـضـاحـيـة، بـــدا أن هـــذه الـــحـــرب لن تتوقف قريبا، قبل تكريس وقائع جديدة على األرض، لتتجاوز هــدف إعـــادة املستوطنني الـذيـن أُرغــمــوا على النزوح عن املستوطنات الشمالية، وهي تكرار للحرب على جبهة غزة، بعدما أسقط نتنياهو قضية استعادة األسرى. رأت القيادة الصهيونية في ارتكاب «حماس» نكبة أكـتـوبـر (تـشـريـن األول)» وتـسـبـب «حــــزب الــلــه» في 7« أكتوبر»، وما آل إليه «الطوفان» و«املشاغلة»، 8« كارثة فـرصـة تـاريـخـيـة تتيح لـهـا الـــذهـــاب بـعـيـدًا فــي مخطط تحقيق انـتـصـار حـاسـم على الجبهتني. بـإسـقـاط دور الوكالء ووضـع النظام اإليراني أمـام خيارين: مواجهة ال يــريــدهــا أو الـــتـــراجـــع. نـــــاورت تـــل أبـيـب ولــــم تـرفـض املـفـاوضـات لكنها اعـتـمـدت الـنـفـاق فـجـوّفـت مقترحات وقـف الـنـار، وأسقطت مشاريع التسوية، بعدما فككت «حـمـاس»، وقتلت قادتها، ودمــرت الضلع الفلسطيني في املشروع اإليراني. وأي تـبـصـر فــي الـنـهـج اإلســرائــيــلــي عـلـى الجبهة الـــشـــمـــالـــيـــة، يــــبــــرز الـــســـقـــوط الـــــذريـــــع ملــــشــــروع «وحـــــدة الساحات»، ويظهر أن إسرائيل في خرقها كل السقوف كـــانـــت تــســتــدرج «املـــقـــاومـــة اإلســـ مـــيـــة» إلــــى الـهـزيـمـة. سبتمبر 17 بـــرز ذلـــك مـنـذ ضـربـة «الـــنـــداء الـقـاتـل» يـــوم منه، 27 (أيـــلـــول) املــاضــي إلـــى اغـتـيـال نـصـر الـلـه يـــوم الـــــ وبعده خليفته صفي الدين، إلى تدمير الهيكل القيادي الـعـسـكـري لــــ«حـــزب الــلــه» وأجـــــزاء كـبـيـرة مــن ترسانته وأنـــفـــاقـــه ومــنــصــاتــه فـــي الـــقـــرى والـــبـــلـــدات الـــحـــدوديـــة، مــا عـطـل رهــــان طــهــران عـلـى ذراعـــهـــا املـتـقـدمـة والــحــزام الـنـاري الــذي أنشأته للدفاع عنها، وبــدد االستثمارات التي وُظِّــفـت لضرب اسـتـقـرار املنطقة وتقويض دولها وأولها لبنان. ومـع االجتياح اإلسرائيلي الجوي الذي وضع نصف لبنان في قلب النار، وربط حياة املواطنني بتعليمات الناطق باسم الجيش اإلسرائيلي أفيخاي أدرعي متى يخلون بلداتهم وأحياءهم وبيوتهم لتدمر، بـــدا الـشـعـب الـلـبـنـانـي مــتــروكــا ملــصــيــره. وفـيـمـا يتابع املـواطـن برعب املخطط اإلسرائيلي الــذي يستهدف من جهة تشتيت كتلة ديموغرافية رئيسية مـن املواطنني اللبنانيني، من ضمنهم أنصار «الحزب» و«بيئته»، ومن الجهة األخرى تدمير ممنهج ملناطق واسعة... بدأت تل أبـيـب تكشف عـن جـوانـب مـن رؤيـتـهـا لــ«الـيـوم التالي» للحرب، فيعلن نتنياهو: «سـأعـرض الـسـ م على دول أخـــرى فـي املنطقة لكنه سيكون سـ مـا مقابل الـسـ م، سالم مبني على القوة»! إذن «ســـ م مبني على الـقـوة» يستند إلــى تهديد الــذراع الطويلة إلسرائيل بعد نجاحات تكتيكية الفتة فـي جبهتي الشمال والـجـنـوب وفـــرض تحييد الجبهة الــســوريــة، لتعتقد إســرائــيــل أن بـوسـعـهـا تـحـويـل ذلـك إلـــــى نـــصـــر اســـتـــراتـــيـــجـــي يُـــمـــكِّـــن تــــل أبـــيـــب مــــن تـحـديـد حــدود األدوار واملـواقـع، وربـمـا يعيد رسـم خـرائـط. لقد بـــدت إسـرائـيـل منتشية بـعـد تـكـريـس تـفـوقـهـا، ونـجـاح اســـتـــهـــداف مـــشـــروع الـــصـــواريـــخ الـبـالـيـسـتـيـة وتــدمــيــر الـــــــــــرادارات وأســـلـــحـــة الـــــدفـــــاع، كـــمـــا الـــســـيـــطـــرة الــجــويــة املطلقة على ما كان املمر اإليراني من طهران إلى لبنان واملتوسط عبر العراق وسوريا. على قيام دولة إسرائيل 1967 أظهرت تجارب سنة أن الـــســـ م ال يـبـنـى إال عـلـى الـــعـــدل واحـــتـــرام الـحـقـوق. ولـن تبدل ذلـك نتائج هـذه الـحـرب التي شتتت الشعب الـفـلـسـطـيـنـي وجـعـلـت قــيــام دولـــتـــه حـلـمـا بـعـيـد املــنــال. ووضــــعــــت لـــبـــنـــان الــــدولــــة املـــخـــطـــوفـــة املــســتــبــاحــة عـلـى فـوهـة كــارثــة يصعب تـقـديـر أبــعــادهــا؛ لسببني: األول، أن إسرائيل التي فرضت تهجيرًا جماعيا طويل األمـد راهـــنـــت عــلــى تــداعــيــاتــه الــديــمــوغــرافــيــة، خــصــوصــا أن طـــهـــران لـــن تــتــأخــر عـــن مــحــاولــة إحـــيـــاء بـنـيـة عسكرية لـ«حزب الله» في مناطق النزوح، ما سيفتح الباب أمام احـتـمـال صـــدامـــات أهـلـيـة. والــثــانــي، انــعــدام املسؤولية الوطنية لدى بقايا السلطة والطبقة السياسية برفضهم أي محاولة إلعـــادة تكوين السلطة بما يوقف الهزيمة عند الحدود التي بلغتها. خطير انتظار نتائج الحرب لتعويم التسلط ولو على الركام، لتبدو هذه القوى في موقع التضحية بالبلد كرمى إنقاذ بندقية ال نظامية جلبت الفواجع وخطر تجدد االحتالل. Issue 16774 - العدد Thursday - 2024/10/31 اخلميس هـــل كــــان مـــن مــحــض املـــصـــادفـــة أن يــتــزامــن حـــديـــث الـرئـيـس الـــروســـي فـ ديـمـيـر بــوتــ ، والــرئــيــس األمــيــركــي الـسـابـق دونـالـد ترمب، املفعمني باالحترام للمملكة العربية السعودية، والتقدير لقيادتها ودورهــــا الــرائــد على الـسـاحـة الـدولـيـة، فـي الـوقـت الـذي يصارع العالم فيه أمــواج النزاعات املسلحة والفكرية في الشرق والغرب؟ لم تكن هـذه هي املــرة األولــى التي يتحدث فيها قــادة العالم بـهـذا الـتـقـديـر واالحـــتـــرام عــن اململكة ومليكها وولـــي عــهــده، لكن الحديث اآلن جـاء في ظل عالم تتفاعل فيه أقطاب متعددة بحدة بالغة -حــدَّة املصالح وحدها- وتواجه فيه الشعوب تحديات في وعيها بذاتها وقيمها، وفي تقييمها ونظرتها إلى اآلخر؛ وتَلوح في اآلفاق أخطار بتوسع دائرة الحروب القائمة واندالع صراعات جديدة. الرئيس بوتني قال في لقاء إعالمي على هامش قمة «بريكس»، وفي معرض إجابته عن سؤال لرئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز» فيصل عباس، عن مشاركة روسيا في مؤتمر سالم حول القضية األوكـرانـيـة فـي اململكة العربية السعودية: «نحن نعد السعودية بلدًا صديقا، ولـدي عالقة طيبة مع امللك سلمان، وتربطني عالقة شخصية قـويـة مـع ولــي الـعـهـد، أنــا واثـــق بـالـسـعـوديـة، وإذا عُقد مؤتمر فيها، فاملكان في حد ذاته مريح بالنسبة لنا». أمـا الرئيس دونـالـد تـرمـب، الــذي ينافس الـيـوم على العودة إلى البيت األبيض رئيسا، فقال في مقابلة خاصة أجرتها مديرة مكتب قناة «العربية» في واشنطن، نادية البلبيسي، إنه سيعمل «مع ولي العهد السعودي األمير محمد بن سلمان، من أجل إعادة السالم إلى املنطقة». وأضاف أنه «يحترم كثيرًا امللك سلمان، كما في الوقت نفسه يحترم كثيرًا ولي العهد، األمير محمد بن سلمان»، مؤكدًا أن «ولي العهد يحظى بكثير من االحترام في دول العالم، كما أنه يُبلي بالء حسنا... وأنه حقا صاحب رؤية، إذ استطاع تنفيذ كثير من األمور التي لـم يكن ليفكر بها أحـد غـيـره، إنـه يفعل شيئا عظيما، وهو رجل رائع». هــــذه الــتــصــريــحــات لـــم تــــأت مـــن فـــــراغ، ولــتــزامــنــهــا مــدلــوالت جديرة بالتأمل؛ فاململكة العربية السعودية تمكنت خالل السنوات املـاضـيـة مــن تـعـزيـز عـ قـاتـهـا مــع مختلف الــقــوى الـعـاملـيـة بشكل مـشـهـود، نتيجة لـجـهـود قــيــادة رسـمـت ونــفَّــذت مــســارًا لـشـراكـات استراتيجية للقرن الحادي والعشرين ترتكز على تعزيز املكتسبات املشتركة مع الدول املؤثرة بوعي متجدد باحتياجات عالم اليوم، وتحقيق تـوازن في ذلك يخدم املصلحة املشتركة للجميع؛ فليس من السهل أن تتمتع أي دولـة اليوم بعالقات استراتيجية مؤثرة مع الواليات املتحدة األمريكية وروسيا والصني وتبقى في الوقت نفسه على ثـبـات فـي املـبـدأ واملـسـار وتحظى جـهـودُهـا بمثل هذا اإلطراء والتقدير من زعماء العالم. لـم تكن الرحلة سهلة بكل تأكيد، فقد واجـهـت اململكة خالل الـسـنـوات العشر املاضية تحديات مـتـعـددة، فلو رجعنا إلــى عام في املائة، وتأثيره 70 لرأينا انخفاض أسعار النفط بنحو 2015 املباشر على امليزانية العامة للدولة، وكانت الهجمات اإلرهابية مـسـتـمـرة تـسـتـهـدف أمــــن الـــبـــ د واســـتـــقـــرارهـــا، وجـــــاءت كـورونـا امـتـحـانـا مـفـاجـئـا لــلــدول وقــدراتــهــا وإمـكـانـاتـهـا، نـاهـيـك بـأزمـات املنطقة املستمرة النزف؛ من فلسطني إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا، وما تواجهه الدول العربية األخرى من تحديات اقتصادية وخـ فـات بينية، وغير ذلـك كثير من امللفات والقضايا التي تدار في دهاليز السياسة والقنوات الدبلوماسية وال يُعلم عنها! كــــان الــتــعــامــل مـــع كـــل أزمـــــة بــبــرنــامــج واضـــــح املـــبـــدأ، مـحـكَــم »2030 اإلجــــراءات؛ ففي الجانب االقـتـصـادي كانت «رؤيـــة اململكة هـــي الـــجـــواب الــشــافــي. وبـيـنـمـا تــتــصــارع الـــــدول الـــيـــوم بـــ أتـــون النزاعات املسلحة والضغوط االقتصادية، تتوالى بشائر اكتمال مشاريع الرؤية الطموحة قبل موعدها، وفوز الرياض باستضافة تظاهرات دولية مثل «إكسبو» و«كأس العالم لكرة القدم»، ويعيش املجتمع الـسـعـودي نهضة اقـتـصـاديـة واجتماعية غير مسبوقة على مختلف الصعد. وفي جانب األمن الفكري، كان القول املوجز سنة أخـــرى مـن حياتنا فـي التعامل 30 لـولـي العهد: «لــن نُضيع مع أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفورًا». أما األمن اإلقليمي والدولي، فجاءت «عاصفة الحزم» إلفشال مشروع ابتالع اليمن، وبعثت جهود الوساطة بـ أوكـرانـيـا وروسـيـا بصيص أمــل في حرب مستعرة. وبالنسبة إلى االقتصاد العاملي، كان اتفاق «أوبك بـلـس» شـاهـدًا آخَـــر على الـبـراعـة السعودية الـتـي جنبت اقتصاد العالم منزلقا خطيرًا قد تستمر آثاره السلبية ألجيال. وفي جائحة كــورونــا، كانت قـيـادة اململكة حـاضـرة برئاسة امللك سلمان لقمة العشرين، وقـدمـت للعالم نـمـوذجـا مرجعيا فـي تنسيق الجهود الـــدولـــيـــة، وســـرعـــة االســتــجــابــة ونــجــاعــة اإلجـــــــراءات الــتــي صـانـت املجتمع وديـمـومـة املـنـشـآت التجارية واالقـتـصـاديـة. وفــي مجال االســتــثــمــار، يــواصــل صــنــدوق االســتــثــمــارات الـعـامـة ومـؤسـسـات الدولة األخــرى بناء جسور اقتصادية متينة مع الشرق والغرب، وتعظيم موقع اململكة بوصفها مركز ثقل اقتصادي واستثماري خارج اإلطار التقليدي للنفط. وفي الوقت الذي تستمر فيه معاناة الشعب الفلسطيني الذي أعطته اململكة منذ بداية نكبته حتى اليوم واجب الدم والعرق قبل الدعم املالي السخي، تقف قيادة اململكة ثابتة على مبدئها بأن ال سالم من دون دولة فلسطينية، وتعود العالقات مع الجارة إيران بعد كل فصول املاضي، ويقف رئيس الوزراء اإلسرائيلي مخاطبا األمم املتحدة آمال في عالقة مع الدولة األهم في املنطقة! وفـــي صـــراعـــات املـنـطـقـة األخـــــرى، قـديـمـهـا وجــديــدهــا، كانت قيادة اململكة واضحة في التشخيص وفي عرض الحل، فلم يعد هناك متسع ملعادالت ال تؤدي إلى نتائج منطقية. هل كان يتصوَّر أحد قبل بضع سنوات أن تبذل اململكة جهودًا ملعالجة التحديات اإلقليمية والدولية الراهنة مع أمريكا والصني، والدول األوروبية، وروسيا وأوكرانيا، وإيران، والهند وباكستان، وأن يقود ولي العهد رئيس مجلس الـــوزراء، هذه الجهود في كل اتجاه، وأن يخاطب رئيس الوزراء اإلسرائيلي العالم آمال في عالقة معها؟! الـجـواب بالنسبة إلـى السعوديني هـو: نعم بكل تأكيد، فقد شهدوا من ثمار الرؤية املباركة، ومن حرص قائدهم وملكهم، ومن جهد ولي عهده، ما يجعلهم يواصلون الليل والنهار لنيل شرف خدمة قيادتهم وبلدهم واللحاق بهذا الطموح الوثاب. وبالنسبة إلى بوتني وترمب، نعم أيضا؛ كيف ال وهما أول رئيسني لروسيا وأمريكا يعمالن مع األمير محمد بن سلمان بعد أن تسنَّم مهام املسؤولية ووجدا فيه الشريك املسؤول واملوثوق. إن هــذا الـثـنـاء والـتـقـديـر واالحـــتـــرام ليس مـن قبيل املجاملة الدبلوماسية بني قيادات الدول، وإنما ينطلق حتما من املنجزات واملكاسب االستثنائية التي حققها سموه مع هذين القائدين سواء من خالل اتفاق «أوبـك بلس»، أو الوساطة مع أوكرانيا في جانب بـوتـ ، أو تجديد الـشـراكـة االستراتيجية ومـواجـهـة التهديدات اإلقليمية مع واشنطن في عهد ترمب، والتي جاءت بالتزامن مع تأسيس «شراكة استراتيجية شاملة» مع الصني. والـسـعـوديـة الــيــوم، بـقـيـادة خـــادم الـحـرمـ الشريفني وولـي عــهــده، لـديـهـا عــ قــات احــتــرام وود مــع أمـريـكـا وروســيــا والـصـ والـهـنـد وبـاكـسـتـان وإيــــران وتـركـيـا والــيــونــان والــــدول األوروبــيــة -والــقــدرة على جمع كـل هــؤالء األضـــداد بـراعـة سياسية سعودية فريدة! وبقدر ما يحتاج العالم اليوم إلى قيادة كالقيادة السعودية، يـحـتـاج بـالـقـدر ذاتـــه إلـــى االســتــفــادة مــن ثـمـار رؤيـتـهـا وتفاعلها اإلقليمي والدولي، فالقرن الحادي والعشرين تريده قيادة اململكة أن يكون قرنا لإلنجاز السعودي، وتستحق الشعوب األخــرى أن تعيش خالله الطموح فـي الحاضر والـغـد وحـــ وة اإلنـجـاز الـذي يعيشه السعوديون كل يوم. كـثـيـرون داخـــل الـــســـودان، وبـالـتـأكـيـد خــارجــه، لــم يسمعوا باسم قرية السريحة الواقعة في والية الجزيرة وسط السودان، قبل املذبحة التي شهدتها قبل أيام قليلة عندما هاجمتها «قوات الدعم السريع». كل أنواع الجرائم واالنتهاكات ارتكبت خالل هذا الهجوم من قتل للمدنيني األبرياء، وتصفية املعتقلني بدم بارد، وتعذيب وإهانة املسنني. مذبحة السريحة لم تكن الوحيدة، إذ عاشت والية الجزيرة أياما من الرعب املمنهج الذي نشرته «قوات الدعم السريع» ضمن عمليات بطش انتقامية إثر انشقاق قائدها بمنطقة الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه إلى صفوف الجيش، فوجهت أسلحتها قـريـة تعرضت 30 وغضبها نـحـو املـواطـنـ األبـــريـــاء. أكـثـر مــن لهجمات عنيفة قُتل فيها عدد كبير من الرجال والنساء واألطفال األبرياء، وسجلت حاالت اغتصاب واختطاف للنساء والفتيات، واحتجاز لبعض املواطنني للمطالبة بفدية من أهاليهم إلطالق سراحهم، كما أُضرمت النيران في البيوت واملحاصيل الزراعية، وأُجبر عشرات اآلالف على مغادرة قراهم للبحث عن مناطق آمنة بعيدًا عن بطش هذه القوات. كــل الـتـقـاريـر واملــشــاهــد الـــــواردة مــن هـــذه املـنـاطـق كانت مـروعـة، وتـؤكـد مـجـددًا أن املـواطـن املغلوب على أمــره أصبح هــدفــا أســاســيــا لــــ«قـــوات الـــدعـــم الـــســـريـــع». تـسـتـهـدفـه بالقتل والــتــرويــع، تـجـبـره عـلـى الـــنـــزوح، تنهب ممتلكاته، وتنتهك أعراضه، ثم تزعم على لسان قادتها ومتحدثيها أن املواطن خط أحمر ال يجب املساس به!! هذه القرى الوادعة لم تكن فيها معسكرات جيش، وال هي مـواقـع استراتيجية فـي مفهوم العمليات العسكرية. الهجوم عليها كان عمليات بطش انتقامية تعمد خاللها مسلحو «الدعم السريع» إثـارة الفزع والرعب في نفوس املواطنني، وتهجيرهم مــن قـــراهـــم، وهـــو أســلــوب درجــــت عـلـيـه امليليشيا فــي كــل مكان دخلته. «قـــــــــوات الـــــدعـــــم الــــســــريــــع» ربــــمــــا أرادت أيــــضــــا مـــــن خـــ ل استراتيجية الرعب هذه، تشتيت الجيش وإرباك هجومه املنسق الذي تمكن من خالله تحرير عدد من املواقع االستراتيجية وطرد «الدعم السريع» منها. وقد رأينا بالفعل حملة إعالمية منسقة من غرف إعـ م «الدعم السريع» ومناصريها عنوانها العريض «أيـن الجيش؟»، وذلـك لخلق نـوع من الضغط الشعبي الداخلي على القوات املسلحة. فـــي إطــــار هـــذه الـحـمـلـة املـمـنـهـجـة لـقـلـب الـحـقـائـق انطلقت أصـــوات تـقـول إن ضحايا مـذابـح الـجـزيـرة لـم يـكـونـوا مواطنني عـــزالً، بـل كـانـوا مسلحني، وهــي بالحق مـحـاولـة بائسة لتبرير هذه الجرائم البشعة. في كل األحوال فإن مواطني هذه القرى لم يذهبوا باحثني عن «قوات الدعم السريع» ملواجهتها، بل جاءتهم هــذه الــقــوات إلــى قـراهـم بـغـرض الـقـتـل، والـسـلـب واالعـــتـــداء على الحرمات، واستخدمت ضدهم كل أدوات الفتك والترهيب بما في ذلـك األسلحة الثقيلة. بكل املعايير، ووفـق كل القوانني من حق هؤالء الناس أن يدافعوا عن أنفسهم، وقد رأينا في بعض مقاطع الفيديو املنتشرة أن كثيرين ممن حاولوا التصدي للمهاجمني لم يكونوا يحملون سوى العصي والسواطير. وحتى إذا افترضنا جدال أنه كان هناك عدد قليل لديه سالح ناري، أليس من حقهم الدفاع عن أرضهم وأهلهم وعرضهم؟ لقد أحـدثـت مـذابـح الـجـزيـرة األخــيــرة صـدمـة واسـعـة داخـل الــســودان وخــارجــه وأدانـتـهـا دول عــدة ومنظمات وهـيـئـات، من بينها األمـــم املـتـحـدة عـلـى لـسـان منسقتها لـلـشـؤون اإلنسانية فـــي الــــســــودان، كـلـيـمـنـتـ ســـ مـــي، الــتــي عـــبّـــرت عـــن «صـدمـتـهـا وذهولها»، مشيرة إلى التقارير عن إطالق «قوات الدعم السريع» الـــنـــار «عــلــى املــدنــيــ مـــن دون تـمـيـيـز» و«ارتــــكــــاب أعـــمـــال عنف جنسي ضـد الـنـسـاء والـفـتـيـات» و«نـهـب األســــواق واملــنــازل على نطاق واسع» وتعرض سكان كثير من القرى «العتداءات جسدية وإذالل وتهديدات» دفعتهم للفرار من قراهم بحثا عن األمان. ومن بينها أيضا األزهر الشريف واالتحاد األوروبي اللذان شددا على ضرورة محاسبة الجناة. هذه املمارسات املروعة هي جرائم حرب ال تسقط بالتقادم، وال يمكن محاولة التبرير لها بأي منطق، أو معيار أخالقي أو إنساني، ويتوجب محاسبة مرتكبيها. كما أن كل من يدعم هذه الـقـوات بالسالح واألمــــوال، يتحمل مسؤولية فـي هــذه الجرائم واالنتهاكات التي يندى لها الجبني. الــــجــــرائــــم كــــانــــت واضــــحــــة وضـــــــوح الـــشـــمـــس، ومـــنـــفـــذوهـــا معلومون ووثّقوا جرائمهم بأنفسهم في مقاطع فيديو هزّت كل من له ضمير أو نخوة، لذلك أستغرب من أولئك الذين أعمتهم حسابات السياسة وجعلتهم يحاولون لي عنق الحقيقة لتسجيل نقاط وتصفية حسابات تـارة بتوجيه االتهامات للجيش بأنه خذل املواطنني ولم يدافع عنهم، وتارة بالقول إن املواطنني كانوا مسلحني و«مستنفرين». مـع هــذه الحملة، وفــي هــذا التوقيت لـم يكن غريبا أن نرى أيضا بعض األطراف تتحرك لتنشيط دعواتها السابقة الستدعاء تدخل قــوات دولـيـة - أفريقية فـي الــســودان، فاملشهد السوداني أصبح ساحة ملناورات بال سقف يحمي الوطن من تبعاتها. عثمان ميرغني حنا صالح OPINION الرأي 14 مذبحة «السريحة»... صدمة السودان ولي العهد وحديث الرئيسين «حرب اآلخرين» في لبنان! بندر بن عبد الرحمن بن معمر

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==