issue16770

الثقافة CULTURE 17 Issue 16770 - العدد Sunday - 2024/10/27 األحد كتاب عن تأثير السيرة الذاتية على أعماله «الليل الطويل»... أسرار الحس الشعبي عند خيري شلبي عــن الـهـيـئـة الـعـامـة لـقـصـور الثقافة بالقاهرة، ضمن سلسلة «كتابات نقدية»، صـدر كتاب «الليل الطويل– فقراء الريف املـصـري فـي أدب خـيـري شلبي» كـدراسـة في سوسيولوجيا األدب للباحث محمد صــــاح غـــــازي تــتــنــاول تــجــربــة أحــــد أبـــرز أدبــــــــــاء مــــصــــر فـــــي الــــنــــصــــف الــــثــــانــــي مــن الـــقـــرن الـعـشـريـن عـبـر عـــدد مـــن الـــروايـــات الشهيرة مثل «الوتد»، «األوباش»، «زهرة الـــخـــشـــخـــاش»، «وكــــالــــة عـــطـــيـــة»، «صــالــح هـيـصـة» والــتــي تـمـيـزت بعبقرية الحكي الذي يخلط الفصاحة بالحس الشعبي. أوالً: يشير املؤلف إلى ميلد خيري أحـمـد عـلـي سـعـد شلبي عـكـاشـة الشهير مــن يناير 31 بــاســم «خــيــري شـلـبـي» فــي بــقــريــة «شــبــاس 1938 ) (كــــانــــون الـــثـــانـــي عمير» بمركز «قلني» محافظة كفر الشيخ، مـــن سبتمبر 9 كــمــا رحــــل عـــن عــاملــنــا فـــي .2011 ) (أيلول جـــده ألبــيــه هــو عـلـي أفــنــدي شلبي، أحــد كـبـار موظفي «الـخـاصـة الخديوية» فـــي عــهــد الــخــديــو عـــبـــاس حـلـمـي الـثـانـي وامتلك أرضـا في شباس عمير وله بنات أنجنب له أبناء قرية كاملة هي الشقة. أبوه أحمد علي شلبي كان يعمل موظفا بهيئة الفنارات باإلسكندرية. يـــــقـــــول خـــــيـــــري شــــلــــبــــي فــــــي ســـيـــاق الحديث عن جذوره العائلية: «لقد صُورت لعائلتي كما يـلـي: أب فــوق السبعني من عـــمـــره، ســيــاســي فـــاشـــل وشـــاعـــر مـحـبـط، عــزيــز قـــوم ذل، يـنـتـمـي إلـــى أســــرة كبيرة انحسرت عنها األضواء تــمــامــا وفُـــتّـــت ثــرواتــهــا عــــلــــى عــــــــدد هـــــائـــــل مــن البشر فلم يكن نصيب األب منها ســوى قطعة أرض بور». ويـــضـــيـــف: «جــــرب أبـــــــــــي الـــــــــــــــــــزواج مـــــــــرات فـــــلـــــم يـــــكـــــن يــــعــــيــــش لـــه ولـــــــد، فـــلـــمـــا أحــــيــــل إلـــى الــــــتــــــقــــــاعــــــد رجـــــــــــع إلــــــى القرية بل زوجـة لينعم بشيخوخة هادئة إال أن الــحــظ ألــقــى فـــي طريقه بـفـتـاة شـركـسـيـة األصــــل تـبـلـغ مـــن العمر اثني عشر عاما. وحني طلبها للزواج على سبيل املــزاح وافـق أهلها عن طيب خاطر فـإذا بهذه الفتاة الصغيرة تعطيه سبعة عشر ابنا وابنة كان ترتيبي الرابع بينهم. وقـــد تـعـ عـلـى األب الـكـهـل أن يستأنف الكفاح من جديد، فلم تكن أعوامه السابقة على طولها إال لعبا خــارج الحلبة وغير مــحــســوب، وعــلــيــه أن يـتـشـبـث بـالـشـبـاب املضمحل لكي تبقى هذه األسـرة الكبيرة على قيد الحياة». ويــــرى الـبـاحـث أن ســر تـمـيـز خيري شـــلـــبـــي فـــــي األدب املـــــصـــــري هـــــو مــــــروره بـــتـــجـــارب حــيــاتــيــة فـــريـــدة ونـــــــادرة حيث عـانـى مـن الـفـقـر، ففي الـعـاشـرة مـن عمره كــان تلميذًا فـي السنة الرابعة 1948 عــام بـاملـدارس اإللزامية وكــان قد حفظ جانبا كبيرًا من القرآن الكريم في «كُتاب القرية» الـتـي كـــان يـذهـب إلـيـه يـومـيـا بـعـد انتهاء اليوم الدراسي باملدرسة. وبــاســتــثــنــاء عــــدد قـلـيـل مـــن تـامـيـذ املـدارس، كان خيري ورفاقه جميعا حفاة من ذوي الجلباب الواحد صيفا وشتاء ال يفصل بينه وبــ لحم الـبـدن أي ملبس أخـــــرى. وكــــان يــزهــو عــلــى زمـــائـــه بـشـيء واحــــد فـقـط وهـــو أن أبــــاه أدخــلــه املــدرســة بـــاخـــتـــيـــاره ورغـــبـــتـــه أمــــــا هــــم فـــقـــد جـــيء آلبائهم بخفراء بالقوة قسرًا ليخضعوهم بالقوة لقانون التعليم اإللزامي. فــــي قـــريـــة شـــلـــبـــي، كـــــان يـــســـود قـــول مـأثـور «صنعة فـي الـيـد أمـــان مـن الفقر»، مــن هـنـا فـعـلـى أبــنــاء غـيـر الـفـاحـ وهـم قـلـة أن يتعلموا صنعة يتكسبون منها لذا فقد التحق بحرف عديدة في اإلجازات الـصـيـفـيـة فـتـعـلـم مـــبـــادئ بـعـضـهـا وأتـقـن بـعـضـهـا اآلخـــــر مــثــل الـــنـــجـــارة والـــحـــدادة والـخـيـاطـة، واألخـــيـــرة أمـضـى فيها وقتا طـــويـــا وكــــان وهــــو كــاتــب مـــعـــروف يلجأ إلـيـهـا عـنـد اشــتــداد الـحـاجـة إلـــى مــا يسد الرمق. ويحكي خيري شلبي عن تأثره في طفولته بدراما الواقع التي عاشها والده وكـــيـــف انــقــلــبــت حـــيـــاتـــه فـــقـــرًا بـــعـــد ثـــــراء، فيشير إلـى أن الـوالـد كـان يشرد لساعات طويلة كتمثال فرعوني، مفتوح العينني، جـــامـــد الـــحـــركـــة فــيــثــيــر خـــيـــالـــه ويـــحـــاول اســتــنــتــاج مـــا يــمــكــن أن يــفــكــر فــيــه طـــوال هـذا الـشـرود األسـيـف. وكــان يـحـاول وهو الطفل الصغير أن يواسيه وأن يلفت نظره بحركات خفيفة الظل، بكلمات ضاحكة، لكي يفرد وجهه ويبتسم. وعـــنـــدمـــا يــقــع بـــصـــره عــلــى والـــدتـــه، تلك الفتاة الغريرة التي هرمت على غير أوان، على حد تعبيره، يجدها تجلس في ركــن بعيد منكبة على نفسها ودموعها تهطل بـغـزارة. وكــان يعرف بالسليقة أن املشهد املـأسـاوي الــذي يحدث فـي بيتهم بني الحني واآلخر قد صار وشيك الحدوث وأن أباه سيثور ويفقد أعصابه وسيقسم بـأغـلـظ األيـــمـــان إنـــه ال يحتكم عـلـى مليم وإنـــــه لـــو مــــات الــلــحــظــة، وهــــو أمــــل طـاملـا تمناه، فلن يجدوا في حوزته ثمن الكفن. هـــــذه الـــحـــيـــاة املــــؤملــــة واملـــمـــعـــنـــة فـي الــــخــــشــــونــــة دفـــــعـــــت بــــــه إلـــــــى الــــعــــمــــل مــع الفلحني وعمال التراحيل في جمع القطن وحـــصـــد األرز والـــقـــمـــح وتــطــهــيــر الـــتـــرع واملـــــصـــــارف وهـــــو ال يــــــزال طـــفـــا صـغـيـرًا حـيـث كـــان يشحنهم املــقــاول فــي جـــرارات تحملهم إلـى بـلـدان بعيدة ليشتغلوا في أراضـــــي الــوســيــة والــتــفــاتــيــش فـــي تنقية دودة القطن وقد أثمرت هـــذه الـتـجـربـة روايــتــ هـــــمـــــا «الــــــســــــنــــــيــــــورة»، و«األوبـــــــــــاش»، وبـعـض القصص القصيرة. وتــعــلــم شـلـبـي من هـــــذه الـــتـــجـــربـــة، فــضــا عـــن االحـــتـــكـــاك بـنـمـاذج ال حصر لها مـن البشر بكل خبراتها وتجاربها وأحـــامـــهـــا وهــمــومــهــا، هو أن والده ليس البطل الوحيد في الحياة وأن قـصـتـه يـمـكـن تأجيلها أمــام هـذا الكم الهائل مـن الــروايــات الحية واملآسي اإلنسانية الفادحة. لقد تضاءلت قصته الشخصية وذابت في قضية كبيرة جــــدًا يـشـخـصـهـا هــــذا الــجــمــع الـــهـــائـــل من التعساء املطحونني الذين يدفعون عرقهم ودمــاءهــم ونـــور أبـصـارهـم ثمن الرفاهية لـفـئـات مـــن الـــنـــاس ال يــنــالــون مـنـهـم حتى حسن املعاملة، كما كان يردد دائما. تـــعـــلـــم خــــيــــري شـــلـــبـــي مــــن الـــنـــمـــاذج املـــصـــنـــوعـــة مــــن لـــحـــم ودم والــــتــــي احــتــك بها فـي مرحلة مبكرة للغاية مـن حياته أســــــــــرار الــــفــــولــــكــــلــــور املـــــصـــــري كـــــلـــــه، مــن املـواويـل الحمراء والخضراء والبكائيات إلـــى أغـنـيـات الـعـمـل مــن حـــرث وبـــذر وري وحـــــصـــــاد وأغــــــانــــــي األفـــــــــــراح والـــخِـــطْـــبـــة والطهور واملهد والصباحية والحواديت املسلّية الحكيمة، فضل عن الغناء الشجي املــلــيء بـاملـشـاعـر والــعــزف عـلـى السلمية والناي واألرغول والربابة. وكذلك األلعاب الـــجـــمـــاعـــيـــة الـــحـــركـــيـــة مــنــهــا والـــذهـــنـــيـــة، فـكـل مـحـافـظـات مـصـر كـانـت حــاضــرة في املخيمات أو األحواش التي تؤويهم سواد الليل والتي تتجسد فيها القيم اإلنسانية الـعـظـيـمـة الــتــي تـوقـظـهـا مــشــاعــر الـغـربـة حيث يتحول كل واحـد إلى طبيب يداوي جرح اآلخر ويواسيه ويعاونه. وكــانــت «مـــنـــدرة» أو مجلس الــوالــد، بـمـثـابـة مــنــتــدى ثــقــافــي وســيــاســي تـربـى فيها خيري شلبي مبكرًا، فبعد أن تمكن من تعلم القراءة والكتابة وهو في مرحلة الطفولة قرأ السير الشعبية عشرات املرات مثل الهللية وعنترة وذات الهمة وحمزة البهلوان وفيروز شاه وسيف بن ذي يزن وعـلـي الـزيـبـق والـظـاهـر بـيـبـرس، إضـافـة إلــى املـاحـم الشعبية الغنائية الـتـي كان يـغـنـيـهـا املــــداحــــون املـــتـــجـــولـــون. وهــــو ما انعكس على أعماله الروائية. القاهرة: رشا أحمد نص جديد تماما يتمتع باالستقالل عن النص األصل الرواية على الشاشة... ترجمة بثالثة أنواع يتساءل األكاديمي واملسرحي السعودي رجـا العتيبي فـي تغريدة أطلقها فـي يوليو (تـــمـــوز) املـــاضـــي عـــمّـــا هـــي الـكـلـمـة املـنـاسـبـة عند التحدث أو الكتابة عن «تحويل الرواية إلـى سيناريو». أعيد طـرح تساؤله بصياغة أخرى: هل ما يحدث للرواية سينمائيا «نقل» أم «تكييف» أم «تـحـويـل»؟ وكـانـت «ترجمة» هي املفردة التي خطرت في بالي وتمنيت لو أن تساؤله اتسع لها. فالترجمة هي ما يحدث للرواية على يد السينمائيني، والكلمة األكثر دقــة، هكذا تُنَظِّر الدكتورة ليندا كوستانزو كيْر في كتابها املوسوم بــ«األدب في الفيلم... نــظــريــة ومـــقـــاربـــات تـطـبـيـقـيـة». شـخـصـيـا ال أستطيع االخــتــاف مـعـهـا، ولـعـل األكـاديـمـي واملسرحي العتيبي يتفق معي، أو باألحرى يتفق معها فهي صاحبة الفكرة - النظرية. صقل مهارات الفهم والتذوق والتعبير تــــقــــدم كــــيْــــر كـــتـــابـــهـــا مــــحــــاولــــة لـصـقـل مـهـارتـي الـفـهـم والـــتـــذوق لـــدى قــرائــه، وكـذلـك مــهــارة الـتـعـبـيـر عــن آرائـــهـــم فــي األفــــام التي يشاهدونها، بالتحديد األفـــام املبنية على نـــصـــوص أدبــــيــــة. وتـــضـــيـــف مـــوضـــحـــة أنــهــا طــــــوّرت «األدب فـــي الــفــيــلــم» بـــهـــدف تعميق املـــعـــرفـــة الـسـيـنـمـائـيـة واألدبــــيــــة عــنــد الـــقـــراء لغاية تعميق تجربة املشاهدة لتلك األفــام، وذلـك بوضع قواعد سياقية ونظرية تساعد بدورها على فهم شبكة العلقات املعقدة بني األجناس األدبية واألفلم املبنية عليها. تُشير كيْر في بداية الفصل األول «طبيعة ترجمة الفيلم... حرفية وتقليدية وراديكالية»، إذ تطرح نظريتها مصحوبة بدراسات حالة ألنواع الترجمات «السينمائية» لألدب، تشير إلى النظرة واملوقف السائدين تجاه أي فيلم مبني على نص أدبي باعتباره عمل ثانويا ذا قيمة ثانوية أو أدنى من قيمة النص املصدر، إذ ال يــــزال األدب عــمــومــا، كـمـا تـــقـــول، يشغل مـكـانـة أرقــــى مــن مـكـانـة الـفـيـلـم فــي التراتبية الهرمية الثقافية، مما يؤثر سلبا على تلقي الفيلم، بأن يُوَلِّد في املشاهد الشعور بالخيبة حني اكتشافه أن الفيلم ال يتطابق مع النص األدبي. ترجمة ال تكييف وتُــــنَــــظِّــــر كـــيْـــر أن الـــخـــطـــوة األولـــــــى فـي اسـتـكـشـاف خـصـائـص ومــزايــا الفيلم املبني عـلـى نــص أدبــــي تتمثل فــي اعــتــبــاره ترجمة للنص املصدر، وفهم االختلف بني التكييف ) و«الترجمة». فالتكييف إحداث adaptation( تـغـيـيـر فـــي بـنـيـة أو وظــيــفــة كـيـنـونـة معينة لكي تكون أكثر مـاءمـة، وقـــادرة على البقاء والتكاثر في البيئة الجديدة التي تنقل إليها. بـيـنـمـا ســبــب وجـــــود الــــروايــــة عــلــى الــشــاشــة هـــو تــرجــمــة نـــص مـــن لــغــة إلــــى أخـــــرى؛ نـتـاج عملية لـغـويـة، ولــيــس نــتــاج عملية مُـــاءَمَـــة من أجل البقاء والتوالد والتكاثر. وما ينتج عــــن الـــتـــرجـــمـــة نـــــص جــــديــــد تـــمـــامـــا، يـتـمـتـع باالستقلل عن النص األصــل. وتضيف أننا نـسـتـطـيـع مـــشـــاهـــدة وتــــــذوق الــتــرجــمــة دون االضطرار إلى قـراءة النص املصدر. وعندما نـتـأمـل فـــي أي فـيـلـم مـتـرجـم عـــن نـــص أدبـــي، فسنرى صانعي األفـــام كمترجمني ينقلون لغة األدب املكوّنة من كلمات إلى لغة السينما. ويـــحـــددون خـيـاراتـهـم مــن داخــــل بـنـيـات تلك األفلم ومن مفرداتها. وتــجــادل بـــأن األفــــام الـنـاجـحـة، املبنية على نصوص أدبية، هي التي تترجم كلمات الـنـصـوص إلــى صــور عبر تـأويـل النصوص املـــــصـــــدر واســـــتـــــغـــــال مـــــا تــــثــــيــــره مـــــن أفــــكــــار وانطباعات للتعبير عن رؤى صانعي األفلم، ويـكـون الناتج، بالتالي، كينونات منفصلة لها حياتها الخاصة. وتـذكـر أن التفكير في أي فيلم مترجم عن نص أدبي باعتباره نصا أصليا يعني فهم أن الترجمة عمل تأويلي، وأن مـا ينتج عنها نـص جـديـد، عمل جديد في شكله ووظيفته، ومستقل بذاته. وتضيف أن مــتــرجــمــي األفــــــام يـــواجـــهـــون الــتــحــديــات والخيارات التأويلية نفسها التي يواجهها أي مترجم. ترجمات سينمائية لنص واحد 3 اســـتـــمـــرارًا فـــي تـنـظـيـرهـا عـــن الـتـرجـمـة السينمائية لــ دب، تعود كيْر إلـى ما ذكرته سابقا قائلة إن كانت الخطوة األولــى لتَب مــزايــا األفــــام املـبـنـيـة عـلـى األدب تتمثل في رؤيـتـهـا كـتـرجـمـات لـلـنـصـوص األدبـــيـــة؛ فـإن الخطوة الثانية هـي الـوعـي بـأن لكل ترجمة قــيــمــا وأهـــــدافـــــا وطـــمـــوحـــات مـخـتـلـفـة تـلـعـب دورًا في تحديد سماتها ونوعها، فالترجمة الـسـيـنـمـائـيـة، حـسـب تـنـظـيـرهـا، تنقسم إلـى ثلثة أنواع. الترجمة الحرفية، وتعني إعــادة إنتاج حبكة الـنـص األصـــل بكل تفاصيلها، بينما يـحـافـظ الــنــوع الـثـانـي، الـتـرجـمـة التقليدية، على السمات العامة للنص األدبــي كالحبكة وعـــــنـــــصـــــري الــــــــزمــــــــان واملــــــــكــــــــان واألعـــــــــــــراف األسلوبية، لكن مـع تجديد تفاصيل معينة بالطرق التي يراها صانعو األفـام ضرورية أو مـــنـــاســـبـــة. أمـــــا الــــنــــوع الـــثـــالـــث، الــتــرجــمــة الراديكالية، فإنه يعيد تشكيل النص بطرق متطرفة وثورية كوسيلة لتأويله، بهدف جعل الفيلم عـمـا مستقلً. كما أن الـوعـي بـأنـواع الــتــرجــمــة الــثــاثــة مــهــم عــنــد تـقـيـيـم أي فيلم مترجم عن نص أدبي، ألن أي تقييم ينبغي أن يأخذ في االعتبار أسلوب وطريقة صنع ذلك الفيلم. ومن غير املناسب، مثلً، تقييم ترجمة تـقـلـيـديـة أو راديـــكـــالـــيـــة بــمــعــيــار حـــرفـــي. إن معرفة أنواع الترجمة الثلثة والتمييز بينها شيئان مهمان أيضا ألن املُشاهد يحتاج إلى االنتباه للتحيزات والتفضيلت لترجمة على ِــا قد يترتب على هـذه التحيزات من أخــرى، تأثير على تقييم الفيلم. كما ينبغي الوعي بأنه قـد ال توجد ترجمة نقية تماما، خالية من أي آثار من نوعي الترجمة اآلخرَيْن. وجوه «موبي ديك» الثالثة فـــي دراســــــة الـــحـــالـــة األولــــــى مـــن حـالـتـ فــي الـفـصـل األول، تـحـلـل كــيْــر ثـــاث تـرجـمـات سينمائية لرواية هرمان مليفل «موبي ديك» ). وتـتـضـمـن فــصــول الــكــتــاب األخــــرى، 1851( بمواضيعها املـخـتـلـفـة، أمـثـلـة وإحـــــاالت على عدد غير صغير من ترجمات سينمائية قديمة وحديثة. تــبــدأ كــيْــر بـمـنـاقـشـة الـتـرجـمـة الـحـرفـيـة، )، الـــــذي أنـتـجـه 1956( » الــفــيــلــم «مـــوبـــي ديـــــك وأخـــــرجـــــه جـــــون هـــيـــوســـن. وتــــشــــرح أنـــــه فـي الترجمة الحرفية يبقى الفيلم املُــنْــتَــج قريبا من النص قـدر اإلمـكـان، ويتبع صانع الفيلم، كـمـا فـعـل هـيـوسـن مـــع روايـــــة مـلـفـيـل، الـنـص األصــــل بـــإعـــادة تـشـكـيـل تـفـاصـيـل الشخصية والـزمـان واملـكـان، بطريقة تجعل الفيلم يبدو كنسخة «فاكسيميلي». ال مكان في الترجمة الحرفية للحرية اإلبداعية والجرأة في التأويل اللتني تميزان الترجمات األخـــرى. وعـــادة، إن لـم يكن دائـمـا، يخفق هــذا الـنـوع مـن الترجمة في سبر أفكار مؤلف النص األدبــي؛ وتوضح أن فـيـلـم هـيـوسـن يتضمن أمـثـلـة عـلـى نقاط الــقــوة والـضـعـف الــشــديــدة فــي تـرجـمـة الفيلم الحرفية. بيد أنـه يحقق نجاحا، إلـى حـد ما، عـلـى مـسـتـوى الـقـصـة بـالـحـفـاظ عـلـى الــدرامــا فـي الــروايــة؛ وعلى املستوى الفني، الحتوائه بعض املشاهد ذات املذاق الكثيف واملالح، كما تقول، الذي يميز نص ملفيل. وتشكل الترجمات السينمائية التقليدية غالبية األفـــام املترجمة عـن نـصـوص أدبـيـة. وفــي هــذا الـنـوع مـن الترجمة، تبقى الترجمة (الــــفــــيــــلــــم) قــــريــــبــــة مــــــن الـــــنـــــص املــــــصــــــدر قــــدر اإلمـــكـــان، مــع تـعـرضـه لـلـتـغـيـيـرات الـضـروريـة أو املــنــاســبــة وفـــقـــا لـــرؤيـــة املـــخـــرج الـتـأويـلـيـة واهتماماته األسلوبية. ولكن غالبا ما يكون الـدافـع وراء التغييرات هو الحاجة إلـى إبقاء طـــــول الــفــيــلــم وتــكــلــفــة اإلنــــتــــاج داخــــــل حــــدود السيطرة، وللمحافظة على اهتمامات وأذواق الجماهير... وقد تضاف أو تحذف مشاهد من الـنـص، وغالبا مـا تكون الشخصيات مركبة، وربـــمـــا يــصــاحــب ذلــــك تــغــيــيــرات فـــي األمــكــنــة واألزمنة بهدف تحقيق اإلثارة البصرية. يمثل ) لـلـمـخـرج فـرانـك 1998( » الـفـيـلـم «مــوبــي ديـــك رودام نموذجا للترجمة التقليدية، إذ تحافظ الترجمة على حبكة الـنـص والــزمــان واملـكـان، وتجدد بعض التفاصيل مثل دمج استطرادات ملفيل عن صيد الحيتان في حوارات البحارة، وتصوير مصاعب الحياة اليومية على مت الـسـفـيـنـة، وإظـــهـــار تـعـدد جـنـسـيـات الـبـحـارة، وتقطيع ومعالجة الحيتان على ظهر السفينة. وتــــقــــدم كــــيْــــر الـــفـــيـــلـــم الـــصـــامـــت «وحــــش ) للمخرج ميلرد ويب نموذجا 1926( » البحر للترجمة الراديكالية، التي تمنح صانع الفيلم الحرية الفنية الكاملة، واالنفتاح على إمكانات غــيــر مــــحــــدودة لـلـتـعـبـيـر والــــتــــأويــــل، إلــــى حد املجازفة بأن تكون الترجمة تعبيرًا عن ذاتها لدرجة تثير التساؤل، والشك في قرابتها من الـــنـــص املــــصــــدر. بــكــلــمــات أخــــــرى، إنـــهـــا تعيد صـيـاغـة وتشكيل الـنـص سينمائيا، بتغيير بـعـض أو كــل الـتـفـاصـيـل بـطـريـقـة تـدعـم رؤيــة صانع الفيلم. أتــــاحــــت الـــتـــرجـــمـــة الـــراديـــكـــالـــيـــة ملــخــرج «وحــــش الــبــحــر» فــرصــة االســـتـــفـــادة مـــن ثـاثـة - قدرة األدب على منح الفيلم مكانة 1 : أشياء - الشعبية املتزايدة 2 ، فورية وقابلية للتسويق - التذوق الشعبي 3 ، ببطء لكتاب ملفيل آنذاك في عشرينات القرن املاضي لقصص املغامرين املتهورين وملحم البحر، إلى جانب الشعبية .)27( . الدائمة لقصص الحب ) قصة 1926( » يـتـضـمـن «وحــــش الــبــحــر حب بني القبطان آهـاب سيلي والفتاة الشابة الـجـمـيـلـة إســتــر هـــاربـــر. وتــتــكــرر قـصـة الـحـب بني آهاب وفيث مابل في نسخة «موبي ديك» ) الــراديــكــالــيــة لـلـمـخـرج لــويــد بـيـكـون. 1930( تعامل املخرجان ويب وبيكون بحرية وجرأة مــــع الـــــروايـــــة مــضــيــفــ أحــــداثــــا وشــخــصــيــات ليست موجودة في النص. وينتهي الفيلمان بنهايتني سعيدتني، بعودة القبطان آهاب إلى «نيو بــدفــورد»، إلـى حبيبته إستر فـي «قصة .)1930( » حــب»، وإلــى «فيث» في «موبي ديــك نهايتان مختلفتان عن نهاية آهاب الذي يلقي حتفه غرقا تحت سطح البحر في الرواية. تـبـدو لـيـنـدا كـوسـتـانـزو كـيْــر مـقـنـعـة في تنظيرها، أليس كذلك؟ (*) ناقد وكاتب سعودي د. مبارك الخالدي 1998 » باتريك ستيورات في دور «آهاب» في «موبي ديك 1926 » بوستر فيلم «وحش البحر عندما نتأمل في أي فيلم مترجم عن نص أدبي سنرى صانعي األفالم مترجمين ينقلون لغة األدب المكوّنة ًمن كلمات إلى لغة السينما قصة قصيرة جدا المتجولة امـرأة شقراء بعينني عميقتي الزرقة، في الثلثني مـــن عـمـرهـا تـقـريـبـا، تــدفــع عــربــة طـفـل وتـــــدور بـهـا في املدينة زائغة العينني مهملة الثياب. على وجهها بقايا جمال غابر، وبكتفني متهدلني أثقلهما هم طويل. أتـــذكـــر أنـــنـــي رأيـــتـــهـــا فـــي الـــيـــوم األول أو الـثـانـي لحلولي في أودفــاال السويدية القائمة على منحدر من خليج بحر الشمال األوروبي كفقمة سمينة وتظل تنتظر صيدًا. بعد مدة عرفت أن العربة فارغة، وأن املرأة تكور فرشتها لتبدو وكأن طفل نائما فيها. أتذكر أنني حني سمعت قصتها حزنت وشعرت فجأة بما يشبه الـدوار حـتـى أنــنــي جـلـسـت عـلـى مصطبة الـحـديـقـة ألسـتـريـح. هي تجول كل يـوم في أرجــاء املدينة ال تبقي شارعا أو زقاقا إال وتدخله وعيناها تمسحان األرصفة والزوايا، تبحث وتستطلع. ثم تدخل حديقة البلدة كأنها تفتش بني أشجارها وسواقيها وصفوف الورد، أحيانا تخرج عن صمتها املطبق وتصدر عنها همهمات وصرخات مكتومة، ثم تقطب بغضب وتلوح بيدها متوعدة شجرة سـرو عالية، أو تمثاال برونزيا على ضفة بـركـة. فجأة تسترخي ملمحها ويبدو وجهها مشرقا وقد استعاد جماله وكأنها عثرت على ضالتها. إبراهيم أحمد النص الكامل على الموقع اإللكتروني

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==