issue16763

قد ال يكون مهمًا لكثيرين، ممن لم يُمتحنوا بــالــعــيــش فــــي بـــــاد الـــغـــربـــة ألعـــــــوام طـــويـــلـــة، فـهـم واستيعاب طبيعة املشاعر املعقّدة، التي تستحوذ على قلب وعقل مغترب يزور مدينة شهدت مسقط رأســه، وكــان يظنّ، في بلد غربته، أنّــه قد ال يراها ثانية مطلقًا. تـعـقّــد املــشــاعــر واألحــاســيــس املــقــصــود، ربما يـــكــون نــاشــئــ عـــن طـبـيـعـة الــعــاقــة املـــعـــقّـــدة أصـــا بينهما. ذلك أن العلقة بني اإلنسان واملدن عمومًا، وبمدينة مسقط الرأس خصوص ًا، ليست بالوضوح الكافي أو حتى املتوقع كما يبدو لنا. فاملدن، مثل البشر، ال تتشابه وإن تعددت أوجه التشابه بينها. وتـظـل لكل مدينة ذاتيتها وخصوصيتها، التي اكتسبتها عبر العصور. بعض املـدن انبثق فجأة في سنوات مضت، وصارت تحظى بشهرة عاملية. وبعضها اآلخر ضارب في التاريخ، إال أنّها لم تعد تثير االهتمام. املنفيون والغرباءُ، ومن على شاكلتهم، ربما تعنيهم املسألة أكثر من غيرهم، ألنّهم يعيشون في مـدن غريبة، يتعثرون في ألسنتها، وبنيّة إقامة مـؤقـتـة، ومـــدن أخـــرى منحتهم الـحـيـاة وحرمتهم منها، بــأن ضيّقت عـمـدًا عليهم سبل العيش بها فتركوها، على أمل العودة إليها في مرحلة عمرية الحقة. قــد يـصـدف أن تـكـون واحــــدًا مــن أولــئــك الـذيـن تركوا مدنهم وأوطانهم شبابًا وعادوا إليها كهوال أو يأملون في ذلك، ربما برغبة أخيرة، وملرّة أخيرة، لتجميع ما تركوا في أرجائها مبعثرًا من شظايا ذكريات بعيدة، بأمل أن يتوكأوا عليها فيما تبقى لهم من أيام في الدنيا. وقد يصدف أن تكون واحدًا من آالف الليبيني، مـمـن تـبـعـثـروا مـهـاجـريـن فــي أصــقــاع األرض منذ أعـــــوام بــعــيــدة، وأتــيــحــت لــهــم فــرصــة الـــعـــودة إلــى مسقط الـرأس. وفي الحالتني، تكتنف تلك العودة أحــاســيــس مـتـنـاقـضـة، تـــبـــدأ مـــن نـقـطـة وال تـعـود إليها. أسوأ تلك األحاسيس وأكثرها إيلمًا، حني يكتشف العائدون لدى العودة أنّهم أضحوا غرباء، في عيون أهلهم. وأن أهلهم يتوقعون رحيلهم، وعودتهم إلى من حيث جــاءوا، ويعاملونهم على ذلـك األسـاس، وبذلك االعتقاد. وهذا يفضي بهم إلى استبعادهم مـــن دائــــــرة االهـــتـــمـــام الـــيـــومـــي وتــهــمــيــشــهــم، على أساس أنّهم ضيوف أليام قليلة، ال يتوجب إثقالهم بمشكلت ال علقة لهم بها وال يفهمونها. املفارقة أنّهم محقّون في ذلك االعتقاد. إذ مـــن أيــــن لــلــعــائــد الـــغـــريـــب أن يــجــد الــوقــت والـــفـــرص لـتـجـسـيـر هـــــوّة زمــنــيــة كــبــيــرة لــيــس في اإلمـــكـــان تـجـسـيـرهـا؟ ومـــن أيـــن ألهـلـه وأحــبــابــه أن يــتــفــهــمــوا طــبــيــعــة مــــا حـــــدث فــــي عــقــلــه ووجــــدانــــه مــن تـغـيـيـرات أحـدثـتـهـا الــغــربــة عـلـى مــر الـسـنـ ؟ ربما لذلك السبب، يظل الرحيل والـعـودة إلـى من حيث جــاءوا أفضل الخيارات للعائدين وألهلهم. يــعــودون هـم إلــى مـواصـلـة حيواتهم فـي منافيهم املختارة، ويتركون ألهلهم مواصلة حيواتهم في مدينتهم. اللفت للهتمام أن ذلك الخيار رغم كل مزاياه يترك مذاقًا حنظليًا في قلوب الفريقني. الفرق بني رؤية الفريقني، أن صورة الوطن في أذهــان العائدين ظلت مجمّدة في النقطة الزمنية التي غادروه فيها إلى العيش في بلدان أخرى. تلك الصورة أو الصور لم يعد لها وجود واقعيًا وفعليًا. بــل انـمـحـت بفعل حـركـة الــواقــع وتــغــيّــراتــه. حركة الواقع وتبدالته وتغيراته ال تعرف التوقف واقعيًا، لكنها تتوقف، شعوريًا وروحيًا وزمنيًا، في عقول املغتربني. وللسبب ذاتــه، يصابون باإلحباط ألن صورة الوطن الذي تركوه انمحت، ومحلها يجدون واقعًا آخر ال يعرفونه وال يستوعبونه وال تربطهم بـه وشـائـج وصـــات. وإجـادتـهـم ألبـجـديـة لغته ال تعني قدرتهم على فهم آليات اللغة الجديدة التي حلّت محل التي عرفوا، وما جَد عليها من تعقيدات وشفرات وتلوّنات وظلل ومعانٍ. وال يترك كل ذلك لهم سوى خيار واحد، يشبه إلى حد بعيد وضعية مـا أطلق عليه الفقهاء قديمًا مصطلح منزلة بني مـنـزلـتـ . فــا يـحـظـون بـمـنـزلـة املــؤمــن فــي اآلخـــرة وال بمنزلة الــكــافــر. أي إنـهـم معلقون بــ أوطـــان انمحت واقعيًا وبقيت فـي أذهـانـهـم مثل فــردوس مفقود، وأوطــان متبناة، مثل فــردوس موعود، لم تـعـد تقبلهم، ولـــم يـــعـــودوا يـطـيـقـون الـعـيـش بها، بسبب تغير الظروف. أي إنهم يتقلبون في نيران محنتني. الشاعر والفيلسوف أبــو الـعـاء املـعـري عاش رهني محبسني. ويعيش الغرباء واملنفيون رهائن محنتني/ غربتني. كـــتـــبـــت قـــبـــل أكــــثــــر مــــن شـــهـــر فــــي هـــــذا املـــكـــان ) مـقـاال تحت عـنـوان «مفترق إخـوان 2024/9/14( األردن»، بعد فوزهم اللفت في االنتخابات النيابية عــدد 138 مــقــعــدًا مـــن أصــــل 31 وحــصــولــهــم عــلــى أعضاء مجلس النواب، وأشـرت فيه إلى نجاحهم في استثمار حالة الغضب الرسمي والشعبي من الــعــدوان اإلسـرائـيـلـي على األشـقـاء الفلسطينيني واستحواذهم على «الصوت الغاضب». أعــيــد مـــا كـتـبـتـه فـــي املـــقـــال الــســابــق: «إخــــوان األردن الـــيـــوم، وبــعــد ثـمـانـ عــامــ مـــن وجــودهــم فــــي األردن، رتـــبـــت عــلــيــهــم نـــتـــائـــج االنـــتـــخـــابـــات األخيرة مسؤوليات تجعلهم أمام مفترق: فإما أن يكونوا جـزءًا من تماسك سلطات الدولة، أو أنهم سيدفعونها إلى خيارات ال ترغب فيها، ال في مثل هذه الظروف، وال في كل الظروف». صدر 2024/10/18 مساء يوم الجمعة املاضي عن «إخـوان» األردن تنصلوا فيه من 2 البيان رقم مـسـؤولـيـة العملية الــتــي نـفـذهـا شــابــان أردنــيــان تسلل إلـــى فلسطني املحتلة واشـتـبـكـا مــع جنود االحتلل اإلسرائيلي. كـــان واضــحــ أن الـحـكـومـة األردنـــيـــة تعاملت بحزم مع «اإلخـــوان املسلمني» بسبب بيانها رقم الــصــادر صـبـاح الـيـوم ذاتـــه، أعـلـنـوا فيه انتماء 1 الشابني للجماعة وأشادوا فيه بالعملية. ووجــه البيان األول بغضب، ووجـهـت أسئلة إلـى «اإلخـــوان» في العلن: هل أصبحتم ميليشيا مـسـلـحـة؟ هـــل تـــنـــوون الـــخـــروج عـلـى الـــدولـــة؟ هل تريدون توريط الدولة في حـرب جديدة؟ هل هي حــربــكــم أو أنـــكـــم ســتــخــوضــونــهــا بـــالـــوكـــالـــة؟ هل أصبحتم ذراعًا من أذرع خارجية؟ صــدور البيان الثاني عـن «اإلخــــوان» هــدّأ من غضبة األردنـــيـــ ، لكنه لــم يطمئنهم إلـــى سلوك «اإلخوان» واالحتماالت املستقبلية. في تقديري أن العقلية التي وقفت وراء إصدار الـبـيـان األول تثبت بــوضــوح أن «إخـــــوان» األردن يعانون من أزمة قيادة منذ عقد من الزمان. فعلى مدى سبعة عقود سبقت، ومع بعض االستثناءات، قاد «اإلخوان» عدد من «العقلء» الذين وازنوا بني مصالح الحركة من جهة، ومصالح الدولة من جهة ثــانــيــة، والـتـعـامـل مــع حـمـاسـة الــشــبــاب ومـشـاعـر الغلو والتطرف لئل تتحول من الفكرة الى الفعل. عـنـدمـا تـنـزل قــيــادات «اإلخـــــوان» إلـــى الـشـارع استثمارًا لحالة الغضب إزاء العدوان اإلسرائيلي، وتـرفـع سقف شـعـاراتـهـا تشكيكًا بموقف الـدولـة وتقليل من دورها في إسناد األشقاء الفلسطينيني دبلوماسيًا وإغـاثـيـ، وتــحــاول اسـتـثـارة املشاعر والـــعـــشـــائـــر، ثــــم تــســمــح بـــالـــتـــطـــاول عـــلـــى الـــدولـــة ورمــوزهــا أمـــام أعينها، فـذلـك يعكس مـوقـف هذه القيادات التي لم تستفد من تجارب املاضي ولم تتعلم مما جرى لـ«اإلخوان» في املنطقة والعالم. وفـــــوق كـــل ذلـــــك، فــقــد بــــات الـــبـــرملـــان األردنـــــي نائبًا عن حزب «جبهة العمل اإلسلمي» 31 يضم كـمـا أسـلـفـت، عـــرف عــن عـــدد مـنـهـم أنــهــم يـرفـعـون أصـــواتـــهـــم ويــشــحــنــون أجــــــواء جــلــســات الــبــرملــان لـتـحـقـيـق مـكـاسـب سـيـاسـيـة ويــوجــهــون األسـئـلـة واالتهامات للمسؤولني. عــلــى األردن الـــرســـمـــي، إذن، إمــــا الــبــحــث عن «الـعـقـاء» داخــل الحركة اإلسـامـيـة للتأمل معها وتذكيرها بقواعد اللعبة، أو وضـع خطة جديدة ملواجهتها دستوريًا وقانونيًا. فاألصل أن حركة «اإلخوان املسلمني» حركة أردنية تأسست بموجب القانون وغير مرتبطة بالخارج، وأن حزب «جبهة الـعـمـل اإلســـامـــي» نـشـأ بـمـوجـب قــانــون األحـــزاب الــســيــاســيــة األردنـــــيـــــة، وأن نــــــواب الــــحــــزب فـــــازوا بـمـوجـب قــانــون االنـتـخـاب األردنــــي وتـحـت مظلة الدستور األردني. خــارج هــذه املـعـادلـة، يصبح «إخــــوان» األردن خـــارجـــ عـلـى الـــدولـــة، مـــا يـعـنـي أن عـلـى الــدولــة مواجهتهم بوسائل أخرى ال تتمناها وال يتمناها أي أردني، ال سيما في مثل هذه الظروف. خـاصـة الــقــول أن «إخـــــوان» األردن يعيشون أزمة قيادة بالدرجة األولى، وعليهم التعامل معها بكل جدية حفاظًا على حركتهم ووطنهم. لـيــس صـحـيـحــ مــــا يــقـولـه مــولــعــون بــالــتــعــمــيــم حــــ يـــــقـــــرّرون أن «الــــعــــرب ال يعترفون بالهزائم حـ ينهزمون». ففي ، اختلفت اآلراء 1967 ، وخصوصًا في 1948 حــــول كــــل مـــا يـتّــصــل بـالــهـزيـمـة: حجمُها كـــــان مــــوضــــع خـــــــاف، وكــــذلــــك طـبـيـعـتـهـا واقـتـراحـات الــخــروج منها. البعض مثل اعــتــبــروا أن الـسـبـب كــامــن فــي «إلــحــادنــا» بــيــنــمــا ذهـــــب غـــيـــرهـــم إلـــــى أنّــــــه كـــامـــن فـي «إيـــمـــانـــنـــا». وهـــنـــاك مـــن رأى الــعــطــب في االشتراكيّة الناصريّة والبعثيّة، ومَــن رآه في أن تلك االشتراكيّة لم تكن اشتراكيّة، بــل «رأســمــالــيّــة دولــــة بــيــروقــراطــيّــة». وإذ اختار نقّاد هجاء «ثقافتنا»، اختار غيرهم «أنظمتنا الديكتاتوريّة» أو «جيوشنا»... مع هذا، كان القاسم املشترك بني الجميع تقريبًا إقـرارهـم بالهزيمة. حتّى األنظمة الــعــســكــريّــة الـــتـــي تــحــايــلــت عــلــى مـعـنـاهـا وأمـــــعـــــنـــــت فــــــي إســـــــــــاءة تــــأويــــلــــهــــا أقـــــــرّت بوقوعها. اليوم ليس هناك أي إقرار كهذا. حتّى الذين يستخدمون تعابير من نوع «نكبة» و»مـــــأســـــاة» وصـــفـــ ملــــا يــــجــــري، نــجــدهــم، بــعــد عـــبـــارة أو عـــبـــارتـــ ، يــتــحــدّثــون عن نصر مبني يشير إليه صــاروخ هبط على تـــل أبــيــب أو الـتـحـام مـبـاشـر أســقــط قتلى إسرائيليّني. وهـــــذا مـــا قـــد يــفــيــد فـــي إبـــطـــاء تــقــدّم الـــــغـــــزاة، أو فــــي رفـــــع كــلــفــة هـــــذا الـــتـــقـــدّم، لكنّه حـصـرًا ال يغيّر وجـهـة عـامّــة تزدحم براهينها املؤملة. واملـــوقـــف املــــذكــــور، فـــي عــــدم اكـتـفـائـه بنفي الهزيمة وذهابه إلى الجزم بالنصر، يحض على سـؤال يتجنّبه تواطؤ ثقافي شــامــل وبــالــغ اإلضــــــرار: مـتـى يــقــول طـرف ما إنّــه انـهـزم؟ أو وفـق صياغة أخــرى: هل للهزيمة معيار تقاس عليه؟ عدد القتلى؟ حجم الدمار؟ تهديم املدن والقرى؟ احتلل األرض؟ مدى التهجير والنزوح؟ املقوّمات االقــــتــــصــــاديّــــة لـــلـــصـــمـــود؟ قـــــــوّة الــحــلــفــاء الـــخـــارجـــيّـــ وضــعــفــهــم؟ مــــدى الـتـمـاسـك املـجـتـمـعـي الــــذي يــرتــكــز إلــيــه املــقــاتــلــون؟ حـــيـــاة الــــقــــادة الــعــســكــريّــ والــســيــاســيّــ ومـوتـهـم؟ اآللـــة التقنيّة املــازمــة للحرب؟ خـــــطـــــوط اإلمــــــــــــــداد ومـــــــخـــــــازن األســــلــــحــــة ومصانع إنتاجها؟... والــــــحــــــال أن اعــــتــــمــــاد أي مـــــن هــــذه املـــعـــايـــيـــر، أو اعـــتـــمـــاد بـعـضـهـا أو كــلّــهــا، يـــقـــوالن فــعــا بــــأن قـــوى الـــحـــرب، فـــي غـــزّة ولـــبـــنـــان، مُـــنـــيـــت بــهــزيــمــة لـــيـــس إعــانــهــا «تــــرويــــجــــ لـــهـــزيـــمـــة» و»إشـــــاعـــــة لـــيـــأس». فـلـيـس أســهــل مـــن تــوجــيــه الــتــهــم وإطــــاق ألسنة التشهير لتعطيل النقاش وحجب الـــوقـــائـــع الـــتـــي تـــــــروّج نــفــســهــا بـنـفـسـهـا. والــــراهــــن أن هــــدف املـــصـــارحـــة بالحقيقة ليس حــب الحقيقة، وال حـتّــى الـرغـبـة في وقف الهزيمة عند الحد الذي بلغته. فقبل هذا وذاك، وهما بذاتهما هدفان فاضلن، هناك خطر احتلل األرض، أكان في لبنان أو فــي غــــزّة، وتـعـقّــد أشــكــال الـتـخـلّــص من االحتلل وتعاظم مصاعبه، وهناك طبعًا البشر الذين يدفعون أكـاف هـذا الكتمان إطالة ملعاناتهم موتًا وتجويعًا وتهجيرًا وإفقارًا وذالًّ. ويُفترض بمن هم حريصون عـلـى «أبـــنـــاء شـعـبـنـا» أن يستوقفهم أمـر كهذا، وأن يفعلوا ما يسعهم فعله لوقف مـــعـــانـــاة اســتــثــنــائــيّــة يُــنــزلــهــا بــهــم جيش متوحّش ال يرحم وليس هناك من يردعه. مـا نُقصف بـه، فـي املقابل، ال ينم إال عن انعدام حساسيّة مطلق حيال املدنيّني الـذيـن يُــحـذفـون كـلّــيّــ مـن حـسـابـات الربح والـخـسـارة، فيما يتّجه التركيز كلّه على الـنـصـر والـــصـــمـــود. وهــــذا مـــا ال يُــسـتـعـان عليه بــوقــائــع، بــل بكليشيهات، بعضها ديـــنـــي عــلــى شــكــل نـــصـــوص مـــنـــزوعـــة من سياقها التاريخيّ، وبعضها من مخلّفات «التحرّر الوطنيّ» و»حرب الشعب طويلة األمد». هـكـذا يـقـال لنا مـثـاً: «لـسـت مهزومًا مـــا دمــــت تــــقــــاوم»، فـيـمـا الــتــجــربــة الـحـيّــة الــتــي نـعـرفـهـا تـنـفـي مـثـل هـــذه اإلطــاقــيّــة الـخـطـابـيّــة والــســاذجــة عــن املـفـاهـيـم، بما فـيـهـا مـفـهـوم املــقــاومــة. فـفـي ظـــرف مـــا قد ينتهي األمـــر بـواحـدنـا مـهـزومـ بالضبط ألنّه يقاوم. وهــذا ما كانته، مثل ال حصرًا، حال تــشــي غـــيـــفـــارا، إمـــبـــراطـــور املـــقـــاومـــ ، في الكونغو وبوليفيا. لـقـد جــاء االنـتـقـال مـن إعـــان الـهـزائـم إلــــى عــــدم إعـــانـــهـــا لــــيــــوازي االنـــتـــقـــال من ثقافة الـدولـة، على قصورها ونواقصها، إلى ثقافة امليليشيا. ذاك أن الدولة ليست مـــــجـــــرّد ســــــــاح، بـــــل هـــــي أيــــضــــ عــــــدد مـن الــوظــائــف واملـــؤسّـــســـات والـــخـــدمـــات الـتـي ال تضمحل في حـال انـهـزام سلحها. أمّا امليليشيا فتنهض تعريفًا على الـسـاح، فيما يكون سائر األدوار التي قد تؤدّيها مـنـوطـ بـسـاحـهـا ذاك وبـالـسـيـطـرة التي يمكّنها منها. وما يعنيه هذا أن إعلن الهزيمة، أي إعلن هزيمة السلح، يعلن موت كل شيء آخر ومواجهة واقع مُرّ، هو سيولة الحياة الـطـبـيـعـيّــة، بــا ســــاح. وال بـــد أن يـسـاور امليليشيات شعور عميق بالنقص مفاده أن «شـرعـيـة املـقـاومـة» ال تـعـوّض وحدها فقدان كل شرعيّة في عالم طبيعيّ. وهكذا فــإن مـا يُقصد فعليًّا بعبارة كـــ»ولّــى زمن الــهــزائــم» هــو أن زمـــن االعـــتـــراف بالهزائم ولّـــى، فلم يعد هناك مـا يُــعـرف ويُــوثّــق أو يُجهر به ممّا يخالف قواعد العالم السرّيّ. وفــــــي ثـــقـــافـــة املـــيـــلـــيـــشـــيـــا، وفــــــي عـــالـــم تحرير الـحـرب مـن قوانينها ومـن معرفتها ســـواء بــســواء، يـتـضـاءل الــكــون خـلـف الـــذات املـــيـــلـــيـــشـــيـــويّـــة إلــــــى مـــجـــد أو فـــــنـــــاء. هـــكـــذا يمتلئ ذاك القاموس بـ»العار» و»الرجولة» و»الـــــشـــــرف» و»الــــكــــرامــــة» و»أنـــزلـــنـــاهـــم إلــى امللجئ» و»فرضنا عليهم التعتيم»... وفيما البشر جثث مؤجّلة، يتبدّى إعـان الهزيمة إخلال ال يُحتمل بتلك املعايير. وهذا قبل أن يحل صمت قبورنا مُجلِّل قبور صمتنا. OPINION الرأي 12 Issue 16763 - العدد Sunday - 2024/10/20 األحد أزمة «إخوان» األردن رَهائن غربتين حين تكون الهزائم وال تكون! وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة فيصل الشبول جمعة بوكليب

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==