issue16760

Issue 16760 - العدد Thursday - 2024/10/17 الخميس كتب BOOKS 17 «حجيج البحر»... صراع النفسالبشرية بين العزلة والخلاص صـــدرت حديثاً عـن «مـنـشـورات رامـيـنـا» في لـــنـــدن روايـــــة «حــجــيــج الــبــحــر» لـلـكـاتـب الـــكـــردي الـــســـوري ريـــــدي مـــشّـــو، وهــــي عــمــل أدبـــــي جـديـد يتناول فيه قضايا الوجود الإنساني والمعاناة الفردية في مواجهة مشاعر العجز والاغتراب. الــــروايــــة تـــأخـــذ الــــقــــارئ فـــي رحـــلـــة مـتـخـيّـلـة يـــتـــداخـــل فــيــهــا الــــواقــــع مـــع الـــخـــيـــال، ويـتـمـحـور السرد حول مجموعة من المرضى الذين يفقدون بصرهم، ويخوضون تأملات عميقة حول الحياة والمـوت وما بينهما. من خلال هذه الشخصيات التي تبحث عن الأمل في عالمٍ مليء بالألم، ينسج مـشّـو عـالمـ متخيّلاً مليئاً بالتفاصيل النفسية والفلسفية، يثير تساؤلات حول مصير الإنسان وعلاقته بالمجهول. تـتـمـركـز الـــروايـــة حـــول الـبـحـر رمـــزاً رئيسياً يحمل في طياته العديد من الدلالات المتناقضة، فـــهـــو لا يــقــتــصــر عـــلـــى كـــونـــه جـــســـداً مـــائـــيـــ ، بـل يـــتـــحـــوّل إلــــــى رمــــــز لــــأمــــل والــــشــــفــــاء مــــن جــهــة، ووسـيـلـة لـلـهـروب مــن الـــواقـــع الـقـاسـي مــن جهة أخـــرى. الأمـــواج التي تتراكم فـي مخيلة الأبطال ترمز إلى الحيرة الداخلية التي يشعرون بها، إذ يسعون إلى البحر بوصفه الملاذ الأخير والوجهة النهائية التي تطمح إليها أرواحهم المنهكة. يـــضـــع الـــكـــاتـــبُ قــــارئــــه فــــي مـــواجـــهـــة عـــيـــادة غريبة تجمع الشخصيات الرئيسة، إذ تتلاشى حدود الزمان والمكان، وتصبح تلك العيادة رمزاً لميناء الأرواح التائهة التي تبحث عن خلاصها. تـتـيـح هــــذه الـــعـــيـــادة المـــجـــال لـلـشـخـصـيـات لكي تعيش في عالم متداخل بين الحقيقة والخيال، مــا يـخـلـق فــضــاءً مــن الــغــمــوض والانــفــتــاح على احـــتـــمـــالات مـــتـــعـــددة. يـسـعـى الـــكـــاتـــب مـــن خــ ل هــذا البناء الـسـردي إلــى طــرح أسئلة عميقة عن جدوى الحياة، وعن المصير الذي ينتظر الإنسان بـعـد مـواجـهـتـه لأقــصــى درجـــــات الألــــم الـجـسـدي والنفسي. الـــروايـــة تـتـسـم بــتــداخــل الأزمـــنـــة والأمـــاكـــن، ويخلق مشّو عالماً يخرج فيه المرضى عن واقعهم الـتـقـلـيـدي ويــخــوضــون رحــــ ت تـأمـلـيـة داخـلـيـة بحثاً عن إجـابـات حـول الحياة والمـــوت. تتداخل قـــصـــص المــــرضــــى وأحــــ مــــهــــم المـــعـــلّـــقـــة لـتـصـبـح الرواية بمثابة مـرآة تعكس الصراعات النفسية التي يعيشونها. ويبرز الكاتب الصراع الداخلي في نفوس الشخصيات، مستخدماً البحر عنصراً رمـــزيـــ يــتــكــرر فـــي الـــســـرد لـيـعـبـر عـــن أحــ مــهــم وآمالهم المحطمة. هذا البحر هو بمثابة امتداد لآلامـهـم وآمـالـهـم الضائعة، مما يجعل الأمـــواج تــتــجــســد صـــوتـــ داخـــلـــيـــ يــعــكــس حـــالـــة الــتــوتــر والخوف التي يعيشونها. فـي كـل مشهد مـن مشاهد الـــروايـــة، تتجلّى معاني العزلة والأمـل. الشخصيات تجد نفسها فــــي مـــواجـــهـــة مــــع أســـئـــلـــة حـــــول مــعــنــى الــرحــلــة الإنسانية وما إذا كان الشفاء من الممكن تحقيقه أم أن الــبــحــر لــيــس ســــوى دوامــــــة لا تـنـتـهـي من الــــهــــروب. كـــل مــوجــة فـــي الــبــحــر تـمـثـل جــــزءاً من حــيــرة الـشـخـصـيـات الــتــي تـبـحـث عـــن مــخــرج أو جواب لما تواجهه من تساؤلات وجودية. الكتابة العميقة الـتـي يتبناها مـشّـو تـأخـذ الـــقـــارئ في رحلة فلسفية مفعمة بالتأمل في جدوى الحياة البشرية. وريـــــــدي مـــشّـــو كـــاتـــب وروائـــــــــيّ ومــوســيــقــيّ كرديّ من سوريا. وقد أصدر مجموعات شعرية باللغتين العربيّة والكرديّة. وله روايتان. لندن: «الشرق الأوسط» الأكاديمي عايدي علي جمعة في كتابه «بناء الرواية» إعادة اكتشافجماليات رواية «الحرام» ليوسف إدريس يــولــي الــبــاحــث والأكـــاديـــمـــي الـدكـتـور عايدي علي جمعة، في كتابه «بناء الرواية: دراســــات فــي الــــراوي والـــنـــوع» الــصــادر عن الـهـيـئـة المــصــريــة الــعــامــة لـلـكـتـاب اهـتـمـامـ 1959 خاصاً برواية «الحرام» الصادرة عام ليوسف إدريـــس؛ حيث يسعى المـؤلـف إلى إعــادة اكتشاف النص الشهير الـذي تحول ،1965 إلـــى فيلم سينمائي مــن إنــتــاج عـــام بطولة فاتن حمامة وإخراج هنري بركات. ويشير عايدي إلى أن البنية الكبرى للعمل تـظـهـر مـــن خـــ ل عــثــور أحـــد الــخــفــراء على شـيء لفت نظره الضعيف، في أثناء عمله ذات صباح تحت شجرة وعلى جانب جسر الـتـرعـة الــتــي كـــان يستحم فـيـهـا، وحينما أمعن النظر فيه مضى يـصـرخ: «الـلـه حي، الله حي»، فقد كان جنيناً حـــديـــث الـــــــولادة مـخـنـوقـ مفارقاً للحياة. تــــبــــدأ عـــمـــلـــيـــة بـحـث كــبــيــرة لـكـشـف مـ بـسـات الــــواقــــعــــة، خـــصـــوصـــ مـن جــــانــــب «فـــــكـــــري أفــــنــــدي» ناظر العزبة، عن صاحبة هـــذه الـجـريـمـة وشــكــه في عمال التراحيل الغرباء أو «الــغــرابــوة» الـذيـن جــاءوا بـــنـــســـائـــهـــم وأقــــــامــــــوا فـي الــعــزبــة الــكــبــيــرة مـــن أجــل العمل في تنقية محصول الـقـطـن مـمـا يـصـيـبـه. وبـعـد عـمـلـيـات بحث مضنية وشك طال الكثيرات، تبّ أن إحدى عــــامــــ ت الـــتـــراحـــيـــل المــــتــــزوجــــات مــــن رجـــل فـقـد صـحـتـه تـمـامـ بـسـبـب المــــرض هــي من قامت بهذا الفعل؛ لأنها تخاف الفضيحة. والحكاية أن زوجها المقعد أبدى رغبته في أن يـأكـل ثـمـرة بـطـاطـا، وعـلـى الـفـور أخـذت فأسه الصدئة وذهبت إلى الحقل وحاولت أن تـــبـــحـــث عـــــن «جــــــــدر بــــطــــاطــــا». وأثــــنــــاء انهماكها في نبش التربة بالفأس بحثاً عن بغيتها، جــاء «محمد بـن قمرين» صاحب الحقل وحفر بـدلاً منها وأعطاها بغيتها، ولكنها وقـعـت فــي حـفـرة مــن حـفـر الحقل، فــذهــب مـحـمـد بــن قـمـريـن لمـسـاعـدتـهـا على النهوض وأثناء مساعدتها على النهوض، استيقظت فيه الرغبة فاحتضنها ليقعا في المــحـظـور، فـقـد تــذكــرت فـيـه صـــورة زوجـهـا حــ كـــان بصحته. وأثــمــرت الخطيئة عن الحمل، وكانت النتيجة أنها فقدت حياتها بسبب ذلك. يرى الباحث أن حركة السرد العارمة مـــــن أجــــــل الـــبـــحـــث عـــــن أم الـــطـــفـــل الــلــقــيــط المـخـنـوق شـكّـلـت فـــضـــاءات ســرديــة كاشفة عن بنية اجتماعية خاصة في بقعة مكانية تقع في شمال الدلتا حيث المعاناة الهائلة لــلــمــهــمــشــ مــــن أبــــنــــاء الـــشـــعـــب المــــصــــري، وفـــــضـــــاء بـــصـــريـــ لافــــتــــ مــــهــــدت لـــــه بـــدايـــة الـروايـة بمشهد الخفير عبد المطلب وحده فــي الـتـرعـة الـكـبـيـرة وقـــد غـمـر المـــاء جسده كله، ثم ما لبث أن ظهر الرأس منه ثم خرج عـــاريـــ مـــن المــــاء عـلـى شــاطــئ الــتــرعــة حتى ارتـــدى ملابسه ثـم يجد اللقيط. ويـتـوازى مع صورة الجنين في رحم أمه وهو مغمور بــمــاء الـــرحـــم حـتـى يـحـمـلـه، ثـــم ســـرعـــان ما تبدأ عملية ستر جسده وبذلك يظهر دور اللاوعي السردي في السرد. ويــــؤكــــد الـــبـــاحـــث أن لــــوجــــود كـلـمـة «الـــــحـــــرام» فــــي الـــعـــنـــوان دوراً كـــبـــيـــراً فـي جــعــلــهــا مـــركـــز ثــقــل يــظــهــر بـــوضـــوح عـبـر صـــفـــحـــات الـــــروايـــــة وعـــلـــى ألـــســـنـــة بـعـض شخصياتها حيث يتضح للقارئ أن فعل التحريم لا يقتصر على الإنـجـاب سفاحاً وارتـــــكـــــاب واقــــعــــة الــــزنــــا فـــقـــط، فـــهـــذه هـو الـــحـــرام عـلـى المـسـتـوى الـشـخـصـي، وإنـمـا هناك حرام آخر على المستوى العام يتمثل فــي غـيـاب الـعـدالـة الاجـتـمـاعـيـة، وتـعـرّض شريحة مـن المـواطـنـ للتهميش والقمع والاســــتــــعــــبــــاد. ولـــــم يـكـن الــــــــراوي فــــي هـــــذا الــعــمــل شخصية من شخصيات الــــروايــــة، بـــل كــــان صـوتـ مـــــفـــــارقـــــ وكــــــأنــــــه صــــوت كوني يعبر عـن الأحــداث والــشــخــصــيــات، ولـــــذا لم تـجـد لـه اسـمـ أو وصـفـ ، وإنــــمــــا يــطــالــعــنــا صــوتــه وكــــــأنــــــنــــــا نــــــعــــــرفــــــه لأنــــــه يبعدنا عن صوت «الأنا» المــــــتــــــضــــــخــــــمــــــة لــــيــــجــــنــــح بالقص إلى الموضوعية. وتــــــــعــــــــد «عـــــــــزيـــــــــزة» الشخصية المحورية في الرواية؛ لأن السرد يتتبعها مـنـذ الــبــدايــة، وإن كـــان ظـهـورهـا الحقيقي في الرواية قد جاء بعد صفحات من 80 طــويــلــة، فــقــد ظـــهـــرت فـــي الـصـفـحـة صفحة. ومع ذلك، 151 النص الذي يقع في فقد جعلتها حركة السرد في بؤرة الحدث نتيجة بحث كل الأطراف عنها منذ اللحظة الأولــــــى. وانـــحـــاز الـــســـرد لـتـلـك الشخصية بـوصـفـهـا نـمـوذجـ حـيـ للمُهمشين الـذيـن يـعـانـون مـن الفقر والــعــوز ويـتـلـقّـون طـوال الوقت أسواط القهر اللاهبة على ظهورهم بلا رحمة. ويـــــخـــــلـــــص الــــــدكــــــتــــــور جــــمــــعــــة إلـــــى أن الـــــســـــارد الـــعـــلـــيـــم اســـتـــطـــاع أن يـعـكـس بــعــض مــفــاهــيــم عــلــم الــنــفــس الــحــديــث في هــــــذه الــــــروايــــــة؛ مــــن خــــــ ل الـــتـــركـــيـــز عـلـى مـفـهـوم الـعـ قـة بـ الـسـلـوك و«المـثـيـر» أو «الحافز»، فحركة محمد بن قمرين العفية وهـــــو يـــضـــرب بـــفـــأســـه الأرض بـــاحـــثـــ عـن ثمرة البطاطا ظهرت كمثير حــرّك الرغبة النائمة داخل عزيزة فتذكرت عرامة جسد زوجــــهــــا وفـــحـــولـــتـــه الــــقــــديــــمــــة، وتـــحـــولـــت الــفــأس إلـــى مـثـيـر يـسـتـدعـي صــــورة الـذكـر وهـو يضرب الأرض وكـأنـه يناجى أنثاه. واتـــخـــذ الــــســــارد الــعــلــيــم مـــن تــلــك الــواقــعــة البسيطة مدخلاً لإدانة الواقع الاجتماعي ، عبر 1952 والسياسي والثقافي قبل ثورة كشف خطايا المجتمع كله قبل أن يكشف خـــطـــيـــئـــة امــــــــرأة ريـــفـــيـــة بـــســـيـــطـــة فـــــي تـلـك الحقبة الزمنية. القاهرة:رشا أحمد بارتل بول يكتب عن خمسة آلاف عام من تاريخه العراق...مركز الحراك الحضاري وممر سهل لكل العابرين تبدو فكرة كتابة تاريخ للعراق منذ بـــدايـــات الــحــضــارات الأولــــى فــي حـوض مـا يـعـرف بمنطقة مـا بـ النهرين إلى الـيـوم ضمن مـن كتاب واحــد أقــرب إلى مهمّة مستحيلة بحق. فالعراق بصفته دولـــــــة فـــــي إطـــــــار حـــــــــدوده الـــحـــالـــيـــة قـد يـكـون مــن وجـهـة نـظـر كثيرين صنيعة بـريـطـانـيّـة - فـرنـسـيّـة فــي سـيـاق تـوافـق الـــقـــوى الإمــبــريــالــيــة عــلــى تــقــاســم تـركـة الــدّولــة العثمانية بعد الـحـرب العالمية الأولــــــى. ولـــقـــرون عـــــدّة، كــانــت الأراضــــي التي تشكل العراق كما نعرفه الآن جزءاً من إمبراطوريات ودول أخــرى، ومجرد إقليم يدار من عواصم بعيدة أو قريبة؛ إذ حكمها الـعـثـمـانـيـون مــن إسطنبول لأربـعـة قـــرون بـدايـة مـن الـقـرن الـسـادس عشر الميلاديّ، وفي فترة سابقة حكمها الأمـــويـــون مــن دمــشــق؛ مــا يجعل كتابة تاريخ عراقيّ أمراً شديد التعقيد وربما غـيـر عـمـلـيّ بحكم الــتّــداخــل مــع تقلبات الأحـــــداث فــي الـكـثـيـر مــن الأمــــم الأخــــرى. ويستحضر كثير مـن الكتاب المسلمين مـفـهـوم الـجـاهـلـيـة للفصل الـــصـــارم بين تاريخ للعراق قبل الإسلام وبعده. وفوق ذلك، فإن تاريخ هذه المنطقة الجغرافيّة على مدى خمسة آلاف عام شديد التنوع والــــثــــراء؛ مـــا يـــهـــدّد مـــن يــتــصــدى لمهمة ســرده بالوقوع في شباك عـدم تجانس مـــادتـــه، وخــطــر الانـــتـــهـــاء إلــــى مـــا يشبه (كتالوغ) سياحياً أو موسوعة موجهة لصغار السن. على أن ثمّة ما يغري دائماً بوضع نــــص يــــحــــاول الإمـــــســـــاك بـــخـــيـــط ذهــبــي يجمع بين حلقات كثيفة مذهلة أحياناً مـن النشاط البشري الــذي كـان مسرحه تلك المساحة الضيقة للرض بين نهري الـعـراق العظيمين: دجـلـة والــفــرات. أقله هــــذا مـــا يــزعــمــه بـــارتـــل بـــــول، فـــي كـتـابـه الــــصــــادر حــديــثــ بــالإنــجــلــيــزيــة: «أرض مــــا بــــ الـــنـــهـــريـــن: تــــاريــــخ الـــــعـــــراق فـي عـــام»* والـــذي يـرى أن تلك الأرض 5000 - والـــــعـــــراق اســـــم مــســتــخــدم مـــنـــذ الـــقـــرن السادس الميلادي على الأقــل، حتى قبل ظـــهـــور الإســــــ م - بــقــيــت دائـــمـــ مــحــوراً أسـاسـيـ لـلـحـراك الــحــضــاري، ومــقــراً أو ممراً لكل إمبراطوريات الشرق، وأن أهم مـديـنـة فــي الـعـالـم فــي مــراحــل متعاقبة منذ الخمسة الآلاف عـام الماضية كانت مـدنـ عــراقــيّــة: أور، وأوروك (الـــوركـــاء)، وبــابــل، ونـيـنـوى، وطـيـسـفـون، وبـغـداد. وبنى سلوقس، وريـث الأجــزاء الشرقية من أراضـي كـورش الفارسي والإسكندر المــقــدونــيّ، عاصمته سلوقية عـلـى نهر دجلة، شمال بابل، ومنها استمر العراق الـهـلـنـسـتـي لــقــرنــ جـــســـراً بـــ الــشــرق والــــغــــرب، ونـــمـــوذجـــ أرســطــيــ توفيقياً مــتــســامــحــ فــــي الــــديــــن، وفـــضـــولـــيـــ بـ حدود في العلم - قبل أن يعمد الرومان إلى تدميرها في القرن الثاني للميلاد -. ولا يجد المـؤلـف صعوبة تـذكـر في سوق الأدلة على ما ذهب إليه. ففي هذه الأرض تـحـديـداً نــشــأت أول مجتمعات البشر الحضريّة المتقدمة - السومريون خـــــ ل الألـــفـــيـــة الــــرابــــعــــة قـــبـــل المــــيــــ د -، ومنها أيضاً جاءت الملكيّة، وبناء المدن، والـــقـــانـــون المـــكـــتـــوب، وســـلـــك الـكـهـنـوت، وتـجـيـيـش الــجــيــوش، والــدبــلــومــاســيّــة، وأصـــــول المــحــاســبـة، والــشــعــر المـلـحـمـيّ، والـعـجـلـة، والـــقـــارب الــشــراعــيّ، وقـنـوات الــــــــريّ، والأدب - الــــــذي اســـتـــوحـــى مـنـه كتبة العهد القديم الكثير من قصصهم المـــركـــزيـــة كـــالـــطـــوفـــان -، وبــــنــــاء الــقــبــب، والمـعـمـار الـرسـمـيّ، والــقــوس والـنـشـاب، ومـــــهـــــارات تــشــكــيــل المـــــعـــــادن، والــنــحــت الــــبــــارز والـــغـــائـــر، وأســـــس الــريــاضــيــات الــحــديــثــة (بـــمـــا فـــي ذلــــك مـــا نُـــســـب زوراً إلــــى فــيــثــاغــورس الـــيـــونـــانـــي)، والــنــظــام الـــســـتـــيـــنـــي لــــحــــســــاب الــــــوقــــــت. وكــــانــــت مسرحاً لمـواجـهـات الـتـاريـخ الـكـبـرى من أيّام السومريين والآشوريين والآكاديين إلى صـدام الإسكندر المقدوني بالفرس، وحــــروب الـــرومـــان والــبــارثــيــ ، ولاحـقـ فضاءً للانقسام الكبير في الإسـ م بين الشيعة والسنة، ومركزاً لدولة الخلافة العباسيّة التي بقيت لما يقرب من خمسة ) أهـم إمبراطوريات 1258 – 750( قــرون الــعــالــم فـــي زمـــانـــهـــا، والــعــصــر الــذهــبــيّ لازدهار الحضارة الإسلاميّة. نص «أرض ما بين النهرين» يبدو فــي مـواجـهـة هـــذه الـقـائـمـة الـطـويـلـة من الإنـــجـــازات الـهـائـلـة والأحـــــداث الفاصلة مـتـمـاسـكـ ، وقـــــادراً عـلـى تـقـديـم سـرديـة مـثـيـرة لـ هـتـمـام يـمـكـن مـنـهـا الـتّـوصـل إلــــــى خـــــ صـــــات واســــتــــنــــتــــاجــــات، عـلـى الــــرغــــم مــــن هــــفــــوات هـــنـــا (مــــثــــل إهـــمـــال الديانة المندائية التي تعطي قيمة عالية لشخصية يوحنا المعمدان عند الحديث عـــن المــســاهــمــات فـــي الـفـكـر الـــعـــالمـــي)، أو مبالغات استشراقية هناك (مثل التركيز عــــلــــى قــــصــــص المــــحــــظــــيــــات وصـــــراعـــــات القصور في بغداد الرشيد). يـنـسـج بــــول تــلــك الـــســـرديّـــة الآســــرة عـــبـــر اســــتــــدعــــاء حــــكــــايــــات شــخــصــيــات بــــــارزة مـــــرّت بـــالـــعـــراق ومـقـاطـعـتـهـا مع عـــوامـــل جــغــرافــيــة وبــيــئــيــة تـــأخـــذ عـــادة ببساطة، لكنها شكّلت المنصة الدائمة لـــلـــحـــدث الــــتــــاريــــخــــي الـــــعـــــراقـــــي. وهـــنـــا تــتــوالــى الـحـلـقـات الــتــاريــخــيّــة مستندة إلى أسماء مثل جلجامش (ملك الوركاء في الألفية الثالثة قبل الميلاد)، وهارون الرشيد (الخليفة العباسيّ الأشـهـر من الـقـرن الثامن المــيــ ديّ)، وهـنـري لايـارد (الرحالة والدبلوماسي في القرن التاسع عـشـر المــيــ دي الـــذي كــان وراء اكتشاف الـكـثـيـر مـــن الآثـــــار الــقــديــمــة فـــي نـيـنـوى والـــنـــمـــرود) وغـــيـــرهـــا مـــن الـشـخـصـيـات المـــهـــمـــة فـــيـــمـــا يــــبــــرز أهــــمــــيّــــة الــطــبــيــعــة المسطحة والمفتوحة للبلاد، الـذي جعل منها ممراً سهلاً للعابرين، غزاة وتجاراً ومـــهـــاجـــريـــن، وفــــي الـــوقـــت ذاتـــــه بـوتـقـة لــتــ قــح هـــائـــل بـــ الـــثـــقـــافـــات والــلــغــات والـــحـــضـــارات والأعــــــراق والأديـــــــان، وإن كان ذلك أحياناً نتاج صراعات كانت في بعض الأحيان شديدة العنف. ويـشـيـر بـــول إلـــى أن هـــذه الأرض - الـبـوتـقـة أنـتـجـت بـالـفـعـل وعـبـر المـراحـل الـتـاريـخـيـة ثـقـافـة وأفـــكـــاراً شـكّـلـت جــزءاً كـــبـــيـــراً مــــن مـــســـيـــرة الـــفـــكـــر الإنــــســــانــــي، ســواء فـي مخاطبة تجربة الـوجـود كما فـــي مـلـحـمـة جـلـجـامـش، أو فـــي الـتـأثـيـر الــــحــــاســــم لــــلــــزرادشــــتــــيــــة عـــلـــى الأديــــــــان الإبراهيمية خلال مرحلة السبي البابليّ لليهود – مثل مفاهيم الـــروح والحياة الآخــــــرة والمـــ ئـــكـــة والـــقـــيـــامـــة والــتــركــيــز العميق على الأخــ ق والإرادة الحرة -، وكذلك الصراعات اللاهوتية والسياسيّة فــي الإســــ م المــبــكّــر، ولاحــقــ فــي تجربة المعتزلة في بغداد العباسية حول فكرة خلق القرآن المتأثرة بأفكار مترجمة من اليونانية والفارسية. ومـــــــع ذلــــــــك، فـــــــإن بـــــــول بـــمـــشـــروعـــه الطموح لتغطية فترة مديدة من التاريخ يــــتــــرك الـــــقـــــارئ المــــعــــاصــــر ودون مـــبـــرر ظـاهـر عـنـد لحظة ثـــورة يـولـيـو (تـمـوز) والانـــقـــ ب عـلـى المملكة العراقية 1958 الهاشمية التي كان أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية، ويَقصر، بــاســتــثــنــاء مـــوجـــز مـــتـــســـرع، عـــن وضــع عــصــر الـــجـــمـــهـــوريّـــة والــــغــــزو الأمـــيـــركـــيّ واحــــتــــ ل الــــعــــراق وتــغــيــيــر نـــظـــامـــه فـي سـيـاق الـسـرديـة الـتـاريـخـيـة، بينما هي الحلقة الأقرب إلى ذلك القارئ، والأعمق صدى في أجواء الخمسينسنة الأخيرة؛ ما يفقد الكتاب فرصة ربما كانت مثالية لـتـشـبـيـك الـــتـــاريـــخ بـــالـــحـــاضـــر، وإنـــهـــاء الـرحـلـة المـثـيـرة والــجــديــرة بـالـثـنـاء عبر الأزمنة العراقية في ميناء الواقع الراهن. LAND BETWEEN THE RIVERS: A5000 Year History of Iraq | By Bartle Bull |- Atlantic Monthly Press 2024 ندىحطيط بارتل بول وغلافكتابه «بلاد ما بين النهرين» بول بمشروعه الطموح لتغطية فترة مديدة من التاريخ يترك القارئ المعاصر ومن دون مبرر ظاهر عند لحظة 1958 ثورة يوليو

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky