issue16755

جــنــدي ضـمـن قـــوة إسـرائـيـلـيـة تسللت عـبـر الــحــدود، غرس علمه على تلة بلدة مارون الراس اللبنانية وصارت قــضــيــة، مـــع أن إســـرائـــيـــل تـخـيـم فــــوق ســـمـــاء بـــيـــروت منذ أسابيع. قبل ذلـــك، وبـعـيـداً عـن اللغة الدعائية المستوطنة في منطقتنا، علينا أن نفهم هذه الحرب على حقيقتها، هذه حرب إيرانية - إسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية. هذا هو الواقع، ولهذا نرى إسرائيلياً يرفع علمه، ونرى أعلام إيران ورموزها ترفع في طريق مطار بيروت إلى الضاحية ومدن وقرى عديدة. لبنان تاريخياً محمي الـحـدود، بأهم اتفاقية أبرمت فـي الـنـاقـورة، القريبة مـن مـــارون الــــراس، تبعد 1949 عــام كيلومتراً. آنذاك جلس اللبنانيون والإسرائيليون 36 عنها على طاولة واحــدة برعاية من الأمـم المتحدة وتـم التوقيع على تفاصيل الـحـدود بين البلدين. اتفاقية الناقورة هي التي حمت الأراضـي اللبنانية من أي ادعــاءات إسرائيلية. وكان توقيعهم على الاتفاق البحري قبل سنتين قد اختتم ما تبقى من نزاع محتمل مع الإسرائيليين. الـيـوم ليس يـوم تثبيت الـحـدود، بـل استعادة حقوق الــدولــة اللبنانية فــي سـيـادتـهـا الـكـامـلـة. الــيــوم لـبـنـان بلا رئــيــس دولـــــة، ولا رئــيــس حــكــومــة، ولا حــكــومــة، ولا قـائـد جـيـش، ولا رئـيـس بـنـك مــركــزي. نـظـام مـؤقـت وبالتكليف وتصريف الأعمال. يمكن للبنانيين الالتهاء بعشرات الأحداث من تداعيات المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله»، لكن المنتظر من القوى السياسية أن تكون لديها قضية واحدة تركز عليها، استعادة السيادة اللبنانية الكاملة، والجلوس مع المجتمع الدولي لحفظ حقوقه. أما إخـراج إسرائيل، فعمل ليس باستطاعة لبنان وحده القيام به، فهو مسؤولية المجتمع الدولي الذي سيمليه في مجلس الأمن في وقت لاحق. خصوم السيادة يلجأون لحيلة إضاعة الوقت إلى أن يتبخر الضغط الدولي، وتنشغل القوى المحلية بالاختلاف على التفاصيل ويعود «حـزب الله» وتعود دورة الحروب لسنوات مقبلة. الـعـدو الحقيقي ليس إسـرائـيـل أو إيــران، بل الوقت وتفويت الفرصة التاريخية مع استعداد القوى الـفـاعـلـة الــداخــلــيــة والــخــارجــيــة لــدعــم لــبــنــان. عـنـد تفعيل الرئاسات الثلاث وتمكين الجيش سيسمع العالم مطالب اللبنانيين بوقف الحرب واستصدار قرار أممي جديد يؤكد حقوق وسيادة الدولة اللبنانية ودعمها. مـــن يـسـعـى لـتـعـطـيـل الـعـمـلـيـة الـسـيـاسـيـة لاســتــعــادة الدولة هم من كانوا مستفيدين من الوضع السابق، بإفشال مــســاعــي انـــتـــخـــاب رئـــيـــس وحـــكـــومـــة، مــســتــخــدمــ ذرائــــع واشتراطات إيقاف الحرب، وإخراج الإسرائيليين، وإشراك «حزب الله» عندما يخرج من محنته. وهم يدركون أن ذلك يعني الفراغ حتى العام المقبل وربما أعوام لاحقة. في حين أن المجتمع الــدولــي لــن يستمع للبنان الــيــوم وهـــو معاق مؤسساتياً. ولا ننسى أن كل القوى الأساسية، حتى «حـزب الله» ممثلاً بنبيه بري، وافقت على المضي في العملية السياسية ثم تباطأت الحركة مع وضع العَصا في العجلة. لم يتوقف الخلاف عند الترشيحات، بل يطالب بعضهم بمنح «حزب الـلـه» فـرصـة جــديــدة. هــذا الـطـرح عملياً يعني الـرغـبـة في اسـتـمـرار المـواجـهـات الإيـرانـيـة الإسرائيلية فـي لبنان الآن ومستقبلاً. في حين أن تفعيل المؤسسات الرئاسية وتمكين المؤسسة العسكرية سيعنيان إنـهـاء الـحـرب لتكون هناك دولة واحدة بجيش واحد والعودة لاتفاق الناقورة لحماية لبنان من التغول الإسرائيلي. هذه رغبة دولية، وهي مطلب اللبنانيين حتى يسترد عافيته، لكنها ليست معنية بـإصـ ح الأوضـــاع الداخلية الأكثر تعقيداً وتتطلب وقتاً طويلاً. هذه يمكن للبنانيين حسمها وفق آلياتهم الدستورية، أما اليوم فالمطلوب إعادة الجمهورية للحياة. لـبـنـان شــجــرة أرز، نـمـت فـــوق جــبــال الـــزمـــان. أصـلـهـا مـكـ في أعـمـاق طبقات التكوين التاريخي الإنـسـانـي. أوراقـهـا كُتبت عليها سـطـور التمثيل الـضـوئـي لعبقرية الـحـركـة والإبــــــداع. الفينيقيون سبحوا مبكراً بمجاديف الحضارة على سطح مـاء البحر الأبيض المتوسط. رست المراكب الفينيقية في شواطئ شمال أفريقيا، حيث أسسوا حضارة امتلكت قوة مالية وعسكرية. قرطاجنة مدّت جسور الوصل بين البحر والبر، وعبرهم عرفت أوروبا أفريقيا. فوق جبال لبنان الخضراء، ترعرعت عبقرية الحركة القوية والناعمة، في البر والبحر. أعطت للإنسانية ما لم تكن تعرفه. طالتها ضربات الزمن الـثـقـيـلـة، لـكـن خـريـطـتـهـا الطبيعية رســمــت طـبـائـع مَـــن نـبـتـوا على أرضـهـا. جـابـوا أرض الله شرقاً وغـربـ وشـمـالاً وجنوباً. فـي البلاد العربية كان اللبناني دقة زندٍ تشعل أضواء العقول ونسمة إبداع. فــاض الـعـطـاء اللبناني إبــداعــ فـي الأدب والـصـحـافـة والمـسـرح والمــوســيــقــى والـــغـــنـــاء، وغــمــر جـــــداول الـــبـــ د الــعــربــيــة، عـبـر الـعـقـود المـمـتـدة. لبنان الحقل الـــذي تطير لـه بـــذور الإبـــداع الـفـارة مـن حبال الـخـنـق أو الاخـتـنـاق فــي أوطــانــهــا. نسيم الـحـريـة كـــان هــو الفصول الأربـعـة، وفـي مساحته الصغيرة، اتسعت رحـاب الأفـكـار. في أرضه يلتقي المختصمون العرب، يكتبون ويقولون، وفي لياليه يتحلقون حـــول مــوائــد مــا لــذ مــن الــطــعــام، ومـــا راق مــن الـــشـــراب. تـتـحـول لغة الخصام إلى قفشات ونكات وضحكات، وتصير كلمات السياسيين والــصــحــافــيــ والمــثــقــفــ المـــؤدلـــجـــة، أنـــغـــام ســمــر تـحـيـي الـعـجـائـز، وتنعش الشباب. الأنظمة السياسية العربية تحوّل كثير منها إلى لاجـئ فكري وسياسي، في أرض لبنان، عبر مصطفين محليين في تنظيمات سياسية، ووسائل إعلام تعرض بضائع لاجئة، في خندق الحرية الفسيح لبنان. للمكان عبقريته التي تقدم دون توقف الإبداع، وتـهـب الـجـديـد فـي الأدب والـفـن والـفـكـر، وفــي الموسيقى والسينما والغناء. في القارة الأفريقية، أينما حللتَ تجد لبنان عِلماً وثقافة وتـجـارة وطـبّـ ، وعـن الأميركتين حـدث ولا تسكت. قـادة سياسيون، ورجال أعمال كبار وصغار، ومبدعون في كل مجال. لقد أهدت هذه المساحة الصغيرة العالم كلّ ما هو جميل. لبنان ينبوع معانٍ وإبداع وأغنية حب وطـرب؛ قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي تغنى فيها بمدينة زحلة اللبنانية، التي عشقها وهي تطل بروعتها على وادي العرايش، رسـم فيها بحرارة هيامه، وفرحة لغته، رسـم فيها لوحة بألوان الزمن الجميل. مَن يستطيع أن يقاوم جبل الجمال، الذي ترفرف في عليائه شجرة الأرز؟ تغزّل أحمد شوقي في زحلة التي أسرته بلا حدود، فقال: ِيا جارة الوادي طربتُ وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك مثلتُ في الذكرى هواكِ وفي الكرى والذكريات صدى السنين الحاكي ِضحكت إليّ وجوهها وعيونها ووجدتُ في أنفاسها ريّاك ِلم أدرِ ما طيب العناقِ على الهوى حتى ترفّق ساعدي فطواك كان أمير الشعراء أحمد شوقي عاشقاً لزحلة. في إحدى زيارته لها، كان برفقته الكاتب فكري أباظة، والموسيقار المطرب الكبير محمد عبد الوهاب، فكتب قصيدته الخالدة في عشق زحلة. وعندما ألقى شوقي القصيدة على مرافقيه، هلّل محمد عبد الوهاب، وقال لشوقي: «هذه القصيدة نبعت منك كي تُغنى». لحنها عبد الوهاب وغناها، ثم غنتها فيروز، ونور الهدى، والمطرب المغربي عبد الــهــادي بلخياط. زحـلـة هـي لبنان المـعـنـى، والـحـب والتعايش والإبـــــداع. فيها اجتمعت كـل الألــــوان الـديـنـيـة، تظللها شـجـرة الأرز المبدعة، وأوراقها تفوح بفرحة الفن والأدب والحب. هناك وُلِد سعيد عقل، الشاعر المفكر الذي أبدع قصيدته: غنيتُ مكة أهلها الصيدا والعيدُ يملأ أضلعي عيدا فرحوا فلالاً تحت كلّ سما بيتٌ على بيت الهدى زِيدَا يا قارئَ القرآن صلّ لهم أهلي هناك وطيب البيدا هذا المبدع المسيحي الدين غنّى لمكة البيت الحرام، وتغنّى بها. سُئِل شيخ أزهري كبير: «هل تستمع للأغاني؟»، فأجاب: «لا أستمع إلا لفيروز». غنت فيروز المسيحية ما نظمه ابن زحلة في مناجاته لمكة، فأعطتها صوتاً روحياً مبتهلاً. من لبنان وفي لبنان، تعانقت الكلمات، وابتهلت الأصوات. من أحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب، إلـــى سـعـيـد عـقـل وفـــيـــروز. كـــان الـــزمـــن الـلـبـنـانـي الــعــربــي المسيحي الإسلامي مطرّزاً بالحب والسلام والإبداع والحياة. كــيــف تــحــولــت ظــــ ل شــجــرة الأرز، إلــــى دغــــل مــظــلــم، وتـحـولـت كلماته المترعة بالحب والحياة، وأنغامه الآســرة التي تـروي الـروح بـمـوسـيـقـى الـتـعـايـش والــعــشــق، إلـــى مــعــزوفــات رصـــــاص، وصـــارت اللؤلؤة زحلة، تسمع وترى حفلات جنون القتل الفردي والجماعي؟ اندفع طوفان الطين الأحمر الآيديولوجي، وران على أرض الجمال لبنان؛ مرة بمدافع حشوها شعارات قومية، وأخرى بشعارات دينية. غرق مستطيل الحرية والإبداع والفرح، في مستنقع الموت والهروب واليأس. البحر الأبيض المتوسط، الذي حمل إلى الدنيا نتح شجرة الأرز، اختنقت نسائمه، وهــو يــرى مـا حــلّ بـمـرافـئ مـا أبـــدع زمـانـه. لبنان كـانـت جـــارة وادي زمـانـنـا، وامــتــداد رحـــاب عقولنا وقلوبنا، صارت اليوم محفلاً لحروب كتائب جهلنا. لبنان جارة وادي قلوبنا OPINION الرأي 15 Issue 16755 - العدد Saturday - 2024/10/12 السبت لبنان كان امتدادرحاب عقولنا وقلوبنا صار اليوم محفلاً لحروب كتائبجهلنا عبد الرحمنشلقم ا ن أ ا م و Ghassan Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ ƒ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Zaid Bin Kami Saud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ ا ن أ ا م و Ghassan Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ ƒ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Zaid Bin Kami Saud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ ا ن أ ا م و Ghassan Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ ƒ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Zaid Bin Kami Saud Al Rayes ١ ٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ ا ن أ ا م و Ghassan Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ ƒ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Zaid Bin Kami Saud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ ا ن أ ا م و Ghas an Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ ƒ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidro s Abdulaziz Zaid Bin Kami Saud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ ا ن أ ا م و Ghassan Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ ƒ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief Assistants Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Zai Bin Kami Saud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ ا ن أ ا م و Gha san Charbel ‚ ا ƒ „ ر † ‡ ن ˆ‰ „ و ر ˆ ‚ ا ا روس ‹ †Œ ز ƒ د ا ’ Editor-in-Chief A sistants Editor-in-Chief Aidr os Abdula iz Zaid Bin Kami S ud Al Rayes ١٩٨٧ ª« ¬ˆ أ ١٩78 ª« ¬ˆ أ الرئيس التنفيذي جماناراشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائبا رئيس التحرير زيد بن كمي ssistant Editor-in-Chief Deputy Editor-in-Chief Zaid Bin Kami مساعدا ئي التحرير محمد هاني Mohamed Hani تخريب مشروع إنقاذ لبنان اليوم ليسيوم تثبيت الحدود بل استعادة حقوق الدولة اللبنانية فيسيادتها الكاملة عبد الرحمن الراشد

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky