issue16750

حـــــن أعــــلــــن الــــرئــــيــــس الــفــلــســطــيــنــي مــحــمــود عـــبـــاس أنــــه ســيــتــوّجــه إلــــى غــزة فـي خـضّـم الـحـرب المـسـعـورة الـتـي تشنها إسـرائـيـل، كــان يـعـرف أكـثـر مـن غـيـره أنها خـطـوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطـاق رسـائـلـه الــخــاصــة، وأهـمـهـا عـلـى الإطـــاق أن الـــســـلـــطـــة الــفــلــســطــيــنــيــة «مـــــوجـــــودة»، وهــــي «صـــاحـــبـــة الــــولايــــة» عــلــى الأراضـــــي الفلسطينية، ســـواء فـي غــزة الـتـي تئن تحت وطـأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لمـا تسميه «الـيـوم الـتـالـي»، مـن غير أن تــأخــذ الـسـلـطـة بـالـحـسـبـان، أو الضفة الـــغـــربـــيـــة الـــتـــي تــــــرزح تـــحـــت وطــــــأة حـــرب أخــــــرى، تــســتــهــدف مـــن بـــن مـــا تـسـتـهـدف تفكيك السلطة. وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء». ولــــــم تـــقـــتـــصـــر رســـــائـــــل عــــبــــاس عـلـى إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مـــــع إســــرائــــيــــل حــــــول احــــتــــمــــالات انـــهـــيـــار الـــســـلـــطـــة، وراحـــــــــت تـــتـــحـــدث عـــــن سـلـطـة مـتـجـددة، وثـانـيـ ، دولاً إقليمية وعربية تـنـاقـش مستقبل الـسـلـطـة وشــكــل الهيئة الـــتـــي يــفــتــرض أن تـحـكـم قـــطـــاع غــــزة بعد الـــحـــرب، وأخـــيـــراً الــفــصــائــل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه ًحلها. عاما 30 الأيام الأصعب منذ تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلق منذ عاماً. 30 تأسست قبل فـــبـــعـــدمـــا تــقــلــصــت المــــســــاحــــات الــتــي تسيطر عليها في الأراضــي الفلسطينية، وفيما هـي تكابد بـا انتخابات رئاسية، وبـــا مـجـلـس تـشـريـعـي، أو أفـــق سياسي واقـــتـــصـــادي، وبــالــتــزامــن مـــع أزمــــة مـالـيـة خـانـقـة، وأخــــرى أمـنـيـة، ومـشـاكـل داخلية لا تـحـصـى، وجــــدت هـــذه الـسـلـطـة نفسها فــــي مـــواجـــهـــة «طـــــوفـــــان» جــــديــــد؛ طـــوفـــان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضـدهـا، وضـد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها الــســيــاســي ووظــيــفــتــهــا، إلــــى الـــحـــد الـــذي يرتفع فيه الـسـؤال حـول إمكانية نجاتها أصلً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية. وبـــن الـفـيـنـة والأخـــــرى يــتــردد ســؤال مـــعـــقـــد بـــعـــض الـــــشـــــيء، ويــــبــــدو مـنـطـقـيـ أحياناً، وغير بــريء أحياناً أخــرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟ هـــــــذا ســـــــــؤال يـــــبـــــرز الــــــيــــــوم مـــــجـــــدداً، مـــــــع تـــــوســـــيـــــع إســــــرائــــــيــــــل حـــــربـــــهـــــا ضـــد الفلسطينيي فـي الضفة وغـــزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لمــاذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟ الأكــــيــــد أن الــســلــطــة لا تُـــخـــطـــط لـحـل نفسها، وهـذا ينطلق من «قناعة وطنية» بـــأنـــهـــا وجــــــدت لــنــقــل الــفــلــســطــيــنــيــن مـن المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلً لدى لاحتلل. ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسـرائـيـل أن تجعل السلطة وكيلً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنـــمـــا هـــم فـــي مــواجــهــة مـفـتـوحـة لإنــهــاء الاحتلل، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تـــل أبــيــب عــلــى الـسـلـطـة سـيـاسـيـ وأمـنـيـ ومالياً. وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الـطـيـراوي، عضو اللجنة المركزية لــحــركــة فــتــح ومـــســـؤول جــهــاز المــخــابــرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة». هل هو قرار فلسطيني وحسب؟ ربــمــا يـرتـبـط ذلـــك أكــثــر بـمـا سـتـؤول إليه الـحـرب الحالية الآخـــذة فـي الاتـسـاع، وهــي حــرب يتضح أنها غـيّـرت فـي عقلية الإسرائيليي قبل الفلسطينيي، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفي، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط. وعــلــى الـــرغـــم مـــن أن رئــيــس الـــــوزراء الإســـرائـــيـــلـــي بــنــيــامــن نــتــنــيــاهــو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركــــــان حـكـومـتـه وحـــلـــفـــاؤه بــمــا سـيـأتـي، وهــــي خــطــة عــلــى الأقــــل واضـــحـــة جــــداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والـتـخـلّـص مــن الـسـلـطـة وإجـــهـــاض فكرة إقامة الدولة. وقـــــــد بـــــــدأ الانــــــقــــــاب عــــلــــى الــســلــطــة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خـــرج نتنياهو لـيـقـول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الــرئــاســة الـفـلـسـطـيـنـيـة فـــــوراً، قـائـلـة إنـهـا تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيي من خلل السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة. تـــصـــريـــحـــات نــتــنــيــاهــو الـــتـــي جــــاءت فـــي جـلـسـة لـلـجـنـة الــخــارجــيــة والأمـــــن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية مــــن نــتــنــيــاهــو ومـــــفـــــاده أن «الـــــفـــــارق بـن السلطة و(حـــمـــاس) هــو أن الأخــيــرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل». ويفسر هـذا الفهم لمــاذا عَــدّ نتنياهو أن اتـــفـــاق «أوســــلــــو» كــــان خــطــأ إســرائــيــل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية فـــي الــضــفــة الــغــربــيــة و(حــــمــــاس) فـــي غــزة يــــريــــدان تــدمــيــر إســــرائــــيــــل... طــــرف يـقـول ذلـك صـراحـة، والآخــر يفعل ذلـك من خلل التعليم والمحكمة الجنائية الدولية». وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جــديــداً، لكنه الأوضـــح الـــذي يكشف جـزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومـنـذ السابع مـن أكتوبر (تشرين الأول) المــــاضــــي، تــتــعــامــل إســـرائـــيـــل مـــع الـسـلـطـة كأنها غير موجودة. الضفة مثل غزة ولبنان وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بـدء الـحـرب فـي قطاع غـزة فـي السابع 720 مــن أكـتـوبـر المـــاضـــي، وقـتـلـت أكـثـر مــن فلسطينياً، فــي هـجـمـات مـتـفـرقـة، تـمـيّـزت بـــإعـــادة اســـتـــخـــدام الـــطـــائـــرات فـــي عـمـلـيـات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة. وكــــان لافــتــ أن الـتـصـعـيـد فـــي الـضـفـة كــان مــبــادرة إسـرائـيـلـيـة، إذ هـاجـم الجيش مــــدنــــ ومـــخـــيـــمـــات وبــــــلــــــدات، وراح يـقـتـل الفلسطينيي قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة. اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحـد أهــداف الحرب، مـثـل غـــزة ولــبــنــان. ولـــم يــتــردد وزيــــر الأمــن الــقــومــي الإســرائــيــلــي المــتــطــرف إيــتــمــار بن غـفـيـر، بــالــقــول إن الـــحـــرب الــتــي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الـلـه) اللبناني، بـل هـي أيـضـ فـي الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الــوزراء أن يدرج ضــمــن أهـــــداف الـــحـــرب تـحـقـيـق الــنــصــر في الضفة أيضاً. لكن لمـاذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هــــذه الــــدرجــــة؟ يـــقـــول مـــســـؤول فلسطيني -فـــضّـــل عــــدم الـكـشـف عـــن اســـمـــه- لـــ«الــشــرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة». وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيي أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويـجـب أن تـرحـل، لأنـهـا غير جديرة بهم». وخلل الأسابيع القليلة الماضية فقط، حـذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الــوضــع الأمــنــي فــي الـضـفـة قــد يـتـطـور إلـى كتائب 3 انـتـفـاضـة؛ ولــذلــك دفـــع الـجـيـش بــــ احــتــيــاط إلــــى الــضــفــة، لأهـــــداف «تشغيلية ودفـــاعـــيـــة» عــلــى مـــا قـــــال، ولــلــقــيــام بـمـهـام «عملياتية». وجــــاء الـــقـــرار الــــذي تــحــدّث عــن تعزيز الـدفـاع، وسـط تصاعد الـصـراع في المنطقة وقـبـيـل ذكـــرى الـسـابـع مــن أكـتـوبـر، لـكـن إذا كـــانـــت هــــذه خــطــة الــحــكــومــة الإســرائــيــلــيــة، فيبقى مـن الـسـابـق لأوانـــه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا. يـــكـــفـــي لـــجـــولـــة صـــغـــيـــرة عـــلـــى مـــواقـــع الــــتــــواصــــل الاجـــتـــمـــاعـــي أن تــشــيــر إلـــــى أن الــســلــطــة فـــي وضــــع لا تــحــســد عــلــيــه. فهي عــــــاجــــــزة عــــــن خــــلــــق أفــــــــق ســــيــــاســــي وأفــــــق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفي للعام الثاني على التوالي. والـــــــيـــــــوم، الـــجـــمـــيـــع عــــلــــى المـــــحـــــك فــي مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد. خطة قديمة جديدة كـــــان الــــوزيــــر الإســـرائـــيـــلـــي المــتــطــرف بتسلئيل سـمـوتـرتـيـش، واضـــحـــ عندما قــال إنــه لا يفعل شيئاً سـريـ ، وهــو يعمل ضـــد الــســلــطــة فـــي الـــضـــفـــة، ويــســعــى لمنع إقامة دولة. وتــعــهــد سـمـوتـريـتـش نــهــايــة الـشـهـر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولــة فلسطينية، وكتب فـي منشور على منصة «إكــس»: «أخــذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية الـــقـــضـــايـــا المـــدنـــيـــة فــــي يــــهــــودا والـــســـامـــرة (الضفة)». وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حـــتـــى يــتــمــتــع نـــصـــف مـــلـــيـــون مــســتــوطــن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولـة إرهابية فلسطينية يــمــكــن أن تـــكـــون قــــاعــــدة إيـــرانـــيـــة أمــامــيــة للمجزرة المقبلة». وكـــان تسجيل مـسـرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لـــفـــرض الـــســـيـــطـــرة الإســـرائـــيـــلـــيـــة المــدنــيــة عـلـى الـضـفـة الـغـربـيـة، قـــال خــالــه الــوزيــر المـسـؤول عـن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الـحـكـومـة مـنـخـرطـة فـــي جــهــود سـريـة لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية. وخــــــطــــــة ســــمــــوتــــرتــــيــــش المـــــاضـــــيـــــة، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك. وقـال هـواش لـ«الشرق الأوســط»: «إن الـسـلـطـة مـرتـبـطـة بــالمـــشـــروع الــقــائــم على إنـهـاء الاحـتـال وإقـامـة دولـــة فلسطينية، وهـــــذا جــــزء مـــن تــســويــة دولــــيــــة. مــشــروع دولــي بـالأسـاس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه». وأضـــــــاف هـــــــواش: «الــــتــــراجــــع يـعـنـي إعـــــــــــادة الاحــــــــتــــــــال، وهـــــــــذا غــــيــــر مـــقـــبـــول فلسطينياً ودولـــيـــ ، وإســرائــيــل لــن تقبل، لأنــهــا سـتـذهـب إلـــى دولــــة واحـــــدة ونـظـام (أبرتهايد)». وتـــابـــع هــــــواش: «لا تـــوجـــد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحـــتـــال، وتـغـيـر الـعـاقـة مــع إسـرائـيـل». وحـــذر مـن أن «إسـرائـيـل ستتحمل العبء الأكـبـر مـن غـيـاب عـنـوان سياسي للشعب الفلسطيني». الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، ســواء أذهـبـت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الـحـرب أم انـتـهـت، تطرفت إسـرائـيـل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شـــاهـــداً عــلــى أن الـــطـــريـــق الأقـــصـــر لـأمـن والاســــتــــقــــرار هـــو بــصــنــع الــــســــام، ولـيـس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات. 9 عامعلىطوفانالأقصى NEWS Issue 16750 - العدد Monday - 2024/10/7 الاثنين بعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوضالسلطة أصعب معركة عرفتها يوماً وهي معركة «البقاء» ASHARQ AL-AWSAT إسرائيل انقلبت عليها وعلى «أوسلو»... وترسم الخطط لإزاحتها السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون الرئيسالفلسطيني محمود عباسخلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك(إ.ب.أ) رامالله: كفاح زبون وقفة احتجاجية لفلسطينيين في مدينةراماللهبالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم فيسجون إسرائيل (أ.ف.ب) قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قربراماللهبالضفة مارسالماضي (أ.ف.ب)

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky