issue16751

الثقافة CULTURE 18 Issue 16751 - العدد Tuesday - 2024/10/8 الثلاثاء كرم نعمة يكتب عن ألحان عبّرت عن العراق الحقيقي أغانٍ عراقية من فضة عصية على الصدأ «أغـــــــــانٍ مــــن فـــضـــة: الـــغـــنـــاء الــــعــــراقــــي بــوصــفــه مؤرخاً» للكاتب كرم نعمة، الصادر أخيراً عن «دار صـــفـــحـــات، هو 206 لـــنـــدن لـلـطـبـاعـة والـــنـــشـــر» فـــي بمثابة وثيقة تاريخية عن ألحان عبّرت عن العراق الحقيقي في مواجهة العراق المزيف. لــذلــك يستعين بـشـهـادة المـوسـيـقـار ميشائيل بارتوش، قائد الأوركسترا السيمفونية السويدية، عندما وقــف مـبـهـوراً وهــو يـشـارك المـايـسـتـرو علاء مجيد الــبــروفــات عـلـى لـحـن رائــعــة الـفـنـان الـعـراقـي أحمد الخليل «بـ دمعة وابتسامة» التي قدمتها فـرقـة «طـيـور دجـلـة»، ثـم تـسـاءل بـشـيء مـن الحيرة والـــذهـــول: «هــل حقاً أنــت متأكد أن هــذه الموسيقى عراقية صرفة؟»، أجاب علاء: «بالتأكيد، وتعود إلى خمسينات القرن الماضي». لم يجد لحظتها الموسيقار السويدي بارتوش، غـيـر طـــرح تـــســـاؤل عـصـي عـلـى الإجـــابـــة عـــن شعب ينتج هـذه التعبيرية العميقة في الموسيقى، لكنه في الوقت نفسه يتقاتل! ذلــك يفسر لـنـا، وفــق مـؤلـف «أغـــان مـن فضة»، الــحــريــة الـكـامـنـة فـــي المــوســيــقــى، الــتــي لا يـمـكـن أن نجدها بــأي إبـــداع آخــر موحد لكل شعوب العالم. فالفرقة السيمفونية السويدية شاركت في العزف مع أغنية عراقية بولع قل نظيره، من دون أن يفهم المــوســيــقــيــون مـعـنـى كــلــمــات الأغـــنـــيـــة. وذلــــك سبب يجعلنا نقدر قيمة الغناء بوصفه الأداة الموحدة بين شعوب الأرض على مر التاريخ، من دون أن تكسر أشــــد الـــحـــروب ضـــــراوة تـأثـيـر الموسيقى والغناء على الروح البشرية. يـمـكـن أن نــقــول عـبـر هـذا الكتاب إن الغناء أشد المؤرخين إخلاصاً على مر التاريخ، لأنه يــعــبـــر عــــن الأرواح الــســاكــنــة والــــهــــائــــمــــة فـــــي المـــجـــتـــمـــعـــات. وعندما يتعلق الأمر بالتاريخ الــــــعــــــراقــــــي، فــــــــإن الــــعــــراقــــيــــ يختلفون على كـل سـرديـاتـه، لـــكـــن أغـــنـــيـــة لـــنـــاظـــم الـــغـــزالـــي تـجـمـعـهــم مـــعـــ ، وذلــــــك يـفـسـر لــنــا أيـــضـــ لمـــــاذا تـــحـــول كـاظـم الساهر بمثابة جائزة ترضية لـــلـــعـــراقـــيـــ حــــيــــال الــخــســائــر السياسية والاجتماعية التي توالت عليهم. ذلـــــك مــــا دفـــــع كـــــرم نـعـمـة لأن يجد في الغناء هذا المؤرخ الــروحــي، عبر دراســـة متفرقة لأجياله الموسيقية، بدأ بجيل الـوصـول الصعب الــذي شكله المـــوســـيـــقـــار الـــعـــراقـــي الـــراحـــل صــــــالــــــح الـــــكـــــويـــــتـــــي ومـــــــــــروراً بجيل الخمسينات في اللحن الـــعـــراقـــي، الـــــذي كــــان بـمـثـابـة الـتـعـبـيـر الأمـــثـــل عـــن حــضــارة مـــوســـيـــقـــيـــة صــــافــــيــــة مــــــن أي شـوائـب، ثـم جيل السبعينات وهــــــــو يـــــقـــــود ثــــــــــورة غـــنـــائـــيـــة ولـــحـــنـــيـــة صـــنـــعـــت مـــــا يـمـكــن تـسـمـيـتـه بـــ«أغــنــيــة الـبـيـئـات» التي مزجت بين الغناء الريفي وإرث الأغـــــنـــــيـــــة الــــبــــغــــداديــــة والمقام العراقي. ثم الجيل اللاحق، حيث شكل الفنان كاظم الساهر جيلاً منفصلاً بألحانه، جعل المستمع العربي يلتفت، ولو بشكل متأخر للغناء العراقي، ويـبـحـث عــن الأغـنـيـة الـعـراقـيـة الـتـي لــم تصله على مدار عقود. يضع كتاب «أغانٍ من فضة» الموسيقار العراقي صـالـح الـكـويـتـي كـأثـمـن جـوهــرة فــي قـــ دة الأغنية الـعـراقـيـة، ويستهل بــه الـفـصـل الأول «جـيـل البناء الـصـعـب»، ويـــرى أن الأغـنـيـة مـديـنـة إلــى الـيـوم بما أسـسـه صـالـح قـبـل هـجـرتـه الـقـسـريـة إلـــى إسـرائـيـل فــي بــدايــة خـمـسـيـنـات الــقــرن المـــاضـــي، لـكـن ألـحـانـه بـــأصـــوات صـديـقـة المــ يــة ومـنـيـرة الـــهـــوزوز وزكـيـة جــــــورج وســلــيــمــة مــــــراد ونــــرجــــس شـــوقـــي وعـفـيـفـة إســكــنــدر... بقيت حـيـة تـرفـض أن تـصـدأ أو تـغـادر قيمتها اللحنية الـخـالـدة، فـرددتـهـا الأصــــوات وما زالت إلى اليوم. وكــــــان المـــؤلـــف قـــد حــصــل عــلــى عــشــر ســاعــات صـوتـيـة مــن شـلـومـو ابـــن صـالـح الـكـويـتـي سجلها في إسرائيل، يكشف 1987 بصوته قبل رحيله عام فيها تاريخ تأسيس الأغنية العراقية، وهي بمثابة وثـيـقـة تـاريـخـيـة وفـنـيـة عــن مـرحـلـة الـتـأسـيـس في الأغنية العراقية. يستمر المـؤلـف فـي عــرض ذاكـــرة «جـيـل البناء الـصـعـب» فــي الأغـنـيـة الـعـراقـيـة فـيـمـر عـلـى أوجـــاع سليمة مــــراد وزكــيــة جــــورج بـعـد هــجــرة ملحنهما صـــالـــح الــكــويــتــي ويــــــدرس إرث المــوســيــقــار محمد الـقـبـانـجـي، فـيـمـا يـعـيـد الأســئــلــة الأهــــم عــن تجربة الفنان ناظم الغزالي. ويــــرى كـــرم نـعـمـة أن قـيـمـة الــغــزالــي الـغـنـائـيـة مرتبطة بـألـحـان نـاظـم نعيم الـــذي لحن غالبية ما غـــنـــاه الـــغـــزالـــي ورافـــقـــه فـــي أســــفــــاره، وكـــــان شــاهــداً بامتياز على تجربة هذا الفنان الـذي يرتبط اسمه عـنـد المستمعين الــعــرب بــالــعــراق، وعـنـد العراقيين بزوجته الفنانة سليمة مراد. وعدّ ناظم نعيم وفاة ناظم الغزالي أصابته في الصميم وشعر أن الحياة بـرمـتـهـا تـخـلـت عــنــه. فـهـاجـر بـعـدهـا بـسـنـوات إلـى الولايات المتحدة حتى رحل في مغتربه. يتساءل كـرم نعمة: «ثمة ســؤال ينطلق اليوم بـعـد كــل تـلـك الـعـقـود عـلـى رحـيـل الــغــزالــي، عـمـا إذا درس صوت ناظم الغزالي نقدياً من دون أن يسقط دارســـوه تحت هـالـة الإعـجـاب الشعبي بــه، وتـفـرده آنذاك في نشر الغناء العراقي في الأرجاء العربية؟». ويجيب: «باستثناء ما كتبه الناقدان الراحلان سعاد الهرمزي وعادل الهاشمي من دراسات نقدية، تـبـقـى الـغـالـبـيـة الـعـظـمـى عــنــه مــجــرد اســـتـــذكـــارات تــاريــخــيــة وســـــرد لــحــكــايــات عــنــه وعــــن زواجــــــه من الـفـنـانـة الـعـراقـيـة الـيـهـوديـة سليمة مــــراد، فسعاد الـهـرمـزي يــرى أن نـجـاح نـاظـم الـغـزالـي لـم يكن من صنع يديه، بل إن جهد ونصائح الملحن ناظم نعيم دفعاه للنجاح. بعد أن انعدمت بينها عوامل الخلاف والفرقة»، فيما يرجع الناقد الراحل عادل الهاشمي صعود نجم الغزالي إلى زوجته المطربة سليمة مراد باشا وكان زواجه منها من الزيجات المثيرة للجدل، وأن الغزالي كان به حاجة إلى دفعة معنوية في بداية طريق الــشــهــرة. وكـــانـــت أســـتـــاذة في فـــن الـــغـــنـــاء، بـــاعـــتـــراف الـنـقـاد والـفـنـانـ جميعاً فــي الـوقـت ذلك. فــــــــــــي فــــــــصــــــــل «أغـــــــنـــــــيـــــــة الـــــبـــــيـــــئـــــات»، يــــنــــشــــر المــــؤلــــف حــــــــــــــــوارات أجــــــــراهــــــــا المـــــؤلـــــف مــــــــــع مــــــعــــــظــــــم أبــــــــــنــــــــــاء جــــيــــل الـــســـبـــعـــيـــنـــات، فـــيـــصـــف يـــاس خضر بـ«الصوت الذي لا يعبأ بـوهـن الـسـنـ »، وفــــؤاد سالم «الــــــــذي أســــــرف حـــزنـــ وعــــاش الخيبة فـي أوجــهــا!»، وفاضل عــــــواد «الـــصـــوفـــي الــــــذي يُـــــزار ولا يـــــــــــزور»، وحــــســــ نـعـمــة «الـــصـــوت الــــذي أرخ لـعـذابـات الــــــنــــــاس» و«صــــــــــدق ســــعــــدون جـــابـــر كـــــان أثـــمـــن مــــن صــوتــه عــنــدمــا دخــــل رهـــــان المــقــامــات الصعبة». من دون أن يغفل في ذلك مـلـحـنـي هــــذا الــجــيــل، فيكتب بــــــوجــــــع شــــــعــــــري عـــــــن ذاكـــــــــرة الأغــانــي فــي موسيقى محمد جــــــواد أمـــــــوري وطــــالــــب الـــقـــره غولي وفـــاروق هـ ل ومحسن فـــرحـــان وكـــوكـــب حــمــزة وعـبـد الـــحـــســـ الــــســــمــــاوي وجــعــفــر الخفاف وكمال السيد. وفي هذا الفصل، الأطول والأمـــتـــع فـــي الــكــتــاب، يطالب المـــؤلـــف بــــ«اســـتـــعـــادة الأغـنـيـة العراقية المخطوفة اليوم بعد أن استولى الجهلة في علوم الغناء على ألحان أبناء هذا الجيل، وركبوا عليها نصوصاً هزيلة لتدمير الذاكرة العراقية بفعل بغيض ومتعمد». فـــــي فـــصـــل «كـــــاظـــــم الــــســــاهــــر جـــــائـــــزة تــرضــيــة لــلــعــراقــيــ » يـــقـــدم المــــؤلــــف دراســــــــات نــقــديــة جــــادة وقاسية لألحان وأداء كاظم الساهر، مع أنه يطالب بـالمـحـافـظـة عـلـيـه بــوصــفـه المـــثـــال الــفــنــي والـثـقـافـي الجامع، بل أكثر من ذلك عندما يعده نجمة رابعة في علم العراق الوطني. ويـــنـــشـــر كـــــرم نــعــمــة حـــــــواراً مــــطــــولاً مــــع كــاظــم الــســاهــر عـــن الإصــــــرار الــكــامــن فـــي تـجـربـتـه الفنية للوصول إلـى ما وصـل إليه، ويدفع بأكثر من ذلك في التشكيك بقيمة ألحانه، كما يسأله في واحد من المـــرات الــنــادرة، عما إذا كـان صوته يصل إلـى مدى ديوانيين بروح طبيعية أم بالاستعارة؟ لا يغفل الكتاب علاقة الغناء العراقي بالعربي في فصله الأخير «كسر معادلة المركز والأطراف في الغناء الـعـربـي»، ويــرى أنـه لـو تسنى منذ البداية، كما يحصل اليوم، أن تم تبادل غناء المشرق والمغرب العربي، لما احتاج المطرب العربي أن يمر بالقاهرة التي استولت على السردية الموسيقية العربية على مدار عقود حتى انكسرت معادلة «المركز والأطراف»، وصـــــار غـــنـــاء تـــونـــس والمــــغــــرب ولــيــبــيــا شــائــعــ في المشرق العربي مثلما غناء العراق والخليج العربي شائعاً في المغرب العربي. لندن: «الشرق الأوسط» ستيفن إم واين يقدم منظوراً مميزاً لسيرة غينسبرغ في كتابه «أفضل العقول» هل تؤدي الأمراضالعقلية إلى إنتاج شعر عظيم؟ أعــــاد نـشـر كــتــاب ستيفن إم وايــــن، الــذي جـاء بعنوان «أفـضـل العقول: كيف صنع آلن غينسبرغ شعراً ثورياً من الجنون»، في العام الماضي، طرح التساؤلات الدائمة حول العلاقة بـــ الـصـحـة الـعـقـلـيـة والـــقـــدرة عـلـى الإبـــــداع، وكما يوحي العنوان فـإن هـذه الأسئلة تبدو أدبية واجتماعية وسياسية في آن واحد. فهل تـــؤدي الأمــــراض العقلية إلــى إنتاج شعر عظيم؟ لقد واجـــه الـعـديـد مـن الـشـعـراء، المــشــهــوريــن وغــيــر المــشــهــوريــن، مـــن الـعـصـور القديمة وحتى الوقت الحاضر مشاكل الصحة العقلية بدرجات متفاوتة، لكن هل يؤدي هذا إلى جعلهم متميزين أدبياً؟ كيف نتعامل مع مثل هذه الأسئلة التي لا تخلو من التعقيد في حد ذاتها؟ بـغـض الـنـظـر عــن أي تقييم لــ«الـعـظـمـة» و«الـتـمـيـز» الـتـي يمكن أن يـتـجـادل بشأنهما حراس القوائم الأدبية الثابتة، فإننا في حاجة إلى توخي الحذر من الالتفاف حول ما يُسمى بـ«الشاعر الملعون»، أو المحكوم عليه بالهلاك، خصوصاً الميل إلـى إضفاء طابع رومانسي، بـل وحتى تقديس، على مثل هــؤلاء الشعراء وأعمالهم. ولا شـك أن هناك تقاليد قديمة منتشرة عــبــر الـــعـــديـــد مـــن الــثــقــافــات فـــي الــتــعــامــل مع «الــجــنــون» بـاعـتـبـاره وسـيـلـة للحصول على رؤية والتنوير والنبوءة، وكثيراً ما تم اعتبار أولئك الذين عُدّوا «مجانين» باعتبارهم ذوي رؤيــــة، وحـامـلـي الحقيقة الـتـي تـتـعـارض مع تفاصيل الحياة اليومية الـعـاديـة، ومخربين لأنظمة المجتمع «المتحضر». وقــد تعقدت مثل هــذه التقاليد المتمثلة فـي تمجيد «الـغـربـاء» باعتبارهم شـعـراء في مجتمع ما بعد الصناعي (في علم الاجتماع، يعدّ المجتمع ما بعد الصناعي مرحلة تطور المـــجـــتـــمـــع الـــــــذي يــــوّلــــد فــــي اقــــتــــصــــاده قــطــاع الخدمات ثـــروةً أكبر مـن قطاع الصناعة)، إذ يضع وايـن «الجنون» في إطـار ثقافي، بينما يضع «المرض العقلي» في إطار سريري، حيث يـتـم تـصـنـيـف الأخـــيـــر عـلـى أنـــه مــرضــي وفـقـ لما سماه ميشيل فوكو بـ«النظرة السريرية» لمـؤسـسـات المجتمع، وتخضع تعريفات هذه النظرة للتغيرات الآيديولوجية والتقنية في تلك المجتمعات. ومــن الأمثلة على ذلــك الــولايــات المتحدة فـــي ذروة جـــنـــون الـــحـــرب الــــبــــاردة و«قـــوانـــ جيم كرو» (مصطلح أصبح شائع الاستخدام فـي الـغـرب فـي ثمانينات الـقـرن التاسع عشر المــــيــــ دي، عــنــدمــا صــــار الــفــصــل الاجــتــمــاعــي مـــشـــروعـــ فــــي كــثــيــر مــــن الأجــــــــزاء الــجــنــوبــيــة للولايات المتحدة)، وحركات الحقوق المدنية والـــقـــومـــيـــة الـــــســـــوداء والــــحــــركــــات المــنــاهــضــة لـلـحـرب الــتــي كــانــت بـمـثـابـة رد مـبـاشـر على السياسة اللاإنسانية في ذلك الوقت، فقد كان هــذا المجتمع يصنف «الآخــــر» على أنــه حالة مرضية، وكانت الـصـورة المثالية للمواطنين الوطنيين مـن البيض مـن الطبقة المتوسطة، والمـسـتـقـيـمـ والمـسـتـهـلـكـ المــوجــهــ نحو الــعــائــلــة، هـــم الـــقـــاعـــدة، فـيـمـا كــــان يُــنــظَــر إلــى الانـــحـــرافـــات بــعــ الـــريـــبـــة، إذ مـثـلـت تـهـديـداً يجب تحييده أو احتواؤه في حالة الفشل من أجل «سلامة» الأمة وأمنها. ووصـــــــــــف ألـــــــــن غــــيــــنــــســــبــــرغ هـــــــــذا الأمـــــــر بـــ«مــتــ زمــة الإغــــــ ق»، إذ اعـتـبـر أن المجتمع «الصحي» هو ذلك الذي يطلب الامتثال المطلق لقواعده، وإنكار الجسد أو الوعي الفردي أو الخبرة أو اللغة، من خلال تقديم الوفرة المادية (لقلة مختارة من المواطنين). لــــكــــن الـــــشـــــعـــــراء الأمــــيــــركــــيــــ مــــثــــل ألــــن غينسبرغ، وبوب كوفمان، وإليز كوين، وواندا كـــولمـــان، الـــذيـــن عــانــى كـــل مـنـهـم مـــن مشكلات الصحة العقلية وواجــهــوا تلك الـتـجـارب في فنهم، خـرقـوا هــذه الهياكل الثابتة، إذ ألقوا الضوء على الأثر البشري الفردي للكفاح ضد مثل هذا المناخ من الخوف والخدر. ومن خلال ذلك، كشف هؤلاء الشعراء عن مـرض المجتمع الــذي سعى إلـى إضـفـاء طابع مــرضــي عـلـيـهـم واحـــتـــوائـــهـــم، إذ عــبــر كـــل من هـــؤلاء الـشـعـراء الأربـــعـــة، مــن خـــ ل أسلوبهم الشعري الفريد، عن حساسية أوجزها الروائي جاك كيرواك في كتابه «الإيمان والتقنيات في ): «لا خوف أو خجل من 1959( » النثر الحديث كرامة تجربتك أو لغتك أو معرفتك». وبصفته طبيباً نفسياً، يقدم وين منظوراً مـــمـــيـــزاً لـــســـيـــرة غــيــنــســبــرغ المــــعــــروفــــة جـــيـــداً، فـهـو تــنــاول جـمـيـع المـــراحـــل الـرئـيـسـيـة فيها، خصوصاً تلك المتعلقة بالعلاقة بـ الشعر وفهم غينسبرغ المتغير لـ«الجنون». منذ صـغـره، شهد غينسبرغ الصراعات المـــروعـــة الــتــي خـاضـتـهـا والـــدتـــه نــعــومــي مع الـفـصـام الــبــارانــويــدي، إذ أمـضـت عـقـديـن من الـزمـان تعاني منه في المستشفيات النفسية وخارجها. وكــــانــــت تـــجـــربـــة غــيــنــســبــرغ الـشـخـصـيـة فـــي مـعـهـد الـــطـــب الـنـفـسـي الــتــابــع لمستشفى كولومبيا بريسبتيريان، حيث كــان مريضاً ، بمثابة حافز، 1949 لمدة ثمانية أشهر في عام فـهـنـاك الـتـقـى كــــارل ســـولـــومـــون، الــــذي أهـــدى » (عـــــواء)، الـتـي تـعـد من Howl« إلـيـه قـصـيـدة أشهر قصائده، كما زرعت هذه التجربة أيضاً بـــــذوراً شـعـريـة داخـــلـــه قـائـمـة عـلـى الـتـعـاطـف والاستشفاء، قام غينسبرغ بتطويرها على مدار مسيرته المهنية. » قـــصـــيـــدة رثــــــاء صـــريـــح، Howl« ّ وتــــعــــد وتتضمن نـداءً للشفقة الإنسانية والخلاص، فالسطر الافتتاحي للقصيدة، ليس واضحاً كما يبدو للبعض، وذلك على الرغم من كونه من أحـد أكثر الأسطر التي يتم اقتباسها في الشعر الأميركي في القرن العشرين، إذ يقول فـيـه: «لـقـد رأيـــت أفـضـل عـقـول جيلي يدمرها الجنون، والجوع، والهستيريا، والعري» فــهــل هــــذا «الـــجـــنـــون» مــرتــبــط بـــ«أفــضــل العقول»؟ أم هل هو الجنون المدمر للمجتمع نفسه؟ هـنـاك غـمـوض مُتعمَد هـنـا، يوضحه غينسبرغ جزئياً مـن خـ ل الـسـؤال والإجـابـة في بداية الجزء الثاني من القصيدة. إن العقل المقصود في قصيدة غينسبرغ هو عقل غير مرتبط بـأي قيمة إنسانية، إنه عقل مجرد، منفصل عن القلب والجسد، ولذا فـإن الخروج من هـذا العقل قد يعني الحفاظ عـــلـــى إنـــســـانـــيـــتـــك، لـــكـــن هـــــذا يــجــعــلــك مـشـكـلـة للمجتمع. وكما يشير وين، فإن غينسبرغ فهم هذا من خلال الطبيعة الثنائية للجنون باعتباره «إمـــــا مـــحـــرراً أو ضـــــــاراً»، وقــــــاده اسـتـكـشـافـه للتوترات بين هذين المنظورين إلى تناول هذه المفاهيم بشكل كبير في شعره. ولـــيـــس مـــن قــبــيــل المـــصـــادفـــة أن قـصـيـدة » اســـتُـــوحـــيـــت، جـــزئـــيـــ ، مــــن قـصـيـدة Howl« »، التي Jubilate Agno« كـريـسـتـوفـر ســمــارت كـتـبـهـا الأخـــيـــر أثـــنـــاء احـــتـــجـــازه فـــي مصحة لــعــ ج مـــا يُـعـتـقـد الآن أنـــه كـــان اكــتــئــابــ ، كما Ode« اسـتـلـهـم غـيـنـسـبـرغ أيــضــ مــن قـصـيـدة » لفديريكو غارسيا لوركا، to Walt Whitman الــــذي عــانــى أيــضــ مــن الاكــتــئــاب والـقـلـق بعد اكــتــشــاف مـيـولـه الـجـنـسـيـة، والمــقــدمــة الأولـــى » لفلاديمير At the Top of My Voice« لقصيدة .1930 ماياكوفسكي، الذي انتحر عام وعــــنــــدمــــا أصــــــر غـــيـــنـــســـبـــرغ، فــــي الـــجـــزء »، عـلـى أن الـــروح Howl« الـثـالـث مــن قـصـيـدة بريئة وخـالـدة ولا ينبغي لها أبـــداً أن تموت فـي مستشفى مجانين مـحـروسـة بالأسلحة، فـإنـه يشير إلــى حـيـاة تـتـجـاوز الهياكل التي تشخص ما هو في جوهره مقدس وغير قابل للاحتواء على أنه مريض. وقـــد طــــوّر غينسبرغ شــعــره فــي أعـمـالـه » فـــي عـام Kaddish« الــ حــقــة، مـثـل قـصـيـدة ، وهي قصيدة رثاء مؤلمة من محب لأمه 1962 »Pilgrim State« الـتـي توفيت فـي مستشفى »Howl« قبل فـتـرة وجـيـزة مـن نشر قصيدة (عواء). آلن غينسبرغ نيويورك: «الشرق الأوسط» يرى المؤلف أن معادلة «المركز والأطراف» انكسرت فصار غناء المغرب العربيشائعاً في المشرق العربي وغناء المشرق شائعاً في المغرب المجتمع «الصحي» هو ذلك الذي يطلب الامتثال المطلق لقواعده من خلال تقديم الوفرة المادية «لقلة مختارة من المواطنين»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky