issue16774

ال سقف ملـا سـوف يقال عـن حـرب إسرائيل على غـزة، التي ملا دخلت عامها الثاني في السابع من الشهر الجاري، انتقلت من جبهة الجنوب في فلسطني إلـى جبهة الشمال في لبنان. ولكن من بني ما سـوف يقال عنها إنها حـرب إسقاط املــفــاهــيــم فـــي املـنـطـقـة وفــــي الـــعـــالـــم، ألنــــه ال يــوجــد مـفـهـوم مـن املفاهيم املتعارف عليها فـي الـحـروب إال وسقط فيها تقريبًا، وإال وأصبح في حاجة إلى إعادة تعريفه من جديد. من بني هـذه املفاهيم على سبيل املثال مفهوم حقوق اإلنسان، التي حظيت بمواثيق تحميها إذا ما قامت حرب بــ دولــتــ . فـفـي الــحــروب يـكـون اإلنــســان هــو الــوقــود في الــــعــــادة، ولـــذلـــك، كـــانـــت تــجــربــة الـــــدول مـــع الـــحـــروب كفيلة تاريخيًا بأن تضع ما يحمي الحدود الدنيا من هذه الحقوق. وإذا شئنا قلنا إن امليثاق األول فـي هـذا السياق هو حديث الرسول (عليه الصالة والسالم)، الذي كان إذا أرسل جيشًا إلى حرب راح يوصيه ويقول: «ال تقتلوا طفالً، وال امرأة، وال شيخًا، وال تحرقوا شجرة». ومن الجائز أن يبادر أحد فيقول إن هذه تعاليم نبي اإلسالم ألهل اإلسالم، وإن غير أهل اإلسالم ليسوا ملزمني بها، وهذا خطأ بالطبع في القياس بني تعاليم دين وتعاليم دين آخر، ألن األنبياء كلهم جاءوا إلى اإلنسان من حيث هو إنسان، وألن حقوق اإلنسان ال يقلل من شأنها دين اإلنسان، وال جنسيته، وال لغته، وال لونه، وال أي شيء من هذا النوع. حقوق اإلنسان هي شكل وجوهر، وما دام اإلنسان فيها هو الشكل فهو املضمون كذلك. ولم يكن البروفسور الفرنسي ديديي فاسان، يبالغ في شيء عندما قال إن بالده إذا كانت قد تلقت هزيمة عسكرية أمام األملان في بدايات الحرب العاملية الثانية، فهي قد تلقت هزيمة أخالقية في الحرب على غزة. هذا صحيح إلى حد كبير، وإن كانت فرنسا قد حاولت أن تتخفف من هـذه الهزيمة، إذ دعـا رئيسها مـاكـرون إلى وقف بيع السالح إلى إسرائيل، ثم دعا في مرة ثانية رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو، إلى أن ينتبه إلى أنه إذا كان يسمي الحرب التي يخوضها على الفلسطينيني في غزة «حرب الحضارة» فإن ذلك ال يعني زرع الهمجية. قــال الـرئـيـس الفرنسي ذلــك فلم يَــسْــلَــم فـي املـرتـ من الهجوم اإلسرائيلي العنيف عليه، غير أنـه كـان يـرى فيما يبدو أن ما جرى وال يزال في غزة ثم في لبنان، أفدح من أن يَسكت عنه سياسي لديه الحد األدنى من الضمير اإلنساني في العالم. ولم يكن البروفسور فاسان يقصد بالده وحدها وهو يتحدث عن الهزيمة األخالقية، ألن الغرب كله يبدو في هذه الهزيمة سواء مع كل أسف، وقد تابعنا املستشار األملاني أوالف شـولـتـس وهـــو يــقــول إنـــه قـــرر إمـــــداد إســرائــيــل بما تحتاج إليه من السالح وأنه سوف يمدها باملزيد. هنا ال مجال لحقوق اإلنسان وال للحديث عنها، وإذا كان لها مجال فبالقدر الـذي يسع أهل الغرب وحدهم، أما ألف ًا، 45 إذا اتـصـل األمـــر بالفلسطينيني الـذيـن قُــتـل منهم وأُصيب ثالثة أضعاف هذا الرقم، وجرى تشريد املاليني من بينهم، فإن املسألة فيها قـوالن كما قيل، ومن شأن ذلك أن يجعل حقوق اإلنسان تظهر كأنها خُلقت للغرب، وأن أهل الشرق ليس لهم فيها نصيب. مـفـهـوم حــقــوق اإلنـــســـان تــضــرر فـــي هـــذه الـــحـــرب كما لـم يتضرر مـن قـبـل، وال أحــد يـعـرف كيف يمكن للغرب أن يأتي بعد أن تضع أوزارها ليكلمنا عن حقوق اإلنسان، أو يعطينا فيها دروسًا، كما كان يفعل معنا في مرحلة ما قبل اشتعال الحرب؟ ولــــم يــكــن حـــظ مــفــهــوم «الـــحـــرب خُـــدعـــة» بــأفــضــل من حظ مفهوم حقوق اإلنسان في هذه األيــام، فال نـزال نتابع املواجهات العبثية التي تتوالى بني إسرائيل وإيـران، وقد كان آخرها الهجوم اإلسرائيلي الـذي استهدف إيـران فجر السادس والعشرين من هذا الشهر. لقد قيل عنه إن تل أبيب أحاطت طهران علمًا به قبل وقـــوعـــه، وقـــرأنـــا بـعـده أنـــه تسبب فــي مقتل شـخـصـ ، أي إن عـدد ضحاياه كـان أقـل من عـدد ضحايا أي حـادث سير عابر. ولم يكن هو وحـده الـذي تابعناه على هذه الصورة غير املفهومة، فهجوم إيران على إسرائيل في أول أيام هذا الشهر كان من النوعية نفسها، وكذلك الهجوم اإلسرائيلي على إيران في شهر أبريل (نيسان) من هذه السنة! ال بد أن ما بني البلدين أعقد في حقيقته من هذا العبث الـظـاهـر بـكـثـيـر، ولـكـنـنـا نـتـحـدث عــمَّــا نــــراه أمــامــنــا، وعـمَّــا نتابعه، فال يكاد العقل يستوعبه وال يستسيغه. كـانـت الــحــرب عـلـى غـــزة سـبـيـ إلـــى إســقــاط مفاهيم كثيرة عشنا نعرفها، وحني يهدأ غبارها سوف نرى أنه ال نهاية للمفاهيم التي تضررت في ساحتها، وأن نارها أصـــابـــت مـفـاهـيـم مـسـتـقـرة بـمـثـل مـــا أصـــابـــت الـبـشـر ولـم تخطئ الحجر. هــل يمكن للحكومة أن تـهـذب شعبها، بمعنى أن تجعله أكـثـر الـتـزامـ بالفضائل ومــكــارم األخــــ ق؟ أثير هـذا الـسـؤال فـي نقاش حـول معاني األخـــ ق السياسية وتطبيقاتها في املجال العام. واستعرض أحد املتحدثني رؤية أفالطون، الفيلسوف اليوناني املعروف، الذي قرر أن الدولة مسؤولة عن تربية الشباب، وتلقينهم املعارف، وتدريبهم على الحِرَف والعادات الحسنة. ونعلم أن هـذه الفكرة مـا زالــت سـائـدة حتى يومنا الحاضر. فالناس جميع ًا، في شرق العالم وغربه، متفقون على أن أبسط واجبات الحكومة هو إنشاء وتشغيل نظام التعليم الـعـام، مـن مستواه األدنـــى، أي ريــاض األطـفـال، حتى الدرجة األخيرة من التعليم الجامعي. لكننا نعلم أيضًا أن مبررات هذه الرؤية تختلف، في نموذجها املعاصر، عن تلك التي تحدث عنها أفالطون. كـان أفالطون يـرى إمكانية جعل الفضيلة سلوكًا عامًا، يمارسه جميع الناس من دون تكلف. كما رأى أن الجهل هــو الـسـبـب الـرئـيـسـي الرتـــكـــاب اإلثــــم؛ ألن الـفـضـيـلـة في جـوهـرهـا هــي الحقيقة، أو هــي قـريـنـة الحقيقة. ونحن نصل إلى الحقائق من خالل الدراسة والتعلم والتجربة. بــعــبــارة أخـــــرى، فـــإن الـــدراســـة تــــؤدي إلـــى إدراك حقائق الـــحـــيـــاة، وإدراك الــحــقــائــق يــكــشــف عـــن الـــفـــضـــائـــل؛ ألن الفضيلة هي الحقيقة أو قرينتها. فـإذا أمست الفضيلة سـلـوكـ عـــامـــ ، تـحـقـقـت مـــا سـمـاهـا الـفـيـلـسـوف «املـديـنـة الفاضلة»، وهي ما تُعرف في األدبيات الغربية الحديثة باسم «اليوتوبيا». أما في نموذج الدولة الحديثة، فإن التزام الحكومة بــــإنــــشــــاء نــــظــــام لــتــعــلــيــم الــــنــــاشــــئــــة، مـــعـــلـــل بـــالـــحـــاجـــات االقـــتـــصـــاديـــة فـــي املـــقـــام األول. لــقــد تـــوصـــل الــبــشــر بعد قــــرون مـــن الــتــجــارب إلـــى أن حـيـاتـهـم تــــدور حـــول مـحـور االقتصاد. وهــذا، وإن لم يشمل أطــراف الحياة كافة، في حقيقة األمـــر، املـحـرك الرئيسي ملعظم أطـرافـهـا. مـن هنا بـــات عـمـل الــدولــة مُـــركّـــزًا - فــي معظمه - عـلـى االقـتـصـاد. وبالنسبة إلى البلدان النامية على وجه الخصوص، فإن سياسات التعليم تستهدف، في املقام األول، إنشاء قوة عمل ذات كفاءة، إلدارة املشروعات االقتصادية واإلدارة الرسمية (التي تنظم هي األخـرى على ضوء احتياجات السوق واالقتصاد). وهذا يفسر القول السائر إن «التعليم الناجح هو الذي يلبي حاجات سوق العمل»، وكذا الدعوة إلى جعل سياسات التعليم متوافقة مع حاجات السوق. ويـــبـــدو لـــي أن مــفــهــوم األخـــــــ ق، الـــســـائـــد فـــي علم الـسـيـاسـة املــعــاصــر، أكـثـر انـسـجـامـ مــع أغــــراض الـدولـة ومـبـررات وجـودهـا، من ذلـك املفهوم الـذي ناقشه قدامى الفالسفة، أو نظيره الذي عرفته الدول الدينية. رؤيــة أفـ طـون عـن أهمية التعليم مبعثها ارتيابه العميق في طبيعة اإلنسان. فرغم إقراره بقابلية العقالء الكتشاف الخير والعدل واتخاذ طريق الحكمة، فإنه نظر إلى جمهور الناس على أنهم أسرى شهواتهم وأوهامهم وجهلهم بحقائق الحياة. وقد صور هذا املعنى في مثاله الشهير عن األشخاص املقيدين في داخل الكهف، الذين ال يرون غير انعكاس ظالل الحركة التي تحدث في الخارج، فيتوهمون أنها هي كل ما يجري في عاملهم. فـــي الـتـحـلـيـل يـظـهـر أن أفــــ طــــون نــظــر إلــــى أفــعــال اإلنــــســــان بــوصــفــهــا انــعــكــاســ ملــيــولــه الـــداخـــلـــيـــة؛ ســـواء أَتَـــهَـــذَّبَـــت بفعل التعليم أم ال. ولـــذا تـحـدث عــن التعليم بصفته وسيلة لتهذيب النفس. خالفًا لهذا، ينظر علم السياسة املعاصر إلى امليول الـنـفـسـيـة عـلـى أنــهــا محصلة لـتـأثـيـر الــعــوامــل البيئية واالجـتـمـاعـيـة فــي املـحـيـط الـحـيـوي لــإنــســان. اإلنـسـان السوي امليال للحلول العقالنية والتعاون هو ذلك الذي ينشأ فـي مجتمع يـوفـر األمـــان والـعـيـش الـكـريـم ألهله. وبعكسه املجتمع الذي يسوده النزاع واالنقسام أو شح مــصــادر الـعـيـش، وكـــذا املجتمع الـــذي يـعـانـي االحـتـقـار واإلذالل والـــقـــهـــر لـــزمـــن طــــويــــل. فــمــثــل هـــــذه الـــحـــاالت تنعكس بشكل سلبي جدًا على روحية أعضاء املجتمع، فتعزز فيهم املـيـول الالعقالنية واالرتــيــاب والرغبة في االستئثار. زبـدة القول أن علم السياسة الحديث يـرى أن الدولة قادرة على تحسني املستوى األخالقي في املجتمع الوطني، لـكـن لـيـس بـإضـافـة مـــادة األخــــ ق إلـــى نـظـام التعليم، وال بـــزيـــادة عــــدد الــــوعــــاظ، بـــل بـتـوفـيـر ســبــل الــعــيــش الـكـريـم وتعزيز الشعور باألمان والكرامة لدى األفراد. لـــعـــب رئــــيــــس الــــــــــــوزراء اإلســـرائـــيـــلـــي بـنـيـامـ نـتـنـيـاهـو، كـــي يـبـقـى فـــي الـحـكـم ملــا يــقــارب عـشـريـن سـنـة، عـلـى كــل األوتــــار، وأهمها الوتر الديني، وال يزال، وهي على ما يبدو لعبة رابحة له ومُغرية. استطالع أخير للرأي ب أن نتنياهو يحصل حزبه على األكـثـريـة فـي الكنيست لو أُجريت االنتخابات اليوم، بينما يبقى فـــوز حـــزب وزيــــره لـأمـن الـقـومـي املتطرف إيــتــمــار بـــن غـفـيـر مـحـفـوفـ بــاملــخــاطــر، أمـا العنصري اآلخر، وزير املالية سموتريتش، فهذا ال يدخل الكنيست أصالً. هؤالء برغم أنــهــم يــــرون فـــي الـفـلـسـطـيـنـيـ صـنـفـ أقــل مــنــهــم، ويُــشــبّــهــونــهــم بـــاألعـــشـــاب الـــضـــارّة والـــثـــعـــابـــ ، فــــإن اإلســـرائـــيـــلـــيـــ بـــرغـــم كل خساراتهم من الجنود، ونزفهم االقتصادي والديموغرافي في عهد نتنياهو، ال يزالون يرون في عناده رمزًا للقوة والثبات، وهذا يـؤشـر إلــى مـــزاج ال يعبأ بـاألخـ قـيـات وال املـــبـــادئ بــقــدر مـــا يـعـنـيـه تـرهـيـب اآلخــريــن وتركيعهم، كوسيلة للبقاء. علمًا أن نتنياهو متهَم بـخـرق الثقة واالحـتـيـال وقـبـول الــرشــاوى أمـــام املحاكم اإلسرائيلية، وبانتظاره مذكرة اعتقال من محكمة الـجـنـايـات الــدولــيــة، وتـلـك سابقة لدولة تَعد نفسها نموذجًا ديمقراطيًا. لكن نتنياهو ال يـــزال يتسلّق األقلية الــديــنــيــة، ويــعــمــل عــلــى تـنـمـيـتـهـا، ويُــكـمـل الـطـريـق، بـرغـم أن الليكود حــزب علماني، وهو بوصفه سياسيًا، ال يعبأ بالدين، بل أكتوبر (تشرين األول) 7 بالسلطة، وبعد أكثر الرجل من االستشهادات الدينية 2023 لــتــجــيــيــش املــــشــــاعــــر، فـــاقـــتـــبـــس مـــــن سـفـر «التثنية» وهو يخاطب جمهوره قائال لهم: «يـجـب أن تـتـذكّــروا مـا فعله عماليق بكم، كما يقول لنا كتابنا املقدّس، ونحن نتذكّر ذلـــك بـالـفـعـل»، والـعـمـالـيـق رمـــز فــي العهد القديم ملن ساقوا حربًا ضد اليهود ظلمًا. وعـــلـــى أي حـــــال، ال يـــتـــرك الـــرجـــل مـنـاسـبـة إال ويُحيل فيها إلـى مقوالت دينية، منها الحديث عن «أبدية إسرائيل»، وعودته إلى نبوءة إشعياء مستشهدًا: «لَن يُسمَع الظُّلم فِي أرْضِك فِيمَا بَعْدُ، وَلَن يَكُون هُنَاك خَرَاب وَدَمَــــار ضمن حــــدُودِكِ، سَــتُــسَــمِّــ أســــوَارَك خ َصًا، وَبَوابَاتِك تَسْبِيحًا». وبـــالـــنـــتـــيـــجـــة، فـــــإن كــــل كـــــ م عــــن حـــل ســــلــــمــــي بــــــــات بـــالـــنـــســـبـــة إلــــــــى نـــتـــنـــيـــاهـــو وحلفائه، يُــعـد تـعـدّيـ على الـوعـد اإللـهـي، فـــغـــزة وعــــدَهــــم الـــلـــه بـــهـــا، وكــــذلــــك الـضـفـة ولبنان وسوريا واألردن، وال بأس بأراض أخرى إن استطاعوا. وخطورة هذا التيار، ليس في العدد، بـل فـي النفوذ والسطوة والتحكم. نشرت وسائل إعالم إسرائيلية أن املتدينني باتوا يـشـكّــلـون نسبة كـبـيـرة مــن املـنـخـرطـ في فــي املــائــة من 60 الـخـدمـة الـعـسـكـريـة، وأن الـــذيـــن قُــتــلــوا فـــي حـــرب لـبـنـان خـــ ل شهر أكــتــوبــر (تــشــريــن األول) الـــحـــالـــي، هـــم من أتباع الصهيونية الدينية، ومن مستوطني الضفة الغربية بالتحديد، وهـو مـا يفسّر دمـــــــوع وزيـــــــر األمـــــــن الــــقــــومــــي إيــــتــــمــــار بـن غفير، على الكُثُر الذين سقطوا في املعارك األخيرة من أصدقائه، فهؤالء زاده ووقوده. ،1973 بـــــــدأ الــــتــــحــــول الـــفـــعـــلـــي بــــعــــد وإنــــشــــاء حـــركـــة «جــــــوش إيـــمـــونـــيـــم» الــتــي غايتها االستيالء على املنطقة الواقعة بني نهر األردن والـبـحـر املـتـوسـط، عبر إنشاء تجمّعات استيطانية، وتدريجيًا تمكّنت هـذه الـحـركـة ومثيالتها مـن قـضـم األفـكـار العلمانية، ليس فـي إسرائيل وحـدهـا، بل عند الفلسطينيني أيضًا، من خـ ل تقوية التيار الديني، والسماح بتمويله ودعمه. ويـدق املـؤرخ املتخصص في الحروب الدينية األوروبية إيلي بارنافي، في سيرته الـذاتـيـة الـتـي صـــدرت قـبـل عــامــ ، نـاقـوس الــخــطــر، مـــحـــذّرًا مـــن مَــغــبّــة هــــذه الــتــيــارات وصداماتها العنيفة. والباحث كان سفيرًا إلسرائيل في فرنسا، ويعرف جيدًا التاريخ األوروبـي الدموي، وينبّه إلى أن ما يحدث في إسرائيل هو نقل للحروب الدينية التي شـهـدتـهـا أوروبـــــا طــــوال الــقــرنــ الــســادس عشر والسابع عشر، ودارت بني الكاثوليك والبروتستانت ومؤيديهم اإلقليميني إلى منطقة الشرق األوسط. في أوروبا لم يتغير الـــوضـــع إال بــعــد مــعــاهــدة ســــ م مـــزدوجـــة وضعت حدًا لكل من حرب الثالثني عامًا في اإلمـبـراطـوريـة الـرومـانـيـة املـقـدسـة، وحـرب الثمانني عـامـ بـ إسبانيا والجمهورية الهولندية، ولم تُدفَن هذه الحروب كليًا إال بعد الحرب العاملية الثانية. والــخــطــر لــيــس عــلــى مـــن تُــرتــكــب بهم الجرائم فقط، بل على مرتكبيها كذلك، فقد شرح املؤرخ اإلسرائيلي إيالن بابيه «أن من حسنات السابع مـن أكتوبر بالنسبة إلى إسرائيل أنه أخّر االنفجار الداخلي ملجتمع مـــتـــصـــدّع ومــــتــــآكــــل، حـــيـــث وجـــــد الـجـمـيـع أنفسهم بحاجة إلى التضامن». لكن باحثًا يهوديًا آخر كان صهيونيًا عــــــاش فــــي إســــرائــــيــــل، هــــو جــــيــــرار حــــــداد، وهـــــو ســيــكــولــوجــي مــــعــــروف، أصــــــدر قـبـل أيــــــــام كــــتــــابــــ غــــاضــــبــــ بـــالـــفـــرنـــســـيـــة حــــول االنحدار اإلسرائيلي، سمّاه «أركيولوجيا الصهيوينة»، شرح فيه أن فكرة «اإلبــادة» بـرُمّــتـهـا لــم تعرفها املنطقة الـعـربـيـة، وقـد اســــتُــــورِدت مـــع إســرائــيــل مـــن الـــغـــرب الـــذي مــارســهــا عـلـى الــيــهــود طـــويـــ ً، ومـمـارسـة اإلبادة إرث بيزنطي قديم، ال عالقة للعرب بــــــه، لـــكـــنـــهـــم لــــأســــف يـــتـــحـــمّـــلـــون تــبــعــات استيراده. فاملنحى الديني املتصاعد خطر على الجميع، واألمل الوحيد هو إخراج القضية الفلسطينية من هذه القوقعة املميتة، إلى أفقها اإلنساني الكبير. OPINION الرأي 12 Issue 16774 - العدد Thursday - 2024/10/31 اخلميس من يهذب األخالق في المجتمع السياسي؟ حرب إسقاط المفاهيم الحروب الدينية مستوردة؟ وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com سوسن األبطح المنحى الديني المتصاعد خطر على الجميع... واألمل هو إخراج القضية الفلسطينية من هذه القوقعة المميتة علم السياسة الحديث يرى أن الدولة قادرة على تحسين المستوى األخالقي داخل المجتمع الوطني نار غزة أصابت مفاهيم مستقرة بمثل ما أصابت البشر ولم تخطئ الحجر سليمان جودة توفيق السيف

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==