issue16773

أيـــام قليلة تفصل الأميركيين وبقية شـعـوب الـعـالـم على نهاية السباق الأميركي للاستحواذ على البيت الأبـيـض لمدة أربــع سـنـوات. ويـبـدو للمراقب الخارجي وكــأن الـكـرة الأرضية توقفت عن دورانها ترقّباً لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية. أغــلــب الــتــقــاريــر الإعـــ مـــيـــة الأمــيــركــيــة حــــول الانــتــخــابــات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل تشير، 5 الرئاسية المقبلة يـوم بشكل أو آخـــر، إلـــى أن العملية الانـتـخـابـيـة قــد لا تـمـر بـسـ م. وبعضها يشير إلى احتمال حجب النتيجة النهائية إلى فترة زمنية مـتـأخـرة حتى تتمكن المـحـاكـم مـن الفصل فـي القضايا المــرفــوعــة مــن الـجـانـبـ . الـتـوتـر الأمــنــي لا يـخـفـى، بــالأخــذ في الاعتبار أن أحد المرشحين (الجمهوري دونالد ترمب) تعرض إلـــى مـحـاولـتـي اغــتــيــال. كــــادت الأولـــــى مـنـهـمـا أن تـقـضـي على حياته، لولا تدخل حُسن الحظ. آخر ما اطلعت عليه من تقارير إعلامية يؤكد على ازدياد الــتــهــديــدات المــوجــهــة لـلـعـامـلـ فـــي تـلـك المـــراكـــز مـــن قـبـل أفـــراد وجـــمـــاعـــات، وأن كـثـيـراً مـــن أولـــئـــك الأفـــــراد تــعــرضــوا لـ عـتـقـال والمــثــول أمـــام مـحـاكـم، وأن الـسـلـطـات الـفـيـدرالـيـة المتخصصة، وتشمل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الأمن الوطني على يناير (كانون الثاني) 6 أهبة الاستعداد لمنع تكرار ما حدث يوم في الكونغرس. 2021 آخـــــر اســـتـــطـــ عـــات الـــــــرأي الــــعــــام تـــحـــت إشـــــــراف صـحـيـفـة «ذا نـــيـــويـــورك تـــايـــمـــز»، و«ســـيـــيـــنـــا كــــولــــيــــدج»، ونــــشــــرت يـــوم الاثــنــ المـــاضـــي، تـشـيـر إلـــى عـــدم تــقـدم أي مــن المـتـرشـحـ عن فـي المـائـة مـن الأصـــوات. 46 الآخـــر. كلاهما تحصل على نسبة ولايـــات هـو مـن سيقرر الـفـائـز. الــولايــات المعنية هي: 7 وعـــدد أريزونا، ونيفادا، ونـورث كارولاينا، وويسكنسن، وجورجيا، وميشيغان، وبنسلفانيا. وحـتـى فـي هــذه الــولايــات لا يتقدم مرشح على آخر في نسبة الأصوات، رغم ملايين الدولارات التي أنفقت على الدعاية من قبل الحزبين. الــ فــت لـ نـتـبـاه الــتــطــورات الأخـــيـــرة الــتــي تـابـعـنـاهـا في وسائل الإعـــ م، والمتعلقة بالدعم المفاجئ وغير المتوقع الذي قدمه العرب والمسلمون الأميركيون للمرشح الجمهوري ترمب في ولاية ميشيغان مؤخراً. مــــن جـــهـــة أخـــــــرى، ذكــــــرت تـــقـــاريـــر إعـــ مـــيـــة أن المــرشــحــة الـديـمـقـراطـيـة كــامــالا هــاريــس ستتلقى دعــمــ هــي الأخــــرى من الـــعـــرب الـفـلـسـطـيـنـيـ والـــعـــراقـــيـــ . أهــمــيــة ولايـــــة مـيـشـيـغـان صـوتـ في 15 للمرشحين نـابـعـة مــن حقيقة أنـهـا تمتلك عـــدد المجمع الانتخابي. الـنـاخـبـون الأمـيـركـيـون بـــدأوا فعلياً مبكراً عملية الإدلاء بـــأصـــواتـــهـــم فــــي صـــنـــاديـــق الانـــتـــخـــابـــات فــــي مــــراكــــز الاقــــتــــراع 40 وعبر البريد. التقارير الإعلامية الأميركية تؤكد أن قـرابـة مـلـيـون نــاخــب فــي ولايــــات عــــدة، أدلــــوا بــأصــواتــهــم، قـبـل قـرابـة نـوفـمـبـر المـقـبـل، وأن النسبة 5 أسـبـوعـ مــن الــيــوم المــقــرر فــي الأعـلـى مـن الأصـــوات المبكرة ذهبت إلـى المرشحة الديمقراطية كـــامـــالا هـــاريـــس. الــتــقــاريــر الإعــ مــيــة تــقــول إن الأمــــر لا يـخـرج عـن نـطـاق الاعـتـيـاديـة، حتى فـي الانـتـخـابـات الـتـي خسر فيها الديمقراطيون فـي المجمع الانتخابي. القضايا الرئيسية في الحملات الانتخابية للمرشحين يمكن إجمالها في ثلاثة أمور، وهـــي: الـهـجـرة، والاقــتــصــاد، وحــق الإجــهــاض. يـتـفـوق المـرشـح الجمهوري على منافسته الديمقراطية في استطلاعات الرأي العام في موضوعي الهجرة والاقتصاد، في حين تتقدم المرشحة الديمقراطية في النقاط في قضية حق الإجهاض. عــلــى مــســتــوى الـــجـــنـــدر، تــبــ أن هـــاريـــس تـتـمـتـع بــفــارق كبير فـي نسبة الـدعـم بـ الـنـاخـبـات، فـي حـ يتفوق المرشح ترمب في نسبة الدعم بين الناخبين الرجال بفارق واضـح في النقاط. الـ فـت للاهتمام أن المرشحة الديمقراطية هـاريـس لا تجد دعـمـ وترحيباً مـن الــرجــال الــســود، على نحو يـذكـر بما ، حــ تـعـرضـت لحملة 2016 حـــدث مــع هــيــ ري كلينتون عـــام نسوية عدائية ضدها. الناخبون الأميركيون السود يرفضون الإدلاء بأصواتهم لامــرأة ســوداء البشرة. والنساء الأميركيات البيض فعلن الشيء نفسه سابقاً ضد مرشحة بيضاء البشرة لعجرفتها، حسبما تبين. المــؤشــرات أغلبها، حتى الآن، تميل لصالح فــوز المرشح ترمب في الانتخابات، وعودته ظافراً إلى البيت الأبيض. لكنّ ليست المـؤشـرات ونتائج استطلاعات الــرأي العام من يقرر أياً ،2025 مـن المـرشـحـ سيدخل البيت الأبـيـض فـي شهر يناير إذ لو كـان الأمـر كذلك، لتمكنت المرشحة الديمقراطية هيلاري من الفوز، ولكانت أول امـرأة تتولى رئاسة 2016 كلينتون عام أميركا. وتظل مسألة انقسام الجاليات العربية والإسلامية في الموقفمن المرشحين أمراً لافتاً للاهتمام. وعلىحسبعلمي، فإن أغلبهم صوّت في الماضي لصالح مرشحي الحزب الجمهوري. ويبدو أن تأثيرات حرب الإبـادة الإسرائيلية ضد غزة قد ألقت بظلالها على المشهد الانـتـخـابـي الأمـيـركـي، وأدت إلــى عـزوف كثيرين عن الإدلاء بأصواتهم للمرشحة الديمقراطية، بسبب سـيـاسـات إدارة الـرئـيـس بــايــدن فــي الــشــرق الأوســــط، وموقفه الــداعــم لإسـرائـيـل. وكـأنـهـم بـذلـك يمنحون المـرشـح الجمهوري صك بــراءة من مواقفه المـؤيـدة لإسرائيل خـ ل فترة حكمه من ، رغم أنه يعد الرئيس الأميركي الوحيد الذي تجرأ 2020 - 2016 على الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل. أهــــم مـــا يـــــدور فـــي جــلــســات الاجـــتـــمـــاعـــات الـــدولـــيـــة، ليس بالضرورة ما يُحشَد فيها من أعداد غفيرة من حضور، أو يصدر عنها من بيانات يستغرق مُعِدّوها ساعات طوالاً فيصياغتها، ولكن الأهـم ما يجري في اجتماعات صغيرة بدعوات خاصة، وتتبع هـذه الاجتماعات مـا يُـعـرف بقواعد «تشاتام هــاوس»، نسبةً إلى اسم المركز الفكري البريطاني، ووفقاً لها فمن الممكن استخدام المعلومات المتداولة، ولكن من غير المسموح نسبة ما قيل لأي شخص من الحضور، تشجيعاً للحوار. والاجـــتـــمـــاعـــات الـــتـــي انــتــهــت فـــي واشــنــطــن مــنــذ أيـــــام في إطـار الملتقى السنوي لمؤسستَي بريتون وودز- البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ليست استثناءً من هذا النمط المتصاعد في المشاركة، ففي حين أن الغرض الأساسي من الاجتماعات هو الشق الرسمي لها، المتمثل في انعقاد لجنة التنمية لمجموعة البنك الدولي، واللجنة الدولية النقدية والمالية لصندوق النقد الدولي، اللتين تجتمعان مرتينسنوياً، فإن ما يحدث خارجهما من لقاءات واجتماعات وندوات يحظى بإقبال متزايد واهتمام مستحَق. ولعلك اطلعت على ما انتهت إليه تقارير المؤسستين عــن الــوضــع الاقــتــصــادي الـعـالمـي الــبــائــس، الـــذي يعكس بـؤس مـا آلــت إلـيـه البشرية مـن أحـــوال الـحـرب والـصـراعـات المباشرة وبالوكالة، وزيادة الديون والفقر، والتفاوت الشديد في الدخول والثروات، وتدهور المناخ. إن مـتـوسـط مـعـدل الـنـمـو الاقــتــصــادي الـعـالمـي مـتـوقـع له فـي المـائـة، وبتفاوت 3.2 الاسـتـقـرار عند مـعـدل متواضع يبلغ تتمكّن فيه الولايات المتحدة من الاحتفاظ بصدارة النمو بين في المائة، في عامَي 2 في المائة، و 2.8 الاقتصادات المتقدمة عند فــي المــائــة، 6.5 ً ، وتـنـمـو فيهما الـهـنـد مــتــجــاوزة 2025 و 2024 في 4.5 ومرتفعة عن الصين التي يحوم معدل النمو فيها حول المـائـة، بينما تُـصـارع بلدان أوروبـيـة السقوط في هـوة الركود في المائة. 1 عند معدلات نمو لا تتجاوز أمـا البلدان العربية والأفريقية فمعدلات نموها تتراوح في المائة، ولا تكفي لتحقيق أهداف التنمية 4 في المائة و 2 بين المستدامة، وهي أدنى باستثناءات معدودة عن متوسط معدل الـنـمـو الاقــتــصــادي الـعـالمـي، بـمـا يُــنــذر بـمـزيـد مــن الـتـبـاعـد عن البلدان الأكثر تقدماً، كما أن نمو هـذه البلدان، على عكس ما تتفوّق به مجموعة دول الآسيان البازغة، يعاني من التركز في قطاعات متدنية الإنـتـاجـيـة، وضعيفة التنافسية، ومـحـدودة القدرة على توليد فرص عمل لائقة للشباب. ويهدّد هذا النمو المتواضع صدماتٌ خارجية، وانعكاسات الـــســـيـــاســـات الـــصـــنـــاعـــيـــة، والإجــــــــــــراءات الـــحـــمـــائـــيـــة، والـــقـــيـــود المـتـزايـدة المـفـروضـة على الـتـجـارة والاسـتـثـمـار والمستحدثات التكنولوجية، فضلاً عن تداعيات أزمة المديونية الصامتة التي تعاني منها بلدان نامية تجاوزت فيها خدمات الديون ما تنفقه على أهــداف التنمية المستدامة، بما في ذلـك التعليم والرعاية الصحية. وفي هذه الأثناء تتراجع معدلات التضخم عالمياً إلى ، وهو 2022 فـي المـائـة فـي عـام 8.6 فـي المـائـة، بعدما بلغت 5.8 أعلى متوسط لها منذ بدء جائحة كورونا وما تلاها من أزمات، في المائة في عام 4.3 ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى في 2 ، وفـي حين يتراجع معدل التضخم مقترباً من رقـم 2025 المائة بالبلدان المتقدمة، فـإن أرقــام التضخم تصل لعدة أمثال هذا الرقم، كما أن تكلفة المعيشة الباهظة، مع تراكمات متوالية مرتفعة، ثـم منخفضة، لـزيـادة الأسـعـار فـي الـسـنـوات الأخيرة أثقلت الكواهل بما لا تحتمل. ربما تيسّرت سبل دعم منخفضي الـدخـل بـدعـمٍ عيني أو نـقـدي، مـشـروط أو غير مـشـروط، ولكن المعضلة الـكـبـرى تــواجــه فـئـات دخـــل الطبقة الـوسـطـى الـتـي لا تتوفر لها سبل مساندتها، وهــي التي لـم تعتَد مـن قبل على تلقّي دعــم لأسـبـاب المعيشة، ولا تجد فـي تلقّيه انسجاماً مع أحوالها وتطلّعاتها أصلاً، وترى فيما يجري اعترافاً لما تعانيه مــن تــدهــور لــم يـكـن فــي حـسـبـانـهـا، وقـــد تـــكـــرّرت وعـــود بـــأن ما أصابها من شظف العيش مؤقت وانتقالي، فـإذا بها تـدرك أن الأحـــوال المؤقتة طالت لتفرض واقـعـ جـديـداً، وستظل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في الأجل المنظور عُرضةً لتقلبات في أسعار الوقود والغذاء، وتكاليف نقلهما، بسبب الصراعات الجيوسياسية. في هذا العالم الشديد التغير، من العبث ذهنياً وعملياً، الاســتــعــداد لـتـحـديـاتـه بـتـهـافُـتِ مَـــن اسـتـعـدّ بأسلحة مواجهة الـحـرب السابقة، كحال مـن أقــام الخطوط الدفاعية الحصينة لمنع تقدم الألمان غزواً لفرنسا؛ انتفاعاً بدروس الحرب العالمية الأولـــى، فيما عُــرف بخط «ماغينو» على اســم مـؤسّـسـه، فجاء الاقـــتـــحـــام فـــي الـــحـــرب الــعــالمــيــة الــثــانــيــة مـــن بـلـجـيـكـا، فــكــم من خـــط لمـاغـيـنـو تـجـتـهـد الـــــدول فـــي تـأسـيـسـه بـتـكـالـيـف بـاهـظـة، وبافتراضات سخية التضليل بـأن مكمن الخطر في الحاضر والمستقبل أيضاً هو ما كان في ماضي انتصاراتها أو هزائمها، ظناً منها أنها تُحسن صنعاً. الانـتـفـاع بـالـتـاريـخ لا يـكـون بــالإفــراط فـي الـظـن أنــه يُعِيد نفسه، وأن قوى الأمس هي قوى اليوم والغد، بل بتمكين عموم الناس من التعامل مع تحديات المستقبل وفُرَصه بالاستثمار في عقولهم ومهاراتهم، ورعايتهم صحياً. فمن ثوابت الأمـس ما قد تبدّل وتغيّر، ومن متغيراته ما ركد من دون حـراك، وحتى نستكمل النقاش، لك هذا المثال عن الـثـوابـت والمـتـغـيـرات عـلـى طـريـقـة «تـشـاتـام هــــاوس» المــذكــورة: حدثني أحـد العالمين بــإدارة مخاطر التمويل، فقال: «لقد كنت أديـر تمويلي لمصانع أوروبــا على ثوابت ثـ ث: طاقة رخيصة ومتدفقة مـن روســيــا، وســـوق مفتوحة لمـكـونـات الإنــتــاج وبيع المنتج النهائي في الصين، وتحالف أمني مع الولايات المتحدة»، ونعرف ما جرى للثابتَين الأوّلَين من تغيّر في الأعوام الأخيرة، وسنعلم ما سيجري للثابت الثالث خلال أيام بعد فرز أصوات الناخبين للساكن الجديد في البيت الأبيض. فـي ظــلّ الـحـاجـة المُـلـحّـة إلــى حجج سـجـالـيّـة جـــديـــدة، بـعـد تـهـالُـك نـظـريّـات «الــحــمــايــة» و«الــــقــــوّة» الـلـتـ يـوفّـرهـمـا «حـــزب الـلـه» للبنان، يــتــردّد، فـي البيئة المدافعة عن الحزب نفسه، أنّ اللبنانيّين لـــم يـبـنـوا دولـــــة، وأنّـــهـــم لـــم يـفـعـلـوا هـذا بــســبــب الــطــائــفــيّــة ومـــــا نــجــم عــنــهــا مـن فساد ومحاصصة. وما دام الأمر كذلك، بــات كــلّ عمل مــعــذوراً فـي الـحـدّ الأدنـــى، ومجيداً في الحدّ الأقصى. والــــــحــــــال أنّ الــــــدفــــــاع عـــــن الــــدولــــة اللبنانيّة، أو زعـم تعافيها من الأعطال البنيويّة، هما دائـمـ مهمّة صعبة، إلاّ أنّ هـــذه الـصـعـوبـة تبقى أقـــلّ كـثـيـراً من صـعـوبـة المــوافــقــة عـلـى ذاك الـصـنـف من النقد المعوجّ، وعلى الموقع الـذي يصدر عنه النقد والناقد. فــمــا يُــــ حَــــظ أنّ دعـــــاة «عـــــدم بـنـاء الـــــدولـــــة» إنّــــمــــا يـــوجّـــهـــون نـــقـــدهـــم هــــذا، تـــقـــلـــيـــديّـــ وحـــــصـــــريّـــــ ، ضـــــــدّ الـــتـــجـــربـــة السياسيّة اللبنانيّة، فيما لم يؤخذ على الأنظمة الأمنيّة والعسكريّة في المشرق أنّـــهـــا لـــم تــــنِ دولــــــة. وبـــمـــا أنّ الأنــظــمــة المـــذكـــورة فهمت الــدولــة بوصفها حزباً واحداً وسلطةً قمعيّة جاثمة على صدر المجتمع ومواطنيه، جــازت لنا معاملة الــنــقــد المـــوجّـــه إلــــى الـــنـــمـــوذج الـلـبـنـانـيّ بوصفه نـقـداً لـعـدم عسكريّته ولضعف طبيعته الأمــنــيّــة. أكــثــر مــن هــــذا، وعلى مدى عقود طويلة وُصفت تلك الأنظمة، خصوصاً فـي سـوريّـا الأسـديّـة والـعـراق الــصــدّامــيّ، ومعهما ليبيا الــقــذّافــيّــة، بـ «الـوطـنـيّـة» و«الـتـقـدّمـيّـة»، كما استُعينَ بـسـ حـهـا ومــالــهــا لـتـقـويـض الــنــمــوذج اللبنانيّ الذي يوصف بعدم بناء الدولة. أمّــــــا أدبـــــيّـــــات الــــنــــقّــــاد الـــتـــي تــزخــر بـــمـــطـــالـــبـــات الــــرقــــابــــة والــــعــــقــــاب والمـــنـــع والمـــقـــاطـــعـــة والــتــشــهــيــر والـــــزجـــــر، وأمّـــــا مصادر استلهامهم الفكريّ التي تتراوح بـــ أنــظــمــة ديـــكـــتـــاتـــوريّـــة عــســكــريّــة في المنطقة وأنـظـمـة تـوتـالـيـتـاريّـة سـبـق أن عرفتها أوروبا، فتشجّع كلّها على أسوأ الافتراضات في ما خصّ النقّاد ونقدهم. والــــراهــــن أنّـــــه لـــم يــكــن قـــد انـقـضـى سـنـة عـلـى اســتــقــ ل لـبـنـان في 15 غـيـر ، حتّى كانت المحاولة الأولى لكسر 1943 الدولة اللبنانيّة الناشئة، وقد جرى ذلك بـالـعـنـف وبـــالـــســـ ح مــمّــا كــانــت تـغـدقـه «الـجـمـهـوريّـة الـعـربـيّـة المــتّــحــدة» علينا بـسـخـاء وإفــــــراط. ولــئــن وُجــــد مـــا يشبه الإجــمــاع عـلـى أنّ الـرئـيـس الــراحــل فــؤاد شـهـاب بـاشـر، فـي الستينات، مشروعاً جــــــدّيّــــــ لــــبــــنــــاء الــــــدولــــــة والمـــــؤسّـــــســـــات، فـالـواضـح أنّ نـقّـادنـا أيّــــدوا مــنــاوأة هذا المــــشــــروع لــحــظــة اصــــطــــدام مــؤسّــســاتــه بـــالمـــقـــاومـــة الـفـلـسـطـيـنـيّـة أواخــــــر الـعـقـد نفسه، وصنّفوه انعزاليّاً. وفي حالتي الانحياز إلى ناصريّة الخمسينات والستينات وإلـى المقاومة الفلسطينيّة في الستينات والسبعينات، كـــــان واضــــحــــ أنّ الـــنـــقّـــاد يـــعـــتـــبـــرون أنّ الدولة المثلى هي دولة القوّة، الموصوفة بالوطنيّة والـقـومـيّـة، والمستندة عمليّاً إلــــــى الـــتـــجـــبّـــر المـــيـــلـــيـــشـــيـــويّ وتــفــتــيــت المــجــتــمــع عــلــى خـــطـــوط طـــائـــفـــيّـــة. فـأمـر السيادة وأمر الحدود لم يكونا مرّةً على أجـنـدتـهـم، وكــــان مــن المـسـتـهـجَـن لديهم أن يـكـون لبنان هـو المـقـصـود بتعبيري «الوطن» و«الوطنيّة». ودائـــــمـــــ كـــــان يــــوكَــــل لـــــ «الــتــحــلــيــل الموضوعيّ» أن يُقنعنا بما لا يُقنع طفلاً، من نوع أنّ التناقضات الداخليّة للنظام الــلــبــنــانــيّ هـــي الـــتـــي أوصـــلـــت وتــوصــل إلـى نـزاعـات مـؤثّـرة على خريطة الشرق الأوسط وفي أحوال العالم. و«التحليل» هذا فيما كان يؤكّد أنّنا «لم نبِ دولة»، مـــن ضــمــن المــبــالــغــة المـــعـــهـــودة فـــي رســم العيوب اللبنانيّة، كان يبرّئ التدخّلات والمــــــداخــــــ ت الـــعـــنـــفـــيّـــة الــــخــــارجــــيّــــة فـي الــــشــــأن الـــلـــبـــنـــانـــيّ، أو يــجــهــد لـتـحـويـل الأنـــظـــار عـنـهـا. فــــ «حــــرب الـسـنـتـ » في لا تُفهم، وفقاً لـ «التحليل 1976 – 1975 المـــــوضـــــوعـــــيّ» هــــــــذا، مـــــن دون انـــهـــيـــار ، واغـــتـــيـــال رفــيــق 1966 بـــنـــك أنــــتــــرا فــــي تــخــفّــف مـــن وقــعِــه 2005 الـــحـــريـــري فـــي سياسة «الـرأسـمـالـيّـة المـتـوحّـشـة» التي اتّبعها الـحـريـري. أمّــا التدخّل الإيـرانـيّ فــــي لـــبـــنـــان فــيــمــكــن إدراجــــــــه فــــي تـعـزيـز صمود الدولة والمجتمع اللبنانيّين ضدّ إســرائــيــل والـصـهـيـونـيّـة ومـــن ورائـهـمـا الإمبرياليّة... لكنّ فضيحة هذا التحليل تكمن في مكان آخر: فحتّى لو سلّمنا بأننا لم نبِ دولةً بأيّ معنى كان للبناء وللدولة، فهل هذا يجيز الإكمال على الدولة الناقصة بجعلها أشدّ نقصاً والموافقة على دولة توازيها وتملك سلاحاً وجيشاً أقوى من سلاحها وجيشها، كما تستطيع ساعة تشاء أن تفتح حرباً وأن تغلقها؟ وحتّى لــو سـلّـمـنـا أيــضــ بــــأنّ الـطـائـفـيّـة، وبـــأيّ معنى يُـحـمّـل للكلمة، هــي الـتـي منعت قـــيـــام الـــــدولـــــة، فـــهـــل يــجــيــز هـــــذا إحــاطـــة «حزب الله» بالعواطف السخيّة الملتاعة، عـلـمـ بـــأنّـــه الـــحـــزب الـــديـــنـــيّ والــطــائــفــيّ الـــذي، فــوق دينيّته وطـائـفـيّـتـه، يحصر قيادته في رجال الدين دون سواهم؟ أغلب الظنّ أنّ ثمّة كراهية للنموذج اللبنانيّ نفسه هـي الـتـي تفسّر الكثير مـــن مـــواقـــف مـــن يــوصــفــون بـالـتـقـدمـيّـ واليساريّين والتحرّريّين كائنة ما كانت صـحّـة انـطـبـاق الـصـفـة عـلـى المــوصــوف. والـكـراهـيـة هــذه قـد يـكـون أهـــمّ أسبابها أنّ الـــنـــمـــوذج المــــذكــــور لا يـــنـــطـــوي عـلـى سلطات أمنيّة مـن الـنـوع الــذي يهفو له قلب كـارهـي الـنـمـوذج، بـل يطالبنا بأن نـسـعـى إلــــى الـــصـــداقـــات غــيــر المـحـكـومـة بالجغرافيا مـن دون أن نــرث الــعــداوات المحكومة بالتاريخ. وربّما كانت هذه الكراهية أحد أبرز أسـبـاب الحماسة لــزجّ لبنان فـي «حـرب الإســنــاد والمـشـاغـلـة» الـتـي تستطيع أن تُفنيه وتُفني نموذجه مـرّة وإلـى الأبـد، فيما تهبنا فـي المـقـابـل كــلّ مـا نشتهي: مجد «الخراب العظيم» وأعداداً لا حصر لها من الشهداء والضحايا. OPINION الرأي 12 Issue 16773 - العدد Wednesday - 2024/10/30 الأربعاء «لكنّنا لم نبنِ دولة» وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة محمود محيي الدين جمعة بوكليب عن ثوابت تغيّرت... ومتغيرات ثبتت حربغزة تُلقي بظلالها على انتخابات أميركا

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky