issue16751

مـــضـــى الـــــعـــــام الأول... الإقــــلــــيــــم يـنـفـجـر فــي الــعــام الــتــالــي... دائــــرة الــنــار تـتـسـع، لا أفـق واضـحـا. الـحـرب الإسرائيلية على غــزة تتمدد إلى مسرح آخر هو المسرح اللبناني، الذي طالما عـانـى مـن الــحــروب الـداخـلـيـة والـخـارجـيـة على .1946 مدى ثمانية عقود، منذ استقلاله عام اللحظة كـاشـفـة... ألسنة اللهب تمتد في ساحة شاسعة، تبدأ من الأراضي الفلسطينية، ولا تنتهي في لبنان، بل قد تصل إلى عواصم أخـرى، وفي حينها سيصبح الإقليم بين حزام الجحيم. مـنـذ الــســابــع مــن أكــتــوبــر (تــشــريــن الأول) ، مضى عـام... خلّف وراءه كـوارث ودماراً 2023 وقــتــً وإبــــــادات جـمـاعـيـة، وآلافــــا مــن الـشـهـداء والـجـرحـى والمـصـابـ فــي كــل مــن غـــزة ولبنان وأماكن أخرى. ثمة أسئلة تـطـرح نفسها: مـا الـــذي جرى هـــذا الــعــام الــدامــي عـلـى الـصـعـيـديـن: الإقليمي والــدولــي؟ مـا الــذي تبقى مـن تداعياته؟ ومــاذا يــحــمــل لــنــا الـــعـــام الـــتـــالـــي مـــن الــــحــــرب؟ ومــــاذا سيكتب التاريخ عن تراجيديا عام الموت هذا؟ إن يـوم السابع مـن أكتوبر، لـم يبدأ نفس اليوم، إنما يعود إلى ثمانية عقود جاثمة على ظهر الشعب الفلسطيني الـذي عانى من القتل والتشريد والـلـجـوء والمـ حـقـة، والتصفية في كل مكان، وكان ولا يزال يحلم بتقرير مصيره، وتـحـريـر أرضــــه، وإقــامــة دولــتــه المستقلة، ككل شــــعــــوب الأرض الــــتــــي خـــضـــعـــت لـــ ســـتـــقـــ ل، وخاضت مثل هذه التجربة المريرة. كـــان أنـطـونـيـو غـوتـيـريـش مـحـقـا، عندما قال: إن يوم السابع من أكتوبر يعود إلى الظلم الـــذي يعانيه الفلسطينيون مـن احـتـ ل، وهو التصريح الذي أدانته إسرائيل باعتباره يكافئ المـــهـــاجـــمـــ ، وكـــذلـــك رأى كــثــيــر مـــن الــعــواصــم العالمية، أن هذا التصريح بمثابة اعتراف دولي بـــضـــرورة حـــصـــول الـفـلـسـطـيـنـيـ عــلــى الــعــدل المفقود. تـــفـــاصـــيـــل عــــــام الـــــحـــــرب هــــــذا حـــمـــلـــت فـي طياتها إشــــارات واضــحــة كشفت عــن هشاشة الــنــظــام الــــدولــــي، وضــعــف مـنـظـمـاتـه الــدولــيــة، خصوصا الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وحتى المحكمة الدولية أو الجنائية، عجزت إلـى الآن عــن تنفيذ الــقــانــون الـــدولـــي والــقــانــون الـدولـي الإنساني، وكان للقوى الكبرى النصيب الأكبر فـي تعطيل تنفيذ الـقـوانـ الـدولـيـة، مـن خلال اســـتـــخـــدام الــــولايــــات المـــتـــحـــدة الأمـــيـــركـــيـــة حق النقض (الفيتو)، لتعطيل أي مشروع يؤدي إلى وقف إطلاق النار. الأخـطـر مـن ذلـك أن عـام الـحـرب هــذا، مزق قــــوانــــ وتـــشـــريـــعـــات كــــانــــت تـــخـــص الــــحــــرب، لا ســيــمــا اتـــفـــاقـــيـــات جــنــيــف الأربــــــــع المـتـعـلـقـة بالأوضاع الإنسانية أثناء الحروب، فقد اعتدت إسرائيل على المدنيين - أطفالاً ونساء ورجـالاً وشيوخا، واعـتـدت على المستشفيات، ومراكز الإيــــــــواء، ومــــراكــــز الــتــعــلــيــم، وطـــالـــت المـسـعـفـ والمـوظـفـ الـدولـيـ المحميين بـقـوة الـقـانـون، نــاهــيــك بــقــتــل الــصــحــافــيــ والإعـــ مـــيـــ لمنع ظهور الحقيقة. كـل هــذا جــرى أمـــام بصر وسـمـع المجتمع الــــدولــــي الـــــذي تــعــامــل مــعــه كـــأنـــه أمــــر طبيعي مـــن دون أن تـهـتـز لـــه الــضــمــائــر، وبـــذلـــك سنت إسرائيل، خلال عام الحرب هذا، قوانين جديدة لــلــحــرب، تـشـطـب كــل مــيــراث الـبـشـريـة فــي مثل هــذه الــحــالات، ومــع الأســـف؛ فــإن هــذا التشريع الإسرائيلي يمكن أن يكون القاعدة العامة في الحروب بين الدول. ثمة وقـائـع جـديـدة على ظهر عــام الحرب هـــــــذا، مـــــن بـــيـــنـــهـــا اتـــــســـــاع دائـــــــــرة الاغــــتــــيــــالات المــــوجــــهــــة لأفـــــــــراد وشـــخـــصـــيـــات مـــــؤثـــــرة عـلـى مــســرح الـعـمـلـيـات، واســتــخــدام أسـلـحـة الــذكــاء الاصـــــطـــــنـــــاعـــــي الـــــفـــــتـــــاكـــــة، وتـــــوســـــيـــــع الـــعـــمـــل الاسـتـخـبـاراتـي الـقـاتـل، والاسـتـطـ ع بالنيران وسط المدنيين، وهو الخطر الأكبر، لا سيما مع استخدام طائرات «الـدرون» الصغيرة، التي قد تستهدف أشخاصا في منازلهم. إن أحـداث العام الماضي على الحرب تنذر بـأخـطـار أكـبـر فـي عـهـدة الـعـام الـثـانـي للحرب، فالمشاهد تـــزداد تعقيداً، والانـــزلاقـــات، تتدافع لـتـصـل بــالإقــلــيــم إلــــى نـقـطـة حـــرجـــة، قـــد تكسر كل الخطوط الحمراء، وتصل إلى حرب عالمية ثالثة، أو على الأقـل حـرب إقليمية لا تبقى ولا تـذر، حرب تستخدم الطاقة رهينة، وتستخدم البنية الأساسية في معركة طحن العظام هذه. أعــتــقــد أن انـــكـــشـــاف الـــعـــام الأول أمــامــنــا يـدفـعـنـا إلــــى الـــتـــســـاؤل، هـــل يـمـكـن أن تستمر الإبــادة الإسرائيلية للبشر، والعبث بالقوانين الــدولــيــة، والأوضــــــاع الـدبـلـومـاسـيـة المـسـتـقـرة، وتـضـرب الـعـ قـات بـ الشعوب والـــدول بهذه الـوتـيـرة الـرهـيـبـة، أم أنـــه يمكن أن نـــرى ضــوءاً في نهاية النفق؟ وتتحرك المؤسسات الدولية لتطبيق القانون بالقوة الجبرية، كما حدث في العراق ويوغوسلافيا عندما خضعت الدولتان للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟ نعتقد أن إسرائيل في توسيعها للحرب تــــعــــرف أن هــــنــــاك خــــطــــوطــــا حــــــمــــــراء، عـــنـــدمـــا تصطدم بـدول بـدلاً من اصطدامها بتنظيمات أو جماعات، فعند اصطدامها بـالـدول، فالأمر يـخـتـلـف لــــدى الــجــمــيــع، لــكــن مـــع ذروة الـلـهـب فــي الإقـلـيـم، أستشعر أن هـنـاك مــا يختمر في الـــغـــرف الـــســـريـــة، وفــــي الــكــوالــيــس ربـــمـــا يمنع الانــفــجــار الـكـبـيـر الــــذي يـــقـــوده المــتــطــرفــون من مختلف المـــشـــارب، ولــعــل وعــســى تستفيق كل أطـــراف اللهب، وأصـحـاب المــعــادلات الصفرية، فالخرائط لا تحتمل عاما جديداً كالذي جرى . والإنسانية لن 2023 منذ السابع مـن أكتوبر تقبل كتابة فصل جديد من تراجيديا الموت. لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم هو الأكثر سخونة ودموية منذ انطلاق حرب غزة التي صـادف أمس ذكـرى مرور عام كامل عليها، وهي أطول حروب الصراع العربي - .1948 الإسرائيلي منذ إعلان قيام الدولة العبرية في وبعيداً عن كل أحداث ذلك الأسبوع، والذي شهد إنــــجــــازات اســتــخــبــاراتــيــة وعــســكــريــة جـعـلـت حـكـومـة تـــل أبــيــب تـشـعـر بــزهــو لـــم تـشـعـر بـــه مـنـذ عـــقـــود، فـإن الخطر الاستراتيجي الأكبر يكمن في خطاب نتنياهو الأخير في الأمم المتحدة. فقد أطلق نتنياهو تهديدات عـدة لــدول المنطقة بـأن جيشه يملك قــدرات تمكّنه من الوصول لأي هدف في الشرق الأوسـط. وعندما يقول «أي هـدف» فهو يُطلقها من دون أن يخصص الـدول/ المناطق التي تُعلن العداء لإسرائيل. عـــــــرض نـــتـــنـــيـــاهـــو خــــريــــطــــتــــ ؛ لــــــــوّن إحــــداهــــمــــا بالأخضر وسمّاها «الخريطة المباركة»، وقد وصفها بـــأنـــهـــا خـــريـــطـــة تـــربـــط الــــشــــرق بـــــأوروبـــــا بــشــكــل يــعِــد بــالازدهــار والــســ م. وبـالمـقـابـل، عــرض خريطة أخـرى لوّنها بـالأسـود وسمّاها «الخريطة الملعونة» والتي ضـمّـت إيـــران، والــعــراق، وســوريــا، ولبنان وأجـــزاء من اليمن. وقـد وصفها بأنّها الخريطة التي تهدد الأمن الإقـلـيـمـي لـجـمـيـع الـــــدول ولــيــس لإســرائــيــل فـقـط.هـذه النقطة من خطاب نتنياهو تستدعي توقفا طويلاً مع مغالطاته المغلفة بقدراته البلاغية في التحدث باللغة الإنجليزية. فـالـرجـل يـمـارس أخـطـر أنـــواع التضليل، وهـــو المـغـالـطـة الــتــي تُــعــد أخــطــر مـــن الـــكـــذب الـصـريـح بكثير. فالكذب يُكشف ويرد عليه من خلال المعلومة، بينما تحتاج المغالطة إلى شرح وتفصيل. إن أولـــى نـقـاط تلك المـغـالـطـة، وصـفـه الـــدول التي تتبادل الهجمات معه بأنها ملعونة، بينما الدول التي لا تـبـادلـه إطـــ ق الـنـار بأنها مـبـاركـة. وكـــأن الصداقة والـــــعـــــداوة مـــخـــتـــزلان فـــي الاشـــتـــبـــاك المـــيـــدانـــي. تكمن المغالطة في أنـه وضـع الــدول في سلتي تصنيف «مع أو ضد». والحقيقة أن لكل دولة من تلك الدول وضعها المختلف فــي الـتـعـاطـي مــع الــدولــة الـعـبـريـة. وحـتـى لا نطيل الشرح، سنتوقف سريعا مع الخريطتين لتبيين المغالطة. بـالـنـسـبـة إلـــى الـخـريـطـة الـــســـوداء، فـــإيـــران تُعلن الـــعـــداء لإســرائــيــل فـــي الـــوقـــت الــــذي تـلـتـزم فـيـه قـواعـد الاشـتـبـاك مـن أجــل تجنّب الـحـرب الـشـامـلـة. بالمقابل، فــإنّ سـوريـا خــارج دائـــرة الاشـتـبـاك، فـدورهـا ينحصر في تلقي الضربات الإسرائيلية الموجهة ضد عناصر «الـحـرس الـثـوري» الإيـرانـي والأذرع المسلحة القادمة مـــن الـــعـــراق ولــبــنــان وغـيـرهـمـا الـــذيـــن يـنـشـطـون على الأراضـــــي الــســوريــة، فـهـي تلعب دور المـسـتـضـيـف، أو بـــالأحـــرى الــ عــب الـسـلـبـي. أمـــا بـالـنـسـبـة إلـــى الــعــراق ولــبــنــان، فـــإن الــدولــتــ ليستا فــي حـــال حـــرب معلنة مـع إسـرائـيـل، وتعلن حكومتا البلدين أنهما تملكان عـ قـات طيبة مـع الــولايــات المـتـحـدة. غير أن الأحـــزاب ذوات الأذرع المسلحة هــي مــن تشتبك بشكل مباشر مــع إســرائــيــل، ســـواء عـلـى حـــدود فلسطين المحتلة أو الأراضي السورية، فتلك الفصائل العراقية واللبنانية تنشط لاعبا خـارج إطـار الدولة. أما اليمن، فلا توجد دولــة لها نفوذ على الأرض، وإنما ينحصر الأمــر في جماعة الحوثي التي تساند المحور الذي تقوده إيران. بالنسبة إلى الخريطة الخضراء، فهي - كسابقتها الـــســـوداء - مـقـسّـمـة لـثـ ثـة أنــــــواع. فــــدول مـثـل مـصـر، والأردن والإمـــــارات تملك عـ قـات دبلوماسية مـع تل أبيب، ولم تتأثر تلك العلاقات بشكل فعلي بالأحداث التي تلت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) . وبـالـنـسـبـة إلـــى الـــســـودان الـــذي يعيش صـراعـا 2023 مسلحا، فـإن الفريقين المتصارعين يتفقان على إقامة عــ قــات مــع تــل أبــيــب. الـعـ مـة الــفــارقــة فــي الخريطة الـخـضـراء هـي الـسـعـوديـة الـتـي لـم تغير موقفها منذ عقود؛ لا علاقات مع تل أبيب من دون دولة فلسطينية. ومع ذلك أبى نتنياهو إلا أن يضعها في خانة الدول التي أسماها شركاء إسرائيل. والهدف واضح ويكمن فـي محاولته الضغط الناعم على السعودية للقبول بتسوية تـقـود إلـــى اتــفــاق مــن دون دولـــة فلسطينية، ويـــعـــزز مـــن ذلــــك الــضــغــط الــتــصــفــيــق الـــحـــاد لأنــصــار إسرائيل في قاعة الأمم المتحدة. الــنــقــطــة الأخـــطـــر فـــي مــغــالــطــات نــتــنــيــاهــو وهــو يـعـرض خـرائـطـه، أنـــه يُــقــدّم إسـرائـيـل وكـأنـهـا المـعـرّف بـــ الــحــق والـــبـــاطـــل، فـمـن مـعـهـا مـــبـــارك ومـــن ضـدهـا ملعون. بل إنه استخدم مصطلحات أقرب للدين منها لـلـسـيـاسـة. إن الـخـطـيـب المـــفـــوّه يـعـي تـمـامـا مــا يـقـول، فهو ليس مجرّد سياسي علماني يريد تقديم دولته بصفتها قــوى إقليمية عظمى. إن نتنياهو يتحدث بكونه يهوديا صهيونيا مخلصا يرى أن من يعاديه ملعون، ومن يقف معه مبارك. ويعزز هذه النقطة أنه قــــارن حـــرب إســرائــيــل عـلـى سـبـع جـبـهـات بـمـا وصـفـه بالغزو الـذي أمـر النبي موسى بني إسرائيل بالقيام بـه عندما دخـلـوا أرض كنعان مـن سـهـول مـــوآب. لقد استدعى نتنياهو التاريخ الديني ونصوص التوراة لـيـقـارن دخـــول بني إسـرائـيـل أرض كنعان بعد حرب على سبع جبهات، بصراع دولـة إسرائيل اليوم على سـبـع جـبـهـات، ليخلص لنتيجة مــفــادهــا: «لا يوجد مكان لا تستطيع الـــذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه». في مقال سابق حول الملهاة الشعرية التي كتبها الدبلوماسي السعودي المخضرم غــازي القصيبي عن نـتـنـيـاهـو، وصــفــتُ مــوقــف الـسـعـوديـة بــأنــه يــرمــي إلـى تأمين ضمانات تُحقق مكاسب معقولة للفلسطينيين، وأن هـــذا المــوقــف لــن يـمـنـح نـتـنـيـاهـو مكسبا تاريخيا بـــالمـــجـــان؛ لأنـــــه يـــقـــوم عـــلـــى وعـــــي الـــقـــيـــادة الــســعــوديــة بحجمها الكبير ووزنها الثقيل؛ وبالتالي فإنها ليست بوارد الدخول في اتفاق يمسّ بمكانتها الكبيرة لكونها ضامنا سياسيا للحق العربي في فلسطين. لذلك؛ فإن خرائط نتنياهو لا تعدو أكثر من «خريط» والتي تعني «هُراءً» بحسب اللهجة الخليجية الدارجة. Issue 16751 - العدد Tuesday - 2024/10/8 الثلاثاء OPINION الرأي 14 الرجل يمارسأخطر أنواع التضليل وهو المغالطة التي تُعد أخطر من الكذب بكثير لطفي فؤاد نعمان عبداللهفيصل آلربح جمال الكشكي عوضَ صرخات الموت لترتفع أصوات الحياة تُجسد صورة يمن الغد المُنْتَظَر الإنسانية لن تقبل كتابة فصل جديد من تراجيديا الموت خريط نتنياهو العام التالي إنسانية... لا إنسانية! فــــي شـــــــؤون «الـــيـــمـــنـــنـــة» وغــــيــــرهــــا مــــن ظـــواهـــر اضـطـراب الـشـرق الأوســـط، لا تتوقعوا ممن يكتبون عنها الإتـيـان بجديد. لأنّ مـا يُـقـال عـن كـل شــيء، في كـل العالم، غير جـديـد؛ إنّـهـا دورة قديمة مستديمة، مآسيها تتجدّد ومسارحُها تتعدد. عــــدا الــــشــــؤون والابــــتــــكــــارات الـــعـــلــمـــيـــة... يـتـكـرر جُــــلّ، مــا لــم يـكـن كُـــلّ مــا يُـكـتَـب وتــقــرأونــه وتشهدونه عن كل شـيء في كل العالم. «المـاضـي يكرر نفسه في الحاضر مرة تلو أخرى...» كما يقول الكاتب المسرحي الأميركي يوجين أونيل.. وإذ تكرر، يتكرر، وسيتكرر بتفاصيل مختلفة قلي ً: «لا أرانَــــا نـقـول إلا مــعــاراً أو مـعـاداً مـن (فعلنا) مكرورا» مــــعــــروفٌ لــلــعــالمــ إذن أنّ لــلــكــبــار والـــصـــغـــار - قياصرة وأباطرة، عمائم وقلنسوات، أهلة وصلبانا معقوفة وغيرها ونـجـومـا، رؤوســـا وذيـــولاً على حد ســــواء - مـطـامـح قـديـمـة قِــــدم الـخـلـق مــتــجــددة تـجـدد الحياة. ومعلومٌ لماذا تشتعل الحروب ومساق أخبارها. والـــــصـــــراعـــــات عـــــــ مَ تــســتــعــر ومـــــن يـــغـــنـــم جــــدواهــــا. والنزاعات إلامَ تنتهي وماذا تترك وراءها. ومُدرَكٌ أن الفوضى تأخذ مجراها وتسري عدواها. وبـــســـبـــب هــــــذا وذاك نـــشـــهـــد فـــــي كـــــل ســـاحـــات الــنــزاع، بالوكالة وبـالأصـالـة، كيف تتعاظم المعاناة الإنـسـانـيـة ويـنـهـار الاقـتـصـاد، وتنشأ مصالح ترفع شأنا وتغض غـيـره، تظهر أسـمـاء وتتلاشى وجـوه. تنتعش العصبيات وتزدهر «فيدرالية الميليشيات» قبل أن تنحسر بالوطنيات وتنكسر. ونـرى المجتمع حين ينقسم، وسيُرى لما يلتئم. ونشهد الأفكار حين تصطدم، ثم ستُشهَدُها تصطلح. كذلك نشهد المزايدات مضطرمة، مرفقةً برسوم خرائط موهومة، وانتشار نظريات مؤامرة مزعومة؛ أما الأخيرة فحركتها دائبة محمومة! لا نتفجع إذن من عدم تصور المستقبل حين يُظلِمُ طريق الحاضر إليه، ولا نستغرب انعدام الخلاف عليه والاهتمام به والتفكير فيه. ولا تذهلنا أزليةُ تصاعد مــوجــة «الــتــفــاهــة» و«الـتـتـفـيـه» أمــــام تعظيم وتـنـويـر العقل؛ مع ديمومة شيوع قوى التطرف والتخلفضد مسارات الاعتدال والتقدم «لتتميز بضدها الأشياء». ولا غـرو أن لكل ما حـدث ويحدث وسيحدث ما يبرره ومَن يبرره. بُورِك في المُبرِرين والمكررين من أبد الآبدين! سيداتي آنساتي، سادتي القراء «هراء... هراء... هـــراء يملأ الأرجـــــاء»... تـــرون يوميا كيف يتم إحياء مسائل ميتة، إماتةً لمشاغل حية. من السبب، يا تُرى؟ فلاسفةٌ وعلماءُ نفسِ، سبقتهم الملائكة إلى اكتشاف سِـر «الإنـسـان شَـرُ الأرض». بسبب «لا إنسانية» هذا الإنسان تتضرر الإنسانية. يقول أدونـيـس: «مـا هذا الإنسان... الذي لا نعثر على اللا إنساني... إلا فيه»! يتكرر وقوع وقراءة كل «هراء لا إنساني» سبق وقــوعــه وكـتـابـتـه مــا دام الإنــســان بــشــروره وأطـمـاعـه وتــعــصــبــه وتـــطـــرفـــه الــســيــاســي والـــديـــنـــي والـــفـــكـــري، بقلنسوته أو عمامته أو ثـوبـه يُـفـقِـر ويَــضــر ويـدمـر ويُفني.. تمريراً لسياسة معينة، وتحقيقا لوعدٍ قديم، وتجسيداً لهدفٍ بعينه يؤذي الناس، ويُخِل بميزان الكون. المتطرفون إخـوة، همهم واحـد، وأمهاتهم شتى وبِـهِـم أوطـانـهـم وشعوبهم تـشـقـى... فـ استثناء أو استقرار يتخلق بالتطرف العارم والوهم الجارف. إن مـــآســـي الـــــ إنـــســـانـــيـــة الـــتـــي تــحــتــل صــــدور الـصـحـف وأغــلــفــة المـــجـــ ت، وتـغـمـر صـفـحـات الكتب والمـــجـــلـــدات، فـــضـــً عـــن «تــــرنــــدات» فـــضـــاء الــتــواصــل الاجتماعي، يتعين معالجتها - أيتها العزيزات وأيها الأعـــزاء - بتكرار دعـــوات واعـيـة وواقعية إلـى تجارب الــســ م الإنــســانــيــة، دونــمــا يــــأسٍ أو مــلــل. وأن تخط الأقلام وتنقر الأنامل مبتكِرةً - ما استطاعت الابتكار - ومكرِرةً - أيضا، ما استطاعت التكرار - تشجيع تنفيذ كـل مـشـاريـع ومـــبـــادرات وأحـــ م الاعــتــدال والتعايش والــتــســامــح والـــســـ م، والــنــمــاء والإعـــمـــار والازدهــــــار لمنفعة كل الأنام. «كل حربٍ آخرها سلام». فلا يُترَك حصان الأذى وحيداً يعبث في الميدان، بــل يُــدفَــع بـعـيـداً بتوجيه الـطـاقـات مـثـً إلـــى تطوير المعارف بدءاً من «المدارس لا المتارس». وعــوضَ صرخات المـوت لترتفع أصــوات الحياة تُـــجـــســـد صــــــورة يـــمـــن الـــغـــد المُــــنْــــتَــــظَــــر انـــســـجـــامـــا مـع محيطه. وعزاءً ومواساةً للثكالى والأرامل واليتامى والمـكـلـومـ والمــشــرديــن ووفــــاءً للضحايا والـشـهـداء ليشتد العزم مَضاءً على بلوغ #السلام_لليمن، ولكل العالم، بتكرار محاولات إبعاد «الإنسانية» عن شرور «اللا إنسانية» المتكررة... بكثرة.

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky