issue16753

Issue 16753 - العدد Thursday - 2024/10/10 الخميس كتب BOOKS 18 كتاب جديد يضعه على خريطة الأدب العالمي لماذا وكيف ينبغي أن نقرأ جبران اليوم؟ مـــــن قـــــــوة إلـــــــى قـــــــوة تــــســــيــــرُ ســلــســلــة «دراســـــــــــــات إدنــــــبــــــرة فـــــي الأدب الـــعـــربـــي الحديث»، التي تصدر باللغة الإنجليزية عن مطبعة جامعة إدنبرة في أسكوتلندا، ويـشـرف عليها الـدكـتـور رشـيـد العناني، أســـتـــاذ الأدب الــعــربــي الــحــديــث بـجـامـعـة إكـــســـتـــر الـــبـــريـــطـــانـــيـــة. فــبــعــد أن أصـــــدرت 29 ،2013 الـــســـلـــســـلـــة، اعــــتــــبــــاراً مــــن عـــــام كتاباً تغطي شتى مجالات الأدب العربي مـــنـــذ الــــقــــرن الـــتـــاســـع عـــشـــر حـــتـــى يــومــنــا هـــــذا، هـــا هـــي ذي تـــصـــدر فـــي هــــذه الأيــــام كتابها الثلاثين، وعنوانه «جـبـران خليل جـبـران فـي سـيـاق الأدب الـعـربـي العالمي» Gibran Khalil Gibran as Arab World( )، مـــن تــألــيــف غـــــزوان أرســــ ن Literature )، المحاضر في قسم Ghazouane Arslane( اللغة الإنجليزية بجامعة العربي التبسي- تبسه في الجزائر. ) كما هو معلوم 1931 - 1883( جبران أشــهــر أدبــــاء المـهـجـر الأمــيــركــي الـشـمـالـي، يحتل مـكـانـة لا يـنـازعـه فيها ســـوى أمـ الريحاني وميخائيل نعيمة (عندي أن هذا الأخـيـر أنـبـغ الـثـ ثـة). فـجـبـران ركــن أدبـي مكين من أركـان النهضة الأدبية الحديثة، شـــــــــــــاعـــــــــــــر وقـــــــــــــــاص ومــــســــرحــــي وكــــاتــــب مقالة وكاتب رسائل بـــالـــلـــغـــتـــ الــعــربــيــة والإنــــــــجــــــــلــــــــيــــــــزيــــــــة، فـــــــضـــــــً عــــــــن كــــونــــه فـــنـــانـــ تــشــكــيــلــيــ لـه لـــوحـــاتـــه ورســــومــــه. لــــــقــــــد كــــــــــــان كــــتــــابــــه «الـــــنـــــبـــــي» الـــــصـــــادر بــــالإنــــجــــلــــيــــزيــــة فـــي (ونحن نعرف 1923 مدى ولع الأميركيين بــكــل صــرعــة جــديــدة فـــي الــفــكــر والــحــيــاة والـــفـــنـــون) مـــن أكـثـر الــــكــــتــــب مـــبـــيـــعـــ فــي الــــــولايــــــات المـــتـــحـــدة الأمـــــــيـــــــركـــــــيـــــــة. وقــــــد تــــرجــــم الــــكــــتــــاب إلـــى لـــــــــغـــــــــات ولـــــــه 104 ثـــــمـــــانـــــي تــــرجــــمــــات مـخـتـلـفـة إلـــــى الـلـغـة الـــــعـــــربـــــيـــــة. وصـــلـــت شــــهــــرة جـــــبـــــران إلـــى الصين، وكان رئيساً لــ«الـرابـطـة القلمية» فـــــــي أمـــــيـــــركـــــا حـــتـــى وفــــــــــــاتــــــــــــه، وحــــــظــــــي فــــي الـــعـــالـــم الــعــربــي بـــــتـــــقـــــديـــــر مـــفـــكـــريـــن وبــــــاحــــــثــــــ ونـــــقـــــاد وأدبــــــاء مـهـمـ مثل أدونـــــيـــــس ويـــوســـف الخال وخليل حاوي وحــــــــلــــــــيــــــــم بــــــــركــــــــات وغــــيــــرهــــم. ومــــــا زال حـــاضـــراً فـــي الــذاكـــرة الـــثـــقـــافـــيـــة الـــعـــربـــيـــة بـــــعـــــد مـــــــــــرور قـــــرابـــــة قـــرن مـــن الـــزمـــن على رحـــــيـــــلـــــه، إذ يُـــعـــقـــد مؤتمر دولـــي يحمل اسـمـه، وتـؤلـف عنه دراســــات وأطــروحــات جامعية وكتب أحدثها هذا الكتاب. وحـــــــــ تــــــرجــــــم الــــــدكــــــتــــــور ثـــــــروت عكاشة، وزير الثقافة المصري في عهد الرئيس جمال عبد الـنـاصـر، عــدداً من أعـــمـــال جـــبـــران المــكــتــوبــة بـالإنـجـلـيـزيـة (ظـــهـــرت تـرجـمـتـه لـكـتـاب «الــنــبــي» في )، كــتــب الـــدكـــتـــور لـــويـــس عــوض 1959 قائلاً إن صدور هذه الترجمات مؤشر إلـــــى انـــبـــعـــاث لـــلـــحـــركـــة الـــرومـــانـــســـيـــة، خـــصـــوصـــ وقـــــد تــــزامــــن صــــدورهــــا مـع صدور كتاب من النثر الغنائي عنوانه «المـــــــســـــــاء الأخـــــــيـــــــر» لــــلــــقــــاص يـــوســـف الـشـارونـي، وديـــوان مـن الشعر المنثور للشاعر المستشار حسين عفيف. وفي فترة لاحقة قدمت الروائية والأكاديمية المـــصـــريـــة الـــراحـــلـــة الــــدكــــتــــورة رضــــوى عـــاشـــور إلــــى جــامــعــة الـــقـــاهـــرة رســالــة ماجستير عن «جبران وبليك»، وترجم مـاهـر البطوطي مـن مهجره الأميركي مسرحية جبران المكتوبة بالإنجليزية «الأعـمـى» وقُـدّمـت على خشبة «مسرح السلام» بالقاهرة. وكـتـاب غـــزوان أرســـ ن (الـــذي يحمل درجـــــة الــــدكــــتــــوراه فـــي الأدب المــــقــــارن من جــــامــــعــــة كــــويــــن مــــــــاري فـــــي لـــــنـــــدن) عــمــل أكــــاديــــمــــي جـــلـــيـــل يـــشـــهـــد بــتــمــكــن مــؤلــفــه مـــن مــوضــوعــه ويــمــتــاز بتحليله الـدقـيـق لـنـصـوص مـخـتـارة مــن جـــبـــران. وإذ يبدأ كتابه بسؤال: لمـاذا وكيف ينبغي أن نقرأ جــــبــــران الـــــيـــــوم؟ فـــإنـــه يــخــتــمــه بــمــحــاولــة لوضعه في سياق الأدب العالمي لا الأدب الـــعـــربـــي - الأمـــيـــركـــي وحــــــده. وفــيــمــا بين المقدمة والخاتمة يعالج الصلات في حالة جبران بين جماليات الأدب وعلم الأخلاق والسياسة، والبعد الديني والصوفي في عمله، وأوجه حداثته وتجديده، وتعامله مع اللغتين، وحسه القومي، وموقعه من النهضة الأدبية الحديثة. ومما يحمد لأرسلان أنه، على محبته لــجــبــران، لا يـغـفـل الــجــوانــب الـسـلـبـيـة في إنجازه. فهو يذكر مثلاً أنه ينحو أحياناً إلـــى الـعـاطـفـيـة المــســرفــة (الـسـنـتـمـنـتـالـيـة) وإلــــى الــنــزعــة التعليمية وإلــــى التبسيط المـــســـرف فـــي نـسـج خــيــوط الـحـبـكـة ورســـم الـــــــــشـــــــــخـــــــــصـــــــــيـــــــــات وإلـــــــــــــــى اســــــتــــــخــــــدام الـــــــــكـــــــــلـــــــــشـــــــــيـــــــــهـــــــــات المـــحـــفـــوظـــة. ويـــأخـــذ أرســـ ن على جبران أنــــــه، وهـــــو المــنــاصــر لمنح المـــرأة حقوقها، قــــصــــر الــــــدعــــــوة إلــــى التعليم على الذكور دون الإنـــــــــــــاث. كــمــا أخــــــــــــذ عـــــلـــــيـــــه خـــطـــأ لــــــغــــــويــــــ فـــــــــي نـــحـــو الـــلـــغـــة الإنـــجـــلـــيـــزيـــة »builded« حين جعل مــــــــاضــــــــيــــــــ لــــلــــفــــعــــل )194 » (ص build« .»built« بــــــــدلاً مـــــن وفـــــــــــي رســــــــالــــــــة مـــن جـــــبـــــران إلـــــــى مـــــاري 1922 هــــاســــكــــل فـــــي يـــــــــــــزعـــــــــــــم جــــــــــبــــــــــران أنــــــــــــه تـــــلـــــقـــــى لـــغـــتـــه الإنــــــجــــــلــــــيــــــزيــــــة مـــن شكسبير والترجمة الإنـجـلـيـزيـة للكتاب المــــــقــــــدس وهــــاســــكــــل ذاتـــــــهـــــــا! فـــيـــتـــســـاءل أرســـــــــــــــــــــ ن مـــــحـــــقـــــ : ألـــــــم يـــتـــلـــقـــهـــا أيـــضـــ مـــــن بـــلـــيـــك وكـــيـــتـــس وشــــلــــلــــي وكـــــارلايـــــل وويـــــــــتـــــــــمـــــــــان، وهــــــو مــــا تــثــبــتــه كــتــابــاتــه ورسائله الأخرى؟ ويــــورد أرســـ ن آراء نـــــقـــــاد جــــبــــران مـــــا بـــــ مــــــــادح مـثـل الـــشـــاعـــر الآيـــرلـــنـــدي جــــــورج ولـــيـــم رســــل، وقادح مثل مصطفى لـــطـــفـــي المـــنـــفـــلـــوطـــي الـــــذي انــتــقــد جــبــران مـن منظور أخلاقي، وعـــبـــاس مــحــمــود الــعـــقـــاد الـــــذي كــتــب عن فأخذ 1922 قصيدة جبران «المـواكـب» في عليها أمــــوراً مـنـهـا مــا يـتـصـل بالمحتوى الفكري وما يتصل باللغة والأسلوب. وبــــــــــدوره لا يـــخـــلـــو كــــتــــاب أرســـــــ ن، عـلــى مـــزايـــاه المــلــحــوظــة، مـــن هـــفـــوات. إنــه those who do not deprive« :ً يكتب مـثـ ،)51 » (ص themselves from the gifts »from« » لا of« وصـــــــــواب حــــــرف الــــجــــر (واضـــح أن أرســـ ن كـان يفكر هنا باللغة الـــعـــربـــيـــة حـــيـــث نـــقـــول «مــــحــــروم مـــــــن..»). ويسمى أرسلان مؤلف رواية «موبي ديك» ) وصـواب اسمه 228 (ص Henry Melville . ويــذكــر أن لـجـبـران كتاباً Herman الأول ) وهو 109 » (ص Sand and Form« عنوانه Sand and« خطأ مطبعي بلا شك صوابه » (رمــل وزبـــد). هنات تغتفر لكتاب Foam على حـظ كبير مـن العمق الـفـكـري ونفاذ البصيرة ومتانة الأسلوب وإحكامه. د. ماهر شفيق فريد أكبر إنجاز إبداعي في أزمان الحرب هو البقاء على قيد الحياة لاصوت يعلو علىصوت القلب إحــــــدى الـــــروايـــــات الـــتـــي سـحـرتـنـي مـنـذ قـــراءاتـــي الأولــــــى، والـــتـــي بـالـتـأكـيـد شـجـعـتـنـي - ومــــن ضــمــن أعـــمـــال خــالــدة ألمانية أدبـيـة أخــرى - على دراســـة الأدب الألمـانـي فـي جامعة بـغـداد، قسم اللغات الأوروبية، في أواسط السبعينات، وربما هـي وراء ذهـابـي إلــى منفاي فـي ألمانيا. إنها رواية الألماني أريش ماريا ريمارك: «للحياة وقـــت... للموت وقــت» (كما هو عـنـوان الأصـــل الألمــانــي) أو «للحب وقت وللحياة وقت»، كما نقلها عن الفرنسية المـصـري سمير الــتــنــداوي، وصـــدرت عن «دار المعارف» المصرية بجزأين في بداية الستينات. تـــدور أحـــداث الــروايــة فـي ربـيـع عام ، تـــاريـــخ الانــعــطــافــة الـحـاسـمـة في 1944 مـجـرى الــحــرب الـعـالمـيـة الـثـانـيـة وبـدايـة تقهقر الجيوش النازية وهزيمة أدولف هتلر، وقصف طائرات الحلفاء الغربيين للعاصمة الألمانية برلين عندئذ بالتوازي مـــع زحــــف الــجــيــش الأحـــمـــر الـسـوفـيـاتـي مايو 8 عليها، قبل سقوطها نهائياً في وانتحار مدمر العالم هتلر 1945 ) (أيــار قبلها بيومين أو بثلاثة أيام وربما أكثر! الـــــروايـــــة تــــــروي مـــغـــامـــرة الــجــنــدي 23 أرنـــســـت غــريــبــيــر، الــبــالــغ مـــن الــعــمــر عــــامــــ ، الــــــذي يــحــصــل عـــلـــى إجـــــــازة غـيـر متوقعة قادماً من الجبهة الشرقية التي كــــان يــقــاتــل عـلـيـهـا فـــي الـــحـــرب الـعـالمـيـة الثانية في وحدة عسكرية تابعة للجيش السادس الألماني. الجندي الشاب غريبير الــذي عـاش للتو بنفسه هزيمة الجيش السادس على جبهة ستاليننغراد، ورأى الآلاف يـمـوتـون هــنــاك، لــم يـكـن يعلم أن عليه أن يعيش حـطـامـ آخـــر هـــذه المـــرة، حطام مدينته برلين، وكيف تـرك قصف طائرات الحلفاء أثـره البالغ في المدينة. بيوت محطمة وشــوارع محفورة، وأسر مــشــردة تـركـت مـنـازلـهـا خـوفـ مــن المــوت تحت الأنــقــاض. حتى أسـرتـه هـو نفسه انتهى بها المطاف إلى الهروب من المدينة ومغادرتها إلـى مكان مجهول. الجندي أرنــســت غـريـبـيـر الـــذي سـيـبـدأ بــالــدوران فـي المـديـنـة مثل غـريـب، بحثاً عـن مـأوى أو عنوان لمعارف وأصدقاء له وللأسرة، لن يشعر بالفرحة، بالحياة، إلا بعد أن يلتقي مصادفة بإليزابيث، الفتاة التي انتهى أبوها «الشيوعي اليهودي» إلى معسكر للاعتقال النازي بسبب وشاية. كــم مــن المــصـادفــات يـجـب أن تحدث لــكــي تـتـشـكـل حــيــاة إنـــســـان فـــي الاتــجــاه الذي تريده له الحياة! أرنـــســـت غـريـبـيـر وإلـــيـــزابـــيـــت، كـانـا يــســيــران هــائــمــ بـــ هــــدف عــبــر حـطـام وخـــــراب بـــرلـــ ، يـتـنـقـ ن مـــن مــكــان إلــى آخـر، كأنهما يبحثان عن مكان أو شيء لا يــســتــطــيــعــان مــنــحــه تـــعـــريـــفـــ ، وحـــ تتقاطع خطواتهما مصادفة، كـان لا بد لهما أن يقعا في حب بعضهما البعض، وهـــي مـسـألـة وقـــت ويـــقـــرران الـــــزواج من بعضها الـبـعـض، كـيـف لا يـفـعـ ن ذلــك، وقد وجد الاثنان السلوى ومعنى للحياة بـوجـودهـمـا مـعـ ، وهـمـا الــلــذان تقاسما مـائـدة يــأس واحــــدة؟ إنهما فـي مشروع زواجهما لا يفعلان شيئاً غير تلبية نداء القلب، يسيران هذه المـرة باتجاه واحد، إلى هدف واحد، حيث يقودهما القلب. تلك هي المفارقة التي تجعلنا الرواية نعيشها: قصف المدينة يتواصل، القائد المجنون الــذي اسمه هتلر مـا زال مصراً على تنفيذ جريمته حتى النفس الأخير، يرسل الأطفال في آخر الأيام إلى جبهات الحرب، الناس تهرب، ليس أمامهم غير المـوت تحت الأنقاض. فقط هما الاثنان، أرنـــســـت غـريـبـيـر وإلـــيـــزابـــيـــت لا يـــريـــدان المــغــادرة. إلـى أيــن؟ هكذا يطوف الاثنان عبر شـوارع برلين وأحيائها، محصنين بحبهما، وهما يلبيان نـداء الـحـواس لا غير، وحـ يحل المساء، يبدآن بالبحث عـن مـــأوى يمكنهما اللجوء إلـيـه، النوم تحت سقف يحميهما تحت ظلمة الليل، ولا يـهـم مـــاذا يـكـون المــكــان، قـبـواً كـــان أم خرابة بيت. اثنان غريبان في مدينتهما، يكافحان في سبيل قضيتهما الخاصة بهما، قضية لها عـ قـة بـشـؤون القلب، وليس لها علاقة بالوضع العام: الحرب! إنــــهــــمــــا يــــعــــيــــشــــان فــــــي عـــــالمـــــ فــي الـوقـت نفسه: النضال فـي سبيل قضية حبهما مـن جهة (عندما يـقـرران الــزواج والاحــــتــــفــــال بــلــيــلــة الــــعــــرس مــــع زجـــاجـــة شمبانيا!)، ومــن الجهة الأخـــرى الحرب بكل ما تحمله من عبثية وموت وخراب، وحـيـث لا أحـــد يـوضـح مَـــنْ هــو المـسـؤول عـــن كـــل هـــذا الـــدمـــار الــــذي لـحـق بـألمـانـيـا والألمان، مَنْ هو المذنب في الحرب المدمرة تلك؟ حتى البروفيسور العجوز بولمان (قــــام بتمثيل الــــدور فــي الـفـيـلـم المــأخــوذ عـن الـروايـة أريــش ريـمـارك نفسه)، الـذي يعرفه أرنست غريبير منذ أيام المدرسة لا يقدم له أي جواب كعزاء. «الذنب»، يقول بولمان بصوت رقيق، «لا أحد يعرف، أين يبدأ الذنب وأيــن ينتهي. إذا شئت فإنه يبدأ في كل مكان وينتهي في اللامكان. لكن ربـمـا الأمـــر هـو أيـضـ بالعكس. أما الشراكة في الجريمة، فلا أحد يعرف ماذا يـعـنـي ذلــــك؟ الــلــه وحـــــده»، وحـــ يسأله غريبير مرة أخرى إن كان عليه الالتحاق بالجبهة بعد انتهاء إجازته أم لا، ليكون بهذا الشكل هو أيضاً شريكاً بالجريمة؟ يجيبه العجوز الحكيم: «مـاذا أقـول لك؟ إنها مسؤولية كبيرة. لا أستطيع اتخاذ القرار لـك»، وعندما يلح أرنست غريبير بــالــســؤال: «هـــل يـجـب عـلـى كــل واحــــد أن يقرر لنفسه؟»، يجيبه بولمان: «أظن نعم. ماذا يكون غير ذلك؟». لـــقـــد رأى أرنــــســــت غــريــبــيــر وســمــع الــكــثــيــر، «المــــــرء يُــقــتــل مـــن أجــــل لا شــيء فـي الجبهة»، وهــو يعرف الـجـرائـم التي تنطوي عليها الــحــرب: «الــكــذب، القمع، الظلم، العنف. الحرب، وكيف نخوضها، مـــع مــعــســكــرات الـــعـــبـــوديـــة ومــعــســكــرات الاعـتــقــال والـقـتـل الـجـمـاعـي للمدنيين». وهو يعلم أيضاً «أن الحرب قد خُسرت»، وأنــــهــــم «ســـيـــســـتـــمـــرون فــــي الـــقـــتـــال فـقـط لكي تبقى الحكومة والحزب وكل أولئك الذين تسببوا في كل هذا، لكي يبقوا في السلطة لفترة أطول، لكي يكونوا قادرين على التسبب في المزيد من البؤس». مع كــل هـــذه المــعــرفــة، يــتــســاءل عـمـا إذا كـان يـنـبـغـي عـلـيـه الـــعـــودة إلـــى الـجـبـهـة بعد إجازته، وبالتالي ربما يصبح شريكاً في الجريمة. «إلـى أي مدى أصبح متواطئاً عندما أعرف أن الحرب لم تُخسر فحسب، بل أيضاً يجب أن نخسرها حتى تتوقف الـعـبـوديـة والـقـتـل ومـعـسـكـرات الاعـتـقـال وقـــوات الأمــن الخاصة وقـــوات الصاعقة وفرق القتل الخاصة والإبـادة الجماعية واللاإنسانية، إذا كنت أعرف ذلك وأخرج مرة أخرى في غضون أسبوعين لمواصلة القتال من أجلها؟». أي عــــمــــل فــــــي وقــــــــت الــــــحــــــرب غــيــر مـعـنـي بــالــحــرب هـــو نــــوع مـــن المــقــاومــة. فـــي عــمــل ريــــمــــارك، يـصـبـح الــحــب كفعل إنساني بسيط بمثابة رمز تحدٍ لإحدى «جماليات المقاومة» ضد الديكتاتورية والحرب، لكي نستعير قول بيتر فايس، رائـــد ألمــانــي آخـــر، اضـطـر أيـضـ للذهاب إلـــى المـنـفـى بـعـد اسـتـيـ ء الـنـازيــ على الــســلــطــة. الــقــلــب أقـــــدس مـــن الـــوطـــن، من أي وطنية اخـتـرعـت فقط لإقـنـاع الناس بــإرســالــهــم إلــــى الـــحـــرب ونـــــزف الـــــدم من أجــــل الــــقــــرارات الـــتـــي يـتـخـذهـا الأقـــويـــاء والمتسلطون. مَنْ منا لم يعرف ذلك وهو يقاوم العيش في بلاد وادي الخرابين أو في أي بلاد أخرى عاشت خرائب شبيهة لها؟ لقد مرت سبعون عاماً على صدور الرواية وثمانون عاماً على القصة التي تـرويـهـا، وعـلـى مـا حــدث مـن خـــراب طال مــــدن ألمـــانـــيـــا، وأولـــهـــا الــعــاصــمــة بــرلــ . عندما كنت مراهقاً قرأت عدداً لا يُحصى من الروايات عن الحرب العالمية الثانية، لــكـــن «لــلــحــيــاة وقــــــــت... ولـــلـــمـــوت وقــــت» وبـطـلـهـا حــفــرا نفسيهما بـشـكـل خـاص فــي أعــمــاق ذاكـــرتـــي. ربـمـا يـكـون أرنـسـت غـريـبـيـر هـــو الــســبــب الــــذي دفــعــنــي دون وعـــــي إلـــــى رفـــــض الــــذهــــاب إلـــــى الـجـبـهـة عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية سبتمبر (أيــلــول)، وأنـنـي تمردت 22 فـي عـلـى الــذهــاب إلـــى الجبهة وغــــادرت إلـى المـنـفـى، إلـــى ألمـانـيـا بـلـد أرنــســت غريبير وأريك ريمارك؟ النازيون عرفوا مبكراً قـوة روايــات أريـــــش ريــــمــــارك. إحـــــدى أولـــــى الـــروايـــات الــتــي رمـــوهـــا لــلــنــار فـــي جــريــمــة حـرقـهـم ، كانت الرواية 1933 مايو 10 للكتب في الأولــــــى لـــريـــمـــارك «كــــل شــــيء هـــــادئ في المـيـدان الـغـربـي»، روايـــة مـضـادة للحرب بامتياز، وكانت إلى ذلك الوقت «بيست سيلر» بيعت بالملايين. ليس من الغريب أيضاً أن يكون أيريش ماريا ريمارك هو أحــد أوائـــل الـكـتّـاب الألمـــان الـذيـن غـــادروا ألمانيا مباشرة بعد تسلم هتلر للسلطة .1933 عام ليس مـن الغريب إذن أنني أحببت هـذه الـروايـة منذ قـراءتـي لها وأنــا شاب يــــافــــع، كـــأنـــنـــي كـــنـــت أعــــــــرف، أن بـــغـــداد سـتـعـيـش ذات يــــوم الـــدمـــار نـفـسـه الـــذي عـــاشـــتـــه بــــرلــــ ، كـــأنـــنـــي كـــنـــت أعــــــرف أن دماراً سيلحق بنا جميعاً أينما سنكون، كــأنــنــي كــنــت أعــــرف أن أجـــيـــالاً سـتـمـوت في الـحـروب، وأن أجيالاً أخـرى ستأتي، تحلم بالحب، بالزواج، بالسعادة، لكنها ستموت بطلقة طائشة، بقذيفة دبابة أو مدفعية، بقصف طيران يلقي حممه على الجميع أو بصاروخ لا يفرق بين مبنى أو إنسان، بسقف بيت ينهد على الـرؤوس ويطمر أسراً بأكملها، كأنني كنت أعرف، أنه لا حاجة لكتابة ما يكفي من روايات الحرب وتذكير أجيال قادمة بماذا تعنيه الـــحـــرب، مــــاذا يـعـنـيـه الــــخــــراب، كــــ ، لأن الناس سيعيشون كل ذلك بأنفسهم، بل كأنني كنت أعـرف، أن لا أرضاً ولا زاوية في العالم إلا وتتحول إلى ساحة حرب، وأن لا مـكـان سينجي الــنــاس مــن المــوت تحت قذيفة سـ ح مصنع في هـذا البلد أو ذاك... وحــ تنشب الــحــرب، أو حين تُطلق قذيفة أو طلقة أو صاروخ ويموت إنسان، ليس من المهم السؤال، طلقة مَنْ هي التي أُطلقت هناك، أو لأي هوية، لأي دين أو لأي قومية دُمغت بها أشلاء قتلى الـحـروب وصرعى الإطـ قـات، كـ ، ليس ذلـك هو المهم، المهم هو ألا يُقتل إنسان، ومن يقول غير ذلك، ويتغنى منشداً مع العسكر، مدمرين العالم، «لا صوت يعلو عـلـى صـــوت المـــعـــركـــة»، عـلـيـه الـتـعـلـم من جـنـدي المــشــاة الـعـاشـق أرنــســت غريبير وحبيبته الـعـاشـقـة إلـيـزابـيـت فــي روايـــة «لـلـحـيـاة وقـــــت... ولـلـمـوت وقــــت»، عليه التعلم: أن أكبر إنجاز إبداعي في أزمان الحرب هو البقاء على قيد الحياة، وأن لا مفر أمامنا، لكي نعيش حياتنا بسلام، مــن غـيـر أن نـنـشـد بــصــوت أعــلــى مــن كل صـوت آخـر: «لا صـوت يعلو على صوت الـقـلـب وشـــؤونـــه» وكـــل مــا عـــدا ذلــــك: هو خراب في خراب. أريشماريا ريمارك نجم والي مما يحمد للمؤلف أنه على محبته لجبران لا يُغفل الجوانب السلبية في إنجازه تدور أحداث «للحب وقت... للموت وقت» 1944 فيربيع عام تاريخ الانعطافة الحاسمة في مجرى الحرب العالمية الثانية وبداية تقهقر الجيوش النازية وهزيمة أدولفهتلر جبران خليل جبران

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky