issue16770

ليست فـي الحقيقة «مـائـة عـــام»، بوصفها تعبيرًا رمــزيــا مـكـتـمـاً، مـثـل «مــائــة عـــام مــن الــعــزلــة» فــي عـنـوان رواية ماركيز، بل مائة واثنان وثمانون عاما من الحوار املــســتــحــيــل فـــي املـــكـــان الــلــبــنــانــي، مــنــذ ســـقـــوط اإلمـــــارة حـتـى حـــرب «حــــزب الــلــه» والـكـيـان 1842 الـشـهـابـيـة عـــام ، الـتـي دخـلـت مـنـذ شـهـر فصلها 2024 الـصـهـيـونـي عـــام األخـطـر. وإذا شئنا الـرجـوع أبعد في الـزمـن، نجد بذور هذا الحوار املستحيل وجذوره، على مدى ثلثة قرون من عمر إمــارة الجبل املعنية، ثم الشهابية ضمن السلطنة العثمانية. وبينما تتساقط حمم النار بل توقف على أرجـاء واسعة من لبنان، منذرة بما هو أعظم، يتوالى بل توقف أيـضـا سيل النقاشات والـــحـــوارات املـبـاشـرة فـي وسائل اإلعـــــام عــلــى مـــــدار الـــســـاعـــة، مـــكـــررًا املـــواجـــهـــات نفسها واملضامني نفسها، التي باتت، على حيويتها وحدّتها، رتـيـبـة، مـضـجـرة، وعبثية ال يستطيع أحـــد فيها إقناع اآلخر بأي شيء، (حوار الطرشان). ، هـــنـــاك مـنـطـقـان 2024 إلـــــى عـــــام 1842 مــــن عـــــام ومشروعان فوق األرض الواحدة، ال يلتقيان. يتحاربان، يـــخـــفـــتـــان، يـــتـــعـــايـــشـــان، لـكـنـهـمـا ال يــلــتــقــيــان: املـــشـــروع الـــلـــبـــنـــانـــي، واملـــــشـــــروع اإلقـــلـــيـــمـــي فــــي لـــبـــنـــان. املـــشـــروع الــلــبــنــانــي الـــــذي يـــتـــوق إلــــى اإلفــــــات مـــن نـــظـــام املـحـيـط، السلطوي واألحادي، نحو أفق وجودي مختلف، منفتح ومتحرّر، واملشروع اإلقليمي الذي يريد إعادته إلى نظام املحيط ودمجه فيه. حركة بنيوية ثابتة، ال مفر منها، تطبع املكان اللبناني وترسم قــدره. كـان صــراع الحركة اللبنانية الطويل مع حركة الدمج في النظام العثماني، ثــم الــصــراع مــع حـركـة الــدمــج فــي ســوريــا الفيصلية، ثم فـــي مـــشـــروع الـــوحـــدة الــقــومــيــة الــعــربــيــة، خــصــوصــا في نموذجها الناصري، ثم في مشروع الوجود الفلسطيني املسلّح وحلفائه في لبنان، ثم في مشروع سوريا البعثية األسدية، وأخيرًا في مشروع الثورة اإلسلمية اإليرانية. وهــــا هـــي اآلن املـــواجـــهـــة بـــ نـهـجـ ال يـلـتـقـيـان: املـــشـــروع الـلـبـنـانـي، واملـــشـــروع اإلقـلـيـمـي فـــي لـبـنـان في صيغته اإليرانية. من جهة املشروع اإلقليمي، ثمة تبرير كامل للحرب الدائرة، على الرغم من هول دمارها، وتهجيرها مليونا ونصف مليون شخص، وغموض أفقها، لكون إسرائيل، وفقا لهذا املنطق، لو لم يبادر «حزب الله» إلى مهاجمتها في الثامن من أكتوبر (تشرين األول)، نصرة لغزة، لكانت ستبادر في أي حال إلى مهاجمة لبنان. مقابل ذلك، يرى املـشـروع اللبناني أن ال علقة للبنان بالحرب اإليرانية – اإلسرائيلية الـدائـرة فـوق أرضــه، وال كلمة له فيها وال قــــرار؛ فـهـي مـفـروضـة فــرضــا عـلـيـه. والــجــهــود اإليـرانـيـة لتكوين «حـــزب الــلــه»، لـم تكن لـلـدفـاع عـن لـبـنـان، بـل من ضمن املشروع اإلقليمي البالغ الطموح، وبذلت من أجله الغالي والرخيص، على أمل تحوّلها دولة عظمى ودولة نووية في املنطقة. وقد أمّن لها ذلك، على صعيد لبنان، الوصول إلى حدود فلسطني وإلى البحر املتوسط. وأدَّى قـيـام قــوة حربية ضخمة فــوق األرض اللبنانية.وفيما يخص الكيان الصهيوني، يذكّر املـشـروع اللبناني بأن أهم دعاته، مثل ميشال شيحا وكمال الحاج وشارل مالك وسواهم، كانوا أول من رفض هذا الكيان وسلّط الضوء عــلــى مــخــاطــره الـــكـــبـــرى. لــكــن هـــل يـمـكـن تـحـمـيـل لـبـنـان وحـــده مسؤولية تحرير فلسطني دون جميع الشعوب واألمـــم؟ وهـل يجوز زج بلد منهك تماما مثل لبنان في أتـون الحرب، بصورة مسبقة، ورغما عنه، الفتراض أن إسرائيل يمكن أن تهاجمه؟ فما هـذا املنطق؟ واملطلوب في املشروع اللبناني ليس التطبيع، بل العودة إلى هدنة الـتـي احـتـرمـهـا الـجـانـبـان اللبناني واإلسـرائـيـلـي 1949 ، إلى أن دخل الوجود الفلسطيني املسلّح 1965 حتى عام عنوة إلى لبنان، من بوابة حرياته، ثم حل محله «حزب الله»، ففقدت الدولة، فيما فقدته، حصرية السلح وقرار الحرب والسلم، وصوال إلى هذه املتاهة. OPINION الرأي 12 Issue 16770 - العدد Sunday - 2024/10/27 األحد وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com ... مشروعان فوق 1842 منذ أرض لبنان ال يلتقيان أنطوان الدويهي «مائة عام» من الحوار المستحيل هـل بـاتـت التهدئة ووقـــف نــزف الـدمـاء فـي الشرق األوسـط ومنطقة الخليج العربي، وما نحوهما فرضا ال نافلة؟ مـؤكـد أن ذلــك كـذلـك، ال سيما بعد أن بلغ السيل الزبى كما يقال، وبات الحجر يئن بأكثر من البشر. لم يعرف التاريخ طــوال أحـداثـه مـعـادالت صفرية عــبــر الــــحــــروب، وحـــتـــى لـــو خــيــل ألحـــدهـــم أنــــه انـتـصـر بـاملـطـلـق، فـهـو واهــــم، ذلـــك أن عجلة األحــقــاد تـعـود من جديد لتشعل النيران في الصدور، ضمن دائرة موت ال تتوقف وال تهدأ. مـنـذ عـــام بـالـتـحـديـد، وحـلـقـة جـديـدة مـن حلقات املــــوت تـشـهـدهـا هــــذه املـنـطـقـة املــنــكــوبــة واملــكــلــومــة من الـعـالـم، حيث أصـبـح املـــوت لــدى البعض عـــادة، وردات الفعل الوحشية عبادة لدى الطرف اآلخر. وبـــ هـــذا وذاك، جـعـلـت أطـــــراف أخــــرى بـــدورهـــا، إقـلـيـمـيـة ودولـــيـــة مــع األســــف، الــشــرق األوســـــط، ساحة ومساحة للمعارك. يــمــر الـــشـــرق األوســــــط بـــأوقـــات عـصـيـبـة، وبـيـنـمـا الـدمـاء تسيل، تتعذر املصالحة، وتغيب فـرص الحياة والنمو، واالزدهــــار والـسـام، كـأن األمــر قـدر مـقـدور في زمن منظور. يـعـن لـنـا أن نــتــســاءل: «هـــل هـــو مـصـيـر سيزيفي يصاحب تلك املنطقة في حاضرات أيامنا؟». تـعـلـمـنـا الـــتـــجـــارب اإلنــســانــيــة وآخـــرهـــا الــحــربــان العامليتان األولى والثانية، وما حصدتاه عبر أكثر من سبعني مليون قتيل، أن النار والدمار ليسا هما الحل، ال سيما أنه سيتحتم على جميع األطراف الحقا الجلوس إلى مائدة املفاوضات مرة أخـرى، والتوصل إلى صيغ ومقاربات تسمح بالعيش اآلمـن واملطمئن. الذين لهم دالـــة على كـتـابـات مفكر الـحـرب الصيني األشـهـر صن تزو، وما جاء في رائعته الخالدة «فن الحرب» يدركون أن مـــعـــركـــة املــنــطــقــة فــــي هـــــذه األوقــــــــات ال تـــحـــتـــاج إلـــى الــبــارود، بـل إلـى املحاريث والــفــؤوس، لتعبيد األرض، وإطعام الجياع، وتأمني اللجئني، وتطمني املروعني. «كـسـب معركة واحـــدة بالسلم أفـضـل مـن خوض مائة معركة بالحرب»، هل من مستجيب؟ جـــــرب كــثــيــر مــــن دول املـــنـــطـــقـــة الـــعـــيـــش إلـــــى حـد اإلغــــراق فـي الـصـراعـات السياسية والـعـسـكـريـة، عطفا على النزاعات العرقية، ومـن غير أن نوفر اإلشــارة إلى الخلفات الطائفية والعقدية، فماذا كانت النتيجة؟ هـنـاك الـيـوم املـايـ مـن الهائمني على الطرقات، ومثلهم وأكثر أيضا املسافرون إلى دول جاءوا منها قبل نحو ثمانية عقود على أمل بناء وطن على أطلل أوهام قــالــت إن هــنــاك أرضــــا بـــا شــعــب. تــراجــعــت مـسـتـويـات التنمية واإلنــتــاجــيــة، وبــاتــت الـفـاقـة والـــعـــوز يخيمان على كثير من البقاع واألصـقـاع، حيث تُجير املوازنات ألسـلـحـة املــــوت، ولـــم يـعـد هـنـاك مــن يـحـول سـيـوفـه إلـى سكك أو يطبع رماحه إلى مناجل، وهو سباق كارثي ال يرحم اآلباء ويورث الكراهات لألبناء، إرث مر من رماد في نهاية األمر. هل الحديث اآلن عن الحاجة إلى التهدئة ووضع األســلــحــة جــانــبــا والــتــفــكــر الــجــديــد الــعــمــيــق، بـنـيـات صـادقـة وطـوايـا صالحة، شـأن طهراني يوتوبي، أم حاجة ماسة قبل الوقوع في جب الحروب اإلقليمية الواسعة التي لن ترحم أحدًا؟ الـتـهـدئـة تـعـنـي أول األمــــر، تــوقــف ضــربــات املــوت الـسـاحـقـة املـاحـقـة املـتـبـادلـة مـنـذ زمـــان وزمـــانـــ ، وهـي الخطوة األولى نحو بناء الثقة بني األطراف املتصارعة، مما يفتح الــــدروب الصعبة أمـــام حـل الـنـزاعـات بطرف سلمية، ومن ثم جلء القلوب والعقول مما علق بها من ذكريات السوء وأزمنة جفاف ضرع األرض. حني تتوقف األعمال العدائية يمكن للدول املتصارعة التركيز على القضايا الحياتية األساسية والتي محقت غيلة وغدرًا فـي األعـــوام األخـيـرة، مـن تعليم وصحة وبنية تحتية، من حياة كريمة تليق بالبشر الطبيعيني، كما في بقية أرجاء العالم الساعي للصعود في معارج الفضيلة. فـي هــذا الـسـيـاق، تنبغي اإلشـــارة إلــى أن التنمية تتطلب استقرارًا يخلق فرصا للعمل ويحسن مستوى املــعــيــشــة، لــكــن تـبـقـى هـــنـــاك ركـــائـــز أســاســيــة ال بـــد من توافرها، وفي مقدمها تحقيق العدالة، فمن دونها لن يقوم سلم. فـــي هــــذه الــجــزئــيــة تـــحـــديـــدًا يــتــذكــر املـــــرء مـــبـــادرة الــســام الـتـي قـدمـتـهـا املـمـلـكـة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة قبل عقدين، ويتساءل الناظر ملشهد املـرار والدمار عن تلك الـفـرصـة الذهبية الـضـائـعـة. التهدئة تستدعي إيمانا حقيقيا بفكرة الـدولـة الويستفالية، واحــتــرام الـحـدود واملقدرات األممية. فــي هـــذا الــســيــاق، تتبقى هـنـاك مطالبة غـايـة في األهــمــيــة مــوجــهــة لـلـمـجـتـمـع الـــدولـــي والـــقـــوى الـكـبـرى الـــنـــافـــذة فـــيـــه، ال ســيــمــا الـــــواليـــــات املـــتـــحـــدة، وروســـيـــا والـــصـــ ، بـــأن تـعـمـل بـحـسـن نـيـة وإخــــاص الستنقاذ املنطقة من مآالت الحرب العبثية الدائرة، عبر وساطات جـادة ال مراوغة فيها، وأن تنظر إلى املنطقة بوصفها فـرصـة لتثاقف األمـــم وتــبــادل الــخــبــرات والــخــيــرات مع شعوبها، ال كونها ساحة لحروب تصفية الحسابات، في طريق القطبيات املتغيرة. املنطقة تحتاج لرجاالت يـؤمـنـون بـالـسـام والـتـهـدئـة كـفـرصـة للنجاة ال الـغـرق معا. المنطقة تحتاج لرجاالت ًيؤمنون بالسالم والتهدئة فرصة للنجاة ال الغرق معا إميل أمين الشرق األوسط... الطريق إلى التهدئة والتنمية كاسباروف وقيادة «القنطور» الشطرنج في روسيا رياضة مقدسة، قضى البلشفة على النبلء الذين برعوا فيها لكنهم احتفظوا بها. والحكم السوفياتي أعفى أبطال الشطرنج من الخدمة العسكرية لكي يشاركوا فـي البطوالت الوطنية. ربما أضــاف هـذا املقام الــخــاص للشطرنج إلـــى صـدمـة األســتــاذ األكـبـر IBM غــــاري كـــاســـبـــاروف حـــ هــزمــه كـمـبـيـوتـر . كمبيوتر ديب بلو كان مصمما لكي 1997 عام يحسب مليني الخطوات في الثانية، وهذا رقم كـفـيـل بـــمـــواســـاة أي بـــشـــري يــتــعــرض لـلـهـزيـمـة عــلــى يــــده، عــلــى األقــــل بــعــذر اإلرهــــــاق الــذهــنــي، وهــــذا غـالـبـا مـــا حـــدث لــكــاســبــاروف، الــــذي كـان مـتـقـدمـا بــعــد الـــشـــوط األول ثـــم فــوجـــئ بـحـركـة مــن الـكـمـبـيـوتـر وصـفـهـا بـأنـهـا «ال تنتمي إلـى منطق الشطرنج»، وتحولت املباراة لصالح هذه النسخة املبكرة من الذكاء االصطناعي. كــاســبــاروف عـبـر عــن غضبه بـعـد املــبــاراة، مــــذكّــــرًا بـــــأن الــكــمــبــيــوتــر نــفــســه لــــم يــســتــطــع أن يستوعب ضغط الحسابات فتجمد مرتني، وأن املـنـظـمـ سـمـحـوا لتقنييه بـــإعـــادة التشغيل، وهـي ميزة لـم ينل مثلها العقل البشري. يبدو رد فـعـل كـــاســـبـــاروف حــالــة خـــاصـــة. لـكـن نـظـرة ثــانــيــة إلـــيـــه تــظــهــر أنــــه يــشــبــه الــقــلــق الـــعـــام من الــذكــاء االصـطـنـاعـي، بــل ورد الـفـعـل الــعــام إزاء التطورات التكنولوجية الكبرى في املجتمعات، وال سيما من هؤالء املرشحني لفقدان حظوتهم. اعتراضات ال تخلو من وجاهة، لكنها ال تصمد لحكم الزمن. تــشــارلــز ديــكــنــز وصــــم الـــثـــورة الـصـنـاعـيـة بالقسوة ونـقـل قلق الطبقة العاملة مـن أثرها على حياتهم، وتشارلي تشابلن سخر من موقع اإلنـــســـان فــي آلـــة الـحـداثـة. كـاهـمـا مـبــدع خلق فـنـا بـاقـيـا مــؤثــرًا، لـكـن ال يــقــارن بـبـقـاء الــثــورات التكنولوجية وتأثيرها، وموقعها الجوهري من حياتنا. ويُظهر الحكم املنصف عليها أن أثرها اإليجابي كـان أخلقيا بقدر ما كـان اقتصاديا. مـــا نـسـمـيـه حــالــيــا «تـــضـــاؤل الــحــاجــة إلــــى الـيـد العاملة» هـو نفسه الـقـوة الـدافـعـة إلــى «تحرير الــعــبــيــد». ومــــا يـنـعـم بـــه الــشــخــص الـــعـــادي في أيامنا من رفاهية في ظل تكييف الـهـواء واملـاء النظيف والـــدش الـسـاخـن ووســائــل املـواصـات كان قَصرًا وحَصرًا على النبلء في عهد ما قبل «األزمنة الحديثة». واعـــــتـــــراضـــــات كــــاســــبــــاروف عـــلـــى «عــــدالــــة املــــــــبــــــــاراة» انــــعــــكــــاس لـــنـــمـــط الــــخــــطــــاب نــفــســه املستخدم فـي مـقـاومـة التغييرات االجتماعية والــتــكــنــولــوجــيــة. املــجــتــمــعــات أيـــضـــا تـعـتـرض ألســبــاب تــبــدو جــيــدة وحــريــصــة عـلـى مصلحة البشر، بدءًا باملعايير األخلقية، ومرورًا بفقدان الـــوظـــائـــف، وصـــــوال إلــــى الــتــحــذيــر مـــن الـفـجـوة االجتماعية. حجج مصوغة بعناية من الناحية الــبــاغــيــة، لـكـنـهـا قــصــيــرة الــنــظــر مـــن الـنـاحـيـة العملية. والـواقـع أن املجتمعات التي تستسلم لــخــطــاب ذاتـــــي يـعـفـيـهـا مـــن عـــنـــاء الــــخــــروج من منطقة الـراحـة هـي املجتمعات التي تخسر في النهاية. نـسـتـطـيـع بـــا تـــــردد أن نـــقـــول إن رد فعل املــجــتــمــعــات إزاء الـــجـــديـــد هــــو الـــعـــامـــل األكـــبـــر فـــي تــحــديــد مـــســـاراتـــهـــا، أكـــبـــر كــثــيــرًا مـــن عـامـل الـجـغـرافـيـا الــــذي تـبـنـاه مـونـتـسـكـيـو، أو عـامـل الـبـيـئـة الــــذي تـبـنـاه غــيــره. الــيــابــان عـلـى سبيل املـثـال تشغل املـوقـع الجغرافي نفسه، وتعيش فــــي الــبــيــئــة نــفــســهــا، قـــبـــل اإلمــــبــــراطــــور مـيـچـي وبعده. لكن التغيير الثقافي الذي تبناه مرتكزًا على االنفتاح على الجديد كان العامل الفارق في حظوظ البلد. وبإمكاننا أن نرى املقارنة نفسها من وجه آخر إن وضعنا سنغافورة على امليزان مع جاراتها، أو قارنّا شطري الجزيرة الكورية. اإلنسان ينجح في استيعاب التغيير أو يخفق. أما «النجاح» في مقاومته وممانعته، كما يحلو للمجتمعات املتأخرة أن تسميه، فمجرد تلعب بلفظ الفشل وتجميل وتمجيد له. أردت أن أدعم رأيــــي بـاسـتـدعـاء الـكـائـنـات الطبيعية الــتــي لم تتأقلم مـع التغيرات لـــإدالء بشهادتها، لكنها انقرضت. اآلن، إن كـانـت قـداسـة الشطرنج الدنيوية فــي روســيــا عمقت الـصـدمـة مــن تغيير يطوله، فما بالك إن كان التغيير مرتبطا بقداسة دينية لــنــمــط زمـــنـــي مـــعـــ ، ومــتــشــعــبــا فــــي تـفـاصـيـل الـــحـــيـــاة. يـجـعـل هــــذا مــقــاومــة الـتـغـيـيـر مـعـركـة دينية، االنتصار فيها انهزام للحياة. كاسباروف من الذكاء بحيث أدرك أن الذكاء االصطناعي ليس حربا على البشر، بل مجرد ثورة صناعية جديدة عليه التكيف معها، فتبنى الحـقـا مـفـهـوم «شـطـرنـج الـقـنـطـور». والـقـنـطـور حـيـوان خـرافـي لـه عقل إنـسـان وجـسـد حصان. والـقـصـد الـجـمـع بــ اإلبـــــداع الـبـشـري وقــــدرات الــــذكــــاء االصـــطـــنـــاعـــي عــلــى الـــحـــســـاب وتـحـلـيـل الــبــيــانــات. انــتــقــال كـــاســـبـــاروف مـــن الـخـصـومـة مـع االبـتـكـار إلــى الـتـعـاون معه نـمـوذج يحتذى للمجتمعات. ومـا اكتشفه بنفسه لنفسه يجب أن نـتـبـنـاه ألنـفـسـنـا: الـتـقـدم حـتـمـي، اسـتـنـزاف الجهد فـي مقاومته فـي كـل ركــن عبث وهزيمة للنفس. التطور يضيف للنسان الــذي يتبناه قدرات، ويضيف للمجتمعات فرص عمل ورخاء ومستوى معيشيا أكبر. أميركا لم تفلس حني في املائة 40 تقلصت نسبة العاملني بالزراعة من في املائة، بل توسعت في مجاالت جديدة. 2 إلى مــــفــــهــــوم الــــقــــنــــطــــور صـــــــار أيــــضــــا املـــفـــهـــوم الــســائــد فـــي إدارة الــشــركــات الــنــاجــحــة. يتولى الــذكــاء االصطناعي الـوظـائـف الروتينية؛ مثل تـحـلـيـل الـــبـــيـــانـــات الــضــخــمــة، وتــــوزيــــع املـــهـــام، وتـقـيـيـم األولـــويـــات، وكـشـف الــثــغــرات. ويتفرغ اإلنـــســـان، متسلحا بـمـعـلـومـات أفــضــل، التـخـاذ القرارات االستراتيجية وإضافة اإلبداع والتفهم الشعوري. يتولى الذكاء االصطناعي الوظائف الروتينية مثل تحليل البيانات الضخمة وتوزيع المهام وتقييم األولويات خالد البري

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==