issue16763

تــــعــــددت األهــــــــداف الـــتـــي تـــقـــف وراء الحرب اإلسرائيلية على لبنان والنتائج املتوخاة منها، وفي مقدّمها إقامة منطقة عــازلــة فــي الـجــنـوب خـالـيـة مــن الـسـكـان، وفــــــرض واقــــــع أمـــنـــي وســـيـــاســـي جـــديـــد. واختلفت اآلراء حول الغاية التي تريدها إسرائيل من هذه املنطقة، خصوصًا أنها ال تــوفّــر األمــــن لـلـمـسـتـوطـنـات وال تمنع إطـــــاق الـــصـــواريـــخ املـــتـــوسّـــطـــة وبــعــيــدة املدى. ومــع اشــتــداد حـــدّة املـواجـهـة البرّية بـــــن مـــقـــاتـــلـــي «حـــــــــزب الـــــلـــــه» والـــــقـــــوات اإلسرائيلية في القرى والبلدات اللبنانية الـــــواقـــــعـــــة عــــلــــى الـــــشـــــريـــــط الـــــــحـــــــدودي، والـــدعـــايـــة الـــتـــي يــســوقــهــا االحــــتــــال عن مكاسب ميدانية، يؤكد الخبير العسكري واالستراتيجي العميد نـزار عبد القادر، أن «األهــــــــداف اإلســرائــيــلــيــة مـــن املـنـطـقـة الـــعـــازلـــة غــيــر واضـــحـــة حــتــى اآلن، وقــد تكون هدفًا تكتيكيًا بالنسبة إلسرائيل، كتوطئة لهدف استراتيجي وهو احتلل كـــامـــل جـــنـــوب لــبــنــان وجـــــزء مـــن الــبــقــاع الـــغـــربـــي، لـــفـــرض واقـــــع أمـــنـــي وسـيـاسـي مختلف عمّا عليه الحال اآلن». قرية ومدينة 70 تهجير سكان وتــــوقّــــف عــبــد الــــقــــادر عــنــد إصــــرار إســـرائـــيـــل عــلــى إبـــعـــاد قـــــوات الـــطـــوارئ الدولية «اليونيفيل» والجيش اللبناني إلـــــى شـــمـــالـــي مـــجـــرى نـــهـــر الــلــيــطــانــي، مـؤكـدًا فـي تصريح لــ«الـشـرق األوســط» أن الـــجـــيـــش اإلســـرائـــيـــلـــي «يــــصــــر عـلـى منطقة عازلة خالية من السكان تمامًا، وفــــق مـــا صــــرّح بـــه وزيــــر الـــدفـــاع يـــوآف غــاالنــت وجــــرف كـــل الــبــلــدات اللبنانية الواقعة ضمنها، وتحويلها إلـى أرض غير صالحة للحياة». وأشـار عبد القادر إلى أن إسرائيل «لـــن تكتفي بــذلــك، ألن هـــذه املنطقة لن تـــزيـــل خــطــر مــقــاتــلــي (حـــــزب الــــلــــه)، وال تـــوقـــف إطــــــاق الــــصــــواريــــخ املــتــوســطــة والـبـعـيـدة، بـل ستعمد مـن خللها إلى إنهاك مقاتلي الحزب، والبدء باملرحلة الـثـانـيـة واالسـتـراتـيـجـيـة وهـــي تهجير بـــلـــدة ومـــديـــنـــة في 70 ســـكـــان أكـــثـــر مـــن جـنـوب لـبـنـان إلـــى شـمـالـي مـجـرى نهر األولي، والبدء بخطة اجتياح واسعة». بشروط الميدان ولـــفـــت أســـتـــاذ الـــقـــانـــون والــســيــاســات الدولية في جامعة باريس، الدكتور محيي الـديـن الشحيمي، إلــى أن «املنطقة العازلة التي يتحدّث عنها الجيش اإلسرائيلي غير واضحة املعالم، سـواء باملساحة أو العمق الجغرافي، أو في ترتيباتها األمنية». ورأى في تصريح لـ«الشرق األوســط» أن «الغاية املـــؤكـــدة مـنـهـا هــي فـــرض تطبيق الـــقـــرارات بكل بنوده 1701 الدولية، خصوصًا القرار ، ولكن 1559 ومـنـدرجـاتـه، بما فيها الـقـرار بشروط امليدان». وقـــال الشحيمي: «واضـــح أن العملية الـــعـــســـكـــريـــة وحــــدهــــا لــــن تـــفـــضـــي إلـــــى حـــل سياسي، لذلك فـإن املعلومات التي ترشّح مـــــن االتـــــــصـــــــاالت األوروبــــــــيــــــــة والـــــدولـــــيـــــة، وخصوصًا الفرنسية، تشدد على تطبيق كمخرج من األزمة»، كاشفًا عمّا 1701 القرار يدور في الكواليس الدبلوماسية، ومتحدثًا عـــن «جـــهـــود لـــوضـــع آلـــيـــة قــانــونــيــة دولــيــة وبإشراف دولي 1701 ترعى تطبيق القرار مباشر». 1701 لجنة دولية لتطبيق الـ وأضــــــــــاف الـــشـــحـــيـــمـــي: «عــــنــــدمــــا أقـــــر في العام 1701 مجلس األمـن الدولي القرار ، ترك للدولة اللبنانية سلطة تطبيقه، 2006 لكنّها عـجـزت عــن ذلـــك. أمـــا الــيــوم، فيجري الحديث عن لجنة دولية سيكون مقرها في 1701 لـبـنـان، ومهمتها تطبيق هـــذا الــقــرار 1559 ومـا يتضّمنه من قــرارات أخــرى، أي الـــ ، تحت إشراف دولي». 1680 والـ ويستدعي إنشاء املنطقة العازلة تفريغ بـــلـــدة فــــي جـــنـــوبـــي مـــجـــرى نـهـر 20 أكـــثـــر مــــن الـلـيـطـانـي مــن سكانها وتـحـويـلـهـا إلـــى أرض محروقة. ويـــــرى الـخـبـيـر الــعــســكــري الـعـمـيـد نـــزار عـبـد الـــقـــادر، أن «املـخـطـط اإلسـرائـيـلـي يهدف إلـــى اإلمـــســـاك بــأربــعــة مـــمـــرات عــبــور رئيسية هي: جنوب لبنان، البقاع الغربي وصوال إلى ســـد الــقــرعــون، والـــجـــوالن الـــســـوري والـسـاحـل الــجــنــوبــي». وقــــال: «ســنــرى هـجـومـ عسكريًا كــاســحــ عــلــى هــــذه املـــحـــاور بــذريــعــة الـقـضـاء على مقاتلي (حـــزب الـلـه) وقــادتــه، وهـــذه هي الطريقة التي تفرض بها تل أبيب واقعًا أمنيًا واستراتيجيًا على الحدود الشمالية». وشدد عبد القادر على أن املنطقة العازلة «ليست إ غـايـة تحقق مـن خللها إسرائيل الهدف االستراتيجي، ألن البقاء عند املنطقة العازلة أو االكتفاء بالوصول إلى مجرى نهر الليطاني سيُبقي الحزب في الجنوب، ويُبقي نفوذ إيــران في هـذه املنطقة، وهـذا ما ال تقبل به إسرائيل، ألنها تريد من هذه الحرب، وفق رؤيـتـهـا، إنــهــاء الــحــزب وأي نـفـوذ إيــرانــي في لبنان، مـا يعني أن الـحـرب طويلة ومفتوحة على كل االحتماالت». ويـــجـــمـــع الــــخــــبــــراء عـــلـــى أنـــــه مــــن املــبــكــر الـتـكـهّــن بـنـتـائـج هـــذه الـــحـــرب، طــاملــا أنــهــا في بداياتها. ويـــرى الـدكـتـور محيي الـديـن الشحيمي أنـــــه «رغــــــم الـــــظـــــروف الـــصـــعـــبـــة فـــــإن اســـتـــقـــرار لبنان يبقى حاجة دولية الستقرار املنطقة». وعـبّــر عـن أسـفـه ألن «املنطقة الـعـازلـة، والتي ربما تقام بغطاء دولــي وخصوصًا أميركيًا، هي الطريقة البديلة لتنفيذ الـقـرارات الدولية بـطـريـقـة مــعــاكــســة، وهــــذه الــــقــــرارات ستطبّق بشروط امليدان». 6 حرب متعددة الخرائط NEWS قال خبير عسكري إن إسرائيل «تهدف إلى اإلمساك بأربعة ممرات عبور رئيسية هي: جنوب لبنان، البقاع الغربي وصوال إلى سد القرعون، والجوالن السوري والساحل الجنوبي» ASHARQ AL-AWSAT Issue 16763 - العدد Sunday - 2024/10/20 األحد الحديث عن لجنة دولية مهمتها تطبيقه بشروط الميدان 1701 المنطقة العازلة في جنوب لبنان مقدّمة لفرض القرار جانب من الغارات اإلسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب) بيروت: يوسف دياب جونية في مرمى االستهداف للمرة األولى غارة إسرائيلية شمال بيروت تغتال لبنانيا وإيرانية قـــــــتـــــــل شـــــــخـــــــصـــــــان فــــــــــي غــــــــــارة إســرائــيــلــيــة اســتــهــدفــت ســـيـــارة على طـريـق سريعة تصل بـيـروت بشمال لـــــبـــــنـــــان، وهــــــــي املـــــــــرة األولـــــــــــى الـــتـــي تستهدف فيها هذه املنطقة منذ بدء التصعيد بي «حزب الله» وإسرائيل، قبل أكثر من عام. وبـيـنـمـا أشــــارت املـعـلـومـات إلـى أن املــــســــتــــهــــدف قـــــيـــــادي فـــــي «حـــــزب الـلـه»، قالت وزارة الصحة فـي بيان، إن «غــــــارة لــلــعــدو اإلســـرائـــيـــلـــي على سيارة في جونية أدت إلى استشهاد شـــــخـــــصـــــن». وأشـــــــــــــــارت «الـــــوكـــــالـــــة الوطنية اللبنانية لإلعلم» الرسمية إلى أن «مسيرة إسرائيلية استهدفت صواريخ سيارة (...) على الطريق 3 بـ الــــســــريــــعــــة فـــــي جـــــونـــــيـــــة»، الـــطـــريـــق الــرئــيــســيــة الـــتـــي تـــربـــط بــــن بـــيـــروت وشمال لبنان، مشيرة إلى أنه كان في داخل السيارة رباعية الدفع «شخص وزوجـتـه»، ذُكـر أنهما اللبناني رضا عــبــاس عـــواضـــة، وزوجـــتـــه اإليــرانــيــة الجنسية. وبحسب «الوطنية»، تمكّن الشخصان في بادئ األمر، من الفرار من السيارة، إال أن املسيرة «الحقتهما بعد إصـابـة الـسـيـارة وهروبهما في الـــحـــرج املــــحــــاذي لــلــطــريــق الـسـريـعـة واستهدفتهما». وعملت سيارات اإلسعاف وفرق الدفاع املدني على القيام باإلجراءات اللزمة، وإخماد النيران الناجمة عن االنــفــجــار، بينما ضُــــرب طـــوق أمني عـــلـــى املـــســـلـــك الـــغـــربـــي ألوتـــوســـتـــراد ســاحــل عـلـمـا، مــع تـــرك مــســرب واحــد سالك أمام السيارات. وأشــــــــــــــارت مــــعــــلــــومــــات إلــــــــى أن الجيش اإلسرائيلي استخدم صاروخ «الــــنــــيــــنــــجــــا» الـــــــــذي يـــطـــبـــق شــــفــــرات حــــــادة، فـــي الـــبـــدايـــة، وعـــنـــد مـحـاولـة املستهدفي الـفـرار تمت ملحقتهما باملسيرة وأطلقت صـاروخـ متفجرًا أدى مقتل الرجل وزوجـتـه، علمًا بأن الـسـيـارة املستهدفة كـانـت مقبلة من شمال لبنان باتجاه بيروت. وتـحـطـم زجــــاج مـتـجـر حـلـويـات مــــجــــاور ومـــتـــاجـــر أخــــــرى عـــلـــى هـــذه الـــطـــريـــق الـــســـريـــعـــة الـــحـــيـــويـــة الــتــي تسلكها يوميًا آالف السيارات، بينما خــلّــفــت الــــغــــارة فـــجـــوة صــغــيــرة على الطريق. وأدّت الغارة كذلك إلى جرح شخصي، باإلضافة إلى «تحطم عدد مــن زجـــاج املـبـانـي واملــحــال املـحـاذيـة لــــلــــمــــكــــان عــــلــــى املــــســــلــــكــــن الـــشـــرقـــي والغربي»، وفق الوكالة. عــامــ ) 54( وقـــــال شـــربـــل نـــخـــول الــذي وصـل بسيارته إلـى املكان بعد دقــــائــــق قــلــيــلــة مــــن الــــغــــارة لـيـشـتـري الــــحــــلــــويــــات: «كــــنــــت ذاهــــبــــ بـــاتـــجـــاه بـــيـــروت وتــوقــفــت هـنـا (...) شـاهـدت كـــــأن الـــــصـــــاروخ ســـقـــط» قـــــرب مـتـجـر الحلويات. وأضـــــــــاف لــــــ«وكـــــالـــــة الـــصـــحـــافـــة الـــفـــرنـــســـيـــة»: «أصـــبـــحـــنـــا نـــتـــوقـــع أن يحصل أي شــيء بـن لحظة ولحظة (...) ال أتوقع أن تبقى املنطقة آمنة، ما دام هناك نازحون من الجنوب في مناطقنا، فسوف يتم قصفها». وهذه املرة األولى التي تستهدف فيها هذه املنطقة البعيدة عن معاقل «حزب الله» وذات الغالبية املسيحية. ومــنــذ أن صّـــعـــدت إســـرائـــيـــل في سبتمبر (أيـلـول) وتيرة غاراتها، 23 اســــتــــهــــدفــــت بـــشـــكـــل خـــــــاص مـــعـــاقـــل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفـــي جــنــوب لـبـنـان وشـــرقـــه، قـبـل أن تعلن نهاية الشهر ذاته بدء عمليات توغل بري عبر الحدود. لكن نطاق الـغـارات اإلسرائيلية تـوسّــع ليطال وســط بـيـروت وشمال لبنان في بعض األحيان. بيروت: «الشرق األوسط» ينتظرون نهاية الحرب للعودة إلى قراهم ودفنهم فيها نازحون لبنانيون محرومون من «الوداع الالئق» لموتاهم يــتــلــقــى الــــنــــازحــــون الــلــبــنــانــيــون فـي مـراكـز اإليـــواء واملــنــازل الـتـي استأجروها أخـبـار قتل إسـرائـيـل أفــــرادًا مـن عائلتهم وأقــــاربــــهــــم، فــيــضــطــر الـــعـــديـــد مــنــهــم إلـــى أن يـعـيـش الـــحـــزن ومــشــاعــر الـفـقـد بشكل صــــامــــت، ومـــــن دون إقــــامــــة أي شـــكـــل مـن أشكال العزاء في أكثر األحيان. تــقــول نــســريــن فــتــونــي، الـــنـــازحـــة من بلدة دير قانون رأس العي (قضاء صور)، لــــ«الـــشـــرق األوســــــط»: «دُفِــــنَــــت جــدتــي ولـم نـتـمـكـن، نـحـن أحــفــادهــا وأفـــــراد عائلتها، مــن حـضـور مــراســم الــدفــن بسبب الـحـرب البشعة التي نعيشها». وتضيف: «قتلتها إســـرائـــيـــل فـــي الـــيـــوم األول لـــلـــعـــدوان؛ أي أفــــراد 4 سـبـتـمـبـر (أيــــلــــول)، هـــي و 23 فـــي مــن عائلتها فــي منزلهم الــواقــع فــي بلدة الـسـكـسـكـيـة (جـــنـــوب لـــبـــنـــان). لـــم نتمكن مـن إقـامـة الــعــزاء لها بسبب نـزوحـنـا إلى بعلشميه (قضاء بعبدا)، وال حتّى قراءة سورة الفاتحة على قبرها». ويـــنـــشـــغـــل الـــــنـــــازحـــــون بــــهــــمــــوم مــن نـــوع آخـــر فـرضـهـا الـــنـــزوح، لـكـنـهـم حتمًا سيشعرون بالفقد أكثر حي يعودون إلى منازلهم. تقول نسرين: «ال أتخيل املنزل مــن دونـــهـــا، وخــصــوصــ أنــهــا سبعينيّة، ولكنها لم تكن تعاني من مرض أو عجز. مــوتــهــا شـــكّـــل صـــدمـــة لـــنـــا». وعــــن أول ما ستفعله حي تنتهي الحرب وتعود، قالت: «ســأزور قبرها فور عودتي، حتّى لو كنّا في هدنة قصيرة، أقرأ لها الفاتحة ونقيم لها العزاء». عزاء خارج البالد تُوفيت الـجـدة لطيفة، وتمكن بعض أقـاربـهـا دون سـواهـم مـن دفـنـهـا. لكن مع تـصـاعـد وتــيــرة الــحــرب عـلـى لـبـنـان، بـات األمــــر صـعـبـ لـلـغـايـة بـالـنـسـبـة لـكـثـيـر من سبتمبر، ودعت إحدى 30 النازحي. ففي سـنـة) قبل أن ترسله 18( الـسـيـدات ابنها وحــــيــــدًا إلــــــى جـــبـــانـــة بـــلـــدتـــه فــــي عــيــنــاتــا (جــنــوب لـبـنـان). وقـــد تُــوفــي جــــرّاء الـغـارة التي أصابت املبنى حيث منزلهم في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، هو وشقيقته الـتـي أصيبت بـجـروح مختلفة فـــي أنـــحـــاء جــســدهــا. واســتــعــانــت الـــوالـــدة املـفـجـوعـة يـومـهـا بتقنية «الـفـيـديـوكـول» كـي تتمكن شقيقاته الـثـاث مـن توديعه؛ كون اثنتي منهن خارج البلد، واألخيرة تقبع على سرير املستشفى، قبل أن تعود األم إلى الواليات املتحدة األميركية وتقيم العزاء له خارج البلد، وهي حتّى اليوم لم تتمكن مـن زيـــارة قبر ابنها ونثر الــورود عليه. وجرت العادة أن يجتمع الناس ألجل العزاء عند حدوث حالة الوفاة، ويفتحوا مــنــازلــهــم أو الـــقـــاعـــات املــخــصــصــة لــذلــك، ويستقبلوا الناس الذين يقصدونهم من أمــاكــن قـريـبـة وبـعـيـدة ملــواســاتــهــم، إ أن الحرب منعت غالبيّة النازحي من إقامة العزاء، أو أقله ليس بالشكل املعتاد. تــــــقــــــول زهـــــــــــــراء حــــــمــــــود لــــــ«الـــــشـــــرق األوسط»: «اقتصرت الزيارات على األقارب واألصــدقــاء الـذيـن قـصـدونـا لـلـعـزاء بـزوج شقيقتي، القائد املسعف في الدفاع املدني يـــوســـف حــــمــــدان، الــــــذي قــتــلــتــه إســـرائـــيـــل 30 أثناء تأديته مهام اإلغاثة واإلنقاذ في سبتمبر، وذلـــك ملـــرة واحــــدة فـقـط، بسبب صعوبة التنقل فـي ظـل الـحـرب املستمرة على لبنان». مشهد مصغّر في قلب العاصمة بيروت، وتحديدًا على مـدخـل حـي الـخـنـدق الغميق، حيث افتُتحت مدرسة إليواء النازحي، اختارت إحــــدى الـــعـــائـــات الـــنـــازحـــة إقـــامـــة الــعــزاء لضحاياها فـي مـواقـف أحـد املباني غير املسكونة في املنطقة، حيث رصّت املقاعد، وبدأت باستقبال الناس الذين قدموا من املنطقة وخارجها. ويقول أحد النازحي إن «أخـبـار الفقد تتوالى على النازحي، وقد تصاعدت أصوات البكاء مرات عديدة ومألت املكان في األيام القليلة املاضية». تـــــــــــروي رمـــــــزيـــــــة مـــــــــاح لـــــــ«الــــــشــــــرق األوسط» قصة قريبتها الستينيّة، ناهي مـصـطـفـى، الــتــي هــربــت فـــي أول يـــوم من العدوان إلى منزل غير مسكون في وادي بـوداي (قضاء بعلبك) خوفًا من القصف اإلســــرائــــيــــلــــي، لـــيـــشـــاء الــــقــــدر أن تــمــوت هـــي وخــمــســة مـــن أفـــــراد عـائـلـتـهـا بــغــارة إسرائيلية استهدفتهم. واستمرت أعمال الــبــحــث عــنــهــم قـــرابـــة ثـــاثـــة أيـــــام بسبب عـــــدم تــــوافــــر اآللــــيــــات واملـــــعـــــدات الـــازمـــة إلنــقــاذ الـضـحـايـا، خـصـوصـ أن الــغــارات اإلســرائــيــلــيــة كـثـيـفـة ويـــتـــم تـنـفـيـذهـا في الــوقــت نـفـسـه. تـقـول رمــزيــة: «لـقـد ساعد األهالي في إزالة الردم؛ إذ ليس لدينا في البقاع مـا يكفي مـن التجهيزات؛ لـذا فإن نسبة نجاة املصابي تكون ضئيلة». إزالة أي أثر لنا وتــضــيــف رمـــزيـــة: «عُـــثـــر عــلــى أشـــاء وبقايا منهم، ليس أكثر. وال نـدري بماذا تقصفنا إسرائيل، لكن هي تتقصد إزالـة أي أثــــر لـــنـــا». ولــــم تـتـمـكـن رمـــزيـــة وبــاقــي عائلتها حتى اليوم من زيـارة قبر ناهي، حيث دفنها زوجـهـا وولـداهـا الـلـذان بقيا على قيد الحياة. وتختلف العادات قليل فــــي شـــــرق لـــبـــنـــان، حـــيـــث تــبــقــى املــجــالــس مــفــتــوحــة لــفــتــرة أســــبــــوع، تـــقـــام أثــنــاءهــا الوالئم. وتـــخـــتـــم: «نــــــزح مــعــظــمــنــا، ولـــــم نـقـم بواجبهم. حتمًا ستنتهي الحرب ونعيد فتح بيوتنا ونقيم مجالس عزاء ملن فقدنا في حـرب لم نختبر مثلها طــوال حياتنا؛ إذ تُمحى عـائـات بأكملها مـن السجلت املـــدنـــيـــة. ســــنــــزور جـــبـــانـــة الـــبـــلـــدة ونــضــع البخور، بعد أن باتت مهجورة». توزيع المالبس على النازحين في أحد مراكز اإليواء (أ.ف.ب) بيروت: حنان حمدان

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==