issue16773
الثقافة CULTURE 18 Issue 16773 - العدد Wednesday - 2024/10/30 الأربعاء خالد الفرج... شاعر الحلم الخليجي لا يـوجـد شـاعـر يمكنه أن يتمطى بـطـول مساحة الخليج مثلما يحقّ للشاعر خالد الفرج، الشخصية الأدبية التي أثرّت في الحياة الشعرية والثقافية على ساحل الخليج خلال النصف الأول مــن الــقــرن المــاضــي، الـــذي جـسّـد حلماً مـبـكـراً بالتواصل والـــوحـــدة بــ الخليجيين، كـمـا مـثـلّ صـــورة المـثـقـف العضوي المتفاعل مع مجتمعه وعروبته. مـن بـ الألـقـاب الـتـي حملها الشاعر خـالـد الـفـرج «شاعر الخليج»، و«شـاعـر المــ حــم»، لكن الشاعر والمحقق السعودي السيد عدنان العوامي يـرى أن اللقب الأكثر قرباً لحقيقة هذا الـشـاعـر هـو أنــه «شـاعـر المـلـك عبد الـعـزيـز». فقد ألـــفّ العوامي مؤخراً كتاباً بعنوان «خالد الفرج... شاعر الملك عبد العزيز في الخليج»، يقول العوامي: «مهما أطلنا البحث والنبش فلن نجد غير خالد الفرج يصدق عليه عنوان (شاعر الملك عبد العزيز)، ولن نجد ملكاً أو أميراً نظم الفرجُ في مدحه أكثر من الملك عبد العزيز. وحسبه ملحمة (أحسن القصص) و(الخبر والعيان)». كتاب العوامي صدر مؤخراً عن «المجلة العربية» ويقع في صفحة، ويـ حـظ الأديـــب خليل الفزيع أن الشاعر عدنان 344 العوامي «اهتم بالفرج باحثاً متأنّياً، ودارســ جــادّاً، ومتابعاً مـثـابـراً لإرثـــه الـشـعـري، مـا نشر منه ومــا لـم ينشر، إلــى جانب تقديم نماذج من نثره، في هـذا الكتاب الــذي أصبح بين أيدي الـــقـــراء، وقـــد امــتــدت وشــائــج المـحـبـة بــ شــاعــر رحــــل، وشـاعـر وباحث أبى إلا أن يبرز لمحات ملهمة من سيرة وشعر الشاعر». ولـد الشاعر خالد بـن محمد بـن فـرج الـصـراف الـدوسـري، المـعـروف اخـتـصـاراً بخالد الـفـرج، فـي الـكـويـت، بـدايـة سبتمبر ، وهـو ينحدر 1954 ، وتـوفـيّ في لبنان سنة 1898 (أيـلـول) عـام من أصـول سعودية تعود إلـى البدارين من الـدواسـر، ووالدته من إحـدى القبائل القطرية، تلقى علومه في المدرسة المباركية بالكويت، ثم أصبح مدرساً فيها، ثـمّ ارتحل إلـى الهند، حيث أصـبـح كـاتـبـ عـنـد أحـــد الـتـجـار الـكـويـتـيـ فــي الـهـنـد، وأســس فـي مـومـبـاي المطبعة العمومية الـتـي طبع فيها مجموعة من الكتب كان بعضها على نفقة الملك عبد العزيز، وقد درس اللغة الإنجليزية والهندسة خلال عمله هناك، ثم انتقل إلى البحرين لـيـصـبـح مـــدرســـ بــمــدرســة «الـــهـــدايـــة» الـخـلـيـفـيـة، وعـــضـــواً في المجلس البلدي البحريني، ثم عيّنه الملك عبد العزيز مسؤولاً في بلدية الأحساء ثم رئيساً لبلدية القطيف، التي مثلت الفترة الذهبية في حياته، حيث تعرّف فيها على الشعراء والأدباء في السعودية والبحرين، وعن هذه المرحلة يتحدث المؤرخ الراحل محمد سعيد المُسلم، صاحب كتاب «سـاحـل الـذهـب الأســـود»، قائلاً: «إن خالد الفرج قضى معظم حياته في القطيف، وكان لها الفضل في استقراره النفسي، وقد منحها في المقابل إخلاصه ووفـاءه وعصارة أفكاره، واندمج في مجتمعها، وأصبح فرداً منهم، وغـذى الحركة الأدبية فيها، وتـرك أثـراً كبيراً في تطور الحياة الفكرية»، وعن هذا التأثير يقول المرحوم الدكتور عبد الـرحـمـن الشبيلي: «كـانـت إقـامـتـه فـي المنطقة الشرقية الفترة الأكثر خصوبة وحيوية في حياته الفكرية والإداريـة، والأطول من الناحية الزمنية؛ قرابة نصف عمره (...) ووجد من الاستقرار النفسي والمعيشي والوظيفي والأســري ما جعله يتفرغ للفكر والإبـــــداع»، أمــا الـبـاحـث عـدنـان الـعـوامـي فـوصـف عـ قـة الفرج بالقطيف بـ«تشبّث فـريـد»، قائلاً في كتابه الأخير عن الفرج: «ثــمــة مـــا يــشــدّ الانـــتـــبـــاه بـــقـــوّة لــشــدة تـعـلـق الـــفـــرج بـالـقـطـيـف، وتشبّثه بها حتى في أحلك الأزمات». وكــمــا كـــان لـخـالـد الـــفـــرج دور مـهـم فـــي تـرسـيـخ الاهـتـمـام بــــالأدب، فـقـد اهـتـم أيـضـ بـالـنـشـر. يـ حـظ الشبيلي أن الـفـرج «بحكم هوايته للطباعة من خـ ل تجربته السابقة في الهند، بادر إلى تبني إنشاء أول مطبعة في المنطقة الشرقية (المطبعة السعودية بـالـدمـام) التي سعى إلـى تأسيسها بدعم مـن الملك سعود، وقد سافر إلى ألمانيا من أجل شرائها، وتابع تركيبها خـــ ل إقــامــتــه الاسـتـشـفـائـيـة فـــي ســـوريـــا ولــبــنــان فـــي الـعـامـ الأخــيــريــن مـــن حــيــاتــه، لـكـنـه لـــم يـحـضـر تـشـغـيـلـهـا، وقـــد أتـــاح تأسيسها للصحف الأهلية الناشئة في المنطقة الشرقية آنذاك أن تطبع محلياً». نظم خالد الفرج ملحمة «أحسن القصص» التي طُبعت في صفحة، وهي مطولة شعرية غطت 130 في 1929 القاهرة عام العقود الخمسة الأولـى من حياة الملك عبد العزيز منذ ولادته ، والملحمة 1925 ، حتى دخل الحجاز في حكمه سنة 1876 سنة بـيـت. وكـذلـك الملحمة 800 فـصـً تشتمل على 20 مقسمة إلــى بيت، نظمها 500 البائية «الخَبَرْ والعيان في تاريخ نجد» في م، وفي مطلعها: 1948 و 1947 على مرحلتين بين عامي ميرزا الخويلدي توعدها أنبياء التوراة بالصمت والخراب الأبدي صُور مدينة الأرجوان والأساطير والمرايا العصية على الانكسار لأسابيع خلت ظلت مدينة صور أقـرب مدن الـجـنـوب الـلـبـنـانـي إلـــى فـلـسـطـ ، تـعـج بعشرات الآلاف من أبنائها المقيمين، وبـأعـداد مـوازيـة من الذين أجبرهم القصف الإسرائيلي المتمادي على الـهـبـوط مـن قـراهـم المـهـدمـة بـاتـجـاه المـديـنـة التي بـحـثـوا بـــ جـنـبـاتـهـا عـــن مــــ ذ مــؤقــت وسكينة متخيلة. ومــع أن الـ ئـذيـن بــجــدران صــور كانوا يـدركـون بحكم التجارب المتكررة أن الـعـدو الـذي يـواجـهـونـه لا يقيم حـرمـة لـرمـز مـقـدس أو لمكان ضـــارب فـي الــقِــدم، فإنهم تشبثوا واهـمـ بفكرة أن العدو لن يقْدم على قصف المدينة ذات التاريخ الحافل، التي وضعتها منظمة اليونيسكو قبل عقود على لائحة التراث العالمي. ولـم يكن جمال صـور الأخـــاذ، وهـي المسدّدة «كالطعنة الأبـديـة فـي جسد البحر»، ليشفع لها بشيء عند العدو المتربص بها منذ زمـن طويل. ولا شـفـعـت لـبـحـرهـا مـيـاهـه الــــ زورديــــة الـرائـقـة والأقــل تلوثاً والأكـثـر نقاء على امـتـداد السواحل المتوسطية. ولم يكن ليأبه بانفتاح شهية المدينة على الحياة، الأمر الذي دفع بسكانها إلى إنشاء عشرات الفنادق والمطاعم والاستراحات والمقاهي، محولين ساحلها الجنوبي إلى كرنفال من الفرح الاحتفالي والمتعة الخالصة. لا بل إن هذه الميزات بــالــذات هــي الـتـي أثــــارت حفيظة قـــادة إسـرائـيـل، فقرروا الانتقام من المدينة عبر تحويلها إلى ركام. الـ فـت أن الحقد الإسرائيلي على صــور لم ينحصر بــحــدود حـاضـرهـا الـــراهـــن، بــل انسحب بـمـفـعـول رجــعــي عـلـى مــاضــي المـديـنـة ومنجزها الحضاري وتاريخها العريق. فالقصف الممنهج لـــلـــطـــائـــرات الــــعــــدوة، تـــجـــاوز الــــشــــوارع والأبــنــيــة الحديثة ليطول الأحياء القديمة التي تعود إلى الـعـصـريـن الـعـثـمـانـي والمــمــلــوكــي، ولـيـطـول فـوق كل ذلك الآثـار الفينيقية والرومانية التي لا تزال أعمدتها المتبقية شاهدة على عظمة سيدة البحار الــتــي اتــســع نــفــوذهــا ذات يـــوم لـيـشـمـل المـتـوسـط بأسره وأجزاء غير قليلة من القارات الثلاث للعالم القديم. على أن الباحث المتأمل في تاريخ صــور، لا بــد لــه أن يـجـد صـلـة مــا بــ رغـبـة قـــادة إسـرائـيـل الـــحـــالـــيـــ فــــي الانـــتـــقـــام مــــن تـــاريـــخـــهـــا الـــعـــريـــق، وحرص أنبياء التوراة على أن لا تقوم لها قائمة، بدعوى منافستها لأورشليم، وغـرورهـا المتفاقم المتأتي عن ازدهـار تجارتها واتساع نفوذها بين الأقـالـيـم. فها هـو أشـعـيـاء يهتف بصوته الـراعـد والموزع بين الرثاء والشماتة: «مَن قضى بهذا على صُـور المتوّجة التي تجارها رؤســاء. متسبّبوها موقّرو الأرض. قضى به ليدنّس كبرياء كل مجد ويــهــ كـــل مـــوقـــري الأرض. مـــد يـــده عـلـى البحر فـــأرعـــد المـــمـــالـــك. وأمـــــر الـــــرب مـــن جــهــة كــنــعــان أن تخْرب حصونها. وقال لا تعودين تفتخرين أيتها المنهكة العذراء بنت صيدون». وما قاله أشعياء في كلامه على صور، أعاد حزقيال تظهيره بشكل أكثر وضوحاً، فاعتبر أن مصير المدينة القاتم ليس مردّه إفراطها في الثراء والأنفة والنفوذ فحسب، بل إمعانها في السخرية المتعالية من مملكة يهوذا. وهو يُورد على لسان الإلــه العبري قوله: «يـا ابـن آدم من أجـل أن صور قــالــت عــلــى أورشـــلـــيـــم هـــه قـــد انــكــســرت مـصـاريـع الشعوب. هأنذا أُصعِدُ عليك يا صور أمماً كثيرة كما يُعلي البحر أمواجه، فيخربون أسـوار صور ويهدمون أبـراجـهـا، فتصير مبسطاً للشباك في وسـط البحر. لأنـي أنـا تكلمتُ يقول السيد الـرب يُقتل شعبكِ بالسيف وتسقط إلى الأرض أنصاب عـــزك، وأبــطِــلُ صـــوتَ أغـانـيـكِ وصـــوتُ أعــــوادكِ لن يُسمع بعد». والــواقــع أن صــور منذ تأسيسها فـي الألـف الــثــالــث قـبـل المـــيـــ د، قــد بـــدت مـديـنـة واقــعــة على التخوم الفاصلة بين الوقائع والأساطير، فإليها تنتمي أوروبـــا ابنة الملك الفينيقي آغينور التي اختطفها زيوس، كبير آلهة الأولمب، بعد أن اتخذ شكل ثـور هائج وعبر بها البحر عائداً إلـى بلاد اليونان، لتهدي الفتاة اسمها إلى القارة بأسرها. وإلـيـهـا ينتسب قــدمــوس الـــذي أرســلــه أبـــوه لكي يعيد أخته المختطفة إلى ديارها، حتى إذا تعذر عليه تنفيذ الوصية، اكتفى بنقل حروف الأبجدية إلى بلاد اليونان. وصور هي مدينة أليسار التي لـم تجد مـا تفعله إثـر وفــاة أبيها المـلـك، وخوفها من بطش أخيها بغماليون، سوى الإبحار باتجاه الــــغــــرب، لــتــؤســس مـمـلـكـة قـــرطـــاجـــة الـــتـــي راحـــت تنافس رومــا في غير ساحة ومضمار. والأغــرب من كل ذلك أن صور، التي يجهد العدو في الانتقام منها، هي نفسها المدينة التي اتصل داود النبي بملكها حــيــرام بـهـدف مـسـاعـدتـه فــي بـنـاء هيكل لـــلـــعـــبـــادة، حــتــى إذا حـــالـــت الــــحــــروب المــتــواصــلــة دون تحقيق رغبة داود، تولى ابنه سليمان بناء الهيكل بــمــؤازرة مـن حـيـرام الـــذي أمـــده بـعـدد من المهندسين والبنائين، ووفــر لـه أخشاباً مقتطعة من أرز لبنان. ورغم أن المدينة كانت تؤثر التجارة على الـحـرب والـثـقـافـة على الـعـنـف، شأنها في ذلـــــك شـــــأن شــقــيــقــاتــهــا الــــثــــ ث جــبــيــل وصـــيـــدا وبـيـروت، فقد صمدت لسنوات طــوال فـي وجه أسرحدون ونبوخذ نصر والإسكندر المقدوني. وهي إذ تعرضت للتدمير والخراب الكامل في الحقبة المملوكية، لم يكن بوسعها أن تحافظ بعد أن شـاخـت، على مكانتها السابقة وألقها الـقـديـم، فتحولت كـمـا وصـفـهـا بـعـض الـرحـالـة الأجانب إلـى مرفأ صغير للصيادين. إلا أنها، مـــتـــحـــالـــفـــةً مــــع المــــاضــــي ومـــســـلـــحـــة بــأحــ مــهــا المــجــردة، كـانـت تحسن الـخـروج مـن بـ الـركـام كلما كسرت ظهرها مكائد الطامعين. غــيــر أنـــنـــي لا أسـتـطـيـع أن أخــتــتــم الـحـديـث عن صـور دون الإشـــارة إلـى ما يربطني بها على المـسـتـوى الـشـخـصـي مــن وشــائــج قــربــى وصــ ت عاطفية قديمة. فقد شكلت صور ولا تـزال الجزء البحري من المشهد الساحر الذي ما فتئت تتكحل به عيناي، بحكم تربّع قريتي زبقين فوق الهضاب المـطـلـة عـلـى المــديــنــة مـــن جـهـة الــجــنــوب الـشـرقـي. وصـور هي المدينة التي احتضنت زمـن دراستي الأولى، وشطراً من طفولتي وصباي، قبل أن أزاول التعليم في ثانويتها الرسمية لسنوات عدة. وإذ تربطني بالمدينة أرتـــال لا تحصى من الذكريات، أستطيع الآن أن أستعيد حالة النشوة الـــغـــامـــرة الـــتـــي ســـــرتْ بـــ حــنــايــاي لــــدى وصـــول الممثلة الفرنسية بريجيت بـاردو إلى مرفأ صور لـــزيـــارة آثـــارهـــا ومـعـالمـهـا، وقـــد طُــلــب إلـيـنـا نحن تلامذة المـــدارس أن نقف متراصفين في استقبال الفاتنة الشقراء، في أوائل ستينات القرن المنصرم. كــمــا أتـــذكـــر فـــي الـــوقـــت ذاتــــــه، الــســحــنــة الــســمــراء والـــقـــامـــة الـــفـــارعـــة لـلـرئـيـس الـسـنـغـالـي لـيـوبـولـد سيدور سنغور، الذي قدم إلى صور، وهو الشاعر المرهف، للوقوف على أطلالها القديمة، والإصغاء إلـــى أصــــوات أزمـنـتـهـا الــغــابــرة. ومـــن بــ أطـيـاف المـاضـي وترجيعاته ترتسم فـي مخيلتي ملامح الشبان الثلاثة، الذين قـرروا قبل تسعة عقود أن يصمّوا السمع عن مناشدات ذويهم لهم بالامتناع عن السفر إلى أفريقيا الغربية للحصول على لقمة العيش. حتى إذا غادر المركب الذي استقلوه مرفأ صـور وبــات فـي عـرض البحر، ظهرت لهم بشكل جلي معالم قريتهم على الهضاب المقابلة، فيما كــــان ذوو المــســافــريــن يــتــابــعــون مـــن الأعـــلـــى خط سير المركب المبحر باتجاه الغرب. وفجأة خطرت لإحـــــدى الـــنـــســـاء الــلــمــاحــات فـــكـــرة اقـــتـــ ع المـــرايـــا المثبتة في خزائن البيوت والصعود إلى السطوح، والتلويح بها قبالة المركب المغادر. حتى إذا لمعت المــــرايــــا فـــي وجـــــوه الـــشـــبـــان، شـــعـــروا بــــأن شمس الجنوب كلها تتجمع في عيونهم وتحثهم على العودة، فلم يكادوا يصلون إلى مرفأ الإسكندرية، حتى غلبهم الحنين وعادوا أدراجهم إلى أحضان الأماكن التي غادروها. وإذا كـــان الـــعـــدو، أخـــيـــراً، قـــد أراد مـــن خـ ل قصفه لـصـور، كما لمحيطها الـريـفـي، أن يضرب الـذاكـرة الجمعية لسكانها، وأن يهدم حاضرها وماضيها ومستقبلها فـي آن واحـــد، فهو مـا لن يفلح فـي تحقيقه، لأنــه لـن يستطيع مهما أمعن فـي اعتدائه البربري على المدينة، أن يضرب في دواخـــل أبنائها أمـاكـن الحنين وإرادة الصمود، وهــي التي دحــرت بعنادها كـل فـاتـح، وتـجـاوزت بـنـجـاح كــل امـتـحـان لـلـبـقـاء، وخــرجــت ظــافــرة من كل زلزال. الحقد الإسرائيلي متربضبصور منذزمنطويل (أ.ف.ب) شوقي بزيع الحقد الإسرائيلي علىصُور لم ينحصر بحدود حاضرها الراهن بل انسحب بمفعولرجعي على ماضي المدينة ومنجزها الحضاري وتاريخها العريق نسور الدُوْر من معبد «شمش» الإماراتي كشفت أعـمـال المـسـح والتنقيب المتواصلة منذ بضعة عـقـود فـي أراضـــي الإمــــارات العربية المــتــحــدة عــن سلسلة مــن المـــواقـــع الأثـــريـــة، منها موقع الـــدُوْر الـذي يتبع اليوم إمــارة أم القيوين، حيث يقع على الـجـانـب الأيـمـن لـشـارع الاتـحـاد الــــذي يــــؤدي إلـــى إمــــارة رأس الـخـيـمـة مــن جهة، وإمارتي الشارقة ودبـي من جهة أخـرى. يحوي هـــذا المـــوقـــع أطــــ ل مـسـتـوطـنـة مــنــدثــرة، خـرجـت منها مجموعة كبيرة من اللقى المتنوعة، تعود إلـى الفترة الممتدة مـن الـقـرن الثالث قبل الميلاد إلـــى الـــقـــرن الأول لـلـمـيـ د، مـنـهـا ثــ ثــة تماثيل حجرية تصويرية تمثّل طيوراً جارحةً. خــــرج مــوقــع الـــــــدُوْر مـــن الـظـلـمـة إلــــى الــنــور في مطلع سبعينات القرن الماضي، حين ظهرت بــعــض الــلــقــى الأثــــريــــة فـــي أرضـــــه خــــ ل تشييد طـريـق سـريـع يمتد عـلـى خــط الــســاحــل. شرعت 1973 بعثة عـراقـيـة باستكشاف المـوقـع فـي عــام تحت إشـــراف الـدكـتـور طـــارق مظلوم، وواصـلـت عملها فـي الـعـام التالي، وظـهـرت المعالم الأولـى لمستوطنة الدُوْر خلال هذا المسح، وتبّ أن هذه المستوطنة تـضـمّ بقايا حصن لـه أبــــراج. أثــارت هذه الأبحاث اهتمام عدد من كبار علماء الآثار، فـي مقدمهم المستشرق الفرنسي جــان فرنسوا ســـــال الــــــذي قـــــاد فــــي مــطــلــع الــثــمــانــيــنــات بـحـثـ ميدانياً مكثّفاً فـي المـوقـع، انـصـبّ بشكل خاص على جمع اللقى الفخارية المتناثرة على سطح الأرض. دراســــةً 1984 نـشـر جـــان فــرنــســوا ســـال فــي خــاصــةً عــن الــفــخــاريــات الــتــي عـثـر عليها خـ ل المسح الذي قام به، وبعد سنوات، قرّرت السلطة المحلية إقامة مطار في المنطقة، واتّضح أن هذا المشروع من شأنه أن يقضي على الدُوْر، فسارعت السيدة شيرلي كاي، قرينة القنصل البريطاني فـي دبــي، إلــى الاتـصـال بالعالِم الفرنسي ريمي بــــوشــــارلار الـــــذي كــــان يـــديـــر يــــومــــذاك بــعــثــة في مــوقــع مـلـيـحـة الــتــابــع لإمـــــارة الـــشـــارقـــة، وحـثّـتـه على العمل سريعاً لإنـقـاذ المـوقـع، فلبّى الـنـداء، ونـظّـم مـؤتـمـراً عالمياً تحت عـنـوان الـــــدُوْر. نجح المؤتمر، وتناوبت أربــع بعثات تنقيب أوروبية 1987 على العمل في الموقع في الفترة الممتدة من . قــدمــت هـــذه الـبـعـثـات مــن الــدانــمــارك 1995 إلـــى وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا، وشاركت كل منها في التنقيب خلال مواسم عدة، تراوحت مدّة كلّ منها بين الشهر والشهرين. عملت البعثة البلجيكية مدى تسع سنوات تـحـت إشـــــراف الــعــالِــم إيـــرنـــي هــايــريــنــك، وكـانـت أول اكتشافاتها الكبيرة معبد تحيط بما تبقّى مــن أســســه كـثـبـان رمـلـيـة شــرقــ وجــنــوبــ . يعود هذا المعبد إلى القرن الميلادي الأول كما أظهرت الــــدراســــات المــتــأنــيّــة الـــ حـــقـــة، وهــــو شــبــه مــربّــع الـشـكـل، إذ يـــتـــراوح طـــول كــل ضـلـع مــن أضـ عـه متر، ويتميّز بمدخلين متقابلين من 8.5 و 8 بين جهتي الشرق والـغـرب، وتتقدّم المدخل الشرقي بقايا مصطبة تحدّها كتلتان ناتئتان على شكل قاعدتين. شُيّد البناء بحجارة محليّة ذات أساس كلسي، استُقدمت كما يبدو من نواحي الموقع، وبعضها مـن حجر المــرجــان. زُيّـــن جـــزءٌ مـن هذه الحجارة بحلية مـن النقوش بقيت منها بضع زخارف هندسية على عضادتَي المدخل الشرقي. بــــ أطــــــ ل هـــــذا المـــعـــبـــد، عُـــثـــر عـــلـــى حـجـر على شكل حــوض يحمل نقشاً باللغة الآرامـيـة يتألف من تسعة أسطر احتار أهل الاختصاص فــي قــراءتــهــا. حـــوى هـــذا الـنـص المـلـتـبـس عـبـارة «شمش»، وهي اسم معبود معروف في بلاد ما بين النهرين، وهو في نص آرامي يُعرف بـ«كتاب أحــيــقــار» سـيـد الــعــدالــة الــــذي «لا يــشــرق شمسَه عـلـى الــشــريــر»، وحــامــي المـنـكـوبـ والمـظـلـومـ ، كما يُستدل من حكمة تقول: «إذا أمسك الشرير طرف ردائـك، فاتركه في يـده، والجأ إلى شمش، فــهــو يـــأخـــذ مـــا لـــه ويــعــطــيــك». مـــن جــهــة أخــــرى، كشفت أعمال التنقيب عن تمثالين متشابهين من الحجم المـتـوسّـط، وصـ بشكل مجتزأ للأسف، إذ فـقـد كــل منهما رأســــه. صُـنـع هـــذان النصبان مـن الحجر الـرمـلـي الـبـحـري، وهـمـا متشابهان، ويـمـثّـل كــل منهما طـيـراً جــارحــ مــن الـنـسـور أو مـن الصقور. ورأى بعض المختصين أن كــًّ من هذين النسرين كان في الأصل رابضاً على قاعدة من القاعدتين البارزتين القائمتين عند مصطبة المدخل الشرقي، وتمّ ربطهما بالمعبود «شمش» الــــذي ورد ذكــــره بـشـكـل لا لـبـس فـيـه فــي النقش الآرامي الغامض الذي دُوّن على الحوض. يـتـشـابـه نــسـرا مـعـبـد الــــــدُوْر، غـيـر أنـهـمـا لا يـتـمـاثـ ن بشكل مـطـلـق، ويـتـمـيّـز واحـــد منهما بـانـتـصـابـه فــــوق رأس ثــــور يـظـهـر فـــي وضـعـيـة المواجهة بشكل مستقلّ، وفقاً لتأليف معروف، اعتُمد بشكل واسع في جنوب الجزيرة العربية. سنتمتراً، 45 يبلغ طول النسر مبتور الرأس نحو وهو ثابت في جمود تام، مطبقاً بجناحيه على صدره. تزين كًّ من التمثالين شبكة من النقوش الزخرفية المتجانسة تمثّل ريش الطير، واللافت أن هـاتـ الشبكتين تختلفان فــي تقاسيمهما بشكل جلي. تبدو قائمتا النسر المنتصب فوق رأس الثور مستقيمتين، وتعلوهما سلسلة من الخطوط العمودية تظهر في القسم الأسفل، فوق المخالب البارزة. في المقابل، تبدو قائمتا النسر الآخر منحنيتين بشكل طفيف، وتخلوان من هذه الخطوط العمودية. ثلاثة نسور حجرية من موقع الدُوْر في إمارة أم القيوين محمود الزيباوي ُالنصالكامل على الموقع الإلكتروني ٌإلى مَجدِكَ العَلياءُ تُعزَى وتُنسَب ُوفي عَدْلِكَ الشَرْعُ الشَريفُ مُمَثَل ُوفي ذِكْرِكَ التَاريخُ يُمْلِي ويَكتُب وفي حُكمِكَ الأمثالُ تُتلى وتُضْرَب
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky