issue16756

Issue 16756 - العدد Sunday - 2024/10/13 األحد OPINION الرأي 14 حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»! استطالعات الـــرأي البريطانية بمناسبة مـرور يــوم على فــوز «الـعـمـال» فـي االنـتـخـابـات، تشير 100 في 29( إلـــى انـخـفـاض هـائـل فــي شعبية حكومتهم في 28( » املـــائـــة فــقــط) بـــفـــارق نـقـطـة عـــن «املــحــافــظــن املائة)، وهوَت شعبية رئيس الوزراء كير ستارمر إلى في املائة)، وأقـل من 33 أدنـى مستوى سلبي (ناقص 32 خصمه زعيم «املحافظي» ريشي سوناك (ناقص في املائة). وليس هذا السبب الرئيسي في اهتمام الوسائل اإلعالمية في اليومي املاضيي بالسباق االنتخابي الــداخــلــي الخــتــيــار زعــيــم جــديــد لـــ«املــحــافــظــن» بعد دائـــرة). 175 خسارتهم االنتخابية الـفـادحـة (فــقــدوا أحـــد أهـــم األســـبـــاب طـبـيـعـة الـديـمـقـراطـيـة الـبـرملـانـيـة نفسها؛ فوجود معارضة برملانية قوية من أهم أسس حماية الديمقراطية وضمانها. معارضة برملانية لها عـامـا) دورهـــا مـسـاءلـة حكومة 14( خـبـرة فـي الحكم )650 مقعدًا من جملة 411( تمكِّنها أغلبيتها الكاسحة مـن الـتـسـرع فـي تمرير الـقـوانـن بـ فحص ودراســـة كافية، وخاصة أن كثيرًا من النواب الجدد يفتقرون للخبرة في مجاالت كثيرة. فمثالً، ال يوجد في مجلس وزراء الحكومة العمالية شخص واحــد له خبرة في االستثمارات، أو األعمال الخاصة، وإنشاء مشاريع القطاع الـخـاص التي يرتكز عليها القسم األكـبـر من اقتصاد البالد. كما أن مناقشاتهم هذا األسبوع في مـجـلـس الــعــمــوم ملـــشـــروع قـــانـــون حــقــوق مـسـتـأجـري املساكن، وقبلها عند إلغاء قانون حماية حرية الرأي في الجامعات، أظهرت نقصا شديدًا في قدرة غالبية النواب الجدد على فهم االقتصاد، والسوق العقارية، واإلسكان، وحتى قواني النشر والتعبير. الـسـبـب اآلخــــر هــو املــفــاجــأة الــتــي وصــلــت إليها املرحلة النهائية الختيار نـواب «املحافظي» الباقي نـائـبـا) املـرشـحـن النهائيي لـطـرح أسمائهما 121( ألـــفـــا لــ قــتــراع 140 عــلــى أعـــضـــاء الـــحـــزب املـــقـــدريـــن بــــــ السري بالبريد العادي واإللكتروني الختيار أحدهما خالل األسابيع القادمة. االنتخاب على مراحل يستبعد في كل تصويت (ويـــقـــصـــر عــلــى نـــــواب «املـــحـــافـــظـــن» فـــي الــبــرملــانــن) املرشح الحاصل على العدد األقل من األصوات، وبقي يـــوم األربـــعـــاء ثــ ثــة، كـلـهـم وزراء ســابــقــون. املـفـضَّــل لـــلـــرجـــال بـــــ«الــــبــــدالت الــــرمــــاديــــة» (تــعــبــيــر يُــقــصــد به حكماء الـحـزب مـن متوسطي العمر، أو عقل الحزب وليس قلبه املتحمس)، كـان جيمس كليفرلي، الـذي كـــان وزيــــرًا لـلـداخـلـيـة، والـخـارجـيـة، واملـــعـــارف، وكــان أفضل املتحدثي بي املرشحي األربعة أمـام املؤتمر العام للحزب قبل أسبوعي، واعتبروه «يدًا آمنة» بي الـتـيـارات املستقطبة، حيث يكسب أصـــوات الـوسـط. لكنه حصل على أقل األصوات يوم األربعاء؛ إذ فضَّل 81( ثلثا نـواب «املحافظي» منح األصــوات ملنافسَيه فقط)، وكالهما من تيار اليمي. 37 صوتا لهما وله صوتا)، كان وزيرًا للصحة 40( روبرت جينريك واإلســكــان، واسـتـقـال كـوزيـر للهجرة احتجاجا على عـــــدم املـــضـــي فــــي ســـيـــاســـة تـــرحـــيـــل املـــهـــاجـــريـــن غـيـر الـشـرعـيـن إلـــى روانـــــدا كــــرادع يجعل بـريـطـانـيـا غير جـــاذبـــة ملــهــاجــري الــــقــــوارب. ويَـــعِـــد جـيـنـريـك بسحب البالد من اتفاقيات املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان التي كانت قراراتها وراء تعطيل مشروع رواندا الذي ألغته الحكومة العمالية. أمــــــا املـــفـــضَّـــلـــة لــــقــــواعــــد الــــحــــزب (حــــســــب ثــ ثــة اســـتـــطـــ عـــات)، فــهــي كـيـمـي بـــاديـــنـــوك، الــتــي تـقـتـدي بـــمـــارغـــريـــت ثـــاتـــشـــر، وال تــكــتــفــي بـــتـــرديـــد شـــعـــارات السيدة الحديدية، بل تتبنى آيديولوجيتها في وضع بريطانيا واملصالح البريطانية قبل أي اعتبار آخر. ابـنـة مـهـاجـريـن مــن نيجيريا، انـتُــخـبـت لـلـبـرملـان في ، واحـتـلـت بضعة مـنـاصـب وزاريــــة بـعـد خمس 2017 ســنــوات فـقـط مــن انتخابها (ريــشــي ســونــاك انتُخب )، وهـي أكثر اتجاها لليمي (مـن جينريك) 2015 فـي بــالــنــســبــة لــقــضــايــا الـــهـــجـــرة، واألعـــــمـــــال والـــتـــجـــارة، والــســلــوك االجــتــمــاعــي، وقــضــايــا الــهُــويــة، وهـــي أهـم جـــبـــهـــات الــــحــــرب الـــثـــقـــافـــيـــة املـــحـــتـــدمـــة فــــي الــــدوائــــر األكـاديـمـيـة واإلعـــــ م. «الـــبـــدالت الــرمــاديــة» تخشاها بــســبــب صـــدقـــهـــا فــــي الــتــعــبــيــر عـــمـــا فــــي نــفــســهــا، أو «صراحتها الزائدة عن اللزوم»، بخالف عادة الساسة. كــــل مــــن جــيــنــريــك وبــــاديــــنــــوك يـــطـــرحـــان بـــرامـــج سـيـاسـيـة يمينية لـسـحـب األرضـــيـــة االنـتـخـابـيـة من حــزب اإلصــــ ح، بـزعـامـة نايجل فــــاراج. فقد ارتكبت )2022-2019( حـكـومـة بــوريــس جـونـسـون املـحـافـظـة خطأ سياسيا استراتيجيا فادحا بعدم مكافأة فاراج عندما لم يخض أتباعه انتخابات منافسة في دوائر . فـات جونسون فرصة إقناع 2019 «املحافظي» فـي الـــتـــاج بـمـنـحـه لــقــبــا ومـــقـــعـــدًا فـــي مــجــلــس الــــلــــوردات لتحييده بدال من إغضابه. الخطأ كلف «املحافظي» انـــتـــخـــابـــات هــــذا الــــعــــام، عــنــدمــا انــقــســمــت األصـــــوات 170 املحافظة التقليدية بينهم وبـن «اإلصـــ ح» في دائرة. قواعد الحزب ترجح كفة بادينوك كزعيمة قادمة ملـعـارضـة جــ لــة املــلــك، مـمـا يــوتــر أعــصــاب «الــبــدالت الـرمـاديـة» بسبب صراحتها الــزائــدة عـن الـلـزوم عند املــواجــهــات الـبـرملـانـيـة، لـكـن بالنسبة للجالسي في مـنـصـة الــصــحــافــيــن ســيــكــون وجــــودهــــا أكـــثـــر إثــــارة ومـــحـــركـــا لــــأقــــ م مــــن مـــنـــافـــســـهـــا جـــيـــنـــريـــك الــــبــــارد األعـــصـــاب ذي الــكــ م املـنـمّــق الــــذي يحتمل أكــثــر من تفسير. شعبية رئيس الوزراء كير ستارمر هوَت إلى أدنى مستوى سلبي عادل درويش من بواكير تطرّف سيد قطب ناصب سيد قطب الفلسفة اإلسالمية العداء فـي أول كـتـاب إسـ مـي لــه، وهــو كـتـاب «الـعـدالـة ،1949 االجـتـمـاعـيـة فــي اإلســـــ م»، الـــصـــادر عـــام وعاب على جامع األزهر تدريسَها. الصفحات التي تضمَّنت الفقرات التي أعلن فيها هـذا املـوقـف حذفَها من هـذا الكتاب ابتداء من طبعة من طبعاته األُول. وهـي إمَّــا أن تكون )1954( ) أو الطبعة الرابعة 1952( الطبعة الثالثة .)1958( أو الطبعة الخامسة يـــقـــول ســيــد قــطــب فـــي هــــذا الـــكـــتـــاب: «ولــقــد كــــانــــت لــــأزهــــر بـــصـــفـــة خــــاصــــة رســــالــــة لــــم يـقـم بها فـي هــذا املــجــال.. أن يبحث عـن هــذه الفكرة الــكــلــيــة لــــإســــ م، وأن يــعــرضــهــا عـــرضـــا كــامــ قويا، بلغة العصر وأسلوبه، وأن يــوازن بينها وبـــن املـــذاهـــب الفلسفية األخـــــرى؛ وبــــدال مــن أن ينهض بهذه الرسالة راح يدرّس في كلية أصول الدين ما يسمى خطأ بالفلسفة اإلسالمية، من كتب ابــن سينا وابـــن رشــــد... هــذه االنعكاسات للفلسفة اإلغـريـقـيـة، الـتـي ال صـلـة لـهـا بحقيقة الـفـكـرة اإلسـ مـيـة الكلية. فـكـان هــذا إمـعـانـا في إهمال الرسالة امللقاة على عاتق األزهر؛ وإعالنا لـلـهـزيـمـة الـــروحـــيـــة والــفــكــريــة فـــي املــعــقــل األول للفكرة اإلسالمية!». ثـم يأمر املصريي «لتكوين فكرة إسالمية صــحــيــحــة عــــن الــــكــــون والـــحـــيـــاة واإلنـــــســـــان، أ ندرّس الفلسفة الغربية - وما يتبعها من مبادئ األخالق - في القسم الثانوي من مدارسنا إطالقا. وال تدرّس في الجامعة أيضا إال بعد السنتي في قسم الفلسفة على أقل تقدير. وبطبيعة الحال ال تدرّس في الكليات األزهرية إال أخيرًا. ويجب أن تسبقها في كل معهد تدرّس فيه دراسة إسالمية خالصة، تقرر الفكرة اإلسالمية الحقة، مبرأة مما يسمى الفلسفة اإلسالمية». فـي رسـالـة مفتوحة وليست خـاصـة كتبها إلى توفيق الحكيم من واشنطن، نشرت في مجلة ،828 ، العدد 1949 ) مايو (أيـار 16 «الرسالة» في تحت عنوان «إلــى األسـتـاذ توفيق الحكيم» أكد موقفه الرافض للفلسفة اإلسالمية ولتدريسها الذي كان قد قاله في كتابه «العدالة االجتماعية في اإلسالم»، وكان هذا الكتاب وقت نشر رسالته املفتوحة حديث الصدور، ولم يحصل سيد قطب بعد على نسخة منه. حسب صـ ح الدين الخالدي، استنادًا إلى مجلة «الــكــتــاب»، الـكـتـاب صـــدر فــي شـهـر أبـريـل (نـــيـــســـان)، ورســــالــــة ســيــد قــطــب املــفــتــوحــة إلــى توفيق الحكيم نُشرت في الشهر الذي يلي شهر صـــدور الـكـتـاب. وهـــذا املـرجـع الـــذي استند إليه يحسم جـــدل املختصي بسيرته حـــول الـتـاريـخ لصدور الكتاب. 1949 الدقيق من عام وللسف هذا الكتاب الذي قضى سيد قطب مـا ال يقل عـن أربـــع سـنـوات فـي تأليفه، عبث به بعد صدور طبعته األولى، حذفا وتعديال وزيادة لكان واصل 1965 . ولو لم يعدم عام 1964 إلى عام هذا النوع من العبث بهذا الكتاب. دليلي على أن سيد قطب حي كتب الرسالة املـــومـــأ إلـيـهـا لـــم يـكـن بـــن يــديــه بـعـد نـسـخـة من كــتــابــه، أنـــه وهـــو يــســوق الـحـيـثـيـة الــتــي يستند إلـيـهـا فــي رفـــض الفلسفة اإلسـ مـيـة فــي األزهـــر ورفض تدريسها، أنه وضع لها هامشا طلب فيه من الـقـارئ الـرجـوع إلـى فصل من كتابه عنوانه «فكرة اإلسالم عن العدالة االجتماعية». هذا العنوان غير موجود في الكتاب، وإنما يـــوجـــد عـــنـــوان قـــريـــب مـــنـــه، وهــــو عـــنـــوان الـفـصـل الثاني «طبيعة العدالة االجتماعية في اإلسالم». والــخــطــأ الــثــانــي أن الـفـصـل املــقــصــود بـاملـطـالـبـة بــالــرجــوع إلــيــه بـــدعـــوى الــتــعــرف أكــثــر عـلـى رأيـــه فــي الفلسفة اإلسـ مـيـة وفـــي تـدريـسـهـا، عنوانه مختلف جدًا عن العنوان الذي ذكره، وهو الفصل األخـيـر «حـاضـر اإلســـ م ومستقبله» الـــذي تلته خاتمة قصيرة عنوانها «على مفترق الطرق». مما يعني أنــه كــان فـي ذلــك الهامش يعتمد على ذاكــرتــه، والــذاكــرة أحـيـانـا - أو ربـمـا كثيرًا - تخون في تذكر بعض األسماء وبعض العناوين بدقة. وقد قلت بـ«دعوى» التعرف أكثر على رأيه فـي الفلسفة اإلسالمية وفـي تدريسها، ألنـه في الرسالة املفتوحة لم يكن مقتضبا في إبداء رأيه فيها وفي تدريسها، بل بسطه على نحو كامل. وهذا ما ستتأكدون منه، حي أورد قسما كبيرًا من رأيـه في هذا املقال. السبب الحقيقي هو أنه كـــان فــرحــا بـــصـــدور الــكــتــاب الــــذي يـمـثـل تـحـوال حـــادًا فــي مـجـرى كـتـابـاتـه ومـؤلـفـاتـه، فـوجـد في الــرســالــة املـفـتـوحـة فــرصــة سـانـحـة إلخــبــار قــراء مجلة «الرسالة» األسبوعية في مصر وفي العالم العربي بصدور الكتاب. مـــمـــا يـــجـــدر ذكــــــره ضـــمـــن هـــــذه الــتــفــاصــيــل الـصـغـيـرة حـــول الـطـبـعـة األولــــى مــن الــكــتــاب، أن الـفـصـل األخــيــر مــع أنـــه مــوجــود عـنـوانـا فــي منت الكتاب إال أنه سقط ذكره في فهرس املحتويات. مـمـا قـالـه سـيـد قـطـب فــي رسـالـتـه املفتوحة إلى توفيق الحكيم: «فكرة أريد أن أصححها عن الفلسفة اإلسالمية، كما يصورها ابن رشد وابن سينا والفارابي... فقد أملمت بها في بحثك املمتع الــطــويــل. أن هـــذه الـفـلـسـفـة قـــد تـصـح تسميتها الفلسفة اإلسـ مـيـة بمعنى أنـهـا قــد وجـــدت في أرض إسالمية على يد أفراد مسلمي. ولكن يكون من الخطأ العميق اعتبارها فلسفة اإلسالم. وقد آن أن تصحح هذه الغلطة القديمة الحديثة! إن فـــلـــســـفـــة هــــــــؤالء الــــفــــ ســــفــــة إن هـــــي إ انعكاسات للفلسفة اإلغريقية في ظل إسالمي. وهي ال تبلغ أن تصور الفكرة الكلية للسالم عن الكون والحياة واإلنـسـان. هـذه الفكرة الخالصة الكاملة املتناسقة». ثم يوجه مباشرة لوما يبلغ حد التقريع إلى توفيق الحكيم وإلى جيله، قائالً: «ما أشبه الدور الذي قام به هؤالء الفالسفة اإلسالميون بالدور الذي تقومون به أنتم اآلن - أنت وجيل التمهيد من الشيوخ - فتنة بالفلسفة اإلغريقية، ومحاولة لــتــفــســيــر اإلســــــــ م عـــلـــى ضــــــوء هــــــذه الــفــلــســفــة. واإلســــــــ م يــحــمــل فـــكـــرة مــســتــقــلــة مــخــتــلــفــة فـي طبيعتها األصلية عن طبيعة الفكرة اإلغريقية من األساس! من أذهانهم ال من قلوبهم استمدوا فلسفتهم... وهــكــذا تـعـمـلـون!... ومــالــي ألومكم أنـتـم، واألزهـــر ذاتــه ال يـــدرّس فـي كلياته إ تلك الفلسفة اإلسالمية باعتبارها فلسفة اإلسالم!». وللحديث بقية. ليبيا... ارتداد إلى العصور الوسطى «عِش رَجبا تر عَجبا». إال أن العجب في ليبيا الــقــرن الـــحـــادي والــعــشــريــن، لــم يـعـد يقتصر على شهر رجـــب. والـعـجـب فـي ليبيا، هــذه األيــــام، فاق غرائبية عوالم السورياليي، وبلغ مبلغا لم يبلغه فـــي أي بــــ د. إذ ال حــديــث لـلـيـبـيـن ســــوى تــرديــد حكاية مشعوذ - مـريـض نفسيا وعقليا - يدّعي أنّه على علم بأفاني السحر، واعترف بمكوثه في منزل عائلة ليبية ملدة تسعة أشهر من دون علمهم. اإلقامة في البيت مجانية بالطبع، ألن أهل املنزل ال علم لهم بوجوده بينهم، وهو على علم بكل ما يقع في البيت طيلة تسعة أشهر كاملة. األمر ليس نكتة كما قد يذهب الظن بالبعض، بل حقيقة مؤسفة، ونـذيـر بالوضعية الـتـي تعيشها الـبـ د والعباد على جميع املستويات. الحكاية العجيبة الغريبة ظهرت على شاشة الـتـلـفـزيـون ووســـائـــل الــتــواصــل االجــتــمــاعــي، لـدى قيام شعبة أمنية بالشرق الليبي، بالقبض على الساحر املشعوذ، والتحقيق معه واعترافه بكثير مــن الــجــرائــم ارتـكـبـهـا، ومـــن ضمنها جــرائــم قتل، وحكاية معيشته في وسط عائلة من دون علمهم بوجوده. األشرطة التصويرية املسجلة العترافات الـسـاحـر املـشـعـوذ مـتـاحـة عـلـى وســائــل الـتـواصـل االجتماعي ملن أراد االطالع عليها. املشعوذ املـذكـور، في رأيــي، ليس سـوى رجل مـــريـــض نـفـسـيـا وعــقــلــيــا، وأقــــــرب لــلــجــنــون. لكنه بــدهــاء يـحـسـده عليه كــثــيــرون، تمكن مــن تـدويـخ عقول الليبيي، شرقا وغربا وجنوبا. الغريب أن أغلب الليبيي يرددون الترّهات التي سمعوها كما لو أنّها حقيقة، وليست أوهاما متخيلّة، فبركها خـــيـــال شــخــص مـــريـــض عــقــلــيــا، فـــي حـــاجـــة مـاسـة إلقـــامـــة دائـــمـــة إجـــبـــاريـــة فـــي مـسـتـشـفـى األمـــــراض الــنــفــســيــة. الـــغـــريـــب أيـــضـــا، أن الــقــصــة ال تنتهي عند حـد االعـتـرافـات الغريبة، بـل لها تتمة، وهي أن املـشـعـوذ، كـمـا يُــشــاع، تمكن بفعل الـسـحـر من الهروب من السجن. قصة الهروب من السجن زادت النار لهيبا، وفاقمت من هوس الخيال. انصرف الليبيون عما يحدث من قتل للنساء واألطـــفـــال فــي غـــزة، وفـــي بــيــروت، والـفـظـائـع التي ترتكب بفعل قوات إسرائيل في الضفة الغربية، بل وانصرفوا عما يحدث من كــوارث وجرائم ترتكب في حق بالدهم وثرواتهم ومؤسساتهم التعليمية والــصــحــيــة ومـسـتـقـبـل أطـــفـــالـــهـــم، ولــــم يــعــد يثير شهيتهم لـلـحـديـث شـــيء ســـوى غـرائـبـيـة مــا رواه املشعوذ املريض. حـــكـــايـــة الــلــيــبــيــن والــــشــــعــــوذة واملـــشـــعـــوذيـــن ليست جـديـدة، وليست لها بـدايـة وال نهاية. هي حكاية طويلة مملة ومضجرة، وباعثة على األسف والــحــزن. وللعلم، تـوجـد فـي ليبيا وحـــدات أمنية خـاصـة مـكـرّسـة ملـكـافـحـة الــشــعــوذة واملـشـعـوذيـن، والسحر والسحرة. وهناك فِــرق أخـرى تتكون من متطوعي ال عمل لهم إال زيـــارة املـقـابـر، والبحث عـــمـــا يـــتـــركـــه املــــشــــعــــوذون ومــمــتــهــنــو الـــســـحـــر مـن أعمال سحر مخفية، في أشكال كثيرة. والسحرة واملشعوذون في ليبيا من الجنسي، ومن جنسيات مختلفة، ويـتـمـتـعـون بـصـيـت هــائــل، ويحصلون على أمـــوال وفـيـرة. األمــر الــذي يـذكّــر بمثل شعبي مصري يقول: «رزق الهبل على املجاني». الحكاية تذكر كذلك بما سبق أن اطلعنا عليه مـن حـــوادث عجيبة فـي الـبـ د وقـعـت فـي سنوات مـاضـيـة. لـعـل أجـــدرهـــا بـالـذكـر حـكـايـة ظـهـرت في املنطقة الـوسـطـى مــن ليبيا وانـتـشـرت فــي جميع أرجــاء البالد، تـدور حـول معزة تطير بال أجنحة. وقــبــل ذلـــك ظــهــرت وانــتــشــرت حـكـايـة أشــــد عجبا، تتناول قنفذًا، قيل إنّــه يتكلم مثل البشر. الالفت لالنتباه، والباعث على األسف والحزن والقلق أن تلك الحكايات تنتشر سريعا، وتنتقل بي مختلف مناطق ليبيا، ويصدقها الناس، ويتحدثون عنها طيلة أشهر. وال يقبلون نقاشا حولها، ويرونها أشـيـاء قابلة للتحقق والتصديق، حتى إن ثبتت عـلـمـيـا اسـتـحـالـتـهـا. وخـــيـــر مـــثـــال عــلــى ذلــــك هــذه الحكاية السوريالية األخيرة. وبالطبع، هناك كثير مـن الـعـقـ ء ممن يسفهونها، ويـعـتـقـدون بمرض صاحبها عقليا، إال أن النسبة الكبرى يتحدثون عنها حديث املُصدق. مـا أعـتـقـده مـن آراء يكتسب طابعا شخصيا ولــــيــــس عـــلـــمـــيـــا. لـــكـــن املـــتـــخـــصـــصـــن فــــي الـــعـــلـــوم النفسية ال يتصدون للظاهرة بالرصد والتحليل، وال أعرف السبب أو األسباب وراء ذلك. السؤال: ماذا يحمل املستقبل ملجتمع يصدق قـــدرة مـعـزة عـلـى الـطـيـران بــ أجـنـحـة، وال يشكك فـــي قــــدرة قـنـفـذ عـلـى الـــكـــ م بـلـغـة الــبــشــر، وتعلو فيه مقامات ورتـب السحرة واملشعوذين، ويقوده موتى من تحت القبور؟ المتخصصون في العلوم النفسية ال يتصدون للظاهرة بالرصد والتحليل جمعة بوكليب سيد قطب حين كتب الرسالة المومأ إليها لم يكن بين يديه بعد نسخة من كتابه علي العميم

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==