issue16751

انتهت تونس من انتخاباتها الرئاسية مؤخراً من دون ضجيج. وقبلها فعلت الجزائر. إلا أنّ حمار الشيخ، المشهور في التراث الشعبي العربي، ما زال واقفاً مسمّراً بمسامير مـن قوائمه الأربـــع فـي مكانه، غير قــادر على إكمال مسيره، وتجاوُز العقبة التي واجهته عند الحدود مع تونس، والوصول إلى ليبيا. تبدو العاصمة طرابلس للزائر والغريب، مدينة من طــراز مختلف عن غيرها من مـدن العالم، كونها تزخر بـالمـتـنـاقـضـات. فـهـي أقــــرب مـــا تــكــون إلـــى مـديـنـة تـــدور حول نفسها في مكان واحد، بدل أن تتحرك إلى الأمام، وتستحوذ على ما تستحقه تاريخياً من مكانة بين مدن العالم، رغـم أنها تتموضع فـي موقع متقدم فـي قائمة الدول العتيقة، بجذور ضاربة في التاريخ. ليبيا بلدٌ قد يُذكر الزائر، خلال السنوات الأخيرة، بـحـكـايـة ذلـــك الـــغـــراب الـغـبـي الــــذي حــــاول تقليد مشية الحمامة فنسي مشيته، وصار يتقافز في مشية غريبة تميّزه عن سائر الطيور. فهي جغرافياً على بُعد مسافة قصيرة من المركز الأوروبي، إلا أنّها ظلت دوماً تستريب في كل من يأتيها من الضفة الشمالية المقابلة، ولم تنسَ مطلقاً ما فعلوه بها في مختلف الحقب، ولكن من بعيد لا تُخفي إعجابها حدّ الانبهار. وفي الوقت ذاته، تعلمت أن تنظر إلـى ما وراء الصحراء نظرة ازدراء، رغـم أنها لم ينلها سوءٌ مطلقاً من جيرانها الأفارقة. وهي مع كل مئذنة جـديـدة، تتوطد في الأرض، وترتفع عالياً نحو السماء ترسيخاً لهوّيتها الإسلامية التاريخية، وعلامة على تدينّها، تـزداد قدماها غوصاً في المستنقع المادي الدنيوي. إذ كلما امتلأت قاعات مساجدها بالعابدين، تزداد أعداد المحتالين والنصابين واللصوص ومهربي المخدرات والبشر في أسواقها. ليبيا حالياً، وصلت سياسياً إلى ما يمكن أن يطلق عليه «السير في المـكـان». فالزمن يتحرك للأمام، ومعه تتحرك الدنيا وأهلها. لكنّ العملية السياسية في البلاد لم تتمكن بعد من الخروج من عنق الزجاجة. الأسباب معروفة بالطبع. ذلــك أنّ مَــن تـآمـروا على إدخـالـهـا في ،2011 ) هاوية الفوضى السياسية، منذ فبراير (شباط باستحواذهم على مقاليد الأمور، ما زالوا متخندقين في أماكنهم، يرفضون التنحي، ويحرصون على استمرارية مـا عُــرف باسم فـرض الأمــر الـواقـع، بوضع العصيّ في الــدولايــب. إذ كلما بــدأت تظهر مـؤشـرات على إمكانية تجاوز العقبة، وفتح الطريق أمام عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية، تشتعل بغتة نيران الحرب. الشرارة تأتي من أي جــهــة، وتـنـقـلـب الأمــــور رأســــ عـلـى عــقــب. ثــم تنتهي الحرب، وتُطفأ النيران، لكنّ مجرى الحوار السابق لها، يتحول من السعي إلى خلخلة الحواجز السياسية أمام عقد الانتخابات إلـى مجرى مختلف، ويـدخـل الجميع في مجرى آخر، يدور حول ضرورة عقد مفاوضات برفع الحواجز المسلحة من الطرقات، والسماح بعودة الحياة. وفي طرابلس، تبدو الحياة عادية للزائر. يمارس سكانها حيواتهم، وتعمر مقاهيها بالرواد إلى ساعات متأخرة في الليل، وتختنقشوارعها بازدحام السيارات، والمـــصـــارف، الحكومية والـخـاصـة، تخلو خزائنها من الـسـيـولـة الــنــقــديــة، لــكــنّ الـــنـــاس تـــعـــودوا عـلـى ذلـــك ولـم يعد يشغلهم شاغل سـوى الوقاية مـن ويــ ت اشتعال حـرب أخــرى بـ جماعاتها المسلحة. وهــذا ربما يترك لدى الزائر انطباعاً مفاده أن الناس في وادٍ، والساسة والقادة في وادٍ آخر. وما ينطبق على العاصمة طرابلس يكاد ينطبق على بقية مدن الجهة الغربية من ليبيا. أما الجهة الشرقية، فإنها في منأى عن هذا الخوف تحديداً، وليس من الخوف عموماً. فالسلام والاستقرار لا يأتيان مجاناً، من دون دفع أثمان! قـضـيـت أسـبـوعـ كــامــً فــي طــرابــلــس، ولـــم أسـمـع، ولو صدفة أو عرضاً، حديثاً عن عقد انتخابات. وسائل الإعـــ م المحلية، ســواء المـقـروء منها أم المـرئـي، تنشغل بـــأمـــور كــثــيــرة، لـيـس مـــن ضـمـنـهـا الانـــتـــخـــابـــات. ويـظـل مــوضــوع تـقـلـبـات أســعــار الـــــدولار فــي الــســوق الــســوداء أهــم شـاغـل لكل الليبيين والـلـيـبـيـات. ومــن الــواضــح أن حـــلّ أزمـــة مـصـرف ليبيا المــركــزي بـالاتـفـاق عـلـى تعيين مـحـافـظ جــديــد، لــم تـــؤدّ كـمـا كـــان متوقعاً إلـــى انـفـراجـة عامة، برفع سعر الضريبة الزائدة على سعر بيع الدولار فـــي المـــصـــارف. ومـــا حـــدث هـــو أن رئــيــس الــبــرلمــان فـاقـد 27 الصلاحية، أصدر قراراً مؤخراً، بتخفيضقيمتها من في المائة، مما تسبب في موجة إحباط 20 في المائة إلى عامة لا تَخفى. يمثل اغتيال زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، مسبوقاً ومـتـبـوعـ بـاغـتـيـالات وبــضــربــات جــويــة إسـرائـيـلـيـة، نقطة تحول نادرة للبنان وللشرق الأوسط بأسره. على مدى نحو ثلاثة عقود، جسّد نصر الله صعودَ «حزب الله» وتحوله إلى قوة عسكرية وأمنية وسياسية هائلة تعمل وكيلاً لإيران في الشرق الأوسط. أما الآن، فيجد «الحزب» نفسه في حالة غير مسبوقة من الفوضى؛ مما يوفر فرصة استراتيجية للدول العربية للعودة إلى لبنان، وتغيير المشهد الجيوسياسي في المنطقة. لسنوات طويلة، تعاملت الدول العربية المؤثرة مع لبنان على أنـه معركة خاسرة؛ نتيجة تعقيدات الصراع المذهبي، وخــلــو الــســاحــة مـــن قـــيـــادات مـلـهـمـة بـحـجـم رئــيــس الـــــوزراء الـراحـل رفيق الحريري، والأهــم بسبب سيطرة «حــزب الله» وإيران على مفاصل النظام السياسي وحركة مؤسساته. من هنا تبرز الأهمية الاستراتيجية للفراغ الـذي خلفته هزيمة «حزب الله» الحتمية مقرونةً بإرهاق اللبنانيين من سرديات المقاومة الجوفاء والنزاعات المتكررة والانهيار الاقتصادي والمالي. شكل «حزب الله» درة تاج المشروع الإيراني في المنطقة، الـــذي رعـــى كــل اضــطــرابــات الـعـقـود الأخـــيـــرة؛ بــالاتــكــال على صعود الميليشيات واستثمار طهران في ضعف الحكومات المـركـزيـة أو إضـعـافـهـا فــي لـبـنـان والـــعـــراق والـيـمـن وسـوريـا وفلسطين والسودان... وغيرها! وما لبثت أن حولت عبقريةُ قاسم سليماني هــذه الميليشيات إلــى مـرتـكـزات لــدور إيــران الإقليمي ونفوذها، ليجد هذا المشروع نفسه الآن أمـام ثقب استراتيجي أسـود يبتلع كل ما بنته الثورة الخمينية منذ .1979 عام والــــــحــــــال؛ تــــبــــدو الــــحــــاجــــة مــــاســــة والــــفــــرصــــة مــتــاحــة لاستراتيجية عربية استباقية تهدف إلـى استعادة سيادة لبنان، وتحييد الأثر الباقي لـ«حزب الله»، على النحو الذي يسمح بتقليص دور إيــران في السياسة اللبنانية. لم يعد لبنان مشكلة تجب إدارتها، بكل ما تنطوي عليه الإدارة من إزعاجات وتبديد للوقت والجهد؛ بل فرصة يجب انتهازها من أجل لبنان والمنطقة. لـيـس مــن المـبـالـغـة الــقــول إن انـــــزلاقَ لـبـنـان نـحـو فصل أصـــعـــب مـــن فـــصـــول الـــفـــوضـــى والـــتـــآكـــل، أو ســـلـــوكَـــه دروب التعافي، يعتمد على مـا إذا كانت الـــدول العربية مستعدة لاستثمار رأس المـال السياسي والاقتصادي والدبلوماسي المـطـلـوب لاسـتـعـادة لـبـنـان، وبـالـتـالـي إعــــادة تشكيل مـيـزان القوى في المنطقة. الــكــل مـــهـــزوم الآن فـــي لــبــنــان. وإن كــــان جــــرح الـطـائـفـة الشيعية هـو الأحـــدث والأكـثـر إيـ مـ ؛ فـإن جــراح الآخـريـن لا تزال طرية هي الأخرى. كل اللبنانيين أمام أضعف حالاتهم، وكلهم مغلوب. تــحــتــاج هــــذه الــلــحــظــة إلــــى تـــحـــول فـــي الــدبــلــومــاســيــة الـعـربـيـة، تــقــوده دول مـجـلـس الــتــعــاون الـخـلـيـجـي، بـاتـجـاه التفاعل المباشر مع ما بقي من مرتكزات للنظام السياسي فـي لـبـنـان، وإسـقـاط التحفظات السابقة وتـجـاوز الخبرات السيئة مع هذه الشخصيات والقوى. فليس الوقت الآن مثلاً لمحاسبة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، على ماضيه، وهو البقية الباقية من هيكل النظام السياسي اللبناني. تضاف إلـــى ذلـــك مـؤسـسـة الــجــيــش، والـكـنـيـسـة المـــارونـــيـــة، ورئـيـس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وباقي القوى التي يمكن لها أن تشكل حاضنة لمـشـروع اسـتـعـادة لبنان. إن كـل هذه القوى بوجود «حزب الله» شيء؛ ومن دونه شيء آخر تماماً. .2024 ) سبتمبر (أيلول 27 هذا هو المعنى الحقيقي لما بعد مــا عـــاد مـجـديـ تـــرك لـبـنـان لـيـواجـه أزمـــاتـــه مــنــفــرداً، لا سيما أن كـل مـن حـض على التفاهم مـع «حـــزب الــلــه»؛ عرباً وأجانب، يتحملون اليوم مسؤولية ما يعانيه لبنان. لإعـــــادة لـبـنـان إلـــى الـحـضـن الــعــربــي، لا بـــد مـــن هـجـوم دبلوماسي يلزم اللبنانيين وقف إطلاق النار ولو من جانب واحـــد أولاً، وانــتــخــاب رئـيـس جـمـهـوريـة حـقـيـقـي، وتشكيل حـكـومـة مــن أرفـــع الـنـخـب اللبنانية المــوثــوقــة؛ لتنفيذ خطة إنـــقـــاذ اقــتــصــادي واجــتــمــاعــي، يُــتــوافــق عـلـيـهـا خـــ ل حـــوار إقليمي - لبناني، يـقـوده الـعـرب، ويـكـون الثابت فيه إعـ ن نهاية أن يكون لبنان ميداناً للصراع بالوكالة، بل أن يصبح جزءاً أساسياً من تركيبة الاستقرار الإقليمي. قــبــل ذلـــــك؛ عــلــى الــــــدول الــعــربــيــة أيـــضـــ اســـتـــغـــ ل هــذه اللحظة لإعـــادة صياغة الـروايـة العامة حـول «المـقـاومـة» في المنطقة. لعقود عـــدة؛ بنى «حـــزب الـلـه» شرعيته على فكرة «المقاومة ضد إسرائيل»، وهي روايـة لاقت صدى عميقاً في لـبـنـان وخـــارجـــه. بـيـد أن أثــمــان هـــذه المـقـاومـة كـانـت باهظة بالنسبة إلى الشعب اللبناني، كما يعلمون ويذوقون اليوم. مقتل نصر الله يمثل فرصة لتحويل التركيز من «المقاومة» إلـى «إعــادة الإعـمـار»؛ من العسكرة إلـى الدبلوماسية، وذلك عبر استغلال العلاقات العربية بإسرائيل وسـوريـا لوضع حد نهائي لترسيم الحدود البرية ومعالجة موضوع مزارع شبعا، وإحالة كل ملفات «المقاومة» إلى التقاعد النهائي. إذا فشلنا؛ فإن الفراغ الذي سيخلفه تفكك «حزب الله» قد تملأه عناصر أكثر تطرفاً؛ مما قد يُغرق لبنان في فوضى أعمق، ويزعزع استقرار المنطقة بشكل أكبر. صحيح أن إيران لـن تقف مكتوفة الأيـــدي، حتى بعد مقتل نصر الـلـه، لكنها ووكــــ ءهــــا فـــي الـــعـــراق وســـوريـــا والــيــمــن أيـــضـــ يــواجــهــون ضغوطاً كبيرة، وهذا بالضبط مما يجعل مواجهتها ممكنة. يمثل اغتيال نصر الله نهاية محتملة لعصر سيطرت فيه الميليشيات على جزء كبير من قرار المنطقة، انطلاقاً من لبنان، وهـا هي فرصة طـيّ الصفحة تلوح في الأفـــق... فهل نلتقطها؟ لم يتوقع أحدٌ أن يتمكّن الإسرائيلي مــن رأس نـصـر الــلــه، ولا تصفية قـيـادات محورية بهذه السهولة؛ ولـم يتوقع أحد أن يُفاجئ الإسرائيلي «حزب الله»، وبقية مـحـاور المـقـاومـة، بـحـربٍ لا تشبه حروبه الـسـابـقـة؛ بــهــذا طـبـق الإســرائــيــلــي مقولة الجنرال والفيلسوف الصيني صن تزو: «لـــكـــي تــكــســب الـــحـــرب تــجــنــب نـــقـــاط قــوة عدوك، وهاجم أماكن ضعفه». هكذا هاجم الـــعـــدو رأس الـــحـــزب، ثـــم بـقـيـة الــقــيــادات، وتجنب حرباً بريةً استعد لها الحزب كل الاســتــعــداد. وتـبـ أيـضـ إن الإسـرائـيـلـي لخوض معركة 2006 كان يستعد منذ عام تـــكـــون «أم المـــــعـــــارك»، فــجــمــع المــعــلــومــات المـــخـــابـــراتـــيـــة، وحـــــدد الأهـــــــداف بـــــالآلاف، وطـــــور أســلــحــة خـصـيـصـ لـتـلـك المــعــركــة، ثم تـرك الحزب يسرح ويمرح في سوريا وبقية الأقـطـار يراقبه ويــدرس تحركاته، ويـــفـــهـــم نــفــســيــتــه، وفـــــي لــحــظــة حــاســمــة قـــرر أن يــخــوض مـعـه المــواجــهــة الـكـبـرى، ناسفاً كل قواعد الاشتباك، وكل الخطوط الحمراء، التي تمسك بها الحزب اعتقاداً بأن الإسرائيلي يخشاه، ولن يخاطر. يواجه «حزب الله» تقاطعات صعبة جــداً، قد تـقـوده، في ظل ظروفه القاسية، إلــــــــى خـــــــســـــــارات لا يــــمــــكــــن تـــعـــويـــضـــهـــا، وتـــضـــطـــره لـــ نـــكـــفـــاء لـــلـــداخـــل والـــتـــحـــول إلــــى حــــزب ســيــاســي، مــثــل بـقـيـة الأحــــزاب الـلـبـنـانـيـة، وبــذلــك سينكسر قـلـب محور المـقـاومـة، ويتحقق مـا قـالـه نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة بأن الحرب التي يخوضها ستغير منطقة الشرق الأوسط. ولا يـــمـــكـــن، فــــي ضـــــوء مــــا نـــــــراه، اعــتــبــار تــــهــــديــــدات نــتــنــيــاهــو تــبــجــحــ بــــل قـــــراءة مــحــســوبــة لـــواقـــع مـــن ثـــ ثـــة مــســتــويــات: محلية لبنانية وإقليمية ودولية. على المستوى المحلي، تبدو الأمـور مـــأســـاويـــة لـــلـــحـــزب، لأنــــه بـــ رأس، وبــ ماكينة إعلامية تُخاطب جـمـهـوره، وبلا مـنـعـة داخـلـيـة تـحـمـيـه؛ فـالـلـبـنـانـيـون في أغلبيتهم عـــدّوا أن الـحـزب بعد التحرير انتهت مهمته، ففاجأهم بمهمة إقليمية فــــي ســــوريــــا تـــتـــجـــاوز طـــمـــوحـــات الـــوطـــن الـــلـــبـــنـــانـــي فــــأحــــدث قــطــيــعــة مــــع أكـــثـــريـــة لـبـنـانـيـة تــعــاطــفــت مـــع الــــثــــورة الــســوريــة المطالبة بالحرية والــعــدالــة؛ وعـــدّ السيد نصر الله أن حربه هذه في سوريا «حرب مــصــيــريــة»، وخــاضــهــا بــكــل قــــــواه، فبقي أثــــرهــــا فــــي الـــنـــفـــوس خـــنـــجـــراً مــســمــومــ . كـمـا أن هـيـمـنـتـه الــواضــحــة عـلـى الـحـيـاة السياسية أشـعـرت الجميع أن فـي لبنان طائفة أولــى وطـوائـف ثانية وثالثة، وأن الدولة مختطفة. على مستوى الإقـلـيـم، تـحـول «حـزب الله» إلى فزاعة لأن أجندته أصبحت أكبر من لبنان، وتحول إلى أداة لتغيير موازين القوى في الإقليم، فكان تدخله في اليمن، بعد سـوريـا، ودعـمـه للفصائل العراقية، وخطابه السياسي، أكبر مـن أن يتحمله الـجـوار العربي؛ فكان الحصار الإقليمي الــعــربــي، وتصنيفه منظمة إرهــابــيــة من دول الإقــلــيــم، وتـــراجـــع لـبـنـان اقـتـصـاديـ ومـالـيـ ، ودبـلـومـاسـيـ . فـتـعـرّى لبنان من ثـــوبـــه الـــعـــربـــي، ولـــبـــس الــــثــــوب الإيــــرانــــي الثوري، فنال بذلك جعجعة إيران وصمت العرب؛ لم يأت وفد عربي إلى لبنان، ولا شهد تـحـركـات عربية مـؤيـدة على عكس حـيـث وقـــف الــعــرب مــع لبنان، 2006 عـــام فحموه، ومعه الحزب، ثم ضمدوا بالذات جراح بيئته، وضخوا الأموال التي أعادت الـحـيـاة لـشـرايـ الـــوطـــن. لا يـجـد الـحـزب الــيــوم مـدافـعـ عـنـه إلا إيــــران إنـمـا بخجل مـــحـــزن، وعــجــز فـــاضـــح؛ ويـــبـــدو أن إيـــران موقنة أن استثمارها الأضخم لمد نفوذها فــــي المــنــطــقــة قــــد يـــتـــ شـــى كـــمـــا تــتــ شــى الأسهم في بورصة لندن. أمـــــــا عــــلــــى المــــســــتــــوى الـــــــدولـــــــي، فــــإن «حـــــزب الـــلـــه» أصـــبـــح مُــصــنــفــ فـــي معظم عواصم الغرب منظمة إرهابية، وتتماهى الــــولايــــات المــتــحــدة بـــالـــذات مـــع إســرائــيــل فــــي عــــدائــــهــــا لــــــه، وتـــــــرى مــحــنــتــه فــرصــة لـتـرتـيـب أوراق المـنـطـقـة بـمـا يــتــوافــق مع مـــصـــالـــحـــهـــا، ورؤيـــتـــهـــا لـــلـــعـــالـــم؛ وتـــــدرك الـولايـات المتحدة أن «حـزب الله» لا يمثل قـيـمـة اسـتـراتـيـجـيـة لـلـصـ ولا لـروسـيـا لأن مـصـالـحـهـمـا أكــثــر ارتــبــاطــ بـالإقـلـيـم الـعـربـي، والـغـربـي، وبـالـتـالـي لـن يندفعا لإنـقـاذه؛ وحـدهـا إيـــران تــدرك أن خسارته سقوط لنظرية «زنار النار» التي هندسها قاسم سليماني، وتعرف أن دخولها حرباً مـبـاشـرة لأجـلـه سـتـكـون أكـثـر تكلفة بكل المقاييس؛ لذلك ارتأى الرئيس الإيراني في لـقـاءاتـه بـالـدوحـة حـث الـــدول الإسـ مـيـة، وبالذات المملكة، للتكاتف لحماية لبنان والشعب الفلسطيني. هذه الاستراتيجية الإيـــرانـــيـــة لـــن يــكــتــب لــهــا الـــنـــجـــاح إذا لم يصاحبها اعــتــراف إيــرانــي وصــريــح بـأن الــــدولــــة الـلـبـنـانـيـة هـــي وحـــدهـــا صـاحـبـة حـصـريـة الـــســـ ح، وأن حــل الــدولــتــ هو الخيار الأوحـد للفلسطينيين. هذا إذا ما قبلته إيـــران سيمثل انـقـ بـ كبيراً لأنها سـتـتـحـول، كـمـا قـــال كـسـيـنـجـر، مــن ثــورة إلى دولة. إن قدر المنطقة موقوف على زعيمين هـــمـــا: نــتــنــيــاهــو وخـــامـــنـــئـــي؛ الأول رغـــم بــراغــمــاتــيــتــه يـــؤمـــن بـــفـــكـــرة إزالـــــــة أعـــــداء إسرائيل بالقوة، والثاني بفكرة انتصار الــــثــــورة الإمــــامــــيــــة بـــالـــشـــهـــادة، لـكـنـهـمـا، لأول مـــرة، يـجـدان نفسيهما فـي مواجهة مـــبـــاشـــرة ومـــــدمـــــرة، وبــــفــــارق أن الـــداخـــل الإيــــرانــــي لا يـــرغـــب فـــي المـــواجـــهـــة بينما الإســرائــيــلــي يـنـتـظـرهـا، وكــذلــك أن إيـــران تخوضها بـ زنـــار نـــار، بينما إسرائيل بزنار الناتو. ليس أمام إيران إلا خياران: انـضـمـامـهـا لـتـسـويـة كــبــرى، أو الانــجــرار لحرب يعرف الجميع مسبقاً نتائجها. OPINION الرأي 12 Issue 16751 - العدد Tuesday - 2024/10/8 الثلاثاء وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com أحمد محمود عجاج نديم قطيش جمعة بوكليب ْالمسؤولية العربية بعد اغتيال نصرالله ليبيا... مَحلّكْ سِر إيران وإسرائيل: تسوية أم حرب محسومة النتائج؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky