issue16771

الثقافة CULTURE 18 Issue 16771 - العدد Monday - 2024/10/28 الاثنين جزآن من «الكتب السوداء» ليونغ بالعربية ضــمــن سـلـسـلـة «عـــلـــم الـــنـــفـــس» صــدر حـــديـــثـــا عــــن دار «الـــــحـــــوار» الــــجــــزآن الأول والثاني مـن «الكتب الــســوداء»، مـن تأليف كـــــــارل غــــوســــتــــاف يــــونــــغ، وتــــرجــــمــــة ســـام خيربك. وجاء في تقديم الجزء الأول: «يحوي من مؤلف 4 و 3 و 2 و 1 هذا الكتاب الأجــزاء يونغ (الكتب السوداء). كتب يونغ في (الكتاب الأحـمـر): (لقد حققتُ كل ما تمنيته لنفسي. حققت الشرف والـسـلـطـة والـــثـــروة والمــعــرفــة وكـــل سـعـادة بـشـريـة. ثـم تـوقّـفَـتْ رغبتي فـي زيـــادة هذه الـزخـارف، وأخـــذَتْ تتراجع مُخْليَة محلها لـلـرعـب شيئا فـشـيـئـا). حـــدث هـــذا التحول عـبـر اسـتـكـشـاف يـونـغ للمخيلة الـرؤيـويـة التي رسمَها في (الكتب الــســوداء). ليست هــــــذه الـــكـــتـــب مـــــذكـــــرات شـــخـــصـــيـــة، لـكـنـهـا سجلت لتجربة ذاتية فريدة أطلق عليها يــونــغ (مـواجـهـتـه مــع روحــــه) و(مـواجـهـتـه مع الـاوعـي). لم يُسَجّل الأحـــداث اليومية أو الأحــــداث الـخـارجـيـة فيها، بـل تخيلته الـنَــشِـطـة، وتــصــوراتــه عــن حـالـتـه العقلية، وتـــــأمّـــــلـــــه فــــيــــهــــا. ومــــــــن تــــخــــيــــاتــــه فـــيـــهـــا، قــــام بــتــألــيــف مــــســــوّدة (الـــكـــتـــاب الأحـــمـــر)، الــــذي نـسـخـه بــعــد ذلــــك بــخــطّ يــــده، ومــــأهُ باللوحات. تـرتـبـط الـلـوحـات الـــــواردة فــي الكتاب الأحـــــمـــــر بـــاســـتـــكـــشـــافـــات يــــونــــغ الـــاحـــقـــة المـسـتـمـرة فــي الـكـتـب الـــســـوداء. وبـالـتـالـي، فـــإن (الــكــتــاب الأحـــمـــر) و(الــكــتــب الـــســـوداء) متشابكان بشكل وثـيـق. لقد وُلِـــد (الكتاب الأحمر) من (الكتب الـسـوداء). ومـن وجهة نظر يونغ، لم يكن دافعه إلى مبادرته تلك نـــتـــاج اهــتــمــامــه بـنـفـسـه فــحــســب، بـــل كــان للآخرين سهمهم فيه أيضا؛ فقد أخذ ينظر إلى تخيلته ورؤاه كنتاج لطبقة أسطورية عامة من النفس، أطلق عليها اسم (اللوعي الجمعي). ومن دفاتر التجريب الذاتي، قام بتأليف عمل نفسي في قالب أدبي وديني». وجـــــــــاء فـــــي تــــقــــديــــم الـــــجـــــزء الــــثــــانــــي: 6 و 5 «يــحــتــوي هـــذا الــكــتــاب عـلـى الأجـــــزاء مــــن مـــؤلـــف يـــونـــغ (الـــكـــتـــب الـــــســـــوداء). 7 و كتب يونغ: (كل شيء أمامي معتمٌ ومظلِم. هـي بـوابـة الــظــام. مـن يـدخـل هـنـاك، يجب أن يستشعر طـريـقـه مــن جـحـر إلـــى جحر. فــفــي عـــالـــم الـــظـــام هـــــذا، كـــل قـيـمـة تُـــعَـــلّـــق. وفـــي هـــذا الـعـالـم يـتـسـاوى الـجـبـل بأصغر الأشــيــاء، وتـحـتـوي حبة الـرمـل فيه العالم بأسره. يجب أن تتخلى عن كل حكم قيمي، وتتخلى معه عـن كـل حكم منطقي وذوق شخصي أيـضـا. تـخـلّـصْ مـن كـل معرفتك، وَضَـحّ قبل كل شيء بغطرستك. مَن يدخل هنا، يدخل كفقير أو غبي، لأن ما نسميه المـــعـــرفـــة هــنــا هـــو الـــجـــهـــل، ورؤيــــــة الـعـمـى، وســمــاع الـصـمـم، والـشـعـور بـالـبـلـل. ادخــل مــن تـلـك الــبــوابــة فـقـيـراً تـمـامـا، مـتـواضـعـا، جاهلً. ولكن لا تكن حتى في فقرك وجهلك وتواضعك جشعا أو متغطرسا، ولا تتوقع خـــبـــزاً ولا حـــجـــارة، بـــل انـــظـــر بـــا رغـــبـــة أو عاطفة. حوّلْ كل غضبك ضد نفسك. ومـــع ذلـــك، دع أمــلــك، الـــذي هــو خيرك الأسمى وقدرتك الأعظم، يسبقك ويخدمك كــقــائــد فـــي عـــالـــم الــــظــــام؛ إذ هـــو مـــن ذات جوهر مخلوقات هذا العالم. دع أملك يمتدّ نـحـوهـا بــا نـهـايـة. هـــذا الـكـتـاب هــو رحلة في مواجهة مَجاهِلِ الذات وألعاب اللوعي وأقنعته التي لا تنتهي)». بيروت: «الشرق الأوسط» عالم النفسكارل غوستاف يونغ الكاتب المصري عبد الرحمن عاطف في «فضاء البنفسج» ًالذكاء الاصطناعي بطلاً روائيا تدور أحداث رواية «فضاء البنفسج» لــلــكــاتــب المــــصــــري عـــبـــد الـــرحـــمـــن عـــاطـــف، داخل منعطفات زمن «ديستوبي» يتشارك الحياة فيه «هجين» من بقايا بشر ناجين مـــــن كـــــارثـــــة نــــــوويــــــة، مـــــع كــــائــــنــــات ذكـــيـــة cyborg » اصطناعيا، وكائنات «سـايـبـرغ مُحسنة ميكانيكيا، وهي تتشارك معا في مصير كارثي جديد يقودهم خارج كوكب الأرض بحثا عن فضاء مكاني بديل بعد شيوع اقتراب كارثة كونية جديدة. وعلى مــدار السرد تتقاطع مـسـارات شخصيات ثـــاث رئـيـسـيـة فـــي مــواجــهــة هـــذا المصير المجهول المشترك. تفكيك الإنسان صــــــــدرت الــــــروايــــــة حـــديـــثـــا عـــــن دار 244 «الـعـ » للنشر بالقاهرة، وتقع فـي صـــفـــحـــة. والــــافــــت أن المــــؤلــــف يـسـتـثـمـر «شـــطـــحـــات» الـــتـــقـــدم الــعــلــمــي فــــي عــلــوم الـطـب الـحـيـوي، والميكانيكا، والهندسة الـجـيـنـيـة، والمـعـلـومـاتـيـة، فــي بـنـاء عالمه المستقبلي، الـذي يسعى فيه لتأمل وجه الـــبـــشـــريـــة المُـــــشـــــوش والمــــطــــمــــوس وســـط تلك الخريطة الآلية المعقدة، حيث يبدو الإنـــســـان قــابــاً لـلـتـفـكـيـك، وكــأنــه محض قـــطـــع غِــــيــــار آلــــيــــة، فـــتـــتـــم رقـــمـــنـــة وعـــيـــه، وتــطــويــعــه بـطـريـقـة بـيـولـوجـيـة ليسهل تــجــمــيــده وحــفــظــه لـــســـنـــوات فـــي مـرحـلـة معملية تسمى بمرحلة «السُبات». كـمـا يُـــعـــاد تـجـهـيـزه لـحـيـاة جـديـدة بـعـد تـبـديـل شــرائــح ذاكـــرتـــه، حـيـث تبدو الـذاكـرة الذاتية للإنسان بما تحمله من مشاعر عديمة القيمة، يتم التخلصمنها وزرعها في أجساد أخرى بشكل وظيفي، في مفارقات روائية عبثية تجعل الإنسان طوع الآلة وتطبيقاتها، وليس العكس. وبالتوازي مع إظهار البشر كمحض فئران تجارب تفر من تبعات كارثة نووية إلى أخرى كونية بعد تردد اقتراب كارثة «انـطـفـاء الـشـمـس»، يـضـئ الــســرد حــالات الاغتراب الجمعي التي تُخيم على أجواء الرواية. فالبشر يتواصلون عبر تقنيات ودوائر كهربائية، وتظهر مفارقات عبثية بـ التطرف العلمي والرقمية الباذخة، وبــــ ســـيـــادة أوضـــــاع تُــحــاكــي الـعـصـور الـــوســـطـــى فــــي ظُــلــمــتــهــا، وكــــــأن حـــضـــارة الـعـالـم تـعـود لبدائيتها، فتتم اسـتـعـارة «هـــيـــراركـــيـــة» قـــوانـــ الـــغـــابـــة، حــيــث يتم تـقـسـيـم المـــواطـــنـــ إلــــى طــبــقــات مـتـدرجـة وفـقـا لنظام هـرمـي يتم تقسيمه جينيا، فيجد بطل الـروايـة نفسه مُصنفا بسبب جيناته ضمن الطبقة الأدنى، وهي طبقة «غــامــا»، ومحكوما بـقـوانـ تلك الطبقة الدنيا. ويتم توظيفه واستغلله كترس فــــي آلــــــة ضـــخـــمـــة فــــي ســـبـــيـــل قـــضـــايـــا لـم يخترها ولا يفهمها دون مجال للتعاطف مـــــع فــــردانــــيــــتــــه، لـــتـــبـــدو قـــيـــم الــــــجــــــدارة، والأحلم، والتنافسية، والعدالة مُشوشة في ميزان هذا المجتمع الديستوبي، الذي فـاقـم مــن حـصـار الإنـــســـان، وســـط بطالة، وعــــــــوز، ورقـــــابـــــة تـــحـــاصـــره فــــي الــــشــــارع والعمل، برصد كل قول وفعل لتقييم مدى استحقاقه لأن يكون «مـواطـنـا صالحا»، لـــيـــصـــبـــح تـــقـــيـــيـــم الإنـــــســـــان رهــــــن تـقـيـيـم الذكاء الاصطناعي له الذي يمنحه نقاطا لــصــالــحــه ويــخــصــم مـــن رصـــيـــده إذا لــزم الأمر، فالكل خاضع للتحليل تحت رحمة إحصاءات ونقاط رقمية. محضأرقام ويــــــخــــــتــــــار المـــــــؤلـــــــف تــــقــــنــــيــــة تــــعــــدد الأصـــــــوات لـــاقـــتـــراب مـــن واقـــــع الاغـــتـــراب عـــــن الــــــــــذات والمـــــــكـــــــان، حــــيــــث يــــبــــدو «كــــل فـــــرد مـــحـــض رقـــــــم»، فــيــمــا تــعــكــس شـبـكـة الــعــاقــات الاجـتـمـاعـيـة فـــي هـــذا المجتمع طبيعته المـفـتـتـة والـفـانـتـازيـة، فـنـرى فيه أبــطــال الـــروايـــة الـبـشـريـ فــي تـآلـف كامل مــع آلات الــذكــاء الاصـطـنـاعـي؛ يتحدثون ويـــتـــجـــادلـــون، ويـــألـــفـــون الــقــطــط والــكــاب الآلـيـة فـي الـــشـــوارع، فـي زمــن تـاشـت فيه ملمح الحياة الطبيعية، حتى فـي أزهـد صــــورهــــا؛ حــيــث يـــتـــنـــاول الـــنـــاس الـطـعـام فـي صــورة «كـبـسـولات». أمـا بطل الـروايـة المُـصـاب بـرُهـاب اجتماعي، والـواعـي بأنه سليل البشرية التي انهارت بسبب كارثة نووية، فيبدو مستسلما لحديثه المُتصل مــــع مُـــجـــســـم لـــســـيـــدة افـــتـــراضـــيـــة بـتـقـنـيـة اصطناعية، تُبادله الحديث و«التعاطف» حـيـال صدمته بـقـرار تسريحه مـن العمل المفاجئ. وفي أحد مشاهد الرواية تدعوه لـلـرقـص مـعـهـا فيستجيب: «مــــددت يـدي وتـظـاهـرت أنني ممسك بيد بشرية، رغم أنني كنت في الحقيقة قابضا على امتداد بـــصـــري وهــــــــــواء»، فــيــمــا تــتــنــاقــش بـطـلـة أخرى مُغرمة بتاريخ الفن مع مساعدتها »، الــتــي تفشل 9 الإلـكـتـرونـيـة «أولـيـمـبـيـا خوارزمياتها المتقدمة في تحليل لوحات «ســــلــــفــــادور دالــــــــي»، فــيــمــا يـــبـــدو «دالــــــي» و«سيرياليته» ومضة من تاريخ بعيد لم يعد له أثر. شرائح بدل العقول يبدو هوس التحكم الرقمي من خلل تجريب «حكومة العالم» للبحث عن سبل للنجاة، التي باتت هاجسا كابوسيا بعد الـــكـــارثـــة الـــنـــوويـــة، فـيـجـد أبـــطـــال الـــروايـــة أنـفـسـهـم مــنــقــاديــن لــخــوض رحــلــة خـــارج نـــطـــاق كـــوكـــب الأرض إلـــــى آخـــــر مـجـهـول مــع تـرقـب وقـــوع كــارثــة أخـــرى مــع اقـتـراب «انطفاء الشمس»، وفرص وجود كائنات فــي هـــذا الـكـوكـب الـجـديـد، ورســـم خريطة بــديــلــة لــفــرصــة الـــحـــيـــاة فــــي مـــكـــان مــــادي واقـــعـــي، فـــي وقــــت تــبــدو فــيــه الــرقــمــيــة قد ضاعفت من تعقيد علقة الإنسان بالمكان، بعد أن مكنته عبر «الـوهـم» مـن كـل شيء كـمـا يـصـف بـطـل الـــروايـــة: «بـنـيـت قـصـوراً وقـاعـا بها كـل شــيء أرغـــب فـيـه، صممت ألعابا افتراضية، وتخيلت نفسي بداخل بـعـضـهـا، لـعـبـت وكــنــت أزيــــد مــن صعوبة المـسـتـويـات حـتـى أجـــرب مــحــاولات أخــرى وأنجح فيها، حلقت في الـهـواء وتنفست تـحـت المـــــاء، ولـعـبـت الــغــولــف عـلـى سطح القمر، جربت كل شيء حتى مللت، سألت نفسي ما الهدف من كل ذلك؟». وهــــكــــذا، تـضـعـنـا الــــروايــــة أمـــــام تلك المـعـضـلـة الـــتـــي اســتــحــالــت مـعـهـا أجــســاد الـبـشـر لأطـــيـــاف «هـــولـــوغـــرام»، وعـقـولـهـم لـــــشـــــرائـــــح ذكــــــيــــــة، وخــــيــــالــــهــــم لــــســــاحــــات افــتــراضــيــة، وكــأنــهــا تــضــاعــف الاشــتــيــاق لعالم بشري مألوف، وأجسام عادية غير خارقة، ربما لاستعادة مشاعر حقيقية لم يعد لها أثــر، أو ربما حدثت فـي أضغاث حياة سابقة. القاهرة: منى أبو النصر يستثمر المؤلف «شطحات» التقدم العلمي في بناء عالمه المستقبلي مساهمة جيمسون الأهم ربما كانت تحليله لما أصبح يعرففي تاريخ الثقافة بمرحلة «ما بعد الحداثة» عدّ الثقافة ظاهرة تاريخية واجتماعية إلى جانب علاقات الإنتاج فريدريكجيمسون... آخر المثقفين الكلاسيكيين ربـمـا لـم يكن الـنـاقـد الأدبـــي الأمـيـركـيّ )2024 - 1934( الـبـارز، فريدريك جيمسون الــــــــذي رحــــــل فـــــي الــــثــــانــــي والــــعــــشــــريــــن مـن عــــامــــا، مــــن طـيـنـة 90 الـــشـــهـــر المــــاضــــي عــــن المثقفين العامين الذين يهوون إثارة الجدل والـــظـــهـــور، ولـــكـــن بــرحــيــلــه يـــســـدل الـسـتـار عمليا عـلـى فـكـرة المـثـقـف الـكـاسـيـكـي الملم بــشــكــل شــمــولــي بــثــقــافــة عـــصـــره، والـــقـــادر على تقديم تـصـور نـظـري عـابـر لصناديق الـــتـــخـــصـــص الأكـــــاديـــــمـــــي الـــــدقـــــيـــــق، الـــتـــي عرفناها بداية مع عصر النهضة بأوروبا مــــــن خـــــــال شـــخـــصـــيـــات مــــثــــل لــــيــــونــــاردو دافـــنـــشـــي ونـــيـــقـــولا مــيــكــافــيــلــلــي وفـيـلـيـبـو برونليسكي، واستمرت إلى النصف الثاني مــن الــقــرن الـعـشـريـن عـبـر أســمــاء مـثـل جـان بـول سارتر، وميشيل فوكو، وجـاك دريـدا، وإمبرتو إيكو. بـدأ جيمسون الـذي ولـد في كليفيلند بالولايات المتحدة مشواره الفكريّ بحصوله عــلــى الإجــــــازة الــجــامــعــيّــة الأولـــــى فـــي الـلـغـة الفرنسيّة من كليّة هافرفورد قبل أن يسافر إلى أوروبا لفترة وجيزة، حيث وسع معرفته هناك بأعمال مفكري ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا سيما البنيويين الفرنسيين ورواد الـفـلـسـفـة الـــقـــاريّـــة. وتـــركـــزت أبــحــاثــه وقتها على النظريّة النقديّة التي أنتجتها مدرسة فرنكفورت ومــن تـأثـروا بأعمالها، بمن في ذلــــك جــــان بــــول ســـارتـــر، وجـــــورج لــوكــاتــش، وثيودور أدورنـو، ووالتر بنيامين، ولويس ألتوسير، وهيربرت ماركوز. وقد عاد بعدها إلـــى جـامـعـة يـيـل بـــالـــولايـــات المــتــحــدة حيث درجة الدكتوراه على أطروحة 1959 منح في حول أسلوب سارتر. دراســــتــــه لـــســـارتـــر قـــادتـــه إلــــى تعميق معرفته بالماركسيّة - وبالتبعيّة النظريّة الأدبـيّـة الماركسيّة - لا سيّما أن الفيلسوف الـفـرنـسـيّ الشهير كــان يعد النقد الثقافيّ فـضـاء أسـاسـيّـا للفكر المـاركـسـي. ومــا لبث جيمسون أن شــرع يتموضع سياسيا في فــضــاء الـيـسـار الــغــربــيّ الــجــديــد، وحــركــات النضال السلميّ، واحتفى بالثورة الكوبيّة التي عدّها علمة على أن «الماركسية ليست حـيّـة فحسب، وإنـمـا هـي كـذلـك قـــوّة ملهمة للحراك الاجتماعي ومنتجة ثقافيا». وبعد عـــودتـــه إلـــى الـــولايـــات المــتــحــدة شــــارك (فـي ) بتأسيس ما عرف بالمجموعة الأدبية 1969 المـــاركـــســـيـــة مـــع عــــدد مـــن طــــاب الــــدراســــات العليا بجامعة كاليفورنيا، بسان دييغو، وتزامل لبعض الوقت مع هيربرت ماركوز في أثناء تدريسهما في جامعتي هارفارد وكاليفورنيا. بـعـد رســالــتــه لــلــدكــتــوراه عـــن ســارتــر، واصل الكتابة عن مفكرين أوروبيين آخرين؛ أمثال أدورنــو وألتوسير، ليس بالضرورة تبنيا لمـقـاربـاتـهـم بـقـدر سعيه إلــى تحديد موقع تلك المقاربات في الجدل حول البنية الاجتماعية وعلقتها بالمنتجات الثقافية، )1971 – وفي ذلك نشر (الماركسيّة والشكل و(ســــجــــن الـــلـــغـــة: قـــــــراءة نـــقـــديّـــة لـلـبـنـيـويـة )، لينتقل بعدها 1972 – والشكليّة الروسيّة للخوض فـي اللغة والسيميائيّة والمرحلة الثقافية التي سماها الرأسماليّة المتأخرة. لـــقـــد نـــقـــل هــــــذا الـــجـــيـــل مـــــن المـــفـــكـــريـــن المـاركـسـيـ الـغـربـيـ الـنـقـد المــاركــســيّ من المـنـظـور الـتـقـلـيـديّ الـــذي اعـتـمـد عـلـى فكرة أن «البنية الفوقية الثقافية» للمجتمعات تحددها أسـاسـا القاعدة الاقتصادية، إلى مرحلة تبني تحليل نقدي للثقافة بوصفها أيــضــا ظـــاهـــرة تـاريـخـيـة واجــتــمــاعــيــة، إلـى جانب «علقات الإنتاج» و«توزيع الثروة» الاقتصادي َْ، وما يرتبط بذلك من علقات الـــقـــوة الــســيــاســيــة. لــكــن إذا أصـــبـــح الـنـقـاد المـــاركـــســـيـــون قــــادريــــن عــلــى تــقــديــم تحليل معمق للسياق التاريخي والطبقي لأعمال أدبـيّـة؛ مثل روايــات جين أوسـن أو قصائد تــي إس إلــيــوت مــثــاً، فـــإن نــاقــداً مــن طينة جيمسون فقط يمكنه أن يقدم نقداً أسلوبيا مـــاركـــســـيـــا لمــــروحــــة واســــعــــة مــــن مــنــتــجــات الـــثـــقـــافـــة المـــعـــاصـــرة مــــن المــــــــدارس الــفــكــريّــة المـعـقـدة، مثل البنيوية، ومــا بعد الحداثة في سياقاتها التاريخيّة، إلى تحليل الأفلم الشعبيّة كمجموعة أفـام (حـرب النجوم)، وكل ما يمكن أن يكون بينهما في الفلسفة، وأنواع الفنون، والآداب، والعمارة. تـدريـجـيـا أصـبـح الـتـاريـخ يلعب دوراً أكثر مركزيّة في نقد جيمسون للمنتجات الـثـقـافـيـة إنــتــاجــا واســتــهــاكــا، ونــشــر عبر ســـلـــســـلـــة مـــــن الأعــــــمــــــال مــــفــــهــــوم الـــــاوعـــــي السياسيّ وراء النص، بوصف ذلك طريقة بديلة لتفسير الأعـمـال الـروائـيّـة، ما منحه مــكــانــة بـــــارزة فـــي فــضــاء الــنــقــد الأدبـــــي في الثقافة الأمريكيّة. عـــلـــى أن كـــثـــيـــريـــن يـــــعـــــدّون مــســاهــمــة جــيــمــســون الأهــــــم ربـــمـــا كـــانـــت تـحـلـيـلـه لمـا أصــبــح يــعــرف فــي تــاريــخ الـثـقـافـة بمرحلة «ما بعد الحداثة»، وعُدّ ناقدها الأبرز، رغم أنّه أتى إليها عن طريق أعمال جان فرنسوا ليوتار. عــنــد جــيــمــســون، «مــــا بــعــد الـــحـــداثـــة» تعبير بمنتجات الثقافة عن فترتنا الحاليّة مــــن الـــرأســـمـــالـــيّـــة المــــتــــأخــــرة الــــتــــي شــهــدت توسعا هائلً في أساليب الإنتاج الثقافي ربـــطـــا بــتــنــوع صــيــغ المــشــهــديّــة الـــتـــي يــقــدّم بها هذا الإنتاج. وكان جيمسون قد انضم بـمـقـالـتـه 1984 إلــــى هــــذا الــنــقــاش فـــي عــــام بعنوان «ما بعد الحداثة، أو المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة» التي نشرها بداية في مجلة «الـيـسـار الـجـديـد»، قبل أن يوسعها ، أصـــبـــح منذ 1991 إلــــى كـــتـــاب نـــشـــره عــــام حينها أكثر أعماله مبيعا، وأكثرها شهرة، لا سيّما فـي الـصـ حيث تمتع جيمسون هـنـاك بـمـكـانـة رفـيـعـة بــ المـثـقـفـ وطــاب الجامعات. يذهب جيمسون إلى ضرورة التعامل مــــع «مـــــا بـــعـــد الــــحــــداثــــة» عـــلـــى أنـــهـــا نــتــاج تـاريـخـي، ولـذلـك فهو يـرفـض أي معارضة أخـــاقـــيـــة لـــهـــا بـــوصـــفـــهـــا ظــــاهــــرة ثــقــافــيــة، ويـــقـــتـــرح بـــــدلاً مـــن ذلــــك مــقــاربــتــهــا بمنهج الــديــالــكــتــيــك الـهـيـغـلـي الـــــذي مـــن شـــأنـــه أن يقرأ التّطور الثّقافي للرأسمالية المتأخرة جدليا، أي بوصفه كارثة وتقدما معا. أكاديميا، بدأ جيمسون مهنته أستاذاً لـأدب الفرنسي والمقارن بجامعة هارفارد ، وتنقل بعدها بين عدة جامعات 1959 عام منصب أستاذ 1985 مرموقة، قبل توليه في كــــنــــوت شـــمـــيـــدت نــيــلــســن لـــــــأدب المــــقــــارن، وأستاذ الدراسات الرومانسية (الفرنسية)، ومـديـر معهد النظرية النقدية فـي جامعة ديوك، التي تقاعد عن التدريس فيها، دون أن يتوقف عن الكتابة. لــــم يــســلــم جــيــمــســون مــــن الـــنـــقـــد، لـكـن أهـــم مـنـتـقـديـه كـــان رفـيـقـه المــاركــســيّ تيري إيـــغـــلـــتـــون، الـــــــذي، وإن أعـــجـــب بــمــقــاربــاتــه للعديد من المنتجات الثقافية، عـدّ إسرافه فـي الـحـديـث عـن اليوتوبيا كــان بـا رافعة سياسيّة، إذ أهمل في مجمل أعماله الجانب السياسي والمضمون الـثـوري للماركسيّة، ولـم يشتبك على الإطــاق بأعمال المفكرين المـاركـسـيـ مـثـل فـاديـمـيـر لـيـنـ ، أو روزا لــــوكــــســــمــــبــــورغ، أو أنـــطـــونـــيـــو غـــرامـــشـــي، كـمـا اتـهـمـه بـمـزج تبنيه لـأفـكـار المختلفة بـنـهـج لـــيـــبـــرالـــي، يـلـفـق بـيـنـهـا دون الأخـــذ بـتـنـاقـضـاتـهـا. ومـــع ذلــــك، فـــإن ثـمـة تـوافـقـا بـــ المـثـقـفـ مـــن جـمـيـع المـــشـــارب عـلـى أنـه ظلّ، ولأكثر من خمسة عقود، الناقد الأدبي والـــثـــقـــافـــي المـــاركـــســـي الأهــــــم فــــي الــــولايــــات المتحدة، إن لم يكن في العالم أجمع. فريدريكجيمسون ندىحطيط

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky