issue16750

Issue 16750 - العدد Monday - 2024/10/7 الاثنين الإعلام 19 MEDIA د. ياسر عبد العزيز ترند تغطية الإعلام الفرنسي للهجوم على لبنان: إشادة بالتفوق التكنولوجيلإسرائيل وتجاهل للضحايا غطت وسائل الإعلام الفرنسية على نطاق واسع أخبار التفجيرات التي وقعت في لبنان سبتمبر (أيــلــول) عـبـر أجـهـزة 18 و 17 يـومـي الاتـصـال اللاسلكي، وكـان لافتاً أنها بـدلاً من وصـف واقـع الأحـــداث وقراءتها بموضوعية، اخــــــتــــــارت تـــســـلـــيـــط الـــــضـــــوء عــــلــــى «الــــبــــراعــــة التقنية» لإسرائيل وتجاهل الضحايا العزّل مــن الأطـــفـــال والـعـامـلـن فــي الإغـــاثـــة والـقـطـاع الصّحي. فجاءت تغطية مثيرة في انحيازها وقلة تعاطفها الإنساني. تفوق إسرائيل التكنولوجي فــــي الــــيــــوم الـــتـــالـــي لـــلـــتـــفـــجـــيـــرات، كـتـبـت صحيفة «اللوموند» مـا يلي «هـجـوم ببراعة تقنية غـيـر مـسـبـوقـة، مـنـسـوب إلـــى إسـرائـيـل أغــــرق لـبـنـان فـــي حــالــة مـــن الــفــوضــى والــذعــر سبتمبر». ومن ثم استعانت 17 يوم الثلاثاء الصحيفة بـشـهـادة جـاسـوس فرنسي سابق وصــــف الـعـمـلـيـة «بـــضـــربـــة المـــعـــلـــم»، وأضــــاف بعدها أنـه «يصف المستوى التقني للعملية دون أي حكم أخلاقي أو تبرير استراتيجي». وذهبت الصحيفة أبعد من ذلك حي خصصت في قسم «بكسل» لمواضيع التكنولوجيا مقالاً خاصاً لشرح «الطبيعة التقنية لهذه العملية الـــشـــديـــدة الـــخـــطـــورة والمــــتــــطــــوّرة بــشــكــل غير عادي». من جهتها، تكلمت صحيفة «لوفيغارو» اليمينية الـتـوجّـه عـن «هـجـوم غير مسبوق» و«عملية مذهلة ومعقدة التنظيم». وأردفــت «بــهــذا الــهــجــوم، أثـبـتـت إســرائــيــل مـــرة أخــرى تفوّقها التكنولوجي والمعلوماتي، بعد سنة تــقــريــبــ مـــن الـــهـــجـــوم الإرهــــابــــي الـــــذي نـفـذتـه أكــــتــــوبــــر (تــــشــــريــــن الأول) 7 (حـــــمـــــاس) يــــــوم ....». وأشـــاد دوف ألـفـون، مـديـر تحرير 2023 صحيفة «الليبراسيون» اليسارية والصحافي السابق في صحيفة «هـآرتـس» الإسرائيلية، فــي افتتاحية بـعـنـوان «عملية عسكرية غير مــســبــوقــة» بـــ«الــتــفــوق الــتــكــنــولــوجــي» وكــأنــه يصف مزايا لعبة إلكترونية للمراهقي. وتابع «كـــل شـــيء مـــوجـــود. الــبــراعــة الـتـكـنـولـوجـيـة. سرّية الاستعدادات. الجرأة العملياتية. عدم الاكتراث بالعواقب السياسية. سرعة التنفيذ والوصول المذهل إلى كل الأهداف المسطّرة». ومــــــن نـــاحـــيـــة ثـــانـــيـــة، فــــي حــــن وصــفــت يـومـيـة «لـــو بــاريــزيــان» الــهــجــوم بـ«التفجير المـــــذهـــــل» و«الـــعـــمـــلـــيـــة غـــيـــر المـــســـبـــوقـــة الـــتـــي نـــظـــمـــت عـــلـــى نــــطــــاق اســـتـــثـــنـــائـــي»، اخــــتــــارت مـــجـــلـــة «لــــيــــكــــســــبــــريــــس» أن تـــعـــطـــي الـــكـــلـــمـــة لــضــابــط عــســكــري بــرتــبــة أمـــيـــرال (فـــريـــق أول في البحرية). وبالفعل، تكلّم هـذا الأخير عن «هجوم كبير وغير مسبوق» وعن «التحضير الطويل والدقيق المطلوب لمثل هذه العملية»، وحـمـلـت شـهـادتـه لـهـجـة الـثـنــاء حــن وصـف الـتـفـجـيـرات بـــ«الإنــجــاز الحقيقي» و«الإتــقــان المثير للإعجاب للغاية». القنوات الإخبارية «معجبة» بالتفجيرات فــــي مـــحـــطـــات الـــتـــلـــفـــزيـــون أيــــضــــ ، انــصــب تركيز الإعلام الفرنسي على مشاهد الانفجارات ووصـــفـــهـــا بــكــلــمــات مــثــل «مـــذهـــلـــة» و«خــــارقــــة» و«ضـــــربـــــة المـــعـــلـــم» عـــلـــى حــــد تــعــبــيــر بـعـضـهـم. واعــتــبــر الـصـحـافـي المـــعـــروف دافـــيـــد بـــوجـــاداس من قناة «إل سي أي» أن الهجوم أثار «نوعاً من الإعجاب بي الخبراء». وعلى قناة «بـي إف إم» الإخـبـاريـة وُصـفـت الانـفـجـارات بـ«العملية التي تقف خلفها المـهـارة البشرية والتقنية العالية، وكأنها سيناريو لأحـد أفـ م هوليوود». وعلى »، وصف المحامي والكاتب 1 أمواج إذاعة «أوروبا الــيــمــيــنــي المـــتـــطـــرف جـــيـــل-ويـــلـــيـــام غـــولـــدنـــادل الـــهـــجـــوم بـــأنـــه «إنــــجــــاز تــكــنــولــوجــي فـــريـــد مـن نوعه»، و«عملية هادفة للغاية، يصعب انتقادها من وجهة نظر أخلاقية، مع أضرار جانبية قليلة جداً». لا كلمة عن المدنيين! وســـط كــل هـــذا الإعـــجـــاب، لــم تـهـتـم وسـائـل الإعلام الفرنسية بفتح باب النقاش حول مصير المـدنـيـن أو شـرعـيـة الـهـجـمـات الإسـرائـيـلـيـة من وجـهـة نظر قـانـونـيـة، فـجـاءت التغطية مجردة من كل أنواع التعاطف مع الضحايا اللبنانيي. وحقاً، اعتبر كريستيان ماكاريان، الصحافي في مجلة «لوبوان» في مداخلة على قناة «بي إف إم» أن إسرائيل «تستخدم أساليب يمكن استعارتها من الإرهابيي... ضد الإرهابيي»، واصفاً إياها بـ«الذكية». وحـــــول الــجــرحــى والمـــصـــابـــن فـــي هـجـمـات مـن سبتمبر، فضّلت «اللوموند» الكلام 18 فـي عـــن «جـــرحـــى مـــن مــعــاقــل (حـــــزب الــــلــــه)»، بينما ذكـرت قناة «فرانس إنفو» الإخبارية أن «معظم الأشـــخـــاص الــذيــن أصــيــبــوا أو قـتـلـوا كــانــوا من مقاتلي (حـــزب الــلــه) الـــذكـــور»، مخصّصة فقرة قصيرة اعـتـرفـت فيها بـوجـود ضحايا مدنيي «قلائل». أمــــــا مــــوقــــع «نــــمــــيــــرامــــا» فـــنـــقـــل الـــخـــبـــر فـي موضوع مطول تحت عنوان «مئات من أجهزة الـ سـلـكـي انــفــجــرت فــي وقـــت واحــــد فــي جيوب عـــنـــاصـــر (حــــــزب الــــلــــه)» مــــن دون الإشــــــــارة ولـــو بكلمة واحــــدة إلـــى الـضـحـايـا المــدنــيــن. وبشكل عــام، لم تتطرّق الصحافة والتلفزيون والإذاعــة فـي فرنسا إلــى مصير الجرحى والقتلى الذين مـرت على ذكرهم بشكل عابر، كـأضـرار جانبية للهجمات الـتـي ركّــــزت عـلـى أنـهـا «قـتـلـت بشكل رئـيـسـي عـنـاصـر مـــن (حــــزب الـــلـــه)»، ولـــم تنشر وســائــل الإعــــ م أســمــاءً أو صـــوراً بـاسـتـثـنـاء ما سبتمبر 19 » يوم 24 أورده مقال نشرته «فرانس عــلــى مـوقـعـهـا اســتــقــى مـعـلـومـاتـه مـــن صحيفة «لوريان لوجور» اللبنانية، للحصول على هوية الطفلة الصغيرة فاطمة عبد الله. وسائل إعلام بدأت تشكك... فـي الحقيقة، لـم تـبـدأ الصحافة الفرنسية التشكيك فـي شرعية تلك الهجمات الـتـي ظلّت موضع إشادة حتى الآن إلا بعدما ضربت مئات الغارات الإسرائيلية جنوب لبنان في الأيام التي سبتمبر، بـــدأت صحيفة 23 تـلـت. وفـــعـــ ً، يـــوم «لــوفــيــغــارو» تـتـسـاءل عـمـا إذا كـانـت تفجيرات أجـهـزة اللاسلكي تعد «جـرائـم حـرب محتملة». سـبـتـمـبـر نـــشـــرت «الــلــيــبــراســيــون» 24 ثــــم يـــــوم مقابلة مع باحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الــدولــيــة قـــال فـيـهـا إن تـفـجـيـرات لـبـنـان «كـانـت أقـــــرب إلــــى الــقــتــل الــجــمــاعــي المـــســـتـــهـــدف». وفــي الاتجاه نفسه، كان الإعلامي جان ميشال أباتي أحــد الأصــــوات الـتـي -بعكس غيرها - لـم تتردد فـــي الـتـنـديـد بـالـتـغـطـيـة الإعــ مــيــة المـــجـــردة من الإنــســانــيــة. إذ حـــرص أبــاتــي عـلـى الـتـعـبـيـر عن غضبه في البرنامج الصباحي لقناة «أر تي إل» سبتمبر، فقال «يتكلّم الناس عن البراعة 19 يوم التكنولوجية، بينما نحن نتعامل مع إعدامات جــمــاعــيــة. فـعـنـدمـا يـــصـــار إلــــى اخـــتـــراق أجــهــزة اللاسلكي لا أحد سيستطيع معرفة في أيدي مَن ستكون هذه الأجهزة... عضو في (حزب الله)؟ أم شخص آخر؟ ... كل هذا ما عاد يثير فينا نحن الغربيي، حيث تعتبر حـيـاة كـل إنـسـان مهمة، سـوى عـبـارة بـرافـو، يـا لـه مـن عمل بـــارع... مـاذا حلّ بنا؟ وأين ذهبت قيمنا؟». أيـــــضـــــ ، فـــــي لــــقــــاء مـــــع مــــوقــــع «أري ســـور ايـــــمـــــاج» المــــخــــصّــــص لــتــحــلــيــل الأخــــــبــــــار، شـــرح الـــبـــاحـــث الــســيــاســي الــفــرنــســي-الــلــبــنــانــي زيـــاد مــــاجــــد أن تـــغـــطـــيـــة وســـــائـــــل الإعـــــــــ م الـــغـــربـــيـــة للهجمات الإسرائيلية «نزعت الصفة الإنسانية عـــن الـلـبـنـانـيـن عــلــى غــــرار مـــا حــــدث مـــع سـكـان غـــزة والـفـلـسـطـيـنـيـن». وتــابــع مــاجــد -وهــــو من جــنــوب لـبـنـان لـكـنـه مـــنـــاوئ لــــ«حـــزب الـــلـــه»- «لا أحــــد تــكــلّــم عـــن احــتــمــال ألا يــكــون حــامــلــو هــذه الأجــــهــــزة مـــن مــقــاتـلـي (حـــــزب الــــلــــه). وبـــــدل ذلــك وجدنا تعليقات حـول التقنية أو التكنولوجية أو تـفـوق الاسـتـخـبـارات او الإعــــداد المـتـقـن لهذه العملية المعقدة، من دون ذكر الجوانب الإنسانية والمسائل المرتبطة بالقانون الـدولـي، ومـن دون أدنى تعاطف مع المدنيي». محطة «بي إف إم» التلفزيونية (بي إف إم) باريس: أنيسة مخالدي جان ميشال أباتي (أر تي إل) من تغطية «ليبراسيون» هل تعزز «الاشتراكات المدفوعة» العوائد المالية لوسائل الإعلام؟ أثــــار إعــــ ن شـبـكـة «الـــســـي إن إن» ووكــالــة «رويـتـرز» إطـ ق نظام «الاشتراكات المدفوعة»، تساؤلات حول فاعلية النموذج الربحي هذا، لا سيما، أن ثمة تجارب سابقة في هذا الصدد لم تنجح، بل حتى «السي إن إن» و«رويترز» كانتا لهما تجارب لم تأتِ بثمار. الــشــبــكــة والـــوكـــالـــة أعــلــنــتــا مــطــلــع أكــتــوبــر (تشرين الأول) الحالي إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة على مواقعهما الإلكترونية، وفي حي حـصـرت «الـسـي إن إن» الخدمة داخـــل الـولايـات المتحدة، اتجهت «رويــتــرز» للكشف عـن أن هذه الخدمة ستطلق في كندا بوصفها خطوة أولى، ثـــم إلــــى دول أوروبــــــا والــــولايــــات المــتــحــدة حتى تشمل جميع دول العالم خلال فترة لم تحدّدها. وتــتــضــمّــن الـــخـــدمـــة المـــدفـــوعـــة قــــــراءة عــدد مـــن المـــقـــالات بـــالمـــجّـــان لــحــن دفــــع اشـــتـــراك عـــدّه 4( خـبـراء تـحـدثـوا لــ«الـشـرق الأوســــط» مناسباً دولارات شهرياً لكل منهما)، وغازلت الشبكتان مستخدميهما بعروض مُسبقة شملت إمكانية متابعة محتوى حصري يضمّ خدمات وثائقية وتــحــلــيــ ت خـــاصـــة، كــمــا ســتــوفــر لـلـمـشـتـركـن تنسيقاً يومياً للمحتوى، مع تقليل الإعلانات. وفقاً لشبكة «الـسـي إن إن» سيبقى بعض المحتوى متاحاً مجانياً، مثل الصفحة الرئيسية والأخبار العاجلة والقصص المباشرة وصفحات الــفــيــديــو المـــتـــداولـــة وبـــعـــض المــــقــــالات، فـــي حي لـــم تـــحـــدّد «رويــــتــــرز» مـــا إذا كــانــت الاشــتــراكــات المدفوعة ستشمل جميع أنماط المحتوى أو لا. الدكتور السرّ علي سعد، الأستاذ المشارك فـــــي تــــخــــصّــــص الإعــــــــــ م الــــجــــديــــد بـــجـــامـــعـــة أم القيوين في دولـة الإمــارات العربية المتحدة، عدّ «الاشـتـراكـات المدفوعة» «اتجاهاً أكثر استقراراً يـمـكـن لـلـمـؤسـسـات الإعـــ مـــيـــة الــتــحــوط بـــه من تقلبات سوق الإعلام الرقمي». وذكر أن «نموذج الاشتراكات المدفوعة مقابل المحتوى، هي فكرة الــتــي 19 - طُــــرحــــت مـــنـــذ أزمــــــة جـــائـــحـــة كـــوفـــيـــد تـسـبـبـت فـــي تـقـلـيـصحــجــم الإنـــفـــاق الإعـــ نـــي، غير أن الأوضــاع السياسية الراهنة عــزّزت لدى المستخدم قيمة الخبر والمعلومة الدقيقة، ومن ثم التوقيت ملائم لاجـتـذاب المستخدمي الذين يتوقون لمحتوى مميز». جـــديـــر بـــالـــذكـــر أن تــــجــــارب «الاشــــتــــراكــــات المدفوعة» التي يترقب نتائجها صُناع الإعـ م الآن لــم تـكـن الأولــــى، بينما فــي مـحـاولـة سابقة 2022 اتجهت «الـسـي إن إن» لـهـذه الـخـدمـة عــام غير أنها لم تكتمل. «رويترز» أيضاً لها سابقة في هذا الاتجاه، أعـلـنـت لأول مـــرة إطــــ ق خدمة 2021 فـفـي عـــام الاشـــتـــراكـــات المــدفــوعــة مـقـابـل مـحـتـوى خـــاص؛ لكن تنفيذ الفكرة توقف بسبب نــزاع مع شركة بيانات وتحليل السوق العالمية «ريفينيتيف» الـتـي عـــدّت اتــجــاه «رويـــتـــرز» مخالفاً Refinitiv لاتـــفـــاقـــيـــة تــــوزيــــع الأخــــبــــار بــيــنــهــمــا. ثــــم عــــادت بعد 2023 «رويترز» لطرح نموذج الاشتراك في تسوية النزاع على نحو يسمح بإطلاق منتجات مـــدفـــوعـــة يــتــشــاركــهــا كـــ الـــطـــرفـــن («رويــــتــــرز» و«ريفينيتيف»). ثـــم إن الاتــفــاقــيــة الــســابــقــة أتــــت بــثــمــارهــا، ومهّدت لتوسيع خدمات الاشتراكات المدفوعة، إذ أعلنت «رويـتـرز» في أغسطس (آب) الماضي، فـي المـائـة خلال 7 توقعها نمو الإيــــرادات بنحو .2024 عام فـــــي هــــــذا الـــــشـــــأن قــــالــــت الـــــدكـــــتـــــورة ســـــارة نـصـر، الأســـتـــاذ بقسم الإذاعـــــة والـتـلـفـزيـون في المعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال بمصر، إن تـوقـيـت إطـــ ق الــخــدمــات المــدفــوعــة «يعكس أهـمـيـة الأخـــبـــار والـتـحـلـيـ ت الإخــبــاريــة وسـط وضـــع عــالمــي ســاخــن يـشـهـد حــروبــ وتـغـيـيـرات سياسية». ولفتت نصر إلى أن «وسائل الإعلام العربية تـواجـه متغيرات حثيثة ومتسارعة ســـواءً على مـسـتـوى الأحـــــداث الـسـيـاسـيـة الــتــي تــعــزز قيمة الخبر والمعلومة الدقيقة وأهمية سرعة الوصول للمستخدم، وأيضاً التحديات الخاصة بتغيير قــواعــد الــربــح الـتـي تـغـيـرهـا مـنـصـات الـتـواصـل الاجتماعي بي الحي والآخر، ما يضيق الخناق على المؤسسات». وفـيـمـا يـخـص المـحـتـوى، قـالـت الأكـاديـمـيـة المــصــريــة إن «أي وسـيـلـة إعــــ م تـخـطـط لإدراج نظام الاشتراكات المدفوعة، عليها أولاً أن تبرهن قدرتها على تلبية احتياجات الجمهور لتبرير مــــا يــنــفــقــه مـــقـــابـــل الـــخـــدمـــة. فـــالـــطـــريـــق الأســـهـــل لإقناع الجمهور هو إرضاؤه، وهذا يتطلب عملاً مستمراً ومحتوى متنوعاً يشمل الأخبار، ومواد العرض الجذابة، والتفاعلية، مع اعتماد قوالب تقديم مبتكرة». القاهرة: إيمان مبروك هكذا يتغير عالم الأخبار على عكس بعض قضايانا الإعلامية المُلحة؛ فـإن قضية إنـــتـــاج الأخـــبـــار، وتــوزيــعــهــا، واســتــهــ كــهــا، حـظـيـت بـاهـتـمـام وتركيز بحثي جاد ومستمر. وفي هذا الصدد، توافرت لدينا مئات الدراسات والتحليلات والبحوث الأكاديمية المُحكمة التي استند معظمها إلى جهود ميدانية معيارية. ومن بي أبرز النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسات والبحوث ما يتعلق بالتغير الحاسم والفارق في طرق حصول الجمهور، بمختلف شرائحه واتجاهاته، على الأخبار، وما بات معروفاً من أن النسبة الأكبر من أعضاء هذا الجمهور تحصل على الأخبار من خلال مواقع «التواصل الاجتماعي»؛ وهو الأمر الذي وجدت جهات دولية مُعتبرة أنه «مثير ومخيف في آن». وفـي فئتي الشباب واليافعي خصوصاً، كانت البيانات أكثر خطورة؛ إذ أضحى من المعروف، استناداً إلى نتائج بحوث في المائة من أعضاء هاتي 80 جرت في بيئات مختلفة، أن نحو الفئتي يحصلون على الأخبار من تلك الوسائط الجديدة. وثــمــة نـتـيـجـة أخــــرى حـصـلـنـا عـلـيـهـا مـــن تــلــك الـــدراســـات المــتــواتــرة، ولا يـبـدو أنـهـا عـرضـة لـ نـتـقـاد أو الــدحـــض؛ وهـي النتيجة التي تتصل بهيمنة الميل إلى الحصول على الأخبار ذات الطبيعة الترفيهية مـقـارنـة بتلك الـتـي تتعلق بالشؤون الــــجــــادة، وبــاســتــثــنــاء أوقــــــات الأزمـــــــات والـــــكـــــوارث الـطـبـيـعـيـة والـحـروب والـنـزاعـات العنيفة، فـإن هـذا الميل يتعزز، ويتسيد الأولويات الإخبارية عادةً. كما تبرز نتيجة ثالثة تدق نواقيس الخطر للعاملي في صناعة الإعـ م والمهتمي بها؛ إذ بدا واضحاً أن قطاعاً مؤثراً من مستهلكي الأخـبـار، خصوصاً في الفئات الأصغر سناً، لا يربطون بي المادة الخبرية التي حصلوا عليها عبر الوسائط الجديدة وبي اسم المؤسسة الإعلامية التي أنتجت هذه الأخبار. يعني هذا ببساطة أن قطاعاً كبيراً من مستهلكي الأخبار لا يقيمون وزنـــ لاســم المـؤسـسـة الإعـ مـيـة الـتـي أنفقت الوقت والجهد والموارد في إنتاج الأخبار، وأنهم يحصلون على الخبر لتلبية حاجتهم للمعرفة أو للترفيه، ثم لا يجدون جواباً عندما يتم سؤالهم عن مُنتج هذا الخبر، أو مصدره الأساسي. ستكون لتلك النتيجة بــالــذات تـداعـيـات مـؤلمـة على عمل الإعلام المؤسسي، وستُعمق أزمات وسائل الإعلام المهنية، لأنها ستحرمها مــن تـكـريـس عـ مـاتـهـا الـتـجـاريـة، والاسـتـثـمـار في مقومات الثقة والـجـودة، بعدما حرمتها من كثير من العوائد المالية التي راحــت تصب فـي خـزائـن «الـعـارضـن» مـن مُشغلي وســـائـــل «الـــتـــواصـــل الاجــتــمــاعــي»، لـتـرفـع أربــاحــهــم إلـــى أرقـــام قياسية، بينما تُفقد الإعـ م المؤسسي الفرص العادلة لموازنة النفقات وتحقيق الاستدامة. وأما النتيجة الرابعة، فيمكن وصفها بأنها أكثر النتائج والاسـتـخـ صـات العلمية إثـــارة لـ هـتـمـام؛ إذ تتعلق بشيوع الأخــبــار الـكـاذبـة، والــنــزوع الـهـائـل نحو الفبركة والاصـطـنـاع، خـصـوصـ مــع دخــــول مُـمـكـنـات الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي إلـــى عالم الأخبار من الباب الواسع، وتمددها في «الشبكات الاجتماعية» بنجاح كبير. لـــقـــد حــظــيــت هـــــذه الــــتــــطــــورات كــلــهــا بـــالاهـــتـــمـــام الـبـحـثـي والمعرفي على نطاق واسع، وأمسى بوسع المنظومات الإعلامية المختلفة تقييم التداعيات والمخاطر الناجمة عنها على أسس علمية، بـل واتــخــاذ خـطـوات لتعظيم المـكـاسـب الـتـي قـد تتولد عنها، وتحجيم المخاطر المؤكدة المترتبة عليها. لكن ثمة نتيجة خامسة لمقاربة المجال الإخـبـاري العالمي والإقـلـيـمـي الـــراهـــن لــم تـحـظ بـالاهـتـمـام الـــواجـــب، ولـــم تتشكل مــ مــح اســتــجــابــة مـفـتـرضـة ومـــرغـــوبـــة فـــي مــواجــهــتــهــا؛ وهــي النتيجة المتعلقة بتغير آلـيـات صناعة «الأجــنــدة الإخـبـاريـة» في وسائل الإعلام المهنية، التي أضحت، في قطاع مؤثر منها، انعكاساً لما يتداوله مستخدمو وسائل «التواصل الاجتماعي»، بـصـرف الـنـظـر عـمـا إذا كـــان هـــذا المُـــتـــداول، والمُـنـتـشـر، والمُـثـيـر، ينطوي على قيمة إخبارية من عدمه. فـلـم يـعـد بــإمــكــان صُـــنـــاع الأخـــبـــار، ومُـــطـــوري «الأجـــنـــدات الإخــبـــاريــة»، فــي أي وسـيـلـة إعـــ م مهنية تـجـاهـل مــا يـتـداولـه الـنـاس عبر وسـائـل «الـتـواصـل الاجتماعي»، وهــذا أمـر مفهوم ومطلوب. كما لم يعد باستطاعتهم استبعاد بعضهذا المُتداول لاعتبارات مهنية، أو لعدم استيفائه المعايير الإخبارية، وهذا أمر خطير ومخيف. فــي معظم غـــرف الأخــبــار الـتـي تنتمي إلـــى وســائــل إعــ م مهنية يــثــور الـنـقـاش يـومـيـ عــن قـائـمـة أولـــويـــات مستخدمي الوسائط الـجـديـدة، وعـــادة مـا يجري الاسـتـقـرار على صعوبة تجاهل هذه الأولويات، حتى لو كانت غير منطقية أو غارقة في الادعاء والاصطناع والتنطع. سـيـعـنـي إخـــضـــاع بــعــض أولــــويــــات «الــســوشــيــال مـيـديـا» و«ترينداتها» الرائجة للمعايير المهنية استبعادها بالضرورة، لأنـهـا لا تعكس قيماً إخـبـاريـة تُـسـوغ انـتـقـاءهـا ومعالجتها، لكنّ لذلك الاستبعاد أثــراً آخــر؛ إذ سيحرم المؤسسة الإعلامية من عوائد التعرض التي ازدادت طردياً مع بروزها في منصات «التواصل الاجتماعي». مـن الــضــروري أن تخضع هــذه القضية لمعالجات بحثية ومناقشات مهنية على مستوى صناعة الإعـــ م العالمية، لأن الاستسلام للأولويات التي ترسيها «السوشيال ميديا»، من دون تـدقـيـق مهني مـنـاسـب، قــد يعيد تشكيل آلــيــات صناعة الأخبار، ويفقدها أحد أهم مقوماتها. وسط الإعجاب بالتكنولوجيا لم يهتم الإعلام الفرنسي بمناقشة مصير المدنيين أو الشرعية القانونية للهجمات الإسرائيلية

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky