issue16750

في عالمنا العربي والشرق الأوسط هناك انقسام ممتد بين تيار التسوية السلمية والاعتدال، وتيار المقاومة المسلحة 7« والممانعة، وظهر هذا الانقسام بشكل واضح عقب عملية أكتوبر»، وحتى مواجهات «حزب الله» مع إسرائيل. ويرجع مشروع الممانعة لعقود طويلة سابقة، وتحديداً منذ أن وقّع الرئيس السادات على معاهدة الصلح بين مصر وإسـرائـيـل، فظهرت جبهة الصمود والـتـصـدي الـتـي ضمت دول، أبـــرزهـــا نـظـامـا الـبـعـث فـــي الـــعـــراق وســـوريـــا الــلــذان 5 حاربا بعضهما في مواجهة بعض، ولـم يحاربا إسرائيل، وسرعان ما تفكّكت هذه الجبهة، وانتقلت «منظمة التحرير الفلسطينية» مـن محور الصمود والتصدي إلـى الاعـتـدال، ودخــلــت فــي مــســار الـتـسـويـة الـسـلـمـيـة عـقـب تـوقـيـعـهـا على الـــذي كــان يُـفـتـرض أن يـــؤدي إلى 1993 «اتــفــاق أوســلــو» فـي بـنـاء دولـــة فلسطينية، قـضـت عليه حـكـومـة شــــارون ببناء المــســتــوطــنــات، وحـــصـــار الـسـلـطـة الـفـلـسـطـيـنـيـة، وتـفـريـغـهـا مـن قيادتها، والإنـهـاء الفعلي والتدريجي لفرص التسوية السلمية. وبعيداً عـن «الأداء العاجز» لنظم الصمود والتصدي التي واجهت الـسـادات، وانعدام كفاءتها، وضعف الشرعية الـسـيـاسـيـة لأغــلــب نُـظـمـهـا، إلا أن مـــشـــروع الاعـــتـــدال امتلك «إنـــجـــازاً» عـلـى الأرض، تـمـثّـل فــي اســتــعــادة مـصـر لأرضـهـا المحتلة، حتى لـو كـان هناك تيار فـي مصر والعالم العربي يَـعـدّ «كـامـب ديـفـيـد» صلحاً مـنـفـرداً أخـــرج مصر مـن ساحة الــصــراع الـعـربـي الإسـرائـيـلـي (خـرجـت منه تباعاً كـل الــدول العربية). لم تقدّم «اتفاقية كامب ديفيد» حلاً للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وشهدت الأراضــي المحتلة انتفاضة الحجارة ، ونـــالـــت تـعـاطـفـ عــالمــيــ غير 1987 الـشـعـبـيـة والمـــدنـــيـــة فـــي مـسـبـوق، وفـتـحـت مــســاراً سياسياً أسـفـر عــن الـتـوقـيـع على الــــــذي ســـمـــح بــــعــــودة «مـنـظـمـة 1993 «اتــــفــــاق أوســــلــــو» فــــي التحرير» إلــى قطاع غــزة والضفة الغربية، ووعــد بتحويل الحكم الذاتي الـذي ناله الفلسطينيون في مناطق (أ) و(ب) إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وقــد فتح هــذا المـسـار الطريق أمــام تصاعُد تأثير تيار الاعــــتــــدال الـــعـــربـــي والــفــلــســطــيــنــي، وتــــراجُــــع قــــوى المـمـانـعـة العربية، حتى اختفت تقريباً، ثم تبلورت في صورة جديدة أكثر كفاءةً (بالمعنى النسبي) مع إيران، وعدد من التنظيمات المـسـلـحـة. لـم يـلـغِ مـسـار التسوية السلمية والاعـــتـــدال قوى الممانعة، إنما امتلك حاضنة شعبية كبيرة مؤيدة للتسوية السلمية، في نفس الوقت تبلورت حركة «حماس» بصفتها تنظيماً ممانعاً، ورفضت «اتفاق أوسلو»، ولكنها استفادت منه بأن عادت إلى الأراضي الفلسطينية، ووسّعت من دائرة نـشـاطـهـا وقـــــوّت جـنـاحـهـا المــســلــح، ودخـــلـــت فـــي مـواجـهـات دامية مع حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية، حتى سيطرت ، وطــردت السلطة 2007 بالقوة المسلحة على قطاع غـزة في ومؤسساتها منها. والحقيقة أن الانـقـسـام بــ المـعـتـدلـ والمـمـانـعـ كـان دائماً بسبب مشاريع حقيقية يقوم بها تيار الاعتدال، حتى لو لم تكن محل اتفاق، إنما كانت هي دون غيرها التي تخلق واقعاً جديداً واجهَته قوى الممانعة. وبــــصــــرف الـــنـــظـــر عــــن ســلــبــيــات كـــثـــيـــرة فــــي أداء قـــوى الاعــتــدال، ومنها مـا أصـــاب السلطة الفلسطينية مـن ترهّل وسوء أداء، إلا أن مسؤولية سلطة الاحتلال عن جوانب كثيرة مـن هــذه السلبيات مــؤكّــدة، فقد حـاصـرت المنظمة وقائدها ياسر عرفات حتى رحيله، وتملّصت من كل الالتزامات التي تضمّنها «اتفاق أوسلو»، وقضت بالاستيطان والقمع على حل الدولتين. لقد قدّمت نُظم وقـوى الاعتدال مشاريع ملموسة، كان لها تجليات على الأرض، سواءً في مصر باستعادة سيناء، أو في فلسطين بإدارة ذاتية لجانب من الأراضي الفلسطينية، في حين أن المشهد الحالي يقول إنه لا يوجد شيء يُذكَر يمكن أن تـقـدّمـه قـــوى الاعـــتـــدال للشعب الفلسطيني، فـقـد رفضت إســرائــيــل فـــي خـطـابـهـا الـعـلـنـي ومـمـارسـاتـهـا الـيـومـيـة حل الدولتين وأي تسوية سلمية، ولـم تواجه تنظيم «حماس» أو «حزب الله» فقط، إنما مارست الإبـادة الجماعية في غزة لبناني دون ردْع، وبات أمراً 2100 دون حساب، وقتلت نحو مُـقـلِـقـ وحـزيـنـ أن يـكـون مـقـابـل هـزيـمـة تنظيمات المـقـاومـة المسلحة هو «لا شيء»، أو «لا بديل»، أو الفراغ الكامل لصالح قـوة باطشة تعيد للأذهان ما عرفه العالم في حـروب القرن الماضي. لقد سبق ودخلت آلة الحرب الإسرائيلية في حروب قاسية مـع دول عربية وفـصـائـل مسلحة، ولكنها قبلت أن تـتـواصـل مـع المـعـتـدلـ ، بـل وقــدّمــت مـا عَــدّتــه تــنــازلات لهم، سواءً بالنسبة للرئيس السادات أو السلطة الفلسطينية، أما حالياً فإن القوة الإسرائيلية الباطشة لا تقدّم أي تنازل يحقّق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. إن حـــدود الـتـواصـل بـ تــيــارَي الاعــتــدال والمـمـانـعـة لن يلغي التباين العميق بينهما، إنما يعني أن مشكلة التطرف الإسرائيلي تؤسّس لدولة محصّنة فوق القانون والشرعية الدولية، وباتت تمثّل خطراً حقيقياً على الجميع، وتُصدّر طاقة عنصرية وكراهية ضد العرب، وضـد كل من يخالفها فــي الـتـوجـهـات، لـيـس لأنـهـم مـمـانـعـون أو مــتــشــددون، إنما بسبب هويتهم أو لــون بشرتهم، أو لأنـهـم لـم يـتـجـرّدوا من إنسانيتهم أمام هول ما يجري في غزة ولبنان. أحـــــد أهـــــم الأســـئـــلـــة المــــتــــكــــررة غــــداة الانـتـخـابـات الرئاسية الأمـيـركـيـة: هـل لا يــزال نظام الكلية الانتخابية أو المجمع الانتخابي مناسباً للانتخابات الرئاسية في القرن الحادي والعشرين، وهل يمكن اعتباره نظاماً ديمقراطياً وعادلاً حقاً؟ المعروف أنه لا يتم انتخاب الرؤساء الأمـــيـــركـــيـــ بــالــتــصــويــت الـــشـــعـــبـــي، بـل مـن قبل مجموعة مـخـتـارة تُـعـرف باسم الهيئة الانتخابية، وهو نظام تم ابتكاره لـجـمـع عـــدد مــن الــولايــات 1787 فــي عـــام المتباينة، الـتـي كــان لكل منها أجندتها الخاصة. تــقــوم هــــذه الـهـيـئـة بـتـخـصـيـص عــدد مـــن المـــنـــدوبـــ عــلــى أســـــاس عــــدد أعــضــاء مجلس الشيوخ والنواب في كل ولايـة في الـكـونـغـرس، بـالإضـافـة إلــى ثـ ثـة ناخبين .538 لمقاطعة كولومبيا ليصبح المجموع تـمـنـح مـعـظـم الــــولايــــات جـمـيـع أصــواتــهــا الانتخابية للمرشح الذي يفوز بالولاية. نشأ نظام الكلية الانتخابية نتيجة لتسوية تـاريـخـيـة بــ واضــعــي الـدسـتـور الأمــــيــــركــــي، الــــذيــــن أرادوا مــــن المـــواطـــنـــ انـتـخـاب الـرئـيـس بشكل مـبـاشـر، وأولـئـك الــــذيــــن يــــريــــدون مــــن الـــكـــونـــغـــرس اخــتــيــار الرئيس التنفيذي. هـــنـــا قــــــرر المــــؤســــســــون إنــــشــــاء هـيـئـة مؤقتة وسيطة بين الناخبين والمسؤولين المنتخبين لاتــخــاذ الـــقـــرار، غـيـر أن المـؤقـت بات دائماً فيما بعد. حسب الكلية الانتخابية، فإنه يتعين عــلــى أي مـــرشـــح الـــفـــوز بـأغـلـبـيـة أصــــوات صوتاً ليصبح 538 الهيئة البالغ عـددهـا رئيساً، وإذا لـم يفز أي مرشح بالأغلبية، فـــإن نـتـيـجـة الانــتــخــابــات يــقــررهــا مجلس النواب الأميركي، حيث يدلي وفد كل ولاية بصوت واحد. فما الذي يعنيه ذلك النظام؟ في ظل هذا الإطار التاريخي والحالي فـي الـداخـل الأمـيـركـي، قـد لا يتمكن الفائز في التصويت الشعبي من تأمين ما يكفي مــــن أصــــــــوات المـــجـــمـــع الانـــتـــخـــابـــي لــلــفــوز بالرئاسة. هل لا يزال الأميركيون راضين عن هذا النظام الانتخابي؟ أغـسـطـس (آب) 26 فــي الـفـتـرة مــا بــ سبتمبر (أيـــلـــول) المــنــصــرمــ ، أجـــرت 2 و مــؤســســة «بـــيـــو» لــ بــحــاث فـــي واشــنــطــن، أميركياً، 9720 استطلاع رأي على عينة من في المائة من 63 : وجاءت النتيجة كالتالي الأمـيـركـيـ يفضلون أن يـكـون الـفـائـز في الانتخابات الرئاسية هـو الشخص الـذي يفوز بأكبر عدد من الأصوات على المستوى في المائة صوّتوا لصالح 35 الوطني، فيما الاحتفاظ بنظام الكلية الانتخابية. هـــــــل يــــتــــمــــايــــز الـــــجـــــمـــــهـــــوريـــــون عـــن الديمقراطيين في هذا السياق؟ 2000 الشاهد أنه منذ انتخابات عام أيّـــد ثلثا الـديـمـقـراطـيـ أو أكـثـر الانـتـقـال إلى نظام التصويت الشعبي، فيما لا يزال الجمهوريون منقسمين إلى حد ما اليوم؛ في المائة منهم الانتقال إلى 46 حيث يؤيد نظام التصويت الشعبي. الرفض المتصاعد للكلية الانتخابية يـــنـــطـــلـــق مـــــن شــــبــــهــــات تـــــــــدور حـــــــول عــــدم ديـــمـــقـــراطـــيـــة تــمــثــيــل المــــنــــدوبــــ فــــي هـــذا الــنــظــام، وانــتــفــاء مـقـدرتـهـم عـلـى التعبير عـــن الإرادة الـحـقـيـقـيـة لــلــنــاخــبــ ، سيما أنــه يمكن للفائز أن يحصل على أصــوات شعبوية أقــل، وعليه فـإن الإرادة الشعبية تقع تحت شمولية مندوبي الولايات. مــــا الـــحـــل هـــــنـــــا... هــــل يــمــكــن تــعــديــل الـدسـتـور الأمـيـركـي لـلـخـ ص مــن راهنية الأزمة؟ سـبـتـمـبـر 15 إلـــــى 3 فــــي الـــفـــتـــرة مــــن المـــــنـــــصـــــرم، أجــــــــــرت مــــؤســــســــة «غــــــالــــــوب» 58 اسـتـطـ عـ لــلــرأي، أظــهــرت نتيجته أن فـي المـائـة مـن الأميركيين يفضلون تعديل الـدسـتـور لانـتـخـاب الـــرؤســـاء عـلـى أســاس التصويت الشعبي، بــدلاً مـن الإبـقـاء على فــي المــائــة أبـــدوا 39 الـنـظـام الـحـالـي، فيما دعماً لبقاء الحال على ما هو عليه. غـيـر أن مـسـألـة تـعـديـل الــدســتــور أمـر ليس هيناً، ولو كان شأناً متروكاً لأغلبية بسيطة مــن الأمــيــركــيــ ، لــكــان مــن الممكن تعديل الدستور، غير أن الدستور يعطي الناخبين في كل ولاية على وجه التحديد، مهمة انتخاب الرئيس. من جانب آخـر، تبدو إمكانية تعديل الـدسـتـور ضئيلة، نظراً للحاجة إلــى دعم الأغـــلـــبـــيـــة الـــســـاحـــقـــة فــــي الـــكـــونـــغـــرس، أو الـبـديـل المـتـمـثـل فــي دعـــوة ثلثي الــولايــات إلـى عقد مؤتمر لتغييره، وبصرف النظر عن النهج المتبع، فإن ثلاثة أرباع الولايات سوف تحتاج إلى التصديق على التعديل. هل حاول الأميركيون تغيير الدستور بالفعل من قبل؟ كـــاد الـكـونـغـرس يصل 1934 فــي عـــام إلــى عتبة إلـغـاء نـظـام الكلية الانتخابية، لـــكـــنـــه فـــشـــل فــــي تـــمـــريـــر الـــتـــعـــديـــل بـــفـــارق صوتين فقط في مجلس الشيوخ. لــــم يـــتـــوقـــف الأمـــــــر عـــنـــد إخــــفــــاق هـــذا التصويت؛ إذ استمر المشرعون في مناقشة إنهاء أو إصلاح الكلية الانتخابية مرة بعد 700 الأخرى. وحتى الساعة، طرح أكثر من اقتراح لتعديل المشهد بشكل جذري. وكبديل للتعديل، دخلت مجموعة من الولايات في اتفاقية لمنح أصوات ولاياتها الانتخابية للفائز في التصويت الشعبي الوطني، وسوف تدخل هذه الاتفاقية حيز الوجود بمجرد أن يبلغ أصـوات الولايات صوتاً. 270 المشاركة في الانتخابات هل حان الوقت لأميركا لإلغاء الكلية الانتخابية قبل أن يــؤدي فشلها الواضح إلى تقويض الثقة العامة في الديمقراطية الأمـــيـــركـــيـــة، وتـــشـــويـــه الإرادة الـشـعـبـيـة، وخلق أزمة دستورية حقيقية؟ OPINION الرأي 14 Issue 16750 - العدد Monday - 2024/10/7 الاثنين وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com إميل أمين سام منسى عمرو الشوبكي الكلية الانتخابية والثقة بالديمقراطية الأميركية طهران... فاجعة نصراللهوإشكالية الرد صــــاروخــــ أطــلــقــهــم «الــــحــــرس الـــثـــوري» 250 أكـــثـــر مـــن الإيــــرانــــي عــلــى إســـرائـــيـــل رداً عــلــى اغــتــيــال إســمــاعــيــل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران، وعملية تفجير مقر الـقـيـادة لـــ«حــزب الـلـه» فـي الضاحية الجنوبية لبيروت التي أدت إلى مقتل أمين عام الحزب حسن نصر الله. حصيلة الـهـجـوم المعلنة كـانـت مقتل فلسطيني فـي مدينة أريحا في الضفة الغربية، وعـدداً من الإصابات الطفيفة في مناطق إسرائيلية مختلفة، إضافة إلى تضرر بعض القواعد العسكرية، دون أن تكشف إسـرائـيـل عـن مــدى هــذا الـضـرر. اللافت أن نتائج هذا الهجوم الصاروخي تحاكي نتائج ردود «حزب الله» على العمليات الإسرائيلية ضده على المستويات كافة، لا سيما منذ حادثة تفجير أجهزة «البيجر» و«التوكي وكــي»، والتي بلغت ذروتها باغتيال الأمـ العام في زلـزال أصــــاب الـــحـــزب وبـيـئـتـه وعـــمـــوم لــبــنــان. حـتـى بـعـد الـهـجـوم الإيــرانــي على إسـرائـيـل، بقيت خسائرها البشرية والمـاديـة ضئيلة مـقـارنـة بـالـخـسـائـر الـتـي تكبدها «حـــزب الــلــه» ومـا أصاب لبنان واللبنانيين. كـان واضحاً أن إيــران اضطرت إلـى أن تـرد، وكـان ردها كسابقه مـدروسـ ومتسقاً مـع مواقفها «الضابطة للنفس» منذ عملية «طوفان الأقصى». الفرق بين إيـران والحزب هو أن طهران أحسنت قراءة المشهد الإقليمي والدولي الذي باتت فيه موازين القوى تميل بشدة إلـى الغرب الداعم لإسرائيل وعلى رأســه أميركا، مع أفــول نجم روسيا وابتعاد الصين. وأحـسـنـت طــهــران قــــراءة الـتـحـولات الـعـربـيـة، خـصـوصـ في الخليج العربي الـــذي بــات يتطلع قـدمـ نحو تحقيق سلام إقليمي. «حزب الله» فشل في قراءة المشهد، أو اندفع بغض طرف عن راعيه إلى خوض معركة إسناد «حماس»، مزهواً ، علّه يستعيد بعضاً مما 2006 بذكرى «نصره الإلهي» عام فقده عربياً عندما ساند نظام بشار الأسد، وشن حرباً غير معلنة على الدول الخليجية، محاولاً زعزعة أمنها الداخلي، اجتماعياً بالمخدرات وسياسياً بدعمه الحوثيين في اليمن. منذ «حـادثـة» مقتل الرئيس الإيـرانـي السابق إبراهيم رئـــيـــســـي، وانـــتـــخـــاب شــخــصــيــة «إصــــ حــــيــــة» هــــو مـسـعـود بزشكيان، كان جلياً أن إيران دخلت مسار المهادنة مع الغرب، ومسار التركيز في هذه المرحلة على الدبلوماسية بـدلاً من الـــحـــرب. لــم يـحـسـن أيــضــ «حــــزب الــلــه» قــــراءة هـــذا الـتـطـور. لـفـتـنـي وصــــف الـــزمـــيـــل عــبــد الـــرحـــمـــن الــــراشــــد فـــي «الـــشـــرق الأوسط» للهجوم الإيراني على إسرائيل بأنه بمثابة «إعلان وفـــاة (حـــزب الـــلـــه)»؛ فـهـي بحسبه «تــقــوم بــالــدور الـــذي كـان مهمة الحزب»؛ إذ إيران التي خلقت الحزب ودعمت «حماس» لخوضحربها مع إسرائيل بالوكالة وتشكيل طوق يحميها، أجـبـرتـهـا خـسـائـرهـمـا عـلـى الـــدخـــول فــي حـــرب مـبـاشـرة مع تـل أبـيـب. هـذه الملاحظة الجوهرية تسمح بالقول إن إيـران خسرت «حزب الله» عندما انخرط بحرب غير محسوبة وغير متكافئة مع إسرائيل، وهو عاجز عن استخدام كل قوته؛ لأن من جهة إيـران لا تريد ذلـك، ومن جهة أخـرى فإن ذلك يعني دمار لبنان بأكمله. قد يقول البعض إن نهج طهران الجديد هو مسرحية بحتة، إنما المؤكد أن الأداء العسكري التكتيكي والتقني لإسرائيل وإنجازاتها منذ عملية «طوفان الأقصى»، دفعاها أكثر إلى المراجعة والتفكير. عـلـى المـسـتـوى الـلـبـنـانـي، رحــيــل نـصـر الــلــه تـــرك حزبه يتيماً، ومن الصعوبة أن يملأ أي أحد مكانه ومكانته التي عاماً. كما يصعب على أي كيان تخطي 30 رسخها على مدى إبـــــادة ثـــ ثـــة مــســتــويــات مـــن الـــقـــيـــادة، فـــضـــً عـــن الـنـكـسـات النفسية العميقة التي لحقت ببيئته، وأكبرها خيبة الأمل من إيران. قد يستغرق الأمر وقتاً كبيراً للتعويض، والخوف أن تنخر الحزب خلافات داخلية بين مؤيد لطهران، ومعارض لها، وثالث متفلت من كل الضوابط، تُترجم بنكسات أمنية متجولة، ويتحول الحزب إلى مجموعات متناحرة تزيد من تداعيات الـفـراغ الــذي خلفه غياب نصر الـلـه. الـيـوم، يعيش لــبــنــان الـــقـــائـــم عــلــى نـــظـــام الـــطـــوائـــف أكـــبـــر الـــفـــراغـــات: فـــراغ فــي الـزعـامـة السنية والمـسـيـحـيـة، والــيــوم فـــراغ فــي الـزعـامـة الشيعية؛ ولـذلـك يشعر اللبنانيون باليتم، مـن دون سعي جــدي لـلـخـروج مــن عــبــاءات الـطـوائـف والــدخــول إلــى الـدولـة الـوطـنـيـة، كــذلــك الـــخـــروج مــن الــهــويــات الـديـنـيـة والطائفية للدخول إلى المواطنة، والتفلت من الآيديولوجيات العقيمة لمـصـلـحـة مــراجــعــة فـكـريـة مـنـفـتـحـة وحـــداثـــيـــة. الـــرهـــان على حكمة المعارضين لـ«حزب الله» والمد اللبناني المدني العابر ،2005 » آذار 14« للطوائف الــذي شهدناه عند إنـشـاء حركة ، الآن يـواجـهـون 2019 ) أكــتــوبــر (تــشــريــن الأول 17 وحـــــراك تنظيماً أضعف ومجالاً أكثر تكافؤاً سيؤدي إلى مساحة أكبر للسعي إلـى عقد وطني جديد في لبنان، علّهم يهتدون ولا يخلقون مظلومية جديدة. يكفي شيعة لبنان ما ارتكبوه من انتحار جماعي عندما ألحقوا أنفسهم بإيران، متناسين ما قاله علي خامنئي يوماً: «إذا لم نحاربهم في لبنان وسوريا والـــيـــمـــن، سـنـضـطـر إلــــى مـحـاربـتـهـم فـــي طـــهـــران وأصــفــهــان ومشهد وتبريز». استعملهم بما يكفي، ويبدو من كلامه في تأبين نصر الله أن شيئاً لم يتغير. على لبنان اللحاق بركب الاعـتـدال العربي، لكن غصن الــزيــتــون لــن يـجـدي إلا إذا انسحبت المــراجــعــة عـلـى غالبية بلدان الشرق الأوسط، لا سيما إسرائيل واتجاهها العدواني المتمثل في الصهيونية الدينية والمقاربات الأمنية. هل مطلوب التواصل بين المعتدلين والممانعين؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky