issue16771

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟ تــزامــنــا مـــع انــتــشــار الـــصـــراعـــات والأزمـــــات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف مـــنـــشـــورات عــلــى مـــواقـــع الـــتـــواصـــل الاجــتــمــاعــي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مــــدى تـــأثـــر المـــواقـــع الإخـــبـــاريـــة بــقــيــود مـنـصـات «الـــتـــواصـــل» عــلــى المــحــتــوى الــســيــاســي، وكـيـف يــتــفــادى الـــنـــاشـــرون الـــخـــوارزمـــيـــات لــعــدم حـذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب. وحــــقــــا، طــــــوال الـــســـنـــة تـــصـــاعـــدت شـــكـــاوى ناشرين وصُـنـاع محتوى من القيود المفروضة عـــلـــى نـــشـــر المـــحـــتـــوى الـــســـيـــاســـي، لا ســيــمــا فـي فـتـرات الأحــــداث الـكـبـرى خــال «حـــرب غـــزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومـــنـــصـــات إخـــبـــاريـــة مـــن «حــــــذف» مـنـشـوراتـهـم و«تـقـيـيـد» صفحاتهم بـسـبـب نـشـرهـم محتوى عـن مقتل الـسـنـوار. خـبـراء تحدثوا إلـى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «مـيـتـا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة لللتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي. الـدكـتـورة مـي عبد الغني، أسـتـاذة الإعــام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلم الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي فـــي حــــذف بــعــض المـــنـــشـــورات والــحــســابــات إلــى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفـت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يــزداد في أوقـات الحروب والأزمـــات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة». وأوضــحــت مـي عبد الغني أنــه «عـلـى مـدار الـعـام المـاضـي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصـول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحــذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاويــة قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي». لمـــواجـــهـــة هـــــذه الـــقـــيـــود اقـــتـــرحـــت الــبــاحــثــة والأكاديمية «استخدام أساليب عـدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الـكـتـابـة أو صـــور، مــع مـحـاولـة اخـتـيـار الألـفـاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي». فـــــي المـــــقـــــابـــــل، يـــــــرى الــــصــــحــــافــــي المــــصــــري المـتـخـصـص فـــي شــــؤون الإعـــــام الــرقــمــي، خـالـد الـبـرمـاوي، أن «كُــل طُــرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حـلـولاً مـؤقـتـة... وهــذه الـطـرق عـــادةً مـا تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف». وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسـائـلـهـا الـخـاصـة لـلـتـرويـج، مهما تطلب ذلـك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بـعـمـل حــســابــات مـخـتـلـفـة لــأخــبــار والمــنــوعــات والــريــاضــة، إضــافــة إلـــى مـمـارسـة الـضـغـط على وســـائـــل الـــتـــواصـــل الاجــتــمــاعــي لـتـقـلـيـل الـقـيـود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري». ويـــــــوضـــــــح مــــحــــمــــد فـــــتـــــحـــــي، الــــصــــحــــافــــي المــــتــــخــــصّــــص فـــــي الإعــــــــــام الـــــرقـــــمـــــي، أنـــــــه مــنــذ بـــــدء «حــــــرب غــــــزة» أدخــــلــــت مـــنـــصـــات الـــتـــواصـــل الاجتماعي سياسات وقـيـوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهـو ما «عــرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل». وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة مـــن المـــنـــصـــات، فـيـجـب عـلـيـه مـــراعـــاة مـعـايـيـرهـا وســـيـــاســـتـــهـــا... بـيـنـمـا عــلــى نـــاشـــري المــحــتــوى المــــوازنــــة بـــن المــنــصــات المـخـتـلـفـة، فـلـكـل منصة ســيــاســة خــاصــة بــهــا، ومــــا يـصـلـح لـلـنـشـر على (يــوتــيــوب) قــد لا يـنـاسـب (فـيـسـبـوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالبا ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود». القاهرة: فتحية الدخاخني في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الـــولايـــات المــتــحــدة، كـــان لـلـمـؤسـسـات الإعـامـيـة الأمـيـركـيـة عـلـى الـــــدوام نصيب مــن تـداعـيـاتـهـا. وفــي الـعـادة أن جــلّ المـؤسـسـات الاعـامـيـة كانت تــنــحــاز لأحــــد طــرفــي الـــســـبـــاق، حــتــى فـــي بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تـاريـخـيـة»، كـالـجـاريـة هـــذا الــعــام. بــل وكــان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي». غــيــر أن الــــواقــــع كــــان دائـــمـــا يــشــيــر إلــــى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصا فـي لحظات «الغموض والالـتـبـاس» كالتي يمر بـهـا الــســبــاق الــرئــاســي المــحــتــدم هـــذا الـــعـــام بي نائبة الـرئـيـس كـامـالا هـاريـس مرشحة الحزب الـديـمـقـراطـي والــرئــيــس الـسـابـق دونـــالـــد ترمب مرشح الحزب الجمهوري. «واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح! يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بـيـزوس، رئيس شــركــة «أمــــــازون» الـعـمـاقـة، أنــهــا لــن تــؤيــد أي مـــرشـــح رئـــاســـي لا فـــي هــــذه الانـــتـــخـــابـــات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضـاف لـــويـــس، فـــي مـــقـــال: «نــحــن نــعــود إلــــى جــذورنــا بــالإحــجــام عــن تـأيـيـد المـرشـحـن الـرئـاسـيـن... من 5 هـــذا مــن تـقـالـيـدنـا ويـتـفـق مــع عملنا فــي الأخــــــيــــــرة». وتــــابــــع لـــويـــس: 6 الانـــتـــخـــابـــات الـــــــ «نـدرك أن هذا سيُفسَر بطرق مختلفة، بما في ذلـــك اعـتـبـاره تـأيـيـداً ضمنيا لمـرشـح واحــــد، أو إدانــــة لمـرشـح آخـــر، أو تــنــازلاً عــن المـسـؤولـيـة... هــذا أمــر لا مفر مـنـه. لكننا لا نــرى الأمـــر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقا مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واخــتــتــم: «إن وظـيـفـتـنـا فــي الـصـحـيـفـة هــي أن نقدّم من خلل غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيي، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديـفـيـد إغـنـاتـيـوس ويــوجــن روبــنــســون ودانـــا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف المـــوقّـــعـــون الــــقــــرار بـــأنـــه «خـــطـــأ فـــــــادح». وتــابــع الـبـيـان أن الــقــرار «يـمـثّـل تخلّيا عــن المُـعـتـقـدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والـتـحـالـفـات الــدولــيــة والـتـهـديـد الــــذي يشكله دونــــالــــد تـــرمـــب عــلــى هــــذه الــــقــــيــــم...». ومـضـى البيان: «لا يوجد تناقض بي الدور المهم الذي تـلـعـبـه (واشــنــطــن بـــوســـت) بـوصـفـهـا صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد الــســيــاســي... وقـــد تـخـتـار الـصـحـيـفـة ذات يـوم الامتناع عـن التأييد، لكن هـذه ليست اللحظة المـــنـــاســـبـــة، عــنــدمــا يـــدافـــع أحــــد المـــرشـــحـــن عن مــواقــف تــهــدّد بـشـكـل مـبـاشـر حــريــة الصحافة وقِيَم الدستور». ... وأيضاً «لوسأنجليستايمز» فـــــي الـــــواقـــــع خــــطــــوة «واشــــنــــطــــن بـــوســـت» سبقتها، يـوم الأربـعـاء، استقالة مارييل غـارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كـــبـــرى صـــحـــف ولايــــــة كـــالـــيـــفـــورنـــيـــا، احــتــجــاجــا عـلـى مـنـع مــالــك الـصـحـيـفـة، المــلــيــارديــر بـاتـريـك ســــــون شــــيــــونــــغ، مـــجـــلـــس الـــتـــحـــريـــر مــــن إعــــان تأييد هاريس. وهـذه الخطوة أشـاد بها ترمب، وعـلّـقـت حملته، فــي بــيــان، بــأن «زمــــاء هـاريـس فـــي كــالــيــفــورنــيــا يـــعـــرفـــون أنـــهـــا لـيـسـت مـؤهـلـة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مـجـرد لامــبــالاة، بـل هـو تـواطـؤ»، معربة عـن قلقها مـن أن هـذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقي، وربـمـا حتى متحيّزين جنسيا وعـنـصـريـن بـعـض الـــشـــيء». وأردفــــت: سنوات في مهاجمة 8 «كيف يمكننا أن نمضي ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلد ثم نمتنع عــن تـأيـيـد المـنـافـس الـديـمـقـراطـي الـائـق تماما الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الـشـيـوخ؟»، في إشــارة إلـى هـاريـس. من جانبه، كــتــب ســــون شــيــونــغ، فـــي مــنــشــور عــلــى وســائــل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خـال فترة وجــوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كـــي يـتـمـكّـن «الــــقــــراء (أنــفــســهــم) مـــن تــحــديــد مَــن يستحق أن يــكــون رئــيــســا»، مضيفا أن الهيئة «اختارت الصمت»! هل الدافع تجاري؟ بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمي للديمقراطيي عموما، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جـــــذب مـــزيـــد مــــن الـــــقـــــراء، بـــمَـــن فــيــهــم المــــوالــــون للجمهوريي، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعــــــانــــــات، عـــبـــر مـــحـــاولـــة تـــقـــديـــم الـصـحـيـفـة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية مــن منطقة لـــوس أنـجـلـيـس، الـــذي ليست لــه أي خبرة إعـامـيـة، كــان قـد اشـتـرى الصحيفة التي سنة والـشـركـات التابعة 140 يزيد عمرها على . لكن 2018 مـلـيـون دولار عـــام 500 لــهــا، مـقـابـل خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح فـــي المـــائـــة مـــن مــوظــفــيــهــا هــــذا الـــعـــام. 20 نــحــو وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات المليي من الدولارات» منذ شرائها. ترمب يدعو لإلغاء تراخيصالأخبار مـــــــا حـــــصـــــل فـــــــي «واشــــــنــــــطــــــن بـــــوســـــت» و«لـــوس أنجليس تايمز» سـلّـط حقا الضوء عـلـى الــتــحــديــات الــتــي تـواجـهـهـا المـؤسـسـات الإعلمية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي. وفـــي الـــواقـــع، تــعــرّضــت وســـائـــل الإعـــام خــــال الــعــقــد الأخـــيـــر لــلــتــهــديــدات ولـتـشـويـه صـــورتـــهـــا، وبـــالأخـــص مـــن الــرئــيــس الـسـابـق ترمب، الـذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بـالـتـشـهـيـر، ومــنــع الـصـحـافـيـن مـــن حـضـور التجمّعات والفعاليات التي تقام فـي البيت الأبـيـض، وروّج لمصطلح «الأخــبــار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمي المتطرف في جميع أنحاء العالم. وفي حملت ترمب الجديدة على الإعلم، اقـتــرح أخـيــراً تـجـريـد شـبـكـات الـتـلـفـزيـون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقـف بث دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه 60( برنامج في الخطب والمقابلت، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب اسـتـيـائـه مــن الـطـريـقـة الـتـي تعاملت بـهـا مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس. وقــــــــال فـــــي مـــقـــابـــلـــة مـــــع قــــنــــاة «فــــوكــــس نيوز» الداعمة لـه: «سنستدعي سجلتهم»، مــجــدداً ادعــــاءه أن تـحـريـر الشبكة لمقابلتها دقـــيـــقـــة»، كــان 60« مـــع هـــاريـــس فـــي بــرنــامــج «مضللً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضا رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقابا صارما»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية». Issue 16771 - العدد Monday - 2024/10/28 الاثنين الإعلام 17 MEDIA د. ياسر عبد العزيز طوفان من الأكاذيب ثمة عـامـل مشترك فـعـال ومـؤثـر فـي كـل قضية أو صـراع يشغل العالم راهنا؛ إنه عامل التزييف، أو الشائعات والأخبار المُـضـلـلـة، وهــــذا الـعـامـل لا يـجـسـد مشكلة لأنـظـمـة المـعـلـومـات المحلية والدولية فقط، لكنه يمثل تحديا خطيراً للمن والسلم العالميي، ويهدد بتقويضهما. وبينما تتركز أنـظـار الـعـالـم راهـنـا على قضية الـصـراع العسكري في منطقة الشرق الأوسـط من جانب، والانتخابات الـرئـاسـيـة الأمـيـركـيـة المنتظرة مـن جـانـب آخـــر، تلعب الأخـبـار الــزائــفــة دوراً فــائــق الأهــمــيــة فـــي هــاتــن الـقـضـيـتـن، وتـحـرف اتجاهات الجمهور إزاءهما، وتغير قراراته وتوجهاته. وإلـــــــى جــــانــــب هــــاتــــن الــقــضــيــتــن الآنـــيـــتـــن والمـــثـــيـــرتـــن للهتمام، تبرز مجموعة من القضايا الأخرى، التي تتأثر تأثراً كبيراً بشيوع التضليل والاختلق، وهي قضايا لا تقل أهمية عنهما. مشكلة الشائعات والأخبار الزائفة قديمة، وربما هي بقدم التاريخ ذاته، لكن ديناميات الوسط الاتصالي العالمي الراهنة ترفد هذه المشكلة بالمزيد من القدرة على التفاقم والتأثير. لقد تم استخدام المعلومات الزائفة والأخبار والفيديوهات والـصـور المنزوعة من السياق بكثرة خـال أزمـة «حـرب غـزة»، ولعل الأنباء عن قيام حركة «حماس» بعمليات عنف جنسي منهجية ضد مدنيي إسرائيليي في مستهل عملية «طوفان الأقــــصــــى»، كـــانـــت عـــامـــاً حــاســمــا فـــي تــأطــيــر صــــور الـــصـــراع وطرفيه، إلى حد أن بعض كبار الساسة وصُناع القرار في دول كبرى تبنوا تلك الأخبار، وعدّوها عنصراً في بناء تصورهم الـسـيـاسـي وقــراراتــهــم إزاء تـلـك الــحــرب، قـبـل أن تحسم لجنة تحقيق دولية متخصصة أمرها، وتقرر عدم صحتها. وفـــي مـلـف الانــتــخــابــات الأمــيــركــيــة، لا يـتـوقـف الـطـرفـان المتنافسان عن استخدام الأخبار الزائفة والصور والفيديوهات المنزوعة من السياق لإحــداث أثـر سياسي معي، وأحـد هذين الطرفي يُمعن في هذا المضمار، ويحشد قواه بشغف، وصولاً إلى بناء «نظريات المؤامرة»، التي يتبناها قطاع من الجمهور، ويتخذ موقفا سياسيا استناداً إليها. بـــمـــوازاة ذلـــك، مــا زالـــت الأخــبــار الـزائـفـة فــي شـــأن التغير المـــنـــاخـــي تــشــكّــل مـعـضـلـة كــبــيــرة وعــقــبــة صـعـبـة أمـــــام جـهـود الاسـتـجـابـة؛ إذ تفيد الـتـقـاريـر المـوثـوقـة الـــصـــادرة عــن جهات مُــعــتــبــرة بــــأن عـمـلـيـة الـتـشـكـيـك فـــي الــتــغــيــر المـــنـــاخـــي تحظى بـتـصـديـق قــطــاعــات واســـعـــة مـــن الــجــمــهــور، وتـعـطـل عمليات المواجهة، وتحد من قــدرة السياسيي والمُشرعي على اتخاذ القرارات السليمة. وبينما تـتـزايـد أعـــداد الـاجـئـن والـنـازحـن والمهاجرين حــــول الــعــالــم بــــاطــــراد، بـسـبـب الـــحـــروب والـــنـــزاعـــات والــفــســاد والاضـــطـــهـــاد والـتـمـيـيـز بـشـتـى أنــــواعــــه، تُــشــن حــــروب يـومـيـة تستهدف هؤلاء اللجئي، وتشيطنهم، بشكل يحمل قطاعات من الجمهور والمؤسسات على اتخاذ قرارات خاطئة، وإشعال صراعات تفاقم معاناة اللجئي، وتحبط خطط استيعابهم أو مساعدتهم. وبسبب ازدهــار أنشطة وسائل «التواصل الاجتماعي»، وقابليتها الكبيرة لـاخـتـراق والـتـزيـيـف، لكونها لا تُخضع كثيراً مما يبث عبرها إلـى آليات التحقق، ولا تطلب توثيقا، زاد استخدام تلك الوسائل في استهداف اللجئي في مناطق مختلفة من العالم. وعـــنـــدمـــا يـــذيـــع الـــســـاســـة، أصــــحــــاب المـــصـــالـــح الــحــزبــيــة الــضــيــقــة، أخــــبــــاراً زائـــفـــة عـــن هـــــؤلاء المـــهـــاجـــريـــن والـــاجـــئـــن، تستهدف الحطّ من شأنهم، أو تخويف الجمهور منهم، فإن تلك الأخبار تكتسب طاقة انتشار هائلة عبر الصيغة الشبكية لتلك الوسائل، وتضحى في مقام الحقائق، وهـو أمـر يسبب عواقب وخيمة. لــقــد أدى الــصــعــود الـــافـــت لــلــنــزعــات الـيـمـيـنـيـة، وأفــكــار معاداة الأجانب، تحت وطأة المتاعب الاقتصادية، إلى تصديق قطاعات من الجمهور لتلك الأخبار المُضللة، والتصرف على أساسها، وهو الأمر الذي ينعكس في حوادث عنف واستهداف تُقلق المجتمعات، وتزعزع سلمها الأهلي. »، وما ترتب عليها من أزمة 19 - وكانت جائحة «كوفيد في القطاعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية عبر العالم، أنموذجا واضح الدلالة على ما يمكن أن تسببه الأخبار الزائفة مــن كـــــوارث؛ إذ تــم إشــاعــة «نــظــريــات المـــؤامـــرة» بـشـأنـهـا، كما جـرى التشكيك في اللقاحات، وتزعزعت الثقة في الحكومات والمؤسسات الصحية، مما أعاق جهود المواجهة. ولاحـــظ الـخـبـراء والـبـاحـثـون المتخصصون أن الــكــوارث الـطـبـيـعـيـة الـنـاجـمـة عـــن الــتــغــيــرات المـنـاخـيـة الـعـالمـيـة حظيت بـمـوجـة مُـــدبـــرة مــن التشكيك والـتـزيـيـف، بشكل أعـــاق جهود الإغاثة. ولم تكن المناشدات والمطالبات المتكررة للقائمي على تشغيل وسـائـل «الـتـواصـل الاجـتـمـاعـي» الرئيسة قـــادرة على الحد من الانفلت الذي تعرفه تلك الوسائل في مقاربة الأنباء الخاصة بتلك الكوارث وضحاياها. بسبب رغبة وسائل «التواصل الاجتماعي» في الحفاظ على حجم التفاعلت عبرها، وزيـادتـه بـاطّـراد، تُخفق جهود الضبط في إدراك مراميها، في ظل حقيقة أن الأخبار الزائفة تحظى بــدرجــة اهـتـمـام ومـشـاركـة وانـتـشـار أكـبـر مــن الأخـبـار الصحيحة. ينشغل النظام الدولي راهنا بكثير من القضايا الساخنة والــحــيــويــة، لـكـن مشكلة الأخـــبـــار الــزائــفــة مــا زالــــت غـائـبـة عن رأس قائمة أولوياته، وهو أمر سيفاقم أزمات نظم المعلومات المحلية والدولية، وسيطرح المزيد من الأخطار. مقر صحيفة «واشنطن بوست» (أ.ب) تعرّضت وسائل الإعلام للتهديدات ولتشويه صورتها خصوصاً من ترمب ترند رئيسة تحرير «لوس أنجليس تايمز» تستقيل لمنعها من تأييد هاريس «واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية واشنطن: إيلي يوسف باتريكسونشيونغ (أ.ب) مقر «لوسأنجليستايمز» (أ.ب)

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky